أكذوبة الفرقان الحق .

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الفيتوري مسلم اكتشف المزيد حول الفيتوري
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أكذوبة الفرقان الحق .

    أكذوبة الفرقان الحق 1



    بقلم الباحث: ياسر الأقرع

    بعد أن حزم مسيلمة حقائبه ورحل موسوماً بصفة الكذاب، يطالعنا العصر الحديث بمحاولة جديدة لتقليد النص القرآني لفظاً ومعنىً وأسلوباً وصياغة... معترفة – دون أن تدرك – أنها تعدُّ القرآن غاية البلاغة ومنتهاها.

    ومن هذه المحاولات ما سمِّي بالفرقان الحق، وسوف نتناول آية مزعومة من السورة التي أسموها "سورة الحق" وفي أول "آية" منها يقولون:

    "وأنزلنا الفرقان الحقَّ نوراً على نور محقاً للحقّ ومزهقاً للباطل وإن كره المبطلون"، لنتأمل هذه الأخطاء الغزيرة في الحروف والكلمات والأفعال والأسماء، وحتى في اسم هذا الكتاب !

    أخطاء في الحروف

    يبدأ هذا النص ( بالواو ) والواو على تعدد أنواعها ( أحد عشر نوعاً ) فإنها لا تأتي في هذا الموضع إلا على احتمالين:

    إما أن تكون استئنافية، أو تكون عاطفة .

    وفي كلا الحالين لابد من كلام قبلها ، لنستأنف بالواو ما بدأناه ، أو نعطف بها على جملة سبقتها . فلابدّ إذاً من تقدير جملة محذوفة ( منويّة ) قبل الواو ، غير أنْ لا بد للمحذوف من كلام يدلّ عليه أو يشير إليه ، وليس فيما يلي الواو ما يدلّ على معنى سابق مقدّر ، فما الحاجة إليها إذاً وهي لم تُفِدْ شيئاً ، ولم تضف معنى ؟ بل يمكن الاستغناء عنها ، أو إبدالها حرف توكيد ، حيث تتأتى من ذلك فائدة ليست في وجود الواو في هذا الموضع .

    أخطاء في الكلمات

    ثم يلي ذلك ، الفعل ( أنزلنا ) فالإنزال من أعلى إلى أدنى فعَلامَ ذُكر الإنزال في نصّ مكتوب من إنسان أو مجموعة من الناس إلى أقرانهم من البشر ولماذا لا يكون ( قدّمنا ـ كتبنا ـ أرسلنا ـ ألّفنا ... ) أو مثل ذلك وهو كثير . وهذه الـ ( نا ) الدالة على الفاعلين ، على من تعود ؟ ذلك أنَّ الضمير لا يؤدي غايته إلا إذا كان معروفاً لدى المتكم والسامع على حدّ سواء ، أو كان مفهوماً من السياق ، أو سبقت الإشارة إليه، وليس من ذلك شيء هاهنا .

    الفرقان( الذي يفرق بين الحق والباطل ) : الفرقان اسم معرف بأل وهذه الـ ( أل ) تفيد في أحد أمرين فإما أن يكون المتكلم والمخاطب متفقين على المعرّف بحيث تدل هذه الـ (أل) على ما تعارفا عليه كقولك لمن وضعت عنده كتاباً ( أين الكتاب ؟ ) فيناولك إياه .

    أو تفيد الكمال أي تقول ( هذا الكلام ) أو ( هذا الرجل) وتقصد الكلام الكامل كما يجب أن يكون والرجولة الكاملة كما يجب أن تكون .

    أخطاء في الصفات

    والفرقان هو ما يَفْرِقُ بين الحقّ والباطل ، والفرقان بذكره معرّفاً بأل يفيد الكمال أي كمال التفريق بين الحق والباطل ومن هنا فلا يضيف وصفه بـ ( الحقّ ) إلى معنى الفرقان جديداً ، فتنعدم بذلك الفائدة من الصفة .

    فلو قيل ( الفرقان ) دون وصفه لكان المعنى الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل بشكله الكامل الذي لا نقص فيه فهو ( الحقّ ) .

    وثمة احتمال آخر وهو أن يكون ثمة فرقان آخر هو الباطل وهذا الفرقان هو الحق . فالصفة تفرّق بين اسمين مشتركين في اللفظ فتقول (مررت بزيد القائم ) وهذا يقتضي وجود رجل اسمه زيد وهو غير قائم .

    لكن كلمة الفرقان وحدها تكفي لتفند دعاوى من يدّعي باطلاً بأنه فرقان ، ومن يكون حقاً فرقاناً ، فلو ادّعى مجموعة أشخاص بأن كلاً منهم هو حكم أو عادل ، ثم أشرت إلى رجل وقلت (هذا الحكم ) أو ( هذا العادل )، لكفاك ذلك في دحض دعاوى غيره بأنهم الحكام أو العادلون .

    أخطاء في الأسماء

    ثم تأتي كلمة ( نوراً ) وهي اسم جامد بمعنى المشتق، فالمقصود ( منوّراً ) وهذا ما يؤكده ما جاء بعدها من أحوال ( محقاً ـ مزهقاً ) إذاً فكلمة ( نوراً ) جاءت في الجملة حالاً ، فكيف جاء الفرقان الذي هو يفرّق بين الحق والباطل نوراً على نور وقد كان ثمة نزاع أو خصام بين حق وباطل فهو نور نزل على ظلام .

    ولو قيل : هو ( نور على نور ) في ذاته فليس المقصود إنزاله نوراً !! لكان الجواب : إن ذلك ممكن لو جاء على غير حالة النصب التي جاء عليها. فلو قيل أنزلنا الفرقان الحق وهو نور على نور محقاً ... إلخ ، لكان يفهم من ذلك أنه نور على نور في ذاته، أما كونه حالاً فإنه لا يؤدي معنى الثبات.فليس المقصود إذاً أنه نور على نور في ذاته، بل إنه جاء نوراً على نورٍ، وكونه جاء ليفرق بين حقٍّ وباطل كائنين قبل نزوله ، فليس فيما هو كائن قبل نزوله نور إذاً .

    ثم تأتي (محقّاً ) وهذا اسم فاعل من الفعل ( أحقَّ ) والفعل ليس رباعياً وإنما هو ثلاثي فهو ( حقق ) كما ورد في المعجم ( انظر : لسان العرب/ ج10 / ص49-58 )، ومن ثمَّ فصياغة اسم الفاعل من الثلاثي المبني للمعلوم تكون على وزن فاعل فيقال ( حاقّ ) ولو كان الفعل ( أًحَقَّ ) أي رباعياً لما صح أن تكون صيغة التفضيل منه ( أحقّ ) لأنَّ هذه الصيغة تصاغ من الثلاثي لا من الرباعي .

    ثم تأتي كلمة ( مزهقاً ) وأصل الفعل ثلاثي مبني للمعلوم ( زَهَقَ ) واسم الفاعل منه ( زاهق ) وليس ( مُزهقاً )

    أخطاء في استعمال الكلمات

    و(زاهق) على وزن فاعل غير أنه يدل على الثبات، فهو صفة مشبهة وليس اسم فاعل، وكذلك قولنا ( زهوق ) فهي صفة مشبهة وليست مبالغة من اسم الفاعل . ثم إنَّ الفعلين ( حقق ) و ( زهق ) فعلان لا يتعديان بـ(اللام) فأنت تقول ( حققت الحقَ وزَهَقْتُ الباطل ) ولا تقول (حققت للحق وزهقت للباطل ).

    وجاءت هنا ( محقاً للحق ومزهقاً للباطل ) فما الفرق بين ( محقّ الحقّ ) و ( مُحقّ للحق )

    َ يقول النحاة: إن اسم الفاعل إذا نصب مفعولاً كان دالاً على الحال أو الاستقبال ومثال ذلك ، أما إذا دخلت اللام على المفعول به أفاد الإطلاق، فقولك ( أنت منصف خالداً ) هذا يدل على حالتك الآن أو لما سيأتي ، وقولك ( أنت منصف لخالد ) دليل على الإطلاق أي أن الأمر كائن ،ماضياً وحاضراً و مستقبلا.ً فكيف يكون إنزال النص محقاً للحق ومزهقاً للباطل وهذا الأمر يدل على الإطلاق. فالنص محقّ الحق مزهق الباطل ماضياً ( قبل الإنزال ) وحاضراً ومستقبلاً .

    فإن صلح ذلك حاضراً ومستقبلاً فكيف يحق الحق ويزهق الباطل قبل نزوله، ومنه فيجب أن تكون ( محقّ الحقّ مزهق الباطل ).

    أخطاء في البلاغة

    ثم يأتي القول : ( محقاً للحق ومزهقاً للباطل )

    إنَّ من البلاغة حذف الواو في هذا الموضع لما فيه من الإيجاز ، ذلك أن إثباتها يقتضي تغاير المعطوف والمعطوف عليه ، فإذا حُذِفَت أَشْعَرَ ذلك بأن الكلَّ كالشيء الواحد ، وهنا من يحق الحق ويزهق الباطل واحد، وهو الفرقان حسب ما جاء في النص .

    فمن البلاغة أن تأتي الواو بين الصفات المتباعدة المتناقضة في الظاهر، حيث يبعد في الذهن اجتماع هذه الصفات في ذات واحدة ، فأنت تقول : فلان مهندس وموسيقي وشاعر ، فهذه الصفات تعود لذات واحدة غير أنها متباعدة ، فأتت الواو لتقرر الأمر وتحققه ، وليس في وصف الفرقان ( الذي في اسمه تفريق بين الحق والباطل) بـ( محق الحق مزهق الباطل ) ما يدل على تباعد الصفات أو تناقضها في الظاهر.

    بعد أن درسنا النص بلاغياً على مستوى المفردات والتراكيب التي تضمَّنها، علينا أن ننظر إليه نظرة كلية ، بوصفه نصّاً ( وهو جزء من بنية نصية أكبر ) ، ذلك أن الدراسة البلاغية تعنى بالكليات قدر عنايتها بالجزئيات.

    إذا كانت البلاغة هي بلوغ المرء بعبارته كنه ما في نفسه مع الاحتراز من الإيجاز المخل، والتطويل المملّ ، فهل خلا النص مما يعد إطالة لا جدوى منها ولا فائدة ؟!

    أخطاء حتى في التسمية!

    أليس في اسم ( الفرقان ) معرفاً بـ ( أل ) ما يغني عن وصفه بـ ( الحق ) .

    وهذا الاسم الذي يتضمن معنى التفريق بين الحق والباطل ألا يغني عن وصفه بـ ( محق الحق ومزهق الباطل ) وعليه فإن هذا الكلام لم يأتِ بجديد .

    إذاً في النص كثير كلام لقليل معنى فيمكن والحالة هذه إيجازه وتكثيفه .

    ولعل منتهى البلاغة إنما تكمن في الجديد الذي يأتي به النص أسلوباً ونظماً ومعنىً، وهذا النص هو محاولة تقليد للنص القرآني يستخدم ألفاظه ، ويكرّر معانيه ، ويقلّد أسلوبه ، وهو بذلك يعدّ الأصل غاية البلاغة ومنتهاها لذا سعى إلى الصوغ على منواله والسير على نهجه .



    يتبع باذن الله ...

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم .

    أكذوبة الفرقان الحق ... ج2



    بقلم: ياسر محمود الأقرع

    استكمالاً لما بدأناه من دراسة بلاغية لما سمي " سورة الحق " من الكتاب المسمى ( الفرقان الحق ) نتناول هنا بالبحث والدراسة الآيتين الثانية والثالثة من السورة المذكورة، وهذا نصّ الآيتين :

    2 - ففضحَ مكر الشيطان الرجيم ولو تنزّل بوحي ملك رحيم

    3- وأبطل فرية رسله الضالين، ولو نطقوا بما أعجز الأميين

    الفاء في صدر الآية

    2 - ففضحَ مكر الشيطان الرجيم ولو تنزّل بوحي ملك رحيم

    تبدأ الآية الثانية ـ كما نلاحظ ـ بالفاء، وللفاء، حسب ما يرى النحاة، ستة أوجه، وقد جاءت هنا حرف عطف، وهي عندما تكون حرف عطف فإنها تفيد الترتيب والتعقيب .

    فقولنا : جاء خالد فأحمد :

    يعني مجيء خالد أولاً ويليه أحمد ( الترتيب )

    دون أن يكون بينهما فارق زمني يذكر ( التعقيب ) .

    فهل جاءت الفاء هنا في موضعها الملائم !! لنتذكر معاً الآية التي سبقت هذه الآية ترتيباً في السورة ذاتها : تقول الآية السابقة : ( وأنزلنا الفرقان الحقَّ نوراً على نور محقاً للحقّ ومزهقاً للباطل وإن كره المبطلون )المعنى الذي تقوم عليه الآية كما نرى هو إنزال فرقان يفرق بين حق وباطل .والفرقان المنزل : كتاب ، فهو نصّ أولاً وأخيراً ، والنص لا يفرق بين الحق والباطل بفعل البطش والقوة، وإنما بسلطان العقل والمنطق وإقامة الحجة والبرهان، وصولاً إلى فضح مكر الشيطان ( أي حيلته ) في طمس معالم الحق وإظهار الباطل.

    هذا كله فيما نعلم يقتضي وجود مدة زمنية تفرضها طبيعة الحوار والجدل وتقديم البراهين لإثبات ما جاء به الكتاب على أنه حق و دحض ما جاء به دعاة الباطل .....

    فكيف جاء العطف بالفاء وهي التي تكاد تلغي الفارق الزمني بين إنزال الفرقان وبين فضح مكر الشيطان، مما يوحي بأنه بمجرد إنزال الفرقان حق الحق وزهق الباطل وسلّم بذلك من آمن به ومن كفر على حد سواء، وقد تم ذلك كله في وقت لا يكاد يذكر !؟

    فأين تبعات إنزال الفرقان من جدل وحوار وإقامة حجة ودحض رأي ... وغير ذلك !؟

    أو َلَيس الأمر منافياً لواقع الحال ومنطق العقل إذاً .... !؟

    رجم الشيطان قبل إقامة الحجة عليه

    أما المعطوف بالفاء فهو جملة ( فضحَ مكرَ الشيطان الرجيم )، والضمير المستتر في ( فضح ) يعود على ( الفرقان )، فالفرقان إذاً فضح مكر الشيطان الرجيم.

    وبما أن الفاء التي عطفت هذه الجملة على سابقتها تدل على الترتيب كما بيّنا، فهذا يعني أن إنزال الفرقان جاء أولاً ، وبعد ذلك فضح مكر الشيطان الرجيم، والرجيم تعني ( المرجوم ) كقولنا ( القتيل ) ونعني ( المقتول )...

    فكيف وصف الشيطان في هذا الموضع بالمرجوم !؟

    إذ بذلك تصبح الجملة: ففضح مكر الشيطان المرجوم، فأيّ مكر هذا للشيطان إن كان مرجوماً!؟ بل ما حاجتنا لفضح من هو مفضوح أصلاً ، فمرجوم معناه: أنه مفضوح الصفات، مكشوف المكر، ظاهر الذنب ... ولذلك رُجم جزاء له، واقتصاصاً منه.

    ولنتأمل تتمة الآية مع التذكير بأولها " ففضحَ مكر الشيطان الرجيم ولو تنزّل بوحي ملك رحيم"

    والمقصود من ( ولو تنزل ) هو مكر الشيطان

    والسؤال لماذا يكون الأمر ( تنزيلاً ) ؟

    ومن قال إن الشيطان في الأعلى حتى يتنزل مكره تنزيلاً إلى من هم في الأسفل ..؟؟

    رسول الشيطان ... ملك رحيم !!

    أما القول ( بوحي ملك ) فإنه يعني بأن الوحي مُلْكٌ للمَلَك، والمَلَك ليس هو صاحب الوحي حتى نضيف الوحي إليه، فنقول وحي مَلَك، وإنما هو حامل الوحي ، ذلك أن المَلَك أصلاً موحى إليه ، وعندما يوحي الإله إلى الرسل يكون المَلَك هو حامل الوحي أي حامل الرسالة وليس صاحبها.

    ثم كيف يوصف المَلَك الذي تنزل بوحي الشيطان ومكره بـ " الرحمة " ؟؟

    وهل يوصف مبعوث الشيطان، ومروِّج أفكاره، وناشر ضلاله .. بالرحمة وهو الذي يحمل الباطل والزيف ...؟

    كيف يرضى هذا الرحيم أن يكون رسولاً للشيطان ويكون أداة لإهلاك الناس وإفسادهم ومن ثم هلاكهم ...؟

    ربما لو جاءت صفة هذا الملك لتدل على إكراه الشيطان له للقيام بالأمر لكان في الأمر كلام آخر.

    الشيطان يستغني عن خدمات بني جنسه !!

    ولننتقل الآن إلى الآية الثالثة :

    3 - وأبطل فرية رسله الضالين ، ولو نطقوا بما أعجز الأميين

    والضمير المستتر في أبطل عائد على ( الفرقان ) والهاء في رسله تعود على ( الشيطان ) وهكذا تصبح الجملة :

    وأبطل الفرقان فرية رسل الشيطان الضالين ...........

    نلاحظ أن اللجوء إلى الضمائر عوضاً عن الأسماء الظاهرة يخلق التباساً في ردّ الضمائر إلى أصحابها ، فيظنّ السامع أن الهاء في ( رسله ) عائدة على من يعود عليه الضمير المستتر في

    ( أبطل ) وهو الفرقان .... على أية حال دعونا من هذا ، ولنتأمل الحلقات الثلاث التالية :

    شيطان ماكر ملك رحيم رسل ضالين

    الوحي إلى

    انظروا إلى حال هذا الملك الذي يمثل خيراً بين شرّين، فهو ـ والأمر كذلك ـ واحد من اثنين :

    إما أنه يدري بأنه يحمل ضلالاً ويبلغه إلى الرسل الضالين لإيصاله إلى الناس ، وهو بذلك لا يوصف بالرحمة في هذا الموضع .

    ولو قيل: هو مكره على ذلك، لقلنا بأية سلطة يستطيع الشيطان أن يفرض على الملك حمل رسالة الضلال! ؟

    ولنفترض جدلاً أنه مكره ، أليس من الأولى أن يوجد في الجملة ما يدل على ذلك دفعاً للتناقض الظاهر بين صفة المَلَك وطبيعة مهمته .

    هذا إن كان يدري أنه يحمل ضلالاً ....

    فإن لم يكن يدري ( فالمصيبة أعظم ) إذ كيف يبلغ الرسل ما فيه غواية للناس وشقاء لهم وهو لا يدري ! ؟ أيةسذاجة هذه وأي غباء ! ؟

    وهل يصلح مثل هذا ليكون حاملاً لرسالة أو وحي ؟؟

    وهل الشيطان الموصوف ـ هنا ـ بالمكر أغبى من أن يستطيع انتقاء من هو أكثر فطنة وذكاءً لأداء المهمة الموكلة إليه ؟؟

    ثم هل يحتاج الشيطان إلى ملك ليبث ضلاله وإغواءه !؟

    ولماذا لا يلجأ إلى أحد أبناء جنسه من الشياطين وهم على شاكلته وطبيعته من المكر وحب الإساءة، وإشاعة الغواية والضلال ...؟

    لماذا يغادر هؤلاء إلى مَلَك يتصف بالرحمة ؟

    هل يريد الشيطان أن يرحم من يودّ تضليلهم و أشقاءهم ؟؟؟؟

    ثم تختتم الآية بالقول

    ( ولو نطقوا – ويقصد الرسل الضالين - بما أعجز الأميين )

    فأما أن يعجز الرسلُ الأميين من الناس بالنطق ، فتلك مسألة ليست ذات أهمية لسببين :

    أولاً :إن تعجيز الأميين أمر سهل. و ليس موضع افتخار أن يفضح الفرقان من أعجز الأميين . ولو كان الرسل قد أعجزوا أصحاب البلاغة والفصاحة والعلم والمعرفة لكان فضح الفرقان لهؤلاء الرسل أكثر أهمية وأشدّ أثراً ولكان موضع فخر واعتزاز لفرقان فضح زيف وادّعاء من استطاع التأثير على كبار العلماء والبلاغيين ! ؟

    ثانياً :بماذا أعجز الرسل الأميين ... بما نطقوا ؟

    النطق أحياناً يعجز المثقفين والعلماء لا الأميين فحسب ، فمن لا يعجز أمام نطق أعجمي لم يسمع به من قبل سواء أكان من يسمع عالماً أو أمّياً !!!

    فالنطق يعني اللفظ باللسان والشفتين وهو مجال مفتوح للتعجيز ...

    ولو قيل" جاؤوا بما أعجز العلماء " لكان الأمر أكثر دقة وأجدر بأن يكون مجال فخر واعتزاز .

    إعجاز ..!!

    لنتأمل الآيتين الثانية والثالثة بالنظر إلى سابقتهما .

    إذا كانت الآية الأولى تتحدث عن إنزال الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل ثم يزهق الباطل وينتصر الحق على الرغم من المعارضة وعدم القبول ... وكل هذا يدل على بلوغ الغاية من الكتاب وإنزاله فما القائدة إذاً من ذكر فضح مكر الشيطان وذكر الوحي .؟

    أو ليس من الأولى أن تأتي الآيتان الثانية والثالثة قبل سابقتهما فيكون الكلام عن فضح الشيطان وذكر وحيه ورسله الضالين وغير ذلك ... ثم يؤول الكلام إلى أن إنزال الكتاب زهق هذا الباطل وحق الحق رغم الجدل وعدم القبول !!؟

    أم نقرأ السورة من الأسفل إلى الأعلى ... لعل هذا هو الإعجاز في السورة !!!!!

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم .

      أكذوبة الفرقان الحق (3)



      قبلاً كنا تحدثنا من وجهة بلاغية عن الآية الأولى من السورة المسماة بـ ( سورة الضالين ) من الكتاب المدعو ( الفرقان الحق ) ، وها نحن الآن نتناول بالدراسة الآية الثانية في السورة المزعومة من الكتاب المفترى.

      والآية الثانية في هذه السورة ، يقول نصّها :

      فأنا الملك الجبار المتكبر القهار القابض المذل المميت المنتقم الضّار المغني

      فإياي تعبدون وإياي تستعينون

      ولنقصر دراستنا في هذه الآية على حرف الفاء الذي جاء في موضعين منها :

      للفاء حسب ما يرى النحاة ستة أوجه ، وقد جاءت في الآية مرتين ، وهي في كلا الحالين لا تخرج عن كونها استئنافية أو تعليلية .

      الفاءان استئنافيتان

      إذا كانت الفاء التي صُدِّرت بها الآية استئنافية: ( فأنا الملك الجبار ... )

      فهذا يعني ارتباطها بالفاء الواردة في ختام الآية في عبارة:( فإياي تعبدون وإياي تستعينون) فما الوجه البلاغي في الارتباط بين مقدمة الآية وخاتمتها مع وجود فاءين افترضنا – مبدئياً – أنهما استئنافيتان .

      جاء المبتدأ ( أنا ) في صدر الجملة وتلته صفات عشر للمتكلم ( أنا ) جاءت كلها أخباراً لهذا المبتدأ. ولو تأملنا تلك الصفات لوجدناها صفات قوة وشدة وجبروت ( الملك – القهار – الجبار .... ) .

      باستثناء صفة ( المغني ) التي تعني المنح والعطاء أي : الرحمة .

      ثم تختتم الآية بالجملتين: فإياي تعبدون وإياي تستعينون .

      إذاً هناك تقسيم في نهاية الآية بين العبودية والاستعانة .

      1- أما العبودية فتفرضها صفات القوة والتحكم بحياة المستعبَدين مما يضطرهم للإذعان والطاعة والرضوخ لمشيئة المعبود وقدرته .

      إذاً : هذه الجملة تتوافق مع الصفات التسع التي حملت معنى القوة في صدر الآية .

      2- وأما الاستعانة ( طلب المعونة ) : وهي المعنى الذي تقوم عليه الجملة الثانية فإنها تتفق مع صفة المغني ، الذي يصف نفسه بالإعانة ، أي الرحمة .

      فالجملة الأولى ( إياي تعبدون ) جاءت متوافقة مع تسع صفات .

      بينما الجملة الثانية ( إياي تستعينون ) جاءت متوافقة مع صفة واحدة .

      وهذا ينفي التوازن بين القوة والرحمة، وبغير هذا التوازن لا تستقيم شخصية هذا الـ ( أنا ) إذ غلبت عليه صفات البطش والقوة وتضاءلت مساحة الرحمة والرأفة .

      الفاءان تعليليتان

      تعال نتأمل هاتين الفاءَين فيما لو عددناهما تعليليتين ...

      في هذه الحالة لا بد من ارتباط جملة ( فأنا الملك ... ) وهي مطلع الآية الثانية ، بالآية التي سبقتها كون ما بعد الفاء علة لما قبلها. ولنتذكر الآية السابقة: ( وألبس الشيطان الباطلَ ثوب الحقّ وأضفى على الظلم جلباب العدل ، وقال لأوليائه أنا ربكم الأحد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي منكم كفواً أحد)

      والآية كما هو واضح فيها ادّعاء من الشيطان بأنه رب أوليائه الأحد ، وقلنا إن الربوبية على اختلاف معانيها تتضمن معاني الرحمة والتربية والإنعام ...

      فكيف إذاً يكون الحديث في الآية الأولى عن الرحمة والمنح والعطاء والرعاية ... ثم تتضمن الآية الثانية صفات القوة والجبروت والبطش ( المذل – المنتقم – المميت ) .

      أية بلاغة تلك تجمع بين الربوبية بمعانيها وصفات الشدّة بأنواعها في سياق واحد !!؟

      أَوَليس من البلاغة أن تأتي صفات كالمنعم والمعطي والرحيم بعد الحديث عن الربوبية !؟.

      أما الفاء التي تصدّرت جملة ( فإياي تعبدون وإياي تستعينون ) .

      إن كانت تعليلية فهذا يعني : كوني الملك الجبار ... تعبدونني وتستعينون بي

      وجملة (إياي تعبدون ) وكذلك جملة ( إياي تستعينون ) :

      1- إما أن تكونا جملتين خبريتين : أي أنتم تفعلون ذلك الآن وقائمون عليه ( عبوديتي والاستعانة بي ) كوني المتحكم بحياتكم ومصائركم وأرزاقكم ...

      2- وإما أن تكونا إنشائيتين بمعنى الأمر: أي : بحكم ما امتلكه من صفات القوة فيجب أن تعبدوني وتستعينوا بي .

      فإن كانتا خبريتين فقد بطل معنى ما جاء قبلهما، إذ لا أهمية لما قيل ما دام القائل معبوداً مستعاناً به والأمر كما يحب ويريد .

      وإن كانتا إنشائيتين بمعنى الأمر .. فالأمر هنا فاسد كون المطلوب أمراً قلبياً

      فإن ألزمت شخصاً ما بطقوس الطاعة والاحترام فأنت لا تستطيع أن تفرض عليه احترامك ومحبتك في نفسه ، أو الاستعانة بك في حوائجه .

      وهنا إن كان المتكلم يستطيع فرض طقوس العبادة ، فأنى له أن يفرض على من يخاطبهم أن يستعينوا به .

      فالمُكَرهُ على الأمر يعمل بحدود ما يُكره على فعله دون أن يزيد عليه أو يتجاوزه .

      وهكذا فإنّ ثمة خللاً بلاغياً واضحاً في النص ، فالجمل لا تعدو كونها نظماً تركيبياً توليفياً لا يقوم على روابط معنوية متينة أو ضوابط بلاغية صحيحة .


      يتبع باذن الله ...

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم .

        أكذوبة الفرقان الحق حـ 4



        بقلم: ياسر محمود الأقرع

        قبلاً كنا تحدثنا من وجهة بلاغية عن الآية الأولى من السورة المسماة بـ ( سورة الضالين ) من الكتاب المدعو ( الفرقان الحق ) ، وها نحن الآن نتناول بالدراسة الآية الثانية في السورة المزعومة من الكتاب المفترى.

        والآية الثانية في هذه السورة ، يقول نصّها :

        فأنا الملك الجبار المتكبر القهار القابض المذل المميت المنتقم الضّار المغني

        فإياي تعبدون وإياي تستعينون

        ولنقصر دراستنا في هذه الآية على حرف الفاء الذي جاء في موضعين منها :

        للفاء حسب ما يرى النحاة ستة أوجه ، وقد جاءت في الآية مرتين ، وهي في كلا الحالين لا تخرج عن كونها استئنافية أو تعليلية .

        الفاءان استئنافيتان

        إذا كانت الفاء التي صُدِّرت بها الآية استئنافية: ( فأنا الملك الجبار ... )

        فهذا يعني ارتباطها بالفاء الواردة في ختام الآية في عبارة : ( فإياي تعبدون وإياي تستعينون) فما الوجه البلاغي في الارتباط بين مقدمة الآية وخاتمتها مع وجود فاءين افترضنا – مبدئياً – أنهما استئنافيتان .

        جاء المبتدأ ( أنا ) في صدر الجملة وتلته صفات عشر للمتكلم ( أنا ) جاءت كلها أخباراً لهذا المبتدأ. ولو تأملنا تلك الصفات لوجدناها صفات قوة وشدة وجبروت ( الملك – القهار – الجبار .... ) .

        باستثناء صفة ( المغني ) التي تعني المنح والعطاء أي : الرحمة .

        ثم تختتم الآية بالجملتين: فإياي تعبدون وإياي تستعينون .

        إذاً هناك تقسيم في نهاية الآية بين العبودية والاستعانة .

        1-أما العبودية فتفرضها صفات القوة والتحكم بحياة المستعبَدين مما يضطرهم للإذعان والطاعة والرضوخ لمشيئة المعبود وقدرته .

        إذاً : هذه الجملة تتوافق مع الصفات التسع التي حملت معنى القوة في صدر الآية .

        2-وأما الاستعانة ( طلب المعونة ) : وهي المعنى الذي تقوم عليه الجملة الثانية فإنها تتفق مع صفة المغني ، الذي يصف نفسه بالإعانة ، أي الرحمة .

        فالجملة الأولى ( إياي تعبدون ) جاءت متوافقة مع تسع صفات .

        بينما الجملة الثانية ( إياي تستعينون ) جاءت متوافقة مع صفة واحدة .

        وهذا ينفي التوازن بين القوة والرحمة، وبغير هذا التوازن لا تستقيم شخصية هذا الـ ( أنا ) إذ غلبت عليه صفات البطش والقوة وتضاءلت مساحة الرحمة والرأفة .

        الفاءان تعليليتان

        تعال نتأمل هاتين الفاءَين فيما لو عددناهما تعليليتين ...

        في هذه الحالة لا بد من ارتباط جملة ( فأنا الملك ... ) وهي مطلع الآية الثانية ، بالآية التي سبقتها كون ما بعد الفاء علة لما قبلها. ولنتذكر الآية السابقة: ( وألبس الشيطان الباطلَ ثوب الحقّ وأضفى على الظلم جلباب العدل ، وقال لأوليائه أنا ربكم الأحد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي منكم كفواً أحد)

        والآية كما هو واضح فيها ادّعاء من الشيطان بأنه رب أوليائه الأحد ، وقلنا إن الربوبية على اختلاف معانيها تتضمن معاني الرحمة والتربية والإنعام ...

        فكيف إذاً يكون الحديث في الآية الأولى عن الرحمة والمنح والعطاء والرعاية ... ثم تتضمن الآية الثانية صفات القوة والجبروت والبطش ( المذل – المنتقم – المميت ) .

        أية بلاغة تلك تجمع بين الربوبية بمعانيها وصفات الشدّة بأنواعها في سياق واحد !!؟

        أَوَليس من البلاغة أن تأتي صفات كالمنعم والمعطي والرحيم بعد الحديث عن الربوبية !؟.

        أما الفاء التي تصدّرت جملة ( فإياي تعبدون وإياي تستعينون ) .

        إن كانت تعليلية فهذا يعني : كوني الملك الجبار ... تعبدونني وتستعينون بي

        وجملة (إياي تعبدون ) وكذلك جملة ( إياي تستعينون ) :

        1-إما أن تكونا جملتين خبريتين : أي أنتم تفعلون ذلك الآن وقائمون عليه ( عبوديتي والاستعانة بي ) كوني المتحكم بحياتكم ومصائركم وأرزاقكم ...

        2-وإما أن تكونا إنشائيتين بمعنى الأمر: أي : بحكم ما امتلكه من صفات القوة فيجب أن تعبدوني وتستعينوا بي .

        فإن كانتا خبريتين فقد بطل معنى ما جاء قبلهما، إذ لا أهمية لما قيل ما دام القائل معبوداً مستعاناً به والأمر كما يحب ويريد .

        وإن كانتا إنشائيتين بمعنى الأمر .. فالأمر هنا فاسد كون المطلوب أمراً قلبياً

        فإن ألزمت شخصاً ما بطقوس الطاعة والاحترام فأنت لا تستطيع أن تفرض عليه احترامك ومحبتك في نفسه ، أو الاستعانة بك في حوائجه .

        وهنا إن كان المتكلم يستطيع فرض طقوس العبادة ، فأنى له أن يفرض على من يخاطبهم أن يستعينوا به .

        فالمُكَرهُ على الأمر يعمل بحدود ما يُكره على فعله دون أن يزيد عليه أو يتجاوزه .

        وهكذا فإنّ ثمة خللاً بلاغياً واضحاً في النص ، فالجمل لا تعدو كونها نظماً تركيبياً توليفياً لا يقوم على روابط معنوية متينة أو ضوابط بلاغية صحيحة .


        يتبع باذن الله ...

        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم .

          أكذوبة الفرقان الحق (5)



          بقلم: ياسر محمود الأقرع

          متابعة لما بدأناه من دراسة بلاغية لما يسمى " الفرقان الحقّ " ، نقف على الآية الأولى من السورة التي حملت اسم " سورة الفاتحة " .

          والسورة هي الأولى ترتيباً في الكتاب ، فهي " حسب التسمية " فاتحته والمدخل إليه .

          و{ براعة الاستهلال } كما يسميها البلاغيون تقتضي أن تحوي فاتحة الكتاب عبارات موجزة وإشارات دالة يستطيع القارئ بواسطتها أن يفهم مضمون الكتاب المقدم على قراءته . وفاتحة الكتاب (مقدمته ) يجب أن تتميز بالتركيز والإيجاز والاعتماد على اللمحة الدالة والإشارة الموحية تمهيداً لما يطرحه من فكر وما يحويه من موضوعات ، وما يتضمنه من معان .

          فلنتأمل الآية الأولى في فاتحة هذا الكتاب ويقول نصها :

          هو ذا الفرقان الحق نوحيه فبلغه للضالين من عبادنا

          وللناس كافة ولا تخش القوم المعتدين

          هذا الكتاب ... حضور وغياب !!

          أول ما يطالعنا في عبارة "هو ذا الفرقان الحق" الضمير " هو " وهو ضمير منفصل يستخدم للدلالة على الغائب .

          ثم تأتي " ذا " وهي اسم إشارة يستخدم أحياناً مقترناً بهاء التنبيه فنقول هذا وأحياناً من غير هذه الهاء فنقول ذا وهو اسم يستخدم للإشارة للقريب .

          والإشارة لا تكون إلا لأمر كائن موجود يشار إليه ، فكيف اتفق مجيء " هو " وهو ضمير للغائب مع " ذا " وهو اسم إشارة لموجود قريب ؟!

          ولربما قيل : إن الضمير" هو " في هذا الموضع هو ما يسمى " ضمير الشأن " ، كقولنا: هو خالد قادم أي : الشأن خالد قادم ، أو الأمر خالد قادم .

          وفيه إضمار لسؤال من يسأل : ما الأمر ؟ أو ما الشأن ؟

          فتجيبه : الشأن كذا ... أو الأمر كذا ...



          وهنا يمكن القول:

          إن ضمير الشأن يفيد التفخيم والتعظيم ، وهذا وارد في معرض تفخيم الفرقان وتعظيمه ، ولكن جاء بعد ضمير الشأن هذا اسم الإشارة ( ذا ) وهو للإشارة إلى قريب " كما قلنا " ، هذا يعني أن المشار إليه دانٍ من أيدينا ، قريب منها ، سهل المتناول ...

          ومقام التفخيم والتعظيم كان يستدعي – بلاغياً – أن نضيف إلى " ذا " لام البعد التي تفيد السمو والعلو والرفعة فيقال ( ذلك ) ....!!!

          قضية الوحي

          ثم تأتي عبارة " نوحيه فبلِّغه "

          والوحي معجمياً: هو الكتاب والإشارة والكناية والرسالة والإلهام والكلام الخفي.

          وتقول : وحيت إليه وأوحيت: إذا كلمته بما يخفى عن غيره.

          وقضية الوحي المباشر " دون وسيط " تتألف من أركان ثلاثة :

          الموحي - الموحى إليه - الموحى ( الرسالة ) .

          وفي عبارة ( نوحيه فبلِّغه) ضمائر تعود على الأركان الثلاثة

          فـالفعل: " نوحيه " فيه ضميران :

          1- ضمير مستتر " نحن " وهو فاعل الفعل نوحي ، فهو " الموحي "

          2- ضمير متصل " الهاء " ويعود على الفرقان أي " الموحى ( الرسالة )

          وفي الفعل " فبلّغه "

          1- ضمير مستتر ( أنتَ ) وهو الموحى إليه

          2- ضمير متصل ( الهاء) ويعود أيضاً على الفرقان ( الموحى )

          فإذا كان الموحى هنا (الفرقان) معلوماً بالقول ( هو ذا الفرقان الحق )

          فإنَّ طرفي قضية الوحي الآخرين ( الموحى والموحى إليه ) مجهولان

          إذ لا يُعْلَم مِن الفعل :" نوحيه " ( مَنْ نحن )

          ولا يُعلَم مِن الفعل : " فبلّغه " ( من أنتَ )

          إلا إذا عنى ذلك أن الخطاب موجّه لكل قارئ للنص، وعليه تبليغ ما يوحى إليه....!!!

          وهذا يتناقض مع معنى كلمة الوحي ( كلام يقال لأحدٍ من الخلق ويخفى على غيره ).

          معبود محدود الصلاحية

          لمن سَيُبَلَّغ هذا الفرقان حسب ما ورد في النص/ ...؟؟؟

          للضَّالين من عبادنا وللناس كافة

          إن كلمة ( عبادنا ) جاءت على لسان المعبود، غير أن هذا المعبود محدود الصلاحية، فله عباد منهم ضالون وآخرون غير ضالين، وهناك أيضاً ( الناس كافة ) وهم لا يدخلون، حسب ظاهر القول، تحت تسمية ( عبادنا ) و إلا لما أفردهم المتكلم بالذكر بعد قوله ( عبادنا ).

          والواو العاطفة في عبارة ( للضالين من عبادنا وللناس كافة ) تفيد المشاركة في الحكم، فالتبليغ إذاً ( للضالين من العباد ) و (للناس كافة ) وهما فريقان ....!!

          وهل الضالون من العباد لا يندرجون تحت اسم ( الناس كافة )...؟؟

          أولم تكن عبارة ( الناس كافة ) تغني عن ذكر الضالين منهم ، انطلاقاً من أن هذه العبارة أكثر اتساعاً وشمولاً ...!!

          الضالون و المعتدون

          ثم تختتم العبارة بالقول: " ولا تخش القوم المعتدين "

          هذا صنف آخر إذاً يضاف إلى الضالين من العباد والناس كافة .

          و لربما قيل: إن القوم المعتدين هم الضالون أنفسهم ....!!

          هنا لا بدَّ أن نتذكر أنّ الضلال في مجمل معانيه ( الضياع والهلاك – ضد الهدى – عدم الاهتداء إلى المقصود ) هو مسألة ذاتية لا يتعدى ضررها ذات الضال إلى الآخرين ما لم يقترن هذا الضلال بعمل .

          أما الاعتداء فضرره يتجاوز ذات المعتدي ليطال الآخرين .

          فما بال هذا الفرقان إذاً يُبَلَّغ للضالين ، وللناس كافة ، ثم يطمئن الموحى إليه أن ( لا تخش القوم المعتدين ) .

          إن تبليغ الضالين يقتضي ذكر ما بعد التبليغ فإما الهداية أو الإصرار على الضلال ..!!

          وتبليغ الناس كافة معناه أيضاً وجود من يهتدي ومن يعرض عما بُلِّغ به ...!!

          ومسألة التبليغ لا تتعدى إيصال ما يطلب تبليغه، دون إكراه أو جبر، ألا ترى أحدنا إذا أراد نقل رسالة بطريقة سلمية تجنبه مغبة الاصطدام استشهد بقول الله سبحانه وتعالى( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) .

          فكيف جاءت مسألة التبليغ بوصفها مقدمة مع الاعتداء بوصفه نتيجة، في سياق نصّي واحد..؟

          إنّ ما جاء في ختام العبارة من ذكر الاعتداء بوصفه (نتيجة) وارد لو أن مقدمة العبارة حملت دلالات تتعدى مسألة التبليغ بوصفه (مقدمة) تتمخض عنها النتيجة المذكورة !!!!

          تعليق


          • #6
            الباحث: ياسر الأقرع

            ماجستير في اللغة العربية

            حمص – سورية

            يمكن التواصل على العنوان التالي:

            [email protected]

            تعليق


            • #7
              ماشاء الله لا أعتقد هناك عاقل فيه ذره عقل يفكر ولو في أحلامه أو حتي كوابيسه أن يحاول ولو مجرد فكره أن يضاهي القرآن

              الفرقان الحق ..!؟

              بسم الله الرحمن الرحيم

              باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تولاه، وبعد:

              فالكلام عن هذا الكتاب الموسوم بالفرقان الحق، وبيان ما فيه من ضلال ربما يطول، غير أني أختصر ذلك في الفقرات الآتية راجياً أن تكون أساسا لدراسة شاملة للكتاب:

              وصف الكتاب:
              هو: عبارة كتاب يقع في ثمانية وستين وثلاثمائة ورقة (368)، ويتألف من عدد من الموضوعات، كل موضع جعل تحت اسم خاص، كهيئة سور القرآن الكريم، وبلغت تلك الموضوعات (أو السور): سبعا وسبعين، مع مقدمة وخاتمة، ومن الأمثلة على أسماء تلك الموضوعات(أو السور) التي تضمنها هذا الكتاب: الفاتحة، المحبة، المسيح، الثالوث، المارقين، الصَّلب، الزنا، الماكرين، الرعاة، الإنجيل، الأساطير، الكافرين، التنزيل، التحريف، الجنة، الأضحى، العبس، الشهيد، الأنبياء،....

              كما أن الموضوعات (أو السور) مقسمة إلى مقاطع مرقمة، كهيئة الآيات القرآنية.

              ومن الملفت للنظر أن محاولة مشابهة القرآن الكريم واضحة تماما، حتى طريقة خط الكتاب، تشابه رسم المصحف العثماني، ولذا قال د. أنيس شورش: "إن الكتاب مشابه للقرآن من حيث الأسلوب والجوهر... لكنه يحتوي على رسالة الإنجيل".

              وقد سماه الواضعون له باسم: الفرقان الحق، وكتب باللغة العربية، وترجم إلى اللغة الانجليزية.

              ويزعم واضعوه أن هذا الكتاب وحي من الله - تعالى -إلى من دعوه بالصفي، كما ورد ذلك نصا في الكتب: "ولقد أنزلنا الفرقان الحق وحيا، وألقيناه نورا في قلب صفينا ليبلغه قولا معجزا بلسان عربي مبين، مصدقا لما بين يديه من الإنجيل الحق صنوا فاروقا محقا للحق، ومزهقا للباطل، وبشيرا ونذيرا للكافرين" (التنزيل: 5، 4/ ص: 325).

              وقد صدر علنا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1999م.، عن دار "واين بريس" و "أوميجا"، واستغرق العمل عليه سبع سنوات من عام 1991م.

              القائمون عليه:
              ينسب هذا الكتاب بشكل صريح وعلني إلى جماعة إنجيلية (بروتستانتية) تقع في ولاية تكساس الأمريكية، ولهم موقع الكتروني باسم: مركز المحبة الإلهية.
              وأما الواضع الحقيقي لهذا الكتاب فهو د. أنيس شورش، أحد نصارى العرب من فلسطين، وكان ممن هاجر إلى أمريكا للعيش فيها، وله جهود كبيرة في التنصير، ومحاربة الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم -.
              ويقال: إن الإدارة الأمريكية تدعم هذا المشروع وتقف وراءه، على أن وزارة الخارجية الأمريكية قد نفت ذلك، على موقعها الالكتروني في الشبكة العالمية.

              أهداف الكتاب:
              هذا الكتاب جزء من مشروع، بعيد المدى، هادف إلى صرف المسلمين ـ خصوصا ـ عن دينهم، وإخراجهم من ملتهم، مع دعوة صريحة لعقيدة النصارى المحرفة، وقد جاء هذا صريحا على لسان د. أنيس شورش، حيث يصف الكتاب بأنه: "أداة لتنصير المسلمين".، وهذا من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تقرير، فالكتاب دعوة إلى النصرانية بشكل صريح تماما، جاء في الكتاب: " إنا أنزلناه فرقانا حقا مصدقا لقولنا في الإنجيل الحق ومذكرا للكافرين فسنتنا واحدة وآيتنا واحدة لا نبدلها في إنجيل حق أو في فرقان حق ولا يغيرها زمان أو مكان ولا ينسخها الثقلان ولا أهل الضلال والبهتان" (المعجزات: 7).

              ولهذا رأينا حرصه الشديد على مشابهة أسلوب القرآن، وطريقته في ذكر السور والآيات، بل ورأينا منهم اقتباسا كثيرا لبعض الكلمات والجمل القرآنية، بل وحتى بعض الأساليب القرآنية، تأمل ما ورد في هذا الكتاب: " ومثل الذين كفروا وكذبوا بالإنجيل الحق أعمالهم كرماد، اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال الأكيد) (الثالوث: 18، ص: 66) وقارن هذا بما في القرآن الكريم إذ يقول - تعالى -: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم أَعمَالُهُم كَرَمَادٍ, اشتَدَّت بِهِ الرِّيحُ فِي يَومٍ, عَاصِفٍ, لاَّ يَقدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيءٍ, ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ البَعِيدُ) (سورة إبراهيم أية: 18)، وهذا أمر مقصود من واضعي هذا الكتاب للتلبيس على الناس، وخداع الجهال من عامة المسلمين، آملين أن يبلغ بالمسلمين الجهل درجة يظنون معها أن هذا الكتاب هو القرآن المنزل من عند الله - عز وجل -.

              والحقيقة أن الكتاب يأتي حلقة في سلسلة الحملة الصليبية المعاصرة، على الإسلام وأهله، هذه الحملة التي جيش لها الصليبيون، كل طاقاتهم وإمكاناتهمº العسكرية، والفكرية، والإعلامية، والتقنية.

              ويأتي هذا الاستهداف المباشر للقرآن الكريم، لما علمه أهل الصليب من أثره على المسلمين، فمنه يستمدون قوتهم، وبه بقاؤهم وذكرهم، فعلموا ـ بعد طول تجارب ـ أنه لن يتحقق لهم ما يتمنونه من القضاء على الإسلام باعتباره دينا، ولا على المسلمين باعتبارهم أمة ذات هوية، إلا بإبعادهم عن هذا المصدر.
              وفي هذا السياقº ما نراه من دعوات متزايدة من دول الغرب، المطالبة بتهذيب القرآن الكريم ـ زعموا ـ وذلك بحذف آيات منه، ولا سيما تلك التي تؤصل مبدأ الولاء والبراء، وتدعوا إلى جهاد الأعداء.

              والقائمون على هذا الكتاب، يعلمون مدى الحساسية عند المسلمين تجاه هذه الدعوات وأمثالها، وهذا ما جعلهم يتدرجون في نشره بين الناس والدعوة إليه، حيث بدأ ظهوره على نطاق ضيق في العالم الإسلامي، في بعض المدارس الخاصة المنتمية في مناهجها للغرب، كما تم إرساله على بعض العناوين البريدية الإلكترونية، ونشره ككتاب على موقع إلكتروني.

              بعض ما يدعو إليه الكتاب:
              تضمن الكتاب كثيرا من الدعوات، إلا أنها تلتقي في محورين، هما:
              الأول: الدعوة إلى النصرانية.
              الثاني: الطعن في دين الإسلام.


              فأما الدعوة إلى النصرانية فالكتاب طافح بها، فهو في الحقيقة كتاب يدعو إلى النصرانية، بكل عقائدها ومفاهيمها ونظرتها للحياة والإنسان، والثناء على المنتسبين إليها، وبيان أنها الملة الحقة التي لا يقبل الله غيرها، وأن المنتسبين إلى هذه الملة، هم أهل الجنة، وهاك مثالا على بعض هذا: جاء في الكتاب: "يا أيها الذين ظلموا من عبادنا لقد جاءكم الفرقان الحق يبين لكم كثيراً مما كنتم تجهلون من الإنجيل الحق، ومما كنتم تكتمون" (الصلب: 1، ص: 44)، وفيه أيضا جاء: "فرقان أنزلناه نوراً ورحمة للعالمين، وما يزيد الذين كفروا إلا نفوراً، إذ جعل الشيطان على قلوبهم أكنة أن يفقهوه، وفي آذانهم وقرا، ويزيد الذين آمنوا بالإنجيل الحق من قبله نوراً وإيماناً فوق إيمانهم، فهم لا يعثرون) (الفرقان: 13، ص: 56).

              ويظهر في الكتاب جهد واضح لتبرير عقيدة التثليث وتسويغها في العقول، من ذلك قوله: " وما كان لكم أن تجادلوا عبادنا المؤمنين في إيمانهم وتكفروهم بكفركم فسواء تجلينا واحدا أو ثلاثة أو تسعة وتسعين فلا تقولوا ما ليس لكم به من علم وأنا أعلم من ضل عن السبيل"(التوحيد: 2).
              وأما الطعن في دين الإسلام، فكثير على نحو يدعو إلى الاستغراب من هذه المبالغة، ففيه طعن في الإسلام، والنبي الذي جاء به، والقرآن الذي أنزل عليه، والشريعة التي دعا إليها، والمسلمين الذي اتبعوا هذه الملة واعتنقوها، وهاك أمثلة على بعض هذا:

              * في الكتب تأكيد على أن الله - تعالى -لم ينزل القرآن الكريم، وإنما هو وحي الشيطان وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلقاه من الشيطان، والتأكيد على هذا الأمر في أكثر من موضع من هذا الكتاب، ووصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكذب والزور والبهتان، وسوى ذلك من الألفاظ البذيئة النابية، جاء في الكتاب: "إن الشيطان إذا أراد أن يضل قوما استحوذ على أميِّ منهم فأغواه فأغوى قومه وزين لهم سوء أعمالهم فأضلهم وهم بضلالهم فرحون وأوردهم نارا تلظى وهم لا يشعرون" (الإفك: 3، 4) وكقوله: "يا أيها الذين كفروا من عبادنا لقد ضل رائدكم وقد غوى.. إن هو إلا وحي إفك يوحى علمه مريد القوى.. فرأى من مكائد الشيطان الكبرى... كلما مسه طائف من الشيطان زجره صحبه فأخفى ما أبدى.... وإذا خلا به قال إني معك، فقد اتخذ الشيطان ولياً من دوننا... فلا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس إذ ينزل عليه رجزاً "(الغرانيق: 1، 11).

              * الطعن في المسلمين وثلبهم ووصفهم بكل نقيصة، جاء في الكتاب: " فسيماؤكم كفر وشرك وزنى وغزو وسلب وسبي وجهل وعصيان" (الكبائر 3- 259-260)، وفي موضع آخر: " ولا تغلوا في دين لقيط، ولا تقولوا علينا غير الحق المبين" (الفرقان" 29، ص: 69).

              * إثارة الشبه حول شرائع الإسلام وأحكامه، والتشكيك فيها.
              ومما يجدر لفت النظر إليهº أن غالب الشبهات التي أثاروها، هي شبه قديمة، قد قال بها المستشرقون قديما، ولاكتها ألسنتهم حتى ملتهاº كموقف الإسلام من المرأة، ومشروعية الصلاة والصوم، وهذا أمر كثير يطول تتبعه، جاء في الكتاب المزعوم: " وما كان النجسُ والطمثُ والمحيضُ والغائطُ والتيممُ والنكاحُ والهجرُ والضربُ والطلاقُ إلا كومةُ رِكسٍ, لفظها الشيطان بلسانكم " (الطهر: 6).
              ومما يدعو إلى التأمل: هذه المحاولة المبالغ فيها، للنيل من شريعة الجهاد خصوصا، فقد كانت حاضرا بشكل ملفت في الكتاب، ومن الأمثلة على ذلك: " وافتريتم علينا الكذب إذ زعمتم بأنا أوحينا إليكم بشرعة الكفر والقتل والضلال. ألا إنا لا نوحي بقتل عبادنا ولو كانوا كافرين. لكنها شرعة الكفر من وحي شيطان عنيد" (الهدى: 5، 6) وفي موضع آخر: " وزعمتم بأنا قلنا قاتلوا في سبيل الله وحرضوا المؤمنين على القتال وما كان القتال سبيلنا وما كنا لنحرض المؤمنين على القتال إن ذلك إلا تحريض شيطان رجيم لقوم مجرمين"(الموعظة: 2) وفي موضع آخرها: " فلا تطيعوا أمر الشيطان ولا تصدقوه إن قال لكم: كلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم".

              بعض النقد الموجه لكتاب الفرقان الحق:
              مع ما يدركه الناظر في هذا الكتاب، من الوهلة الأولى، من سيما الضعف وعلامات التهافت فيه، وفيما يدعو إليه، فمن الواجب أن يدرس دراسة شاملة له تأتي على جوانبه المختلفة، كمصدره، وموضوعاته التي يعالجها، ومضمونه الذي يدعو إليه، قياما بالحجة ودفاعا عن كتاب الله، ولكي تستبين سبيل المجرمين.
              ويمكن أن تقوم دراسة الكتاب وبيان ما فيه من ضلال على محورين اثنين:
              أولهما: النقد العام للكتاب، كالكلام عن مصدره، ونبيه الذي جاء به، ومعارضته لما علم من دين النصارى، ونحو ذلك، مما سأشير إليه قريبا بإذن الله - تعالى -.
              ثانيهما: النقد التفصيلي، وهو النقد الذي يوجه إلى الكتاب تفصيلا، وذلك باستعراض الكتاب كاملا، وبيان ما فيه من ضلال على التفصيل، وهذا مما يطول بمثله المقام هنا، ولفضيلة الدكتور صلاح الخالدي كتاب صدر في عام 1426هـ، باسم: الانتصار للقرآن، تهافت فرقان متنبئ الأمريكان أمام حقائق القرآن" اعتنى فيه بهذه الناحية التفصيلية.
              وفيما يلي إشارات مختصرة إلى عدد من الجوانب العامة التي يمكن الطعن في الكتاب من خلالها:
              * إن أول ما يجب أن يتوجه له في بيان ضلال هذا الكتب، بيان ما في الملة التي يدعو إليها من تهافت وتعارض وتبديل، وهذا مجال واسع وميدان كبير، ولم يزل أهل الإسلام على مر التاريخ يقيمون الحجج والبراهين على ضلال هذه الملة وتبديل أهلها، ولو لم يكن في ذلك إلا نقض أصل عقيدة التثليث، وفكرة الصلب التي تقوم عليها النصرانية المحرفة لكفى.
              * ثم إن رد الطعون والشبه التي أثارها هذا الكتاب على الإسلام وشرائعه، جانب آخر، يُؤكد به بطلان ذلك الكتاب وتهافته، وقد سبقت الإشارة إلى أن تلك الشبه قد أثارها المستشرقون قديما وأجاب على أكثرها الدارسون والباحثون.
              * يُزعم في هذا الكتاب أنه وحي من الله - تعالى -، نزل على نبي يقال له: الصفي ـ كما تقدم ـ غير أن لا شيء يعرف عن هذا النبي، لا عن سيرته ولا دعوته ولا جهاده، فلا يعرف من هو؟ ولا إلى من ينتمي؟ ولا أين ظهر؟ ولا متى كان ظهوره؟ كل ما هنالك أن هذا الوحي نزل في سبعة أيام كما جاء في الكتاب نفسه: " واصطفيناه وشرحنا صدره للإيمان وجعلنا له عينا تبصر وأذنا تسمع وقلبا يعقل، ولسانا ينطق، وأوحينا إليه بالفرقان الحق، فخطه في سبعة أيام وسبع ليال جليدا" (الشهيد: 2، ص: 360-361) ومبالغة في الإيهام والتلبيس على الناس يقتل هذا " الصفي " على يد أعدائه المسلمين كما جاء في الكتاب "لقد طوعت لكم أنفسكم قتل صفينا شاهدين على أنفسكم بالكفر، أفتقتلون نفسا زكية، وتطمعون برحمتنا وأنتم المجرمون، لا جرم أنكم في الدنيا والآخرة أنتم الأخسرون، وختمتم بدمه آية تكوى بها جباهكم وتشهد عليكم بأنكم كفرة مجرمون، وأنه الصفي الأمين، وأن الفرقان الحق هو كلمتنا وهو الحق اليقين، ولو كره الكافرون " (الشهيد: 7، ص: 363)، وهنا يحق لنا أن نتساءل عن هذا النبي، الذي خرج وبعث، فلم يسمع به أحد، ثم قتل ولم يدر به بشر، هذا كله في هذا الوقت الذي تقارب فيه العالم، وتطورت فيه وسائل الاتصال وتقنيات التواصل بين البشر، فلو وقعت أدنى الحوادث وأقلهاº لتسامع بها العالم، وتنادى بها البشر.
              - حقيقة - هذا الكتاب ومن زعم أنه جاء به مثل الزنيم، لا يعرف له أصل ولا منبت، كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.
              * وأمر آخر يدل على تناقض من وضع هذا الكتاب مع اعتقاد النصارى، ووجه ذلك: أنا نعلم أن النصارى بملتهم المحرفة لا يؤمنون بنبي يأتي بعد عيسى - عليه السلام -، وإنما يؤمنون بعودته مرة أخرى، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يزعمون في هذا الكتاب الداعي إلى ملتهمº أنه وحي الله النازل على نبي يقال له: "الصفي".
              ومما يثير السخرية أن ذات الكتاب يقرر ـ في معرض تكذيبهم لنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه لا نبي بعد عيسى - عليه السلام -، جاء في الكتاب" وما بشرنا بني إسرائيل برسول يأتي من بعد كلمتنا وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق وأنزلنا سنة الكمال وبشرنا الناس كافة بدين الحق ولن يجدوا له نَسخا ولا تبديلا إلى يوم يُبعَثون " (الأنبياء: 16) فكيف يدعي واضعو هذا الكتاب بأنه وحي من الله لنبي يقال له الصفي.
              * وفي الوقت الذي يقرر هذا الكتاب أن القرآن الكريم، إنما هو وحي الشياطين ورجسهم، نجده وبشكل فاضح ومخز، يحاكي القرآن الكريم، في ترتيبه، وأسلوبه، وطريقة تأليفه، بل ويقتبس من ألفاظه، وجمله، وتراكيبه ـ وفي الأمثلة التي سقناها من هذا الكتاب ما يدل على هذا ـ بل يصح أن يقال: إن هذا الكتاب تلفيق وتحوير لآيات القرآن الكريم، إذ رأيناه كثيرا ما يقتطع بعض الآيات من القرآن والمعاني فيسوقها يقرر بها باطله، ويحرف فيها ويغير، يدرك هذا من قرأ القرآن الكريم بدون أدنى مشقة، وإذاº فكيف يجوز لوحي الله ـ الذي زعموا ـ أن يحاكي مقلدا وحي الشياطين، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
              وإن السبب الحقيقي وراء هذه المحاكاة لأسلوب القرآن الكريم شعورهم الباطني بمدى التميز والإعجاز في القرآن الكريم نظما ومعنى.
              * غير أن ما يثير السخرية حقا أن تلك المحاولة لمحاكاة القرآن الكريم ومشابهته، جاءت ركيكة على نحو مخجل، في نظم الكلام وألفاظه، وأساليبه ومعانيه، مع الأخطاء في اللغة والاشتقاق، مما يدل على أن من ألف هذا الكتاب، ليس له معرفة بأساليب العرب وبيانهم، يشعر بذلك أدنى من له تذوق للسان العربي، فضلا عن الضعف المخزي في بلاغة النظم، وبديع البيان، فسبحان من خذل أعداء الله - تعالى -مع ما عندهم من وسائل القوة وأسبابها، ومع ما نعرفه من تمكن نصارى العرب في اللغة، وصدق الله القائل: {قُل لَّئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنٌّ عَلَى أَن يَأتُوا بِمِثلِ هَـذَا القُرآنِ لاَ يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ, ظَهِيراً}.
              * ومما يلاحظ في الكتاب، أنه موجه للمسلمين خصوصا، وهذا أمر غريب حقا، فالدعوة فيه إلى النصرانية، لم تستهدف أحدا سوى المسلمين، فلم تخاطب الأمم الوثنية، أو تلك الملحدة، مع أن تلك الأمم ـ بكل حال ـ أشد كفرا بالله - تعالى -وبعدا عن ملته، إذ هي لا تؤمن بالله، ولا كتبه، ولا رسله، ولا ملائكته، ولا اليوم الأخر، فهي أحق أن تدعى، أو على أقل تقدير أن يوجه لهم من الدعوة بقدر ما وجه للمسلمين، وأن يبين ضلال عقائدهم كما فعلوا مع المسلمين.
              وأغرب من هذا أن الكتاب وهو موجه لدعوة المسلمين، فإنه يصدر أحكاما نهائية عليهم، بأنهم خاسرون، وأنهم من أهل النار، جاء في الكتاب: " وأوردكم جهنم جميعا وإن منكم إلا واردها وكان عليه أمرا مقضيا..... وطبع الشيطان على قلوبكم وسمعكم وأبصاركم فأنتم قوم لا تفقهون. لا جَرَمَ أنكم في الآخرة أنتم الخاسرون " (المنافقون: 3، 6) فكيف يصح بعد هذا كله أن يكون كتاب دعوة للمسلمين.
              * هذا الكتب ليس فيه أي أثارة من تسامح، على ما يزعم النصارى في دينهم، فهو كتاب قائم على البذاءة والشتيمة والوقيعة بفحش وإقذاع، على نحو مبالغ فيه، ينزه عن مثله الوحي الإلهي، ولا تكون مثل هذا البذاءة إلا من السوقة وسفلة الناس، ومن نظر في الكتاب ولو على عجل لن يخطئه هذا الشعور بتلك البذاءات الواردة فيه، فالكتاب يفيض بالبذاءات في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهو ـ في زعمهم ـ كافر ومنافق وضال، وسارق وقاتل، ومرجعه النار، وأتباعه منافقون كفرة ضالون، قتلة، ومصيرهم النار، جاء في هذا الكتاب وهو يصف شريعة المسلمين: " فشرعة أهل الكفر شرعة قومٍ, حفاة، عراة، غزاة، زناة، أميين مفترين ومعتدين ضالين ظالمين" (سورة الجنة 14-266)، وأما الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين كما في القرآن الكريم فقد وصفها بالآتي: "فهم في كهوف تعج بالقتلة والكفرة والزناة يتمرغون في حمأة الفجور، تلفحهم زفرات الغرائز، وتسوطهم شهوة البهائم، فهم في الرجس والموبقات غارقون وفي شغل فاكهون، متكئون على سرر مصفوفة، والمسافحات مسجورات في المواخر يطوف عليهم ولدان اللواط بأكواب الرجس والخمر الحرام، يلغُون فيها، فلا هم يطفئون أوارهم ولا هم يرتوون" (الجنة 3، 4-262-263) فهل يجوز أن تكون هذه البذاءات والفحش في الكلام وحيا إلهيا يخاطب الناس ويدعوهم إلى الإيمان والهدى، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
              * وفضلا عن هذا فالكتاب المزعوم يسلب عن محمد - صلى الله عليه وسلم - ودينه وأتباعه، أي أثارة من حق، وأي بقية من خير، وهذا ليس من العدل والإنصاف الذي هو من صفة الوحي الإلهي، القائم على العدل حتى مع كفار المشركين وأهل الكتاب، ومن المقطوع به أن عقلاء العالم على مر التاريخ ـ مهما كانت درجة مخالفتهم للإسلام ـ لم يزالوا يعرفون للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضله وفضل شرائعه التي جاء بها، ومنكر هذا كمن يحجب الشمس بيده، لقد زُعم في هذا الكتاب أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم تكن له أي حسنة ولم يدع إلى أي فضيلة وبر وعدل وإنصاف، وهذه كذبة كبرى لا يجرؤ عليها حتى الشيطان الرجيم، ذلك أننا نعلم يقينا أن كثيرا من الفضائل التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتضمنها القرآن الكريم مما تتفق عليه الملل الإلهية جميعا، ومنها النصرانية على ما فيها من تحريف
              وفي هذا السياق قارن ذلك بما تضمنه القرآن الكريم من عدل مع أهل الكتاب والملل السابقة، ففرق بين الحق والباطل، وذكر الذي لهم من الحق، الذي لا تحملنا مخالفتهم لنا على جحده، وتكذيبه، وهاك مثالا على ذلك يقول- تعالى -: (لَيسُوا سَوَاء مِّن أَهلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيلِ وَهُم يَسجُدُونَ يُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ وَأُولَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَمَا يَفعَلُوا مِن خَيرٍ, فَلَن يُكفَرُوهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ) (سورة آل عمران: 113، 114)

              الواجب تجاه هذا الكتاب وأمثاله:
              إن هذا الكتاب وما يرمي إليه من أطماع، لا يستهدف فئة بعينها، ولا يوجه إلى دولة دون أخرى، إنه استهداف للإسلام باعتباره دين مليار مسلم، وللمسلمين باعتبارهم أمة تميزت بهويتها وملتها، وهذا الاستهداف العام يجعل المسؤولية عامة للأمة جميعها، كل بحسبه:

              فعلى مستوى الدول، يجب أن يعلم قادة المسلمينº أن أهل الصليب هم الأعداء، ما بقي إيمان وكفر، ولن يرضوا بأقل من أن نكون شعوبا مغلوبة على أمرها، مستذلة لهم، مأسورة لسلطانهم، ولن يألوا ـ ما وسعهم ـ أن يبقونا على ما نحن فيه من تخلف وبعد عن التأثير في العالم، فليتقوا الله وليكونوا في مستوى الأمانة والمسؤولية، ولا تكن دنياهم أعظم عندهم من دينهم.

              وعلى مستوى العلماء وأهل الرأي وقادة الفكر، فالمسؤولية عظيمة، في الوقوف سدا منيعا، أمام هذه المشاريع الصليبية، ببيان الحق والدعوة إليه، وكشف الباطل والتحذير منه، وهنا لا بد من إنشاء المراكز العلمية المختصة التي ترصد حراك أعداء الإسلام، وتحذر الأمة منهم وتكشف خططهم ووسائلهم.

              وعلى مستوى الأفراد وعامة الأمة، يجب عليهم من الدفاع عن الإسلام والتحذير من خطط الأعداء بحسب جهدهم وقدرتهم، وما يبلغه علمهم.
              ومما يجب أن يُعلم يقينا أن الخطورة ـ في حقيقة الأمر ـ ليست من أمثال هذا الكتاب المتهافت المبطل، وإنما الخشية كلها فيما تخطط له الدوائر الصليبية وترمي إليه من خلال هذه المشاريع وأمثالها، ونحن نعلم مدى تأثير تلك الدوائر الصليبية على القرار في العالم الإسلامي، سياسيا وإعلاميا، بل حتى على الصعيد التعليمي، فجيب أن تتضافر جهود أهل الإسلام عموما لصد غارات المبطلين، وفضح أهدافهم، وهتك أستارهم.

              وبعد، فالله - تعالى - قد تكفل بحفظ كتابه، ورد كيد المفسدين، وانتحال المبطلين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

              نسأل الله - تعالى - أن ينصر دينه وكتابه وسنت نبيه وعباده الصالحين، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

              وكتبه ناصر بن محمد الماجد
              التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 22 أكت, 2020, 05:26 ص.

              تعليق


              • #8
                بسم الله الرحمن الرحيم
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                بارك الله في الحبيب الفيتوري
                واعاده الله الينا سالما

                والله محاولة يشكر صاحبها عليها....
                اذ انه بغباءه قد اثبت مدى عجز البشر عن مماثلة القران الكريم

                فبالرغم من كون الباحث جزاه الله خيرا ليس الا مبتدء في العلم الا انه بكل بساطة استطاع تفنيده تفيدا كاملا

                لكن القران

                تحدى علماء وفحول اللغة والادب في ذروة مجدهم ....ومع ذلك لم يستطع اي منهم الى الان تصيد خطأ واحدا
                ولماذا يعجز اي منهم مماثلة القران الكريم

                لماذا؟؟

                هل الى هذه الدرجة صعوبة التحدي

                {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (23)
                {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}
                (24) سورة البقرة




                تعليق

                مواضيع ذات صلة

                تقليص

                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                ابتدأ بواسطة ابن الوليد, منذ 3 أسابيع
                رد 1
                105 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة ابن الوليد
                بواسطة ابن الوليد
                 
                ابتدأ بواسطة Guardian26, 22 ينا, 2024, 02:18 ص
                ردود 3
                123 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة محب المصطفى
                بواسطة محب المصطفى
                 
                ابتدأ بواسطة Muslim1989, 13 ديس, 2023, 02:27 ص
                ردود 8
                105 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                بواسطة *اسلامي عزي*
                 
                ابتدأ بواسطة Muslim1989, 11 ديس, 2023, 12:39 م
                ردود 9
                164 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة أحمد عربي أحمد سيد  
                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 أكت, 2023, 11:53 م
                ردود 0
                206 مشاهدات
                0 معجبون
                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                بواسطة *اسلامي عزي*
                 
                يعمل...
                X