المشاركة الأصلية بواسطة تامر أبو سلطان مشاهدة المشاركة
كثيرًا ما يغضب المنتقدون لكتب الصحاح والمشككون في السنة المطهرة حين يقال لهم:
لستم من أصحاب هذا الشأن ولا العارفين به، ولو كنتم من أصحابه لما انتقدتم هذه الانتقادات التي قد أُميتت هضمًا، وقد رد عليها السلف والخلف.
فيقول هؤلاء الناقدون: هذا ليس ردًا، وإنما هروبًا من السؤال، ولو أنكم رددتم علينا لكان أبين لحجتكم وأوضح لمُتتبعيكم، وأفجع لمخالفيكم. فيقال لهم: هذا علم، ما عرفتموه ولا درستموه فكيف نجادلكم في ما تجهلون.
فيرد الناقدون: هذا لا يحتاج علم، وإنما يعرفه كل ذي عقل، ولو نظرنا في أصح ما تدعون أنه صحيح وهو جامع محمد بن إسماعيل البخاري، لتبين فيه كثير مما يخالف العقل السليم والمنطق القويم، ولظهر فيه من العلل ما لا يمكن لعاقل أن ينكرها.
وأنّا إن شاء الله رادون عليهم بما يفهمه كل ذي عقل، وموضحون لهم ما يجهلون، ومبسطون لهم معاقد هذا العلم.
وأول سؤال يطرحه الناقد علي مخالفه هو:
هل كل ما في صحيح البخاري صحيحًا؟

يقال له: لقد أجملت وما وضحت، وتبين من سؤالك أنك ما عرفت هذا العلم ولا درسته. وإن في الجامع الصحيح مسند ومعلق ومرسل. وإن صاحب الكتاب قد سماه “الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه”. فما فيه حديث مسند متصل إلا هو صحيح، قد أجمعت الأمة علي صحته إلا أحرف يسيرة قد انتقدها عليه كبار النقاد أمثال الدار قطني وغيره. فهذه الأحرف اليسيرة هي صحيحه عنده رحمه الله، وهو أمير هذا الشأن وحامل لوائه. والأخذ برأيه أخذ برأي كبير هذا الشأن والأعلم به.وأما المرسل والمعلق فليس من أصل الكتاب ولا من شرطالمرسل

الحديث المرسل هو إذا كان الذي يُحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم تابعيًا وليس صحابيًا. يعني أن يقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو بلغنا عنه أنه قال كذا. فالتابعي لم يلقى النبي صلى الله عليه وسلم، أو لقيه قبل إسلامه وأسلم بعد موته صلي الله عليه و سلم .فمثل هذا الحديث حديث الزهري الذي يرويه البخاري في كتاب التعبير. حيث قال الزهري بعد ذكره حديث الوحي:وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُؤوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقِرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ ؛ فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
فهذا الحديث ضعيف لأنه من كلام الزهري وهو من التابعين. وهو من أكثر الأحاديث دورانًا على ألسنة منكري السنة.فيقول القائل منهم: كيف للبخاري أن يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حاول الانتحار أو همّ به، أو كيف يروي مثل هذا أو يصححه؟ فيقال لمثل هذا:أن البخاري لم يصححه ولا من شرطه القبول بالمرسل، وإنما سمى كتابه الجامع المسند الصحيح. فما ليس بمسند ليس بصحيح عنده.
المعلق

الحديث المعلق هو ما حُذف من بداية إسناده (أي من جهة المحدث المصنف-صاحب الكتاب-) راوٍ واحد فأكثر. كأن يقول البخاري مثلًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، و هو بذالك حذف الإسناد كله، أو أن يحذف أوله فقط.وعدد الأحاديث التي علقها البخاري في كتابه هو مئة وستون حديثًا. و لا يُشترط أن تكون كلها صحيحة ولكن فيها الصحيح وغيره. وهي علي أي حال ليس من شرطه، فشرطه هو المسند (يعني المتصل دون انقطاع، فلا انقطاع في أوله كالمعلق، ولا انقطاع في آخره كالمرسل) كما عنون كتابه.عن الصحيح

قال البخاري:صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة وجعلته حجة بيني وبين الله
وقال الفربري: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
قالوا: روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن قيام الساعة فقال: إن أُخَّر هذا (يعني غلام المغيرة) فلن يدركه الهرم حتي تقوم الساعة، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد. و قد تبين للعيان أنه مر أكثر من 1300 عام، وهرم غلام المغيرة ومات وما قامت الساعة، وهذه الأحاديث ليست من المرسلات ولا المعلقات.قلنا: إنما الأحاديث يبين بعضها بعض ويشرح بعضها بعض، وفي الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة فكان ينظر إلي أصغرهم فيقول: إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتي تقوم ساعتكم. قال هشام (راوي الحديث): ساعتكم يعني موتكم.
فقوله تقوم الساعة، يعني موتهم وليس يوم القيامة. أما قوله صلى الله عليه وسلم: أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد، فالمعني أن الأحياء في هذه الليلة لن يكونوا أحياء بعد مائة سنة، فهذا وقع والحمد لله وهو من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، فآخر الصحابة موتًا هو أبو الطفيل بن واثلة، مات سنة 110 للهجرة، أي بعد مائة عام من وفاته صلى الله عليه وسلم.قالوا: روى البخاري أن قردة زنت فاجتمع عليها القرَدة فرجموها، فهل الحيوانات مكلفة؟، وهل بينها زواج؟ و كيف طبيعة هذا الزواج؟. قلنا: هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، إنما هو من كلام عمرو بن ميمون، حيث قال:رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ
وعمرو بن ميمون لم يري النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سمع منه، إنما يحكي قصة حدثت له في الجاهلية، وعمرو قطعًا لا يفهم لغة القردة ولا منطقهم، فرأى القردة يرجمون قردة، فظنهم يرجموها بسبب الزنا، وهذا ظنه .قال ابن عبد البر رحمه الله: هذا عند جماعة أهل العلم منكر: إضافة الزنا إلى غير مكلف، وإقامة الحدود في البهائم.قال القرطبي رحمه الله: إن صحت هذه الرواية، فإنما أخرجها البخاري دلالة على أن عمرو بن ميمون قد أدرك الجاهلية، ولم يبال بظنه الذي ظنه في الجاهلية.وما من إشكال أو شبهة في صحيح البخاري إلا و قد رد عليه السلف والخلف. وقد ذكر صاحب كشف الظنون (حاجي خليفة) أن عدد شروح صحيح البخاري بلغت اثنين وثمانين شرحًا، وذكر محمد عصام الحسيني في كتابه (إتحاف القاري بمعرفة جمهود وأعمال العلماء على صحيح البخاري) ثلاثمائة وسبعين ترجمة لعالم أو محدث أو حافظ قد اعتنوا بصحيح البخاري ما بين شرح أو تعليق.وأشهر هذه الشروح:-


  • فتح الباري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ)
  • التوشيح شرح الجامع الصحيح للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت:911هـ)
  • التنقيح في شرح الجامع الصحيح لمحمد بن بهادر الزركشي (ت:794هـ)
  • شرح القاضي أبي بكر بن عبد الله بن العربي المالكي الحافظ (ت:543ه)



إجماع الأمة علي صحة ما في صحيح البخاري

قال الإمام النووي: اتفق العلماء على أنَّ أصحَّ الكُتب بعد القرآن الكريم الصحيحان: صحيح البُخاري، وصحيح مسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول. وقال الحافظ ابن كثير: وكتابُ البُخاريِّ الصَّحيح أجمعَ على قَبُولِه وصِحَّةِ ما فيه أهلُ الإسلام.