الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين.... رسالة دكتوراه من جامعة القاهرة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

سيف الكلمة مسلم اكتشف المزيد حول سيف الكلمة
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سيف الكلمة
    إدارة المنتدى
    • 13 يون, 2006
    • 6036

    الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين.... رسالة دكتوراه من جامعة القاهرة

    الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين.... رسالة دكتوراه من جامعة القاهرة

    --------------------------------------------------------------------------------

    جمهورية مصر العربية
    جامعة القاهرة
    كلية دار العلوم
    قسم الشريعة الإسلامية

    الطعن في القرآن الكريم
    و الرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري

    رسالة لنيل درجة الدكتوراة
    مقدمة من الطالب :
    عبدالمحسن بن زبن بن متعب المطيري
    المعيد بكلية الشريعة – جامعة الكويت
    إشراف : أ.د / إبراهيم عبدالرحيم
    حفظه الله





    المقدمة



    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
    فقد عرف أعداء الإسلام أن مصدر عزة هذا الدين وأهله ، وسر تجدده في نفوس المسلمين هو هذا القرآن العظيم ، الذي لا يخلق من كثرة الترداد ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يمله القارئ والسامع ولا يزداد به المؤمن إلا يقينا بدينه وتعلقا به ، هذه المعجزة الخالدة ، والآية الباقية ما بقي الليل والنهار ، هذا الكتاب الذي وعد الله تعالى بحفظه بقوله : (إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( [الحجر :9] .
    ولما كانت هذه منزلة القرآن ، اجتهد أعداء الدين بالطعن في هذا القرآن ؛ حتى يسلخوا المسلمين من التعلق به ، فيصبحوا صيدا سهلا وغنيمة باردة . وحرب أعداء الدين هذه ليست فقط على القرآن ، بل على كل أساساته وقواعده ؛ فهناك الحرب على الرسول ( وسنته(1)، والطعن في عدالة الصحابة ، والحرب على المرأة المسلمة(2)وحجابها وعفافها ، والحرب على بعض الشعائر كالجهاد(3) ، وغيرها من الجبهات ، ولكن الحرب على القرآن هي أخطرها وأشدها وأشرسها ؛ لأن القرآن هو الذي يدل على الأصول السابقة ويحث عليها ، فهو أصلها وهي فروعه ، وبذهاب الأصل تذهب الفروع ؛ ومن هنا عزمت في هذه الرسالة على جمع هذه المطاعن والإشكالات التي تثار الآن ، والتي هي عبارة - في غالبها - عن ترديد لما سبق ، فلو عرفها الناس وتحصنوا منها لما حصل هذا الاضطراب من هذه الشبه .
    ومن أهداف الرسالة أيضا الرد على المستشرقين الذين يطعنون في هذا الدين ، ويشككون في قدسية وعصمة كتابه . وكذلك الرد على المعاصرين الذين تأثروا بهذه الشبه وبدأوا يرددونها .
    فاخترت أن تكون أطروحتي لنيل درجة الدكتوراة بعنوان :

    الطعن في القرآن الكريم
    والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري .


    ومن الأسباب التي لأجلها اخترت هذا الموضوع :
    1- كثرة المطاعن في هذا الزمن خاصة على القرآن ، واتهامه بالتناقض ، سواء من المستشرقين ، أو من أعداء الدين ، أو ممن ينتسبون للإسلام .
    2- تأثر بعض المسلمين بهذه الشبه التي تثار ، فكان لزاما على طلبة العلم وأهله كشف هذه الشبه ، وبيان فسادها للناس أجمعين .
    3- إثبات إعجاز القرآن ، وأنه من عند الله ، وأن الله تكفل بحفظه حقا .
    4- كشف شبه الطاعنين وأكاذيبهم ، وبيان أنها ترديد لما أورده الطاعنون السابقون .
    5- كشف المنافقين المندسين بين المسلمين للطعن في هذا الدين .
    6- امتثالا لأمر النبي ( كما في حديث أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ( قَالَ :« جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وأَلْسِنَتِكُمْ »(4).
    7- الدخول في حزب جند الله المدافعين عن كتابه ؛ لعله يكون لنا شافعا يوم القيامة .
    وأما أهمية الموضوع فتتضح من أمور كثيرة منها :
    1- عموم نفعه للمسلمين .
    2- أن الموضوع يعالج مشكلة معاصرة ومستمرة .
    3- أن هذا الباب لم يُخدم بما يستحقه .
    4- خطورة الطعن في القرآن ؛ حيث إنه من نواقض العهد مع أهل الذمة ، بل من نواقض الإسلام .
    وقد حَذَّر النبىُّ ( من خطورة فتح هذا الباب ، حين وجد نفرًا من أصحابه يخوضون فيه ببابه ، وذلك فيما ورد من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ نَفَرًا كَانُوا جُلُوسًا بِبَابِ النَّبِيِّ ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ :أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا –وفي رواية أنهم تكلموا في القَدَر- فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ( فَخَرَجَ كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ ، فَقَالَ : « بِهَذَا أُمِرْتُمْ - أَوْ بِهَذَا بُعِثْتُمْ - أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، إِنَّمَا ضَلَّتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ فِي مِثْلِ هَذَا ، إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِمَّا هَاهُنَا فِي شَيْءٍ ، انْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ ، فَاعْمَلُوا بِهِ ، وَالَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(5) .
    5- مما يكسب هذه الرسالة أهمية أني لخصت فيها كتبا كثيرة ، سواء من كتب الطاعنين أو الرادين عليهم ، فهي خلاصة جهود علماء كبار ، وعصارة كتب متفرقة .
    وبعد القراءة التحضيرية ، واستشارة الأساتذة ، والمشايخ ، والاستنارة بعلمهم ، جاءت خطة البحث على النحو التالي :
    المقدمة :
    التمهيد : وفيه المباحث التالية :
    المبحث الأول : تعريف الطعن في القرآن .
    المبحث الثاني : مصطلحات ترادف الطعن .
    المبحث الثالث : التعريف بالطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري .
    الباب الأول (النظري) :
    الطعن في القرآن : نشأته ، أسبابه ، مواجهته

    - الفصل الأول : تاريخ الطعن في القرآن والكتب المؤلفة فيه .
    المبحث الأول : أول من تكلم فيه .
    المبحث الثاني : أول من ألف فيه .
    المبحث الثالث : اتجاهات العلماء في التأليف في هذا المجال .
    المبحث الرابع : الكتب المؤلفة فيه .
    - الفصل الثاني : أسباب الطعن في القرآن .
    المبحث الأول : لماذا هذه الحرب على القرآن؟.
    المبحث الثـاني : ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن؟.
    المبحث الثالث : أنواع المطاعن .
    .
    - الفصل الثالث : مواجهة دعاوى الطعن في القرآن .
    المبحث الأول : تنزيه كلام الله عن المطاعن .
    المبحث الثـاني : موقف سلف الأمة ممن يثيرون الشبه والمطاعن حول القرآن .
    المبحث الثالث : قواعد التعامل مع المطاعن .
    الباب الثاني (تطبيقي) :
    موقف الطاعنين من آيات القرآن والرد عليهم :

    - الفصل الأول : الردود الإجمالية على من طعن في القرآن :
    المبحث الأول : الأدلة على صدق الرسول ( :
    المطلب الأول : بشارة الكتب السابقة به .
    المطلب الثاني : شهادة المنصفين من المخالفين على صدقه .
    المطلب الثالث : الآيات التي يجريها الله تعالى على يديه .
    المطلب الرابع : إقرار الله تعالى له و لدعوته واستجابته لدعائه .
    المطلب الخامس : من أدلة صدقه كمال أخلاقه .
    المطلب السادس : استعداده الدائم لأي اختبار يطرح عليه .
    المطلب السابع : عدم استغلال فرص التعالي .
    المطلب الثامن : المباهلة على ما عنده .
    المطلب التاسع : حمايته من كل ما يكاد له .
    المطلب العاشر : انتفاء الغرض الشخصي .
    المطلب الحادي عشر : إخباره بالنهايات في البدايات .
    المطلب الثاني عشر : إخباره بالغيب .
    المطلب الثالث عشر : إحكام التشريع .
    المطلب الرابع عشر : الإعجاز العلمي .
    المطلب الخامس عشر : الوصف الدقيق للغيب .
    المطلب السادس عشر : تأليف قلوب العرب .
    المطلب السابع عشر :الإلزام .
    المبحث الثاني :الأدلة على صدق القرآن وما فيه :
    المطلب الأول :إعجاز القرآن .
    المطلب الثاني :التحدي أن يُؤتى بمثله .
    المطلب الثالث : شهادة الكفار وأهل الكتاب وأعدائه بصدقه .
    المطلب الرابع : الوحدة الموضوعية لكل سورة .
    المطلب الخامس : عدم التناقض .
    المبحث الثالث :ردود القرآن على الطاعنين .
    المبحث الرابع : ردود إجمالية أخرى :
    المطلب الأول : عدم معارضة كفار مكة .
    المطلب الثاني : قل هاتوا برهانكم .
    المطلب الثالث : مخالفة الواقع .
    المطلب الرابع : إجماع الأمة .
    - .

    المبحث الأول : التشكيك في نسبة القرآن إلى الله تعالى :
    المطلب الأول : دعوى أن القرآن من عند نبينا محمد ( .
    المطلب الثاني : دعوى أن القرآن نقل من غيره .
    المطلب الثالث : جواز نقده ومخالفته .
    المبحث الثاني :زعم عدم حفظه :
    المطلب الأول : شبهة أنه ليس هو القرآن الذي أنزل .
    المطلب الثاني : شبهة أنه زيد فيه ونقص .
    المطلب الثالث: النسخ فى القرآن والطعن فيه من هذا الباب .
    المبحث الثالث :اتهام القرآن بالتناقض :
    المطلب الأول : هل في القرآن تناقض حقيقي؟.
    المطلب الثاني : زعم تناقض بعض الآيات مع بعض .
    المبحث الرابع :اتهام القرآن بمعارضة الحقائق :
    المطلب الأول : دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الشرعية .
    المطلب الثاني : دعوى تعارض القرآن مع الوقائع التاريخية .
    المطلب الثالث : دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية .

    ثم الخاتمة ، وذيلت الرسالة بعدة فهارس لكمال الاستفادة من البحث .

    وكان المنهج المتبع في هذه الرسالة كالتالي :
    1- لقد اجتهدت اجتهادا كبيرا في محاولة حصر الطعون ؛ حيث جمعت ما أمكنني من كتب تطعن في القرآن أو ترد على الطاعنين ، وحرصت على أن أحضر معظم معارض الكتاب التي تقام ؛ لعلي أجد شيئا ليس عندي ، وذهبت إلى الكثير من الجامعات للبحث عن رسائل مقاربة لما كتبته ، وبحثت في الإنترنت ، ودخلت الكثير من المواقع المتخصصة في الطعن في الإسلام ، مثل بعض غرف النصارى في البالتوك وغيرها ، وسألت الكثير من المتخصصين في هذا الباب والمهتمين ، فاتضح لي أن حصر الطاعنين من الصعوبة بمكان ؛ فبعضهم مشاهير ، وبعضهم مغمور نكرة لا يعرف ، فتسميته والرد عليه تشهير له ، وبعضهم بل أكثرهم مردّد لما قيل سابقا من الطعون ، فاتجهت لحصر الطعون لا الطاعنين – مع عدم إغفال ذكرهم إن وجدوا لاسيما المشاهير منهم - لأن الطعون واحدة في الغالب ، وأما الطاعنون فهم كالببغاوات يرددون ما سمعوا ، وهذا أيضا منهج نبوي فقد كان النبي ( يرد على الخطأ لا على المخطئ ، بقوله : « ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا »(6).
    2- ليس من منهجي أن أجمع كل ما أثير ، بل أجمع ما كان فيه شبهة وقد يقع فيه اللبس عند بعض الناس ، وأما بعض الطعون التي يوردها الطاعنون بسبب جهلهم باللغة ، أو سوء فهمهم ، أو تحريف المعنى ، أو الكذب ، أو الدعوى المجردة عن الدليل ، أو نسبب الحقد الدفين ، فهذا يكفي ذكره في إبطاله ، ويكفيك من شر سماعه ، مثل إنكارهم بلاغة القرآن وهم أبعد الناس عن تذوق بلاغة القرآن ، أو تفسير بعضهم قوله تعالى : (وترى الملائكة حافين من حول العرش( [الزمر :75]؛ فقد قال بعض المستشرقين في تفسير معنى (حافين( : أي بدون أحذية(7) . ( وفسر بعض المستشرقين قوله تعالى : (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه( ]الإسراء : 13 ] بقوله : يأتي الكافر وفي رقبته حمامة .ومنهم عَلََََّامة تصدى لوضع المعجمات الكبرى(8) , فكتب في مادة (أخذ) أنها تأتي بمعنى نام لقوله تعالى : (لا تأخذه سنة ولا نوم((9) [ البقرة :255] ). ومثل ادعاء بعضهم أنه وجد مخطوطة بخط النبي ( ، وبالتالي يثبت أنه لم يكن أميا(10)، وقول بعضهم : إن معنى قوله تعالى : (الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه ..( [الأعراف :157] أن أمي بمعنى وثني(11). وادعاء بعضهم أن الوحي عبارة عن صرع كان يصيب النبي(12)( . أو النزول إلى الدرك الأسفل من الدناءة بإطلاق لفظ (الخراء) على القرآن ، كما في كتاب حيدر حيدر(13)(وليمة لأعشاب البحر)(14) ، وغير ذلك من السفاهات .
    3- الطعون على القرآن تنقسم قسمين ، طعون حول القرآن ، وطعون في القرآن ؛ الطعون حول القرآن من مثل الطعن في جمع القرآن ، وتواتر القرآن ، تقسيم القرآن إلى مكي ومدني ، نزول القرآن على سبعة أحرف ، معنى المتشابه في القرآن ، النسخ في القرآن ، ترجمة القرآن ، إعجاز القرآن ، قراءات القرآن ...إلخ تلك الشبه التي تحوم حول القرآن ولا تطعن في آياته طعنا مباشرا ، وهذا البحث كفانا فيه عدد من العلماء الأفاضل والباحثين الأجلاء ، ومن أفضل هذه الكتب التي اطلعت عليها ، كتاب "شبهات حول القرآن وتفنيدها" للدكتور غازي عناية(15)، وبعضهم أفرد في بعض هذه المباحث مؤلفا ، مثل كتاب "المستشرقون وترجمة القرآن الكريم"للدكتور محمد صالح البنداق(16). و في كتاب "القراءات وأثرها في التفسير والأحكام"للدكتور محمد بن عمر بازمول(17) عقد بابا بعنوان (رد الشبهات التي تثار حول القراءات) أجاب فيها على كل ما يثار حول هذا الموضوع ، وكتاب القراءات في نظر المستشرقين والملحدين للشيخ عبدالفتاح عبدالغني القاضي(18) ، وكتاب نزول القرآن على سبعة أحرف للدكتور مناع القطان(19)، وفي مجلة لواء الإسلام بحث لعبد الباري إبراهيم أبو عبلة في الجواب على طعون المستشرقين في لغة القرآن ونحوه(20).
    ومن أشد الكتب التي طعنت في هذا الباب كتابان :
    1-القرآن : نزوله ، تدوينه ، ترجمته وتأثيره ، لبلاشير(21).
    2-مقدمة كتاب المصاحف لأبي داود ، لآرثر جفري .
    رد عليهما الدكتور إسماعيل سالم عبدالعال في كتابه المستشرقون والقرآن ، في جزأين(22) .
    وأما النوع الثاني وهو الطعن في القرآن نفسه من حيث دلالالته ومعانيه وأخباره وأحكامه وغير ذلك ، وهو الذي أبحث فيه ، والسبب في ذلك أن هذا النوع هو الذي تولى القرآن الرد فيه على الطاعنين ؛ ولأن الرد على هذه الشبه فيه الرد على تلك الشبه بطريق اللزوم ، فإنه إذا ثبت أن القرآن ليس من عند النبي ( ، بل من الله تعالي ، وهو غير قابل للنقد ، وأنه ليس فيه تحريف ولا زيادة ، وأنه صادق الأخبار وواجب الاتباع ، إذا ثبت هذا فإن الله قال فيه : (إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون([الحجر :9]، إذن فلا مجال للطعن في تواتره وجمعه وقراءاته وما نسخ منه ؛ لأنه محفوظ بحفظ الله له .
    4- الإحالة على الآيات في المصحف جعلتها في صلب البحث ، حتى لا يتخم الهامش بالحواشي .
    5- حرصت على تخريج الأحاديث والآثار والحكم عليها ، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالإحالة عليه ؛ وإن كان في غيرهما استقصيت في تخريجه وبينت صحته أو ضعفه ، وقد حكمت على هذه الأحاديث بنفسي ، ثم قمتُ بتوثيق ذلك من كلام العلماء إن وُجد .
    6- ترجمت لغير المشاهير .
    7- قرأت أحاديث الكتب الستة والموطأ والدارمي ، واستخرجت جميع الأحاديث في هذا الباب ، ثم طُبع كتاب جامع التفسير الذي جمع مؤلفوه الأحاديث و الآثار من الكتب الستة ومسند الإمام أحمد ، التي تفسر أو تذكر سبب نزول الآية ، فقرأته للتأكد من أنه لم يفتني حديث في هذا الموضوع .
    8- لقد كان الرد على الطاعنين متنوعًا ؛ فقد رددتُ عليهم بداية ردودا عامة تصلح لكل طعن فى فضل الردود الأجمالية على من طعن في القرآن ، ثم ردت على الطعون الأربعة الرئيسة ردودا إجمالية ، كل طعن بذاته فى مبحث أسباب الأختلاف في القرآن .، ثم في فصل الردود التفصيلية على من طعن في القرآن رددت على كل طعن بنوعين من الردود ، الأول رد إجمالي على كل طعن في هذا الفرع ثم رد تفصيلي على كل طعن ذكر.
    9- حرصتُ على الردود الإجمالية لكل طعن فى فصل الردود التفصيلية على من طعن في القرآن ؛ لأنها الأهم ، فهي صالحة لما قد أُثير ولما يمكن أن يثار في المستقبل ، وأما الردود التفصيلية على كل طعن فإنها لا تنتهي ، وقد يُفتح لإنسان مالا يُفتح على غيره في الرد ، وبعضها طعن ساذج لا يستحق الرد .
    هذا وقد واجهتني صعوبات كثيرة في مراحل إعداد هذا البحث ، نذكر منها :
    1- كثرة الطاعنين وصعوبة حصرهم ، فهم كثر في كل دولة عربية وإسلامية ، وأكثر منهم في دول أوروبا وأمريكا .
    2- من الصعوبات التي واجهتها ، محاولة حصر كل ما أُلف في هذا الباب من مطبوع أو مخطوط أو مفقود ، فلجأت إلى كتب طبقات المفسرين ؛ لمعرفة كل من ألف في طعون القرآن ، وجردتها وحصرت منها الكتب التي أُلفت في الرد على الطاعنين . وكتب الطبقات التي وجدتها هي :
    أ-طبقات المفسرين للسيوطي(23).
    ب-طبقات المفسرين للداوودي تلميذ السيوطي(24).
    ج-طبقات المفسرين للأدنوري(25).
    3- ومن الصعوبات التي واجهتها التعريف بالمستشرقين ؛ فإن الكتب المؤلفة عنهم قليلة .
    4- وهناك مشكلة أخرى تكمن في ترجمة أسمائهم ، فإنه لو وجد لهم تعريف فإنه من الصعب معرفة ما هي ترجمة الاسم الحرفية ، مثل المستشرق الفرنسي (ganier)(26) بعضهم يسميه :جانييه ، وبعضهم :جانيير ، وبعضهم :كانيير ، فلا تعلم هل تبحث عن اسمه في حرف الجيم أم في حرف الكاف ، ومثله المستشرق (gibb)(27) فبعضهم يسميه : جب ، والبعض غب ، والبعض الآخر قب ، وهكذا ، ولقد ترجمت لأكثر من عشرين واحدا منهم وأما الذين لم أجد ترجمتهم فهم اثنان فقط .
    5- ومن الصعوبات أيضا أن أغلب كتب المستشرقين كتبت في غير اللغة العربية ، فكنت أجد عناء في ترجمتها أو البحث عن ترجمة لها ، وفي الغالب كنت أنقلها من كتب أخرى .
    6- ومن الصعوبات أن بعض كتب المستشرقين التي طبعت بالعربية ، لم يعد طبعها منذ زمن طويل ، فلا تكاد توجد في أسواق الكتب ، لذلك كنت أضطر إلى نقلها من كتب العلماء الذين ردوا عليهم في زمنهم .
    7- ولقد سافرت إلى هولندا للقاء الدكتور نصر حامد أبو زيد للتأكد من بقائه على آرائه ومناقشته فيها ، فكلمته بالهاتف من هولندا فرفض مقابلتي رفضا قطعيا مع محاولاتي الكثيرة في طلب ذلك ، وحصل عندما كنت هناك أن قامت امرأة صومالية الأصل هولندية الجنسية ، وكانت مسلمة ، قامت بسب النبي ( على صفحات الصحف والطعن في دينه وأعلنت أنها ملحدة لا تؤمن بدين ، فطلبت من الأخوة في هولندا جمع كل ما قالت وترجمته إلي العربية ، وسألتهم هل ذكرت أدلة أو شبها على ما قالت أم أنه كلام عار عن أي مستند ، فكانت نتيجة الترجمة هي الثاني ، فكلامها مجرد سب وشتم من غير أي حجة ، بل هو الهوى المحض ، ثم قامت بعد هذه الضجة بترشيح نفسها للمجلس البرلماني في هولندا فعندها اتضح السبب وبطل العجب ، (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ([آل عمران : 7] .

    وفي الختام أسأل الله تعالى أن يوفق ويعين ، وأن يجعل هذا البحث مفيدا للناس في الدنيا ، ونافعا لي في الآخرة .



    ===============

    (1) انظر : كتاب : السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام مناقشتها والرد عليها ، د. عماد السيد الشربيني ، دار اليقين ، المنصورة ، الطبعة الأولى ، 2002 ، وكتاب القرآنيون وشبهاتهم حول السنة ، خادم حسين إلهي بخش ، الطائف ، مكتبة الصديق ، الطبعة الأولى ، 1989 .
    (2) انظر : كتاب : ماذا يريدون من المرأة لعبدالسلام بسيوني ، طبع إدارة الشؤون الإسلامية في قطر ، فإنه نفيس في هذا الباب : ، وكتاب عودة الحجاب ، لمحمد إسماعيل المقدم ، الرياض ، دار طيبة ، الطبعة الثالثة ، 1406هـ .
    (3) انظر : أثر الحركات الباطنية في عرقلة الجهاد ضد الصليبيين ، يوسف إبراهيم الشيخ عيد ، دار المعالي ، عمّان ، الطبعة الأولى ، 1998 .
    (4) أخرجه أبو داود (كتاب الجهاد ، باب : كراهية ترك الغزو ، رقم : 2504) والنسائي (كتاب الجهاد ، باب : وجوب الجهاد ، رقم : 3096) والإمام أحمد في المسند (رقم : 11837) والدارمي (كتاب الجهاد ، باب : في جهاد المشركين باللسان واليد ، رقم : 2431) وإسناده صحيح .
    (5) أخرجه الإمام أحمد (6806) ، وابن ماجة (في المقدمة في باب : في القدر ، رقم : 85) ، وإسناده حسن .
    (6) انظر : صحيح البخاري : (كتاب الصلاة ، باب : ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد ، رقم : 444) ، و (كتاب الصلاة ، باب : رفع البصر إلى السماء في الصلاة ، رقم : 717) ، و(كتاب الأدب ، باب : من لم يواجه الناس بالعتاب ، رقم : 5750) .
    (7) انظر : الإسلام دعوة عالمية ومقالات أخرى ، لعباس محمود العقاد (ص : 189) ، منشورات المكتبة العصرية ، بيروت .
    (8) وَصْفُ العقاد لهذا المستشرق بالعَلاّمة هو من باب : التهكم والاستهزاء بجهله الشديد باللغة العربية ، وقد فضح جهله هذا تفسيره لمادة (أخذ) بمعنى نام مخالفًا بذلك جميع معاجم اللغة ، فصار كمَن تخصص في وضع معجمات لنا لا نعرفها .
    (9) انظر : اللغة الشاعرة مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية ، لعباس محمود العقاد (ص : 75) ، منشورات المكتبة العصرية ، بيروت . وذكر محمد العوضي في مقال له عن الاستشراق في جريدة الحدث الكويتية (العدد : 96) بتاريخ 5 أكتوبر سنة 2002 : أن أحد المستشرقين فسر قوله تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) بقوله : يعني هن بنطلونات لكم وأنتم بنطلونات لهن) .
    (10) المرجع السابق (ص : 192) وفيه أن صحف القاهرة نقلت هذا الخبر عن صحيفة بيروتية اثبت فيها واجدها انه بخط النبي ( ، ومن المعلوم أنه لا يمكن إثبات هذا إلا عن طريقين ؛ أحدهما : أن تكون عندنا مخطوطة مكتوبة بخط النبي ( ونقارن بين الخطين ، وهذا غير موجود بداهة . الثانى : أن يشهد شهود عدول أن النبي ( كتبها ، وهذا مما لا وجود له أصلاً .
    (11) انظر : دفاع عن القرآن ضد منتقديه ، لعبدالرحمن بدوي (ص : 15) ، الدار العالمية للكتب والنشر ، القاهرة . ويقول بدوي في هذا الكتاب (ص : 7) : إن معرفة المستشرقين للغة العربية من الناحية الأدبية أو الفنية يشوبها الضعف ، ويمكن القول أن هذه الملاحظة تخصهم جميعا تقريبا . اهـ .
    (12) انظر : حاضر العالم الإسلامي ، لستودارد (1/34) ، ترجمة عجاج نويهض ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، 1973 .
    (13) حيدر حيدر : كاتب سوري معاصر من سكان قرية ( حصين البحر ) القريبة من ميناء طرطوس ، ألف رواية"وليمة لأعشاب البحر"وملأها بالاستهزاء والسخرية من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكتابه ودين الإسلام ، والرسل والأنبياء ، والأزهر ، وغير ذلك . انظر : كتاب"الملحدون الجدد"لجمال عبد الرحيم ( ص : 125) ، الطبعة الأولى ، 2001 .
    (14) انظر الملحدون الجدد لجمال عبد الرحيم ( ص : 127 ) .
    (15) طبعته دار ومكتبة هلال للطباعة والنشر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1996 .
    (16) دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1983 .
    (17) طبعته دار هجر ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1996 .
    (18) من منشورات مكتبة الدار بالمدينة المنورة .
    (19) مكتبة وهبة ، الطبعة الأولى ، 1991 .
    (20) العدد 3 ، للسنة الحادية والثلاثين ، تاريخ نوفمبر 1976 ، ص : 35 .
    (21) ريجي بلاشير (1900-1973) مستشرق فرنسي ، ولد في باريس وسافر مع والديه إلى المغرب ودرس في الدار البيضاء ، وعين أستاذا للغة العربية في المدرسة الوطنية للغات الشرقية في باريس ، وتولى عدة مناصب كبيرة وألف كتبا كثيرة عن الإسلام . انظر : موسوعة المستشرقين ، للدكتور عبدالرحمن بدوي ، (ص : 127) دار العالم للملايين ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1993 .
    (22) أصدر الكتاب رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة ، وهو من إصداراتها الدورية تحت سلسلة دعوة الحق ، السنة التاسعة ، العدد 104 ، لعام 1410هـ .
    (23) طبع مكتبة وهبة ، القاهرة ، تحقيق على محمد عمر ، الطبعة الأولى ، 1396 .
    (24) دار الكتب العلمية ، بيروت ، تحقيق لجنة من العلماء بإشراف الناشر .
    (25) تحقيق سليمان الخزي ، طبع مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1997 .
    (26) انظر : موسوعة المستشرقين (ص : 168) .
    (27) انظر : موسوعة المستشرقين لعبدالرحمن بدوي (ص : 174) .
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره
  • سيف الكلمة
    إدارة المنتدى
    • 13 يون, 2006
    • 6036

    #2
    التمهيد


    وفيه المباحث التالية :

    المبحث الأول : تعريف الطعن في القرآن .
    المبحث الثاني : مصطلحات ترادف الطعن في القرآن .
    المبحث الثالث : التعريف بالطاعنين في القرن العشرين .

    المبحث الأول :
    تعريف (الطعن في القرآن) :

    -أولا : تعريف الطعن :
    ( ط ع ن : طَعَنهُ بالرمح ، و طَعَنَ في السن كلاهما من باب نصر ، وطعن فيه أي قدح من باب نصر أيضا ، و طَعَنَاناً أيضا بفتح العين كذا في الصحاح ، وفيه أيضا : والفرَّاء يجيز فتح العين من يطعن في الكل ، وقال الأزهري في التهذيب : الطَّعنان قول الليث ، وأما غيره فمصدر الكل عنده الطعن لا غير ، وعين المُضارع مضمومة في الكل عند الليث ، وبعضهم يفتح العين من مضارع الطعن بالقول للفرق بينهما . وقال الكسائي :لم أسمع في مضارع الكل إلا الضم . وقال الفرَّاء : سمعت يطعن بالرمح بالفتح .وفي الديوان ذكر الطعن بالرمح ، وباللسان في باب نصر ، ثم قال في باب : قطع و طَعَن يطعن لغة في طعن يطْعن ، فجعل كل واحد منهما من البابين ، و المِطْعَانُ : الرجل الكثير الطعن للعدو ، وقوم مَطاعينُ ، وفي الحديث : « لا يكون المؤمن طَعَّاناً » ؛ يعني في أعراض الناس . و الطَّاعُونُ : الموت من الوباء ، والجمع الطَّوَاعِين)(28).
    وقال ابن فارس :( طعن :أصل صحيح مطرد ، وهو النخس في الشيء بما ينفذه ، ثم يحمل عليه ، ويستعار من ذلك الطعن في الرمح ، ورجل طعان في أعراض الناس ، وفي الحديث : « لا يكون المؤمن طعانا » . وقال بعضهم : طعن بالرمح يطعُن بالضم ، وطعن بالقول يطعَن فتحا)(29).
    إذن لكلمة طعن معنيان ؛ حسي ، ومعنوي ؛ فالحسي بمعنى الضرب بآلة حادة كالخنجر ، و هو المتعدي للمفعول ( طعنه ) ، والمضارع منه مضموم العين (يطعُن) وبعضهم يفتحه ، والمعنوي بمعنى القدح في شيء ، سواء كان نسبا ، أو كتابا ، أو شخصا ، أو غير ذلك ، وهو اللازم (طعن فيه) ، والمضارع منه مفتوح العين (يطعَن).
    - ثانيا :تعريف القرآن :
    هو كلام الله المعجز المنزل على محمد ( ، المكتوب في المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته(30). والقرآن من المشهورات التي لا تحتاج الى تعريف .
    - ثالثا :تعريف الطعن في القرآن :
    الطعن في القرآن : هو أحد مباحث علوم القرآن ، التي تبحث في الرد على من طعن في كتاب الله ، أو زعم تناقضه ، أو إشكاله ، والرد عليها بالأدلة الشرعية ، والعقلية ، والحسية(31).


    المبحث الثاني :
    مصطلحات ترادف الطعن في القرآن


    هناك عدة مصطلحات في تسمية هذا العلم ، ترادف مصطلح الطعن في القرآن وهي :
    1-المتشابه أو المشتبه :
    حيث إن كثيرا من العلماء يطلقون على هذا العلم (المتشابه )، مثل كتاب :
    الآيات المتشابهات لبقي بن مخلد ، وأضواء على متشابه القرآن لخليل ياسين ، وتأويل متشابهات القرآن لابن شهر آشوب وغيرها(32) .
    وأخذوا هذا الاسم من قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ…( [آل عمران :7].
    وإنما لم أختر أن تكون الرسالة بهذا العنوان ؛ لأن المتشابه يطلق –في علوم القرآن والتفسير-على عدة معان :
    1- يطلق المتشابه ويقصد به المشكل من الآيات التي قد تشتبه على فهم القارئ ؛ لخلوه من الدلالة الراجحة لمعناه(33)، الذي يحتاج للجواب والرد على الطاعن ، كما تقدم .
    2- ويطلق ويراد به ضد المحكم ، وهو الذي لا يعلمه إلا الله ، أو لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم(34) ؛ مثل الحروف المقطعة ، وحقيقة صفات الله وكيفياتها .
    3- ويطلق ويراد به الآيات المتشابهة لفظا ، وقد تفترق بحرف أو كلمة ، وتوجيه هذا التفريق . وقد ألف العلماء في هذا الفن كتبا كثيرة ؛ منها : " درة التنزيل وغرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز"(35) ، للخطيب الإسكافي(36)، وأشهرها وأفضلها كتاب "البرهان في متشابه القرآن "(37) للكرماني(38) .
    4- يطلق ويقصد به تشبيه شيء بشيء ، كالحور العين باللؤلؤ ، وقد ألف في هذا المعنى ابن ناقيا البغدادي(39) كتابه " الجمان في تشبيهات القرآن"(40)، ولسيد قطب كتاب في هذا المعنى سماه " التصوير الفني في القرآن " .
    5- يطلق المتشابه ويراد به أن القرآن متماثل في النظم والبلاغة والهدف الذي يدعو إليه ؛ فلا تجد في أسلوبه اختلافا ، ولا في معانيه مناقضة ، ولا في سِوَرِه تغايرا ، كما في قوله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ( [الزمر :23] .
    قال القرطبي : ( متشابها يشبه بعضه بعضا في الحسن والحكمة ، ويصدق بعضه بعضا ، ليس فيه تناقض ولا اختلاف )(41).
    فلما كان هذا الاسم يشكل في الفهم ، ومشتركا بين عدة معان ، أعرضت عنه .
    2- موهم الاختلاف أو مختلف القرآن :
    هكذا سماه الزركشي في البرهان : النوع الخامس والثلاثون :معرفة موهم المختلف(42)، و سماه السيوطي في الإتقان : النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض .
    وقد أخذوا هذا الاسم من الآية وهي قوله تعالى :(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا([النساء :82].
    3- موهم الاضطراب :
    ومن هذا كتاب دفع " إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " لمحمد الأمين الشنقيطي .
    وهذا الاسم والذي قبله يتحدث عن نوع واحد من الطعون ، وهو التناقض في الآيات ، مع أن الطعون لها أنواع أخر ، كنفي نسبة القرآن إلى الله ، والطعن في لغته وغير ذلك ؛ لهذا لم أُسمِّ به الرسالة ؛ لقصوره عن شمول جميع أنواع الطعون .
    4- أسئلة القرآن :
    أي الأسئلة التي يطرحها بعض الناس بقصد التشكيك في كتاب الله تعالى ؛ ومن هذا :كتاب " البرهان في مسائل القرآن " للجماعيلي المقدسي ، و " التبيان في مسائل القرآن " لرضي الدين القزويني ، وبعضهم يسميها جوابات القرآن ؛ باعتبار الجواب على هذا السؤال ، ككتاب " الجوابات في القرآن " لمقاتل بن سليمان ، وبعضهم يجمع بين الاسمين مثل " أسئلة القرآن وأجوبتها " لأبي بكر الرازي .
    5-غامض القرآن :
    ومن هذا كتاب " كشف غوامض القرآن " لفخر الدين الطريحي .
    6-مشكل القرآن :
    ومن هذا كتاب :" تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة –وبعضهم يسميه " مشكل القرآن"(1) ، وهو من أول الكتب المفردة في هذا الفن ، وهو مطبوع متداول .
    و" فوائد في مشكل القرآن " لسلطان العلماء العز بن عبدالسلام .
    و" مشكلات القرآن " لمحمد أنور الكشميري .
    و" مشكل القرآن " للحكيم الترمذي ، وهو أكثر الأسماء تداولا بين العلماء على هذا الفن ، فقد وجدت ما يقارب العشرين عالما يطلقون عليه هذا اللفظ كما سيأتي(43).
    فيتحصل لنا من هذا ، أن لهذا العلم سبعة أسماء عند العلماء .


    المبحث الثالث :
    التعريف بالطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري


    الطاعنون في كتاب الله هم المشككون فيه ، الذين يوردون عليه الشبه والإشكالات والاضطرابات ، يريدن بهذا إسقاط قدسية القرآن من قلوب المسلمين ؛ لأن القرآن هو قطب رحى المسلمين الذي عليه يدورون ، وهو العروة الوثقى التي بها يتمسكون ، وهو المورد العذب الذي إليه يردون ومنه يصدرون . وهو أساس الإسلام وركن الشريعة الركين ، الذي إذا سقط سقط كل البناء ، وتهدم الصرح ، وقوض الإسلام ، ولم تبق للمسلمين باقية ولا قوة .
    وقد كثر الطاعنون في كل قرن ، ولكن هذا القرن تميز بنوعين من الطاعنين ، وهم :
    الصنف الأول : المستشرقون .
    الصنف الثاني : العلمانيون ، أو تلاميذ المستشرقين ، أو العقلانيون ... وفيما يلى نبذة مختصرة عن كل منهما :
    أولا : المستشرقون :
    الاستشراق(Orientalism) : تعبير يدل على الاتجاه نحو الشرق ، ويطلق على كل ما يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم ، ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق ، والتي تشمل حضارته ، وآدابه ، ولغاته ، وثقافته(44) .
    واستُغل في أكثر مراحله لخدمة الاستعمار ، وتشويه تعاليم الدين .
    ونشأ هذا الفكر لما عجز النصارى عن مواجهة المسلمين بالسيف ، فرأوا أن أفضل طريقة لمحاربة المسلمين هو الغزو الفكري .
    ولهم طرق كثيرة للوصول إلى أهدافهم منها : تأليف الكتب ، وإصدار المجلات ، وإلقاء المحاضرات في المنتديات عن الإسلام ، والقرآن ، والسنة ، وتاريخ المسلمين ، وإنشاء الجمعيات والمراكز التي تخدم أغراضهم ، وعقد المؤتمرات السرية والعلنية ، وإنشاء موسوعة دائرة المعارف الإسلامية وغيرها ، وإرسال البعثات ، وإنشاء جامعات وكليات غربية في بلاد الشرق ، وغير ذلك من الوسائل ، ولها آثار أكثرها سلبي وبعضها إيجابي .
    فمن الآثار السلبية :
    1 - الطعن في القرآن والسنة ، وهما مصدر التشريع في الدين .
    2 - محاولة إحياء الفرق المنحرفة الميتة ، أو أفكار بعض المنحرفين كالحلاج وغيره .
    3 - صد الناس عن الإسلام بتشويه تعاليمه كما فعلت الموسوعة البريطانية .
    4 - إخراج جيل من أبناء المسلمين منسلخ عن دينه بل محارب له .
    5 - التشكيك في الثوابت ؛ كالجهاد ، والحجاب ، والميراث ، والعقوبات الشرعية ؛ كرجم الزاني ، وقطع يد السارق ، وقتل المرتد ، وغير ذلك من الثوابت .
    6 - إخراج المرأة من جلبابها بتصوير الحجاب بأنه خرقة لا قيمة لها ، ومحاولة مساواة المرأة للرجل في كل شيء ، حتى في جواز تعدد الأزواج .
    وأما الآثار الإيجابية فمنها :
    1 -شهادة المنصفين منهم لصدق الإسلام وإعجاز القرآن ، حتى دفع الكثير منهم لإعلان إسلامه .
    2 - إخراج بعض الكنوز الإسلامية التي كانت مخطوطة بتحقيقها وطبعها .
    3 - عمل المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي .
    ودوافع الاستشراق كثيرة ترجع إلى ثلاثة دوافع : استعماري ، وديني ، وعلمي(45).

    ثانيا : العلمانيون : ونقصد بهم تلاميذ أولئك المستشرقين ؛ الذين رضعوا منهم أفكارهم ، وطعونهم في كتاب الله ، ومع هذا يدّعون الإسلام ، ويتكلمون باسمه ، ويزعمون أنهم بهذا ما يريدون إلا الإصلاح (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11)أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ( [البقرة :11، 12]. وينسبون أنفسهم للعلم ، فيقولون : نحن علمانيون . تلبيسا على عامة الناس .
    وخطر هؤلاء أشد(46) ؛ لأنهم باسم الإسلام يطعنون في الإسلام ، وبزعم الدفاع عنه يحاربونه ، وأسماؤهم كأسمائنا ، وهم أبناء جلدتنا ، فتلبيسهم على عامة الناس ، بل على بعض الخاصة شديد ، لذلك كان الرد على هؤلاء ، وكشف أباطيلهم وتلبيساتهم من أعظم الواجبات ، وآكد الفرائض ، حتى تحذر الأمة منهم ، وتسلم من شرهم ؛ ففي الصحيحين عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قال : كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ( عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ، فَقُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : « نعَمْ . » قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ :« نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ . » قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ : « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ » . قُلْتُ : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا » . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا . فَقَالَ : « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا » . قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ » ، قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ . قَالَ :« فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ »(47).
    وهناك نوع ثالث ولكن لا نستطيع أن نعدهم من الطاعنين ، وإن كانوا قد عملوا أعمالا-سواء عن قصد أو عن غير قصد- فتحت الباب للطاعنين في القرآن (48) ؛ من تأويل غير مقبول في تفسير القرآن ، أو جواب عن إشكال فيه تنازل وتسليم مبطن به ، أو تحريف معاني كثير من الثوابت إلى معانٍ تساير العصر –بزعمهم- أو إلغائها بالكلية ، أو تكلف الاستدلال بآية على ما لا تدل عليه من قريب أو بعيد (49).
    وهم بعض من ينتسب للمدرسة العقلية الحديثة التي تقدم العقل على النقل كالمعتزلة القديمة ؛ يقول أستاذنا الدكتور محمد بلتاجي في مقدمة " كتابه مدخل إلى علم التفسير " : وأنه يتضمن عدة ( مباحث في عرض وتقويم بعض الدراسات المعاصرة التي تتناول النص القرآني من منطلقات ومناهج باطلة تحاول أن ترتدي ثوب التجديد والتنوير ، وإنما هي – في حقيقتها وجوهرها وأهدافها-نفس المزاعم التي طُعن بها في القرآن الكريم منذ أوحى الله تعالى به )(50).
    وقال حفظه الله : وقد ظهر في عصرنا الحاضر أفراد استخدموا بعض مصطلحات المعتزلة ومقولاتهم ، وتمسحوا بهم لكنهم أمعنوا السير في الطريق ، ولم يقفوا عند الحد الذي توقف عنده قدماء المعتزلة ، بل تجاوزوه تجاوزا خطيرا ، زعموا فيه أن الفهم الحرفي للعرش والكرسي والملائكة والجن والقلم واللوح والسحر وغيرها ، يقدم تصورات ذات طابع أسطوري –تجاوزه التاريخ- نبع من الواقع الثقافي للجماعة في عصر نزول هذه الآيات المتضمنة لهذه النصوص ، كما زعموا أن كثيرا من الأحكام القرآنية أصبحت تاريخية ، حيث تجاوزتها أوضاع العصر وثقافته ، وظروفه ولم تعد صالحة للتطبيق فيه ، وتمسحوا في ذلك ببعض اجتهادات عمر بن الخطاب رضي الله عنه(51).


    ============

    (28) مختار الصحاح (1 / 165) .
    (29) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/412) بتصرف ، وانظر : لسان العرب (13/265-26) .
    (30) انظر : مناهل العرفان للزرقاني (1/15) ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1996 ، وانظر : كتاب النبأ العظيم للدكتور محمد عبدالله دراز (ص : 10) دار طيبة للنشر الطبعة الأولى ، 1997 ، وانظر : المناظرة في القرآن ، عبدالله المقدسي (1/ 22) ، مكتبة الرشد ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1409 ، تحقيق الجديع ، وغير ذلك .
    (31) انظر : البرهان في علوم القرآن للزركشي (2/53) ، بيروت دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، 1408 ، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (3/79) ، ، القاهرة ، مكتبة دار التراث ، باهر البرهان في مشكلات القرآن لبيان الحق النيسابوري (1/112) .
    (32) سيأتي في الباب : الأول في مبحث المؤلفات في هذا الفن بيان عن هذه الكتب ومكان طبعها أو ذكرها .
    (33) انظر : كشف المعاني في المتشابه المثاني لبدر الدين بن جماعة ، (ص : 28) تحقيق مرزوق إبراهيم ، دار الشريف للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1420 .
    (34) انظر : في اختلاف العلماء في تعريف المتشابه بهذا المعنى كتاب الإتقان للسيوطي(3/3) .
    (35) بيروت ، دار الآفاق الجديدة ، الطبعة الثانية ، 1977 .
    (36) والإسكافي هو محمد بن عبد الله أبو جعفر الإسكافي ، عداده في أهل بغداد أحد المتكلمين من المعتزلة ، له تصانيف فكان يناظر الحسين بن علي الكرابيسي يتكلم معه ، مات في سنة 402 هـ . انظر : معجم البلدان ، لياقوت الحموي ، دار الفكر ، بيروت ، ( 1/181 ) .
    (37) دار الوفاء ، المنصورة ، الطبعة الأولى ، 1411 هـ .
    (38) والكرماني هو المعمر بدر الدين ، أبو حفص عمر بن محمد بن أبى سعد الكرماني ، نزيل دمشق ، ولد بنيسابور سنة سبعين وخمسمائة ، وسمع في الكهولة من القسم الصفار ، وروى الكثير بدمشق ، وكان واعظاً ، وتوفي في شعبان سنة خمس وستين وستمائة . انظر : شذرات الذهب ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ( 3/327 ) .
    (39) هو : عبد الله وقيل : عبد الباقى بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا أبو القاسم ، الأديب الشاعر اللغوي المترسل ، هو من أهل الحريم الطاهرى ، وهى محلة بغداد ، كان مولده في منتصف ذى القعدة سنة عشر وأربعمائة ، وكان فاضلاُ بارعاً ، وله مصنفات حسنة مفيدة ، منها كتاب"الجمان في تفسير متشابهات القرآن"ومجموع سماه"ملح الممالحة"، وكان ينسب إلى التعطيل ، ومذهب الأوائل ، وصنف في ذلك مقالة ، وكان كثير المجون ، توفي في ليلة الأحد من رابع شهر المحرم سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، ودفن بباب : الشام . انظر : طبقات المفسرين للسيوطى ، ( 1/141 ) الطبعة الأولى ، القاهرة ، مكتبة وهبة 1936 م ، والمنتظم ، لابن الجوزي ( 9/69 ) ، طبعة دار صادر ، بيروت ، سنة 1358 هـ ، الطبعة الأولى .
    (40) تحقيق مصطفى الجويني ، دار منشأ المعارف ، الإسكندرية .
    (41) تفسير القرطبي (15/162) ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، 1988 .
    (42) البرهان في علوم القرآن (2/53) .
    (1) انظر : تأويل مشكل القرآن (3/202) .
    (43) في مبحث الكتب المؤلفة في هذا الفن بالتفصيل .
    (44) انظر : الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (2/697) ، بإشراف الندوة العالمية للشباب : الإسلامي ، مراجعة د. مانع بن حماد الجهني ، الطبعة الثالثة ، 1418 ، الناشر : دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع ، الرياض ، وأجنحة المكر الثلاثة وخوافيها ، لعبد الرحمن حبنكة ، دمشق ، دار القلم ، الطبعة الخامسة ، 1986م .
    - الاستشراق والتبشير ، قراءة تاريخية موجزة ، د. محمد السيد الجليند ، دار النهضة بحرم جامعة القاهرة .
    - رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، من سلسلة إصدارات المنتدى الإسلامي .
    - الاستشراق والمستشرقون . د. مصطفى السباعي ، دار السلام ، القاهرة .
    - المستشرقون والإسلام . د. محمد قطب ، مكتبة وهبة ، القاهرة .
    - صور استشراقية . د. عبد الجليل شبلي ، دار الشرق ، القاهرة .
    - المستشرقون . د. عابد بن محمد السفيانى . دار الفرقان . القاهرة .
    (45) انظر : المصادر السابقة و الموجز في الأديان و المذاهب المعاصرة للعقل و القفاري ( ص : 174 - 185 ) ، الطبعة الأولى ، 1413 ، دار الصميعي ، الرياض .
    (46) انظر : كتاب : نقض مطاعن في القرآن الكريم ، لمحمد عرفة ، (ص : 82) .
    (47) متفق عليه : ( البخاري : كتاب المناقب ، باب : علامات النبوة في الإسلام ، رقم : 3411 ، ومسلم : كتاب الإمارة ، باب : وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند الفتن ، رقم : 1847) .
    (48) انظر : اتجاهات التجديد فى تفسير القرآن الكريم ، لاستاذنا الدكتور شريف ، ص : 737 .
    (49)مثل إنكار المعجزات كلها ما عدا القرآن ، وإنكار أشراط الساعة الصغرى وبعض الكبرى مثل نزول عيسى والمهدي ويأجوج مأجوج والدابة ، وإنكار بعض الغيبيات مثل عالم الجن والملائكة ، وإنكار تعدد الزوجات والحجاب وملك اليمين وإنكار السحر ، وتأويل الطير الأبابيل بالجراثيم ، إباحة بعض أنواع الربا ؛ والزعم أن القرآن يدل على جواز تحضير الأرواح ، وغير ذلك من سلسلة الأخطاء التي فتحها على مصراعيها تقديم العقل على النقل والانبهار بالعالم الغربي ومحاولة مسايرته . انظر : في بيان أخطاء هؤلاء والرد عليهم :
    اتجاهات التفسير في العصر الراهن للدكتور عبد المجيد عبدالسلام المحتسب ، دار البيارق ، الأردن ، الطبعة الثالثة ، 1982 .
    منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير ، للدكتور فهد الرومي ، مكتبة الرشد ، الرياض ، الطبعة الخامسة ، 1422.
    التفسير ومناهجه لدى مدرسة الإمام محمد عبده للدكتور محمود بسيوني فوده ، مطبعة الأمانة ، القاهرة .
    العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب ، لمحمد حامد الناصر ، مكتبة الكوثر ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1996 . اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر ، أ . د. فهد الرومي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1997 .
    اتجاه التفسير فى العصر الحديث ، للشيخ مصطفى محمد الطير ، مطبعة مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة 1975 .
    اتجاهات التجديد فى تفسير القرآن الكريم فى مصر ، أ.د. محمد ابراهيم شريف ، دار التراث القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1982 .
    (50) مدخل إلى علم التفسير ، للدكتور محمد بلتاجي ، ص : 1 ، مكتبة الشباب : ، مصر ، 1998 .
    (51) المصدر السابق ص : 155 .
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

    تعليق

    • سيف الكلمة
      إدارة المنتدى
      • 13 يون, 2006
      • 6036

      #3
      الباب الثاني

      الفصل الثاني


      المبحث الرابع
      اتهام القرآن بمعارضة الحقائق





      المطلب الثاني : دعوى تعارض القرآن مع الوقائع التاريخية :


      وقد أشعل أوار هذه الفتنة , وحمل رايتها محمد خلف الله في كتابه "الفن القصصي في القرآن الكريم "، وإن كان هو لم يبتدعها بل أخذها من المستشرقين و منهم :
      المستشرق الألماني هوروفيتش(780) (1874-1931) الذي تحتوى بحوثه القرآنية على طائفة كبيرة من الملاحظات والمعلومات ،والجزء الأول من كتابه "مباحث قرآنية" يعالج النصوص القصصية في القرآن ويقسم كلامه إلى : عموميات وشكليات، أساطير رادعة...إلخ. والأستاذ بروكلمان(781) الذي أورد بعض العناوين البارزة لموضوعات كتبت في قصص القرآن وهي تاريخيا كما يلي:
      1-الهجادة في قصص القرآن، بقلم سجبار ، ليبزيج 1907م.
      2-مصادر القصص الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء ، بقلم سايدر سكاي ، باريس،1932م.
      3-القصص الكتابي في القرآن ، بقلم سباير وجريفنا ينخن ،1939م .
      وبعد هذا نجد المستشرق المجري بيرانت هيللر (1857-1943م)يتخصص تقريبا في جزء من قصص القرآن , فينشر بحوثا في مجلة الفصول بعنوان :
      1-قصة أهل الكهف ،عام 1907.
      2-عناصر يهودية في مصطلحات القرآن الدينية ،1928م.
      3-قصص القرآن، عالم الإسلام ، 1934م(782).
      ثم جاء المعاصرون بعد ذلك – و للأسف من بني جلدتنا - ليكملوا المشوار , ونفذوا تلك الأباطيل بأقوال تنبأ عن سوء طوية وفساد قصد , تلك هي أقوالهم :
      يقول طه حسين: ( للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل , وللقرآن أن يحدثنا أيضا , ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة وبالقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي)(783).
      ثم قام محمد خلف الله بجمع كل هذه المغالطات , وما أوردوه من شبه على هذه القضية وسود فيها كتابا من خمسمائة صفحة وسماه "الفن القصصي في القرآن الكريم"(784)، ووافقه على هذا أمين الخولي وزوجته عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ)(785).
      قدم خلف الله مقدمة في بيان أن هناك فنا من الفنون , هو ما يسمى بالفن القصصي ، وهذا الفن يُعتمد فيه على جمال الأسلوب , وترابط الفكرة مع الهدف النبيل من القصة ، ولا يضير هذا الفن كون القصة ملفقة أو خيالية مادام أن الهدف نبيل والغاية نافعة ، ثم بنى على هذه المقدمة أن قصص القرآن هي نوع من أنواع هذا الفن في جميع صفاته ، لذلك فلا يلزم أن تكون كل قصة يذكرها القرآن قصة واقعية ، ثم بعد ذلك أخذ يقرر هذه الدعوى بأن الكثير من القصص القرآنية ليست صحيحة تاريخا , بل التاريخ يخالفها .
      وقد طرح خلف الله كلامه بكل جرأة , حتى إنه لم يجد ضيرا أن يقول ما قال الكفار ( حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ( [الأنعام:25]
      قال خلف الله : (إنا لا نتحرج من القول بأن القرآن أساطير)(786).
      وقال : (أصبح العقل الإسلامي غير ملزم بالإيمان برأي معين في هذه الأخبار الواردة في القصص القرآني ؛ وذلك لأنها لم تُبلغ على أنها دين يتبع... ومن هنا يصبح من حق العقل البشري أن يهمل هذه الأخبار , أو يجهلها , أو يخالف فيها , أو ينكرها)(787). ثم لم يقتصر على ذلك حتى قال : (ومن هنا يصبح من حقنا ، أو من حق القرآن علينا ، أن نفسح المجال أمام العقل ليبحث و يدقق ، و ليس عليه من بأس في أن ينتهي من هذه البحوث إلى ما يخالف هذه المسائل ،و لن تكون مخالفة لما أراده الله أو لما قصد إليه القرآن ؛ لأن الله لم يرد تعليمنا التاريخ ،و لأن القصص القرآني لم يقصد إلا إلى الموعظة و العبرة , و ما شابهها من مقاصد و أغراض ،إن المخالفة هنا لن تكون إلا مخالفة لما تتصوره البيئة و لما تعرفه عن التاريخ ،و لم يقل قائل بأن ما تعرفه البيئة العربية عن التاريخ هو الحق و الصدق ،و لم يقل بأن المخالفة لما في أدمغة العرب من صور عن التاريخ هي الكفر و الإلحاد ،بل لعل هذه المخالفة واجبة حتى يكون تصحيح التاريخ و خلوه من الخيالات و الأوهام)(788).
      فمخالفة القرآن عنده واجبة لأجل التاريخ، فتصحيح التاريخ عنده أهم من تصحيح القرآن.
      فانظر إلى هذا الهذيان الذي تشمئز منه نفوس المسلمين وتقشعر منه جلودهم، ولست في مقام الرد على هذا الكتاب وكل مغالطاته ، بل إنما أريد الرد على هذه القضية وهي دعوى معارضة القرآن للحقائق التاريخية ، وسوف أقسم الرد على نوعين ، ردود إجمالية ثم الردود التفصيلية ، وإليك البيان(789):

      -الردود الإجمالية:
      1-هذه الدعوى مخالفة لإجماع الأمة على أن كل القصص في القرآن إنما تحكي واقعا حقيقيا(790) .
      2-هناك نصوص ترد هذه الدعوى , بل هي في محل النـزاع ,كقوله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( [يوسف:111]، قوله سبحانه : ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ... ( [الأعراف:62]، وكقوله تعالى : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( [الأنعام:115]، أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأحكام(791) .
      كل ما في القرآن إما أخبار أو أحكام ، فكل أخباره صدق وكل أحكامه عدل، ومن الأخبار قصص الأمم السابقة مع أنبيائها.
      3-لا شك أن القصة من أهدافها العبرة , وأحيانا قد يختلق القاص القصة وينسخها من وحي خياله، لكن هذا ليس هو الكمال ؛ فكون الراوي يأخذ العبرة من قصة واقعية هو الأكمل ، والقرآن لا يأتي إلا بالكمال , كما قال سبحانه :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ( [يوسف:3]، وما كان لأحسن القصص أن تكون كذبا.
      4- قال الدكتور بلتاجي : (إن الله تعالى -وهو القادر الحق - أعظم من أن يلجأ في كتابه المنزل -الذي أنزله لهداية الخلق جميعا – لاستخدام الباطل والأكاذيب ليجتذب بها العرب من معاصري نزوله إلى الإيمان , وهو يعلم أن هذا الكتاب سيؤمن به غيرهم في أزمنة وأمكنة أخرى ، فما هي نسبة العرب الذين عاصروا نزول القرآن –وأتى بما عندهم من أساطير وأوهام كما زعموا- إلى من أسلم ويسلم في كل عصر ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها ،و هل يصح مثل هذا القول إلا بناء على عقيدة ترى أن الإسلام (دين محلي), نزل إلى شبه الجزيرة في القرن السابع الميلادي , و اجتذبهم إلى الإيمان بموافقته لما كان عندهم من أوهام و خيالات و أباطيل تخالف التاريخ الحق ؟ وهل يعقل أن الله تعالى لم يعلم حال من سيؤمن بالقرآن من غير هؤلاء , ممن تتكشف لهم حقيقة هذه ( الأوهام ) - كما زعم أصحاب النظرية ؟! وألا يقودنا القول بذلك إلى سؤال بالغ الأهمية هو : كيف يلجأ الخالق – جل و علا عما يقولون – إلى موافقة خيالات و أوهام العرب الجاهلين وقت نزوله ، و هو القادر – بطريق القطع – على أن يصوغ كتابه المنـزل من الحقائق المتفقة مع الواقع والتاريخ, التي تحدث أثرها من الموعظة و العبرة في نفس الوقت ؟ و ألا يشبه هذا الزعم الذي تتضمنه هذه النظرية أن يكون حيلة بشرية يلجأ إليها البشر الضعاف المحدودو القدرة و العلم في سبيل اجتذاب الناس إلى دعواتهم ؟ أما أن يكون هذا أسلوباً إلهياً في تنـزيل آخر الكتب المنـزلة , فهذا ما لا يمكن أن تتصوره العقول من كل وجه)(792).
      5-دأب العلماء على أخذ الكثير من الأحكام الفقهية من القصص القرآنية مثل صحة أنكحة الكفار المأخوذ من قوله تعالى: ( وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ... ( [القصص:9]، وجواز كون المهر عملا مأخوذ من قوله تعالى ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ... ( [القصص:27] وغيرها ،بل أخذوا منها أحكاما عقدية في أصول اعتقاد المسلمين ، فإبطال القصص القرآنية يبطل الكثير من الأحكام ؛لأنه إذا كانت القصة مكذوبة فلا يجوز أخذ الأحكام منها ، وهذا لم يقل به أحد .
      6-يلزم من هذا القول أن الله تعالى لَبَّس على الناس بذكر هذه القصص المكذوبة في كتابه, الذي يزعم أنه محفوظ من الخطأ والريب والكذب ، ويلزم منه أن القرآن صد الكثير من الناس عن الإسلام بسبب عدم مطابقة قصصه للواقع ، بل هذا ما ادعاه خلف , حيث زعم أن التمسك بمقياس الصدق التاريخي في القصص القرآني خطر أي خطر على النبي ( و على القرآن ، بل هو جدير بأن يدفع الناس إلى الكفر بالقرآن كما كفروا من قبل بالتوراة(793) .
      7-قال الشيخ شلتوت: (وهذه الآراء –فضلا عما لها من نتائج سيئة – تذهب بقدسية القرآن من النفوس , وتزيل عنه روعة الحق , وتزلزل قضاياه في كل ما تناوله من عقائد وتشريع وأخبار ماضية وأحوال مستقبلة)(794).
      8-يقول تعالى : ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم و إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد ( [ فصلت : 41 , 42 ] . فإذا كان المضمون التاريخي في القصص القرآني – كما يزعم خلف الله و أصحابه – باطل في الحقيقة , و نفس الأمر مطابقاً لما كان في نفوس المشركين أو غيرهم ، ألا يكون هذا معارضاً معارضة صريحة لمضمون هذه الآية , التي تنفي إمكان أن يقتحم الباطل إليه من بين يديه و لا من خلفه؟ ، فإذا أضفنا إلى هذا قوله تعالى : ( و قال الذين كفروا إن هذا إلا إفكٌ افتراه و أعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً و زوراً و قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً و أصيلاً قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات و الأرض إنه كان غفوراً رحيماً (
      [ سورة الفرقان الآيات : 4 – 6 ] ، فهل يبقى هناك أي وجه لما ذكره خلف الله ؟ من محاولة العبث بالعقول , ما يذكره خلف الله من أن نفي الافتراء هنا يتعلق بمصدر القرآن كله، لا بجزئياته ! فهل يصح في منطق العقول حقاً أن ما ينطبق على الكل المجموع لا يندرج على جزئيات هذا الكل ؟! .و من العجب أن يثبت خلف الله في كلامه السابق أن في القرآن أساطير ، و الآية السابقة تحكي قول الذين كفروا في ذلك ، ثم تعقب عليه بأن الذي أنزل هذا القرآن إنما هو الذي يعلم السر في السماوات و الأرض ، و في هذا أبلغ بيان في نفي زعم الأسطورة عنه ؛ لأن الذي يعلم حقائق الأمور في كل شيء , لا يجوز عليه أن يحكي في كتابه المنـزل الأساطير و الأباطيل على أنها هي الحق الذي لا يأتيه الباطل , إنما يقع في هذا ناقصو العلم و المعرفة من البشر , الذين لا علم لهم بحقائق و أسرار الكون .
      9-و هذا المعنى الأخير مصداق قوله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ( [ سورة النساء الآية 82 ] يعني – و الله تعالى أعلم – لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً مع حقائق الأمور التاريخية و الكونية ، و لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا بعضهم مع بعض ، و لوجدوا فيه اختلافا كثيرا مع الفطرة البشرية ، لكنه لما كان من عند الله فقد تجرد عن ذلك كله ، فليس فيه أي اختلاف مع شيء من ذلك , لكن خلف الله و أصحابه يزعمون أن في قصصه اختلافا مع الحقائق التاريخية و الكونية ، فهل يستقيم مع هذا القول أن يكون فيما صدروا عنه من عند الله ؟!.
      10-وما قولهم في قوله تعالى : ( ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون (
      [ سورة السجده الآيات :1-3 ] ، فرد على دعوى الافتراء بإثبات أنه هو الحق من الله ، فهل يتمشى مع منطق العقل أو أساليب البيان أن يكون حقاً قد احتوى باطلاً ؟ و هل يصدق عليه وصف الحق حينئذ ؟.
      11- وما قولهم في وصف القرآن – بما فيه من قصص – بأنه الحق كما في قوله تعالى : (إنا أرسلناك بالحق بشيراً و نذيراً ( [ سورة البقرة الآية : 119 ] و قوله: ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق و إنك لمن المرسلين ( [سورة البقرة الآية : 252 ] ، و قوله : ( نزل عليك الكتاب بالحق ( [سورة آل عمران الآية : 3 ] و قوله: ( إن هذا لهو القصص الحق ( [ سورة آل عمران 62 ] ، و قوله : ( إن الحكم إلا لله يقص الحق و هو خير الفاصلين (
      [ سورة الأنعام الآية : 57 ] ، و قوله: ( و بالحق أنزلناه و بالحق نزل و ما أرسلناك إلا مبشراً و نذيراً ( [ سورة الإسراء الآية: 105 ] ، و قوله: ( نحن نقص عليك نبأهم بالحق( [سورة الكهف الآية : 13 ] ، و قوله : ( و لا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق و أحسن تفسيرا ( [ سورة الفرقان الآية : 33 ] ، و قوله : ( نتلوا عليك من نبأ موسى و فرعون بالحق لقوم يؤمنون ( [ سورة القصص الآية : 3 ] ، و قوله : ( و الله يقول الحق و هو يهدي السبيـل ( [ سورة الأحزاب الآية : 4 ] ، و قوله : ( و الذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ( [ سورة فاطر الآية : 31 ] ، و قوله : ( إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق ( [ سورة الزمر الآية : 41 ] ، و قوله : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين ( [ سورة الزمر الآية : 2 ] ، و قوله : ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديثٍ بعد الله و آياته يؤمنـون ( [ سورة الجاثية الآية : 6 ] ، و قوله : ( و آمنوا بما نزل على محمد و هو الحق من ربهم ( [ سورة محمد الآية : 2 ] ؟.
      فقد أثبتت هذه الآيات كلها – و أمثالها في القرآن كثير – أن القرآن كله حق نزل من عند الله , و آياته كلها حق ؛ و قصصه كلها حق ؛ لأن الله تعالى لا يقص إلا الحق ، و هو يقص علينا نبأ أهل الكهف بالحق ، و نبأ موسى و فرعون بالحق ، و كل ما قصه و أوحى به فهو الحق ، لأن الله تعالى لا يقول إلا الحق و هو يهدي السبيل ، و وحيه كله حق ، و كتابه كله حق ، لا يصل إليه الباطل و الافتراء و الكذب بأي وجه من الوجوه , كما قال تعالى : ( و ما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ( و ( قل الله يهدي للحق ( وليس الظن أو الوهم أو الافتراء من الحق ( راجع يونس : 35 – 37 ) .. فأين في هذا كله ما يتيح لخلف الله و أصحابه الزعم بأن نفي الافتراء في هذه الآيات لا يلحق المواد الأدبية القصصية ، و لا بما في هذه القصص من صور للأحداث و الأشخاص ؟ و هل إذا لَحِقَ الافتراء هذه الأمور – كما يزعمون – يصح إطلاق وصف الحق في الآيات السابقة ؟ و هل استخلاص عبرة ينافي أن يكون القصص المستخلص منه حقاً ؟ لقد أجابت عن هذا الزعم الباطل آخر آية في سورة يوسف , و هي قوله تعالى : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى و لكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل كل شيء و هدى ورحمة لقوم يؤمنون ( . فالعبرة المستخلصة من القصص القرآني , إنما تستخلص من قصص حق لا افتراء فيه و لا أسطورة .
      12-و في القرآن الكريم قوله تعالى : ( فماذا بعد الحق إلا الضلال فـأنى تصرفون (
      [ سورة يونس الآية : 32 ] ، فإذا كان كل ما في القرآن قد وصف بأنه هو الحق , فهل يستقيم بعد هذا أن يتضمن شيئاً ينسب إلى باطل أو ضلال , بمخالفته لحقيقة التاريخ أو الحقائق الكونية )(795)؟.
      13-إن عدم مطابقة ما في القرآن من وقائع تاريخية مع أحداث التاريخ , إما منشؤه عدم وجود هذه القصص في التاريخ أصلا , وإما منشؤه أن يكون في التاريخ شيء يعارضه؛فإن كان الأول فإن عدم عثورنا عليه في التاريخ ليس دليلا على عدم وقوعه حقيقة , فعدم العلم ليس علما بالعدم،وأما إن كان الثاني فلا بد أن تكون هذه الحادثة حصل لها من النقل والتواتر والتثبت مثل ما حصل للقرآن حتى تعارضه , وهذا لا وجود له ، وإلا فإننا نقدم ما في القرآن؛ لأنه أصح بشهادة الجميع.
      14-هذه الدعوى تفتح الباب للطاعنين على مصراعيه، فإذا ثبت أن القرآن فيه أشياء مكذوبة ومفتراه , إذن كيف يتبع و يلزم به ويتحاكم إليه.
      وأما الردود التفصيلية على الشبه التي ذكرها، فهي كالتالي :
      -الطعن الأول:قوله تعالى عن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام : ( و يكلم الناس في المهد ( [ آل عمران : 46 ]، حيث روى الرازي عن اليهود و النصارى أنهم ينكرون أن عيسى تكلم في زمن الطفولة ، و يحتجون بأن هذا لو حدث لكان من الوقائع العجيبة التي تنقل بالتواتر796 .
      -الطعن الثاني:وقوله تعالى : ( وقال فرعون: يا هامان ابن لي صرحاً ( [غافر 36 ] فالمدعو خلف الله يشير إلى ما رواه الرازي من قول اليهود : أطبق الباحثون عن تواريخ بني إسرائيل و فرعون , أن هامان ما كان موجوداً البتة في زمان موسى وفرعون ، وإنما جاء بعدهما بزمن مديد797 .

      -الجواب:
      1-أن هذا الآيات تليت على اليهود في زمن النبي ( ,وكان فيهم العلماء والأحبار فلم ينكر أحد منهم هذا الأمر.
      2-كيف يُحاكم القرآن المحفوظ بحفظ الله له بكتب أهل الكتاب , التي ملئت تحريفا وزيفا , بل طال التحريف عندهم كتبهم المقدسة ، هذا لا يقبله عقل ، ومثل هذا كمثل عالم كبير السن والقدر والاطلاع ، تكلم في قضية ، فقال له الناس:نحن نخالفك بهذا ؛لأن عندنا كتابا محرفا لا ندري من ألفه ملئ بالأخطاء يخالف ما تقول ؟!!.
      فإن كان هذا لا يجوز في حق البشر فكيف بخالق البشر،
      يقول د.بلتاجي : (لو أن خلف الله يحاكم آيات القرآن الكريم إلى شيء يقيني لكان له وجه فيما يذكره ، لكنه يحاكمها إلى التواريخ القديمة وما عند اليهود والنصارى عنها.. فما قوله فيما في هذه التواريخ القديمة من خرافات وأساطير وأوهام آمنت بها البشرية أجيالً طويلة ، ثم تبين ضلالها وكذبها)(798) ؟.
      3-دعوى أن هذا مطبق عليه عندهم منقوضة بما حصل من اليهود والنصارى في زمن النبي ( , من الإقرار عليه وعدم إنكاره ، مع حرصهم الشديد على مخالفته في ما هو أقل من ذلك.
      4- (إن الرازي لم يترك هذه الشبهة دون رد ، و بالتالي لم يكن من الذين يقولون بها على سبيل الإيمان أو الاقتناع ، فقد قال : أجاب المتكلمون عن هذه الشبهة , و قالوا : إن كلام عيسى عليه السلام في المهد , إنما كان للدلالة على براءة حال مريم عليها السلام من الفاحشة، و كان الحاضرون جمعاً قليلين ، فالسامعون لذلك الكلام كان جمعاً قليلاً ، و لا يبعد في مثله التواطؤ على الإخفاء . ،وقال : والجواب أن تواريخ موسى وفرعون قد طال العهد بها ، واضطربت الأحوال والأدوار , فلم يبق على كلام أهل التاريخ اعتماد في هذا الباب ، فكان الأخذ بقول الله تعالى أولى)(799).
      5-(إن عدم تسجيل التاريخ البشري لواقعة تكلم عيسى في المهد لا يعتبر دليلاً قاطعاً لعدم حدوث ذلك ، حتى يدعي أحد تكذيب القرآن في الإخبار به ، و يصح ادعاؤه .
      أما فيما يتصل بالتواريخ البشرية , فمما لاشك فيه أنها أهملت تسجيل كثير من الأحداث الفردية – مهما تكن أهميتها في ذاتها – حيث لم يتوفر لها من الشهادة الصادقة , و توفر سبل الإذاعة ، و النقل , و البقاء على مر العصور ما يكفل لها ذلك .
      إذ يكفي أن تنقطع حلقة في هذه السلسة لتصبح الواقعة في حكم المجهول من الأجيال التالية،و على العكس من ذلك , فإن بعض الأوهام الكاذبة في ذاتها , قد يتوفر لها من ظروف إيمان بعض الناس بصحتها – بناء على بعض الشواهد و الظواهر الخادعة – و تسجيلهم لها ، ثم رعايتها بظروف تضمن إذاعتها و انتقالها عبر الأجيال – ما يجعلها تدخل التاريخ من أوسع أبوابه ، و هي في أصلها أسطورة كاذبة لا نصيب لها من الحق .و قد تلعب يد التحريف و التجهيل و التعمية ببعض جوانب واقعة صحيحة في أصلها , فإذا بها قد جمعت في نهاية الأمر بين الحق و الباطل في قصة واحدة ,هذا معروف مسجل عن أوهام التواريخ و أخطائها ، فهي تهمل ، و تنسى ، و تحرف ، وتخدع ، و تتوهم ، وكل هذا يتضمنه ما يسمى بـ"التاريخ البشري" ، وخاصة في عصور ما قبل التدوين المنظم , ذي الأساليب و الإمكانات المنضبطة شيئاً ما . وإذا كان هذا ثابتاً لاشك فيه , فهل يقبل منطق البحث العلمي النـزيه , أن يتخذ إغفال التواريخ القديمة لحادثة فردية , مثل كلام طفل في المهد , دليلاً قاطعاً على كذب الوحي في إخباره بها (800)؟).
      6-إن فرعون موسى –من بين فراعنة مصر- ليس معروفا للمؤرخين بصورة قطعية متفق عليها، فإذا كان الأمر كذلك , فإن تحديد وزرائه ومعاونيه بالاستقصاء والحصر , أمر لا يمكن أن يدعيه على سبيل القطع مؤرخ يحترم عقله وعقول الناس(801) .
      -الطعن الثالث: قوله تعالى: ( يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا( [مريم :28]،وقد علم أن بين مريم وهارون أكثر من خمسة عشر قرنا802.
      -الجواب(803):
      1-أن هارون كان رجلا صالحا من بني إسرائيل , ينسب إليه كل من عرف بالإصلاح، والمراد:أنكِ كنتِ في الزهد والتقوى كهارون، فكيف صرت هكذا.
      2-أن مريم من نسل هارون ، فنسبت إليه كما يقال : يا أخا همدان ، يا أخا العرب ، يعني يا من نسله منهم،ومنه قوله تعالى: ( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف... ( [الأحقاف:21] ومن هذا الباب حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( , إِذْ جَاءَ هُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ , ثُمَّ أَدْبَرَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (:« يَا أَخَا الْأَنْصَارِ كَيْفَ أَخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ؟ » ، فَقَالَ : صَالِحٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (: « مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ ؟ » فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ , مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلَا خِفَافٌ804 وَلَا قَلَانِسُ805 وَلَا قُمُصٌ , نَمْشِي فِي تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ , فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللَّهِ ( وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ"(806)، وهذا الجواب وجيه وقوي.
      3-أن هارون كان رجلا مُعْلِناً بالفسق , فشبهت به .
      4-هارون المقصود به هنا ليس هو هارون أخي موسى , بل هو أخ لمريم حقيقة فنسبت إليه ، فقد عرض هذا الإشكال على النبي ( وأجاب عنه بهذا الجواب ، فقد أخرج الإمام مسلم عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا : إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ ( يَا أُخْتَ هَارُونَ( وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا . فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ : « إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ » (807).
      وهذا نص قاطع صحيح صريح في هذه القضية فلا محيد عنه(808)، قال الطوفي -رحمه الله- :(هذا سؤال قد كفانا جوابه صاحب الشريعة ()(809).

      -الطعن الرابع : يقول: بانَ للعقل الإسلامي أن وداً وسُواعاً ويغوثَ ويعوقَ ونسراً كانت الأوثان التي تعبد في الجزيرة العربية زمن البعثة المحمدية ، وعجز العقل الإسلامي عن أن يفهم الصلة بين هذه الأوثان وبين نوح عليه السلام حتى تجيء في قصته ، فالدنيا خربت في زمن نوح بالطوفان , فكيف بقيت تلك الأصنام؟(810).
      -الجواب:
      نسأل:مَن قال إن الدنيا خربت؟ إنما هلك كل الناس إلا من كان في السفينة ، وأما بقاء الأصنام وغيرها من الجمادات فهو غير مستبعد.
      قال القرطبي : (عن ابن عباس: إن نوحا عليه السلام كان يحرس جسد آدم عليه السلام , على جبل بالهند, فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره, فقال لهم الشيطان: إن هؤلاء يفخرون عليكم، ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم , وإنما هو جسد , وأنا أصور لكم مثله تطوفون به. فصور لهم هذه الأصنام الخمسة ، وحملهم على عبادتها, فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء, فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب) (811).
      -الطعن الخامس:سياق آيات قصة لوط في سورة الحِجْر , يخالف سياق نفس القصة في سورة هود وغيرها من السور :
      ففي الحِجْر : ( فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ(61)قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنكَرُونَ(62)قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ(63)وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ(64)فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ(65)وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ(66)وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ(67)قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ(68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ(69)قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ(70)قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ(71) ( [الحجر:61-71].
      وأما في هود : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ(77)وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ(80) قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) ( [هود:77-81]، ففي الحجر أخبروه أنهم رسل الله قبل أن يأتي قومه ، وفي هود أخبروه بعد ذلك؟.
      -الجواب:
      لا شك أن سياق سورة هود هو سياق قصة لوط ,كما يدل عليه غيره من الآيات ، ويدل عليه أيضا قوله في الحجر: ( إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ(68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ(69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ(70)قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُْنتُمْ فَاعِلِينَ ( فلو كان يعلم أنهم ملائكة لما قال هذا الكلام لقومه.
      وليس في الحجر ما يدل على خلاف هذا ، وكون الآيات قدمت كلام الملائكة مع أنه متأخر حدوثا , فهذا لا يضر لحكمة معينة، والواو لا تقتضي الترتيب ،قال ابن كثير: ( قوله: قال
      ( إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون ( . وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم بأنهم رسل الله ، كما قال في سورة هود , وأما ههنا فتقدم ذكر أنهم رسل الله , وعطف ذكر مجيء قومه ومحاجته لهم ، ولكن الواو لا تقتضي الترتيب ولا سيما إذا دل دليل على خلافه)(812).
      -الطعن السادس: وذكر خلف الله أن في القرآن أساطير للأولين ؛ومثل لها بالذي مر على قرية وهو خاوية على عروشها، وقصة أهل الكهف، لأن ما فيها من أخبار الغيب لا يتفق مع مقاييس العقل(813).
      -الجواب:
      1- تحكيم القرآن إلى العقل خطير جدا ، لأن العقل أحيانا كثيرة يخطئ، فكيف يحاكم الكتاب المعصوم إلى ما هو كثير الخطأ، ثم عقول الناس تتفاوت ؛فهناك العبقري وهناك الأخرق، وبينهما مراتب كثيرة، فأي عقل من هذه المراتب نحاكم لها القرآن ، ثم إذا وجدنا عقولا بمنزلة مقبولة لنقد القرآن ؛ فما هو الحل عندما تختلف هذه العقول، لاشك إن هذا باب لو فتح لا يغلق .
      2- قصة أهل الكهف يثبتها أهل الكتاب أيضا، بل إنما نزلت هذه الآيات بناء على استفسارهم عنها –كما تقدم-(814)، والعادة أنهم لا يطعنون في كتبهم المقدسة –على خلاف بعض بني جلدتنا-، فالطعن في قصة تتابعت الكتب السماوية على إثباتها جرأة خطيرة .
      3-هذه دعوى من غير دليل ، وكل دعوى بلا دليل باطلة ، لاسيما إذا كان القرآن يقرر خلاف هذه الدعوى.

      -الطعن السابع: الطعن في قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس والهدهد:
      قال الإمام الرازي: ( أن الملاحدة طعنت في هذه القصة من وجود :
      أحدها : أن هذه الآيات اشتملت على أن النملة والهدد تكلما بكلام لا يصدر ذلك الكلام إلا من العقلاء ، وذلك يجر إلي السفسطة ، فإنا لو جوزنا ذلك لما أمنا في النملة التي نشاهدها في زماننا هذا أن تكون أعلم بالهندسة من إقليدس وبالنحو من سيبويه ، وكذلك القول في القملة والصئبان ، ويجوز أن يكون فيهم الأنبياء والتكاليف والمعجزات .
      ومعلوم أن من جوز ذلك كان إلى الجنون أقرب .
      وثانيها : أن سليمان عليه السلام كان بالشام ، فكيف طار الهدد في تلك اللحظة اللطيفة من الشام إلى اليمن ، ثم رجع إليه .
      وثالثها : كيف خفي على سليمان عليه السلام حال مثل تلك المملكة العظيمة مع ما يقال إن الجن والإنس كانوا في طاعة سليمان ، وأنه عليه السلام كان ملك الدنيا بالكلية ، وكان تحت راية بلقيس حال طيران الهدهد إلا مسيرة ثلاثة أيام ؟.
      ورابعها : من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالي ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافة إلي الشيطان وتزينه ؟) (815).
      -الجواب:
      قال الرازي في الجواب على ذلك:
      (والجواب على الأول : أن ذلك الاحتمال قائم في أول العقل ، وإنما يدفع ذلك بالإجماع .

      وعن البواقي : أن الإيمان بافتقار العالم إلي المختار يزيل هذه الشكوك)(816).
      (هذا ما رد به الرازي على هذه الطعون ، وهو رد مجمل قاصر يكاد يسلم – بعد هذه الطعون الفصلة – بالعجز على الرد المفصل القوي ، مما يذكرنا بما قيل عن الرازي أنه – مع علمه وفضله – كان يذكر الطعون مفصلة ولا يورد معها – أحيانا – ما يكافئها من الجواب ، مما فتح مجالا أمام متبعي الشبهات للاستدلال على طعونهم بما أورده الرازي ولم يفلح – مع كبير علمه – في الرد المقنع عليه .
      والحقيقة أن هذه الطعون – التي عرض لها خلف الله في سياق نظريته السابقة – لا تقوم في مجموعها أو تفصيلاتها كمستند للطعن في شيء من القرآن الكريم ، وسيكون ردنا عليها نقضاً لكل من يستدل بها وذلك على النحو التالي :
      (أ) فيما يتصل بكلام الهدهد والنملة – فقد أصبح من المقطوع به الآن عند العلماء الذين يدرسون سلوك أنواع الطير والحيوان والحشرات ، أن لكل منها لغة تقوم مقام اللغة المعهودة عند البشر ، في التعبير ونقل الأحاسيس والمعارف ، على نحو ما ماتزال تفاصيله مجهولة من البشر ، لكن المقطوع به من شواهد كثيرة جداً أن لكل منها نوعاً من اللغة يتم به الأتصال بين أفراده ، وقد سجل بعض العلماء تسجيلات صوتية لأنواع من الطيور في حالة الفزع نقلت إليهم – في غاية من الوضوح – هذه المشاعر والمعاني (817) .
      فلم يعد يشك الآن في أن كل نوع من الأحياء له لغة خاصة بأفراده ، وهذا أمر واضح لكل من يراقب سلوك الطيور والحشرات ،بل إن بعض العلماء يذهبون إلى أن أنواع النبات هي الأخرى تملك لغة واتصالاً فيما بينها ، على نحو ما – مما لا يتسع المجال لتقرير القول فيه ، ولا يتطلبه.
      فما العجب بعد هذا من أن تتكلم النملة ، ويتكلم الهدهد ، بكلام يفهمه سليمان عليه السلام لأنه – كما ورد في القرآن الكريم – علم منطق الطير وأوتي من كل شيء (النمل 16) (818) ؟ أما أنهم تكلموا بكلام يدل على شيء من العقل فإن من يراقب سلوك الطير والحشرات فسوف يدرك بغاية من الوضوح أن سلوكهم يجرى على نظم من الوعى والتدبير والعمل من أجل غايات تهديهم إليها غرائزهم وفطرهم ، وعلى المعاند في هذا أن يقراء شيء عن سلوك الحشرات والطيور في كتب العلم التجريبي ، وسوف يذهله ما يقرأ ، وعليه أن يراقب العمل والنطام في (مملكة النحل) أو في (عالم النمل وقراه التي ينشئها ) .. وليس ذلك كله إلا مصدقاً لقوله تعالي ( ربنا الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدى ( [طه : 50] وقوله : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ( [ الأنعام : 38 ] ، وهو الذي تدل عليه بحق كافة مشاهدات العلماء المحققين . والمتشكك في ذلك إنما هو المستحق لسخرية الساخرين ! فما العجب إذن في أن تتكلم نملة ويتكلم هدهد ؟ وما العجب في أن يفهم عنهما من عرف لغة كل منهما ؟
      ولا يجر ذلك – كما زعم الملاحدة الطاعنون – إلي شيء من السفسطة التي ذكروها ، فلم يقل القرآن الكريم بشيء من ذلك ، إنما قال بما تدل عليه ملاحظة هذه الأنواع ، وهو أن لها منطقاً ، أما علم الهندسة ، والنحو ، والتكاليف ، والمعجزات؛ فإنما هو من قول الملاحدة الذي يرد عليهم ، لأننا لا نحمل القرآن الكريم إلا ما نطق به لا ما قام في أوهام الملاحدة.
      (ب) فيما يتصل بطيران الهدهد من الشام إلي اليمن ، ثم الرجوع إلى الشام ، فالذي ورد في القرآن الكريم عنه قوله تعالى :( فمكث غير بعيد .. ( [ النمل : 22 ] ، وليس في القرآن الكريم تحديد أن الهدهد مكث " لحظة " كما يقول هؤلاء ، ولا يفهم من " غير بعيد " في سياقها إلا مدة تكفي للطيران ، وقد قرئت على صفحاء العرب من المشركين في عصر الرسالة – وهم أعلم باللغة ، وكانوا يعرفون اليمن والشام – فما أثاروا – فيما علمنا – هذا الاعتراض ، فعلم منه أن التعبير القرآني يخلوا عن دواعي اعتراض هؤلاء الملاحدة .
      (ج) أنا كيف خفي على سليمان حال مملكة سبأ – فإن القرآن الكريم لم يصفه بأنه كان يعرف الغيب ، وقد كان هذا غيبا بالنسبة إليه ، وليس فيما وصف القرآن الكريم به سليمان عليه السلام إلا تسخير الرياح والشياطين وتعليم منطق الطير وإيتاء الملك الذي لا ينبغي لأحد بعده ، لكن ليس فيه شيء من وصفه بعلم غير ما علمه الله له ، فما العجب في أن تكون في الأرض أشياء وممالك كان سليمان – مع عظمة ما أعطاه الله له – يجهلها ؟ إن القرآن الكريم لا يذكر شيئا عن أن سليمان - عليه السلام – كان ملك الدنيا كلها بأكملها – كما يزعم هؤلاء الطاعنون – ولعل مستندهم في هذا إنما هو بعض المبالغات الإسرائيلية التي لم يرد لها ذكر في الوحي القرآني .
      أما إذا كان واحد منهم قد فهم ذلك من قوله تعالى :( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ( [النمل : 16] ، فهو لا يعرف شيئاً عن أساليب البيان العربية ، لأن (من) هنا للتبعيض ، وليس المعني أن كل الأنس – دون استثناء – كانوا تحت ملكه .
      ولعل الذي جر الطاعنين إلي طعنهم ما ذكروه هم من أنه كان تحت راية ملكة سبأ اثنا عشر الف ملك تحت راية كل منهم مائة ألف !
      وليس في نصوص القرآن الكريم شيء من هذا مطلقاً ، والعدد الذي ذكروه يجاوز بكثير جداً ما يمكن أن يكون موجوداً عندئذ من عدد السكان ، وهو يذكرنا بما نقده ابن خلدون من مبالغات المؤرخين القدماء ، وما حذر منه ( فيكو) من غرور الأمم حين تكتب تارخها – فكيف تحمل هذه المبالغات على نصوص القرآن الكريم التي لم تعرض لها إطلاقاً ؟
      فلا عجب إذن أن يجهل سليمان - عليه السلام – أمر ملكة سباً مع كل ما أعطاه الله له ، لأنه لم يعطه علم كل ما في الأرض ، ولم تكن هناك اتصالات منتظمة بين المالك بحيث تعرف كل منها الأخرى ، وتتصل بها على النحو الذي نعهده في عصرنا والذي حدث بعد ذلك بحكم التطور العمراني ، ولم تكن الجن التي سخرت لسليمان – عليه السلام – أيضاً تعرف الغيب كما ورد في قوله تعالي : ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( [سبأ : 14] .
      (د) أما من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافته إلي الشيطان وتزيينه؟ فإنما كان الهدهد من جند سليمان عليه السلام ، والآيات تتكلم عن أمر ( غيبي ) لا يقاس على معرفة البشر الآن بأحوال الطير ، وما المانع من أن تكون فطرة كافة المخلوقات عارفة بوجوب السجود لله تعالى وحده ، وقد جاء في القرآن الكريم شاهداً بذلك قوله تعالى : ( اولم يروا إلي ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ( [ النحل : 48-49] وقوله : ( والنجم والشجر يسجدان ( [الرحمن : 6] وقوله : ( الم تر ان الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ( [النور : 41] وقوله ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهم وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً ( [الإسراء : 44] ... فما العجب بعد هذا كله أن بكون الهدهد من جند سليمان – عليه السلام – عارفاً لوجوب السجود لله تعالى وحده منكراً السجود لغيره ؟
      إن القضية – فيما نري قضية إخبار عن الغيب لا تصل معرفة البشر التجريبية أو العقلية إلى شيء يستند إليه إنكار هذا الإخبار الذي يجاوز حدود هذه المعرفة ، فالمؤمنون بالغيب وبصدق الوحي القرآني يؤمنون به ، والمكذبون ينكرون بكل ما لا يقع منهم تحت حس مباشر أو تجربة مادية ، لكنهم في مثل هذه القضايا الغيبية لا مستند لهم في إنكارهم إلا محض الشك والتكذيب وقياس الغائب على الشاهد وتحكيم عقولهم القاصرة فيما هو من علم الغيب ،... ولسنا نملك لهؤلاء وسيلة تحملهم على الإيمان بالغيب وعدم قياس الأمور فيه على علم الشهادة البشرية . ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الأخرة عذاب عظيم ( [المائدة : 41] .
      .... وبهذا يتبين لنا أنه ليس فيما ورد من قصة سليمان في سورة النمل ما يطعن في صحة شيء مما ورد في القرآن الكريم)(819).
      وقد ذكر خلف الله طعونا أخرى لكنها لا تدخل في موضوع (دعوى معارضة القرآن للحقائق التاريخية) ، لذلك لم أذكرها ،وإن كان من رد على خلف الله ذكرها ؛ لأني لا أرد على كتاب خلف الله، بل أرد على من زعم هذه الدعوى، وأغلب إشكالاته من باب تعارض الآيات بعضها مع بعض , وقد أجبنا على أكثرها في المطلب السابق.

      =============

      (780) هورفيس [ 1874-1931 ] مستشرق ألماني يهودي , تعلم في جامعة برلسين , وعين مدرساً فيها عام [ 1902 ] , و اشتغل في الهند من 1907 إلى 1914 مدرساً للغة العربية في كلية عليكرة الإسلامية , كما اشتغل أميناً للنقوش الإسلامية في الحكومة الهندية البريطانية , وعاد إلى ألمانيا عام 1914 , وعين مدرساً للغات السامية في جامعة فرانكفورت حتى وفاته , كانت رسالته للدكتوراه عن كتاب المغازي للواقدي , وتولى تحقيق جزأين من " طبقات ابن سعد " وألف كتاب " مباحث قرآنية " وغيرها من المؤلفات . انظر : موسوعة المستشرقين للدكتور عبد الرحمن بدوي ( ص : 621 ) بتصرف واختصار , دار العلم للملايين , بيروت , الطبعة الثالثة , 1993 .
      (781) كارل بروكلمان [ 1868 – 1956 ] مستشرق ألماني مشهور , التحق بجامعة روستوك في 1886 , ودرس فيها العربية , وتتلمذ على نولدكة كثيراً , ونال الدكتوراه عام 1893 في برسلاو برسالة عن ابن الجوزي وكتابه تلقيح فهم أهل الآثار , وعن مؤلفاته المشهورة " تاريخ الأدب العربي " الذي ذكر فيه المخطوطات العربية وأماكن جودها , وهو في خمسة مجلدات , وبذل فيه جهوداً كبيرة ً , وكان يتقن إحدى عشرة لغة شرقية وست لغات غربية , وبلغت مؤلفاته ( 555) مؤلفاً . انظر موسوعة المستشرقين ( ص 98 ) باختصار .
      (782) انظر المستشرقون والدراسات الإسلامية ،للدكتورمحمد حسين الصغير (74-75)،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
      (783) في الشعر الجاهلي لطه حسين (ص:26) عن كتاب منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير (ص:447).
      (784) النسخة التي بين يدي من مطبوعات سينا للنشر ، القاهرة ، وهي الطبعة الرابعة 1999، وأما الطبعة الأولى فقد طبعت عام 1951.وقد أشرف على الرسالة أمين الخولي- زوج عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ)- مقرا له على كل ما قال ، وقد أحدثت هذه الرسالة ضجة مدوية في وقتها حيث تقدم الطالب محمد أحمد خلف الله عام 1947 في كلية الآداب بجامعة فؤاد رسالة للحصول على الدكتوراة عن "الفن القصصي في القرآن الكريم ", وقرر فيها أن القرآن يذكر أشياء لم تقع ،وقد تم رفض الرسالة وفصل الطالب، انظر :"منهج المدرسة العقلية الحديثة للرومي"ص:445 .وقد حرصت على مقابلته ، فسألت عنه فعلمت أنه توفي قبل ثلاثة أعوام تقريبا، والعجيب أنه كان من المدافعين عن د. نصر حامد أبو زيد عندما أقيمت عليه قضية الردة.
      (785) انظر" مدخل إلى علم التفسير" ، للدكتور محمد بلتاجي ص:170.
      (786) "الفن القصصي في القرآن الكريم "، لمحمد خلف الله (ص:209).
      (787) المرجع السابق ص:74.
      (788) الفن القصصي ص:255.
      (789) وقد استفدت أكثر هذا الرد من كتاب "مدخل إلى علم التفسير" ، لأستاذنا الدكتور محمد بلتاجي، نشر مكتبة الشباب بالمنيرة، 1998.
      (790) انظر "منهج المدرسة العقلية في التفسير" ،للرومي ص:442.
      (791) انظر تفسير ابن كثير (2/167).
      (792) مدخل إلى علم التفسير، د. بلتاجي (ص:188).
      (793) الفن القصصي (ص:42).
      (794) تفسير القرآن الكريم، محمود شلتوت (ص:273)، دار الشروق، الطبعة السادسة،1394هـ.
      (795) هذه الأدلة الخمسة ذكرها الدكتور بلتاجي في كتابه "مدخل إلى علم التفسير "(ص:194-197).
      796 الفن القصصي لخلف الله ،ص:25.
      797 السابق ،ص:27.
      (798) مدخل إلى علم التفسير (ص:216).
      (799) مدخل إلى علم التفسير (ص:213)و(ص:217).
      (800) مدخل إلى علم التفسير (ص:214).
      (801) السابق ص:217.
      802 الفن القصصي ، ص:28.
      (803) انظر مدخل إلى علم التفسير (ص:229) ودفاع عن القرآن ضد منتقديه ،د.عبدالرحمن بدوي (ص:169)، الدار العالمية للكتب والنشر .
      804 الخفاف : جمع خف وهو مايلبس على الرجل من الجلد .
      805 القلانس : جمع قلنسوة ، وهي من ملابس الرأس .لسان العرب (6/181).
      (806) أخرجه مسلم (كتاب الجنائز ، باب في عيادة المريض، رقم :925).
      (807) أخرجه مسلم (كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم , وبيان ما يستحب من الأسماء ، رقم :2135)
      (808) قال الدكتور عبدالرحمن بدوي بعد أن ذكر هذا الجواب : هذا الافتراض وإن كان غير مستحيل في ذاته , إلا أنه يفتقر إلى أي مستند آخر لإثباته . انظر :دفاع عن القرآن ضد منتقديه، ص:170) ، وذكر أن هذا الاحتمال لا دليل عليه وإنما أوجدته احتياجات القضية ،(دفاع عن القرآن ضد منتقديه، ص:171) ، وقال: هذه المشكلة لم تثر في حياة النبي ( . دفاع عن القرآن ضد منتقديه، ص:180)،وكنت أظنه في البداية لم يطلع على هذا الحديث , ولكنه قال في الخاتمة (ص:189): وما ذكره مسلم والترمذي في موضوع الحوار الذي دار بين المغيرة الذي أرسله النبي إلى نجران وأهل تلك البلاد ، هو في رأينا مختلق لتأييد أن هذا الاعتراض أجاب عنه النبي بنفسه . وهذا الكلام لاشك في بطلانه ؛ فإنه ؛ لم يضعف هذا الحديث أحد من أهل العلم , بل هو في أصح الكتب بعد كتاب الله و هو صحيح البخاري ، وما المانع أن يعرض هذا الإشكال على النبي ، لاسيما أن أهل نجران نصارى ويعرفون تاريخ عيسى ومريم.
      (809) الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية ، للطوفي (1/302) ،مكتبة العبيكان ،الرياض،الطبعة الأولى 1999.
      (810) الفن القصصي (ص:65).
      (811) تفسير القرطبي (18/199).
      (812) تفسير ابن كثير (2/555).
      (813) الفن القصصي (ص:180-181).
      (814) ص:214.
      (815) مفاتيح الغيب 24/190-191
      (816) مفاتيح الغيب 24/.91
      (817) وقد استخدم هذا تجريبيا في زجر الطير لاقط الحب عن أماكن هذه الحبوب باذاعة تسجيلات التحذير والفزع.
      (818) والعلماء الآن يحاولون التعرف على منطق بعض الطير .
      (819) مدخل إلى علم التفسير (ص:236).
      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
      وينصر الله من ينصره

      تعليق

      • سيف الكلمة
        إدارة المنتدى
        • 13 يون, 2006
        • 6036

        #4
        الباب الثاني

        الفصل الثاني


        المبحث الرابع
        اتهام القرآن بمعارضة الحقائق




        المطلب الأول : دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الشرعية :

        -الطعن الأول: كيف تزعمون أن محمدا ( اصطفاه الله للرسالة وهيئه, مع وصفه له بالضلال(755)،فهو كقومه كان وثنيا، ( ووجدك ضالا فهدى ( [الضحى:7]؟
        -الجواب:
        1-(قيل إن العرب كانت إذا وجدت شجرة منفردة في فلاة من الأرض لا شجر معها سموها ضالة ، فتهتدي بها على الطريق ، فقال الله تعالى لنبيه: ( ووجدك ضالا فهدى ( أي وجدك لا أحد على دينك فهديت بك الخلق إلي)(756) ،ومن هذا قول : (الحكمة ضالة المؤمن).
        أي أن الضلال هنا المقصود به الحقيقة اللغوية لا الشرعية، إذ لم يكن في ذلك الوقت شرع ، وبعض المعاني اللغوية معنى جميل كما رأيت.
        2-وقيل: إنه من قولك: ضللت الطريق .أي لم تعرفه(757)، ومنه قولهم: ضالة الإبل والغنم . يعني التي لم تهتد لقومها، فالنبي ( كان موحدا عارفا بالله بفطرته وعقله ، ولكنه لم يعرف كيف يعبده؛ لأنه لم ينزل عليه شرع ، فهو ضال بهذا المعنى, أي لم يعرف طريق العبادة الصحيحة.
        قال الراغب : (الضلال ترك الطريق المستقيم ؛ عمدا كان أو سهوا ، قليلا كان أو كثيرا، ويصح أن يستعمل لفظ الضلال ممن يكون منه خطأ ما ، ولذلك نسب إلى الأنبياء ، وإلى الكفار ، وإن كان بين الضلالين بون بعيد، ألا ترى أنه قال في النبي :( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى( [الضحى:7]، أي غير مهتد لما سبق إليك من النبوة ، وقال في يعقوب :( قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ( [يوسف:95]، وقال أولاده: ( إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( [يوسف:8] إشارة إلى شغفه بيوسف وشوقه إليه، وكذلك ( قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( [يوسف:30]، وقال عن موسى عليه السلام: ( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ( [الشعراء:20] تنبيه أن ذلك منه سهو ،وقوله: ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا... ( [البقرة:282]،أي تنسى وذلك من النسيان الموضوع على الإنسان ، والضلال من وجه آخر ضربان ؛ ضلال في العلوم النظرية ,كالضلال في معرفة الله ووحدانيته ,ومعرفة النبوة ونحوهما, المشار إليهما بقوله:( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ( [النساء:136]، وضلال في العلوم العملية ,كمعرفة الأحكام الشرعية التي هي العبادات)(758)، وهذا النوع يعذر فيه الإنسان إذا لم يبلغه ، ألا ترى أن زيد بن عمرو بن نفيل(759) دخل الجنة مع أنه لم يعرف كيف يعبد الله تعالى، فقد أخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ( : أَنَّ النَّبِيَّ ( لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ , قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ ( الْوَحْيُ, فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ ( سُفْرَةٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا, ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ : إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ, وَ يَقُولُ : الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السَّمَاءِ الْمَاءَ, وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الْأَرْضِ ,ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ . إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ)(760).
        وأخرج البخاري أيضا عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( : أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنْ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ, فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ, فَقَالَ : إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ فَأَخْبِرْنِي؟ فَقَالَ : لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ . قَالَ زَيْدٌ : مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ , اللَّهِ وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا ،وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ : مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا ،قَالَ زَيْدٌ :وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ : دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ : لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ. قَالَ : مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ, وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا ،وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ ،فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ ؟ قَالَ :مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا .قَالَ :وَمَا الْحَنِيفُ ؟قَالَ :دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام, خَرَجَ, فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدكُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ .
        وَقَالَ اللَّيْثُ :كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, قَالَتْ : رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ, يَقُولُ :يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي . وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ :لَا تَقْتُلْهَا أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ ،قَالَ لِأَبِيهَا :إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا(761)،
        وأخرج الإمام أحمد عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ, عَنْ أَبِيهِ ,عَنْ جَدِّهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( بِمَكَّةَ هُوَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَمَرَّ بِهِمَا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ, فَدَعَوَاهُ إِلَى سُفْرَةٍ لَهُمَا ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ .قَالَ : فَمَا رُئِيَ النَّبِيُّ ( بَعْدَ ذَلِكَ أَكَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ , وَلَوْ أَدْرَكَكَ لَآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ ،فَأسْتَغْفِرْ لَهُ: قَالَ« نَعَمْ » فَاَسْتَغْفِرُ لَهُ ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحِدَه) (762)، وذكر ابن حجر في الإصابة أن الواقدي والفاكهي أخرجا بإسنادهما عن عامر بن ربيعة في حديث طويل , وفيه أن النبي ( قال : «قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا» (763).
        فزيد بن عمرو مع جهله بطريق العبادة, إلا أن فطرته دلته على وجود الله ,وعقله هداه إلى توحيد الله ، فكان يعبد الله على حسب اجتهاده ، فهو مع ضلاله عن طريق العبادة الصحيحة, إلا أنه كان معذروا لذلك أدخله الجنة، ومن هذا الباب معنى قوله تعالى :
        ( ووجدك ضالا فهدى (. أي ضالا عن طريق العبادة الصحيحة فدلك عليها له وإن كان عارفا بالله موحدا له.
        3-ثم إننا نلزمهم بأمر وهو : هل هم يقولون هذا أيضا في موسى عندما قال عن نفسه, (فعلتها إذاً وأنا من الضالين ( [الشعراء:20].
        4-ثم إننا لو تنزلنا لهم وسلمنا لهم بالمعنى الذي يريدون, فإن هذا لا يضره؛ فهو معذور بعدم العلم فهو إذ لم يضل عن علم بل ضل بغير علم , وهذا لا حرج عليه ولا مؤاخذة فيه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما وجوب كونه ( قبل أن يبعث نبيا لم يخطئ أو لا يذنب فليس في النبوة ما يستلزم هذا)(764).
        ولكن الحرج كل الحرج فيمن يعرف العلم والهدى ثم يتركه ,كما هو حال اليهود والنصارى الذين يعرفون النبي (كما يعرفون أبناءهم.
        -الطعن الثاني:كيف سُحِرَ النبي ( مع أن الله تعالى يذكر كلام الكفار, ووصفهم النبي بالمسحور في مقام الذم في قول الله على ألسنتهم : ( إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( [الفرقان:8].
        -الجواب:
        هذا الشبهة تردد كثيرا ، وللأسف يرددها كثيراً من المعاصرين من العلمانيين، ومن أصحاب المدرسة العقلية ، وممن يعلم صلاحه ويظهر حبه للدين(765).
        -الجواب:
        أولا : لابد – أولاً - أن نعرف أن حديث سحر النبي ( ثابت في الصحيحين, وقد تقدم معنا النقل عن ابن الصلاح, وهو أن ما كان في الصحيحين قد تلقته الأمة بالقبول(766) ، ونص الحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سُحِرَ النَّبِيُّ ( حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ –وفي رواية :وأنه يأتي أهله ولا يأتي- حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ, ثُمَّ قَالَ : « أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ »، قُلْتُ : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ :« جَاءَنِي رَجُلَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ, ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ :مَطْبُوبٌ .قَالَ :وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ –الْيَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ- قَالَ :فِيمَا ذَا قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ :فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ قَالَ : فَذَهَبَ النَّبِيُّ ( فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ ,فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ : "وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَ هَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ ,وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ » . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَخْرَجْتَهُ قَالَ : « لَا ،أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِيَ اللَّهُ وَشَفَانِي ,وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا ». وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ )(767) .
        فظاهر من الحديث أن السحر كان في الأمور الدنيوية فهو يخيل إليه أنه أتى أهله ولكنه لم يفعل ويخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله(768) ، وأما الأمور الشرعية والوحي ، فإنه محفوظ من الخطأ فيها, كما ثبت في النصوص الكثيرة،كقوله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ( [النجم:3-4].وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ :كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا :أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ ( بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ،فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ ،فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ( فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ :« اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ » (769) وغير ذلك من النصوص المتكاثرة.
        قَالَ الْمَازِرِيّ : (أَنْكَرَ الْمُبْتَدِعَة هَذَا الْحَدِيث وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَحُطّ مَنْصِب النُّبُوَّة وَيُشَكِّك فِيهَا ، قَالُوا :وَكُلّ مَا أَدَّى إِلَى ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِل .وَزَعَمُوا أَنَّ تَجْوِيز هَذَا يَعْدَم الثِّقَة بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الشَّرَائِع إِذْ يُحْتَمَل عَلَى هَذَا أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ يَرَى جِبْرِيل وَلَيْسَ هُوَ ثَمَّ ،وَأَنَّهُ يُوحِي إِلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ ،قَالَ الْمَازِرِيّ : وَهَذَا كُلّه مَرْدُود لِأَنَّ الدَّلِيل قَدْ قَامَ عَلَى صِدْق النَّبِيّ ( فِيمَا يُبَلِّغهُ عَنْ اللَّه تَعَالَى وَعَلَى عِصْمَته فِي التَّبْلِيغ ،وَالْمُعْجِزَات شَاهِدَات بِتَصْدِيقِهِ، فَتَجْوِيز مَا قَامَ الدَّلِيل عَلَى خِلَافه بَاطِل , وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِبَعْضِ الْأُمُور الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَث لِأَجْلِهَا وَلَا كَانَتْ الرِّسَالَة مِنْ أَجْلهَا, فَهُوَ فِي ذَلِكَ عُرْضَة لِمَا يَعْتَرِض الْبَشَر كَالْأَمْرَاضِ،فَغَيْر بَعِيد أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ فِي أَمْر مِنْ أُمُور الدُّنْيَا مَا لَا حَقِيقَة ,لَهُ مَعَ عِصْمَته عَنْ مِثْل ذَلِكَ فِي أُمُور الدِّين ،قَالَ : وَقَدْ قَالَ بَعْض النَّاس: إِنَّ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ ( يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَاته وَلَمْ يَكُنْ وَطِأَهُنَّ , وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَع تَخَيُّله لِلْإِنْسَانِ فِي الْمَنَام , فَلَا يَبْعُد أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ فِي الْيَقِظَة. قُلْت(770) : وَهَذَا قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا وَلَفْظه " حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاء وَلَا يَأْتِيهِنَّ ". وَفِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ " أَنَّهُ يَأْتِي أَهْله وَلَا يَأْتِيهِمْ ". قُلْت : وَوَقَعَ فِي مُرْسَل عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْبٍ عِنْد اِبْن سَعْد " فَقَالَتْ أُخْت لَبِيد بْن الْأَعْصَم إِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ،وَإِلَّا فَسَيُذْهِلُهُ هَذَا السِّحْر حَتَّى يَذْهَب عَقْله ". قُلْت : فَوَقَعَ الشِّقّ الْأَوَّل(771) كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح . وَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَا يَلْزَم مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَظُنّ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْء وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ أَنْ يُجْزَم بِفِعْلِهِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَكُون مِنْ جِنْس الْخَاطِر يَخْطِر وَلاَ يَثْبُت،فَلَا يَبْقَى عَلَى هَذَا لِلْمُلْحِدِ حُجَّة . وَقَالَ عِيَاض : وَيُؤَيِّد جَمِيع مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْهُ فِي خَبَر مِنْ الْأَخْبَار أَنَّهُ قَالَ قَوْلًا فَكَانَ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ . وَقَالَ الْمُهَلَّب : صَوْن النَّبِيّ ( مِنْ الشَّيَاطِين لَا يَمْنَع إِرَادَتهمْ كَيَدَهُ،فَقَدْ مَضَى فِي الصَّحِيح أَنَّ شَيْطَانًا أَرَادَ أَنْ يُفْسِد عَلَيْهِ صَلَاته فَأَمْكَنَهُ اللَّه مِنْهُ ،فَكَذَلِكَ السِّحْر مَا نَالَهُ مِنْ ضَرَره مَا يُدْخِل نَقْصًا عَلَى مَا يَتَعَلَّق بِالتَّبْلِيغِ بَلْ هُوَ مِنْ جِنْس مَا كَانَ يَنَالهُ مِنْ ضَرَر سَائِر الْأَمْرَاض مِنْ ضَعْف عَنْ الْكَلَام،أَوْ عَجْز عَنْ بَعْض الْفِعْل ، أَوْ حُدُوث تَخَيُّل لَا يَسْتَمِرّ ،بَلْ يَزُول وَيُبْطِل اللَّه كَيْد الشَّيَاطِين)(772).
        ومثل هذا قوله تعالى عن موسى ( قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ( [طه:66]، فسحر النبي ( مثل سحر موسى ( وهو أن يخيل إليه الشيء، فمن أنكر الحديث ماذا يقول عن هذه الآية ؟
        ونزيد من الأمر توضحاً فنقول السحر الذي أراده المشركون غير السحر الذي حصل للنبي ( ، فهم أرادوا المسحور يعني الذي يصل إلى حد الجنون والافتراء, وقول ما لا يعقل ودخول الجن في المسحور،وهذا لا شك أنه باطل في حق النبي (، وأما سحر النبي ( فهو من نوع التخيل الذي يحصل لأي إنسان يقظة ومناما ، وهذا لا يضر في مقام النبوة.
        -الطعن الثالث: كيف يسحر النبي ( مع أن الشياطين لا تسلط على عباد الله الصالحين ,كما قال تعالى: ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ( [الحجر:42] ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ(100) ( [النحل:99-100]، فسحر النبي دليل أنه من الغاويين وأنه من الذين يتولون الشيطان(773) ؟.
        الجواب:
        السحر أنواع(774) :
        1-سحر بالأدوية.
        2-سحر لا حقيقة له بل هو خيال أو خفة يد.
        3-سحر بالاستعانة بالشياطين.
        إذن فليس كل أنواع السحر تسلط من الشياطين على المسحور،وذهب بعض العلماء إلى أن سحر النبي ( من نوع الأدوية ؛قال ابن حجر: وَاسْتَدَلَّ اِبْن الْقَصَّار عَلَى أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ مِنْ جِنْس الْمَرَض بِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث :«فَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّه » . وَفِي الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ نَظَر , لَكِنْ يُؤَيِّد الْمُدَّعَى أَنَّ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة عِنْد الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِل " فَكَانَ يَدُور وَلَا يَدْرِي مَا وَجَعه " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد اِبْن سَعْد : مَرِضَ النَّبِيّ ( وَأُخِذَ عَنِ النِّسَاء وَالطَّعَام وَالشَّرَاب،فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ ..الْحَدِيث)(775)،
        ولو سلمنا أنه من النوع الشيطاني ، فليس كل تعرض من الشيطان للإنسان معناه أنه ليس من عباد الله ، وفرق كبير بين التعرض والمحارشة وبين التسلط، ويؤيد ذلك ما أخرجه مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ( يَقُولُ :« إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ » (776)، فكل صالح يتعرض له الشيطان، بل هذه وظيفته في الحياة ، وهو أقسم على إغواء بني آدم.ولو سلمنا أن هذا من التسلط فإنه لفترة محدودة ,ثم بعد ذلك يذهبه الله تعالى, ويرجع المسلم إلى حاله الأولى ؛
        فهذا آدم عليه السلام أغواه الشيطان حتى وقع في أكل الشجرة ، وهذا موسى قتل نفسا بغير نفس فقال: ( هذا من عمل الشيطان ( [ القصص : 15 ] ولا يقول أحد أن هذا من التسلط بمعنى التحكم والإغواء والتضليل ، بل يبقى آدم وموسى من خير أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
        -الطعن الرابع: (كيف يذكر في القرآن أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم -يعني من مثل قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ( [البقرة:34]- مع أن هذا الدين اشتهر بالتشدد في إنكار الشرك وتكفير كل ساجد لغير الله )(777).
        الجواب:
        السجود نوعان ؛ سجود تحية وإكرام, وسجود عبادة وإعظام ، فسجود العبادة لا يجوز في جميع الملل وعند جميع الرسل ، بل لا يسجد الإنسان إلا لله وحده وأما سجود التحية فهذا كان جائزا في شرع من قبلنا ، كما حصل ليوسف عندما خر له أبواه وأخوته سجدا ، فلم ينكر عليهم ،ومن هذا الباب سجود الملائكة لآدم، وأما في شرعنا فقد نسخ سجود التحية ، درأ للفتنة وسدا لأبواب الشرك وطرائقه.
        قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى : ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا...( [يوسف: 100]: ( وقد نسخ الله ذلك كله في شرعنا، وجعل الكلام بدلا عن الانحناء. وأجمع المفسرون أن ذلك السجود على أي وجه كان ,فإنما كان تحية لا عبادة ، قال قتادة: هذه كانت تحية الملوك عندهم , وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة)(778).
        على أن كثيراً من العلماء يقولون : إن السجود هنا المقصود به المعنى اللغوي للسجود ، وهو عموم الانحناء والميل والاحترام, ولا يلزم منه أن يخر على الأرض(779).

        ===========

        (755) انظر كتاب : رد مفتريات على الإسلام ، لشلبي ، ص:38، عن رسالة المجلس الملي القبطي الأرثوذكس بالإسكندرية ، دائرة المعارف البريطانية (ص:22).
        (756) ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي (ص:293)، دار الجيل ، بيروت ، الطبعة الثانية 1987.
        (757) انظر لسان العرب (11/391)
        (758) المفردات (ص:510).
        (759) وهو أبو سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، التقَى بالنبي ( قبل أن يبعث، ومات قبل البعثة بخمس سنوات ، وهو من الباحثين عن الدين الحق .(انظر ترجمته في الإصابة لابن حجر (2/613)).
        (760) أخرجه البخاري:(كتاب المناقب ، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، رقم :3614).
        (761) أخرجه البخاري : كتاب المناقب ، باب حديث زيد بن عمرو ، برقم :3616.
        (762) أخرجه الإمام أحمد في المسند (رقم :1651)وإسناده حسن.
        (763) الإصابة (2/616).
        (764) منهاج السنة النبوية في الرد على الرافضة والقدرية ، لأحمد بن عبدالحليم بن تيمية (2/396) ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة.
        (765) انظر: منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير ، للرومي ، (ص:347).
        (766) قال ابن القيم : وهو حديث ثابت عند أهل العلم بالحديث لا يختلفون في صحته , وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيحه، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة , والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله ( وأيامه من المتكلمين. (التفسير القيم لابن القيم (ص:566).
        (767) متفق عليه (البخاري : كتاب الطب، باب السحر ، رقم :5433، ومسلم: كتاب السلام ، باب السحر ، رقم :2189).
        (768) ويرى الشيخ رشيد رضا أن هذا كان خاصا فقط في إتيانه أهله ، وأنه معنى قول عائشة:كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء ولا يأتيه. كناية عن الجماع ،كما جاء في تفسيره في الرواية الثانية.(انظر تفسير الفاتحة وست سور من خواتيم القرآن ، لمحمد رشيد رضا ص:137).
        (769) أخرجه أبو داود (كتاب العلم ، باب في كتاب العلم ،رقم:3646) والإمام أحمد في المسند (رقم:6474) والدارمي (المقدمة ، باب من رخص في كتابة العلم، رقم :484)، وهو صحيح ؛ انظر: صحيح سنن أبي داود للألباني (2/695) رقم:3099.
        (770) القائل ابن حجر , رحمه الله .
        (771) يعني أنه أُخبر .
        (772) فتح الباري(10/237).
        (773) ذُكرت هذه الشبهة في غرفة النصارى في البالتوك على الإنترنت , للأسف ولم يجب عليها أحد من المسلمين .
        (774) انظر فتح الباري (10/239) .
        (775) فتح الباري (10/238) .
        (776) أخرجه مسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، رقم :2812).
        (777) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ، للعقاد (ص276)،المكتبة العصرية ، بيروت.
        (778) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (9/174).
        (779) انظر المرجع السابق ، و من وسائل الغزو الفكري ، لأستاذنا الدكتور نبيل غنايم (ص:589).
        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
        وينصر الله من ينصره

        تعليق

        • سيف الكلمة
          إدارة المنتدى
          • 13 يون, 2006
          • 6036

          #5
          الباب الثاني
          الفصل الثاني

          المبحث الرابع
          اتهام القرآن بمعارضة الحقائق




          المطلب الثالث : دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية أو حقائق العلم التجريبي :


          من المطاعن على القرآن دعوى أنه يتعارض مع الحقائق الكونية أو حقائق العلم التجريبي الحديث ، وعليه فإن القرآن ليس من كلام الله تعالى ؛ لأن الله جل جلاله يعلم كل شيء ، وقد ذكر الطاعنون لهذا أمثلة سيأتي ذكرها .
          بادئ ذي بدأ لابد من وضع بعض القواعد لهذه المسألة :
          1- لابد أن تكون هذه المعلومات التجريبية وصلت مرحلة الحقيقة العلمية المستقرة المتفق عليها(820) ، فلا يجوز أن نجادل القرآن بنظريات تفسيرية لبعض ظواهر الكون ، أو أن القضية العلمية عبارة عن تجارب لم تصل إلى حد الحقيقة الثابتة القطعية ، مثل نظرية أن أصل الإنسان قرد ثم مر بمراحل حتى وصل إلى هذا المستوى(821) ، التي تتعارض مع كون ابتداء خلق الناس كان من آدم الذي خلقه الله تعالى مرة واحدة من غير تدرج .
          2-لابد أن يكون هذا التناقض من كل وجه بحيث لا يحتمل حمل اللفظ على معنى آخر ، فإن دلالة القرآن الظنية المعنى مما يمكن حملها على عدة معان(822) ، ومن هذه المعاني معان لا تخالف العلم ، مثل دعوى أن الأرض تدور حول الشمس ، المناقض لقوله الله تعالى : ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن . .( فنسب فعل الدوران للشمس ، وهذا غير صحيح ؛ فإن اللفظ ليس قاطعا في هذا المعنى ، بل إنه ابتدأ بقول : (وترى الشمس( أي أن هذا الأمر بالنسبة لرؤية الإنسان ، وسياق الآية كما هو ظاهر ليس مقصودا في إثبات دوران الأرض حول الشمس أو العكس ، فلا ينبغي تحميل النص ما لا يحتمل .
          فإذا كانت المسألة في حقيقة علمية ثابتة ، وهى تعارض نصا قرآنيا من كل وجه ، فهنا تحصل المناقضة .
          وكعادتنا نبدأ أولا بالردود الإجمالية ثم التفصيلية :
          1-أن العلم والقرآن لا يمكن –عقلا- أن يتعارضا ؛ وذلك لأن مصدرهما واحد وغايتهما واحدة ، فمصدرها هو الله سبحانه وتعالى ، فالله هو الذي خلق هذا الكون وما فيه من معارف وعلوم ، وهو الذي شرع هذا الدين وما فيه من أخبار وأحكام ، وما كان من الله فإنه لا يتناقض ، (فالقرآن والكون - وهما مصدر الحقائق الدينية والعلمية - كلاهما من عند الله وصنعه ، أنزل القرآن بالحق كما خلق الكون بالحق ، فلا ينبغي للإنسان طلب الحق إلا فيهما ، ومن ثم لا يتصور تصادم الحق مع نفسه)(823) .
          ويتفقان أيضا في الغاية والهدف ، وهو إسعاد البشرية وتذليل صعوبات الحياة ، فما اتفق في المصدر والغاية لا يمكن أن يتعارضا فيما بين ذلك ، فالعلم الصحيح لا يعارض القرآن ، بل هما أخوان متعاونان(824) .
          2-إن المنصفين من أهل الملل الأخرى شهدوا بأن القرآن لا يتعارض مع العلم أبدا .
          يقول إبراهيم خليل : ( يرتبط هذا النبي ( بإعجاز أبد الدهر بما يخبرنا به المسيح –عليه السلام- في قوله عنه : (ويخبركم بأمور آتية) . وهذا الإعجاز هو القرآن الكريم، معجزة الرسول الباقية ما بقي الزمان ، فالقرآن الكريم يسبق العلم الحديث في كل مناحيه ؛ من طب وفلك وجغرافيا وجيولوجيا وقانون واجتماع وتاريخ… ففي أيامنا هذه استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف . . )(825) ، وقال : (أعتقد يقينا أني لو كنت إنسانا وجوديا ، لا يؤمن برسالة من الرسالات السماوية ، وجاءني نفر من الناس ، وحدثني بما سبق به القرآن العلم الحديث في كل مناحيه ؛ لآمنت برب العزة والجبروت ، خالق السماوات والأرض ولن أشرك به أحدا)(826) .
          وقال بوتر : (عندما أكملت قراءة القرآن الكريم ، غمرني شعور بأن هذا هو الحق ، الذي يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها ، وإنه يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية ، نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية ، أما القرآن فيتحدث عنها في نسق رائع وأسلوب قاطع لا يدع مجالاً للشك بأن هذه هي الحقيقة ، وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة )(827) .
          وقال بوتر أيضا : (كيف استطاع محمد ( ، الرجل الأمي الذي نشأ في بيئة جاهلية ، أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم ، والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها ؟ لابد إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل )(828) .
          وقال حتي : (إن أسلوب القرآن مختلف عن غيره ، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر ، ولا يمكن أن يقلد ، وهذا في أساسه ، هو إعجاز القرآن . . فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى)(829) .
          ولقد ألف الدكتور مراد هوفمان –سفير ألمانيا السابق بالرباط- كتاب (الإسلام كبديل)(830)، وفيه شهادات كثيرة على إعجاز القرآن وصدقه وصدق النبي ( وكمال التشريع .
          ومن الذين تخصصوا في هذا المجال ، وكان من أشد الناس عداوة للقرآن والرسول( الدكتور موريس بوكاي ، وكان كلما جاءه مريض مسلم يحتاج إلى العلاج الجراحي ، فإنه إذا أتم علاجه يقول له : ماذا تقول في القرآن ، هل هو من الله أنزله على محمد أم من كلام محمد نسبه إلى الله افتراء عليه؟ فإذا أجاب المريض بأنه من الله ، وأن محمدا ( صادق ، قال : أنا أعتقد أنه ليس من الله وأن محمدا ليس بصادق . وبقي على ذلك زمانا حتى جاءه الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية الراحل ، يقول بوكاي : فعالجته جراحيا حتى شفي ، فألقيت عليه نفس السؤال ، فقال لي : هل قرأت القرآن ؟ فقلت : نعم مرارا وتأملته . فقال لي : بلغته أم بترجمة ؟ فقلت : بالترجمة . فقال : إذن أنت تقلد المترجم ، والمقلد لا علم له ؛ إذ لم يطلع على الحقيقة ، لكنه أخبر بشيء فصدقه ، والمترجم ليس معصوما من الخطأ والتحريف عمدا ، فعاهدني أن تتعلم اللغة العربية وتقرأ القرآن بها وأنا أرجو أن يتبدل اعتقادك الخاطئ هذا . قال : فتعجبت من جوابه ، ووضعت يدي في يده وعاهدته على ألا أتكلم في القرآن حتى أتعلم العربية ، وذهبت من يومي إلى الجامعة الكبرى بباريس ، وتعلمت اللغة العربية في سنتين ، وأنا آخذ يوميا درسا حتى يوم عطلتي ، ثم قرأت القرآن بإمعان ، ووجدته الكتاب الوحيد الذي يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله ، لا يزيد حرفا ولا ينقص ، وأما التوراة والأناجيل الأربعة ففيها كذب كثير لا يستطيع عالم عصري أن يصدقها)(831). وكانت ثمرة هذه الدراسة العميقة للقرآن تأليف كتابه المشهور "التوراة والإنجيل والقرآن بمقياس العلم الحديث" ، ومما قاله بوكاي في هذا الكتاب : (لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم ، وذلك دون أي فكر مسبق ، وبموضوعية تامة بحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث ، وكنت أعرف - قبل هذه الدراسة وعن طريق الترجمات - أن القرآن يذكر أنواعا كثيرة من الظاهرات الطبيعية ، لكن معرفتي كانت وجيزة ، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث ، وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل ، أما بالنسبة للعـهد القديم ، فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتـاب الأول ، أي سفر التكوين فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينـها وبين أكثر معطيات العلم رسوخـاً في عصـرنا ، وأما بالنسبة للأناجيل ، فإننا نجد نص إنجيل متى يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا ، وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض)(832) .
          - ثانيا : الرد التفصيلي :
          1- لعل من أقدم الطعون في دعوى تعارض القرآن مع العلم التجريبي ، ما ادعاه بعضهم من معارضة قوله تعالى عن العسل : (فيه شفاء للناس ( [النحل : 69] .
          قال القرطبي : (اعترض بعض زنادقة الأطباء على هذا الحديث ، فقال : قد أجمعت الأطباء على أن العسل يُسهِل فكيف يوصف لمن به الإسهال ؟ فالجواب أن ذلك القول حق في نفسه لمن حصل له التصديق بنبيه عليه السلام(833) ، فيستعمله على الوجه الذي عينه وفي المحل الذي أمره بعقد نية وحسن طوية, فإنه يرى منفعته ويدرك بركته, كما قد اتفق لصاحب هذا العسل وغيره كما تقدم . وأما ما حكي من الإجماع فدليل على جهله بالنقل ؛ حيث لم يقيد وأطلق . قال الإمام أبو عبد الله المازري : ينبغي أن يعلم أن الإسهال يعرض من ضروب كثيرة, منها الإسهال الحادث عن التخم والهيضات; والأطباء مجمعون في مثل هذا على أن علاجه بأن يترك للطبيعة وفعلها, وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية, فأما حبسها فضرر, فإذا وضح هذا قلنا : فيمكن أن يكون ذلك الرجل أصابه الإسهال عن امتلاء وهيضة ، فأمره النبي ( بشرب العسل ، فزاده إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال ، فوافقه شرب العسل . فإذا خرج هذا عن صناعة الطب أذِن ذلك بجهل المعترض بتلك الصناعة . قال : ولسنا نستظهر على قول نبينا بأن يصدقه الأطباء ، بل لو كذبوه لكذبناهم ولكفرناهم وصدقناه ( ; فإن أوجدونا بالمشاهدة صحة ما قالوه ، فنفتقر حينئذ إلى تأويل كلام رسول الله ( وتخريجه على ما يصح ، إذ قامت الدلالة على أنه لا يكذب)(834) . وقد أجاب ابن حزم -رحمه الله- على ابن النغريلة اليهودي بأن كلمة (فيه شفاء) نكرة فلا تلزم العموم(835) ، وقد تقدم معنا كلام الأمام الداني(836) أن (ال ) في كلمة (للناس) ليست للعموم بل للجنس .
          وهذه هي الطعون العلمية التي ذكرها المجلس الملي النصراني ورد الدكتور شلبي عليها : -
          2_ الأرض ثابتة لا تتحرك :
          (جاء في سورة لقمان : (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم (. وجاء هذا في سورة أخرى . . وقال (( رجال المجلس الملي )) : إن العلم يثبت أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة فكيف يقول القرآن إنها راسية وثابتة(837) ؟
          الجواب : (معنى تميد تضطرب وتتزلزل ، ولا يراد بالميدان مجرد حركة متزنة ، والمصدر الثلاثي (فعلان ) يأتي لإفادة هذا المعنى ، مثل ميدان وغليان وثوران وجولان . . . وهكذا ، والآية تذكر أن الله ثبت الأرض حتى يستطيع البشر أن يستقروا عليها في نومهم ، ويزرعوا ويرعوا ماشيتهم ، ولو كانت مضطربة ما استطاع الناس أن يطمئنوا عليها وأن يعملوا هذه الأعمال .
          نحن ننام في الطائرة وفي القطار وفي السفينة ، فإذا اضطرب واحد منها استيقظنا وشعرنا بالتعب ، وقد نطلب من السائق أن يعمل شيئاً يسكنها لتثبت ، ولا يعني تثبيته أنه يقف ولا يتحرك ، بل أن ينقطع اضطرابه ، وسيذكر القوم بعد معترضين على القرآن أنه ذكر (وكل في فلك يسبحون (، و(كل (كلمة تشمل الشمس وتوابعها من القمر والأرض والكواكب الأخرى ، فالقرآن إذن يقرر حركة كل هذه الكواكب)(838) .
          3_ الكواكب في حجم الحجارة :
          (جاء في القرآن : (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين( [الملك:5] ، وجاء أيضاً : (ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين([الحجر:16-18] ، وقال رجال المجلس : إن القرآن جعل النجوم والكواكب في حجم الحجارة ، ترمي بها الملائكة الشياطين ، والعلم الحديث يثبت أن كل كوكب عالم ضخم .
          والذي في الآية أن هناك أجساماً نارية تصيب الشياطين ، ولم يذكر أن الشيطان يسقط عليه نجم أو أن الملائكة ترميه به ، والعلم الحديث ، ورواد الفضاء يتحدثون عن النيازك التي ترى في الفضاء الواسع مذنبات مضيئة ، ومنها الناري الذي ينطفئ ويتفتت في سيره ، وبعضها يصل إلى الأرض ، وهي تشبه المقذوفات البركانية ، والذين درسوا جغرافية فلكية يعرفون هذا ، فهذه المقذوفات قطع تنفصل من الكواكب وتتحرك في الفضاء ، خصوصاً إذا كان النجم أو الكوكب قريبا من الأرض ، والله تعالى يصيب بها من يشاء ويحفظ بها من يشاء ، وقد تكون قطعاً باردة ولكنها مضيئة كالقمر . أما سمع نوابغ العصر أصحاب تيموثاوس أن الذين نزلوا على سطح القمر رأوا هناك جهات ساكنة نارها ، وأخرى ملتهبة ؟ وأنهم رأوا الأرض مشعة كما نرى نحن القمر ؟ وأن الفضاء مليء بقطع نارية سابحة ، ومنها ما يصل إلى الأرض ؟ )(839) .
          4_ الفضاء سطح أملس قابل للسقوط وكذلك الأرض :
          (ذلك لأنه جاء في القرآن (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن( [الطلاق:12] ، وجاء : (والله الذي جعل لكم الأرض بساطاً( [نوح:19] ، وجاء : (يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون([البقرة:21] ، ( الذي جعل لكم الأرض فراشاً( [البقرة:22] ، وجاء هذا ومثله في آيات أخرى ، وخطؤه في نظر رجال المجلس أن الأرض كوكب واحد وليس سبعة ، وكذلك السماء !
          والآية الأولى جاءت في ختام سورة الطلاق ، وهي تلفت الأنظار إلى قدرة الله تعالى البالغة : (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً ( .
          آية عجيبة رهيبة تبين ضآلة الإنسان في هذا الكون العظيم ، ويقف غير واحد من الكتاب مذهولاً أمام التعبير ، وأمام مدلوله ، وأمام هذا الإعجاز القرآني .
          ما هذه السماوات ؟ وما هذه الأرضين ؟كل ينظر من زاوية خاصة ، وكل يجد في الآية ما يبهره .
          قد تكون السماء التي توصل علمنا إليها بكل ما فيها من كواكب ونجوم وأفلاك إحدى سماوات سبع ، والكرة الأرضية التي نعيش عليها هي أيضاً كذلك ! إن علم الفلك الحديث يؤيد هذا ، ويذكر أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا هذا ليست إلا واحدة من مجموعات أخرى لا يعلمها إلا الله الذي خلقها .
          فهذا إعجاز قرآني ؛ إذ لم يكن محمد يدرس فلكاً ولا يعرف شيئاً عن هذه المستكشفات الحديثة .
          وفي اللغة العربية يذكر العدد لإرادة التكثير ، ويعبرون عنه بأنه عدد لا مفهوم له ، وهذا كما تقول لصديقك : زرتك ألف مرة ولم تزرني . فأنت لا تريد ألفاً بعدده ، وإنما تريد زرتك مرات كثيرة ، فإذا حملنا العدد في الآية هذا المحمل ، فالمعنى أن الله خلق سماوات كثيرة وأرضين كثيرة ، وهذا حق وواضح .
          وقد يكون المراد بالسبع الأرضين أنواعا مختلفة من تربة الأرض ، ويسمى كل نوع أرضاً ، وهذا وهذا كما تقول : أصبح فلان ثرياً يملك أراضي كثيرة ، والأرض أنواع بحسب تربتها وما بكل تربة من عناصر تكونت منها ، بعضها رملي وبعضها جيري ، وببعضها معادن حديدية وبالأخرى عناصر نحاسية وهكذا ، كما قال تعالى : (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود( [فاطر:27] .
          وقد يراد من أنواع الأرض ما تصلح لإنباته ، فأرض بها غابات وأرض بها زهور ، وثالثة قاحلة لا تنبت شيئاً .
          وآية سورة البقرة : (الذي جعل لكم الأرض فراشاً( [البقرة:22]. . ليست الوحيدة التي تذكر هذا في القرآن ، بل هناك آيات أيضاً أخرى تذكر هذا ، ومعنى (فراشا( : أي مبسوطة تحت أقدامنا ، منبسطة كالفراش ، ننام عليها ونمشي ونزرع ، ونستقر أيضاً أنعامنا ومساكننا ، ولو جعلها الله سبحانه وتعالى كثيرة التعاريج شديدة التحدب ، ما استطعنا أن نستريح عليه ، ولا أن نجري كل هذه الأعمال ، فالآية تذكر نعمة من نعم الله علينا ، وليس في هذا ما يفيد أن الأرض قابلة للسقوط !
          وأما الآية التي في سورة الأنبياء ، فقد جاءت ضمن آيات غاية في الروعة والإعجاز العلمي الفلكي ، ولها يعجب الكثيرون كيف قرر القرآن هذه الحقائق منذ ذلك الزمن السحيق . فاقرأ قوله تعالى : (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شي حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفاً محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس كلٌ في فلكٍ يسبحون( [الأنبياء:30-33] . كانت السماوات العديدة والأرض جزءاً واحداً ، ففتقها الخالق وفصل بعضها عن بعض : تبارك الله ، وصدق نبيه الكريم ! ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى !!
          في العصر الوسيط عصر الإظلام العقلي ، والركود العلمي يقرر القرآن الكريم بحق أحدث النظريات العلمية ، التي لم يهتد إليها العلم الحديث إلا من زمن قريب !
          هذه الكواكب كلها بما فيها الأرض كانت قطعاً نارية ، انفصلت من الشمس أثناء دورانها الأبدي الجبار ، فتناثرت في الفضاء الذي لا يعلم مداه إلا الله ، واستغرقت ملايين الأعوام وبلايينها حتى بردت قشرتها الخارجية ، وشق الله بها الأنهار والبحار ، وأنزل عليها ماء الأمطار ، فدبت بها بعد ملايين السنين أيضاً صور الحياة المختلفة من النباتات الدنيئة والطحالب ، ثم الحيوانات المختلفة ، منها ما انقرض ومنها ما بقي ، هكذا جعل الله من الماء كل شيء حي ، كل شيء من النباتات والطيور والديدان والحشرات والأفاعي والوحوش والأناسي ، كلها من الماء وتقوم حياتها عليه .
          هذا إبداع الله وخلقه ، قدر سبحانه وهدى ، ولم يأت شيء من أعماله بطريق المصادفة .
          أما التوراة فتقول : ( في البدء خلق الله السماوات والأرض ، وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الأرض ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه ) .
          هكذا بدأ وأنشأ الله السماوات والأرض جميعاً دفعة واحدة ، ولم يذكر شيء عن الماء .
          تعبير ساذج وتفكير وثني ، لا يفهم إلا الشيء المتجسد ؛ أين كان الله إن كانت روحه ترف وتحوم حول الماء ؟ أكان بلا روح ، أم هو الذي تجسد فصار هذا الحيز الضئيل كالحمامة ؟ خلق الكون كله وهو جزء صغير منه .
          ( وقال الله : ليكن نور . فكان نور ، ورأى الله النور أنه حسن ) !
          لم يكن يعرف أنه سيكون حسناً ، ولكن لما ظهر له أعجبه . عمل من طريق الصدفة البحتة ، وتجربة نجحت وجاءت بشيء جميل .
          أهذه هي البلاغة ؟! لا فصاحة تعبيرية ولا حقيقة علمية .
          ونقرأ بقية هذه البداية فنجد : أن الله فصل بين النور والظلمة ، وسمى النور نهاراً والظلمة ليلاً ، وقال لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ، ولتظهر اليابسة . ودعا اليابسة أرضاً .
          وهكذا يمضي سفر التكوين مضطرباً في الكلمات القليلة التي بدأ بها .
          في البداية خلق السماوات والأرض وكانت الأرض خربة ، وبعد ذلك خلق وسط الماء شيئاً جامداً أسماه أرضاً ، وسمى بعضاً منه سماء .
          وهل يؤيد هذا علم أو يتسع له عقل ؟ خلق السماوات والأرض ، ثم خلق شيئاً سماه أرضاً وسماء!
          كانت الفكرة القديمة أن العالم كله ماء ، وأن الأرض طافية فوق الماء كحبة العنب ، وهو تفكير نشأ عن نظر محدود . وسفر التكوين وبقية الكتاب المقدس _أو الذي يسمى الكتاب المقدس _ من وضع بشري متأخر .
          ومع اضطراب التعبير ، وسقامة الأسلوب ، ومخالفة المعنى لحقائق العلم يعجب تيموثاوس التقي الذكي به ويعيب القرآن .
          (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون( [سورة الأنبياء :30 ].
          (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون( [سورة الأنبياء:32]. .
          والسماء هي كل شيء نراه فوقنا ، وفهم تيموثاوس أن السماء لا تكون إلا بمعنى الفضاء ، وهو جهل فاضح ، لقد كان العرب يقولون لمحمد ( أسقط السماء علينا كسفاً ؛ أي قطعاً ، فهل كانوا يعنون الفضاء ؟
          ونحن ننظر إلى الأعلى ليلاً ونهاراً فنرى الكواكب السابحة ، لا نستطيع نحن ولا تستطيع الجن والإنس أن تغير من نظامها شيئاً ، أو تعدل فيه أدنى تعديل ؟ كما أننا لا نستطيع حتى الوصول إليه ، لقد كان من أعاجيب العلم أن وصل الناس إلى أرض القمر ، والقمر تابع للأرض وكوكب ضئيل ! فأين الجهد البشري من هذه الكواكب البعيدة الجبارة ؟ وأين هي ؟ وما مدى العلم بها ؟
          صدق الله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً( ) [سورة الاسراء :30 ]. (840) .
          5-قرر القرآن أن جبل (( قاف )) يحيط بالأرض كلها
          وذلك في أول سورة ( ق ) قي قوله تعالى : (ق والقرآن المجيد( . وهذا خطأ ؛ لأن العلم يبين أن أعلى قمة هيس ( إفرست )(841) .
          وهذه خرافة مصدرها كتاب اليهود ! الذي يتحدث عن جبل قاف الخرافي .
          أما القرآن فلم يذكر جبالاً ولا قمماً ، والحرف ( ق ) أحد الحروف الكثيرة التي بدئت بها سور من القرآن مثل : ص ، ن ، حم ، الر . . وهكذا .
          ولكن الصيغة المادية البحتة التي تركتها التوراة المزيفة في ذهن القوم ، وجهت ذهنهم هذا الاتجاه المادي البحت ، وإذا كانت هذه خرافة منشؤها كتاب يهودي ، فكيف يؤاخذ بها القرآن ؟! إن كتب اليهود هي كتب المسيحيين ، فليوجه القوم اللوم إلى أنفسهم ، أما أن يكونوا هكذا جاهلين ، ثم يحملون جهلهم على القرآن ، فهذا ما لا يقبله غير عقولهم)(842) .
          وهذه طعون علمية أخرى من كلام المستشرقين ، فيما ذكره الأستاذ ميلر بروز (رئيس قسم لغات الشرق الأدنى وآدابه ، وأستاذ الفقه الديني الإنجيلي في جامعة ييل) في بحث له بعنوان : (مقترحات في موضوع العلاقة بين الدين والعلم في الإسلام )(843) ، وقد أجاب عليها أستاذنا الدكتور بلتاجي على النحو التالي :
          6-قال ميلر : (من الذائع المشهور أن النتائج التي وصل إليها العلم الحديث عن أصول العلم ، تخالف كل المخالفة ما هو مقرر في الكتاب المقدس ، وفي القرآن من أن الله خلق العالم في ستة أيام ، صحيح أن القرآن يقرر أن يوما عند الله كألف سنة مما يعد الإنسان ولكن هذا لا يحل المعضلة ؛ فإن فترة الزمان المتطاولة التي مر بها الكون في وجوده ، لا يمكن أن تضغط في ستة آلاف أو ستة ملايين سنة)(844) .
          الجواب :
          (أ- الآيات التي أشار إليها ميلر بروز تقرر أن الله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ، لكنها لا تعرض لعمر الكون المخلوق منذ خلقه الله تعالى حتى يومنا هذا ، لكن ميلر بروز في كلامه السابق يخلط بين الأمرين ، مشيراً إلى ( معضلة ) لا وجود لها ، حيث يتكلم عن ( فترة الزمان المتطاولة التي مر بها الكون في وجوده ، والتي لا يمكن أن تضغط في ستة آلاف أوستة ملايين سنة ) ، فمال الآيات القرآنية التي يشير إليها وعمر الكون ؟!
          إنها تقرر فحسب الزمن الذي خلق الله تعالى فيه الكون ، دون أن تعرض لما بعد الخلق من الزمن الذي مر على الكون المخلوق حتى يومنا هذا .
          فالتناقض الذي يتكلم عنه هذا المستشرق إنما جاء نتيجة لخلطه بين الأمرين ، وتحميل الآيات القرآنية غير ما تحمله من معنى . وذلك أمر غاية في الوضوح لكل من يراجع نصوص الآيات المشار إليها ثم يراجع كلام المستشرق عنها)(845) .
          ب- إن ميلر بروز ـ أو غيره ـ لا يستطيع أن يعرض بشيء من التكذيب لما قررته هذه الآيات ، من أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ؛ لأن فعل الخلق وزمانه سبقا الوجود البشري ، فلا يستطيع أحد إطلاقاً أن يزعم أنه شهد – بأي وسيلة – أو رصد كيفية خلق السماوات والأرض وزمانه ، وعلم البشر المادي – بكافة فروعه – نشأ بعد أن تم الخلق ، وليس هناك أمامه سبيل ما لمعرفة تفصيلات خلق السماوات والأرض وما بينهما – من حيث الزمان – إلا ما أخبر به الوحي الصادق عن الله تعالى في هذه الآيات ، وفيما يتصل بها من أحاديث نبوية صحت روايتها عن النبي ( ، ولا يملك الإنسان – في علمه البشري وسيلة أخرى يسترجع بها كيفية الخلق أو زمانه ليقيس عليها ما ورد في الوحي ، ومن هنا لا يستطيع العلم البشري بحال أن يصل في هذه القضية إلى شيء يستند عليه في تكذيب ما ورد في الوحي ؛ لأن الوحي يحكي هنا عن أمر ( غيبي ) لم يشهد البشر ولا يصل إليه علمهم المادي بحال ، كما قال تعالى : (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً ( [سورة الكهف :30 ].
          فكل زعم بمحاولة التشكيك في الله تعالى : خلق السماوات والأرض في ستة أيام زعم باطل بدءاً ، يستوي في بطلانه مع دعوى الكفار القدماء ، بأن الملائكة – الذين لم يشهدوا خلقهم أو يحيطوا بهم علماً – إناث ، وقد رد الله تعالى عليهم بقوله : (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم سنكتب شهادتهم ويسألون(.
          أما ما يشير إليه ميلر بروز من (النتائج التي وصل إليها العلم الحديث عن أصول العالم) فليس في هذه النتائج – وهي محض فروض في ذاتها – ما يعرض لشيء عن مقدار الزمن الذي خلق الله فيه السماوات والأرض ، وإن كان فيها تقديرات فرضية لعمر الكون المادي ، وتلك قضية أخرى كما سبق أن قررنا)(846) .
          7-قال ميلر : (الإنسان نفسه لم يخلقه الله دفعة واحدة منفصلا عن خلق الحيوان ، ولكه جاء نتيجة لتطور طويل من الأشكال الدنيا للحياة ، فكيف إذن نتغلب على هذا الإشكال)(847) .
          (ج) أما ما يشير إليه ميلر بروز من نظرية النشوء والاتقاء لداروين في قوله : "إن الإنسان نفسه لم يخلقه الله في دفعة واحدة منفصلاً عن خلق الحيوان ، ولكنه جاء لتطوير طويل من الأشكال الدنيا للحياة ) ـ فإنما يشير في نظرية لم تكن في وقت من الأوقات حقيقة علمية قطعية يمكن أن تقاس عليها النصوص الدينية ، فهي لم تزد في وقت ما ـ منذ قيل بها ـ عن أن تكون مجرد فرض لم يقم عليه أبداً دليل قاطع ، أو قريب من القطع واليقين ، ومنذ أعلنها داروين وجد لها معارضون من رجال العلم التجريبي ؛ لأنه لم يقم أبداً دليل محسوس على صحتها ، وإنما هي فرض عقلي فسر به داروين بعض الظواهر والمشاهدات ، لكن لم يرصد أحد من المؤمنين بها إطلاقاً تطوراً مادياً يقطع بصحتها ، بل على العكس من ذلك فقد طالعتنا وكالات الأنباء في أكتوبر 1974م (شوال 1394هـ) أن أعضاء بعثة الآثار الفرنسية البريطانية ، التي تقوم بسلسلة من الحفائر في إثيوبيا قد اكتشفوا بقايا هيكل عظمي لإنسان ، يرجع تاريخها إلى حوالي أربعة ملايين سنة ، وقال أعضاء البعثة إن هذا الكشف سيغير تماماً النظريات السابقة المعروفة عن أصل الإنسان ( جريدة الأخبار القاهرية في 28/10/1974 ص1) .
          ومما لاشك فيه أن أول ما يغيره هذا الكشف نظرية داروين ، فهل يستقيم بعد هذا أن يطعن إنسان في صدق الوحي القرآني في الخلق ، مستنداً إلى استنتاج فرضي لعالم طبيعي ، لم يثبته هو أو غيره بصورة قاطعة ، بل وجدت اكتشافات تطعن في صحته ؟ومن هنا لا تصلح هذه النظرية ـ على أي نحو ـ لتكون مقياساً تقاس عليه نصوص القرآن الكريم في الخلق .
          ومنهجنا في كافة النظريات البعيدة عن وصف اليقين ، هو أننا ننزه القرآن ابتداءً عن أن يقال في تأويله شيء يتصل بمحض الفروض والاستنتاجات القابلة للتغيير ، بل الإلغاء أصلاً .
          وبهذا يتبين أن كلام ميلر بروز وأمثاله عن ( خلق الإنسان في تطور طويل من الأشكال الدنيا ) ـ كقضية مسلم قطعاً بصحتها ـ شنشنة كاذبة تعرفها من هؤلاء وهي تقوم على جعل ( الظنون والتصورات ) حقائق قاطعة مسلماً بصحتها ، وينبغي ألا يخدع هذا المنهج القائم على التعمية والتجهيل بحقائق الأمور - أحدًا من الباحثين الذين يحترمون عقولهم)(848) .
          8- في قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا( [الكهف : 86] .
          يقول خلف الله : (بان للعقل الإسلامي أن مسألة غروب الشمس في عين حمئة ، لا يستقيم وما يعرف من حقائق هذا الكون)(849) .
          -الجواب :
          قد قدمنا أن لا يصح الأخذ بالألفاظ المحتملة وادعاء أنها تعارض العلم ،
          (فالتعبير القرآني المحكم المعجز يقول (وجدها تغرب )ولم يقل إنها تغرب ؛ حتى يكون هذا تعبيرا عن الحقيقة الكونية المطلقة )(850) .
          قال ابن كثير –رحمه الله- : (قوله : (وجدها تغرب في عين حمئة( أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط ، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله ، يراها كأنها تغرب فيه ، وهي لا تفارق الفلك الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه )(851) .
          وقال القرطبي –رحمه الله- : ( قال القفال : قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا ، ووصل إلى جرمها ومسها ؛ لأنها تدور مع السماء حول الأرض ، من غير أن تلتصق بالأرض ، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض ، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة ، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق ، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة ، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض ؛ ولهذا قال : "وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا" ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم ، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهـم)(852) .
          فالدعاء أن هذه الآية تعارض العلم لاشك أنه ادعاء باطل .
          وهكذا ؛ لو نظرت إلى معظم طعونهم في القرآن بدعوى معارضته للعلوم الحديثة ، فإنها لا تكاد تخرج عن الضابطين الأوليين في هذا المبحث ؛ إما أنها نظريات لم تصل حد الحقيقة المسلمة ، أو تحميل لفظ القرآن ما لا يحتمل .
          والله تعالى أعلى وأعلم .

          والله سبحانه هو الموفق والهادي إلي سواء السبيل .


          ==========

          (820) انظر : التفسير والمفسرون ، للذهبي (2/470) ، مكتبة وهبة ، القاهرة ، الطبعة الخامسة 1993 ، والمدخل إلى علم التفسير ، د . بلتاجي ص : 208 ، وص : 26 .
          (821) انظر : مدخل إلى علم التفسير ، أ . د . محمد بلتاجي حسن (ص : 203) ، حيث نقلها عن ميلر بروز (رئيس قسم لغات الشرق الأدنى) .
          (822) التفسير والمفسرون (2/480) ، والمدخل إلى علم التفسير ، د . بلتاجي ص : 26 .
          (823) اتجاهات التجديد في تفسير القرآن ، للدكتور شريف ، ص : 639 .
          (824) انظر : اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم في مصر ، للدكتور شريف ، ص : 628 .
          (825) محمد في التوراة والإنجيل والقرآن (ص : 47،48) .
          (826) المرجع السابق (ص : 48) .
          (827) قالوا عن الإسلام(ص55) .
          (828) قالوا عن الإسلام(ص55)
          (829) قالوا عن الإسلام (ص58)
          (830) من منشورات مكتبة العبيكان ، الرياض ، الطبعة الثالثة ، 2001 .
          (831) مقال في مجلة السمو العدد الثاني (نوفمبر/2001) ، للدكتور وليد الطبطبائي بعنوان "الملك فيصل يدعو الجراح العالمي موريس بوكاي للإسلام" ، في الصفحة الأخيرة ، وذكر في المقدمة أن هذه القصة موجودة في كتاب "نوادر التاريخ" لصالح محمد الزمام .
          (832) قالوا عن الإسلام (ص56) .
          (833) يعني في حديث أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ( فَقَالَ : أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقَالَ : « اسْقِهِ عَسَلًا »ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ : « اسْقِهِ عَسَلًا » ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : (اسْقِهِ عَسَلًا) ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ : قَدْ فَعَلْتُ. فَقَالَ : « صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا » فَسَقَاهُ فَبَرَأَ . متفق عليه (البخاري : كتاب الطب ، باب الدواء بالعسل ، رقم : 5684 ، ومسلم : كتاب السلام ، باب : التداوي بسقي العسل ، رقم : 2217) .
          (834) الجامع لأحكام القرآن (10/91)
          (835) الرد على ابن النغريلة اليهودي (ص : 62) .
          (836)رد مفتريات على الإسلام ص : 66 .
          (837) رد مفتريات على الإسلام (ص : 130)
          (838) المصدر السابق (ص : 130) .
          (839) رد مفتريات على الإسلام (ص : 132) .
          (840) "رد مفتريات على الإسلام" (ص : 132-136)
          (841) السابق ( ص : 142) .
          (842) "رد مفتريات على الإسلام" ص : 142 .
          (843) انظر : المدخل إلى علم التفسير ، لأستاذنا الدكتور بلتاجي (ص : 203) .
          (844) السابق ( ص : 203 ) .
          (845) السابق ( ص : 206 ) .
          (846) المدخل إلى علم التفسير ، ص : 207 .
          (847) السابق ، ص : 203
          (848) "المدخل إلى علم التفسير" ( ص : 209) .
          (849) الفن القصصي (ص/34) .
          (850) مدخل إلى علم التفسير (ص : 233) .
          (851) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/103) .
          (852) جامع أحكام القرآن للقرطبي (11/50) .
          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
          وينصر الله من ينصره

          تعليق

          • سيف الكلمة
            إدارة المنتدى
            • 13 يون, 2006
            • 6036

            #6
            للرفـــــــــــــــــــــــع
            أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
            والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
            وينصر الله من ينصره

            تعليق

            • ظل ظليل
              مشرف قسم الإستشراق والتغريب والتبشير
              • 26 أغس, 2008
              • 3506

              #7
              تم النقل بمعرفتي

              تعليق

              مواضيع ذات صلة

              تقليص

              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, منذ أسبوع واحد
              ردود 0
              16 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة د.أمير عبدالله
              ابتدأ بواسطة ابن الوليد, 24 مار, 2024, 09:27 ص
              رد 1
              150 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة ابن الوليد
              بواسطة ابن الوليد
              ابتدأ بواسطة Guardian26, 22 ينا, 2024, 02:18 ص
              ردود 3
              146 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة محب المصطفى
              بواسطة محب المصطفى
              ابتدأ بواسطة Muslim1989, 13 ديس, 2023, 02:27 ص
              ردود 8
              121 مشاهدات
              1 معجب
              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
              بواسطة *اسلامي عزي*
              ابتدأ بواسطة Muslim1989, 11 ديس, 2023, 12:39 م
              ردود 9
              178 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة أحمد عربي أحمد سيد
              يعمل...

              معالجة المعلومات