البوذية فى الميزان

تقليص

عن الكاتب

تقليص

سيف الكلمة مسلم اكتشف المزيد حول سيف الكلمة
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البوذية فى الميزان

    جاءنى هذا الكتاب من أستاذنا :
    د. أزهرى
    الكتاب
    الإسـلام و البـوذيّة



    تأليف د. هارون يحيى


    المحتويات

    مقـدّمـة

    البـوذيـة: عـقـيـدة وثـنيـة فـاسدة
    البـوذيـة: معتقـدات خاطئـة
    البـوذيـة والثقـافـة الغربيـة المادّيـة
    هـل يــمكن أن تكون البـوذيـة دينا حقّا تمّ تحريفـه؟
    الخـلاصـة: جــاء الحق وزهق البـاطل




    إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ ألله الإِسْـلاَمُ (سورة آل عمران: 19)

    مـقـدّمـة
    يشعر كثير من الناس بالنشوة عندما يصبحون "متميزين" أو "أكثر إبداعًا" من غيرهم، ومنذ فجر التاريخ وفي كثير من المجتمعات حاول بعض الناس جلب انتباه الآخرين عن طريق أسلوب حياتهم أو طريقة ملبسهم أو شكل تسريحة شعرهم أو عن طريق أسلوب الكلام لديهم. وفي السنوات الماضية لاحظ الباحثون الغربيّون أن ثمة ميلا غير عادي من قبل الكثير من الشباب للظهور بمظهر مختلف من خلال تبني ثقافات ومعتقدات وفلسفات غريبة من أهمها البوذية.
    وفي أنحاء متعددة من العالم، وخاصة في أمريكا وأوروبا ولع بعض الأفراد بالبوذية مدفوعون في أغلب الأحيان بخصائص الأسطورة والغموض التي تميز هذه الديانة. فالذين آمنوا بالبوذية لم يفعلوا ذلك لما عرفوا من صدق فلسفتها، وإنّما لانجذابهم نحو الغموض الذى يكتنف الأجواء المحيطة بها. فالبوذية قد صوّرت لهم باعتبارها شيئا مختلفا جدّا عما ألفوه من فلسفات أخرى في مسيرة حياتهم العادية.
    وكمثـال لذلك على ذلك، فإنّ القصـة التي تشرح كيف خلق بوذا تُنقل لهم في صورة أسطورة جميلة وغامضة. ويصوّر بوذا في الكتب والأفلام التي تتحدث عن سيرته كمصدرٍ للغزٍ عظيم. وبالمقابل فإنّ كهنة البوذية يتم تقديمهم على اعتبار أنهم كهنة للأسرار والمعرفة. لقد فتنوا الغربيين بأزاراتهم المثيرة، ورؤوسهـم الحليقة، وأسلوب تعبّدهم، واحتفالاتهم، وأماكن سكنهم، وأدوار التوسط التى يقومون بها، واليوغا وغيرها من ممارسات أخرى غريبة.
    ولتلك الأسباب استخدمت البوذية كأداة هامّة من قبل أشخاص يودّون إظهار أنفسهم على أنهم "متميزون" عن غيرهم في مجتمعهم، وكذلك لتقديم صورة شخص عثر على سرّ ثمين. وإذا قام شخص فجأة بحلق رأسه يومًا ما ولبس إزارًا زاهي الألوان ثـمّ بدأ فى تعليـم منهج البوذية باستعمال كلمات غامضة لم يتفوّه بها من قبل أبدًا فسوف يجذب قطعًا الفضول نحوه وينظر له كـ"مبدع".
    لقـد تبنت العديد من الاحتفاليات البوذية، لأغراض مشابهة، فهي تنظم اللقاءات بالإزارات البوذية "التبتيّة" للظهور بمظهر المتميز عن الآخرين وشدّ الانتباه باتجاههم، أو ربّما ليعرفهم العامة أكثر.
    ربـما يكون لديك معرفة مسبقة واسعة بالبوذية واكتسبت قدرًا من المعرفة العامة بها من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمشاهدة. وفى هذا الكتاب سوف نستعرض هوية البوذية الوهمية على ضوء القرآن الكريم، وندعك لترى بوضوح مظاهر خـداع هذه الدّيانة الأكثر ضلالاً.
    عندما نتأمل شكل البوذية وتماثيلها والمعتقدات العامة فيها، وأسلوب العبادة على ضوء القرآن الكريم، سوف نكتشف أنّ فلسفتها قد بنيت على مناهج منحرفة. وفي الحقيقة فإنّ التعبد بها يتضمن ممارسات غريبة تقود معتنقيها لعبادة أصنام من الحجر والطين. وهي معتقد يجافي المنطق و العقل. وفي البلدان التي تسود فيها الديانة البوذية مزجت بالأفكار الوثنية لهذه البلدان وبالتقاليد والأعراف المحليّة وربطت بالأساطير والأفكار المنحرفة حتى تحوّلت بالكامل إلى فلسفة لا إله لها.
    وعندما تقارن البوذية مع البراهماتية أو الهندوسية أو الشنتوية والديانات الشرقية الوثنية الأخرى فإنّ البوذية تتبوأ الجانب الأكثر ظلاما. إنّ من اعتنقوا هذه الديانة، ليس لأنهم يؤمنون بها، ولكن لأنّهم قد انجذبوا لـ "أسرار" الشرق الأقصى، أو فقط من أجل لفت الاهتمام نحوهم. وعليهم أن يدركوا أنّ البوذية تتضمن مبادىء منحرفة مما قد يقودهم لنكران وجود الله وإشراك الأصنام معه والعيش فى ضلال ووهم. إنّ تجاهل مظاهر البوذيّة غير العقلانيـة واعتناقها فقط من أجل مجاراة ومسايرة الآخرين سوف يؤدي لخسران مبين.
    والّذين يتولون الترويج للبوذية يصوّرونها غالبا باعتبارها وسيلة للخلاص، كما أنّ الذين يطوقون للانفلات من ثقافة المجتمع المادّي المرهقة والصّعبة - بما فيها من مخاوف ومشاكل ومنافسة لا ترحم وأنانية وزيف - يلجئون إلى البوذية كوسيلة لتحقيق راحة البال والأمان والتسامح و الظفر بحياة متفائلـة.
    غير أنّ البوذية ليست، كما يعتقد، عقيدة تجلب الرضـا والطمأنينة، فإنّ الّذين استوعبتهم البوذية قد انجذبوا نحو شؤم عميق. وحتى أولئك الذين يتمتّعون بمستوى ملحوظ من التعليم ونظرة عصرية للعالم، سوف يتحوّلون إلى أفراد لا يرون خطأ في الاستجداء من خلال مدّ أيديـهم، وهم من يظنون أنّ في حياتهم الأخرى سوف تعاد ولادتهم كفئران أو قطيع من الأبقار، وهم يتوقّعون النجاة على أيدي تماثيل منحوتة من الحجر أو قد مصبوبة من برونز.
    وبالنسبة لهؤلاء فإنّ معتقدات البوذية المنحرفة تتسبب لهم في أضرار نفسية خطيرة. وفي البلدان التي تنتشر فيها البوذية أو في المناطق التي يسكنها العديد من رهبـان البوذية يبدو التشاؤم والإحباط ظاهرين على معتنقيها.
    إنّ أهم الأسباب الرئيسية لما سبق هو الكسل والخمول الذين تزرعهما البوذية في أتباعها، حيث إنّ البوذية تفتقد إلى الأيمان بالحياة الأخرى الأبدية، كمـا أنّ البوذية لا تحث معتنقيها على أن يكونوا أفضل حالا أو أن يطوّروا من أنفسهم أو تحسين بيئتهم، ولا تحضهم السّمو الثقافي. إنّ الإسلام يحرض أتباعه دوما على البحث لأنفسهم عما هو أفضل وأجمل. وتعاليم الإسلام الأخلاقية الحية تطلب من النّاس أن يبحثوا ويتعلّموا ليطوروا أنفسهم لكي يصبحوا نافعين لمجتمعاتهم . وفي هذا يقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (سورة فاطر: 28)
    إنّ الطريق الوحيد للحصول على السعادة والرضاء فى هذا العالم ولتفادى أيّ شكل من التشاؤم والشقاء والشر لن يكون يكون إلاّ بتسليم الناس قيادهم لله خالقنا والعيش وفق ما يُرضيه. إنّ ربنا مالك الأرض والسماء قد أعلن لكل النّاس أنّ طريق خلاصهم في إتباع القرآن الذي أرسل هاديا للحق. وفي القرآن الكريم يقول الله سبحانه وتعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(سورة إبراهيم: 1).
    ويتعين على الذين يعتقدون فى الدّيانات الوثنية مثل البوذية أن يدركوا أنّه قد غرّر بهم.
    (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (سورة يونس : 32).
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

  • #2
    البوذيـة: عـقيدة وثـنية فـاسـدة

    نشأ بوذا في شمال شرق الهند قبل 2500 عام، ومضى زمن امتد تأثيره فيه إلى سريلانكا وبورما وتايلانـد ولاوس وكمبوديـا والصـين واليابان والـتّبت ومنغوليا ومنشوريا وكوريـا ونيـبال، واليـوم له من الأتباع ما يربو على 330 مليون شخص.
    لقد اختلف تعريف البوذيـة دومـا باختلاف فهم البوذيين لمعنى الحياة. تمثل البوذية للبعض ديانة وينظر إليها آخرون باعتبارها طريقة أو مدرسة فلسفية. غير أنها ومن خلال نظرتها للحياة وكلّ ممارساتها فإن مبدأ البوذية مبدأ وثنى ووهمي. فهي ديانة وثنيـة تفتقد الإيمـان بالله كما أنّها ترفض وجودالملائكة والحياة الأبدية في الآخرة وتنكر وجود النار والقيــامة.
    ولـد "سيدارسا قاوتاما" مـؤسس البوذية في مدينة كابلافاستو الهندية، وقد عاش فيما بين عامى 563 و483 قبل ميــلاد المســيح . وفي ذلك الأوان كانت كانت البراهماتية دين الهند السائد وهو دين الغزاة من الأريان... وحسب نسق الأريان الطبقي الجامد كان المجتمع كله مقسما إلى أربع مجموعات، وكلّ منها مقسّم بدوره إلى طبقات فرعية. وقد شكل كهنة البراهماتية الشريحة الأعلى في المجتمع، وقهروا بدون رحمة الآخرين ممنكانوا في وضع اجتماعي أقل منهم.

    كـان قاوتاما ابن أمير ثرى اسمه سودهودانا من أسرة ساكيا النبيلة. وبعد أن أمضى شبابه في سعة من العيش غادر قاوتامـا القصر وعمره 29سنة،وبدأ بحثا غامضا استمر حتى مماته فى الثمانين من عمره. وخلال هذه الفترة أسس لمبادئ محدّدة نشأ عنها ما يسمى اليوم "مذهب البوذية".
    وكلمة بــوذا تعنى (المتيقظ أو المستـنـير) لتمثل السموّ الروحي الذي يفترض أنّ سيدارسا قاوتاما قد حـققه. إنّ تعاليم البوذية التى كتبها ووصلتنا لا تحوي تأريخا يتضمن تلك الفترة التى عاش فيها، ولكنّها كتبت لاحقا خلال 300 و400 سنة بعد موته. وفي الصفحات التالية من هذا الكتاب سوف نقوم بفحص تلك الصفحات بالتفصيل وسوف نرى أنّها تحتوي على معتقدات وممارسات خاطئــة مما يجافي أيّ منطق، ويقدم بـوذا خطأ كتمثال ووثن يـعـبـد.

    الـذين أشــركوا بـوذا مـع الله:

    إنّ البوذيـــة بمعتقداتها الأساسية وفلسفتها وممارساتها ديانــة وثنية. ويضع البوذيون بوذا في مكانة عالية من الحبّ والاحترام والتّعظيم والخوف، بل حتى القبول به ربّا وإلهًا. ورغم عدم وجود وثائق من زمن بوذا يفهم منها أنه حث أتباعه على عبـادتـه؛ فقد قام البراهماتية ممنيقومون سلفا بعبادة الأوثان بصناعة تماثيل لسيدارسا، وفي ذات الوقت قام من كانوا يظهرون حبّا مفرطا لبوذا بعبادة تلك التماثيل واعتباره ربّا.
    غير أن جميــع الأديــان التى تقوم على الوحـى الإلهـي تتمســك بعقيدة التوحيد التي تقرّ بوجود الله الواحد الذي ليس كمـثله شيء، يقــول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكــريم ( فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (سورة الحج: 34).
    إنّ نكران ربوبيّة الله وعبادة أوثـــان لناس عاديين كما يفعــل البوذيـّون سمــاه القــرآن "شركًا"، وفـى مئات المواضـع في القـــرآن الكريم يذكرنا الله أنّ هذا الشرك خطيئة مذمومة ... ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى في سورة النساء: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (سورة النساء : 48)
    إنّ كلمــة "شريك" أو "شرك" تعني الشراكــة، والقرآن يستعملها في معنى مشاركة مخلوقاته له، مثـل اعتبار شيء ما أو شخص أو أيّ فكرةمساوية لله أو أعلى منـه. إنّ المشرك يقدم المخلوق على الخالق ويجعل له مكانة أعلى من مكانة الله تعالى. ويوجه إليه كلّ حبّه واحترامـــه واهتمامه وشغفه. والقرآن الكريم يشير إلى هذا الضلال في التفكير، هذا الضلال الذي يدفع صاحبه "لاتخاذ إله آخر مع الله".
    إنّ الدين الإسلامي مبنيّ على أساس وحدانيــة الله (التوحيـد)، والقرآن الكريم كثيرًا ما يردّد عبارة لا إله إلاّ الله، وهي شرط الإيمان الأوّل.وبالتـالي فالمعنى الأساسي للشّرك يحيـد عن هذه الحقيقة نحو الفكرة الخاطئــة والتي تفيد بوجود موجودات أخرى بجانب الله تملك "القوة والقدرة".
    إنّ الله قـد أخبر عن نفســه في القرآن الكريم ويصف ذاته العلية، ويذكّرنا دائما أنّه لا إله إلا هو، من ذلك قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (سورة الحشر: 22-24).
    لقد ذكـر الله سبحانه وتعالى صفـاته للبشر لاستيعابها وفهمها. وكمثال على ذلك فهو سبحانه وتعالى واسع الرّحمـة ورحمته تسع كلّ شيء. وبرحمته أوحى للبشر من مخلوقاته. وإبداعــه سبحانه وتعالى يمكن رؤيتـه فى صفات هؤلاء الناس رغم أنّهم لا يتمتعون بهذه الصفات نتيجة لجهدهم الشخصيأو لميزات ترجع لهم. لا يمكن لبشر آخر بإرادته أن يمتلك أو يبتكر بالخلق صفـات الله سبحانه وتعالى. إنّ الادعاء بأنّ لديهم هذه القدرة هو بمثابـــة"اتخاذ إله آخر مع الله". وهذا ينطبـق على البوذيين الّذين وقعوا في الخطأ بإشراك مخلوقات الله سبحانه وتعالى معــه وإسباغ صفاته جلّ شـــأنــهعلى موجودات أخرى أقل منه.
    وكمثال فإنّ الله سبحانه وتعالى يرى ويـعلم كلّ شــيء "مهما خفي أمره"، وعندما يتصرّف شخص في الخفاء دون أن يكون بجانبه شخص آخر معتقدًا أن لا أحد يراه فإنّه يكون واهمًا لأنّ ربنا سبحانه يـراه ويعـلم كلّ شيء يفعلـــه. وهو يعــلم بكلّ ما يحدث فى الكون حتى التفاصيل الدقيقة يعلمها لأنه هو الله الذي خلق ذلكمجميعـا. وفي القرآن الكريم يؤكد الله سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله: ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (سورة الأنعام: 103).
    أينما وجد إنســـان فإنّ الله موجود معه كحقيقة مطلقة، والله يعلم فيم تفكر في هذه اللحظة تحديدًا، وأنت تقرأ هذه الكلمات و الله يخبرنا أنه يرانا في أي مكان نـكون فيــــه، ويقول في القرآن الكريم: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (سورة يونس: 61)
    وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(سورة الحديد: 4)

    هذه النقطـة تكشف الفهم الوثنــى للبوذيين والكثير غيرهم. فأتباع بوذا يعتبرونه كما لو كـان يرى ويعلم كل شيء .إنّ تعدد تماثيل بوذا في البلدان التي تشكل البوذية فيها الديانة السائدة، وعيــون بوذا المصورة فى كل معـبد كلّها تشهد باعتقاد البوذيين المنحرف والضال بأنّ بوذا يراهم في كل لحظة بعينيه المصنوعتين من الحجر أو الخشب، ويسمعهم بأذنيـــه المتخشبة. ولهذا السّبب فقد ملئوا مساكنهم بتماثيله وهم يقومون أمامها بممارسة فروض التوقير.
    وبتلك الأفعال فإنهم يتصرفون بما يتنافى مع المنطق ويرتكبون خطيئـة كبرى. ويخبرنا القرآن الكريم أنّ من يشركون الآخرين مع الله قد خدعوا خداعًاكبيرًا، وأنّ ما صنعوه من آلهة لا تغني عنهم شيئا: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَان يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ) (سورة الأعراف: 195).
    ولا تنس أنّ الوثنيـّة لا تعنى فـقط عبــادة التماثيل الماديّة، فأيّ شخص يقدّس بشرًا آخر لما عنده من الملك والغنى معتقدًا أنّه بذلك ينفعه أو يضرّه فقد جعل من ذلك الإنسان معبودًا وإله دون أن يدري، ودون أن ينتبه إلى أنّ مثل هذه الأشياء الزّائلة إنما هي ابتلاء وفتنة. إنّ الله يحذرنا في القرآن الكريم من كل هذا بقوله:
    (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (سورة البقرة: 165)

    إنّ بـوذا عبد لا حول له ولا قوة، وقد خلقه الله في هذا العالم؛ وليس لديه قدرة أو إرادة مستقلة للتأثير على الناس. فهو يتحرك بإرادة الله، وقد عاش حيـاته التي وهبها الله له وفقا للمصــير الذي حدده الله عز وجل. إنّ كلام سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي نقله لنا القرآن الكريم يعبّر بوضوح عن عجز البشر أمام إرادة الله سبحانه وتعالى المطلقة: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)(سورة الشعراء: 78-82).
    لقد عاش بوذا قدَره ومصيره الذي رسمه الله له، وحينما حـلّ أجله مات وهلك، ويتعين ألا ننسى أنّه بدون إرادة الله تعالى لا يتسنى لأحد أن يؤمن، فالله هو الذي يهدي البشر. وما لم يرد الله فلن يكون بوسع أحد إرشاد الآخرين إلى الطريق الصّحيح. كما أنّ الله يرشد النّاس نحو الحقيقة والجمال. إنّ الدّعوة والكلام يؤثران في قلوب الناس إذا أراد الله ذلك. حقا إنّ الله هو القوّة المطلقة الوحيدة التي ينبغي تعظيمها وحبّها وطلب العون منها، يقول تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (سورة الحج: 74).
    يعطي القرآن أمثــلة عـديدة لأناس يعبدون الأوثــان. ومن الأمثلة على ذلك، قوم إبراهيم المشركين الذين نحتوا ما يشبه آلهتهم من أصنام، وعبدوها واستمعوا لمناجاتها. وفي القرآن الكريم يحدثنا الله سبحانه وتعالى عن هذه الأصنام:
    (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ) (سورة الأنبياء: 52-53)
    وكما توضّح هذه الآيــات فقد اتبع البشر ذلك النّوع من العبادة كميراث خلفه لهم أسلافهم. لذا فإنّ عبادة الأوثان بغض النظر عن انعدام منطقها يمكنأن تكون نوعًا من النشاط الاجتماعي الذي يرجع إلى أيام الطّفولة ولا ينظر له بغرابة حتى في أكثر المجتمعات تقدما. وفي القرآن الكريم يذكر الله تعالى أنّ قوم سبأ كانوا مثل قوم إبراهيم لا يختلفون عنهم في شيء
    (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ) : (سورة النمل: 24-25).
    هذه الآيات تلفت نظرنا لنقطة مهمة أخرى، وهي أنّ الشيطان جعل من العقائد الوثنية في أذهان الناس أشياء مقبولة وذات معنى من أجل إبعادهم عن سبيل الله. إنّ الشيطان يعلم على سبيل المثال أنّ الشّمس ليست إلهًا لتُعبد وإنّما هي مثل سائر المخلوقات الأخرى. وبمعنى آخر فإنّ كل عقيدة وثنيـة تعارض الوحيالرّباني تنبع بالفعل من وحي الشّيطان الذي يفعل ذلك حتى يشوّش على الناس علاقتهم بالله تعالى.
    وهنالك مثل آخر للوثنية ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ويتعلق ببني إسرائيل، فعندما كانوا هاربين من فرعون وقومه مع موسى عليهالسلام وجدوا أناسًا يعبدون الأصنام وطلبوا من موسى أن يصنع لهم صنما مشابها لما عندهم، ويخبرنا القرآن عن تلك القصة:
    (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (سورة 7 الأعراف: 138-139)
    من هذا العرض نجد أنّ بنى إسرائيل وقد تصرفوا بجهل يريدون إلها يرونه بأعينهم ويركعون له، وربما أداء طقوس احتفالية له. وهذا يدلّ على أنّهملم يقدّروا الله حق قـدره. ورغم أنّ موسى أبان لهم وجه الحق سرعان ما صنعوا لأنفسهم صنمًا حالما فتركهم موسى وأعلمهم أن ما هم فيه ضلال عظيم. ويخبرنا اللهسبحانه وتعالىبأنّ الندم سرعان ما انتابهم بعد ذلك:
    (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (سورة الأعراف: 148-149)
    غير أن الله سبحانه وتعالى قد ردّ على من اتخذوا من العجل إلها في القرآن الكريم حين يقول:
    (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) (سورة الأعراف: 152).

    إنّ هذه الآيات توضح أنّ الله إذا أراد بطش بمن يشركون به من مخلوقاته، ومن يفعلون ذلك يفترون الكذب فى الواقع، فالحقيقة الثابتة هي أنّ ثمة إلها واحدًا لا شريك له. إنّ الرّكوع لهذه الآلهة المصنوعة جريمة نكراء. وكما جاء في القرآن الكريم فالله يمكن أن يغفر لمن يرتكب أيّ خطيئة، ولكن لا يغفر أبدًا لمنيشرك به في عبادته:


    (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)
    (سورة النساء: 48)
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

    تعليق


    • #3
      إنما الله إله واحد

      من أهم الأسس التي قام عليها الإسلام معرفة وجود الله وفهم حقيقة أنه لا إله إلا هو. والقرآن الكريم، المصدر الأول للدين الإسلامي يخبرنا بأن التوحيد هو أعظم أركان الدين:
      (وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)(سورة البقرة: 163)
      نعم، يوجد موجود واحد مطلق وكل ما سواه من خلقه فان. لقد خلق الله الكون الذى نعيش فيه، وقبل أن يخلقه لم يكن شيئا، لم تكن المادة موجودة؛ ســواء من الحيوان أو من الجماد، لم يكن هنالك شيء سوى فـراغ مطبق. وفي لحظة الخلق فقط ظهر الكون، وبدأ الزّمن. نعم إن الله تعالى هو الذي أوجد الفضــاء والمــادة. فالله سبحانه هو الخالد السّرمدي الذي لا يخضع للمادو ولا للزّمن. في إحدى آيات القرآن الكريم يتحدث سبحانه وتعالى عن نفسه فيقول:
      (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (سورة البقرة: 117).
      الله أبدع كل شيء يجري في هـذه اللحظة وكل لحظة، ويخلق الله دوما كلّ قطرة مطر تسقط، وكل طفل يولد، والتمثيل الضوئي الذي يحدث في أوراق النبات ووظـــائف الكائنات الحية، ومدارات النجوم فى مجراتها، وكل حبة تسقط، وكل ما نعلمه وما لا نعلمه، وكلّ شيء في الكون كبيرًا كان أم صغيرًا يعمل بأمره:
      (أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (سورة النمل: 64).
      وبدءا من خلايا الأحياء مرورًا بالنجوم في الكون فإنّ كل النّظم قد وجدت بترتيب بديع وهي تعمل بإحكام وكمال. وهذا النظام المُدهش الذي لا يخرج عن سيطرته وتحكمه في كل لحظة يستمر هكذا بكمال متسق لأنّ ربنا سبحانه وتعالى محيط بكل ما فيه بعلمه السّرمدي:
      (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ) (سورة الملك: 3-4)
      إنّ جحود الله تعالى وإنكاره ونسبة الوعي والأدراك لأي من الأشياء التي خلقها يظهر قدرًا كبيرًا من سخف العقل. فنسق الكون البديع وانعدامالخلل والنقص في جميع المخلوقات يثبت لنا أنّ الذي أوجدها خالق واحدٌ قدير. والقرآن الكريم يقرر أنه الله بيده ملكوت كل شيء، ولا توجد قوة مستقلة بذاتها في هذا الكون:
      (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (سورة المؤمنون: 91).

      إنّ الله موجود في كلّ مكان، وهو يسع كل شيء بعلمه، وهو الموجود الحقيقي المطلق الوحيد، وكل الأشيـاء تأتمر بأمره وإرادته. إنّ الله موجود في كلّلحظة وكلّ مكان، ولا يوجد مكان يخلو منه ولا يوجد مخلوق حي لا يخضع لإرادته، وهو الكافي والمنزّه عن كل ضـعف أو نقص:
      (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (سورة البقرة: 255).
      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
      وينصر الله من ينصره

      تعليق


      • #4
        معتقدات البوذية الباطلة

        تختلف معتقدات البوذية الباطلة بدرجة كبيرة من بلد لآخر، حيث أنّ هذه الديانة قد امتزجت خلال الـ 2500 عاما الماضية مع مختلف الديانات المحلية والعادات والثقافات الأصلية للبلدان التي انتشرت فيها. واليوم فالبوذية التي تمارس في اليابان والصين والتبت وسري لانكا وفيتنام وأمريكا كلّها تختلف عن بعضها البعض اختلافا كبيرًا.
        هنالك مصادر تاريخية تبين أنّ بوذا كان يختار دائما الحديث عن أساسيات مبادئه والقيام بعبادته بشكل شفاهي. وبعد بحوث امتدت لقرون تقرّر أنّ بوذا لم يخلّف نصوصًا مكتوبة، ويؤيّد البوذيون مقولة أنّ مواعظ بوذا نقلت شفاهة من جيل إلى جيل لمدة 400 عام، حتى تمّ جمعها فيما يعرف بـ"بـالي كانون" أو "حكمة بالي". غير أنّ معظم الدارسين يعتقدون بأن غالبية هذه الكلمات ليست كلمات بوذا، وإنما أضيفت عبر القرون المتطاولة حتى تحقق شكلها الحالي. وبالتالي فإنّ البوذية التي لا تعتمد على أيّ نصوص مكتوبة مرت بتغييرات عديدة وتشويهات عبر الزمن بواسطة الإضافة والنقصان.
        واليوم فإنّ كتاب البوذية المكتوب بلغة بـالي يسمى "التبتاكا" والتى تعني "السـلة الثلاثية"، ولا يُعرف على وجه اليقين متى كتبت "التبتاكا"، ولكنّ من المعتقد أنها اكتسبت شكلها الحالي في سري لانكا فى وقت ما خلال القرن الأول قبل الميلاد. وتنقسم نصوصها إلى الأبواب التالية:
        1- فنايا بيتاكا: ويعني هذا الباب "سلة التأديب"، وهو يحتوي على قواعد تخصّ الرّهبان والراهبات، وكيف يتم اتباعهم. كما يتضمن بعض المسائل التى تخصّ القرّاء العاديين من غير الرّهبان والراهبات.
        2- سوتا بيتاكا: وأكثر هذا القسم يتكون من أحاديث شرح فيها بوذا أفكاره، ولهذا السّبب سمّي هذا الباب "سلة الحديث". وقد تمّ تناقل كلماته تلك عبر القرون لـتختلط بالأساطير الأخرى والمعتقدات الكاذبة.
        3- أبهيداما بيتاكا: ويتضمن هذا الباب فلسفة البوذي وتفاسير لمواعظ بوذا.
        واليوم فكهنة البوذية يقدّسون هذه النصوص ويتعبدون بها وينظمون حياتهم طبقا لما جاء فيها، ويصوّرون بوذا على أنه إله حقيقي (تعالى الله عما يصفون!). ولهذا السبب فالبوذي المعاصر يركع أمام تماثيله ويقدم لها موائد الطعام والورود، وهو بذلك يتوقع أن تنصره. وهذه ممارسة لا تخضع لأيّ منطق. وبالطّبع فكلّ من يعتقد أنّ تماثيل الحجر أو البرونـز يمكن أن تسمع أو تساعد فهومغفل. وسوف نتناول لاحقا في هذا الكتاب طقوس الكفر الأساسية بتفصيل أكثر لنرى كيف صارت البوذية مذهبًا سرّيا يرّكز على البشر، دون أيّ اهتمام بالتّساؤل الكبير: كيف يعمل نسق الكون البديع نـاهيـك، عــن طرح التساؤل حـول: كيف وُجد الكون؟
        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
        وينصر الله من ينصره

        تعليق


        • #5
          البوذية دين إلحاد

          إنّ فلسفة البوذيـة تنكر وجود الله، ولكن تؤسس ذاتها على جوانب قليلة من أخلاق البشر وعلى إله "إزارا" من آلالام هذا العالم.
          وبدون أي سند فكري أو علمي فهي تنبني على مفهومين متلازمين هما ما يسمى بـالكرما (العاقبة الأخلاقية) والتناسخ، وهي فكرة أنّ البشر تعاد ولادتهم دوما فى هذا العالم، وأنّ حياتهم اللاحقة يحدّدها سلوكهم في حياتهم الأولى. ولا يوجد شيء مكتوب فى البوذية يتحدث عن وجود خالق، أو على الأقل يبيّن كيف وجد الكون والعالم والأحياء. لا يوجد نص بوذي يصف لنا كيف خُلق الكون من العدم أو كيف وجدت الأحياء أو كيف يمكن تفسير المظاهر الموجودة في كل مكان من هذا العالم والتي تمثل دليلا على خلق ليس له نظير. ووفقا للوهم البوذيّ ليس من الضروري التفكير فى هذه الأمور. وكما تزعم نصوص بوذا فإنّ أهم شيء فى الحياة هو كبح الشّهوات وتبجيل بوذا والتخلص من الآلام، وبالتالي فإنّ البوذية كعقيدة تعاني من نظرة ضيقة تحجب معتنقيها عن بحث هذه الأسئلة الأساسية مثل: من أين جاء العالم, وكيف وجد الكون وجميع المخلوقات. والحقيقة أنّها تمنعهم من مجرّد التفكير فى هذه الأشياء وتحصرهم فى قالب ضيق من حياتهم الآنية.
          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
          وينصر الله من ينصره

          تعليق


          • #6
            ديانة قهر واستعباد

            إنّ محاولـة البوذية إلغاء كلّ الرغبات البشرية يمثل جانبا آخر من فلسفتها الضيقة. لقد خلق الله تعالى كثيرا من النعم في هذا العالم لفائدة البشر ومتعتهم، ولذلك فيتعين عليهم شكره. ولهذا السبب لم يأمر القرآن البشر بكبت رغباتهم أو لتحمل الألم والمعاناة، وعلى العكس من ذلك فإنّه يوجب عليهم أن ينتفعوا بالجوانب الجميلة في الوجود (بعيدًا عن أيّ سلوك غير مشروع) وأن لا يحرموا أنفسهم دون سبب، أو يؤذوا أنفسهم. ولهذا السبب فقد وضح الله تعالى بأنّ النبى صلى الله عليه وسلم قد حرر أتباعه من القيود:
            (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (سورة الأعراف: 157).
            وباختصار فالإسلام دين محرِّر وقد دعا الناس إلى تجنب العادات التي لا فائدة من منها والابتعاد عما نهى عنه، وخلّصهم من الضغوط الاجتماعية والمخاوف بشأن ما قد يفكرون فيه، وهو بالمقابل يدعوهم إلى اتباع حياة هادئة مسالمة لنيل رضى الله تعالى. لذا فالنبي صلى الله عليه وسلم نصحنا في عدد من أحاديثه بأن لا نعسر على أنفسنا في الدين، من ذلك قوله: "يسّرُوا ولا تعسّروا وبشّرُوا ولا تُنفّروا".
            أما البوذيـة فهي تعزل الناس فى الأديرة القاتمة وتجبرهم على حياة البؤس والفقر، ومن الغريب أنها لا تشجّع على تناول الغذاء الجيّد ولا تشجع على النظافة والراحة- وهي نعم خلقها خلقها الله للبشر- بل تدعو معتنقيها لتحمّل المعاناة كقدر، وتنصحهم بالعيش فى بؤس وشضف.
            وبوذا يرى أن حياة الرهبان والراهبات مليئة بكل صنوف الصّعوبات، وهم ممنوعون من العمل أو التملك وملزمون بإطعام أنفسهم بطرق أبواب النّاس وسؤالهم، وهم يحملون أوعيتهم فى أيديهم. حتى إنّ الناس، بسبب هذا السلوك يسمون رهبان البوذية هيكس (الشحّاذ). ورهبان البوذيّة ممنوعون من الزّواج أو العيش في أي شكل من أشكال الأسرة، ولا يحقّ لهم أن يملكوا سوى إزار واحد يلبسونه، وينبغي أن يكون حقيرا ذا لون أصفر أو أحمر.

            وبالإضافة إلى ذلك الإزار فإنّ مقتنياتهم الأخرى تتمثل في سرير خشن للنّوم، وموسى لحلاقة رأوسهم مع صندوق خياطة للاستعمال وقنينة ماء ووعاء لاستخدامه في الشّحذ. وهم يأكلون وجبة واحدة فى اليوم تتكون عموما من الخبز والأرز، ويشربون إمّا الماء العادي أو ماء الأرز. وعليهم تناولها كوجبة
            قبل المساء، ولا يسمح لهم بأكل أيّ شيء حتى حلول اليوم التالي. وتمنع عنهم أنواع الطعام الأخرى وحتى الأدوية تعتبر من الكماليات. وقد يأكل الراهب وجبة سمك أو خضار فقط إذا كان مريضًا وبإذن من راهب آخر ذو مرتبة أعلى. فالقيود إذن على البوذيّ تمثل شكلا من أشكال تعذيب النّفس.
            إنّ ذلك الوضـع يمثـّل تجسيما للحقيقة التى وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى:
            (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (سورة يونس: 44).
            غير أنّ الأمر بالنسبة لمن يؤمنون به سبحانه ويسلمون أنفسهم له يبدو مختلفا لأنّ الله يبشر هؤلاء بحياة طيبة في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة، فهم أصحاب النعم في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة:
            (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (سورة الأعراف:32).
            من الجوانب المظلمة الأخرى للبوذية تشاؤمـها وسوداويتها المتمثلة فى "النرفانا" التي يُوعد بها معتنقوها، وهى ليست سوى بـتـر انفصامى لكلّ روابط الحياة بفـكر سـوداوي ينظر إلى الدّنيـا نظـرة قـاتمـة ... وتصوّر الموسـوعة الكـاثـوليـكية هذاالجـانب من البوذية كما يلى:
            "جـانب آخر من قصــور البوذيـة المفجــع هو تشاؤمها الزائـف. إنّ العقـل القوي السليم ضـدّ الفكرة المريضة القائلة بـأن الحـيـاة لا تسـتحق أن نعيشـها وأنّ كل شكل من أشكال الوجود الواعى شر. إنّ البوذية تـقـف مـدانـة بنــداء الطبيعــة الذى تمتـلىء نـبـرتــه بالأمــل والحبــور. تمثل البوذية احتجــاج ضــدّ الطبيعة التى تزخر بكمــال الحيــاة الواعيــة. إنّ غــاية طمــوح البوذيــة هو تحطـيم ذلك الكـمــال بواسطة فكرة "النرفانا" غيــر المجدية، وتكون البوذيــة بــذلـك قد أرتكبت جـرما كبيـرًا ضــد الطبيعة لانتفاء العدل مع الناس؛ فطبقا لها يتعين كبـت جمـيع الرغبـات المشروعة، وإدانــة كل ما يتصـل بدورة الحياة بميلاد خلق جديد بريء، كما أنّ تشجيـع الموسيقى ممنوع، وكـذلك البحــوث فى العلـوم الطبيعيــة. إنّ تنمية العقـل فى البوذية مختصر على اجترار نصوص بوذا ودراسة الغيبيات البوذية التى لـيس لأيّ منها أية قيمــة تذكر. إنّ نظرة البوذية إلى العالم تتسم بنوع من اللامبالاة السلبية تجــاه كل شيء".
            أمّا الإسلام فيرفض اللامبالاة لدى أتبـاعه، وعلى العكس من ذلك يدعوهم لحياة ذات معنى غنية بالنشاط والسعادة، وكل من يلتزم بالإسلام يكون متفاعلا مع ما يجرى حوله. فالمؤمون لا ينظرون إلى العالم باعتباره فوضى يتعيّن هجره والبعد عنه كما تفعل البوذية، وإنّما ينظرون إليه باعتباره دار اختبار ومجال يتعين أن تُعاش في رحابه تعاليم الإسلام الأخلاقية الرفيعة. ولهذا السّبب فإنّ تاريخ الإسلام زاخر بقادة أقاموا العدل ونجحوا فى توفير حياة مريحة وسعيدة لشعوبهم. وبالمقابل فالبوذية أوجدت أتباعا بؤساء أشقوا أنفسهم وألحوا بها الأذى والمشقة، واضطرتهم إلى التسول وعيش حياة الفقر،
            والحل الوحيد عندهم للتخلص من المشاكل التي تعرتضهم هو تقديم أنفسهم قرابين للموت.
            ولا شك أنّ هذا الوضع ليس سوى خدعة كـبرى يحرّكها الشيطان مع هؤلاء الناس.
            أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
            والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
            وينصر الله من ينصره

            تعليق


            • #7
              البوذية ديـانة وثنيّة

              البــوذية ديانة وثنيــة لأنّها تـعبـد الأصنام، ويقال بأنّ البوذية اليوم تنقسم إلى مدارس مختلفة وأنّ البعض منها يعبد بوذا. ومـع ذلك فإنّ القبول ببوذا "مرشدًا معصومًا" خطأ قد وقعت فيه كل مدارس البوذية، وهو ما يعني أنّ هذه الديانة تصوّر بوذا باعتباره إلهًا.
              ووفقـا للمصـادر التاريخيّة فإنّ رهبان البوذية بـدأوا في تأليه بوذا بعد وقت قصير من موته. وتمّ نصـب تماثيـله فى كل مكان، واكتسب تقديسه بعد ذلك قوة أكبر بحيث تشكلت "النرفـانا" فعليا في جســده، وتمّ تضمينها في تلك التماثيـل. فالاحترام المفرط الذي أبداه رهبـان البوذية لاحقا لبوذا تحول لعبـادة صريحة. واليـوم فتماثيله منصوبة في كثير من البلاد التي يؤمن أهلها بالبوذية. وفي عدة بلدان من آسيــا وحتى أمريـكا يمكنك رؤيـة تماثيل ومعابد نقشت فيهـا عين بوذا، وهي رسالة تعنى أنّ عـين بوذا ترى كلّ شيء وتراقب الناس باستمرار، وعليهم أن يفكروا فيه في كل لحظـة من لحظات حيـاتهم.
              وبالتأكيد لا يمكن قبول مثل هذا الاعتقاد حول شخص مات منذ آلاف السنين، بينما ما يزال يرى من يؤمنون به ويقوم بحمايتهم ويستمـع لصلـواتهم. إنّ الحقيقـة الكبرى التي لا يستطيـع البوذيون استيعابها هي أنّ الله مالك كلّ الكون الذي يسع علمه كل شيء ويحيط علما بأسرار كلّ الأشياء الخفية هو الذي خلق بوذا مثل غيره من البشر.

              الاعتقاد في الكرما

              إنّ مبـدأ "الكرما" يفترض أن كلّ شيء يفعله الإنسان سوف يكون له أثر عليه عاجلا أم آجـلا، وسوف يكون لـه تأثير على ما يسمى التجســيد التالي. ووفقـا لهذا الاعتقاد فإنّ الناس تعاد ولادتهم باستمرار فى هذا العالم حيث يتعين عليهم أن يتحملوا العواقب فى حياة ثانية عما فعلوه فى حياتهم الأولى. وينكر البوذيون وجود الله ويرون أنّ "الكرما" هى القوة الوحيدة الفذة التي تتحكم في كل شيء.
              والكـرما كلمة سنسكريتية (لغة الهند الأدبية القديمة)، وتعنى "فعل"، وتشير لقانون المسبب والأثر. ووفقا لرأي من يعتقدون فيها فالشخص يقابل في المستقبل ما فعله في الماضي سواء كان خيرًا أم شرًّا، فالماضي يمثل حياة الشخص الأولى، والمستقبل يفترض أن يكون حياة جديـدة تبدأ بـعد الموت. ووفقا لهذا الاعتقاد فإنّ الشخص الذى هو فقير فى حياته اليوم يقوم بفقره هذا بدفع ثمن الشّرور التي ارتكبها في حياته الأولـى. وهـذا الاعتقـاد الخرافى يزعم أنّ الإنسان في حيـاة لاحـقـة قـد "يخفض" لمستوى إعادة ميلاده كحيوان أو حتى نبــات، أي مـا يسمى بتنــاسـخ الأرواح.
              من النتائج الضّارة للاعتقاد فى "الكرما" أنّها تعلّم الشخص أن العجز والفقر والضعف هو عقاب بسبب شرور الشخص التي ارتكبها. ووفـقا لهذا الاعتقاد فالشخص إذا أصيب بعجز فذلك لأنه تسبب في إيذاء شخص آخر بعجز مماثل في حياة سابقة، وبالتالي يستحق ذلك.
              وهذا الاعتقاد الخرافي هو السبب الرئيسي للهيكل الاجتماعي غير العادل لنظـام الطبقة المنغلقة السائد فى الهند لعدة قـرون ( ويجب تتذكر أنّ الكرمـا فكرة هندوســية وأن البوذيـة نبعت فعليا من الهندوسية) لأنّ نسق الطبقة المنغلق مبني على "الكرمـا" حيث يحتقر ويضطهد الفقراء والمرضى والعاجزين. وبالتالي فإنّ الطبقة العليا الحاكمة تنظر لامتيازاتها كشيء طبيعى وعادل.
              في تعاليم الإسلام لا يعتبر الضعف جـزاء عقابيا، ولكن يقبله باعتباره ابتـلاء من الله تعالى، كما أنّ على الآخرين واجبا ضروريا هو مساعدة المحتاجين. ولهذا السبب فإنّ الإسلام مثله مثل اليهودية والمسيحية، والديانات الأخرى المؤسسة على الوحي الإلهي فيه حس قـويّ تـجاه العدالة الاجتماعيــة. أمّا الديانات المؤسسة على مفهوم "الكرمـا" مثل البوذية والهندوسية فإنّها تقـبل بعـدم المسـاواة وتضـع عقبة كبيـرة في وجه التقدم الاجتماعى.
              "الـكرما" مبنيـة على أساس الاعتقاد في التناسخ: أي فكرة أنّ الناس يعودون إلى الدنيا بعد الموت بأرواحهم ولكن بالحلول في جسد مختلف، وفكرة "عجلة البـعـث" هذه، تفترض أنّ كل حيـاة تـؤثـر في الحياة التي تليها. ولكن هذا الاعتقاد ينهار أمام سؤال مهم وهو: كيـف تـعمل هذه "الكرما"؟ إذا لم يقـبـل بوذا بوجـود إله، مــن يقـوم حينئذِ بمحاسبة حياة الشخص الأولى وإعادته إلى الدنيـا مرة أخرى مُستنسخًا داخل جسد آخر؟ وهذا التساؤل ليست له إجابة ! ويعتقد البوذيون أنّ الكرما "قانون طبيعيّ" يعمل ذاتيّا، وعفويـا مثل الجـاذبية الأرضية أو الديناميكا الحراريـة، والحال أنّ الله هو الذي خلق كلّ قوانين الطبيعة. فلا يوجد قانون طبيعي يراقب ما يفعله الناس طوال سنين حياتهم ويحفظ كتاب حسابهم ويقوم بحسابهم بعد مماتهم على ذلك الأساس. ولا يوجد قانون طبيعيّ يحدّد، تبعا لذلك الحساب، ما هو نوع الحياة الجديدة التي سيعيشها الشخص، ومن ثـمّ يقوم بإعادة خلقه تبعا لذلك؛ ولا يوجد قانون طبيعي يفرض هذه العملية بإتقان على بلايين الناس ناهيك عن الحيوانات. مـن الواضح عدم وجود قانون طبيعي كهذا، وبالتالي لا يمكن لهذه العملية أن تكون موجودة.
              لذا يؤمن العديد من الناس فى العالم بفكرة التناسخ، رغم عدم وجود أساس منطقـي لها وذلك بسبب عدم وجود إيـمان دينيّ لديهم. وإنكارهم لوجود حيـاة أبديــة بعد الموت جعلهم يخافون من المـوت، ويتمسكون بفكرة التناسخ كطريق للهروب من فزعهم. والاعتقاد فى التناسخ- مثله مثل الاعتقاد فى الكرما- مبنيّ على سلوى أو عـزاء زائـف بأنّ المـوت شيء لا يخيف، وأنّ كلّ واحد يمكنـه أن يحقق ما يريد من أهداف بعد ميلاده من جديد.
              إذا كـان التناسخ لا يمكن أن يحدث من تلقاء ذاته، كقانون طبيعي، فمن الواضح أنّه يمكن أن يحدث فقط من خلال فعل خارق للطبيعة. ولكن عند النظر في القرآن الكريم نجد أن التناسخ أسطورة . إنّ الكتاب الذى أنزله الله سبحانه وتعالى كمرشد للبشرية يعلن صراحة أن التـنـاسخ عملية زائفة.
              أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
              والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
              وينصر الله من ينصره

              تعليق


              • #8
                فكرة التناسخ في الإسلام:

                إنّ رأي المسلم في فلسفة الكرما، كما هو الحال في شأن أيّ مسألة أخرى، يجب أن تنبني على ما يقوله الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، فهو يبين وجود ولادة واحدة فقط ويومٍ للحســاب. فكل فرد يعيش مرة واحدة على سطح هذه الأرض ثـمّ يمـوت، يقول تعالى:
                (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (سورة الجمعة: 8)

                يُحاسب الشخص بعد مماته وفقا لكلّ ما عمله، فهو يجازى عنها إمّا بجنـة أبديـة دائمة، أو بجحيم لا ينتهي. وهذا معناه أنّ الإنسان يعيش مرة واحدة في هذه الحياة الدنيا، وحياة أبديّة بعدها. ويخبرنا الله سبحانه وتعالى بوضوح أنّ الموت لا يعقبه عـودة لهذه الحياة الدنيـا: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)(سورة الأنبياء:95)
                (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(سورة23:آيات99- 100).
                وكما تـوضّح هذه الآيات فإنّ بعض الناس سوف يموتون على أمل أن يعودوا مرة أخرى إلى الدنيا، ولكن في لحظـة موتهم سوف يكشف لهم أنّ هذا مستحيـل. وفـي آيــة أخـرى يقول الله سبحانه وتعالى عن الموت ومحاسبة البشر:
                (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (سورة البقرة: 28).
                يقـول الله سبحانه وتعالى إنّ كل إنسان كان ميتا في البدء، أي أنّه خُـلق من عناصر التراب غير الحيـّة، الماء والصّلصال، ثـمّ تمت تسوية هذه العناصر الميتة ثم أحياه. وبعد وقت محدّد من حياة الإنسان، تنتهى هـذه الـحيـاة ثمّ يـموت. ثـمّ يعود الإنسان إلى الأرض كما خرج منها، ويفنى في التراب وينتظر الحساب الأخير. وسوف يُحاسب كلّ شخص في يوم الميعاد، ويعلم أنّ العودة إلى الأرض غير ممكنة، وسوف يعرفُ عند حسابه كلّ ما فعله في الحياة الدنيا. ويقول الله سبحانه وتعالى أنّ الإنسان بعد هذه الحياة الدنيا سوف يموت مرة واحدة:
                (لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (سورة الدّخان: 56-57).
                هـذه الآيـات واضحـة فى تقرير أنّ المـوت يحدث مرة واحدة. وبغض النظر عن عدد الناس الذين يودون إزالة مخاوفهم عن الموت وعن حياة أبدية بعد الممات وتعزية أنفسهم بالاعتقادات الزائفة في "الكرما" والتناسخ. وتبـقى الحقيقة وهي أنّهم لن يعودوا إلأى هذا العالم بعد المـوت. وكلّ فـرد يمـوت مرة واحـدة فقط، وكمـا أراد الله سوف تكون هنالك حياة أبدية في الحياة الآخرة. وسوف يُجازى الأفراد إمَـا بالجنـة أو يعاقبـون بالنّـار وفقا لما فعـلوه من خير أو شرّ.
                وفـي النهايـة فـإنّ الله سبحانه وتعالى العادل الرّحمن الرحيم سوف يعطي الجزاء المناسب لما فعله كل فرد. وإذا كان الشخص يبحث عن الرّاحة في اعتقادات زائفة لأنه يخشى الموت أو احتمال أن يذهب إلى النار فعليه توقع هلاك محدّد. وعلى كلّ من لديه فطنـة معرفة وضمـير وخـوف أن يرجع لله بقلب مُنيب إذا كان يريد النجاة من آلالام الجحيم والفوز بالجنة، وعليه تسيير حياته وفقا للقرآن الكريم المرشد الحقيقي للبشريّة.
                لـم تكن صفات الشيخوخة أو الشباب أو الجمال أو الغنى حائلا أمام موت أي شخص، وبالتالي لا يمكن لأيّ شخص تجاهل حقيقة الموت، وسواء تجاهل النّاس تلك الحقيقة أم لا فلا يمكنهم تفاديها، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى:
                (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ)(سورة ق: 19).
                وربّما تذكرك قـراءة هذه السطور باستشعار موضـوع قرب الموت، وقد يكون الموت أقرب إليك من أي شخص آخر، وقد تموت قبل إكمال قراءةهذا الكتـاب، وقد يجيء الموت بدون سبب ظاهر، وبدون سابق مرض أو وقوع أي حادث، وقد يأتي الموت للإنسان وهو في ريعان الشباب. سوف يُرسل الله ملك الموت ليـأتي حين تزف سـاعة رحيلك لانتزاع روحـك.
                لا بدّ لنا من استيعاب هذه الحقيقة الهامة ووضعها في دائما في أذهاننا، علينا أن لا نؤجّل الاستعداد للموت، ويذكرنا القرآن الكريم بذلك في سورة المنافقون أنه لا يمكن تأجيل الموت إذا حلّ: (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (سورة المنافقون: 11). كما يحدثنا عن مبلغ الأسى الذى ينتاب من يحل به الموت ولم يستعد له بالعمل الصالح:
                (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) (المنافقون: 10)
                أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                وينصر الله من ينصره

                تعليق


                • #9
                  اعتقاد البوذية المنحرف عن الآخرة

                  إنّ اعتقاد البوذية في "الكرما" لا يترك مجالا للاعتقاد في الحياة الآخرة، جنة كانت أو نارًا، وهذا الموقف الزائف والمنحرف، أي فكرة عودة الإنسان إلى الدنيا بعد كلّ موت وباستمرار، تجافي ما ورد في القرآن الكريم. وفي كتابه "أديان الهنـد" يوضح إدوارد واشبورن هوبكنز بروفسور اللغة السنسكريتية والفلولوجيا (فقه اللغة التاريخي المقارن) بأنّ البوذية لا تؤمن بحياة أخرى،
                  ويقول:
                  "...إنّ منطق نسق بوذا قـاد إلى التشاؤم بطريقة منهجية تامّة، ممّا يعني نكران الحياة الأخرى للإنسان الذى لا يجد سعادة في هذه الدنيا....وفي حديثه مـع محاوريه و أتباعه يستعمل جميع الوسائل لتفادي التقصي المباشر حول مصيرالإنسان بعد الموت، فهو يؤمن أنّ "النرفانا" ( إفناء الشهوة ) أدّت إلى إعدام الموجودات. وهو لم يؤمن بخلود الروح....غير أنّ ما حثّ عليه باستمرار هو أنه على كلّ من يؤمن بمبدإ "الكرما" وتكرار الميلاد كمبدإ غير قابل للجدل بكلّ أبعاده (...أي أنّ كل خطيئة في هذا العالم يتبعها عقاب في الميلاد الثاني) أن يحاول البحث عن خلاص، إذا أمكن من هذا الطّريق المؤلم الذي لا نهاية له، وهو إعادة ولادته ببعث جديد".
                  واستنادًا إلى بعض كتابات البوذيّة يمكن للمرء أن يستشفّ المعلومات التّالية عن الحياة الأخرى:
                  سواء ولد الشخص في السماء أو في أحد مستويات الجحيم المختلفة، فإنّ أشكال الحياة في هذه الأماكن لها صفة تحوّلية كما هى على الأرض وليست أبدية ... وكما في الهندوسية فإنّ فترة البقاء التي يقضيها الأشخاص داخل هذه الأماكن تعتمد على القدر الذى فعلوه من الخير والشرّ عندماكانوا على الأرض.
                  وعندما يكملون الزمن المحدّد سوف يعودون إلى الأرض مرّة أخرى. والسّماء والجنة ليستا سوى حالة بقاء مؤقّت يتلقى فيها الأفــراد الجزاء على الأفعال التي ارتكبوها عندما كانوا على الأرض.وتعاليم البوذيّة تشير إلى وجود نوع من الجنة والنار، كجزاء وعقاب لافعال الشخص الشخص، ولكن لأنّ هذا الاعتقاد لم ينبثق من ديانة سماوية فإنّه يتضمنعدة تناقضات ومسائل غير منطقية. وبالإضافة إلى هذا وذاك، وبعكس ما ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن فإنّ البوذية تعتقد بأنّ الجنة والنار تمثلان مرحلتي تحوّل.
                  ومرة ثانية فإنّ من أكثر جوانب الاعتقاد التي تفتقد إلى المنطق في هذه الدّيانة هي أن كلّ نظم الحياة في العالم تعمل بذاتها، ووفقا للبوذية فكما أنّ وجود الكون والبشر غير مضبوط بضابط، فكذلك دورة الموت وإعادة الميلاد . ولا مجـال في هذا الاعتقاد لخالق أوجد العالم والحياة، وكذلك لا مجال لوجود جنة ينعم فيها الإنسان أو نار يشقى فيها. ولكن عدم توضيحها لكيفية خلق هذه العوالم أمر غير منطقي وغير مقبول.
                  ولكـن من يتولى عملية الجزاء بالجنة أو النار؟ وأكثر من ذلك كيـف خلقت تلك العوالم؟ إنّ فلسفة البوذية تتدعي عدم وجود أهميـّة حول كـيفيــةنشوء الجنة والنار بدون وجود خالق. وهذا الاعتقـاد الوهمي تــمّ تــمريــره من جيــل إلى جيــل، دون أن يُطرح حوله تســاؤل أو يتـمّ تفســـيره بطريقة مقنعة. والبوذيّة لا تملك تفســيرًا لكيفية وجود الكون أو للطريقة التي يعمل بها، ولا عن مصدر الفنّ الخلاق المبــــدع الظاهر في جميع الكـائنات الحية.ولـهذا السبب، فالبوذية لا تزيد عن كونها حركة غـامضـة تفتقد إلى المنطق وتسندها الأســـطورة فقط.
                  أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                  والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                  وينصر الله من ينصره

                  تعليق


                  • #10
                    الحقـيقة التي تنتظـرنا في الآخـرة :

                    إنّ المصدر الوحيــد الذى يمدّنا بالحقائق عن الحياة فى هذه الدنيا والإيمان بالآخرة هو القرآن الكريم الذى أرسل نبراسًا مرشدًا للبشرية، بالإضافة إلى السنة النبوية. يذكرنا الله تعالى في القرآن الكريم أنّ هذه الحياة الدنيا إنما هي فترة ابتلاء مؤقتة لكلّ شخص، وأنّ الآخرة هي دار البقـاء. وكلّشخص سوف ينال الجزاء الأوفى إما في الجنة أو في النار عن كلّ الأعمال التي عملها خلال فترة حياته التي قضاها في هذه الدّنيـا:
                    (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)(سورة الأنعام: 32).
                    هذا لمن يسلم قياده لله ويكيف حياته مع المرشد الحقيقي الذى أنزله، ومع سنة نبيّه صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بكلّ جوارحه بأنّه سوف يُحاسب فى اليـومالآخـر على أعمــاله، وأنّه سوف يلقـى الجـزاء فى جنة الخلد أو في نار جهنّم. لقد أخبر الله البشرية بذلك في كتبـه التى أنزلها وعن طريق أنبيائه الذيناختارهم لتبليغ رسالته، غير أنّ البوذية شرعةٌ من صنع إنسانٍ، وقد تكوّنت بتراكم معلومات سماعية، وبنيت على أساس فلسفة ابتدعها إنسان من عند نفسه.
                    إنّ استعمال العقل البشريّ لتغيير ما جاء من عند الله يمثل خطأ على غاية من الخضورة، أمّا هؤلاء الذين يملئون رؤوسهم بأفكار مشوهة منطلقها هذه الديانة البوذية، أو تقليد فناني موسيقى البوب المفضلين لديهم، أو نجوم السّينما، أو أية موضة فكرية أخرى فعليهم مراجعة انفسهم وتحريرها من ذلك الخطأ الجسيم.والقرآن الكريم يتضمن أخبارًا عن حالة هؤلاء الذين يدّعـون عدم وجود حـياة أخرى:

                    (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) ( سورة الأعراف: 147).

                    (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ)( سورة الروم: 16).

                    إنّ "الجــزاء" و "العـــذاب" المشـــار إليهما في هذه الآيات سوف يبدأ في لحظة الموت. وسوف يعتري المذنبين ندمٌ عظيم، ندم لا يجدي صاحبه شيئا عندما يدرك حجم الخطأ الذي كان يعيشه في حياته الدّنيا:
                    (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(سورة الأنعام: 27).
                    ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (سورة السجدة: 12).
                    ولكن مهما استجدوا وطـلبوا الغفران، سوف يبدأون مرحلة مليئة بالألم الذي لا مفرّ منه، ولا مجال لرجوعهم إلى هذه الدنيا، ولن يقبل ندمهم كما لن يستجاب أبدًالرغبتهم في العودة إلى الدنيا. هؤلاء الناس كثيرا ما جاءتهم التحذيرات، فلم يؤمنوا، وسجدوا لأصنام من الحجر والخشب وأشركوها مع الله تعالى؛ هؤلاء الذينالذين اتبعوا الفلسفات الفاسدة من أجل جلب انتباه الآخرين وتلبية هوى في أنفسهم، هؤلاء الذين لم يخشوا الله كما ينبغي، سوف يلاقون مهانة لا تنتهيمنذ لحظة لقائهم بملك الموت. وسوف تنزع أرواحهم بالضّرب على ظهورهم وجنوبهم، وسوف يوضعون فى الأغـلال ويُقــذف بهم في الجحيم،هـذه هي بداية آخرتــهم.
                    إنّهم لن يستطيــعوا الحديث ولن تكون أصواتهم بأكثر من همس: (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (سورة طه: 108).
                    وسوف يكون الجحيم هوالمنتهى لهؤلاء الجاحدين الذين عظموا من أنفسهم أمام الله سبحانه وتعالى ولم يؤمنوا بيوم الحساب أوالآخرة، وكانوا متمرّدين رغم تحذيرهم، ولم يعيشـوا حياة مبنية على الأخلاق الإيمانية الصحيحة. وقد وصف الله سبحانه وتعالى أهل الجحيم بأنهم (مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ)(سورةالفرقان:13) و ( وَعَلَيْهِمْ نَـــارٌ مُؤْصَدَةٌ)(سورة البلد:20)، ويعيشـون فى ظلمة دخان أسـود، وسوف يسمعون زئير النّار ويجدون الناس زمراً يتصارخون فيها. ولن يرتاحوا أبدًا من آلامهم التيلا نهاية لها رغم توسّلهم. فهم في حال ضنكى لا يجدون منها مخرجا.
                    ومن ناحية أخرى فإنّ سكان الجحيم سوف يكون لهم مظهر مفزع، وسوف يغلّون بالأصفاد والسلاسل، وتكون أعينهم مسدلة ذات لونأسـود من الذلّة. وسوف تلفح جلودهم ريح محرقة، وتبدل جلودهم باستمرار كلّما نضجت: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (سورة النساء: 56). وسوف يُجــلدون بعصيّ من الحديد ويصفّدون (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً) (سورة الحاقة: 32). وسوف تُكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم بالنار، ويصبّ المـاء الحار على رؤوسهم ويلبسون لباسًا من القطران. ويحدثنا القرآن الكريم أيضا عن الطعام البشع والشراب الذي أُعدّ لأهل النار: (وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ) (سورة الحاقة: 36). وقد أخبر الله في القرآن الكريم أنّ طعامهم سـيكون(مِنْ غِسْـــلِينوهو طعامٌ لا يمكن تحمّـله في هذه الدنيا. وقــد أُدخلوا الجحيم لأنهم نسُـوا الله ولهثـوا وراء شهواتهم الشخصية فيهذه الدنيا، وسوف يُجبرون على شرب الماء المغلّى المخلوط بالغسلين بسبب عدم قدرتهم على ابتلاعه.
                    وفى الجحيم، سوف يجبرالمخطئون على أكل عشب مرّ له أشواك مع الزقّوم : (طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) (سورة الدخان: 43-45) وبالنسبة للذين يؤمنون بالله ويتوكلون عليه سوف لن يقعوا في شيء من هذا الوضــــع المهين، وإنّما سوف يمرّون بحساب يسير لأنه لم تغرهم الأفكار والفلسفات الفاسدة، ومن أجل أنْ يرضـوا الله وخوفًا من عذاب الجحيم، عاشوا وفقا لتعاليم القرآن الكريم. وهؤلاء سوف يستقبلون بسلام ويرحب بهم في الجنةلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وفي ذلك اليــوم يخبرنا الله تعالى أنّ وجوه المؤمنين سوف تكون ناعمة نضرة:
                    (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (سورة الزمر: 71-73).
                    على كلّ فرد أن يأخذ مأخذ الجـدّ التحذيرات المتكررة في القرآن الكريم بشأن يوم الحساب: (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ) (سورة الحج: 7)،ويقول تعالى أيضا: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)
                    (سورة الأنبياء: 1-2).

                    في ذلك اليوم، سوف يجدُ الخيّرون ما يرضيهم جزاء ما عملوا، بينما يتمنى كل من أرتكب شرّا أن يطول الأمد بينه وبين ذلك اليوم. وسوفيقف كل واحد أمام العدالة الإلهية فردًا، ويحاسب حسابا عادلاً لا ظلم فيه: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)(سورة الأنبياء: 47).
                    إنّ كلّ الفلسفات التى صنعها الإنسان ما هي إلاّ محض خداع يُبعد الناس عن الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى وعن طاعته. إنّ فهمالبوذية السطحى للأخــلاق منـاقض تمامًا للسّلوك البشري الطبيعي من عدّة أوجه . والبوذيّة تعطي للناس فرصة لتجنب عذاب الضّمير الناجمعن عدم وجود ديانة يعتقدونها، وبالتالي تعمل كمصدر روحى زائــف. والمؤمنون بالبوذية يعزّون أنفسهم بفكرة أنّهم يحققون صفاءًا روحيّابتسليط الألـم على أنفسهم، وينكرون احتياجات الجسـد. ولكنّ هناك حقيقة لم ينتبهوا لها وهي أنّه على النّاس جميعاً أن يدركوا أنهم عبادٌ لله سبحانه وتعالى، ولن تكون للعمل أية قيمة إذا لم تقترن بالإيمان الصحيح والنية الخالصة لمرضاة الله تعالى.
                    إنّ كبح جماح أنفسنا ورغباتها له قيمة كبيـرة، ولكن فقط إذا تمّ لنيل مرضاة الله، وبالشكل الذي يريده الله تعالى. أمّا أولئك الذين يبذلون هذا النّـوع من الجهد ويكون قصدهم منحرفا عن الهدف الصحيح، ويكون إيمانهم معوجّا فلا فائدة ترجى من أعمالهم: (فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (سورة البقرة: 217).
                    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                    وينصر الله من ينصره

                    تعليق


                    • #11
                      نظرة البوذيّة إلى الحياة الدنيا

                      إنّ من يقبلون فكرة "الكرما" يعتقدون أنّ دورة إعادة ميلادهم لن تنتهي أبدًا وأنهم سوف يعيشون مرة أخرى بعد الموت، حتى يحققوا "النّرفانا". وهم كذلك يفترضون بأنّ أمامهم احتمالات لا حصر لها، لذا إذا قرّر أحدهم ارتكاب معصية، فإنّه يرى أنه سوف يكون قادرًا على أن يكفّر عنها في استنساخ لاحق حتى لو كانت حياته التالية مباشرة أكثر رداءة من الحالية. إنّ الفهم المبني على أساس خاطىء كهذا لا يمنع الشخص من ارتكاب المعاصي.
                      إنّ ضعف الناس الرئيسي يكمن في ارتباطهم بهذه الحياة الدنيا، وهم يعتقدون منذ الأساس في فكرة ضالة والمتمثلة في التناسخ لأنهم لا يريدون أبدًا مفارقة ملذات الدنيـا. لذا، لا يمكن للشخص تغيير سلوكه بشكل جذري وكامل إلاّ إذا كان له تصوّر صحيح عن طبيعة الحياة الدّنيوية.
                      إنّ أيّ فرد يدرك حقيقة الحياة في هذه الدنيا يعرف أنّه خلق لعبادة الله، الله الذي خلق خلقه وخلق الكون من حوله، به يستعين وعليه يتوكل. كما يعلم أنّه مسؤول عن أفكاره وكلماته وأعماله، وأنّه سوف يرِدُ على الله يوم الحساب بكتابه ليحاسب على ما فعل في دنياه. وقد بين الله السبب الذي خلقتْ من أجله الحياة: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)(سورة الملك: 2).

                      وكما توضح هذه الآية، فقد خلق الله البشر وأوجدهم في هذه الحياة الدنيا لوقت محدود للامتحان، وهو يمتحننا بما يحدث لنا من أشياء، ويدعنا نعيش بحريتنا حتى يميّز الخبيث من الطيب، ويرشد المؤمنين منهم إلى القيم الأخلاقية التي تقودهم إلى الجنة. نعم، إنّ هذه الدنيا جسر يعبره المؤمنون لينالوا رضا الله تعالى.وفي القرآن الكريم يخبرنا الله عز وجلّ أنّه خلق البشر لعبادته: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (سورة البقرة: 21).
                      لقد رسم الله سبحانه وتعالى بوضوح الحدود التي لا يجوز للبشر تجاوزها، ووضّح كذلك الأخلاق التي توقد إلى رضا الله تعالى، والأخلاق التي تجلبُ غضبه، وسـوفينالُ كل إنسان المكافأة أوالعقاب في الحياة الآخرة وفقا للطريق الذي سار فيه في الدنيا. وهـذا يعنى أنّ كلّ لحظة نعيشها سوف تقرّبنا من النّار أو منالجنة. والله سبحانه وتعالى يذكّر عباده بهذه الحقيقة ويحذّرهم من ذلك اليـوم العظيم في عدة آيات من القرآن الكريم، ومن ذلك ما جاء في سورة الحشر: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (سورة الحشر: 18).
                      إنّ المُؤمنين الذين يخافون عقاب الله يعبدونه فقط ويطيعون أوامره، ويتجنبون نواهيه ويتصرّفون على نحو يرضيه. والارتباط بالله برابط قويّ من الحبّ، والخوف منه واتباع أوامره والإقبال على عبادته هو الطريق الوحيد لنيل السّمو الأخلاقي الذى يتعيّن على الفرد اتّباعه، وعليه ألاّ يتردّد في بلوغ هذا الهدف حتى لو تضارب مع مصالحه.
                      قد يكون للبوذيّ بعض الصّفات الأخلاقية الرّفيعة، غير أنّها سوف تكون مؤقتة ومشروطة بضروف محدّدة. فالبوذية أيضا توصي ببعض الأعمـال الجيّدة، ولكن، بالطّبع قد لا يكون لها قيمة في نظر الله تعالى. وما القيمة التى توجد في عمل شخصٍ يفعل خيرًا لمن حوله إذا كان غيرُ شاكر لأنعم لله بل وينكر وجودَ من خلقه من العدم؟ ومن أجل أن تكون تلك الأعمال ذات قيمة فيجب أن تترافق مع الإيمـان الصحيح بالله، هذا الإيمان الذي يبعث الرهبة في قلبه فيخشى الله، ويجلب الحبّ فيطيعه. ولهذا السّبب فإنّ أخلاق المؤمنين العالية لا تقوم على الرومنسية ( الخيال والعاطفة)، فعبادتهم متواصلة في جميع أحوالهم تمامًا كمـا أمر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم:
                      (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً) (سورة مريم: 76)
                      (وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ) (النحل: 52).
                      (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف: 46)
                      يجـب على النّاس أن يحذروا من الغفلة وهم مرتبطون بأشياء زائلة وتافهة فى هذه الحياة، لأنّ هذه الحياة قصيرة جدًّا، ولأنّ الثراء و الجمال ومتاع الحياة الدنيا لا يساوي شيئا في الآخرة. سوف يتلاجى الجسد بعد دخوله إلى القبر، وسوف يزحف الزمن فيفني جميع ما تركه الإنسان خلفه من أشياء، وسوف يحضر كل شخص للمثـول أمام الله للمحاسبة. ولو أنك سألت شخصًا في الثلاثين من عمره عن تجاربه حتى ذلك الوقت، فسوف يجيب بأنّ هذه الأعوام قد مرّت سريعًا، وقد يعيش ثلاثين أو خمسين سنة أخرى بنفس الطّريقة قبل أن يموت. وفي آيات عديدة ينبّهنا الله بأنّ فترة الحياة في هذه الدنيا قصيرة، وأنّ الناس سوف يعترفون بذلك بكل وضوح في الآخرة: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) (سورة يونس: 45)
                      (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) (سورة الروم: 55).
                      ســوف يكون من الخطإ الجسيم على أيّ شخص أن ينخدع بالإغراءات الزّائفة لهذه الحياة الدنيوية القصيرة ويغفل عن الآخرة وهي دار القرار. فالحساب أمام الله تعالى حقيقة لا ريب فيها:( إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (سورة يونس: 7-8).
                      أمّا هؤلاء الذين لم تغرّهم الحياة الدنيا، واختاروا حياة الدّار الآخرة فإنّ الله يبشرهم: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ) (سورة الشّورى: 20).
                      (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (سورة طه:131).
                      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                      وينصر الله من ينصره

                      تعليق


                      • #12
                        البوذية والثقافة الغربية المادية

                        أحد أسباب اهتمام العلم بالبوذية لم يكن وجودها في الشرق الأقصى - موطنها التقليدي - ولكن كان بفضل الدّعاية التي نالتها فى الغرب. وترجعبداية هذه الدّعاية إلى القرن الـ19، وقد استحوذت على اهتمام أكبر في النّصف الثاني من القرن الـ20 عندما صارت تقليعة لمن يريدون أن يبدوا أكثر"أصالـة".وترجع بداية هذه التقليعة إلى ثقافة البوب في العام 1960عندما تحوّل عدد كبير من شباب الغرب وبعض المفكرين الغربيين من المسيحيةالتقليدية إلى باحثين عن شيء آخر، وقد وجدوا ما يبحثون عنه فى ديانات الشرق الأقصى. وكان الدافع الأساسى لهذا البحث هو الرغبة لجذبالاهتمام بمخالفة ما هو قائم.
                        وعندما أعلن جورج هاريسون عضو فرقة البتلز الذي ساعد في التعريف بثقافة البوب فى العام1960 أنّه صار هندوسيا (ديانة ملحدة سبقت البوذية) ثمّ قام لاحقا بتسجيل مؤلفه في الموسيقى المسمّى بالانجليزية "ماي سويت لورد"،وهي أغنية للآلهة كريشنا، تبعه في ذلك العديد من جمهور البتلز. وقام جون لينـون باستعمال أسبار بوذية في أغنيته "عبر الكون" التي غناها بالأنجليزية، كما استعمل الترانيم البوذية وكذلك الزّي البوذي، وكانت هذه الأعمال الفنية ذائعة الصيت في أوساط الهيبيز خلال أعوام الستينات والسبعينات.
                        ومما يجلب الانتباه أنّ معظم الأعمال المعمارية لفنون ثقافية شعبية فرضت البوذيّة على المجتمع الغربيّ، وفي هذه العملية قادت هوليود زمام الأمر. ومن المعروف عموما أنّ هوليود تعكس أفكار الجناح اللبرالي للمجتمع الأمريكي الذي غالبا ما يؤيّد الأفكار المضادّة للدّين والقيم المناقضة للأخلاق المسيحية والإيمان. وكمثال فإنّ معظم الأفلام تفرض بقوة نظريّة النشوء والارتقاء على أذهان المشاهدين. وفي الجدل القائم بشأن كون نظرية النشوء والارتقاء تقف في مقابل الخلق، يلاحظ أنّ الأفلام التي لها صبغة "علمية" غالبا ما تنحاز إلى جانب الداروينية. وبدأت دعاية هوليود المناهضة للدّين والمنحازة لداروين بالفيلم الشهير المسمى "لِتَرثِ الرّيح". أما في أفلام اليوم فإنّ الاتجاه نحو الاستخفاف بالاسلام أصبح استراتيجية واضحة للعيان.
                        ولكن رغم أنّ هوليود عموما لا تقبل الأديان السّماوية مثل المسيحية والإسلام، فإنّها تأخذ منحى مختلفا تماما عندما يتعلق الأمر بالبوذية بعرض هذه الدّيانة بطريقة جذّابة جدّا باعتبارها ديانة مسالمة ومُحبّة للإنسانية. وقد تولت أفلام مثل فيلم "سبع سنوات في التبت"، تمثيل النجم براد بـت ومعه كـندن، وهو عن حياة "الدّلاي لاما"، ومن إخراج مارتن سكورسيز، وتولت عملية إشهار شعبية لبوذا وسط مرتادي السّينما من الجمهور.
                        ومن أجل نشر الدّعاية البوذية فإنّ الحياة الخاصة للممثلين والممثلات تصبح مهمّة تماما مثل الفيلم نفسه. وقد أعلن رئيس مدرسة "نـاينقما" التابعة لبوذية التبت أنّ "أستيفـن سيقـال"، وهو معروف بأدواره في أفلام العنف بأنه استنساخ لما يسمى "لاما" عاش في القرن الخامس عـشــر (راهب بوذي من التبت أو منقوليا)! وأيضا هنالك الممثل الشهير المسمى "رتشارد جيـر"، فإضافة إلى الكتب التي يعدّها للترويج للبوذية قام بتأسيس "بيت التّبت" في نيويورك مع "رتشارد ثيرمان" والـد الممثلة "آمـا ثيرمان". ومن الممثلين البوذيين المعروفين "تينا تيرنر"، "هاريسون فـورد"، "أوليـف ستون"، "هيربي هانكوك" و"كيرتني لف".
                        بالطـبع فحياة المرء الخاصّة ومعتقداته لا تخص أحدًا غيره، والناس أحرار في اختيار الديانة التى يرغبون فيها. غير أنّ هؤلاء الأفراد لو تعلمواشيئا عن الإسلام الحقيقي فمن المؤكد أنّ قلوبهم سوف يدخلها النور. ولكن الصورة التي عُرضت حتى الآن تنتهي بنا إلى خلاصة مهمة، وهي أنّ البوذية تستحوذ على هذا الاهتمام لأنّها اتّبعت ورُوّج لها في الغرب حيث تسود الثقافات المادية. وفي المقابل وقع إبعاد الثقافة الغربية عن خصائصها الرّوحية القائمة على الأساساليهودي- المسيحي.
                        ولكن لماذا حدث ذلك؟ للإجابة على هـذا السؤال يتعين أن نحدّد أوّلا الخصائص الرئيسية للمادّية الغربية. فلقد تـمّ إرساء الأسس الثقافية لهافي القرن الثامن عشر، كما أُسس إطارها النظري في القرن التاسع عشر، ورغم تآكل الإطار النظري، أصبحت حركة جماهيرية في القرن العشرون،وبالضرورة فهي:

                        - تنكر وجود إله وتؤمن بأنّ الكون جاء نتيجة للمصادفة.
                        - تعتقد أنّ الكائنات الحية اكتسبت شكلها الحالي من خلال النشوء والإرتقاء،
                        وأنّ الداروينية تفسّر ظاهرة الحياة و "مصدر" أنواع الكائنات.
                        - تعتقد أنّ البشر ببساطة هم فصائل أسمى من الحيوان و تقلّل من أهمية وجود
                        الرّوح في البشر.
                        - تنكر فكرة الحياة بعد الموت، والقيامة، ويوم الحساب ووجود جنة ونار.

                        إنّ هذه الافتراضات ذات الطبيعة المادية، وبالرغم من أنها زائفة وتناقض جميع الأديان السماوية قد وجدت لها تناغما مع ثقافة أخرى هي الثقافة البوذية.
                        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                        وينصر الله من ينصره

                        تعليق


                        • #13
                          اكتشاف هكسلي للبوذيـة
                          وباعتبارها دين كفر فإنّ البوذية لا تقبل وجود إله ولا آخرة ولا جنة ولا نار. وتؤمن بأنّ الرّوح البشرية لا تختلف عن روح الحيوان، وتؤمن بالعودة الكارمية (العاقبة الأخلاقية)، أي العودة باستمرار إلى العالم بإعادة الميلاد. وطبقا لاعتقاد بوذا فـ"السّمكة" يمكن أن تعود "فيـلا" في حياة أخرى، والشّخص يمكن أن يعود بعد موته في شكل" دودة ". إنّ هذه الفكرة المتمثلة في "انتقال الأرواح" بين فصائل الكائنات لها ما يوافقها في نظرية النشوء والارتقاء لداروين.
                          وقـد وصف أحد الباحثين في البوذية العلاقة بين البوذية ونظريّة النشوء والارتقاء كما يلى: "إنّ البوذية ... سعيدة تمامًا بنظرية النشوء والارتقـاء. وفي الحقيقة فإنّ الفلسفة البوذية تتطلب فعلا عملية نشوء وارتقاء، فكلّ الأشياء ينظر لها باعتبارها في حالة تحوّل، ويتحقق وجودها بتواتر لمدة ثم تتلاشى. إنّ فكرة عدم تغيّر فصائل الكائنات لن تكون متفقة مع نظرية طبيعة الوجود المنسوبة للبوذيّة".
                          ولـهذا السّبب يشعر أتباع داروين بالتعاطف تجاه البوذيّة وقد روّجوا لها باستمرار منذ القرن التاسع عشر.. وكان أوّل من عبر عن ولعه بالبوذيّة تـوماس هـ . هيكسلي، الذي جاء بعد داروين ولعب دورًا مهمّا في انتشار الداروينية. ولقد ظهر هكسلي على المسرح كأكثر المؤيدين لداروين، وعـرف بأنّه "كلب داروين الوفي". وقد كان للمناظرات التى أقامها مع العلماء ورجال الدين المدافعين عن فكرة "الخلق" وكتاباته وأحاديثه قد جعلت منه أشهر مدافع عن الدّاروينية في القرن التاسع عشر.
                          مـن الحقائق البسيطة المعروفة عن هيكسلى اهتمامه بالبوذيّة، وحتى خلال مجادلاته مع ممثلي الأديان السّماوية مثل اليهودية والمسيحية كان ينظر للبوذيّة باعتبارها تناسب الحضارة العلمانية التى يريد أن يراها قائمة في الغرب. وقد أوضح ذلك في مقال بعنوان: "الفلسفة: مقالات من الشرق والغرب"، وأيضا كتابه: "البوذية عند هيكسلي على ضوء النشوء والارتقاء والأخلاق"، وهو يتضمن الوصف التالي للبوذية:

                          "البوذية نسق لا يعرفُ إلهًا بالمعنى الغربي للكلمة، وينكرُ الرّوح عندالإنسان ويحسب الإيمان بالخلود نوعًا من الحُمق وتمنيه خطيئة؛ والبوذية ترفض أيذ تأثير لمن يصلّي، وهي تطلب من النذاس أن لا يرجو شيئا سوى خلاص أنفسهم بجهودهم الشّخصية... ورغم ذلك انتشرت فى جزء كبير من العالم القديم بسرعة مذهلة، وما زالت العقيدة المسيطرة على جزء كبير من البشر، وأساسها خليط من العقائد الأجنبية".
                          إنّ السبب الوحيد وراء ولع هيكسلي بالبوذية هو أنّ البوذية تتفق مع توجهات هيكسلي الفكرية، ووتنسجم معها في عدم الإيمان بالله. وطبقـا لما يقوله "فيجيسا راجاباكس"، وهو بروفسور في جامعة هاواي وكاتب "البوذية عند هيكسلي على ضوء النشوء والارتقاء والأخلاق" فـ:"إنّ هيكسلى يرى وجود اتفاق بين البوذية والأفكار الملحدة الكافرة لقدماء الإغريق، وهذا ما ساهم في ولعه بها. إنّ مـيل هيكسلي الثابت لربط الأفكار البوذية بالأفكار الغربية، والذي جاء بشكل لافت في مقدمة تعقيبه على مفهوم المادة تمّ تبسيطه أكثرفي مستويات أخرى من حواره أيضا. لقد وجد أنّ موقف الإلحاد الذي يتبناه البوذيون الأوائل مشابه لنظرة هيرقليدس، وأيضا أشار إلى العديدمن شبه التطابق بين الرواقيين (أتباع زينون) والبوذية...".
                          لاحظ "راجاباكس" أيضا أنّ بعض المعتقدين في وجود إله أو اللا أدريين (من يعتقدون أنّ وجود الله وطبيعته وأصل الكون أمور لا سبيل لمعرفتها) ممن عاشوا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كانوا أيضا من المولعين بالبوذية. كما أنّ بعض الأفكار شبه المتطابقة بين البوذية والفلسفةالغربية المادّية اليوم تشكل جزءا من أفكار "ديفيد هيوم"، وهو فيلسوف أسكتلندي من القرن الثامن عشر يؤمن بوجود إله مع كرههللدّين. وقـد كتب "راجاباكس" ما يلى: "مما يثير الاهتمام أنّ شبه التطابق الموجود بين البوذيّة ومواقف هيوم حول موضوع الروح القدس قـداكتسبت اهتماما جادا من بعض المفكرين الأوائل فى مواضيع البوذيّة". ثم يواصل قائلا: إن ريس ديفيدس [مترجمة رائدة لنصوص البوذية من لغة البالي إلى الأنجليزية] لاحظت كمثال ما يلي: " فيما يتعلق بالاعتقاد في روح غير مسكونة أو ذات دائمة لا تتغير، ولا تتألم ... كان للبوذيّة موقف منذ ألفين أو أربعة آلاف عام يسبق موقف هيوم الذى ظهر قبل قرنين فقط".
                          وكما دلّل "راجاباكس" في مقاله فإنّ البوذيّة أثارت فضول العديد من المفكرين بأنجلترا خلال الحقبة الفكتورية لأنهم وجدوها منسجمة مع الفلسفاتالتي سادت في القرن التاسع عشر مثل اللادينية والبوذيّة. ولقد نظر الفيلسوف الألماني الشهير فريدريك نيتشه بإعدا إلى البوذية للسبب ذاته.
                          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                          وينصر الله من ينصره

                          تعليق


                          • #14
                            تعا طف نيتشه مع البوذية

                            الفيلسوف نيتشه من المفكرين الأكثر تعلقا بالإلحاد خلال القرن التاسع عشر، وقد تبنى كراهية عميقة للديانة المسيحية وروّج بدلا عنـها لثقافة الإلحاد. وساعدت أفكاره على تشكيل الفاشية في القرن العشرين وساعدت بصفة خاصّة على الترويج للنازية. ناهض نيتشه المسيحية التى تريد المزاوجة بين فضائل الشفقة والرّحمة والتواضع والإيمان بالله، وبالتالى فهو أيضا ضدّ مبادىء الإسلام الأخلاقية وضد القيم اليهوديّة الملتزمة، وقد كره الأديان السّماوية ليس بسبب مبادئها الأخلاقية فقط ولكن أساسًا بسبب إلحاده المتشدّد. وفي مقال له عن نيتشه كتب الباحث الأمريكي "جاسون دى بوا" : " إنّ الإلحاد جزء مهم من فكر نيتشـه" ويضيف قائلاً: "لم يكن نـاقدًا موضوعيّا، إنّ نيتشه يلتهب بالكراهيّة ضدّ المسيحية، وكانت كتاباته الملحدة ذات نـقد لاذع وقاس للغاية".
                            وكما نرى، فإنّ نيتشه قد وجه كراهيته نحو الأديان السّماوية فقط، وليس ضدّ أديان الكفر أيضا، وبالمقابل كتب دى بوا ما يلي: "رغم أنّ نيتشه يعد واحدًا من أشرس الملحدين فى التاريخ، إلاّ أنّه حقيقة ليس معاديا للدّين بالكامل... فقد كان يحترم ويحبّ العديد من جوانب الدّيانات الأخرى بما في ذلك الأديان الوثنيّة وحتّى البوذيّة...".
                            وعنـد مراجعته لكتاب: "نيتشه والبوذيّة: دراسة حول مذهب العدميّة" للكاتب روبرت ج. موريسون يقول الأنجليزىالأكاديمى ديفيد ر. لوي ما يلي حول هـذا الموضوع:
                            "إنّ إجراء مقارنة بين نيتشه والبوذيّة صار شيئا تقليديّا، ولسبب ما يبدو أنّ هنالك نداء عميقا بينهما: موريسون يشيرإلى اشتراكهما في عدة ملامح: فكلاهما يشدّد على أنانية البشر في عالم ليس فيه إله ولا يتطلع أيّ منهما إلى كائن خارجي أو قـوّة ما لحلّ مشكلتهما المشتركة بشأن الوجود ... وكلاهما يعرف أنّ الإنسان سيل دائم التغيّر تتملكه قوى نفسيّة مركّبة، وداخل هذا السّيل لا يوجد شيء مستقلّ بذاته أو موضوع لا يتغير ( يعني الرّوح)".
                            إنّ مصادر هذه الأفكار الخاطئة التى يتقاسمها نيتشه و بوذا لا تعدو بالتأكيد أن تكون أكثر من جهل وغرور. وكلّ من ينظر إلى الكون والطبيعةبذكاء ووعي سوف يرى دلائل واضحة على وجود الله تعالى، وقد ثبت ذلك ذلك بالمكتشفات العلمية الحديثة: نظرية الانفجار العظيم، ومبدأ "الإنسان هوغاية الكون" (المبدأ القائل بأنّ كل تفاصيل الكون تمّ ترتيبها بعناية لجعل حياة البشر ممكنة) قد أنهت فكرة أنه لا وجود لإله التي قدمها نيتشه وغيرهمن الملحدين. والعلوم الحديثة جاءت بأدّلة واضحة أنّ الكون قد خلق وتمّ تنظيمه بتوازن غير عادي. هـذه الأدلة تكشف بطلان نظريّة داروين حول النشوء والارتقــاء وتثبت حقيقة الخلق، وتلغي فكرة وجود نسق ذكيّ يدير العالم. لقد أبطلت الاكتشافات العلمية والاجتماعية أفكار نظريات مفكري القرن التاسع عشر مثـل ماركس وفرويد ودركهايم. (للمزيد من المعلومات يرجى مراجعة مقال هارون يحيى " انهيار الإلحاد: نقطة تحوّل في التاريخ" وهو موجودفي الصفحة التالية:


                            www.harunyahya.com/70the_fall_of_atheism_scie34.php
                            أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                            والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                            وينصر الله من ينصره

                            تعليق


                            • #15
                              البوذية: روحانية زائفة لثقافة مادّية:
                              هذه الشهادة العلمية ضدّ الإلحــاد ذات صلة وثيقة بالتساؤل حول لماذا انتشرت البوذية فى العالم الغربي. لـقد رأى مهندسو الإلحاد والثقافة المادية أنّ نظريتهم تنهار، ولمنع التيار المتنامي المتجه نحو الأديان السّماوية عملوا على مواجهته بالترويج لمعتقدات الكفر مثل البوذية، وبعبارات أخرى فإنّ البوذية - وديانات الشّرق الأقصى المشابهة لها - هي تكريس للمادّية.
                              ولكنّ لماذا تحتاج الثقافة الغربية لمثل هذا التعزيز؟ قام الكتاب الأنجليز مثل مايكل بايقنت وريتشارد ليخ وهنري لنكولن بدراسة تطوّر و"انحطاط" الأفكار في العالم الغربي خلال الألفي سنة الماضية. وقد أوضحوا أنّ العالم الغربي قد سقط في القرن العشرين في "أزمة معنى"، أي أنّ طريقة الحياة التى فرضتها الفلسفة المادية في المجتمعات الغربية قد جرّدت حياة الناس من معناها بأن جرّدتهم من الإيمان بوجود الله وحرمتهم عبادته. وقد عبّر هؤلاء الكتاب الثلاثة بقولهم:
                              " لقد انقطعت الصلة بين الحياة وبين أي معنى، وأضحت مجرد وجود بطريق المصادفة لا يسير نحو أي هدف محدد".
                              يضاف إلى أزمة المعنى تلك أنّ انهيار النظريات المادية على المستوى العلمي قد فتح الطريق نحو عودة جديدة للأديان السّماوية، وخاصة الإسلام. ولهذا السّبب زاد عدد أتباع المعتقدات التوحيدية؛ فقد زاد عدد من يؤمنون بالله ويمارسون شعائر دينهم؛ وأخذت المفاهيم والقيم الدّينية تحتل مكانتها المهمة في الحياة الاجتماعية.
                              إنّ البوذية ومعتقدات الكفر الأخرى تتطلع بحماس لعرقلة هذا التيار من خلال رسم طرق زائفة للخلاص لهؤلاء الذين أربكتهم أزمة المعنى التى جلبتها الثقافة المادية. فالتّاوية والهندوسية وما شابهها مثل طائفة "هير كريشنا" و"ويكا" واتجاهات العصر الجديد التي جلبت كلها تعاليم إلحادية مختلفة، وديانات الأطباق الطائرة التي تشغل نفسها بما يسمّى رسالات مقدّسة يُعتقد أنّها جاءت من الفضاء، كلّها تعاليم فاسدة اعتنقها هؤلاء الذين لا يريدون قطع الصّلة بالإلحاد والمبادىء المادّية. ويضاف إلى ذلك أنّ العديد ممن أصبحوا بوذيين تأثروا بدرجة كبيرة بأشياء لا يرغبون فيها وتقليد أعمى لشيء لا يفهمونه. وببساطة فهم يفعلون ذلك حتى يجلبوا الاهتمام ويبدون في الحقيقة كمثقفين ومستنيرين.
                              ولنفهم لماذا تخلو هذه المذاهب من أساس تستند إليه، نحتاج إلى غربلتها وتقيمها من خلال مقياس المنطق. لقد رأينا سابقا مبدأ الكرما (العاقبة الأخلاقية)، وهو أساس العديد من ديانات الشرق الأقصى، وأظهرنا عدم وجود أساس منطقي وجيه له (لمزيد من المعلومات راجع كتاب هارون يحيى: "الإسـلام والعاقبة الأخلاقية (الكرما)".
                              فهـذه الديانات لا تعتقد في وجود إله ولا في موعد جامع لحساب إلهي للبشر. كـيف لهم إذا أن يؤمنوا بأنّ كل شخص سوف يجازى بما يفعله، ويكون ذلك في الحياة الأخروية؟ من يقرّر ذلك ؟ إنّ الذين يقدسون أشياء تقع "خارج الأرض " يعتقدون أيضا في أشياء لا معنى لها. كيف يمكن لشخص أن يؤسّس لفلسفة حياة تنبني على أشيـاء سابحة في الفضاء، مشكوك في حقيقتها؟ وحتى لو وُجدت كائنات من الفضاء الخارجي، يتعيّن بالضّرورة، أن تكون قد خُلقت. ثم ماهو الضّمان بأنهم سوف يرشدون البشرية للطريق الصّواب ؟
                              إنّ الذين تتملكهم مثل تلك الأفكار الوهميّة عليهم أن يستمعوا لآيات القرآن الكريم ولقوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ) ( الواقعة: 57). وعليهم أن ينهجوا نهجه الذي رسمه لهم: ( وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام: 153).
                              أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                              والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                              وينصر الله من ينصره

                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 7 فبر, 2023, 06:09 ص
                              ردود 0
                              114 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة Mohamed Karm
                              بواسطة Mohamed Karm
                               
                              ابتدأ بواسطة ARISTA talis, 2 ديس, 2022, 01:54 م
                              ردود 0
                              64 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ARISTA talis
                              بواسطة ARISTA talis
                               
                              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 21 نوف, 2022, 03:22 م
                              ردود 25
                              150 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة عادل خراط
                              بواسطة عادل خراط
                               
                              ابتدأ بواسطة The small mar, 18 نوف, 2022, 01:23 ص
                              ردود 0
                              89 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة The small mar
                              بواسطة The small mar
                               
                              ابتدأ بواسطة The small mar, 16 نوف, 2022, 01:42 ص
                              ردود 0
                              51 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة The small mar
                              بواسطة The small mar
                               
                              يعمل...
                              X