مكان النسخ الأصلية للتوراة والإنجيل!!

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Alaa El-Din مسلم اكتشف المزيد حول Alaa El-Din
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مكان النسخ الأصلية للتوراة والإنجيل!!

    مكان النسخ الأصلية للتوراة والإنجيل!!

    بقلم: معتز الجعبري

    كلما تطرق حوار المسلمين مع النصارى إلى بحث قضية التحريف في الكتاب المقدس - مع تحفظنا على عبارة الكتاب المقدس-، يُعرض النصارى عن كل الأدلة والبينات التي يسوقها المسلمون ويرددون جواباً واحداً لا غيره وهو مطالبة المسلمين بإخراج النسخ الأصلية للتوراة والإنجيل!! معتقدين بأن طلبهم هذا حجة بالغة تلقم خصومهم الحجر.
    إن هذه المطالبة تذكرني بموقف أهل مكة من خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاءهم مبشرا بخيري الدنيا والآخرة داعيا لتوحيد ربه منددا بما هم عليه وآبائهم من شرك وانحراف عن ملة إبراهيم عليه السلام. وخلال دعوتهم للفلاح فقد فنّد القرآن الكريم وخاتم النبيين حججهم الواهية بأفضل البيان ونسف أباطيلهم بأوضح البراهين، فماذا كان صنيعهم؟
    لقد صموا آذانهم عن الحق واستكبروا عن قبول البراهين الواضحة والحجج الدامغة، ولم يجدوا حجة سوى أن يطالبوا محمداً بأن يبعث لهم آبائهم من قبورهم حتى يصدّقوا دعوته. قال تعالى مسجلا هذه الحادثة، التي تتكرر بصورٍ شتى في كل عصر ومصر بين الحق والباطل: "وإذا تُتلى عليهم آياتنا بينّاتٍ ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين" (الجاثية 25).
    إنه هروب من استحقاقات إنصاف الحق وابتعاد عن منهج الوصول إليه، وتنكب لطريق الرشد وإيثار للاعوجاج.
    إن من ينكر الأدلة الواضحة ويفر منها لأسئلة وتحديات ظاهرها المنطق ومخبرها السفسطة الفارغة، لا يهزم خصمه، بل يظلم نفسه بحرمانها من تصحيح المسار ويصرّ أن يهوي به التعصب واتباع الهوى إلى هاوية ليس لها قرار.
    إن هذا الطلب العجيب أقرب للمشاكسة والمناكفة منه للحوار العلمي، وإن من يطرحه يعاني من إشكال منهجي سأحاول في السطور القادمة حله وتفكيكه.

    أولا: نحن المسلمون أعدل الناس وبالتالي فنحن أولاهم باتباع القاعدة العادلة التي أجمع عليها أهل السماء والأرض بأن البينة على من ادعى ولذلك فإننا لا نطلق اتهامنا للكتاب المقدس بأنه محرّف دون أن نعضد كلامنا بالأدلة الدامغة، وقد اطلعت على كثير من الكتب والمواقع الإلكترونية والمنتديات الإسلامية التي يجمع بينها الاهتمام بمجادلة أهل الكتاب فوجدتها جميعها تعضد أقوالها بالأدلة والشواهد الواضحة من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، التي تشهد بوقوع التحريف عند أسلاف أهل الكتاب واستمراره في أخلافهم.
    ولأنني هنا في مقام لا يتسع لبسط هذه الجزئية فأمثلتها كثيرة يعجز المرء عن حصرها، ومن أحب الاطلاع والتوسع فليرجع للمصادر التي تعج بشواهد تحريف القوم لكتبهم.
    ثانيا: نحن المسلمون لم نزعم من عند أنفسنا بوقوع التحريف في الكتاب المقدس، وبالطبع فلن استدل هنا بشهادة القرآن الكريم وهي شهادة من ربنا التي ليس فوقها شهادة بوقوع هذا التحريف والعبث، ولكني أحيل كل نصراني منصف إلى شهادة علمائهم وفضلائهم، فقد شهد أكثر من مائتي عالم من معهد ويستار في الولايات المتحدة في ندواته المتتالية بوقوع التحريف والعبث في الكتاب المقدس ومعهد ويستار لمن لا يعرفه تصفه الدكتورة زينب عبدالعزيز استاذة الحضارة الفرنسية بأنه ليس مؤسسة مناهضة للنصرانية ولم يدفع له المسلمون حتى يقول ما يقول، فهو معهد لا يستهدف الربحية، إنه تجمع لعلماء من مختلف التخصصات في العلوم المسيحية يستهدف الحد من تواصل انهيار المؤسسة الكنسية في الغرب. أي أن فكرة العاملين بالمعهد ليست إلغاء المسيحية، وإنما محاولة نزع ما تراكم عليها من افتراءات وتناقضات عبر المجامع على مر العصور. وأن ما تقدمه الكنيسة والمجامع على أنه أفعال وأقوال للمسيح لا يصمد أمام التمحيص التاريخي.


    ولن أورد تفصيل شهادات هؤلاء المنصفين بوقوع التحريف والاستمرار فيه لأن المقام لا يتسع لاستقصاء كل ما قيل في هذا الصدد وبحسبي الإشارة السريعة أن موريس نورن في دائرة المعارف البريطانية قال: "إن أقدم نسخة من الأناجيلالرسمية الحالية كتبت في القرن الخامس بعد المسيح، أما الزمان الممتد بين الحواريينوالقرن الخامس فلم يخلف لنا نسخة من هذه الأناجيل الأربعة الرسمية، وفضلاً عناستحداثها وقرب عهد وجودها منا، فقد حرفت هي نفسها تحريفاً كبيرا، خصوصاً منهاإنجيل مرقس وإنجيل يوحنا".
    ويثبت الدكتور روبرت كيل تسلر في كتابه "حقيقة الكتاب المقدس" (ترجمة وتحقيق: علاء أبوبكر) بوقوع هذا التحريف فقال: "لا يوجد كتاب على الإطلاق به من التغييراتوالأخطاء والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس" بل إنه يعترف بأن هذا التحريف وقع عن عمد فيقول: " إن آباء الكنيسةيعترفون بوقوع التحريف عن عمد، وأن الخلاف بينهم محصور فيمن قام بهذا التحريف"
    وتؤكد دائرة المعارف البريطانية وجود اختلافات هائلة بين النسخ فتقول: "إن مقتبسات آباء الكنيسة تظهر أكثر من مائة وخمسين ألف من الاختلافات بينالنصوص"

    إذاً نحن المسلمون من الناحية القانونية نملك:
    (1) شهادات واضحة من شهود إثبات هم علماء لاهتيون معتبرون ورجال دين منصفون، وهذا يقوّي وضع هذه الشهادات التي لا يضيرها أن ينكرها قساوسة وبابوات سفهاء يردون الحق الواضح ويضللون عوام النصارى بتوجيههم أن يطلبوا من المسلمين إخراج النسخ الأصلية للتوراة والإنجيل.
    (2) أدلة على حصول جريمة التحريف بوجود اختلافات بين الكنائس في ضم أسفار أو حذفها بالكامل، وحتى في الأسفار القانونية المتفق عليها فإن القارئ العادي يمكنه أن يستخرج بسهولة تناقضات واختلافات بين نصوصها.
    ونحن مصرّون على التمسك بشهود إثباتنا وأدلتنا، وأما النصارى فعوضا عن قيامهم باستحقاق قضيتهم وهو الإقرار والاعتراف - على الأقل- بوجود اختلافات كبيرة وتناقضات بين النسخ مما يقود النقاش العلمي لنقطة أخرى مثل أسباب هذه الاختلافات، فإنهم يؤثرون إنكار الأدلة وشهادة الشهود، ويطالبوننا بإخراج النسخ الأصلية مع أننا لسنا معنيين بحسب القانون وبعرف المنطق بذلك!!

    ومع ذلك فإن الجدال بالتي هي أحسن الذي أوجبه علينا ربنا، وترّفقي بعوام النصارى المضَـلّلين الذين يرددون كلام الأفاكين يحملني على إبطال ما يظنونه حجة، فهم إذ يطالبوننا بالنسخة الأصلية يعتقدون أنهم يحرجون المسلمين ذلك أن الإيمان بالكتب المنزلة على الرسل وأهمها التوراة والإنجيل من أركان الإيمان في ديننا، فكيف نؤمن بشيء ننكر صحته ونقول بتحريفه؟!
    أقول وبالله التوفيق:

    أولا: معنى إيماننا بالكتب السابقة
    نؤمن بالكتب التي ذكرها الله لنا تفصيلا، كالصحف التي أنزلها على إبراهيم والزبور الذي أنزله على داوود والتوراة التي أنزلها على موسى والإنجيل الذي أنزله على عيسى والقرآن الذي أنزله على محمد (عليهم السلام أجمعين). ونؤمن كذلك بأن هنالك كتبا غيرها أوحى الله بها لأنبيائه ولم يعلمنا بها تفصيلاً، فلقنّ خاتم رسله ذلك الإيمان فقال: "وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب" (الشورى 15). كما نؤمن بأن الله أوحى لإسحاق وإسماعيل ويعقوب وصالح وهود وشعيب وجميع النبيين، قال تعالى: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" (البقرة 136)
    إذاً فنحن نؤمن يقينا بتنزل هذا الوحي الإلهي حتى لو لم نطلّع عليه، والوحي هو أن يأمر الله روح القدس (جبريل عليه السلام) أن يلقي كلام الله على مختلف النبيين. كما يقع الوحي بأن يكلم الله بعض النبيين من وراء حجاب كما كلم موسى عليه السلام وقد يقع الوحي عبر رؤيا يراها النبي، لأن رؤيا الأنبياء وحي وحق.
    إذا فقبل أن تكون الكتب السماوية صحائف وألواح كتبها النبيون أو تلامذتهم فهي وحي من الله لرسله نؤمن بأنه قد وقع، وأن الله فعل ذلك تحببا للبشر وتلطفا بهم وهداية لهم لما تصلح به حياتهم وآخرتهم خصوصا بعد وفاة أنبيائهم. وبهذا المفهوم فإن الوحي الإلهي حصل مع كل نبي حتى لو لم يدوّنه بشر فهو كلام الله المحفوظ عند الله من الضياع والنسيان كما وصف الله نفسه على لسان موسى فقال: "لا يضل ربي ولا ينسى" (طه 52).
    ونحن في إيماننا بالكتب نصدّق ربنا الذي أخبرنا بوجودها وحتى لو لم نعثر على النسخ الأصلية التي لم تطالها يد العابثين، تماما كما نؤمن بنبينا وبالرسل مع أننا لم نرههم ونؤمن بالله وملائكته رغم أننا لا نستطيع رؤيتهم في الدنيا. لأن مدار الامتحان في إيماننا هو الإيمان بأمور غائبة عنا أخبرنا الله بها في القرآن أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ومنها الكتب السماوية، يقول تعالى: "آلم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب..." (البقرة 1-2).
    إن إثباتنا للوحي الإلهي وتنزل الكتب على الرسل يفسّر غيرتنا على كلام الله وتتبعنا للأفاكين الذين غيّروه وبدلوه، وسعينا في الدنيا لفضح أفعالهم ودوافعهم أما في الآخرة فتتجلى ثمرة إيماننا بالكتب التي أخبرنا الله بها بأن يجعلنا شهداء على من سبقنا من أمم فنحن شهود الله على صنائعهم مع أنبيائهم وكتبهم، قال تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" (البقرة 143) ذلك أنه يأتي يوم القيامة أقوام بعث الله إليهم الرسل والكتب إعذاراً لهم فعندما يسألهم ربهم، ينكرون الرسل والكتب فنشهد بأن الله أرسل إليهم رسلا وكتبا، قال رسول الله صلى عليه وسلم: "يُدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيُدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير... فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمدٌ وأمته، قال: فيُدعون فيشهدون له بالبلاغ، قال: ثم أشهد عليكم" رواه البخاري وفيه زيادة عند مسند أحمد

    إن إيماننا بما أنزل الله على جميع الأنبياء أمر نتشرف به، وغيرتنا على الكتب المنزلة أن ينالها التحريف ويعبث بها العابثون، أمرٌ جديرٌ بأن يكون موضع تقدير من أهل الكتاب، لا أن ينقموا علينا بسبب نصحنا لهم يقول تعالى واصفا حالنا وحالهم: "قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون" (المائدة 59)


    ثانيا: تحريف الكتب السابقة

    كما أمرنا الله بالإيمان بالكتب السماوية، فإنه أخبرنا - وخبره حق وقوله صدق - بأنه استودع حفظ التوراة والإنجيل لعلماء بني إسرائيل فهل قام هؤلاء بهذه المهمة؟
    لا نشك أن فريقا من الربانيين الصالحين قد دوّنوا هذه الكتب بأوامر الأنبياء على أحسن وجه وحفظوها وعملوا بها، لكن بعد وفاة موسى ورفع عيسى ووفاة العلماء الربانيين جاءت خلوف تجرأت على كتب الله طمعا في مال أو ممالئة لسلطان أو حسدا لظهور خاتم النبيين وأعظمهم في بني إسماعيل، وليس بني إسحاق.
    وقد أثبت الله في القرآن وقوع التحريف والتلاعب فقال: "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً" (الأنعام:91) وقال أيضا: "من الذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه…" (النساء:46) ويؤكد تحريفهم المتعمد الذي لا يعود لنسيان ولا يعود لاهتراء المخطوطات الأصلية كما يظن من يحسن الظن بهؤلاء المجرمين قال تعالى: "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه بعد ما عقلوه وهم يعلمون" (البقرة:75).
    ويقول الله عن إخفائهم للنصوص المبشرة بمحمد وصفاته: "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدقٌ لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون" (البقرة 101)، وأكد علمهم اليقيني بصفات هذا النبي فهم يعرفونه كما يعرف أحدنا ابنه من بين الملايين: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهو يعلمون" (البقرة 146).
    ولفظاعة جريمة هؤلاء المفترين فإن الله لعنهم وتوعدهم بالعقاب الشديد يوم القيامة فقال: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" (البقرة:79). وبين لنا عاقبتهم بعد أن أشار لأهم دوافعهم للتحريف: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" (البقرة:174)

    إذاً فإن المجرمين الذين بدّلوا وغيّروا الكتب المقدسة التي بين أيدي أهل الكتاب هم أسلافهم ولسنا نحن حتى يطالبوننا بإخراج النسخ الأصلية، وإنني أخاطب كل عاقل منهم بكلام ربنا تبارك تعالى: "قل لا تُسئلون عما أجرمنا ولا نُـسئَل عما تعملون. قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم" (سبأ 25 – 26)، بل إن الله تعالى بعدله لن يسأل عوام النصارى عن هذا التحريف ولن يحمّلهم خطيئة أسلافهم أو من استمر في التحريف من أكابر مجرميهم المعاصرين قال تعالى: "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسئلون عما كانوا يعملون" (البقرة 141) ولكن الله سيسأل كل من يدافع من هؤلاء العوام عن العبث في الكتب المقدسة ويرفض الأدلة الواضحة ويصرّ مستكبرا ويمضي في غيّه متسترا على التحريف الذي أفضى لتسرب العقائد الوثنية لكتب يُـفترض فيها أن تحمل رسالة التوحيد، وأدى لتضييع الحق بإخفاء كل بشارة بخاتم النبيين.


    ثالثا: لماذا لم يحفظ الله الكتب السابقة؟

    من حق أهل الكتاب أن يسألوا: لماذا حفظ الله القرآن ولم يحفظ التوراة والإنجيل ما دام كله كلامه ووحيه؟
    والجواب: أن الله ربنا يتفضل على من يشاء من عباده فقد فضّل بعض الرسل على بعض وجعل سيدهم هو خاتمهم مع أنه أصغرهم، ويخص أمكنة وأزمنة وأشياء بالفضل دون غيرها، وهكذا فقد جعل القرآن خير كتبه وخصه بالحفظ دون غيره من كتب "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر 9) ، ولذلك فإنه هيأ للقرآن الكريم من أسباب الرعاية المتينة التي يقوم بها المسلمون منذ عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا ما يستحيل معه وقوع التحريف، وأعد القراء بموضوع أتحدث فيه عن تفصيل أكثر حول تلك الأسباب.
    وبالمقابل فإن من ورثوا التوراة والإنجيل لم يقوموا بهذه العناية اللازمة لكتاب ربهم، ولكن السؤال ما يزال قائما وهو لماذا قيّض الله من يحفظ القرآن من المسلمين ولم يقدّر ذلك للكتب التي سبقته؟
    نستنبط الجواب من وصف الله تعالى للقرآن بالمهيمن، ومن عالمية رسالة الإسلاموعموم دعوة خاتم النبيين للعالمين إلى يوم الدين، ويمكن إجمال ذلك في نقطتين:

    (1) إن حفظ التوراة والإنجيل سيدخلهما في تنافس مع القرآن الكريم، وسيظل في نفس المؤمن من الشغف والفضول ما يدفعه إلى الاطلاع على محتواهما أو الأخذ بما فيهما مما يتنافي مع جعل القرآن ناسخا لكل الكتب قبله قال تعالى: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه" (المائدة 48)، فرغم أن القرآن الكريم مصدّق لما قبله ولا يمكن بحال أن يتعارض مع الكتب السماوية، بل إن الكتب السماوية الحقة يصدّق بعضها بعضا ولا يمكن أن تتضارب إلا أن كل كتاب متقدم ينسخ ما قبله فعيسى عليه السلام جاء مصدقا بالتوراة لكنه نسخ أحكاما فيها وأحل طيبات كانت محرمة على بني إسرائيل، وهكذا فإن عدم حفظ الله للكتب السابقة فيه خدمة جليلة لوحي الله الأخير للبشر وذلك لمنحه حق التفرد إذ ليس محببا أن يدخل في تنافس مع كتب جاء ناسخا لها فيحصل للمؤمنين التشويش بتعدد مصادر الوحي الإلهي، وهذا ما نرى تطبيقه في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث رأى عمر بن الخطاب يقرأ في صحيفة فيها شيء من التوراة فقال : "أوَ في شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي" حسنه الألباني في إرواء الغليل 1589

    (2) إن الرسل السابقين كانت رسالتهم محدودة المكان والزمان وموجهة لقوم معينين لا تتجاوزهم، وينسحب هذا التخصص – إن صح التعبير - لكتبهم فكتبهم لا تصلح لأزمنة غير زمانهم، وشرائعها لا تلائم غير تلك الأقوام، ولما أتم الله النعمة على البشرية بأن بعث خاتم النبيين وأنزل عليه وحيه الأخير والمتمثل بالقرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، جعل هذا الوحي هو الصالح حصرياً لسائر البشر ولجميع البيئات والقادر بشريعته المحكمة على إقامة مملكة حقيقية لله في الأرض تحقق التوازن بين الدنيا والدين، ويتفيأ في ظلال عدلها الكافر قبل المؤمن حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهنا تغيب قيمة الكتب السابقة كون الهيمنة والتشريع لآخرها، ولذلك فإن عيسى عليه السلام عند نزوله إلى الأرض قبل قيام الساعة ينزل متبعا للقرآن، ويصلي خلف إمام المسلمين ويكسر الصليب ويقتل الخنزير إعلاما للبشرية بأنه على التوحيد الخالص وأنه من أتباع محمد.

    وبهذا فإذا كان النصارى شغوفين بمعرفة مكان التوراة والإنجيل الصحيحين فعليهم بالقرآن لأنه جمع محاسن الكتب قبله، وفاقهما جمالا وجلالا.
    إن القرآن الكريم فيه خبر ما قبلنا ونبأ من بعدنا، وقد تضمن بين دفتيه كل فضيلة وحكمة حوتها كتب أهل الكتاب الصحيحة، وأما الكتب التي بين أيديهم والتي طالتها أيادي التحريف فهو حَكـَمٌ عليها يشهد للحق فيها بالصحة والثبات ولغير ذلك مما خالفه وخالف التوحيد بالبطلان، إن القرآن حافظ لما كان في كتب الأولين من أصول الشرائع وهو المرجع والمؤتمن لكونه اشتمل على ما هو معمول به من الأحكام وما نسخه الله، وفي ذات الوقت فإن القرآن هو الفاضح لجرائم الذين حرّفوا وبدلوا كلامه.

    وقبل أن أختم كلامي فأحب أن أضرب للنصارى العقلاء مثلا يقرّب للأفهام قضيتنا، فلو أن دولة يحكمها الدستور أصدرت قانونا في شأن من الشؤون، وأسمته (القانون المؤقت) أو غير ذلك.. وبعد عقود استجد من الأحداث وتغيّرت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما جعل هذا القانون عاجزا عن تلبية حاجة المجتمع، فاجتمعالمشرّعون وعكفوا على تعديل القانون وخرجوا بقانون سموه (القانون الدائم) ونسخوا به القانون المؤقت، فهل يجوز عندها لشريحة من المواطنين أن تصرّ على العمل بالقانون المؤقت السابق وترفض التحاكم للقانون الجديد؟؟

    وأخيرا فإني أقول للنصارى العقلاء إذا أردتم أن يؤتيكم الله أجركم مرتين وتنالوا شرف اتباع نبيين كريمين هم عيسى وأحمد عليهما السلام فأجيبوا دعوة ربكم القائل: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون * قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فأمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون" (المائدة 157 – 158)
    ...


    منقول من بريدي الألكتروني
    ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
    [ النحل الآية 125]


    وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [ الأنعام الآية 108]



  • #2
    المشاركة الأصلية بواسطة Alaa El-Din مشاهدة المشاركة
    وأخيرا فإني أقول للنصارى العقلاء إذا أردتم أن يؤتيكم الله أجركم مرتين وتنالوا شرف اتباع نبيين كريمين هم عيسى وأحمد عليهما السلام فأجيبوا دعوة ربكم القائل: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون * قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فأمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون" (المائدة 157 – 158)
    سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الحديد-31
    صورة خاتم المرسلين سيدنا محمد ستبقى مشرقة مهما حاول المشككون تشويهها.
    وكذلك سيبقى نور القرآن الكريم مضيئاً براقا مهما حاول الملحدون الإساءة إليه.
    يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( التوبة )

    تعليق

    مواضيع ذات صلة

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ أسبوع واحد
    ردود 0
    4 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة *اسلامي عزي*
    بواسطة *اسلامي عزي*
     
    ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 2 أسابيع
    رد 1
    12 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة *اسلامي عزي*
    بواسطة *اسلامي عزي*
     
    ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 ينا, 2024, 02:46 ص
    ردود 2
    21 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة *اسلامي عزي*
    بواسطة *اسلامي عزي*
     
    ابتدأ بواسطة رمضان الخضرى, 18 ديس, 2023, 02:45 م
    ردود 0
    75 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة رمضان الخضرى  
    ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 سبت, 2023, 02:21 ص
    ردود 0
    71 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة *اسلامي عزي*
    بواسطة *اسلامي عزي*
     
    يعمل...
    X