سلسلة هل تفسر الأديان ما عجز عنه الانسان ؟؟ الجزء التالت

تقليص

عن الكاتب

تقليص

لخديم مسلم اكتشف المزيد حول لخديم
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة هل تفسر الأديان ما عجز عنه الانسان ؟؟ الجزء التالت

    المرابط ولد محمد لخديم
    رئيس الحمعية الوطنية للتأليف والنشر
    موريتانيا
    لقد تقدم في منتدي الاسلام العام الجزء الأول من هذه السلسلة وفي هذا المنتدي سنواصل بحول الله عرض باقي السلسلة..
    خلق الله الإنسان بيديه في أحسن تقويم، ثم نفخ فيه من روحه، وخصه بقسمات وطبائع خاصة به، وسوى بنانه وأفرده ببصمة لا يشاركه فيها أحد لتكون بمثابة توقيعه، ووهبه العقل ميزه به عن سائر مخلوقاته، وأمره بإعماله في الكشف عن قوانين الكون المسخر له، وهداه النجدين وخيره أن يسلك أحدهما بمحض اختياره، وحمله المسؤولية أمانة أبت السماوات والأرض أن يحملنها وأشفقن منها, وحملها الإنسان شفقة واعتدادا. فأسجد الله له ملائكته تقديرا وإكبارا وحسن ظن به، في أنه سوف يحسن اختيار طريق الخير بكدحه وجهده ومعاناته رغم قدرته على اختيار طريق الشر.
    ثم جعل منه الذكر والأنثى، وسيلة لحفظ نسله ونمائه، وجعل من آياته فيه اختلاف ألسنته وألوانه، وجعل منه شعوبا وقبائل وأمما وحضارات، تتدافع وتتخاصم ثم تتناحر وتتعارف وتتفاهم، وعد ذلك الاختلاف ضرورة لتطور الإنسانية ونموها وتلاقح الثقافات وارتقائها.
    (والإنسان بفطرته طلعة لا يقتنع من الحياة بمظاهر أشكالها وألوانها كما تنقلها إليه حواسه أو كما ينفعل بها شعوره، بل يتناولها بعقله، وينفذ إليها ببصيرته ليعرف حقيقة كل شيء.!!. من أين جاء؟ وكيف صار؟ وإلا ما ينتهي؟.
    وهو في إشباع رغبته تلك لا يدخر وسعا من ذكاء أو جهاد حتى يبلغ من ذلك ما يطمئن إليه عقله وتستريح به نفسه. وكذلك كان شان الإنسان في بحثه عن الله، الحقيقة الكبرى التي هي مصدر وجود هذا العالم واليها مصائر أموره.. فلقد أكثر من التطلع إليها والبحث عنها حتى تفرقت به السبل واختلفت فيها مذاهبه، إذ لا شك أن هذه النظرات المتطلعة إلى تلك الحقيقة الكبرى قد أخذت ولا تزال تأخذ صورا وأشكالا متعددة متباينة، تختلف باختلاف الناس واستعدادهم الفكري وما يحيط بهم من ظروف الحياة وأحوالها. فلكل وجهته التي هو موليها، ولكل مبلغه من العلم وحظه من التوفيق.
    فبينما يصل إليها بعضهم عن طريق النظر في ملكوت السموات والأرض على اختلاف في مجال هذا النظر عمقا وامتدادا، إذ يصل إليها بعضهم الآخر عن طريق العاطفة المجردة عن الإدراك، الواقعة تحت تأثير الوراثة أو السماع والتي لا تكاد تلامس الفكر أو تثيره. وبين هؤلاء وهؤلاء طوائف وطوائف تقطع الطريق إلى تلك الحقيقة في مراحل متعددة تخلط بين العاطفة والفكر بنسب وأقدار متباينة.
    ومن هنا نستطيع أن نقول أن لكل إنسان تصورا خاصا لإلهه الذي يعبده والذي ينزل من نفسه المنزلة التي هداه إليها عقله أو قلبه، احدهما أو كلاهما، وبالقدر الذي تكشف له من الحقيقة، وعلى الصورة التي تمثلت في خاطره.
    ولذا تعددت الآلهة وتفرقت بالناس مذاهب الرأي فيها، فكان لكل امة ربها، ولكل جماعة دينها، ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم﴾ (64) ولا نريد أن نبحث في تاريخ الأديان بعيدها وقريبها، ولا أن نستقصي تعدد المعبودات والبواعث التي دعت إليها، والصور والأشكال التي ظهرت فيها، ولا أن نتحدث عن فكرة التوحيد أو التعدد فذلك ما لا سبيل إليه في هذا المقام، وإنما نريد أن نقول إن صورة الإله أو الآلهة التي عبدها الناس منذ كانوا إنما كانت وليدة اقتناع وإيمان أيا كان حظهما من العمق، ومداهما من الصدق.
    فعابد النار أو الحجر أو الحيوان أو الشمس أو القمر إنما عبد معبوداته تلك بعد أن ملكت عليه زمام نفسه، وأخذت بمجاميع قلبه، وتمثلت له قوة خارقة لا حد لها، إليها مصائر أموره، وعليها مدار ضره ونفعه، فآمن بها واستسلم لها ووجه إليها وجهه وقلبه وعقله. وسواء أكان هذا الإيمان منبعثا من أعماق النفس أم ملقى إليها من طريق الإيحاء والإغراء، فهو على أية حال إيمان ملك النفس وخالط المشاعر، وبغير هذا لا يكون إيمانا ولا يسمى دينا. وانه إذا لم يبلغ هذا الحد فستظل نفس الإنسان فارغة خواء، وسيظل الإنسان قلقا مضطربا حتى يقع على الإله الذي يسكن إليه قلبه ويطمئن به وجدانه..
    ويعتبرالدين من أقوى النظم الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات البشرية منذ بدء الخليقة… ولئن اختلف العلماء في تحديداتهم لماهيته.وتضاربت آراؤهم حول تحديد مصادره.. أو سبب وجوده .. فإنهم لا يختلفون على أنه موجود كظاهرة اجتماعية صاحبت الإنسان في جميع أطواره الثقافية عبر التاريخ.وان له علاقة تأثير وتأثر بمعظم النظم الاجتماعية السائدة في المجتمع لعلاقته بالإنسان وارتباطه بصميم الواقع الاجتماعي.
    وتقوم أي ديانة أو عقيدة على أسس معينة وقد تسمى هذه الأسس مثلا(الكتاب المقدس أو الأناجيل، أو حتى مؤلفات ماركس وانجلز ولنين، بحيث تحدد تلك الأسس طبيعة الهيكل المقام عليها ولا بد أن تكون هذه الأسس قادرة على تحمل البناء المقام عليها، فهي أسس ثابتة تم وضعها ورسوخها ولا مجال لتغييرها.
    ينطبق هذا على الإسلام أيضا، فقد قام صرحه على أسس ثابتة راسخة، لا تغير فيها ألا وهي القرآن والسنة.
    بعد هذا تتفق الأديان والعقائد (الإيديولوجيات) الفكرية، في أن نموها الحقيقي رهن بمجابهتها لمختلف التحديات، الموجودة في كل بيئة ومكان، وفي كل زمان.
    هذه المجابهة ينتج عنها بنيات فكرية متراكمة، أو مدارس ومذاهب معقدة، بحيث لا يمكن تفادي تراكبها المتزايد، إلا أن يأتي عليها حين من الدهر، تستقل فيه بطابع مستقر الملامح، هو الطابع التقليدي، أو لكلاسيكي أو الارثودكسي. ثم تغدوا هذه التقليدية أو لكلاسيكية المثل الأعلى الذي يحتذيه المؤمن البسيط والشيوعي الساذج، وذلك لعجزهما عن الاجتهاد واتخاذ حكم خاص نابع منهما، نظرا لتشابك الفروع وتشابه الأمور وتشاكلها، وتعقد البنية الفكرية للعقيدة أو المذهب.
    في مثل هذه المرحلة يتبدى سلطان الفقهاء، والقساوسة والخبراء، ويمسى القول في العقائد والمذاهب حكرا عليهم.
    هذه الحتمية التاريخية جعلت الأديان والإيديولوجيات كذلك متفقة على ضرورة العودة إلى الدين كما انزل أصلا، أو إلى محاولة رؤية جديدة الأصول إيديولوجياتها أو عقائدها الفكرية، آملة أن تستطيع إزاحة الرواسب والتراكمات التي ليست من الدين أو العقيدة في شيء، والتي ألصقها الإنسان باختلاف الزمان والمكان بالأديان، هادفا إلى التعرف على المشاكل المعاصرة، والتعامل معها، من خلال تشخيصها ورؤيتها رؤية حديثة.
    من هنا، تعددت الرؤى الإصلاحية: فاتخذ البعض البروتستانتية أو الإنجيلية بدلا من الكاثوليكية، وحاول البعض تبني وتطبيق فلسفة ماركس المفكر، ولجأ البعض إلى (تعصير) توماس مبستر، ولم يتورع البعض الآخر عن خلقة صورة غريبة للمسيح، تحفل بعناصر وملامح من هنا وهناك، مثلما فعل فرانس ألت(66)
    والآن لنعالج الموضوع بشعور من الإجلال، لا تحده الحدود الدقيقة التي تفرضها العقائد الدينية، أو الحقائق العلمية بشان سبب العقائد الدينية ومصدرها، ولنتصور لأنفسنا الدين المعترف عليه والذي يقوم على أسس قادرة على حمل البناء المقام عليها ولا مجال لتغييرها. وبذا يمكننا أن نحكم، وأمامنا الموضوع كاملا. وبهذه الطريقة يمكننا أن نعلم أي من هذه العقائد يحمل هذه المواصفات ? ويفسر لنا ما عجز عنه الإنسان!.
    إن المتناول لتاريخ الأديان يصطدم دائما بمصطلح يطلق عليه (الأصولية) ويختلف تعريفها من دين إلى آخر ففي حين يُعرفها متحرري اليهود من (الليبراليين) الكاثوليك السلفيين، والمسيحيين المطالبين باتخاذ آراء ليففر(67) بأنها تعصير الدين كي يتفق ومتطلبات العصر الحديث. يرى البعض الآخر أنها إحياء الدين بالرجوع إلى مصادره الأولى وهذا يمكن أن يحدث في سبيل أصولية عاقلة، تستند إلى الوحي أساسا لها، متفهمة مغزى الوحي والغاية منه، بهدف التكيف معه في العصر الحديث، أو في سبيل صحوة أصولية في مجال الأدب الملتزم، الذي يدور بالدرجة الأولى حول العودة إلى الكلمة وحدها، آخذا إياها مأخذ الجد كما أسلفنا.
    أما الاتجاه الأول، فيريد العودة إلى المصادر الأولى للعقيدة، دون التقيد بمنهجية محددة، وأما الاتجاه الثاني، فيريد الاقتصار على النص الحرفي للمصادر، فالاتجاه الأول يريد التأويل أو التفسير الجديد للمصادر الأولى، وهذا عينه ما يرفضه الاتجاه الثاني رفضا قاطعا. هذان الضربان من الأصولية، موجودان في الإسلام على أن المصطلح (Fundamentalism) بالانجليزية ليس له مطابق في العربية لأنه مصطلح منحوت من أصل غربي لكي يطلق على ظاهرة (غربية)، وإذا عدنا إلى أصول الكلمة أدبيا فإننا نرى انه استعمل أول الأمر لتميز الأمريكيين البروتستانت في القرن 19 الذين أكدوا على عصمة الإنجيل خاصة في قصة الخلق حيث رفضوا النظرية "الفجة" التي تطورت عن نظرية دارويين في النشوء والارتقاء.
    ونفس المفهوم نجده عند القائلين من اليهود بالعصمة الحرفية المطلقة لتوراتهم ومنهم الحاخام شنيرزومس في نيويورك وقومه من يهود (بيت المقدس) التابعين لحركة لباويت الدينية).
    بهذا يتبين أن الأصولية لا توجد في الإسلام وحده، وإنما في الديانات الأخرى. أما عن تعريف الأصولية في الإسلام: فهي عبارة عن موقف فكري ورؤية عالمية بالمعنى البعيد ترى الالتزام بالإسلام كما كان في أول عهده، وكما عرفه السلف الصالح من الصحابة منطلقا ومثالا يحتذي يه، في صياغة المعايير والقيم وقواعد السلوك والمعاملات، في عملية بناء الحضارة.
    لقد صيغ المذهب الفقهي لابن حنبل الإسلام كما يعرفه السنيون، مع الأخذ بالانتقادات الفلسفية التي قال بها الاشاعرة، من القرن العاشر الميلادي فظهر تأثير الأصولية البالغ، والذي كان يلح، فيما يبدوا، على المعنى الظاهر الحرفي للكلمة فحسب.
    ولقد قام بإحياء الإسلام الإمام أحمد بن حنبل وبعده كل من:الشيخ ولي الله (توفي 1763) ومحمد بن عبد الوهاب ( المتوفي عام1787) وهو مؤسس ال*****ة السعودية، والسنوسي والحركة السنوسية الليبية في الثلاثينيات، والإخوان المسلمون في مصر، والجماعة الإسلامية الباكستانية وقد اتهم مثقفو الأصوليين آنذاك بما يتهمون يه اليوم أيضا, بأنهم سذج، متأخرون وأغبياء، وذلك لاستمساكهم بالظاهر الحرفي للنصوص، علما بان وسائلهم في الدرس والتحليل والاستنتاج ومعالجة النصوص، تتفق وأفضل نتائج فلسفة اللغة التحليلية للمعاصرين في أوطانهم.
    وبينما ألحت الدراسات النقدية العلمية للعهد الجديد على اتهام موثوقية نصوصه، ومن ثم شجعت على عدم الاعتقاد في المسيحية، أدت دراسات المستشرقين النقدية العلمية الدقيقة الممحصة للقرآن إلى الإقرار الكامل بموثوقية النص القرآني، وإحكامه التام، وانسجامه المذهل مع الثابت من نتائج أبحاث العلوم الطبيعية والكونية، وزادت تلك الموثوقية تثبيتا ورسوخا.. فما هو الدليل على ذالك؟
    للإجابة على هذا السؤال يجدر بنا أن نعرض لنظرية جديدة في علم النفس التربوي بالإضافة إلى الطرق الفكرية المعروفة: الطريقة العلمية والعقلية..لتقوية الاستدلال؛
    تقول هذه النظرية: إن الكلام مرآة لنفسية المتكلم بمعنى أن الإنسان كلما أفاض في الكلام وتحدث تتجلى مظاهر نفسيته وخصائصها في كلامه. ومنذ القديم والناس يقولون الكلام صفة المتكلم، ومصداقا لهذا نجد أن المحققين لما يباشروا التحقيق مع المتهمين يسألونهم عن حياتهم، عن ظروف معاشهم، عن هوياتهم، عن أعمالهم، من اجل استدراجهم للمزيد من الكلام. ليتبينوا خصائص نفسياتهم، مع العلم أن الأساليب تختلف ما بين متكلم وآخر ولا يستطيع احد أن يتخلى عن أسلوبه ليتبنى أسلوب أخيه أو زميله أو صاحبه لماذا؟ لأن هناك إلى جانب الجانب الجامع المشترك وهو لإنسانية, خصائص نفسية أخرى, لي خصوصيتي.. النفسية، الأخلاقية، المزاجية، الجدلية، ولك خصائصك النفسية ومن ثم تختلف الأساليب فلا يستطيع زيد أن يقلد أسلوب عمر أبدا ولا يستطيع خالد أن يقلد أسلوب علي إن كانا في عصر واحد أو في غير عصر هذا إلى جانب أنهما يلتقيان في جانب مشترك وهو الطبيعة الإنسانية(69).
    ثانيا: الطريقة العقلية
    وتعرف بأنها منهج معين للبحث يسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه، عن طريق نقل الحس بالواقع، بواسطة الحواس، إلى الدماغ، ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع، فيصدر حكمه عليه وهذا الحكم هو الفكر، أو الإدراك العقلي. وتكون في بحث المواد المحسوسة كالكيمياء والفيزياء، وفي بحث الأفكار كبحث العقائد والتشريع، وفي فهم الكلام، كبحث الأدب والفقه. وهذه الطريقة هي الطريقة الطبيعية في الوصول الإدراك العقلي من حيث هو، وعمليتُها هي التي يتكون بها عقل الأشياء أي إدراكها، وهي نفسها تعريف للعقل، وعلى منهجها يصل الإنسان من حيث هو إنسان إلى إدراك أي شيء، سبق أن أدركه أو يريد أن يدركه والنتيجة التي يصل إليها الباحثُ على الطريقة العقلية ينظر فيها, فان كانت هذه النتيجة هي الحكم على وجود الشيء فهي قطعية لا يمكن أن يتسرب الخطأ إليها مطلقا ولا مجال من الأحوال. وذلك لأن هذا الحكم جاء عن طريق الإحساس بالواقع، والحس لا يمكن أن يخطئ بوجود الواقع، إذ أن إحساس الحواس بوجود الواقع قطعي، فالحكم الذي يصدره العقل عن وجود الواقع في هذه الطريقة قطعي.
    أما إن كانت النتيجة هي الحكم على حقيقة الشيء أو صفته فإنها تكون نتيجة ظنية فيها قابلية الخطأ لأن هذا الحكم جاء عن طريق المعلومات, أو تحليلات الواقع المحسوس مع المعلومات، وهذه يمكن أن يتسرب إليها الخطأ ولكن تبقى فكرا صائبا حتى يتبين خطؤها. وحينئذ فقط, يحكم عليها بالخطأ ولهذا فان الأفكار التي يتوصلُ اليها العقل بطريقة التفكير العقلية ان كانت مما يتعلق بوجود الشيء, كالعقائد, مثلا وجود الله, والقرآن الكريم من عند الله, ومحمد رسول الله الخ…فإنها أفكار قطعية.
    وان كانت مما يتعلق بالحكم علي الشيء وصفته كالأحكام الشرعية فإنها أفكار ظنية, أي غَلبَ على الظن أن الشيء الفلاني حكمه كذا, وهذا الحادث المعين حكمه كذا, فهي صواب يحتمل الخطأ ولكنه يبقى صوابا حتى يتبين خطؤه. والطريقة العقلية لا بد لها من توفر أربعة عوامل هي:
    1)- الواقع 2)- الإحساس 3)- الدماغ 4)- معلومات سابقة.
    وسنعرض لهذه العوامل بشيء من التفاصيل.
    فمثلا: لو سئلت عزيزي القارئ عن معنى كلمة (وضيمة) لوقفت متحيرا مرتبكا بماذا تجيب؟ وقلت أخير لا ادري، مع أن كلمة وضيمة هي الواقع الذي وقع تحت طائلة سمعك وسُميتٌ واقعا لأنها وقَعتٌ عليها إحدى الحواس الخمس وكل شيء يقع تحت طائلة احدى الحواس الخمسيسمى واقعا، وكلمة وضيمة التي هي الواقعُ وقعت تحت السمع ُنقلتٌ فورا بواسطة السمع إلى الدماغ فانطبعتٌ فيه ومُيزتٌ عنٌ سواهَا من الانطباعات، نتيجة لهذه العملية التي جمعت العوامل السابقة وهي:
    1ـ الواقع: الذي هو كلمة "وضيمة"
    2ـ الإحساس بالواقع: ألا وهو السمع
    3ـ الدماغ الذي يميزُ الانطباعات.
    وتكون العملية الفكرية قد احتاجت إلى العامل الرابع ألا وهو المعلومات السابقة. لذلك لم يتوفر عند صاحبها حكم واضح على الواقع ـ أي: عن معنى كلمة وضيمة.
    (ونفس الشيء يطلق على الكلام الذي لا تتوفر عنه معلومات سابقة) مع انك أيها القارئ لو سئلت عن معنى كلمة "وليمة" لأجبت على الفور: دعوة إلى الطعام، لماذا أجبت بهذه السرعة؟ لأنه متوفر لديك العوامل الأربعة، ألا وهي:
    1ـ الواقع: معنى وليمة
    2ـ الإحساس: الذي نقل هذا الواقع إلى الدماغ.
    3ـ الدماغ: الذي ميز انطباع هذا الواقع
    4ـ المعلومات السابقة: التي رُبطتٌ بالعوامل الثلاثة, ونتيجة لهذه العملية الفكرية كان الحكم على الواقع واضحا، وكذلك عندما يقال لك أن كلمة وضيمة تعني: دعوة إلى الطعام في حالة الأتراح (الأحزان) ووليمة تعني دعوة إلى الطعام في حالة الأفراح.
    والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي هذه المعلومات السابقة؟ وما هو مقياسها؟ وما هو الدليل على صحتها؟
    والجواب يكمن في: أن الفكر مؤلف من أربعة عوامل منها عاملان من تكوين الإنسان هما الحواس الخمسة أولا، والدماغ ثانيا. وعاملان خارجان عن تكوينه هما حقيقة الواقع، أولا ، وحالته واسمه، ثانيا.
    فبالإمكان نقل معلومات مشوهة وملفقة عن حالة الواقع واسمه كما بينا آنفا في حالة جمع الأديان في سلة واحدة. وكمثل أن يقال لك: إن المطار ضرب فتذهب لتتأكد فترى أن المطار مازال سليما. فإن حقيقة الواقع الموجود نفت التشويه والتلفيق والتضليل، فمقياس المعلومات السابقة والدليل على صحتها أو كذبها يكون حقيقة الواقع الموجود.
    وبناء على هذا يكون ما تعني هذه اللفظة، وما طعم هذه الفاكهة، وما ينفع أو يضر هذا المركب، وما اسم هذا الشيء، هذه هي المعلومات السابقة التي تعطى مسبقا للإنسان ليربطها، فالعبرة ليست بإعطائها فقط بل العبرة بإعطائها وربطها معا لإنتاج الفكر، لان التدريب على الربط منذ الصغر هو الذي يربط العوامل الأربعة التي هي الواقع، والإحساس بالواقع، والدماغ المميز، والمعلومات السابقة، فيوجد الفكر أي الحكم على الواقع، إلا أن هذه المعلومات إذا كانت صحيحة كان الحكم على الواقع صحيحا وان كانت كاذبة كان الحكم كاذبا والمقياس على ذلك هو حقيقة الواقع الموجود.
    ثالثا: الطريقة العلمية
    هي منهج معين في البحث، يسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه. عن طريق إجراء تجارب على الشيء، ولا تكون إلا في بحث المواد المحسوسة، ولا يتأتى وجودها في بحث الأفكار، ولا تكون إلا بإخضاع المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وملاحظة المادة والظروف والعوامل الأصلية التي أخضعت لها، ثم يستنتج من هذه العملية على المادة حقيقة مادية ملموسة، كما هي الحال في المختبرات. وتفرض هذه الطريقة التخلي عن جميع الآراء السابقة عن الشيء الذي يبحث، ثم يبدأ بملاحظة المادة وتجربتها، لأنها تقتضي, أن يمحو الباحث من رأسه كل رأي، وكل إيمان سابق في هذا البحث، وأن يبدأ بالملاحظة والتجربة، ثم بالموازنة والترتيب، ثم بالاستنباط القائم على هذه المقدمات العلمية، فإذا وصل إلى نتيجة من ذلك كانت نتيجة علمية أي حقيقة علمية خاضعة للبحث والتمحيص، ولكنها تظل حقيقة علمية، ما لم يثبت البحث العلمي تسرب الخطأ إلى ناحية من نواحيها.
    وبناء على هذا التعريف للطريقةالعلمية، والطريقة العقلية، تكون الطريقة العقلية هي الطريقة الوحيدة التي يجري عليها الإنسان من حيث هو إنسان في تفكيره وحكمه على الأشياء وإدراكه لحقيقتها وصفاتها.
    وتأسيسا على هذه الطرق سنحاول تطبيقها على الإسلام لأنه من بين جميع الديانات والفلسفات والثقافات الذي يطالب بالبرهان نقرأ في قوله تعالي ﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين﴾(368) وقوله جل وعلا﴿ قل هذه سيبلى أدعوا إلى الله على بصيرة ﴾ (369) . وهذا الخطاب القرآني يبين أن عقائده مبرهنة فهو يخاطب القلب والوجدان والاعتماد عليهما أساسا للاعتقاد, وهذا ما لا نجده في بعض العقائد الأخرى التي تقول:( آمن ثم أعلم) أو (أغمض عينيك ثم اتبعني). وقد تقدم محاربة الكنيسة للعلم في ما يعرف بعصر الظلام وردة فعل رواد الثورة العلمية اتجاه كل ما يتصل بالدين من قريب أو بعيد..
    وأكثر من هذا فان الإسلام يتبع مسائله بالحجة المقنعة الدامغة, والبرهان الواضح, الذي يملك أزمة العقول ويأخذ الطريق إلى القلوب..
    فالقرآن الكريم يقيم الأدلة في مسألة الألوهية من الكون, ومن النفس, والحياة, وفطرتهم, فلا مناقضة بينه وبين فطرة الإنسان؛
    يقول تعالي ﴿ فلينظر الإنسان مم خلق﴾ (370)﴿ أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت ﴾ (371)﴿ ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من آلهة إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض﴾ (372) (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذونه منه ضعف الطالب والمطلوب﴾ (373) إلى غير ذلك من الآيات فهي تأمر باستعمال الحس لنقل الواقع حتى تصل إلى النتيجة الصحيحة.
    فالحكم على الأشياء ما هي؟ لا يتم إلا بعملية ربط وربط معلومات سابقة، حتى يوجد العقل أي حتى تكون العملية العقلية. ومن هنا كان لا بد أن تكون عند الإنسان الأول معلومات سابقة عن الواقع من قبل أن يعرض عليه الواقع، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى عن آدم عليه السلام (الإنسان الأول)(365)؛﴿ وعلم آدم الأسماء كلها﴾ (366)، ثم بعد ذلك قال عز وجل: ﴿ يا آدم أنبئهم بأسمائهم﴾ فهذه الآية تدل على أن المعلومات السابقة لا بد منها للوصول إلى المعرفة، فآدم قد علمه الله سبحانه وتعالى أسماء الأشياء أو مسمياتها فلما عرضت عليه عرفها.
    فالإنسان الأول وهو(آدم) قد أعطاه الله معلومات ولولا هذه المعلومات السابقة لما عرفها. فتكون المعلومات السابقة شرطا أساسيا ورئيسيا للعملية العقلية أي لمعنى العقل وهو الحكم على الشيء ما هو؟. وعلى ذلك فان الطريق القويم الذي يؤدي إلى معرفة العقل معرفة يقينية جازمة هو انه لا بد من وجود أربعة أشياء.
    1ـ واقع. 2ـ إحساس بالواقع. 3 ـ دماغ. . 4 ـ ومعلومات سابقة عن الواقع.
    وفي الأحكام نجد: ﴿حرمت عليكم أمهاتكم﴾ (374)﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ (375) ﴿أوفوا بالعقود﴾ (376) ﴿وأحل الله البيع وحرم الربا﴾ (377) (حرض المؤمنين على القتال﴾ (378). ﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع..﴾ (379), إلى غيرها من الآيات وكلها تعطي أحكاما محسوسة لوقائع محسوسة وسواء كان للحكم أو للواقعة التي جاء بها الحكم، فهو إنما يأتي بالطريقة العقلية وبهذا نجد أن القرآن سلك الطريقة العقلية..
    أما عن ادعائهم أن القرآن الكريم من صنع محمد, وأنه صلى الله عليه وسلم كان تلميذا لليهود والنصارى. وأن التراث الفكري للمسلمين, إنما هو صدى وامتداد للفكر اليوناني الفلسفي, والفكر الروماني الأدبي..
    فإن البرهان العقلي يطلب منا أولا: أن نستقصى عن ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم عن القرآن الكريم..ففي الحديث الصحيح( ) عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما من مثله آمن عليه البشر, وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي, فأرجوا أني أكثرهم تابعا يوم القيامة».
    ثم نحاول ثانيا: أن نطبق على هذا لادعاء النظرية السابقة التي تقول: الكلام مرآة لنفسية المتكلم لنرى مدى مصداقية هذا الكلام!
    من المعلوم أن الطبيعة الإنسانية تتجلى في نفسية المتكلم، لذالك نجد أن المحققين يستعينون لاكتشاف خفايا نفسية المتكلم لاسترجاعه إلى الحديث لاستزادة من الكلام.
    هذه حقيقة علمية تدرس في علم النفس التربوي. ونظرا لأن الإنسان بشر مطبوع بالصفات البشرية المعروفة, فلا شك أنه عندما يتكلم تتجلى صفاته البشرية الإنسانية المختلفة من خلال كلامه كما بينا ذالك آنفا..)
    وبالرجوع إلى الافتراض القائل: (إن القرآن كلام بشر) أو أنه من صنع محمد فيجب إذن أن تتجلى في هذا القرآن صفات البشر طبقا لهذه القاعدة العلمية. بمعنى أن يكون القرآن مرآة للطبائع الإنسانية المختلفة, تماما كما يتكلم أي إنسان أو أي مؤلف كتاب، ولكننا عندما نقرأ القرآن ونلتمس فيه أي معلمة أو أي مظهر مما يتصل بالطبائع البشرية من صفات لا نجده. فعلى سبيل المثال نقرأ في القرآن:
    ﴿ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون, وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم، وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون(287) وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون (288)..وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون. كل نفس ذائقة الموت و نبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون﴾.(289)
    هذه الآيات القرآنية ما من عاقل يقرؤها أو يصغي إليها إلا ويجد أنها تختلف عن الأفكار الإنسانية وطبيعة الإنسان ومهامه، وشؤونه، حيث أن الإنسان عادة مايتحدث عن أشجانه، عن آماله، عن طموحاته، عن تجارة له، عن اهتماماته، وعلاقته بالآخرين.
    عن أعدائه وموقفه منهم عن أحبائه وأصدقائه، والصلة التي بينه وبينهم، يتحدث عن آماله في بناء أسرة، وفي جمع المال، عن آلامه التي تتعلق بجسمه أو التي تتعلق بأمور أخرى، عن أمنه عن طمأنينته، أو عكس ذالك..هذا ما يتحدث عنه الإنسان أيا كان.ومن غير المعقول أن يتحدث في موضوع خارج عن دائرته الإنسانية وإذا أراد لا يستطيع..
    فالمخلوق ليس من شأنه أن يتكلم ويجعل من نفسه خالقا، المخلوق الذي خلق بالأمس وسيموت غدا ليس من شأنه أن يقول خلقت النجوم بالطريقة التالية..وأبدعت السماوات على النهج كذا.. وأنا سأفعل بالخليقة الإنسانية كذا ..
    إن هذه الآيات تتحدث عن مهمة أخرى ووظيفة أخرى لا علاقة لها بأفكار الإنسان ومهامه وشئونه نهائيا. والملاحظ أن الموضوعات التي طرقتها ليست مما من شأنه أن ينسبه الإنسان إلى نفسه أو أن يدعيه لذاته.
    في حين نرى الخطاب الإلهي هو الذي ينسب هذا الكلام إلى ذاته بلا منازع بدليل الضمير ﴿ ففتقناهما﴾ ﴿وجعلنا من الماء كل شيء حي﴾.
    ومن المعلوم في دنيا العلوم اليوم أن هذا القانون الأخير من أعظم وأوسع وأضخم القوانين الكونية, وهو القائل: إن كلما يتسم بالحياة لا بد أن يكون الماء هو العنصر الأساسي فيه..
    وفي الآية الأخرى:﴿ وجعلنا في الأرض رواسي﴾ يتكلم عن صنعته والرواسي هي الجبال. ﴿ وجعلنا﴾ ينسب هذا المتكلم هذا الأمر إلى ذاته.(290) والمخاطب هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم يقول:
    ﴿ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون﴾(291)
    ﴿ كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالخير والشر فتنة والينا ترجعون﴾ (292)
    يتكلم عن قانون من القوانين الاجتماعية السارية منذ بدأ الخليقة إلى يوم الناس هذا.
    ﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة﴾ أي: امتحانا وابتلاء
    ﴿ وإلينا ترجعون﴾ ولسنا بحاجة بعد هذا إلى بيان مدى تقبل العقل مما يقال بأن القرآن كلام بشر حيث أنه لا يمكن لعاقل أن يتصور أن الذي يقول:
    ﴿ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون﴾.
    ﴿ كل نفس ذائقة الموت ﴾ ﴿ ونبلوكم﴾ ينسب هذا إلى نفسه ﴿ بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ﴾.بدليل قوله﴿ وإلينا ترجعون﴾؟ لأنه لا يعقل أن يقول الإنسان أن البشرية سترجع إليه؟! الإنسان الذي خلق قبل سنوات وسيموت غدا فتح عينيه على هذا الكون وطرح الأسئلة منذ نضوجه من أنا؟ ما هذا الكون ؟!! وإلى أين المصير؟!! هل يمكنه أن يقول الكلام السابق، من إبداع الكون، والخليقة؟! والجواب أن العقل لا يمكنه أن يتقبل هذا الإدعاء. وإذا لم يكن هذا الكلام كلام بشر إذن ما المعنى الذي يشع به هذا الكلام؟!
    إنه يشع بكمال الربوبية هذه الصفات التي يتحدث عنها هذا النص إنما هي صفات الخالق، المدبر، المكون، قيوم السموات والأرض.
    وهذه المعاني التي تنبثق من هذا الكلام هي عبارة عن إشعاع يسري إلى كيان الإنسان أيا كان هذا الإنسان، حتى ولو لم يكن عربيا.
    والإنسان عندما يسمع هذا الكلام فلا بد أن يسري إلى نفسيته ما لم يكن متكبرا.
    أما إذا كان من المتكبرين فإن هذا الإشعاع المنبثق من الكلام السابق الذكر يصطدم بمشاعر الكبرياء في كيان هذا الإنسان ويرتد له..وهكذا..(293).
    ويصف لنا البوطي هذا الصنف من البشر المتكبر من خلال حادثة وقعت في مجتمعه في مجلس عزاء، وهي أن أحد الحاضرين لما سمع تلاوة القرآن، وهو بعد لم يكد يمر على جلوسه دقيقتين، حتى التفت إلى زميله الذي يجلس إلى جانبه وأسر إليه قائلا:
    ( قم فإن هذا الكلام يكاد يغير عقلي) وخرج هاربا، فما الذي خافه هذا الإنسان على نفسه؟! لقد تأثر من شعاع الربوبية الذي يسري من هذا الكلام الذي سمعه إلى نفسيته ولقد كاد أن يدخل إلى نفسيته لكن سرعان ما اصطدم بكبريائه.
    ومن هنا كان الفصل بين جلال الربوبية, وبين نفسية هذا الإنسان. وكانت النتيجة أن قام هذا الرجل يفر لائذا بكبريائه, من الحقيقة التي يلاحقه بها كتاب الله سبحانه وتعالى.
    أي أن القرآن يخاطب العقل الإنساني السليم, لا العقل المتكبر, الذي يعيش في بيئات تشكوا من الفقر الثقافي بكل وجوهه ومستوياته، المائل إلى البساطة في التفكير وإصدار الأحكام القطعية، ورفض كل ما يخالف ما هو عليه، وذالك لأن بيئته، جعلت قدرته على المقارنة محدودة وهذا هو الاستثناء حيث أن الأصل " أن بني البشر يملكون درجة من العقلانية، وتلك الدرجة متوقفة على نحو جوهري على مدى حيوية الثقافة وغناها وانفتاحها، وقبل ذالك الإطار الذي تشكلت فيه.
    إن مما أضر بفهمنا لمسألة نسبة الصواب والخطأ في الأفكار أننا كثيرا ما ننزع الرأي من إطاره البنيوي وبيئته الثقافية والاجتماعية، فيبدو وكأنه يستمد صوابه من ذاته وقدرته على الإقناع ، واقتناع الناس به.
    وهذا حرمنا من فهم المرتكزات .......

  • #2
    سلسلة هل تفسر الأديان ما عجز عنه الانسان ؟؟ الجزء التالت

    المرابط ولد محمد لخديم

    ..العميقة له، ومن فهم البرمجة الثقافية التي وفرها المجتمع لصاحبه(كما أسلفنا).وجعله بالتالي أسيرا لها وهذا ما وقع فيه الكثير من المفكرين والباحثين وهو ما حاولنا تفاديه وقد اكتشفنا أن الخطأ الفكري دائما يأتي من بداية البحث الخاطئة. والنتيجة ستكون بطبيعة الحال خاطئة.
    من هذا المنطلق لم يعد معقولا ما قاله فرعون موسى عند ما ادعى الربوبية والذي قال عنه القرآن: ﴿ أنا ربكم الأعلى ﴾(294). ويوضح لنا البيان الإلهي بعد ذالك كيف أن كلام فرعون جاء بعد ذالك مغموسا بطبيعته البشرية. حيث يقول تعالى: ﴿ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان .. ﴾ (295)
    هكذا يقول الله سبحانه وتعالى على لسان فرعون:﴿ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ﴾. إذن هو يتكلم كإله ثم قال: ﴿ فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا ﴾. إله ولا يجد سبيلا للوصول إلى السماء إلا الطين وأسبابه..
    وهذا الفرعون أو أي فرعون آخر, في أي زمان من أي مكان, ينسى أن بشريته تكذبه بدليل أنه يدعي أنه إله, ثم يقول لهامان أوقد لي على الطين يعني:﴿ ابني لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين﴾.
    وكأن الخطاب الإلهي يبين للبشرية احتياجها إليه. فالإنسان لا يتحرك ساعة إلا ويطلب أشياء لا يدري هل ستتحقق أم لا ؟ يعبر عنها " بلعل" " الرجاء".(296)
    نفس الكلام ينسحب على بعض العلميين في القرن العشرين من بينهم العالم البيولوجي هيكل عند ما قال: " اعطوني هواء, وماء, ومواد كيماوية ووقتا، وأنا أصنع إنسان" .
    ويرد عليه العلامة كريسى موريسون رئيس المجمع العلمي السابق بالولايات المتحدة الأمريكية متهكما بقوله" إن «هيكل» يتجاهل في دعواه الجينات الوراثية، ومسألة الحياة نفسها، فإن أول شيء سيحتاج إليه عند خلق الإنسان هو الذرات التي لا سبيل إلى مشاهدتها ثم سيخلق الجينات أو حملة الاستعدادات الوراثية بعد ترتيب هذه الذرات حتى يعطيها ثوب الحياة(397) ومن الواضح في هذا الكلام احتياج الرجل إلى المادة والأجزاء والوقت..فبالرغم من تقدم الطب في جميع فروعه وبالرغم من إبداعات العلماء في عصرنا والذين يقدمون لنا أجهزة نأخذ بالألباب وتحير العقول فإن خطابهم ما زال مثل خطاب فرعون (موسى) منذ آلاف السنين: الاحتياج و الطلب ..
    ومازال يواجه نفس التحدي الذي كان يواجهه الإنسان الأول: الموت والحياة؛
    التحدي الأول
    1) ـ الموت:
    الإنسان اليوم يموت كما تموت أصغر بعوضة في الكون و(ما دام الإنسان محتاجا ومخلوقا نتيجة لانطباعه بالسمات البشرية, ويموت كما تموت أصغر بعوضه في الكون. على الرغم من تقدم الطب, والعمليات الجراحية وعاجز أن يعرف معنى الحياة والروح، والموت فما معنى قوله تعالى: ﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أحسن عملا﴾ (398) وقوله جل من قائل: ﴿ قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ..﴾ (399) وقوله عز وجل: ﴿ إنك ميت وإنهم ميتون ﴾.(300)
    والجواب: أن الذي يقول هذا الكلام هو الذي خلق الموت والحياة وهو الذي يملك أن يقول: ﴿ إنك ميت وإنهم ميتون﴾.
    إننا هنا أمام ظاهرة تقطع وتجزم من أن الذي يقول هذا الكلام ليس بشرا لأن البشر لا يملك أن يدلي بهذا القرار على مسئوليته وأن يخترق بقراره هذه الأجيال، جيل بعد جيل إلى قيام الساعة. ثم إن هؤلاء العلماء الذين تمتلئ بهم المعمورة الذين يكتشفون كل يوم اكتشافات جديدة والذين يطمحون أن يتجاوزوا الأرض إلى الأفلاك، هؤلاء إلى الآن يموت الواحد منهم كما تموت الذبابة(301).
    التحدي الثاني:
    2) ـ الروح
    يقول تعالى عن الروح ﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾(302).
    هذا الكلام مغموس بالتحدي وهو خطابا للأجيال كلها إلى قيام الساعة تماما مثل التحدي الأول. أي لا تطمعوا أن تعلموا حقيقة الروح وأنتم لم تعرفوا أي شيء عن حقيقة الكون ﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾ يقول البوطي كدليل على عجز العلوم الحديثة عن معرفة حقيقة الكون ما يلي: " هل يتأتى لرجل من الناس وهو يخاطب الناس جميعا أن يقول لهم لن تعلموا حقيقة الروح. هذا الكلام ليس مما يتجرأ إنسان عليه لأن الإنسان يفرض الاحتمالات المختلفة للزمن، والأطوار المفاجئة العجيبة للإنسان، وهو ليس مطلعا على ما قد يأتي به القدر أو ما قد يفاجأ به فكر الإنسان، ولكنه إخبار غيبي يصدر عن خالق الروح والذي يملك أن يقول: ﴿.. قل الروح من أمر ربي﴾ الآية.
    وقد شاء الله عز وجل أن ينطق العلماء في هذا العصر بما يعبر عن إعجاز هذه الآية في كتاب الله سبحانه وتعالى.
    شاء الله عز وجل ذالك وإن لم يكونوا يعرفون أنهم قد وقعوا من حيث لا يدرون على أن هذا الكلام كلام الله عز وجل وليس كلام بشر؛
    ـ في عام 1959م عقد مؤتمر في نيويورك، من الغرب والشرق وأوربا وكان فيهم عالم من أكبر علماء الإتحاد السوفيتي آنذاك اسمه ألكسندر أو باليه وكان شيوعيا.بقي هذا المؤتمر قرابة أسبوع, والموضوع الذي تداعوا واجتمعوا من أجله, هو محاولة الإجابة عن سؤال: هل يمكن إيجاد خلية واحدة عن طريق التفاعل الكيميائي؟
    بحثوا ثم بحثوا ثم إنهم انتهوا إلى القرار التالي:
    " لا يستطيع العلم أن يوجد الروح ولا الخلية الواحدة عن طريق تفاعل كيميائي والعلم لا علاقة له بالروح لأن العلم يسير في طريق والروح يسير في طريق آخر(303)
    فالروح هي التي تعطي الحياة القدرة على الاستمرار، وفي حالة فقد الروح أو خروجها من الجسد كلية فإن الحياة تنتهي سريعا من هذا الجسد، فيموت ولا يستطيع أي مخلوق إعادتها للجسد أو إعادة الحياة إليه. والروح هي سر استمرار الحياة وامتدادها، ولا يعلم حقيقتها إلا خالقها.
    )وإذا رجعنا قليلا إلى (المرحلة الخلوية) قبل تكوين الجنين فإننا نجد أن الحياة موجودة في الحيوان المنوي للذكر، وفي بويضة الأنثى قبل أن يتم التلاقح بينهما، فالحيوان المنوي الحي لا يلقح بويضة ميتة، وكذالك البويضة الحية لا يلقحها حيوان ميت، بل إن حيوية الحيوان المنوي لا بد وأن تكون بدرجة عالية حتى يتم التلقيح، وذالك أن الرجل حين يجتمع بالأنثى فإنه يقذف إليها بمئات الملايين من الحيوانات المنوية، التي تدفع في رحلة وسياق الحياة نحو الهدف وهو البويضة، ولا ينجح في إنهاء تلك الرحلة إلا بضعة مئات فقط من الحيوانات، حيث يستطيع حيوان منوي واحد منها فقط أن يخترق جدار البويضة ليتم التلقيح بينهما، وعند ذالك لا يستطيع أي حيوان منوي آخر اختراق جدار البويضة،
    وعندما يتم التلقيح بين الحيوان المنوي والبويضة يمشج كل منهما ما عنده من مادة الحمض النووي DNA الموجودة على هيأة كروموسومات(chromosomes) تحمل عناصر الصفات الموروثة مع ما عند الآخر من صبغيات، لتتكون بذالك خلية كاملة العدد من هذه الصبغيات (نقطة الأمشاج) وذالك أن كلا من الحيوان المنوي والبويضة يحمل في داخله نصف العدد المميز للخلية البشرية من الصبغيات، فالخلية العادية تحمل ستة وأربعون من لكروموسات موزعة بين الحيوان المنوي 23 كرموزوم والبويضة كذالك. وهكذا تتكون خلية جديدة هي النواة الأولى للجنين وهي الزيجوت zygote، الذي يستقر بعد ذالك بيوم أو أكثر في (قرار مكين) وهو جدار الرحم لتبدأ بعد ذالك مرحلة جديدة من مراحل الانقسام الخلوي والتكاثر الخلوي والتخلق والتمييز إلى أنسجة، ثم أجهزة وأعضاء ، حتى يكتمل تدريجيا المظهر العام الخارجي والتركيب الداخلي للجنين الإنساني304).
    فمنذ الأسابيع الأولى تبدأ الأعضاء في التكوين مبتدئة على شكل براعم وتجمعات خلوية تأخذ في التميز تدريجيا لتصل في النهاية إلى شكلها الطبيعي البشري المميز، وحتى الأسبوع السادس فإننا نجد أن الجنين ينمو طوليا بمعدل مليمتر واحد كل يوم، وبالطبع فإن مليمتر واحد زيادة في النمو الطولي يعني إضافة ملايين الخلايا الجديدة لجسم هذا الجنين النامي، ويلاحظ أن أعلى معدل للنمو يكون بعد نهاية الشهر الرابع من الحمل، حيث تكون أجهزة الجسم قد أخذت شكلها النهائي، ويكون المظهر الخارجي مميزا للجنين البشري، فالوجه والأطراف والأصابع والأعضاء التناسلية قد أخذت جميعها الشكل المميز، وخلال المرحلة السابقة يكون الجنين قد مر بمرحلة العلقة متعلقا بجدار الرحم، مستمدا غذاءه من هذا الجدار بما فيه من أوعية دموية وأنسجة تتحول تدريجيا إلى «المشيمة» وبعد ذالك يأخذ الأشكال المعروفة في علم الأجنة وهي:
    النطفة، العلقة، المضغة، العظام والعضلات، التصوير، التسوية والتعديل،اكتمال الجنين..
    نترك منظار علم الأجنة قليلا. ونقرأ في القرآن قوله تعالى:
    ﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر﴾.(305)
    وبعودة إلى منظار علم الأجنة من جديد فإننا:
    نشاهد الجنين حي بكل ما للحياة من معنى وبكل ما لها من مظاهر وعلامات تدل على وجودها، فها هي الخلايا تنقسم بنشاط وبسرعة كبيرة ، وهاهي العمليات المختلفة مستمرة داخل تلك الخلايا ليل نهار، وهاهي العلقة ثم المضغة المخلقة وغير المخلقة تتغذى وتأخذ حاجتها من دم الأم بواسطة تلك البراعم التي تنمو فيما بعد لتكوين ما يعرف بالمشيئة Placenta، وهاهي تتخلص من فضلاتها عن طريق المشيمة كذالك إلى دم الأم أو عن طريق ما يحيط بالجنين من سائل يسمى الأمنيوزي amoniotie fluid، وها هو قلب الجنين ينبض يندفع الدم في أوعية الجنين الدموية، هاهي عجلة الحياة تدور وتنتظم أمور ذالك الجسد المتخلق وتناسق أعضاؤه وتقترب أجهزته ويقترب مظهره من الشكل البشري الذي يستطيع أن يستقبل الروح تقرا في القرآن قوله تعالى:
    ﴿ فإذا سوينه ونفخت فيه من روحي﴾ (306) ﴿ثم سواه ونفخ فيه من روحه﴾.(307)
    وعلى ذالك نرى أن الحياة في الجنين سابقة على وجود الروح فيه، كما أن وجود الحياة ابتداء لا يتوقف على وجود الروح, والمشاهد أن الجنين الذي لا يتشكل طبيعيا في رحم أمه لا يستمر نموه في العادة وقد يموت في بطن أمه، أو يولد ميتا، ذالك أنه يفقد مقومات استمرار حياته لعدم وجود الروح أو نفخها فيه.(308)
    ومن هنا يمكننا أن ندرك أن الحياة غير الروح، فالحياة في الإنسان سابقة لنفخ الروح فيه، والحياة تبدأ دون اعتبار لوجود الروح في الجنين، ولكنها ضرورية وأساسية لنفخ الروح فيه بعد تسويته، فالروح لا تحل في جنين ميت ولا في جنين بلغ درجة كبيرة من التشوه وعدم التسوية، كما أن الروح ليست نقيضا للموت ولكنها العامل الأساسي لاستمرار الحياة.
    أما ماهية الروح ؟! فهذا ما يجهله العلم البشري قديما وحديثا كما تقدم آنفا.(309) رغم أنه يؤمن بها حيث يؤدي نفخ الروح في الجسد الحي إلى تغيرات يمكن معرفة بعضها بالمشاهدة والاستطلاع لحالات الجسد الإنساني الحي المختلفة، فإن ما يحدث للجنين داخل الرحم بعد نفخ الروح فيه يمكن إدراكه بدراسة ما يحدث له من تغيرات وظيفية، ومن تغيرات في الخواص والحركات والاستجابة للمؤثرات المختلفة والانفعال …الخ.
    ويمكن ملاحظة هذا بالمشاهدة بكل سهولة وذالك بمقارنة ما يحدث في المرحلة السابقة, لنفخ الروح بما يحدث في المرحلة ألاحقة لنفخ الروح كما أسلفنا. وهذا من العلوم التي ما زالت في بدايتها والبحوث فيها كثيرة ولم يتم إلى يوم الناس أي بحث بطريقة إيجابية نستطيع منها أن نستخلص نتائج ذات قيمة في هذا الشأن..
    وبوقوف العلم الحديث عاجزا متحيرا أمام هذه الظاهرة فإننا نجد القرءان يتخطاه ليجيب عليها قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين" (310).
    فها هو الإنسان الأول يخلق من طين، ثم يتكرر خلق الإنسان حسب سنة متجددة، فهو نطفة في قرار مكين تتخلق وتتشكل، ثم بعد ذلك تنشأ خلقا آخر، فما هو هذا الخلق الآخر؟.
    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن ذلك في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود مرفوعا: [إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له: أكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح] (311).
    وهكذا يكشف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سر هذا (الخلق الآخر) ألا وهو نفخ الروح في ذلك الجنين الذي خلقه الله في بطن أمه (وسواه) حتى اكتملت أعضاؤه وأجهزته وأصبح في حالة يستطيع معها أن يستقبل تلك الروح التي ينفخها فيه ملك، وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المرحلة بمائة وعشرين يوما من بداية تخلق الجنين في بطن أمه.
    لكن كيف عجز العلم الحديث عن فهم سر الروح رغم إيمانه بها؟!!.
    كتب فرانسيس كريك (Francis Crick) الفيزيائي الذي كان له الفضلفي اكتشاف الحمض النووي الريبوزي ADN (الذي يعتبر أهم اكتشاف في القرن العشرين) بأن دراسة الدماغ كفيل باكتشاف مصدر اعتقاد الإنسان بوجود الروح.
    ثم بعد ذلك كتب عالم الحشرات والبيئة الأمريكي أدوارد أسبورن Edouard Osborne Wilson قائلا: إن الجهد في دراسة الروح يجب أن ينصب على دراسة الموروثات التي تجعل الإنسان مؤمنا بفكرة الروح ويقول نفس المصدر أن هناك إجماع على أن المنطقة الجانبية من الدماغ والمسمى الفص الصدقي Temporal lebe من المحتمل جدا أن يكون مسئولا عن تنظيم الجانب الروحي في حياة الإنسان وقد تم التوصل إلى هذا الاستنتاج عن طريق الأشخاص الذين يعانون من صرع المنطقة الصدغية من الدماغ حيث ولأسباب غير معروفة يزداد النشاط الكهربائي لهذه المنطقة بمعزل عن بقية الدماغ وهذا يؤدي إلى ظهور أعراض وعلامات من أهمها أفكار دينية وروحية معقدة وأفكار ميتافيزيقية والتعلق بفكرة دينية معينة إلى حد الهوس.
    هذه الملاحظة البدائية شجعت العلماء إلى إجراء تجارب تتركز على قياس نشاط هذا القسم من الدماغ في أشخاص متدينين غير مصابين بالصرع ومقارنته بأشخاص ملحدين وتم التوصل في جامعة كاليفورنيا عام 1997 إلى ملاحظة أن النشاط الكهربائي الدماغي في الفص الصدقي هو أعلى في المتدين مقارنة بالملحد (312).
    والعلم الحديث لا يدرك هذه الروح رغم إيمانه بها لأن عقله محدود الإمكانات ولا يستطيع أن يدرك ما كان خارجا عن حدود تلك الإمكانات، فالعين والأذن البشرية لهما مجال محدود.
    فقد ثبت علميا أن العين البشرية لا ترى إلا في حدود معينة في ألوان الطيف فالضوء الأحمر الذي نراه بالعين له ذبذبة 400.000 مليون ذبذبة بالثانية أما الضوء (تحت الأحمر Infra red) فهو أقل من ذلك فلا تراه العين، والضوء البنفسجي له تردد 700.000 مليون في الثانية فإذا زاد في فوق البنفسجي فلا نراه وقد قدروا الأرواح بأنها ذبذبة أعلى من فوق البنفسجية واقل من الذبذبة (X ray).
    (وبدون الحياة تكون المادة جامدة، ومتى تركتها الحياة عادت مجرد مادة، ولكن تبقى لها القدرة على مواصلة حياة مخلوقات أخرى وبذا تخلد الحياة في الكائنات الحية وأما ما هي الحياة ؟ فذلك ما لم يدره إنسان بعد، فليس للحياة وزن ولا حجم (313).
    وإنسان الأمس واليوم يموت وتخرج روحه ولا يراها بشر ولا يشعر بها، ولا تدركها أجهزته أو تشعر بها آلته، وكل المحاولات التي بذلت في هذا السبيل قد باءت بالفشل التام، مثل محاولات وزن الموتى لحظة موتهم لمعرفة إن كانت الروح لها وزن فيقل وزن الجسم بخروجها مثلا كأن يضعوا إنسانا يحتضر على جهاز به ميزان لتقدير وزن الروح بعد خروجها من الجسم ويضعون على رأسه جهاز (eeg) قياس ذبذبات المخ الكهربائية أثناء الوفاة وعلى قلبه جهاز لرسم القلب (eeg) كذلك وضعوا كاميرات خاصة تعمل بالأشعة تحت الحمراء لتصوير الروح أثناء خروجها (Finfared photography) حيث وجد أنها لا تظهر بالضوء العادي (314) ومثل محاولات تسجيل أو رصد أي موجات أو ذبذبات كهربائية أو مغناطيسية أو كهرومغناطيسية أو صوتية، ومحاولات تسجيل أطياف مرئية أو غير مرئية، كلها فشلت في تسجيل شيء أو التنبؤ بشيء.
    وفي فشل العلم المادي والفلسفات والكتب الأخرى كما سنرى في معرفة حقيقة الروح فإننا نقرأ في قوله عز وجل "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها"(315). ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه للصحابة حين ناموا ففاتتهم صلاة الصبح حيث قال لهم (إن الله قبض أرواحكم حيث شاء وردها حيث شاء) (316). مما يدل على أن الروح تفارق الجسد حين المنام بطريقة لا يعلمها إلا الله، وبذلك يفقد الجسد الصفات التي تضفيها عليه الروح حال يقظته وهي الإدراك والفعل والتمييز والاختيار بين المتناقضات والسمع والبصر والإحساس بالزمن، وكلها إمكانيات تعود إليه بعودة روحه إلى جسده عند استيقاظه.
    وإذا كان العلم الحديث لا يدرك هذه الروح لأن عقله محدود الإمكانيات ولا يستطيع أن يدرك ما كان خارجا عن حدود تلك الإمكانات (317)ولأنه بحث في ما لا يخضع للتجربة ويخرج عن الحواس فقد انقسم الناس في نظرتهم إلى الروح...
    ....يتواصل....
    نرحب بتعليقات القراء الكرام…وآراءهم في موضوع يهم الجميع…
    كما نرجوا من مشرفي الموقع وضع ربط فيديو فرعون موسي عليه السلام من محرك بحث google.ae ليشاهد القارئ صورة ذالك الفرعون الذي ورد في القرآن الكريم ونجاه الله ببدنه ليكون عبرة لمن خلفه من الأمم على مر الزمان…

    تعليق


    • #3
      سلسلة هل تفسر الأديان ما عجز عنه الانسان؟؟ الجزء الرابع

      المرابط ولد محمد لخديم

      ..ومصطلح (الروح) ذوطابع ديني وفلسفي يختلف تعريف ماهيته في الأديان والفلسفات المختلفة، ولكن هناك إجماع على أن الروح عبارة عن ذات قائمة بنفسها، ذات طبيعة معنوية غير ملموسة.
      ويعتبرها البعض مادة أثرية أصيلة من الخصائص الفريدة للكائنات الحية. واستنادا إلى بعض الديانات والفلسفات فإن الروح مخلوقة من جنس لا نظير له في عالم الموجودات وهو أساس الإدراك والوعي والشعور.
      وتختلف الروح عن النفس حسب الاعتقادات الدينية فالبعض يرى النفس هي الروح والجسد مجتمعين ويرى البعض الآخر أن النفس قد تكون أو لا تكون خالدة ولكن الروح خالدة حتى بعد موت الجسد.
      هناك جدل في الديانات والفلسفات المختلفة حول الروح بدءا من تعريفها ومرورا بمنشئها, ووظيفتها, إلى دورها, أثناء وبعد الموت, حيث أن هناك اعتقاد شائع أن للروح استقلالية تامة عن الجسد وليس لها ظهور جسدي أو حسي، ولا يمكن مشاهدة رحيلها. ويعتقد البعض أن مفارقة الروح للجسد هي تعريف الموت, ويذهب البعض الآخر إلى الاعتقاد أن الروح تقبض وتنتهي حياة الجسد، وفي حالة النوم تقبض الروح ويظل الجسد حيا. ولتقريب معنى الروح يجدر بنا للإلمام بهذا المفهوم في الفكر البشري قديمه وحديثه:
      1- مفهوم الروح عند الفلاسفة
      قام افلاطون باعتبار الروح كأساس لكينونة الإنسان والمحرك الأساسي للإنسان واعتقد بان الروح يتكون من : ثلاثة أجزاء متناغمة وهي العقل والنفس والرغبة وكان افلاطون يقصد بالنفس المتطلبات العاطفية أو الشعورية وكان يعني الرغبة المتطلبات الجسدية وأعطى افلاطون مثالا لتوضيح وجهة نظره, باستخدام عربة يقودها حصان، فللحصان حسب افلاطون قوتان محركتان وهما النفس والرغبة ويأتي العقل ليحفظ التوازن. وبعد افلاطون قام أرسطو بتعريف الروح كمحور رئيس للوجود ولكنه لم يعتبر الروح وجودا مستقلا عن الجسد أو شيئا غير ملموس يسكن الجسد. معتبرا أن الروح مرادفا للكينونة وليست كينونة خاصة تسكن الجسد, مخالفا بذلك رأي افلاطون السالف الذكر, موضحا رأيه بقوله انه إذا افترضنا أن للسكين روحا, فان عملية القطع هي الروح.
      وعليه وحسب أرسطو فان الغرض الرئيسي للكائن هو الروح. وبذلك يمكن الاستنتاج أن أرسطو لم يعتبر الروح شيئا خالدا, فمع تدمير السكين تنعدم عملية القطع (318).
      بينما يرى ديكارت (1596-1650) أن هناك روحا ومادة، وان الاتصال بين الروح والمادة غير معروف لنا، وإنما هو آية من آيات الخالق، ليثبت أن الروح وتنظيم الاعتقاد بالروح تقع في منطقة محدودة في الدماغ
      أما الفيلسوف (لبينز) Libinz فيقول: إن العالم بما فيه من أجسام وأرواح يتكون من ذرات (روحية) وكل ذرة مستقلة عن الأخرى وتسير بمقتضى قوانين لها دون أن تتصل بسواها، وكل ذرة فيها جانب مادي (منفعل) وجانب روحي (فاعل) وهذه الذرات تسير بإرادة الله وتعمل بقدرته بصورة يظهر منها أنها تتصل ببعضها، وهي في الحقيقة لا تتصل ولكن قدرة الله تجعل كل ذرة تسير سيرا يوافق سير الذرات الأخرى.
      ويقول ايمانويل كانط في هذا الصدد:
      إن مصدر اندفاع الإنسان لفهم ماهية الروح هو في الأساس محاولة من العقل للوصول إلى نظرة شاملة لطريقة تفكير الإنسان.
      2- الروح عند المصريين القدماء
      تقسم المعتقدات الدينية لقدماء المصريين روح الإنسان إلى سبعة أقسام وهي:
      رين: وهو مصطلح قديم يعني الاسم الذي يطلق على المولود الجديد.
      سكم: وتعني حيوية الشمس.
      با: وهو كل ما يجعل الإنسان فريدا وهو أشبه بمفهوم شخصية الإنسان.
      كا: وهو القوة الدافعة لحياة الإنسان وحسب الاعتقاد فإن الموت هو نتيجة مفارقة كالجسد.
      آخ: وهو بمثابة الشبح الناتج من اتحاد « كا» و« با» بعد الموت.
      آب: وهو « قطرة من قلب الأم »
      شوت أو خيبت: وهو ضل الإنسان.
      3- مفهوم الروح في البوذية:
      ترى العقيدة البوذية: أن كل شيء في حالة حركة مستمرة وتتغير باستمرار وان الاعتقاد بان هناك كينونة ثابتة أو خالدة على هيئة الروح هو عبارة عن وهم يؤدي بالإنسان إلى صراع داخلي واجتماعي وسياسي.
      وتقسم البوذية الكائنات إلى خمسة مفاهيم هي:
      الهيئة (الجسمانية)، الحواس، الإدراك، الكارما (الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي، والعواقب الأخلاقية الناتجة عنها). والضمير وهذه الأجزاء الأربعة يمكن اعتبارها مرادفة لمفهوم الروح وعليه فان الإنسان هو مجرد اتحاد زمني طارئ لهذه المفاهيم، وهو معرض بالتالي لا (لا ـ استمرارية)، وعدم التواصل، يبقى الإنسان يتحول مع كل لحظة جديدة، رغم اعتقاده انه لا يزال كما هو وانه من الخطأ التصور بوجود [ أنا ذاتية]، وجعلها جميع الموجودات التي تؤلف الكون فالهدف الأسمى حسب البوذية هو التحرر التام عبر كسر دورة الحياة والانبعاث، والتخلص من الآلام والمعاناة التي تحملها.
      وبما أن الكارما هي عواقب الأفعال التي يقوم الأشخاص بها، فلا خلاص للكائن ما دامت الكارما موجودة.
      عند وفاة الإنسان فإن الجسد ينفصل عن الحواس، الإدراك الكارما والضمير وإذا كانت هناك بقايا من عواقب أو صفات سيئة في هذه الأجزاء المنفصلة عن الجسد فإنها تبدأ رحلة للبحث عن جسد لتتمكن من الوصول إلى التحرر التام عبر كسر دورة الحياة والانبعاث وحالة التيقظ التي تخمد معها نيران العوامل التي تسبب الآلام (الشهوة، الحقد والجهل) ويسمي البوذيون هذا الهدف النرفانا.
      4- الروح في الهندوسية:
      يعتبر الجيفا Jiva في الهندوسية مرادفا لمفهوم الروح وهي حسب المعتقد الهندوسي الكينونة الخالدة للكائنات الحية, وهناك مصلح هندوسي آخر, يدعى {مايا} ويمكن تعريفها كقيمة جسدية ومعنوية مؤقتة, وليست خالدة, ولها ارتباط وثيق بالحياة اليومية.
      ويبدو أن (المايا) شبيه بمفهوم النفس في بعض الديانات الأخرى, واستنادا على هذا فإن الجيفا Jiva ليست مرتبطة بالجسد أو أي قيمة أرضية, ولكنها في نفس الوقت أساس الكينونة. وينشأ (الجيفا Jiva ) من عدة تناسخات: من المعادن, إلى النبات, إلى مملكة الحيوانات, ويكون الكارما (الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي، والعواقب الأخلاقية الناتجة عنها) عاملا رئيسيا في تحديد الكائن اللاحق الذي ينتقل إليه الجيفا بعد فناء الكائن السابق وتمكن الطريقة الوحيدة للتخلص من دورة التناسخات هذه بالوصول لمرحلة (موشكا) والتي هي شبيهة نوعا ما بمرحلة النيرفانا (الانبعاث وحالة التيقظ التي تخمد معها نيران العوامل التي تسبب الآلام مثل الشهوة، الحقد، الجهل) في البوذية.
      كما يوجد هناك مصطلح آخر في الهندوسية قريب من مفهوم الروح وهي أتمان Atman ويمكن تعريفه بأنه الجانب الخفي أو الميتافيزيقي في الإنسان ويعتبره بعض المدارس الفكرية الهندوسية أساس الكينونة كما يمكن اعتبار أتمان Atman كجزء من لبراهما (الخالق الأعظم) داخل كل إنسان.
      وكما في جميع العقائد والديانات اختلاف فانه يوجد اختلاف وجدل عميق بين الهندوسيين أنفسهم حول منشأ وعرض ومصير الروح فعلى سبيل المثال يعتقد الموحدون (أدفايدا) من الهندوس أن الروح سيتحد في النهاية مع الخالق الأعظم.
      بينما يعتبر الغير موحدون (دفايتا) من الهندوس الروح لا صلة له بالخالق الأعظم وان الخالق لم يخلق الروح ولكن الروح تعتمد على وجود الخالق (319).
      5- مفهوم الروح في اليهودية.
      لم يرد أي تعريف للروح في التوراة أو الإنجيل وإنما استعملت بأوصاف أخلاقية ومعنوية مثل الروح الشريرة أي: الشيطان والروح الرضية التي تفرق بين الناس والروح الخفية كالملائكة واستعمل الروح القدس عن الله.
      ويتضح هذا المفهوم بمقارنة بسيطة لما كتبوا في العهد القديم والعهد الجديد؛
      فهم يذكرون روح الحق أو الروح القدس، وتقابلها روح الضلال أو الروح النجس، فإذا كان الروح مصدرا للخير فيقال له: روح الحق أو روح الخير ومثال ذلك قوله في الإنجيل: (روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله) [ إنجيل يوحنا: في الإصحاح: 14، عدد 17].
      وإذا كان الروح مصدرا للشر فيقال له: روح الضلال أو الشر، ومثال ذلك قوله:
      [من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال] (رسالة يوحنا الأولى في الإصحاح الرابع، عدد: 6).وقوله:[تابعين أرواحا مضلة] [رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس، في الإصحاح الرابع، عدد 1] وفي لوقا: (لأنه كان رجلا صالحا وممتلئا من الروح القدس) (لوقا, ص1 عدد 15) وفي رسالة بولس الأولى إلى تسالوتيكي: (بل الله الذي أعطانا روحه القدس)[بولس، ص 4 عدد 8].
      وفي مقابل تلك الروح نجد في رؤيا يوحنا: (ومحرما لكل روح نجس) [يوحنا، الإصحاح18، عدد3] وورد في إنجيل متى: (إذا خرج الروح النجس من الإنسان)
      [متى: الإصحاح12 عدد 43]. أما في إنجيل مرقص: (وكان في مجمعهم رجل به روح نجس) [مرقص، ص15، عدد 23]. وفي إنجيل لوقا: (فانتهز يسوع الروح النجس) [لوقا في الإصحاح التاسع، عدد 42].
      وهم يذكرون أن هناك أرواحا ربانية وأرواحا شيطانية نجسة، ففي سفر العدد نجد:
      (باليت كل شعب الرب كانوا أنبياء إذ جعل الرب روحه عليهم) [سفر العدد، ص 11، عدد 29]. وفي سفر أشعيا: (ويحل عليه روح الرب) [سفر أشعيا، ص 11 عدد 1] وفي سفر رؤيا يوحنا: (إن كان روح الله ساكنا فيهم) [ سفر الرؤيا يوحنا ص 8 عدد 9].
      وفي مقابل ذلك نجد في لوقا: (وكان في المجمع رجل به روح شيطان). [لوقا، ص 4 عدد 33] وفي رؤيا زكريا: (والروح النجس من الأرض). [رؤيا زكريا، ص 13 عدد 2]. وورد في رؤيا يوحنا( فانهم أرواح شيطان) [ رؤيا يوحنا, ص 16 عدد 14].
      فهناك روح الله أو روح الرب مصدر الخبر والسعادة والحماية، وهناك أرواح الشياطين الشريرة النجسة سبب الشر والتعاسة في الأرض.
      وبجانب المفهومين السابقين اللذين يدوران حول وجود نوعين من الأرواح احدهما يمثل الخير والآخر يمثل الشر، نجد مفهوما للروح الصالحة المستقيمة الفاضلة يقابله مفهوم روح الكذب والضلال، ففي مزمور (وروحك الصالح يهديني) [مزمور 143 عدد 10] وفي سفر دانيال (من حيث أن روحا فاضلة وجدت في دانيال) [سفر دانيال ص5عدد 12]
      أما سفر القضاة (فنجد: [وأرسل الرب روحا رديئا بين أبيمالك وأهل شكيم]). [سفر القضاة، ص9 عدد 23].
      ويقرر الكاتب اليهودي إبراهيم الحوراني في كتابه (السنن القويم في تفسير أسفار الكليم) أن العبرانيين اعتدوا أن ينسبوا إلى الله ما يريدون تعظيمه، فهم يقولون في سفر التكوين:(وروح الله يرف علي الماء) [سفر التكوين,ص9 عدد2] والمعني أنها ريح عظيمة كانت ترف علي وجه الماء, وورد في سفر حزقيال مخاطبا بني إسرائيل: (واجعل روحي في داخلكم) [حزقيال ص 36 عدد 27] أي أجعلكم في حياة اجتماعية سليمة، وورد في سفر، أشعيا خطابا من الله لمدينة صهيون قوله: (روحي الذي عليك) [أشعيا, ص 59 عدد 21] أي روح عظيم على تلك المدينة، وورد في المزمور قوله: (ترسل روحك فتخلق ونجدد الأرض) [المزمور: 104 عدد 30] أي ترسل روح حياة منعشة عظيمة.
      وهكذا نرى ان اليهود قد استخدموا لفظ الروح للتعبير عن أشياء كثيرة، تعبر عن معاني في الفضيلة والرذيلة والخير والشر والمسكن، ففي يوحنا نجد (المولود من الروح هو روح) [يوحنا، ص2،عدد 6] وفي رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس نجد (شربوا شرابا واحدا روحيا) [بولس,ص10,عدد 4]. أما بطرس فيقول في رسالته الأولى إلى كورنتوس: (بيتا روحيا) [بطرس: ص 2 عدد 5] أما في رسالة يوحنا الأولى فيقول (أيها الأحباء، لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هذه من الله؟ لان أنبياء كذبة كبيرة قد خرجوا إلى العالم ). [رسالة يوحنا الأولى، ص 4 عدد 1].
      ورغم استخدام اليهود لكلمة الروح في معان متباينة متعددة واطلاقها على مفاهيم عامة: كالذى ورد في سفر التكوين مثلا أن الخالق الأعظم خلق الإنسان من غبار الأرض ونفخ في انف الإنسان ليصبح مخلوقا حيا، وما ورد عن كل من سعيد ابن يوسف القيومي (وهو فيلسوف يهودي [882-942]) بان الروح يشكل ذلك الجزء من الإنسان المسئول عن التفكير والرغبة والعاطفة.
      وكتاب (كابالاه) Kabbalah (الذي يعتبر الكتاب المركزي في تفسير التوراة ) الذى قسم الروح الى ثلاثة اقسام؛ (نفيش) (Nefesh) وهي: الطبقة السفلى من الروح وتربط بغرائز الإنسان الجسدية وهو موجود من لحظة الولادة
      روخ (Ruach) وهي: الطبقة الوسطى من الروح والمسئولة عن التمييز بين الخير والشر وتنظيم المبادئ الأخلاقية نيشامة (Nushamah) وهي: الطبقة العليا من الروح وهي المسئولة عن تميز الإنسان عن بقية الكائنات الحية(320).
      فإنهم ولا شك كانوا يدركون مفهوما خاصا للروح وإنها سر من الغيبيات.
      بدليل أنه عندما بعث محمد صلى الله عليه وسلم في قومه وأعلن النبوة ذهب بعضهم إلى اليهود يسألونهم في أمر يمتحنون به هذا النبي صلى الله عليه وسلم فطلبوا منهم أن يسألوه في أمر لم يخبر عنه أي نبي من قبله وهو الروح.
      فلما سئل الرسول في ذلك أمهلهم حتى يأتيه الوحي فإذا بالقرآن يرد عليهم ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي… الآية"﴾. وهذا ماسنعرض له بحول الله بشيء من التفصيل في فقرة الروح في الإسلام..
      مفهوم الروح في المسيحية
      حين اجتمع كبار أساقفة النصارى في العالم في مجمع القسطنطينية الأول سنة 381م لمناقشة أسس عقيدتهم، طرح بطريرك الإسكندرية تصوره لروح القدس، ذلك التصور الذي وافق عليه المجتمعون واقروه عقيدة لهم وللنصارى عموما، وهو الآتي:
      (ليس روح القدس عندنا بمعنى غير روح الله، وليس روح الله شيئا غير حياته، فإذا قلنا إن روح القدس مخلوق، فقد قلنا أن روح الله مخلوقة، وإذا قلنا إن روح الله مخلوقة، قلنا إن حياته مخلوقة، وإذا قلنا إن حياته مخلوقة، فقد زعمنا انه غير حي، وإذا قلنا إنه غير حي فقد كفرنا يه ومن كفر يه وجبت عليه اللعنة) وبمقارنة بسيطة بين نصوص التوراة والأناجيل السالفة الذكر المتداولة بين النصارى فإنك تلاحظ أن للروح مفهوم آخر خلاف ما عرضه بطريرك الإسكندرية! . ومما يؤكد هذا الكلام أن لفظ الروح كان دائرا كثيرا على ألسنة المجتمع الإسرائيلي(اليهود) قبل عصر المسيح عليه السلام وفي عصره وبعده.. حتى أنهم كانوا يطلقونه على الطعام والشراب والزرع ففي العهد القديم:مثل شراب روحي، طعام روحي، زرع روحي..
      واليك عزيزي القارئ الدليل من نصوص الكتاب المقدس.
      ففي العهد القديم:

      (وأرسل الرب روحا رديئا), [سفر القضاة: الإصحاح 9، عدد 23] (فمرت روح على وجهي) [سفر أيوب: الإصحاح 4، عدد 15] (وروح من فهمي يجيبني) (فدخل في روح) [سفر أيوب: الإصحاح 20، عدد 2] [مزموز 51: عدد 17] (لان فيه روحا فاضلة) [سفر حزفيال: الإصحاح الثاني عدد 2] (لان فيه روحا فاضلة)
      [سفر دانيال: الإصحاح 6، عدد 3] (اثنين من روحك علي) [سفر الملوك الثاني: الإصحاح الثاني، العدد9] (لكي ترنم لك روحي) [المزمور 30، عدد 12](ولا في روحه غش) [المزمور 32، عدد 2] (لم تكن روحه أمينة الله ) [المزمور 78، عدد 7] (أين اذهب من روحك ) [المزمور 129، عدد 7] (روحك الصالح يهديني) [المزمور 143، عدد 10] (الذين ملأتهم روح حكمه) [سفر الخروج: الإصحاح 28 عدد 3].....

      وفي العهد الجديد من الكتاب المقدس نجد:
      (المولود من الروح هو روح) [إنجيل يوحنا: الإصحاح الثاني، عدد 6] (الله الذي اعبده بروحي) [رسالة بولس إلى روميه: الإصحاح الأول، عدد 9] (لم تكن لي راحة في روحي) [رسالة بولس الثانية إلى كورنتوش: الاصحاح2,عدد13] (روح ابيكم الذي يتكلم فيكم) [إنجيل متى: الإصحاح العاشر، عدد 20] (ويتقدم أمامه بروح إيلياء)
      [إنجيل لوقا: الإصحاح الأول، عدد 17] (جارية بها روح عرافة) سفر أعمال الرسل: الإصحاح 16، العدد16] (أعطاهم الله روح سبات) [رسالة بولس على رومية، الإصحاح 11، عدد 8] (روح الوداعة) [رسالة بولس إلى غلاطية، الصحاح 6، عدد 1] (روح الإيمان ) [رسالة بولس الثانية إلى كورنتوش، الإصحاح 4، عدد 13]
      (وختمتم بروح الموعد ) [رسالة بولس الأولى إلى أفسس، الإصحاح الأول، عدد 13] (روحك الصالح يهديني) [رسالة بولس على رومية، الإصحاح 11، عدد 8]
      (أكلوا طعاما واحد روحيا) [رسالة بولس الأولى إلى كورنتوش، الإصحاح 10، عدد 3] (شربوا شرابا واحدا روحيا) [رسالة بولس الأولى إلى كورنتوش، الإصحاح 10، عدد 4] (بيتا روحيا) [رسالة بطرس الأولى، الإصحاح الثاني، عدد 5] (وقد زرعنا لكم الروحيات) [رسالة بولس الأولى إلى كورنتوش، الإصحاح 9، عدد 11]
      إذا رجعنا قليلا إلى تقرير إبراهيم الحوراني(321) السالف الذكر فإننا نجد أن العبرانيين اعتادوا أن ينسبوا إلى الله ما يريدون تعظيمه.
      كما أن تعبير (روح منه) ذكر في بعض نصوص الكتاب المقدس في العهد القديم والعهد الجديد مثل: (قول بني حث) (322) لإبراهيم عليه السلام:
      (أنت رئيس من الله) [سفر التكوين: إصحاح 23، عدد 6] وورد في رسالة يوحنا الأولى:
      (أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله؟ لان أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم) [رسالة يوحنا الأولى: الإصحاح الرابع، عدد 1]
      يعقب محمد عزت طهطاوي بقوله أن (لا تصدقوا كل روح) يفيد أن الروح شخص آدمي يقتضي التثبيت من أقواله والتحقق منها إن كان نبيا أو مرسلا من قبل نبي من الأنبياء فهو صادق، وعلى الحق إذا دلت البراهين على صدقه، وكاذب إن دلت الأدلة على كذبه معللا كلامه بتقسيمه للكلام السابق إلى قسمين قسم أول;
      يعني الصادقين في قوله: (هل هي من الله؟)
      أما القسم الثاني فيعني الكاذبين وذلك في قوله: (لأن أنبياء كذبة كبيرة قد خرجوا إلى العالم) وفي إنجيل يوحنا، في قول الفريسيين عن المسيح عليه السلام (فقال قوم من الفريسيين هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ فالسبت، آخرون قالوا: كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الأعمال؟ وكان بينهم انشقاق) [إنجيل يوحنا: الإصحاح 9، عدد 16]. فيفهم من هذا القول أن اليهود كانوا يطلقون على الرجل البار انه من الله بخلاف الخاطئ فيقال فيه انه ليس من الله.
      وفي رسالة يوحنا الأولى نجد (أنتم من الله أيها الأولاد وقد غلبتموهم لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم هم من العالم، من اجل ذلك يتكلمون من العالم والعالم يسمع لهم، نحن من الله فمن يعرف الله يسمع لنا، ومن ليس من الله لا يسمع لنا)، [رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الرابع عدد 4 و6، عن رسل الخبر].
      يقول محمد عزت طهطاوي أن قوله: (وأنتم من الله)، و: (نحن من الله)، تعني أننا وإياكم أرواحا هادية مرشدة خيرية. أما قوله (هم من العالم)، و: (من ليس من الله)، تعني أنهم أرواح ضالة مضلة أرضية شيطانية شريرة (323).
      وتعتبر الروح بمثابة الكينونة الخالدة للإنسان وان الخالق الأعظم بعد وفاة الإنسان إما يكافئ أو يعاقب الروح ويشبه الكتاب المقدس الروح برداء رائع أروع من كل ماكان يملكه سليمان.
      وهناك إجماع في المسحية بأن الوصول إلى المعرفة الحقيقية عن ماهية الروح هو أمر مستحيل. بقول المفكر المسيحي أوغسطيس أن الروح عبارة عن مادة خاصة وفريدة غرضها التحكم في الجسد.
      وتختلف المسيحية مثل غيرها من الديانات حول منشأ الروح فالبعض يعتقد أنها موجودة قبل ولادة الإنسان. وعند الولادة يقوم الخالق بإعطاء الروح إلى الجسد.
      بينما يعتقد البعض الآخر أن روح الإنسان تتنقل كمزيج من روحي الوالدين وان آدم هو الشخص الوحيد الذي خلقت روحه مباشرة من الخالق.
      بينما ترى طائفة شهود يهوه أن الروح مطابقة لكلمة نفيش (Nefesh) العبرية والتي حسب تصور الجماعة أنها مشتقة من (التنفس) وعليه فإن نفخ الخالق في جسم أي كائن يجعل هذا الكائن كائنا متنفسا.
      وهناك البعض ممن يعتقد أن الروح تذهب إلى حالة من النسيان إلى يوم الحساب.
      الروح في الإسلام:
      إن مسالة الروح وما قيل عنها يدور في إطار من الكتاب والسنة، ولا يخرج عنها إلا بالقدر الذي يسمح به فهم النصوص فهما لغويا أو شرعيا، وذلك أن الوحي من الخالق سبحانه وتعالى هو المصدر الوحيد لمعرفة الغيبيات التي لا يدركها الحس ولا يصل إلى معرفتها العقل المجرد.. وبما أن الروح من مخلوقات الله كما أسلفنا فلا يعلم أسرارها إلا هو سبحانه وتعالى: ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾ (324).
      يقول (ابن تيمية): أن روح الآدمي مخلوقة مبدعة باتفاق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة، والدلائل على ذلك منها قول الحق تبارك وتعالى ﴿الله خالق كل شيء﴾
      (325). وهو لفظ عام لا تخصيص فيه بوجه ما، ومعلوم قطعا أن الروح ليست هي الله، ولا صفة من صفاته وإنما هي مصنوع من مصنوعاته، فوقوع الخلق عليها كوقوعه على الملائكة والجن والإنس، وكذلك قوله تعالى لزكرياء عليه السلام: ﴿وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا﴾ (326). وهذا الخطاب لروحه وبدنه فإن البدن وحده لا يفهم ولا يخاطب ولا يعقل، وكذلك الآية الكريمة ﴿ولقد خلقناكم وصورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ (327).
      ويفرق ابن القيم في كتابه (الروح) بين النفس والروح قائلا أن النفس في القرآن تطلق على الذات بجملتها كقوله تعالى: ﴿فسلموا على أنفسكم﴾ (328). ﴿يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها﴾ (329). ﴿وكل نفس بما كسبت رهينة﴾(330). كما أنها تطلق على الروح وحدها كقولهتعالى:﴿ياأيتها النفس المطمئنة﴾(331).﴿وأخرجوا أنفسكم﴾(332).﴿ونهى النفس عن الهوى﴾ (333). ﴿وإن النفس لأمارة بالسوء﴾ (334).
      وأما (الروح) فلا تطلق على البدن لا بانفراده ولا مع النفس، وتطلق الروح على القرآن لقوله تعالى: ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا﴾ (335). وعلى الوحي الذي يوحيه الله سبحانه إلى رسله وأنبيائه: ﴿يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق﴾ (336).﴿وينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن انذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون﴾ (337).
      وأطلقت على القوة والثبات والنصرة التي يؤيد الله بها من يشاء من عباده المؤمنين من ذلك قوله سبحانه وتعالى ﴿ أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه﴾ (338). وعلى جبريل عليه السلام: ﴿نزل به الروح الأمين على قلبك﴾ (339). ﴿ونزل به روح القدس﴾ (340) وكذلك على الروح الأنفة الذكر التي سأل عنها اليهود فأجيبوا بأنها من أمر الله. والتي قيل إنها المذكورة في الآيات: ﴿يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون﴾ (341). ﴿وتتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم﴾ (342).
      وكذلك أطلق لفظ الروح على المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام: ﴿إنما المسيح ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه﴾ (343).
      وقد تعني الفرج والرحمة ﴿ولا تيأسوا من روح الله﴾ (344). وقد تعني السعادة والمغفرة: ﴿فروح وريحان وجنة النعيم﴾ (345). وأما أرواح بني آدم فلم تقع تسميتها في القرآن إلا بالنفس ﴿يأيتها النفس المطمئنة﴾ (346). ﴿ونفس وما سواها﴾ (347).
      وأما في السنة فجاءت بلفظ النفس والروح.
      من خلال الآيات السابقة نجد القرآن يقرر بشأن المسيح عليه السلام بأنه (روح منه) فالمراد بذلك أن المسيح روح عالية قدسية خيرية علوية، وليس هو من الأرواح الشيطانية النحسية الأرضية الشريرة أرجع إلى تفاصيل أكثر في عنوان (مفهوم الروح في المسيحية).
      {روح منه} تعني أيضا تبرئة المسيح مما ألصق به أعداؤه بأنه روح شيطانية أو شريرة أو مختل العقل بل روح خيرية علوية قدسية (348).
      فالإتيان بكلمة (منه) بعد كلمة الروح إنما هو للإلماع بهذا المعنى اللطيف، وردا على اليهود الذين كانوا يلقبونه (بعلزبول)، أي الشيطان.
      فقد ورد في إنجيل مرقص في الإصحاح الثالث، عدد 27 عن الكتبة في وصفهم للمسيح: (وأما الكتبة الذين نزلوا من أورشليم فقالوا إن معه بعلزبول، وأنه برئيس الشياطين يخرج الشياطين).وإنجيل مرقص هذا ورد فيه أيضا في الإصحاح الثالث، عدد 30، عن المسيح عليه السلام: ( أجاب الجميع وقالوا بك الشيطان).
      ومن ناحية ثالثة……..يتواصل…
      التعديل الأخير تم بواسطة لخديم; 6 نوف, 2009, 01:20 ص. سبب آخر: ادراج الاسم.....

      تعليق


      • #4
        سلسلة هل تفسر الأديان ماعجز عنه الانسان؟؟ الجزء الخامس

        المرابط ولد محمد لخديم

        ...ومن ناحية ثالثة لرد طعن بعض أقرباء السيد المسيح فيه بأنه مختل العقل، فلم يكن اليهود وحدهم، هم الذين رموا المسيح عليه السلام بما رموه به، بل اشترك معهم بعض أقربائه، فقد ورد في إنجيل مرقص، في الإصحاح الثالث، عدد 21، أن أقرباء المسيح (خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا إنه مختل العقل).
        واختلال العقل كان معروفا في ذلك العصر وشائعا عند اليهود، وسكان إقليم فلسطين بأنه اثر من آثار الأرواح النجسة، وشاع هذا الطعن وراجت سوقه بين أعداء المسيح، وتلقاه خلفهم عن سلفهم جيل بعد جيل حتى عصر النبي صلى الله عليه وسلم ونزول الآية السابقة "وروح منه" والنص لقرءاني الذي عبر عن المسيح عليه السلام بأنه (روح منه) هو قوله تعالى:
        [glow1=ff3300]﴿ يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم، ولا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خير لكم، إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا﴾ (351).
        [/glow1]ومن هذا يتضح أن ما ذكره القرآن الكريم عن المسيح عليه السلام بتعبير: "وروح منه" تعني أنه روح خيرية مطيعة لله، لا أن تكون جزء منه تعالى، وإلا للزم أن يكون مقتضى ذلك وحسب الكتاب المقدس أن جميع الأنبياء السابقين والمرسلين (الذين هم أرواح من الله) أن يكونوا أرواح من الله بحكم قول يوحنا في رسالته الأولى بالإصحاح الرابع عدد1 وللزم أيضا أن يكون جميع المؤمنين الذي عناهم يوحنا أجزاء من الله بحكم قول يوحنا السابق (352). في رسالته الأولى بالإصحاح الرابع عدد:6.
        وكذلك لزم أن يكون إبراهيم جزءا من الله بحكم قول بني حث (353) السابق ذكره في سفر التكوين الإصحاح 23، عدد 6.
        والقرءان لم يقتصر على إضافة المسيح عليه السلام إلى الله بل أضاف إضافات إليه تعالى وكلها إضافات تشريف مثل:
        1ـ روح آدم عليه السلام: وذالك في قوله للملائكة عنه [glow1=ff3333]﴿وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ (354).
        [/glow1]2ـ الناقة معجزة صالح عليه السلام إلى قومه ثمود، وذلك في قوله تعالى:
        ﴿ كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها، فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها﴾ (355).
        3ـ بيت الله الحرام: وذلك في قوله تعالى:.[glow1=ff3333]
        ﴿وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفيين والعاكفين والركع السجود
        (356)

        [/glow1]4ـ عبد الله وذلك في قوله تعالى: [glow1=ff3300]﴿ وإنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا﴾ [/glow1](357).
        5ـ والخطأ يظهر من إضافة كلمة روح القدس وروح منه إلى الله واتحادها به فالإضافة هنا إضافة تشريف وليست تبعيض
        (أي جزءا منه) كما يقال عند العرب: ناقة الله وبيت الله…الخ.
        فمن المعلوم أنه ليس المراد من ناقة الله: الناقة التي يركبها الله، وبيت الله ليس بالبيت بمعنى البيت الذي يسكنه الله، فروح الله إذا: هي روح من الأرواح التي خلقها الله كما أسلفنا، وأضيفت إليه تعالى لقصد التشريف. وبهذا تكون إضافة الروح إلى الله إضافة أعيان منفصلة عن الله، فهي إضافة مخلوق إلى خالقه، ومصنوع إلى صانعه..
        هذا وتبقى [rainbow]الروح [/rainbow]من الأمور التي اختص الله بمعرفتها ويصعب على البشر أن يفهموه لأنه اكبر من علمهم وعقولهم ومهما أوتي الإنسان من علم لن يفهم حقيقة الروح، هذا هو السر في المعنى المغتضب: [glow1=ff3366]﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي..﴾.الآية".
        [/glow1]فقد ذهب المفسرون بعد ذلك إلى شتى التفاسير فمن قائل إن هذا الرد معناه:
        نهي المسلمين عن الدراسة والعلم بهذه القضية بينما ذهب الأكثرية لأنه لم تنص على القول: "قل الروح من علم ربي" , بل نصت ﴿من أمر ربي﴾ والفرق بينهما كبير ومع هذا فقد الفت عشرات الكتب عبر العصور مثل الروح لابن سيناء وكتاب الروح لابن القيم…الخ. إلا أن عقيدة الإسلام تختلف عن وصف اليهود والنصارى لله سبحانه وتعالى بأنه روح (وهي التي تقوم بها الحياة).
        الله في عقيدة الاسلام
        ( الله في عقيدة الإسلام حي بذاته لا يموت، فحياته صفة من صفات ذاته زائدة على بقائه، وحياة الله واجبة له تعالى، فهي صفة وجودية قديمة بذاته، وهي صفة كمال لأن الموت صفة نقص وسبحانه وتعالى منزه عن جميع النقائص وواجب له الكمال فلزم اتصافه سبحانه وتعالى بالحياة، ولو لم يتصف بالحياة لما صح اتصافه بالقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام.﴾ (358)
        قال تعالى: [glow1=ff3399]﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾[/glow1] (359)
        وقال تعالى: [glow1=ff3366]﴿هو الحي لا اله إلا هو﴾ [/glow1](360)
        وقال جلت كلماته:
        [glow1=ff3333]﴿وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده﴾ [/glow1](361)
        وقال سبحانه: [glow1=ff3333]﴿وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما﴾ [/glow1](362).
        من ما سبق يتضح لنا أن رؤية غير المسلمين للروح تتأرجح بين المادية البحتة وبين الأفكار المرتكزة على أصول من الكتب المنزلة، التي تبين أن هناك روحا غير مادية وغير محسوسة وموجودة ضمن تكوين الإنسان، ولذلك لا يلقى التفسير المادي البحت للإنسان قبولا, لافتقاره إلى ركائز علمية أو تجريبية لتأكيد نظريته, كما أن الكتب المنزلة الأخرى وغير المنزلة فشلت في تعريف الروح بدليل امتحان اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم عندما سألوه عن الروح ليجيب القرآن:[glow1=ff0066]﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي…﴾..الآية".
        [/glow1]من خلال ما سبق يتضح لك عزيزي القارئ أن هذا الكلام(القرآن الكريم) يختلف كليا عن البصمات البشرية وإنما هو كلام خالق البشر وهو مظهر لجلال الربوبية.
        وهذا الجانب أيسر الجوانب تأثيرا على الإنسان، وأقربها هيمنة عليه، ثم إن هذا الجانب ليس حكرا للعرب بل إنه يخترق اللغات ويصالح نفسية الذي يقرأ القرآن أو الذي يستمع إليه. وبهذا يشرح لنا هذا الدين حقائق الأمور نهائيا وأصليا, في حين يقتصر العلم الحديث في بحثه على المظاهر الأولية والخارجية.فقط.
        وهذا ما يتضح من خلال رؤية روبير نوزيك السابقة في المقارنة الأدائية المادية التي تشعر بضرورة توسيع رؤيتها إلى خارج السياج المادي، إلا أنها مقيدة بمنطلقها الخاطئ المحكوم بالرؤية الكمية, وهذا ما يتمظهر في رؤية التفكير المادي لما هو خارج سياجه خاصة إذا تعلق الأمر بالأسئلة الوجودية لكبرى؛
        ففي العصر القديم رأوا أن العالم متغير بالمشاهدة والحس, وهذا ما لا سبيل إلى إنكاره وهذا يعني أن العالم حادث، لأن كل متغير حادث, وما دام حادث فهو مخلوق، أي وجد بعد أن لم يكن، ولكنهم رأوا أن تغيره، إنما في أجزائه التي يتكون منها، أما هو ككل فرأوه كما هو، فالكواكب لا تزال كما هي كواكب لم تتغير، والحياة لا تزال في الأحياء هي الحياة لم تتغير والإنسان ما يزال هو الإنسان لم يتغير، فتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس حادثا وإنما هو قديم أزلي لا أول له، فهو إذا، ليس مخلوق لخالق.
        أما في العصر الحديث فرأوا أن حوادث العالم متعددة كما يشاهد ذلك بالحس فهي تنتقل من حال الى حال، ونقلها هذا وجعلها في حركة دائبة ليس ناتجا منها، فإنها بذاتها ومفردها لا تستطيع ذلك ولا تملك دفعه عنها. فكان الأمر الطبيعي أن يتوصلوا بذلك إلى وجود خالق للعالم ولكنهم توصلوا إلى عكس ذلك تماما، غذ قالوا إن العالم بطبيعته مادي، وإن حوادث العالم المتعددة هي مظاهر مختلفة للمادة المتحركة, وإن العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضا بصورة متبادلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة وان العالم يتطور تبعا لقوانين حركة المادة وتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس بحاجة إلى عقل كلي، فليس بحاجة إلى خالق يخلقه لأنه مستغن بنفسه.
        ويرد عاطف الزين على هذه الرؤى القديمة والحديثة بقوله:
        1ـ في القديم نجد أن تغير العالم أمر لا يمكن إنكاره والتغير ليس من أجزائه فحسب بل فيه أيضا ككل. غير أن التغيير لا يعني أن حقيقته قد تغيرت، وإنما وضعه في تغير دائم، فالإنسان والحيوان ونبتة الزرع والشجر والحجر تتغير من حال إلى حال بالمشاهدة، ولكن تغيرها هذا لا يعني أن الحجر يصبح برتقالة أو الحديد يصبح نبتة زرع. وهكذا.. وإنما التغير يكون بالصفات ويكون بالأحوال، وأما تغيره إلى شيء آخر فهو تبدل، والتبدل ليس هو البرهان وإنما البرهان هو وجود التغير.
        وبناء على هذا ليس صحيحا أن العالم ككل لم يتغير، وليس صحيحا أن الكواكب لا تزال كما هي لم تتغير، وليس صحيح أن الحياة كما هي لم تتغير.
        فالعالم في مجموعه بكل ما فيه من كون وإنسان وحياة يتغير فالكواكب متغيرة بالمشاهدة ومجرد حركتها هو تغيير، والإنسان متغير بالمشاهدة وانتقاله من طفل إلى شاب إلى هرم هو تغيير، والحياة, متغيرة بالمشاهدة وكونها تظهر في الإنسان والحيوان والنبتة والشجرة دليل على وجود تغيير فيها فهي متغيرة حتما، وبذلك ينقض ما ذهبوا إليه بأن العالم ليس حادثا لأنه ليس متغير ككل, وهذا كاف لإثبات وجود الخالق.
        وأما بالنسبة لما قاله الماديون في العصر الحديث، فإننا نجد أن موضع الإنكار عندهم هو أنهم يقولون إن العلاقات المتبادلة بين الحوادث، وتكييف بعضها بعضا بصورة متقابلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة.
        وإن العالم يتطور تبعا لقوانين حركة المادة. هذا موضع إنكار وجود الخالق عندهم.
        فالتعقيد جاء إليهم من تفسير ما في العالم من تغيير وانتقال من حال إلى حال، وما فيه من وجود بعض الأشياء بعد أن لم تكن وانعدام بعض الأشياء بعد أن كانت، أو على حد تعبيرهم من تشكل المادة بأشكال مختلفة, ويفسرون ذلك بأنه يحدث من قوانين المادة وليس من شيء غيرها، فقوانين حركة المادة هي التي تؤثر في العالم، وهو يتطور تبعا لقوانين حركة المادة. هذا هو موضع الإنكار، ولذلك كان المطلوب هو حل هذه العقدة عندهم، أي كان محل البحث هو قوانين المادة وليس تغير العالم.
        فإذا ثبت أن هذه القوانين لم تأت من المادة، ولا هي خاصية من خواصها، وإنما هي مفروضة على المادة فرضا ومن غيرها ومن خارجها، فإنه يكون هناك غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك تبطل نظريتهم وتحل العقدة عندهم، لأنه يكون العالم ليس سائرا تبعا لقوانين حركة المادة، بل سائرا بتسيير من أوجد له هذه القوانين وفرضها عليه فرضا، وأجبره على أن يسير بحسبها، فتنتقض النظرية وتحل العقدة.
        أما كون هذه القوانين لم تأت من المادة فلأن القوانين هي عبارة عن جعل المادة في نسبة معينة أو وضع معين، فالماء حتى يتحول إلى بخار أو إلى جليد، إنما يتحول حسب قوانين معينة، أي حسب نسبة معينة من الحرارة.
        فإن حرارة الماء ليس لها في بادئ الأمر تأثير في حالته من حيث هو سائل لكن إذا زيدت أو نقصت حرارة الماء جاءت لحظة تعدلت فيها حالة التماسك التي هو فيها وتحول الماء إلى بخار في إحدى الحالات والى جليد في الحالة الأخرى فهذه النسبة المعنية من الحرارة هي القانون الذي بحسبه يجري تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد، وهذه النسبة: أي كون الحرارة بمقدار معين لمقدار معين من الماء لم تأت من الماء، لأنه لو كانت منه لكان بإمكانه أن يغيرها وان يخرج عنها وإنما هي مفروضة عليه فرضا فدل ذلك على أنها ليست منه قطعا، وكذلك لم تأت من الحرارة، بدليل أنها لا تستطيع أن تغير هذه النسبة أو تخرج عنها، وأنها مفروضة عليها فرضا، فهي ليست منها قطعا، فتكون هذه القوانين ليست من المادة.
        أما كون هذه القوانين ليست خاصية من خواص المادة فلأن القوانين ليست أثرا من آثار المادة الناتجة عنها حتى يقال أنها من خواصها، وإنما هي شيء مفروض عليها من خارجها.
        ففي تحول الماء ليست القوانين فيه من خواص الماء ولا من خواص الحرارة, لأن القانون ليس تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد, بل القانون: هو تحوله بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء.
        فالموضوع ليس التحول، وإنما هو التحول بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء، فهو ليس كالرؤية في العين التي هي من خواصها بل هو كون الرؤية لا تكون إلا بوضع مخصوص.هذا هو القانون, فكون العين ترى خاصية من خواصها، ولكنها كونها لا ترى إلا في وضع مخصوص ليس خاصية من خواصها، وإنما هو أمر خارج عنها، وكالنار من خواصها الإحراق، ولكن كونها لا تحرق الا بأحوال مخصوصة ليست خاصية من خواصها بل هو أمر خارج عنها فخاصية الشيء هي غير القوانين التي تسيره، إذ الخاصية هي ما يعطيه الشيء نفسه وينتج عنه كالرؤية في العين وكالحريق في النار وما شاكل ذلك, ولكن القوانين التي تسيره الأشياء هي كون الرؤية لا تحصل من العين إلا بأحوال مخصوصة وكون الإحراق لا يحصل من النار إلا بأحوال مخصوصة وكون الماء لا يتحول إلى بخار أو جليد إلا بأحوال مخصوصة وهكذا…
        وبهذا ثبت أن قوانين المادة ليست خاصية من خواص المادة، وإنما هي أمر خارج عنها..
        وبما أنه ثبت أن هذه القوانين ليست من المادة ولا خاصية من خواصها فتكون آتية من غيرها، ومفروضة عليها فرضا من غيرها ومن خارجها، وبذلك يثبت أن غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك يثبت بطلان الماديين لأنه ثبت أن العالم ليس سائرا تبعا لقوانين حركة المادة بل هو سائر بتسيير من أوجد هذه القوانين وفرضها عليه فرضا، فيكون العالم بحاجة لمن وضع له هذه القوانين وفرضها عليه.
        وما دام بحاجة إلى من فرض عليه هذه القوانين، فالعالم إذا ليس أزليا يعني انه وجد بعد أن لم يكن فهو مخلوق لخالق. وهذا الأزلي الخالق هو مدلول كلمة (الله)، أي هو الله سبحانه وتعالى.
        والعقل بعد أن يصل إلى الحكم بحقيقة وجود الله عن طريق الآثار التي خلقها الله سبحانه وتعالى يرى نفسه عاجزا عن فهم الحقائق المحيطة والمتصلة به، ويرى من الواجب أن يكون هناك اتصال واضح بينه وبين خالقه ليرشده ويهديه إلى الأمور التي يقف عاجزا أمامها ولا قدرة له على حلها. ولما كان العقل محدود (427) والمحدود لا يستطيع أن يتصل بغير المحدود شاء الله العظيم الخالق المدبر أن يتصل هو بنا.
        ثم أتت رسل تخبر أنها أرسلت من الله، ببراهين تفوق عقل الإنسان، فأتى موسى وعيسى ثم محمدا صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون البرهان الذي يأتي به الرسل هو المعجزة البشرية التي تثبت حقيقته وتبين هويته، وتظهر رسالته وتؤكد بأنه رسول من عند الله.
        والمعجزة الأخيرة هي القرآن الكريم الذي أتى يجدد من الناحية الشرعية علاقات الإنسان بنفسه وبخالقه الكريم، وبغيره من بني الإنسان.
        والقرآن الكريم إما أن يكون من عند العرب وإما أن يكون من عند محمد صلى الله عليه وسلم وإما أن يكون من عند غير العرب.
        فأما انه كان من عند العرب فباطل لأنهم قاوموه وحاربوه ووصفوه بالسحر واتهموه بالكذب، وأما انه كان من عند غير العرب فباطل أيضا لان الإنسان الذي يعيش لغة فيعبر عن آلامه وفرحه بأسلوبها ونسجها لا يمكن أن يجاريه ويباريه الذي يريد أن يتعلمها وخاصة إذا تساويا بالمعلومات وبالقدرة على الفهم، وإما انه كان من عند محمد فباطل لان محمد إنسان والإنسان لا يمكن أن يصل إلى واحدة من هذه الشروط الثلاثة التي تقدم البرهان عليها وكيف ترجمها الحديث الصحيح السابق الذي رواه أبى هريرة..
        هذا ولو اطلعت أيها الإنسان المفكر لأدركت الفارق الكبير(428) بين الحديث والقرءان الكريم وأيقنت أن القرآن الكريم هو من عند غير صاحب الحديث أي من عند غير محمد صلى الله عليه ولو اطلعت على الشعر والنثر الجاهلي وما كان يحيط (429) بمحمد بن عبد الله لأيقنت أن هذا القرآن لم يسبق إلى دماغ محمد صلى الله عليه وسلم شيء من الواقع الذي عاشه. فإذن يكون القرآن الكريم لم يتحدث به احد من قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
        لكن وبعد هذه المحاولة المتواضعة والمباحث الدقيقة الواضحة المتميزة الدامغة للعقل التي أوردناها في هذا الكتاب, يتضح لك عزيزي القارئ أنه لا يكون التفكير تفكيرا ولا العمل عملا، إلا على أساس الإسلام لأنه الوحيد من بين جميع الديانات والعقائد الذي يعترف منذ فجر تاريخه بوجود الأديان الأخرى, مع تحفظه على التغيرات التي يرى أنها زورت أو تغيرت في طبيعة الدين, لكنه يؤمن بأصل الدين. وهو الذي جعل الإنسان يطمئن إلى غده، لكونه متفقا مع فطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها وهذه الفطرة موجودة في الإنسان وقد يحجبها الكفر الذي هو تحويل الإنسان عن فطرته وعن مظاهرها الحقيقية.
        وأصعب ما يواجه الإنسان هو انصرافه عن خصائص طبيعته وفطرته. ويتضح هذا جليا عندما نجد الملحدين حين ينكشف لهم الحق ويشعرون بوجود الله، ثم يدركونه بالعقل إدراكا جازما ـ يسرعون إلى الإيمان، ويشعرون بالراحة والاطمئنان، ويزول عنهم الكابوس الذي كان يغض مضاجعهم..
        وإيمان هؤلاء وأمثالهم يكون راسخا قويا لأنه نابع من الإحساس المؤدي إلى اليقين، لأن عقلهم ارتبط بوجدانهم، فأدركوا إدراكا يقينيا بوجود الله، وشعروا شعورا دقيقا بوجوده، والتقت فطرتهم بعقلهم فكانت قوة الإيمان. ولذلك لا يجوز أن يضطرب الإنسان بناء على دافع الوجدان وحده. بل لا بد من استعمال العقل معه.
        ولا يجوز أن تكون العبادة إلا وفق ما يرشد إليه العقل حتى تكون لمن تهدي الفطرة لعبادته، وهو الخالق المدبر الذي يشعر الإنسان بالحاجة إليه.
        والإسلام الذي أثبتنا بالبرهان انه دين الفطرة هو ذلك الدين الوارد ...يتواصل.....

        تعليق


        • #5
          هل تفسر الأديان ما عجز عنه الانسان؟؟ الجزء السادس والأخير

          المرابط ولد محمد لخديم

          ...والإسلام الذي أثبتنا بالبرهان انه دين الفطرة هو ذلك الدين الوارد [في لغة القرءان وهو ليس اسما لدين خاص إنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء، وأتنسب إليه كل أتباع الأنبياء] (430).
          هكذا نرى نوحا يقول لقومه [glow1=FF0033]﴿وأمرت أن أكون من المسلمين﴾ [/glow1](431).
          ويعقوب يوصي بنيه فيقول: [glow1=FF3366]﴿فلا تموتن إلا وانتم مسلمون﴾ [/glow1](432).
          وأبناء يعقوب يجيبون أباهم: [glow1=FF3366]﴿قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون﴾ [/glow1](433).
          وموسى يقول لقومه: [glow1=FF3300]﴿ ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمون﴾ [/glow1](434).
          والحواريون يقولون للمسيح عيسى ابن مريم: [glow1=CC3399]﴿آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون﴾ [/glow1](435).
          بل إن فريقا من أهل الكتاب حين سمعوا القرءان [glow1=FF0000]﴿قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين﴾ [/glow1](436).
          نرى القرآن يجمع هذه القضايا كلها في قضية واحدة يوجهها إلى محمد صلى الله عليه وسلم ويبين لهم فيها انه لم يشرع لهم دينا جديدا وإنما هو دين الأنبياء من قبلهم.
          قال تعالى [glow1=FF3366]﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه﴾[/glow1] (437).
          ثم ينظم القرءان الأنبياء في سلك واحد ويجعل منهم جميعا أمة واحدة، لها إله واحد، كما لها شريعة واحدة قال تعالى [glow1=FF3366]﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾[/glow1] (438).
          إن هذا الدين المشترك الذي اسمه الإسلام، هو دين كل الأنبياء والمرسلين, وإن الذي يقرأ القرآن يعرف كنه هذا الدين، إنه هو التوجه إلى الله رب العالمين في خضوع خالص لا يشوبه شرك، وإيمان واثق مطمئن بكل ما جاء من عنده على أي لسان وفي أي زمان أو مكان دون تمرد على حكمه، ودون تمييز شخصي أو طائفي، أو عنصري، بين كتاب وكتاب من كتبه، أو بين رسول ورسول من رسله، هكذا يقول القرآن: [glow1=FF6633]﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ [/glow1](439).
          ويقول: [glow1=FF3333]﴿قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون﴾[/glow1] (440).
          فما هو القرآن ؟! وما الخصائص التي تبرهن على أنه من عند الله ؟!
          ولماذا اتخذناه مثالا في دراستنا من بين جميع الكتب السماوية والعقائد الفكرية الأخرى؟! وإذا كان القرآن والسنة النبوية هما مصادر الإسلام فهل يكون هو دين الفطرة الذي تنشده الإنسانية ؟!!
          القرآن هو: اللفظ العربي المعجز المُوحَى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته والواصل إلينا عن طريق التواتر.
          وهذا التعريف يشمل قيودا أربعة هي:
          أولا.المعجز: ويقصد منه ما اتصف به القرآن من البلاغة والبيان الذين أعجزا بلغاء العرب كافة عن الإتيان بأقصر سورة من مثله، رغم التحدي المتكرر، ورغم التطلع الشديد لدى الكثير منهم إلى معارضته والتفوق على بيانه. وللقرآن وجوه غير هذا الوجه في إعجازه، ولكن الوجه المقصود منها عند التعريف هو هذا.
          ثانيا.الموحى به: ومعناه المنزل عليه من الله عز وجل بواسطة جبريل، وهذا أهم قيد في تعريف القرآن وتحديد ماهيته.
          ثالثا.التعبد بتلاوته: والمقصود به أن من خصائص هذا الكتاب الكريم أن مجرد قراءته تكسب القارئ أجرا ومثوبة عند الله، وأن ذالك يعتبر نوعا من العبادة المشروعة، وأن الصلاة لا تصح إلا بقراءة شيء منه ولا يغني عنه غيره من الأذكار أو الأدعية أو الأحاديث.
          رابعا:وصوله عن طريق التواتر. ومعناه أن قرآنية آية من القرآن لا تثبت حتى تصل إلينا بطريق جموع غفيرة لا يمكن اتفاقها على الكذب، ترويها عن جموع مثلها إلى الناقل الأول لها بعد أن تنزلت عليه وحيا من الله عز وجل، وهو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
          ويعقب الدكتور البوطى على هذه التعاريف في كتابه المتميز«من روائع القرآن». الذي اعتمدناه لشموله ومنهجيته, أن هذه القيود الأربعة في التعريف,تبين حقيقة القرآن خالية من كل الشوائب أي ليس بالحديث النبوي أو القراءات الشاذًًة أو الحديث القدسي أو الترجمة الحرفية أو غير الحرفية للقرآن.إذ الحديث القدسي ليس بمعجز والقراءات الشاذة غير متواترة, والحديث القدسي غير معجز, ذالك لأن اللفظ فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم, والترجمة ليست هي اللفظ المنزل. وهذا ما جعل عامة الباحثين من علماء العربية والتشريع والفلسفة والفرق المختلفة يجمعون على أن القرآن معجز. وأن لهذا الإعجاز تعريفان:
          أولهما: هو المعتمد لدى جمهور العلماء والباحثين.
          والثاني: تفرد به أبو إسحاق إبراهيم النظام (ت:231) اللغوي ألمعتزلي المعروف، ثم تبعه في ذالك بعض الناس من فرقته وجماعته.
          وحسب التعريف الأول: فإن القرآن قد سما في علوه إلى شأو بعيد بحيث تعجز القدرة البشرية عن الإتيان بمثله، سواء كان هذا العلو في بلاغته أو تشريعه أو مغيباته.
          أما التعريف الثاني: فهو أن الله قد صرف قدرات عباده وسلب همتهم وحبس ألسنتهم عن الإتيان بمثله.
          ويرى البوطي(267) أن الفرق بين التعريفين هو أن مصدر الإعجاز في التعريف الأول علو منزلة القرآن عن مستوى الطوق البشري، أما مصدره في التعريف الثاني فهو حبس القدرات وصرف الهمم عن معارضته وتقليده، أي فهو قد يكون، والحالة هذه غير بعيدة في منزلته البلاغية عن طاقة البشر ، ولكن الله ، تصديقا لنبيه ولطفا به، صرف الناس عن تقليده ومحاكاته.
          مرجحا تعريف الجمهور لأنه أقرب للعقل والفهم ومستبعدا تعريف النظام ومن شايعه لعدم اعتماده على العقل والمنطق.
          ولم يكن البوطي هو الوحيد الذي انتقد هذا التعريف بل هناك الكثير من الباحثين ممن ردوا عليه حتى أن الجاحظ سخر منه.
          يقول الإمام البقلانى في كتابه إعجاز القرآن:
          " .. لو لم يكن القرآن معجزا على ما وضعناه من جهة نظمه الممتنع ، لكان مبهما حُطً من رتبة البلاغة فيه، ووضع من مقدار الفصاحة في نظمه كان أبلغ في الأعجوبة إذا صرفوا عن الإتيان بمثله، ومنعوا عن معارضته وعُدلت دواعيهم عنه، فكان يستغني عن إنزاله على النظم البديع وإخراجه في المعرض الفصيح العجيب.
          على أنهم لو كانوا صرفوا على ما ادعاه ـ أي القائل بهذا التعريف ـ لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية عما كان يعدل به في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وعجيب الرصف، لأنه لم يتحدوا إليه، ولم تلزمهم حجته. فلما لم يوجد في كلام من قبله مثله، علم أن ما أدعاه القائل بالصرفة ظاهر البطلان").
          ثم يقول بعد ذالك:
          " ومما يبطل ما ذكروه من القول بالصرفة، أنه لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع الصرفةـ لم يكن الكلام معجز، وإنما يكون المنع هو المعجز، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه، وليس هذا بأعجب مما لو قيل: إن الكل قادرون على الإتيان بمثله، وإنما يتأخرون عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه بعد"(268)
          يقول البوطي في هذا الصدد:
          " إن أيسر ما يوضح فساد تفسير إعجاز القرآن بالصرفة، أن الواقع قد خالف ذالك، فلم يصرف الناس في الحقيقة عن الإقبال إلى تقليده ومجازاته. بل قام في التاريخ من حاول أن يعارض، وعارض وأتي بكلام زعم أنه قد حاكي به كلام الله عز وجل، ولكنه جاء مرذولا سمجا لا قيمة له"(269)
          (من ذالك ما حدث من الشاعر العربي لبيد ابن ربيعة, الشهير ببلاغة منطقه وفصاحة لسانه، ووصالة شعره. فعندما سمع أن محمدا صلى الله عليه وسلم يتحدى الناس بكلامه قال بعض الأبيات ردا على ما سمع، وعلقها على باب الكعبة، وكان التعليق على باب الكعبة امتيازا لم تدركه إلا فئة قليلة من كبار شعراء العرب ، وحين رأى أحد المسلمين هذا أخذته العزة، فكتب بعض آيات القرآن، وعلقها إلى أبيات لبيد، ومر لبيد بباب الكعبة في اليوم التالي، ولم يكن قد أسلم بعد، فأذهلته الآيات القرآنية، حتى إنه صرخ من فوره قائلا:(والله ما هذا بقول بشر، وأنا من المسلمين).
          وكان من نتيجة تأثر هذا الشاعر العربي العملاق ببلاغة القرآن أنه هجر الشعر، وقد قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما: يا أباعقيل: أنشدني شيئا من شعرك، فقرأ سورة البقرة, وقال: ماكنت لأقول شعرا بعد أن علمني الله سورة البقرة وآل عمران.(270).
          ومن ذالك أيضا ما وقع لاين المقفع كما جاء في كتاب المستشرق (ولاستن) وعلق عليه بقوله: ".. إن اعتداد محمد بالإعجاز الأدبي للقرآن لم يكن على غير أساس، بل يؤيده حادث وقع بعد قرن من قيام دعوة الإسلام" (271)
          والحادث كما جاء على لسان المستشرق، هو أن جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكبير في عامة الناس، فقرروا مواجهة تحدي القرآن، واتصلوا لإتمام خطتهم بعبد الله بن المقفع 727م، وكان أديبا كبيرا. وكاتبا ذكيا. يعتد بكفاءته فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة..وأخبرهم أن هذا العمل سوف يستغرق منه سنة كاملة، واشترط عليهم أن يتكلفوا بكل ما يحتاج إليه خلال هذه المدة.
          ولما مضى على الاتفاق نصف عام، عادوا إليه، وبهم تطلع إلى معرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الإسلام، وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصل، وجدوه جالسا والقلم في يده، وهو مستغرق في تفكير عميق، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه على الأرض، بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة، كتبها ثم مزقها.
          لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود، عساه أن يبلغ هدفه، وهو الرد على تحدي القرآن المجيد..ولكنه أصيب بإخفاق شديد في محاولته هذه، حتى اعترف أمام أصحابه، والخجل والضيق يملكان عليه نفسه، أنه على الرغم من مضي ستة أشهر، حاول خلالها أن يجيب على التحدي، فإنه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن!! وعندئذ تخلى ابن المقفع عن مهمته، مغلوبا مستخذلا"!! (272) وغيره كثر ممن حاولوا مواجهة هذا التحدي، غير أنهم أخفقوا إخفاقا ذريعا, من هؤلاء أبو الحسن أحمد بن يحي المعروف بابن الرواندي، والنضر بن الحارث، وطليحة بن خويلد ألأسدي, ومسيلمة بن حبيب الكذاب وقد كان مسيلمة من فصحاء العرب، وكان إذا تكلم على سجيته جاء بكلام جيد، لا يوزن بشيء من السخف الذي انحط إليه عندما حاول تقليد القرآن ومعارضته.
          وهكذا لا يزال تحدي القرآن الكريم قائما ومستمرا على مر القرون والأجيال وهو معجز في القرن العشرين أكثر مما كان عليه لأنه استمر تحديه أربعة عشر قرنا.ومع نمو العقل البشري عجز الإنسان عن الإتيان بسورة واحدة من مثله، وهذا هو برهان التجربة والمشاهدة، وهو الذي عناه الخطابي في كتابه:" بيان إعجاز القرآن" عندما قال:
          " …والأمر في ذالك أبين من أن نحتاج إلى أن ندل عليه بأكثر من الوجود القائم المستمر على وجه الدهر، من لدن عصر نزوله إلى الزمان الراهن الذي نحن فيه" (273)
          " وبيان ذالك أن العرب بدأوا فسألوا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية تدل على صدق دعوته ورسالته. فأخبرهم الله تعالى بأن القرآن أعظم آية تدل على ما يريدون، وذالك في قوله تعالى: [glow1=FF3366]﴿ وقالوا لولا أنزل عليه ءايات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفيهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذالك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾[/glow1](274)
          ولكن الكافرين أنكروا أن يكون في شيء من آي القرآن ما يدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وادعوا أنه كتابا كغيره ليس فيه ما يعجز عن الإتيان بمثله، وأعرضوا عنه قائلين ما نقله الله على لسانهم؛ [glow1=FF3366]﴿ قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين﴾ [/glow1](275)
          وحينئذ تحداهم الله ـ أو قل تحداهم القرآن إن شئت ـ أن يأتوا بسورة من مثله.
          وأفرغ هذا التحدي في قوالب مختلفة من اللفظ والأسلوب، وأنهضهم إلى الإتيان بمثله أو بمثل أقصر سورة منه، بالتقريع والتحميس ومختلف أشكال التحدي فقال لهم مرة:
          ﴿[glow1=FF3366] وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ﴾[/glow1].(276)
          وقال مرة أخرى:
          [glow1=FF3366]﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾[/glow1](277) وقال لهم مهيجا ومقرعا:
          [glow1=FF3366]﴿ أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ﴾[/glow1].(278)
          و لقد كان من مقتضى قولهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا، وما سمعوه من هذا التقريع والتحدي وما كان يعتلج في صدورهم من الحقد والكراهية لهذا الذي جاءهم، النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانوا منصرفين إليه من البحث الدائب عن أي وسيلة يمكن الاعتماد عليها، لإفساد أمره عليه ومنع دعوته من السير في طريق النجاح.
          كان من مقتضى ذالك كله أن ينهضوا لمعارضته ومجاراته بفصول من كلامهم البليغ، ليقطعوا بذالك خطره عنهم وليعلنوا بذالك لمن قد يتحدث بهذا الذي يأتيهم به من القرآن، أنهم قد جاءوا بمثله وخير منه.
          ولكنهم ـ على الرغم من كل هذا ـ لم يفعلوا شيئا، ولم يستجيبوا لتحدي القرآن الكريم في محاولة ما، غير أنهم تحولوا عن قولهم السابق:
          (لو نشاء لقلنا مثل هذا)، إلى زعم أن محمدا (279) إنما يأتيهم بسحر..أو كهانة..أو شعر فريد في بابه, كما قال الله تعالى عنهم: [glow1=FF3399]﴿ ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ﴾[/glow1](280)
          [rainbow]ثم إن آيات التحدي هذه ظلت مسجلة في كتاب الله تعالى حتى يوم الناس هذا[/rainbow], تقرع آذان العلماء والأدباء والشعراء والبلغاء على اختلاف نحلهم ومذاهبهم, في كل عصر وقرن. (281)
          انه أغرب تحد في التاريخ، وأكثره إثارة للدهشة، فلم يجرأ أحد من الكتاب في التاريخ الإنساني ـ وهو بكامل عقله ووعيه ـ أن يقدم تحديا مماثلا، فإن مؤلفا ما لا يمكن أن يضع كتابا، يستحيل على الآخرين أن يكتبوا مثله، أو خيرا منه..فمن الممكن إصدار مثيل من أي عمل إنساني في أي مجال, ولكن حين يدعي أن هناك كلاما ليس في إمكان البشر الإتيان بمثله، ثم تخفق البشرية
          (282) على مدى التاريخ في مواجهة هذا التحدي، حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير إنساني، وأنها كلمات صدرت من المنبع الإلهي Divineorigin، وكل ما يخرج من المنبع الإلهي لا يمكن مواجهة تحدياته"(283)
          على أننا ندعم هذا البرهان بميزان الاستقراء التام الدال على أن القرآن لا يمكن أن يكون كلام غير الله عز وجل كما يقول البوطي مستدلا على ذالك بأن عجز العرب كلهم عن الإتيان بمثله,دليل جلي علي أنه لا يمكن أن يكون من تأليف أحد منهم كورقة ابن نوفل، وبحيرا الراهب، أو غيرهما..
          إذ أن الاحتمال مخالف لبرهان العجز الذي دلت عليه التجربة البشرية والمشاهدة على أن القرآن فيه تعليق على أحداث وقعت بعد موت ورقة وبحيرا (284)، فكيف يكون مع ذالك من إيحائهما أو تأليفهما؟؟
          وبهذا يبطل ادعاء اليهود والنصارى وغيرهم كما تقدم آنفا في بداية هذه السلسلة…
          والإسلام الذي نعنيه زيادة علي التعريف السابق..مخالف جملة وتفصيلا لما نشاهده اليوم من شعارات ترفع, أو مبادئ تعلن, أو مقالات يجتهد أصحابها في تدبيج مقدماتها وسياقها,أو طقوس تمارس في أوقات معينة.. انه القرآن والسنة المطهرة اللذان يحرصان على ربط قضايا التوحيد بمقتضياتها من الأعمال الحبانية والتعبدية, وأن كل من الإيمان والعمل شيئان متلازمان لا يصلح أحدهما إلا بالآخر, وبمفهوميهما الواسعين يشملان الجوانب الروحية والجسدية , والفكرية والعقلية, والقولبة والفعلية. لهذا كان التكامل من أبرز خصائص العقيدة الإسلامية وما لم تتحقق هذه الخاصية فان شخصية المسلم تبقى ناقصة بل منفصلة..
          ولنقرب المعنى قليلا حتى نكون من المؤهلين للإسلام الذي ورد في الكتاب والسنة؛
          فأنت عزيزي القارئ تستوقفك إشارات المرور مرات عديدة فهي تنهيك بأضوائها الخضراء والحمراء ليس لتعوق السير أو تعطل الناس، بل هو لضمان السلامة، وضبط الحركة، وتنظيم الوجهة والله عز وجل لم يدع عباده ينطلقون في الحياة وفق أهوائهم فإن هذا لو وقع لن يملأ الدنيا إلا فسادا وعطلا وأذى﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ, وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا إنما يضرون أنفسهم ، وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32). يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ. (33)﴾ سورة محمد . انما أنزل وحيه ليعلمهم من جهل، وينقذهم من حيرة.
          عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثلاثة لا يكلهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر"، مسلم.
          فالعدوان على الأعراض فاحشة فإذا أصابت هذه الفاحشة امرأة الجار كانت أعظم، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الزاني بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه، ويقول له أدخل النار مع الداخلين" بن أبي الدنيا.
          إن من أبغض الناس إلى الله، امرءا يظهر بين الخلق بالصلاح والخشوع فإذا أمكنته رذيلة وهو منفرد لم يتورع عن الإيغال فيها.
          عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال تهامة، بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا". قال ثوبان يا رسول الله، صفهم لنا جلهم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم.
          قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هم فإخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". ابن ماجه.
          والعقوبات المعجلة أو المؤجلة سياط لابد منها لقمع الغرائز الشرسة في الحياة الإنسانية والإجرام الفردي والدولي لا تعني في رده الخطب والنصائح، بل لابد من حسم الشر بالشر ولابد من التخويف بالأذى القريب أو البعيد لفطام الناس عن شتى الأهواء الخبيثة إن الإسلام يريد أن تستقيم أجهزتك النفسية أولا، فإذا توفرت لها صلاحيتها المنشودة بصدق اليقين وسلامة الوجهة، فكل عمل تتعرض له في الحياة يتحول من تلقاء نفسه إلى طاعة. ولن تصل إلى هذا إلا إذا كنت دائما تحاسب نفسك بنفسك.
          فما من عمل هام إلا وله حساب يضبط دخله وخرجه، وربحه وخسارته. إلا حياة الإنسان فهي وحدها التي تسير على نحو مبهم لا يُدرى فيه ارتفاع أو انخفاض.
          هل يفكر أكثرنا أو أقلنا، في إمساك دفتر يسجل فيه ما يفعل وما يترك من حسن أو سوء؟ ويعرف منه بين الحين والحين رصيده من الخير والشر؟ وحظوظه من الربح والخسارة؟!
          لو أننا نخبط في الدنيا خبط عشواء، ونتصرف على ما يحلو لنا، دون معقب أو حسيب، لجاز علا تفريط وحمق أن نبعثر حياتنا كما يبعثر السفيه ماله، وأن نذهل عن الماضي وما ضم من تجارب وأن نقتحم المستقبل متهيبين خطأ أو خطيئة!!
          فكيف ولله حفظه يدونون مثقال الذرة، ويعدون لنا قوائم بحساب طويل..
          ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحدا سورة الكهف, الآية49
          أما يجب أن نستكشف نحن هذا الإحصاء الذي يخصنا وحدنا؟!
          أما ينبغي أن نكون على بصيرة بمقدار ما نفعل من خطأ وصواب؟
          الحق أن هذا الانطلاق في أعماق الحياة دون اكتراث بما كان ويكون، أو الاكتفاء بنظرة خاطفة لبعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة، الحق أن ذلك نذير شؤم.
          وقد عده القرآن الكريم من الأوصاف البهيمية التي يعرف بها لمنافقون الذين لا كياسة لديهم ولا يقين﴿أولاً يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولاهم يذكرون ﴾ .سورة التوبة آية 126
          وعلماء التربية في الإسلام متفقون على ضرورة محاسبة المرء لنفسه تمشيا مع طبيعة الإسلام، وإنفاذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم" الترمذي. وقوله: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله" المنذري.
          وقد كتب هؤلاء العلماء فصولا مطولة في المراقبة والمحاسبة يمكن الرجوع إليها. ويرى ابن المقفع أن يسجل الإنسان ما يصدر عنه جاعلا الصفحة اليمنى للحسنات واليسرى للسيئات. وإن كان "رديل كارنيحي" يذهب إلى تدوين السيئات فحسب على أساس أن المرء يعنيه تلافي أخطائه، والنجاة مستقبلا مما وقع فيه آنفا.
          قال: في أحد أدراج مكتبي ملف خاص مكتوب عليه " حماقات ارتكبتها"!!
          وأنا أعد هذا الملف سجلا وافيا للأخطاء التي وقعت فيها، وبعض هذه الأخطاء أمليته، والبعض الآخر خجلت من إملائه فكتبته بنفسي.
          ولو أنني كتب أمينا مع نفسي لكان الأرجح أن يمتلئ مكتبي بأمثال هذه الملفات المليئة بالأخطاء والحماقات!!
          وعندما استخرج سجل أخطائي، وأعيد قراءة الانتقادات التي وجهتها لنفسي، أحس أنني قادر على مواجهة أقسى وأعصى المشكلات مستعينا بعبر الماضي الذي دونته لقد اعتدت أن ألقي على الناس تبعة ما أواجه من مشكلات لكن بعد أن تقدمت في السن وازدادت حكمتي -فيما أخال- أدركت أنني وحدي المسئول عن ما أصابني من سوء، وفي ظني أن كثيرا من الناس يصلون إلى هذه النتيجة نفسها عند ما يدرسون أنفسهم.
          ولقد قال نابليون في منفاه بجزيرة القديسة "هيلانة": لا أحد سواي مسئول عن هزيمتي. لقد كنت أنا أعظم عدو لنفسي!!)).
          ولتفسير أكثر لمسألة: " المحاسبة" نجد أنه اليوم لم تعد هناك حجة لمن كانوا يوما يعملون في الخفاء, ولا يلتفتون للتحذيرات الشرعية. وذلك عندما أصبح المسجل والكاميرا جزء من حياتنا اليومية. أي أن أقوالنا وأفعالنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا التهرب منها سواء كانت حسنات أو سيئات فهي كالقصة التي تصور في الإستديو ثم نشاهدها على شاشة السينما أو التلفزيون بعد حقبة من الزمن، وعلى بعد من مكان التسجيل ولكنك تشعر كأنك موجود في مكان الأحداث﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ سورة ق الآية: 18.
          وكأننا أمام كاميرات تعمل ليلا ونهارا بدون كلل.. فعلى سبيل المثال نجد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر, جعلت الدول الغربية الكبرى تنصب منهم الملايين ولعلها الآن أدرى بهذه الخاصية من غيرها. فحاسب نفسك عزيزي القارئ قبل فوات الأوان…
          وعند محاسبة المرء نفسه سيتعرف إليها جيدا ومن عرف نفسه عرف ربه، وهذب أخلاقه وسلوكه، حيث يرتقي إحساسه بالآخرين، وتصبح تصرفاته أكثر نعومة وأناقة
          وشفافية، وبذلك يطبع بطابع المدنية التي هي روح يسري في كيان الفرد، فيعطيه طابعا
          خاصا يلمسه الناس في كل شؤونه: في طريقة كلامه، وعباراته المنتقاة، وفي طريقة استماعه وتناوله لفرصة التحدث، وفي كيفية قيادته لسيارته، وفي كيفية تنبيهه للمخطئ، وفي طريقة حصوله على حقه، وحله مشكلاته، بالطرق السليمة إذ أن من أهم سمات الإنسان المتمدن أن يبحث باستمرار عن طرق مشروعة وغير عنيفة لتجاوز التعارض بين مصالحه ومصالح الآخرين.
          ولهذا فإن الإسلام يؤكد دائما على تمدين الإنسان قبل تشييد العمران لأن الإنسان غير المتمدن لا يعجز عن استثمار الإمكانات الحضارية وحسب وإنما يعجز عن المحافظة على الموجود منها.
          والإسلام علم الناس ألا يرفعوا أصواتهم، وأن يغضوا من أبصارهم، وألا يلجوا البيوت دون استئذان، وأن يتفسحوا في المجالس، كما علمهم الرفق والصفح والإيثار، وفي الصلاة والتي هي موقف روحي خاص يتعلم المسلمون الدقة والنظام والالتزام بحركات الإمام… وليس كما يشاهد اليوم إذا أصبحت طقوس تؤدي في أزمنة معينة بدون أدنى تفكير مما أفقدها لروحها المدنية.
          والمدنية تهذيب للأخلاق والسلوك، حيث يرتقي إحساس المرء بالآخرين، وتصبح تصرفاته أكثر نعومة وأناقة وشفافية، وهو بذلك قادر على ضبط سلوكه ونزواته، والوقوف عند الحدود التي تبدأ عندها حقوق الآخرين.
          والمدنية قبل كل شيء اكتشاف للذات وللناس واكتشاف لإنسانية الإنسان ومشاعره وحقوقه، وتقدير لجهوده ومشاركاته، وتأسيس للثقة بقدرته على السمو وتأجيل الرغبات وتجاوز العقبات.
          إن المدنية الحقة، تصنع الحضارة، لكن الحضارة لا تصنع المدنية، بل قد تدمرها وتفكك منظومتها. ونستخلص مما سبق أن المدنية الحقة أن يكون الإنسان على بصيرة من أمره قولا وعملا واعتقادا وسلوكا سيشعر بأنه مراقب من خالقه وهذا ما يؤدي به إلى الجد والإخلاص..والارتقاء بنفسه إلى تذوق حلاوة الإيمان.
          (وإذ ترتفع روح الإنسان الخالدة صوب الله, كاسبة في طريقها سعة من الفهم, اذ ترقي نحو الملكوت الأسمى كاسبة في طريقها سعة من الفهم, إذ ترقي نحو الملكوت الأسمى فان جمال الله في الخلق العادي يتباعد عن النظر, كما تضمحل قصص الطفولة من الإنسان حين ينضج. وهكذا تهبط الكرة الأرضية حقا إلى درجة التفاهة,مع تأمل الكون.
          وإذن في روعة الإدراك الروحاني قد تصبح المادة مثل الظل الذي يبهت أمام الشمس المشرقة, وتصبح كلا شيء.
          وهكذا يستطيع الإنسان بكفايته الروحانية أن يتصور القدرة الإلهية, ومع تطور روحانيته سيكون أقرب إلى إدراك جلال الخالق وقدرته وعظمته).وبهده المكانة يتغلب على عجزه ويصلح من تعنته وخسرانه برجوعه إلى فطرته التي فطره الله عليها.. يقول تعالى:( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)) سورة الروم.

          وفي هذه الحالة تكون الأديان قد فسرت ما عجز عنه الإنسان.

          تنبيه:هذه السلسة عبارة عن مقتطفات مختارة من كتابنا , الموسوم ب : دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية, تقديم الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية , الدكتور الداه ولد ممون,أستاذ الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط , ومجمع الفقه الهندي بدلهي وقد وضعتها للنقاش لكونها تحوي أفكار جديدة…والكتاب سيظهر قريبا بحول الله طباعة ونشر الأكادمية الهندية الهندية بدلهي...
          والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته أرجوأ أن يتقبل الله مني ومنكم انه مجيب عليم
          وصلى الله على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين.

          تعليق


          • #6
            البحث عن ربط فيديو فرعون موسى عليه السلام

            السلام عليكم الرجاء ادراج [rainbow]ربط فيديو [/rainbow]فرعون موسى في المقال لمن يقدر عليه حتي تكتمل الصورة وأجره على الله....

            تعليق

            مواضيع ذات صلة

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            ابتدأ بواسطة Islam soldier, 12 أكت, 2023, 07:10 م
            ردود 3
            64 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة Islam soldier
            بواسطة Islam soldier
             
            ابتدأ بواسطة Islam soldier, 10 أغس, 2023, 04:28 ص
            رد 1
            81 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة Islam soldier
            بواسطة Islam soldier
             
            ابتدأ بواسطة لخديم, 4 مار, 2023, 05:02 م
            ردود 0
            32 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة لخديم
            بواسطة لخديم
             
            ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 3 أكت, 2022, 01:26 ص
            ردود 0
            84 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة *اسلامي عزي*
            بواسطة *اسلامي عزي*
             
            ابتدأ بواسطة د. أحمد نصر الدين, 23 مار, 2022, 12:53 م
            ردود 0
            1,565 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة د. أحمد نصر الدين  
            يعمل...
            X