آياتٌ معجــــــــزات

تقليص

عن الكاتب

تقليص

زهـرة اللوتـس مسلمة اكتشف المزيد حول زهـرة اللوتـس
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    لمحة بيانية :

    الفرق بين " استطاعوا " وَ " اسطاعوا " في سورة الكهف الآية 97 ( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ) فقد حذَفَ التاء وهذا الحذف للتقليل من الفعل . استطاعوا تحتاج إلى جهد لنقب السدّ أما اسطاعوا فهي للصعود على ظهره وبالتأكيد أن إحداث نقب في السد المصنوع من الحديد والنحاس أشدّ من الصعود على ظهره ويستغرق وقتاً أطول فحذف من الفعل الذي مدته أقل وذكر في الحدث الممتد .

    تعليق


    • #17
      مالك يوم الدين






      مالك يوم الدين



      هناك قراءة متواترة (ملك يوم الدين) بعض المفسرين يحاولون تحديد أي القراءتين أولى وتحديد صفة كل منهما لكن في الحقيقة ليس هناك قراءة أولى من قراءة فكلتا القراءتين متواترة نزل بهما الروح الأمين ليجمع بين معنى المالك والملك.
      المالك من التملك والملك بكسر الميم (بمعنى الذي يملك الملك)
      وملك بكسر اللام من الملك بضم الميم والحكم (أليس لي مُلك مصر) الملك هنا بمعنى الحكم والحاكم الأعلى هو الله تعالى.
      المالك قد يكون ملكا وقد لا يكون والملك قد يكون مالكا وقد لا يكون. المالك يتصرف في ملكه كما لا يتصرف الملك (بكسر اللام) والمالك عليه أن يتولى أمر مملوكه من الكسوة والطعام والملك ينظر للحكم والعدل والإنصاف. المالك أوسع لشموله العقلاء وغيرهم والملك هو المتصرف الأكبر وله الأمر والإدارة العامة في المصلحة العامة فنزلت القراءتين لتجمع بين معنى المالك والملك وتدل على انه سبحانه هو المالك وهو الملك (قل اللهم مالك الملك) الملك ملكه سبحانه وتعالى فجمع بين معنى الملكية والملك
      مالك يوم الدين، لِمَ لمْ يذكر الدنيا ؟ سواء كان مالكا أو ملكا فلماذا لم يقل مالك يوم الدين والدنيا؟
      أولا قال " الحمد لله رب العالمين " فهو مالكهم وملكهم في الدنيا وهذا شمل الدنيا. مالك يوم الدين هو مالك يوم الجزاء يعني ملك ما قبله من أيام العمل والعمل يكون في الدنيا فقد جمع في التعبير يوم الدين والدنيا وبقوله " يوم الدين " شمل فيه الدنيا أيضاً.
      لم قال يوم الدين ولم يقل يوم القيامة؟
      الدين بمعنى الجزاء وهو يشمل جميع أنواع القيامة من أولها إلى آخرها ويشمل الجزاء والحساب والطاعة والقهر وكلها من معاني الدين وكلمة الدين انسب للفظ رب العالمين وانسب للمكلفين (الدين يكون لهؤلاء المكلفين) فهو أنسب من يوم القيامة لأن القيامة فيها أشياء لا تتعلق بالجزاء أما الدين فمعناه الجزاء وكل معانيه تتعلق بالمكلفين لان الكلام من أوله لآخره عن المكلفين لذا ناسب اختيار كلمة الدين عن القيامة.
      لماذا قال مالك يوم واليوم لا يملك إنما ما فيه يملك ؟ والسبب لقصد العموم ومالك اليوم هو ملك لكل ما فيه وكل من فيه فهو أوسع وهو ملكية كل ما يجري وما يحدث في اليوم وكل ما فيه ومن فيه فهي إضافة عامة شاملة جمع فيها ما في ذلك اليوم ومن فيه وإحداثه وكل ما فيه من باب الملكية (بكسر الميم) والملكية (بضم الميم)
      اقتران الحمد بهذه الصفات أحسن وأجمل اقتران. الحمد لله فالله محمود بذاته وصفاته على العموم والله هو الاسم العلم) ثم محمود بكل معاني الربوبية (رب العالمين) لان من الأرباب من لا تحمد عبوديته وهو محمود في كونه رحمن رحيم، محمود في رحمته لان الرحمة لو وضعت في غير موضعها تكون غير محمودة فالرحمة إذا لم توضع في موضعها لم تكن مدحا لصاحبها، محمود في رحمته يضعها حيث يجب أن توضع وهو محمود يوم الدين محمود في تملكه وفي مالكيته (مالك يوم الدين) محمود في ملكه ذلك اليوم (في قراءة ملك يوم الدين)
      استغرق الحمد كل الأزمنة، لم يترك سبحانه زمناً لم يدخل فيه الحمد أبداً من الأزل إلى الأبد فهو حمده قبل الخلق (الحمد لله) حين كان تعالى ولم يكن معه شيء قبل حمد الحامدين وقبل وجود الخلق والكائنات استغرق الحمد هنا الزمن الأول وعند خلق العالم(رب العالمين) واستغرق الحمد وقت كانت الرحمة تنزل ولا تنقطع (الرحمن الرحيم) واستغرق الحمد يوم الجزاء كله ويوم الجزاء لا ينتهي لأن الجزاء لا ينتهي فأهل النار خالدين فيها وأهل الجنة خالدين فيها لا ينقضي جزاؤهم فاستغرق الحمد كل الأزمنة من الأزل إلى الأبد كقوله تعالى له الحمد في الأولى والآخرة هذه الآيات جمعت أعجب الوصف.
      ثقتي في الله تمنحني الحياة
      أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
      فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
      سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
      فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
      قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
      فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
      فمن ترابي ابنوا الوطن
      حتى أعود لقلب الوطن
      بجد ... بحبك يا وطن

      تعليق


      • #18
        لم قال يوم الدين ولم يقل يوم القيامة؟
        الدين بمعنى الجزاء وهو يشمل جميع أنواع القيامة من أولها إلى آخرها ويشمل الجزاء والحساب والطاعة والقهر وكلها من معاني الدين وكلمة الدين انسب للفظ رب العالمين وانسب للمكلفين (الدين يكون لهؤلاء المكلفين) فهو أنسب من يوم القيامة لأن القيامة فيها أشياء لا تتعلق بالجزاء أما الدين فمعناه الجزاء وكل معانيه تتعلق بالمكلفين لان الكلام من أوله لآخره عن المكلفين لذا ناسب اختيار كلمة الدين عن القيامة.
        أحسنتِ أختنا الكريمة

        حقاً
        آياتٌ معجــــــــزات

        تعليق


        • #19
          جزاكِ الله خيراً ياسمينا ..
          متابعة الموضوع باهتمام ..
          بارك الله فيكِ ..
          والحمد لله أن هذا الكتاب العظيم ( القرآن الكريم ) كتابنا ..
          والله إن الذي لم يقرأ القرآن ولم يتدارسه لم يتذوق بهجة الحياة الدنيا ..
          عندما قرأت بعض نصوص كتابهم المقدس قلت لنفسي : الناس دي مش عايشة !!
          وأدركت حينها أن القرآن من أعظم نعم الله علينا ..
          فبالإضافة إلى الفوائد الجليلة التي تعود على المسلم من قراءته وتدبره .. كذلك فقد أعز الله المسلم بالقرآن ..
          فكفى بالمسلم شرفاً أن يكون كتابه بهذه الدرجة العظيمة من الإعجاز .. سواء البلاغي أو العلمي ..
          وفقك الله يا ياسمينا لإكمال هذا الموضوع ..
          وجعله الله في ميزان حسناتك ..
          ونسأل الله أن ينفعنا بما علمنا ..
          اللهم آمين ..

          .. منْ أُلقيَ عنهُ حُبُّ المالِ فقدْ اسْترَاح ..

          تعليق


          • #20
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

            بسم الله الرحمن الرحيم

            جزاكم الله خيرا أخوانى وأخواتى على تفاعلكم في الموضوع
            نكمل رحلتنا مع الإعجاز البياني فى القرآن الكريم

            لحين لقاء ،
            ثقتي في الله تمنحني الحياة
            أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
            فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
            سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
            فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
            قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
            فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
            فمن ترابي ابنوا الوطن
            حتى أعود لقلب الوطن
            بجد ... بحبك يا وطن

            تعليق


            • #21
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




              إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نستعينُ

              من تفسير اين كثير
              قَرَأَ السَّبْعَةُ وَالْجُمْهُورُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ " إِيَّاكَ " وَقَرَأَ عَمْرُو بْن فَايِد بِتَخْفِيفِهَا مَعَ الْكَسْر وَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّ إِيَّا ضَوْء الشَّمْس وَقَرَأَ بَعْضهمْ " أَيَّاك " بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَتَشْدِيد الْيَاء وَقَرَأَ بَعْضهمْ هِيَّاك بِالْهَاءِ بَدَل الْهَمْزَة كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَهِيَّاك وَالْأَمْر الَّذِي إِنْ تَرَاحَبَتْ مَوَارِده ضَاقَتْ عَلَيْك مَصَادِره وَنَسْتَعِين بِفَتْحِ النُّون أَوَّل الْكَلِمَة فِي قِرَاءَة الْجَمِيعِ سِوَى يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش فَإِنَّهُمَا كَسَرَاهَا وَهِيَ لُغَة بَنِي أَسَد وَرَبِيعَة وَبَنِي تَمِيم وَالْعِبَادَة فِي اللُّغَة مِنْ الذُّلِّ يُقَالُ طَرِيق مُعَبَّد وَبَعِير مُعَبَّد أَيْ مُذَلَّل وَفِي الشَّرْع عِبَارَة عَمَّا يَجْمَع كَمَال الْمَحَبَّة وَالْخُضُوع وَالْخَوْف. وَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ وَهُوَ إِيَّاكَ وَكُرِّرَ لِلِاهْتِمَامِ وَالْحَصْر أَيْ لَا نَعْبُد إِلَّا إِيَّاكَ وَلَا نَتَوَكَّل إِلَّا عَلَيْك وَهَذَا هُوَ كَمَال الطَّاعَة . وَالدِّين كُلّه يَرْجِع إِلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ . وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْض السَّلَف الْفَاتِحَة سِرّ الْقُرْآن وَسِرّهَا هَذِهِ الْكَلِمَة " إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين "


              ومن دراسة الإعجاز البياني للآية الكريم
              - قوله ( إياك نعبد وإياك نستعين )
              قدم المفعولين لنعبد ونستعين وهذا التقديم للاختصاص لأنه سبحانه وتعالى وحده له العبادة لذا لم يقل نعبدك ونستعينك لأنها لا تدل على التخصيص بالعبادة لله تعالى، أما قول ( إياك نعبد ) فتعني تخصيص العبادة لله تعالى وحده وكذلك في الاستعانة (إياك نستعين) تكون بالله حصرا (ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير) (الممتحنة آية 4) كلها مخصوصة لله وحده حصرا فالتوكل والإنابة والمرجع كله إليه سبحانه (وعلى الله فليتوكل المتوكلون)(إبراهيم 12)
              (قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا) (الملك آية 29) تقديم الإيمان على الجار والمجرور هنا لأن الإيمان ليس محصورا بالله وحده فقط بل علينا الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقضاء والقدر لذا لم تأت به آمنا. أما في التوكل فجاءت وعليه توكلنا لا توكلنا عليه لان التوكل محصور بالله تعالى.
              الآن لماذا كررت إياك مع فعل الاستعانة ولم يقل إياك نعبد ونستعين ؟
              التكرار يفيد التنصيص على حصر المستعان به؛ لو اقتصرنا على ضمير واحد (إياك نعبد ونستعين) لم يعني المستعان إنما عني المعبود فقط ولو اقتصرنا على ضمير واحد لفهم من ذلك انه لا يتقرب إليه إلا بالجمع بين العبادة والاستعانة بمعنى انه لا يُعبد بدون استعانة ولا يُستعان به بدون عبادة. يفهم من الاستعانة مع العبادة مجموعة تربط الاستعانة بالعبادة وهذا غير وارد وإنما هو سبحانه نعبده على وجه الاستقلال ونستعين به على وجه الاستقلال وقد يجتمعان لذا وجب التكرار في الضمير إياك نعبد وإياك نستعين. التكرار توكيد في اللغة ، في التكرار من القوة والتوكيد للاستعانة فيما ليس في الحذف.
              إياك نعبد وإياك نستعين: أطلق سبحانه فعل الاستعانة ولم يحدد نستعين على شيء أو نستعين على طاعة أو غيره، إنما أطلقها لتشمل كل شيء وليست محددة بأمر واحد من أمور الدنيا. وتشمل كل شيء يريد الإنسان أن يستعين بربه لان الاستعانة غير مقيدة بأمر محدد. وقد عبر سبحانه عن الاستعانة والعبادة بلفظ ضمير الجمع (نعبد ونستعين) وليس بالتعبير المفرد أعبد وأستعين وفي هذا إشارة إلى أهمية الجماعة في الإسلام لذا تلزم قراءة هذه السورة في الصلاة وتلزم أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين مرة، وفيها دليل على أهمية الجماعة عامة في الإسلام مثل الحج وصلاة الجماعة، الزكاة، الجهاد، الأعياد والصيام. إضافة إلى أن المؤمنين إخوة فلو قال إياك اعبد لأغفل عبادة إخوته المؤمنين وإنما عندما نقول ( إياك نعبد ) نذكر كل المؤمنين ويدخل القائل في زمرة المؤمنين أيضاً.
              لماذا قرن العبادة بالاستعانة؟
              أولاً ليدل على أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بعبادة الله إلا بإعانة الله له وتوفيقه فهو إذن شعار وإعلان أن الإنسان لا يستطيع أن يعمل شيئاً إلا بعون الله وهو إقرار بعجز الإنسان عن القيام بالعبادات وعن حمل الأمانة الثقيلة إذا لم يعنه الله تعالى على ذلك، الاستعانة بالله علاج لغرور الإنسان وكبريائه عن الاستعانة بالله واعتراف الإنسان بضعفه.
              لماذا قدم العبادة على الاستعانة؟
              العبادة هي علة خلق الإنس والجن (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)(الذاريات 56) والاستعانة إنما هي وسيلة للعبادة فالعبادة أولى بالتقديم.
              العبادة هي حق الله والاستعانة هي مطلب من مطالبه وحق الله أولى من مطالبه.
              تبدأ السورة بالحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين وهذه كلها من أسلوب الغيبة أي كلها للغائب ثم انتقل إلى الخطاب المباشر بقوله ( إياك نعبد وإياك نستعين ). فلو قسنا على سياق الآيات الأولى لكان أولى القول إياه نعبد وإياه نستعين. فلماذا لم يقل سبحانه هذا؟
              في البلاغة يسمى هذا الانتقال من الغائب للمخاطب أو المتكلم أو العكس " الإلتفات ". للإلتفات فائدة عامة وفائدة في المقام ، أما الفائدة العامة فهي تطرية لنشاط السامع وتحريك الذهن للإصغاء والانتباه. أما الفائدة التي يقتضيها المقام فهي إذا التفت المتكلم البليغ يكون لهذه الالتفاتة فائدة غير العامة مثال: (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) (يونس آية 22) لم يقل وجرين بكم فيها التفات لأنهم عندما ركبوا في البحر وجرت بهم الفلك أصبحوا غائبين وليسوا مخاطبين.
              وعندما قال سبحانه الحمد لله رب العالمين فهو حاضر دائما فنودي بنداء الحاضر المخاطب. الكلام من أول الفاتحة إلى مالك يوم الدين كله ثناء على الله تعالى والثناء يكون في الحضور والغيبة والثناء في الغيبة أصدق وأولى أما ( إياك نعبد وإياك نستعين ) فهو دعاء والدعاء في الحضور أولى وأجدى؛ إذن الثناء في الغيبة أولى والدعاء في الحضور أولى والعبادة تؤدى في الحاضر وهي أولى.
              ثقتي في الله تمنحني الحياة
              أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
              فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
              سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
              فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
              قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
              فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
              فمن ترابي ابنوا الوطن
              حتى أعود لقلب الوطن
              بجد ... بحبك يا وطن

              تعليق


              • #22
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




                اهدنا الصراط المستقيم

                هذا دعاء ولا دعاء مفروض على المسلم قوله غير هذا الدعاء فيتوجب على المسلم قوله عدة مرات في اليوم وهذا بدوره يدل على أهمية الطلب وهذا الدعاء لان له أثره في الدنيا والآخرة ويدل على أن الإنسان لا يمكن أن يهتدي للصراط المستقيم بنفسه إلا إذا هداه الله تعالى لذلك. إذا ترك الناس لأنفسهم لذهب كل إلى مذهبه ولم يهتدوا إلى الصراط المستقيم وبما أن هذا الدعاء في الفاتحة ولا صلاة بدون فاتحة فلذا يجب الدعاء به في الصلاة الفريضة وهذا غير دعاء السنة في (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) (البقرة آية 201)
                والهداية: هي الإلهام والدلالة. وفعل الهداية هدى يهدي في العربية قد يتعدى بنفسه دون حرف جر مثل " اهدنا الصراط المستقيم " (تعدى الفعل بنفسه) وقد يتعدى بإلى (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) (الشورى آية 52) (وأهديك إلى ربك فتخشى) (النازعات آية 19) وقد يتعدى باللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا ) (الأعراف 43) (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) (الحجرات آية 17)
                ذكر أهل اللغة أن الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية بالفعل نفسه أن التعدية بالحرف تستعمل عندما لا تكون الهداية فيه بمعنى أن المهدي كان خارج الصراط فهداه الله له فيصل بالهداية إليه. والتعدية بدون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه كقولنا " هديته الطريق " قد يكون هو في الطريق فنعرفه به وقد لا يكون في الطريق فنوصله إليه. (فاتبعني أهدك صراطا سويا) (مريم آية 43) أبو سيدنا إبراهيم لم يكن في الطريق، (ولهديناهم صراطا مستقيما) (النساء آية 68) والمنافقون ليسوا في الطريق. واستعملت لمن هم في الصراط (وقد هدانا سبلنا) (إبراهيم آية 12) قيلت في رسل الله تعالى وقال تعالى مخاطبا رسوله (ويهديك صراطا مستقيما) (الفتح آية 2) والرسول مالك للصراط. استعمل الفعل المعدى بنفسه في الحالتين.
                التعدية باللام وإلى لمن لم يكن في الصراط (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) (ص آية 22) (هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) (يونس آية 35)
                وتستعمل هداه له بمعنى بينه له والهداية على مراحل وليست هداية واحدة فالبعيد عن الطريق، الضال، يحتاج من يوصله إليه ويدله عليه (نستعمل هداه إليه) والذي يصل إلى الطريق يحتاج إلى هاد يعرفه بأحوال الطريق وأماكن الأمن والنجاة والهلاك للثقة بالنفس ثم إذا سلك الطريق في الأخير يحتاج إلى من يريه غايته واستعمل سبحانه اللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) (الأعراف آية 43) وهذه خاتمة الهدايات.
                ونلخص ما سبق على النحو التالي:
                -إنسان بعيد يحتاج من يوصله إلى الطريق نستعمل الفعل المتعدي بإلى .
                -إذا وصل ويحتاج من يعرفه بالطريق وأحواله نستعمل الفعل المتعدي بنفسه .
                -إذا سلك الطريق ويحتاج إلى من يبلغه مراده نستعمل الفعل المتعدي باللام.
                الهداية مع اللام لم تستعمل مع السبيل أو الصراط أبدا في القرآن لان الصراط ليست غاية إنما وسيلة توصل للغاية واللام إنما تستعمل عند الغاية. وقد اختص سبحانه الهداية باللام له وحده أو للقرآن لأنها خاتمة الهدايات كقوله (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (الإسراء آية 9) وقوله (يهدي الله لنوره من يشاء) (النور آية 35).
                قد نقول جاءت الهدايات كلها بمعنى واحد مع اختلاف الحروف.
                - (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع امن لا يهدي إلا أن يهدى) (يونس آية 35).
                جاءت يهدي للحق المقترنة بالله تعالى لان معنى الآيات تفيد هل من شركائكم من يوصل إلى الحق قل الله يهدي للحق الله وحده يرشدك ويوصلك إلى خاتمة الهدايات، يعني أن الشركاء لا يعرفون أين الحق ولا كيف يرشدون إليه ويدلون عليه.
                - (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) (المائدة آية 16)
                استعمل الهداية معداة بنفسها بدون حرف واستعملها في سياق واحد مع الفعل المعدى بإلى ومعنى الآيات انه من اتبع رضوان الله وليس بعيدا ولا ضالا استعمل له الفعل المعدى بنفسه والذي في الظلمات هو بعيد عن الصراط ويحتاج إلى من يوصله إلى الصراط لذا قال يهديهم إلى صراط مستقيم (استعمل الفعل المعدى بإلى).
                نعود إلى الآية " اهدنا الصراط المستقيم " (الفعل معدى بنفسه) وهنا استعمل هذا الفعل المعدى بنفسه لجمع عدة معاني فالذي انحرف عن الطريق نطلب من الله تعالى أن يوصله إليه والذي في الطريق نطلب من الله تعالى أن يبصره بأحوال الطريق والثبات والتثبيت على الطريق.
                وهنا يبرز تساؤل آخر ونقول كما سبق وقدم سبحانه مفعولي العبادة والاستعانة في (إياك نعبد وإياك نستعين) فلماذا لم يقل سبحانه إيانا اهدي؟ هذا المعنى لا يصح فالتقديم بـ ( إياك نعبد وإياك نستعين ) تقيد الاختصاص ولا يجوز أن نقول إيانا اهدي بمعنى خصنا بالهداية ولا تهدي أحداً غيرنا فهذا لا يجوز لذلك لا يصح التقديم هنا. المعنى تطلب التقديم في المعونة والاستعانة ولم يتطلبه في الهداية لذا قال ( اهدنا الصراط المستقيم ).
                فلم قال ( اهدنا ) ولم يقل اهدني؟
                لأنه مناسب لسياق الآيات السابقة وكما في آيات الاستعانة والعبادة اقتضى الجمع في الهداية أيضاً.
                فيه إشاعة لروح الجماعة وقتل لروح الأثرة والأنانية وفيه نزع الأثرة والاستئثار من النفس بان ندعو للآخرين بما ندعو به لأنفسنا.
                الاجتماع على الهدى وسير المجموعة على الصراط دليل قوة فإذا كثر السالكون يزيد الأنس ويقوى الثبات فالسالك وحده قد يضعف وقد يمل أو يسقط أو تأكله الذئاب، فكلما كثر السالكون كان ادعى للاطمئنان والاستئناس.
                والاجتماع رحمة والفرقة عذاب يشير لله تعالى إلى أمر الاجتماع والأنس بالاجتماع وطبيعة حب النفس للاجتماع كما ورد في قوله الكريم (ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) (النساء آية 13) خالدين جاءت بصيغة الجمع لان المؤمنين في الجنة يستمتعون بالأنس ببعضهم وقوله (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (النساء آية 14) في العذاب فيزيد على عذاب الكافر عذاب الوحدة فكأنما عذبه الله تعالى بشيئين النار والوحدة.
                لذا فعندما قال سبحانه وتعالى (اهدنا الصراط المستقيم ) فيه شيء من التثبيت والاستئناس، هذا الدعاء ارتبط بأول السورة وبوسطها وآخرها. الحمد لله رب العالمين مهمة الرب هي الهداية وكثيرا ما اقترنت الهداية باسم الرب فهو مرتبط برب العالمين وارتبط بقوله الرحمن الرحيم لان من هداه الله فقد رحمه وأنت الآن تطلب من الرحمن الرحيم الهداية أي تطلب من الرحمن الرحيم أن لا يتركك ضالا غير مهتد ثم قال ( إياك نعبد وإياك نستعين ) فلا تتحقق العبادة إلا بسلوك الطريق المستقيم وكذلك الاستعانة ومن الاستعانة طلب الهداية للصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم أي صراط الذين سلكوا الصراط المستقيم، ولا الضالين، والضالون هم الذين سلكوا غير الصراط المستقيم فالهداية والضلال نقيضان والضالين نقيض الذين سلكوا الصراط المستقيم.
                لماذا اختار كلمة الصراط بدلا من الطريق أو السبيل؟ لو لاحظنا البناء اللغوي للصراط هو على وزن (فعال بكسر الفاء) وهو من الأوزان الدالة على الاشتمال كالحزام والشداد والسداد والخمار والغطاء والفراش، هذه الصيغة تدل على الاشتمال بخلاف كلمة الطريق التي لا تدل على نفس المعنى. الصراط يدل على انه واسع رحب يتسع لكل السالكين ، أما كلمة طريق فهي على وزن فعيل بمعنى مطروق أي مسلوك والسبيل على وزن فعيل ونقول أسبلت الطريق إذا كثر السالكين فيها لكن ليس في صيغتها ما يدل على الاشتمال. فكلمة " الصراط " تدل على الاشتمال والوسع هذا في أصل البناء اللغوي (قال الزمخشري في كتابه الكشاف: الصراط من صرط كأنه يبتلع السبل كلما سلك فيه السالكون وكأنه يبتلعهم من سعته).

                ثقتي في الله تمنحني الحياة
                أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
                فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
                سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
                فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
                قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
                فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
                فمن ترابي ابنوا الوطن
                حتى أعود لقلب الوطن
                بجد ... بحبك يا وطن

                تعليق


                • #23
                  أختنا الحبيبة yasmina_muslima
                  أين أنتِ ؟؟
                  طال انتظارنا للآية الكريمة
                  {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

                  فلا تتأخرى علينا رجاءً
                  لأن جمعك للمادة العلمية وانتقاءك لها متميز فعلاً حيث يجتمع فيها الثقل العلمى مع المصادر الثقة
                  بارك الله فيكِ
                  فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
                  شرح السيرة النبوية للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيــــــــل.. أدلة وجود الله عز وجل ..هام لكل مسلم مُوَحِّد : 200 سؤال وجواب في العقيدة
                  مـــاذا فعلتَ قبل تسجيلك الدخـول للمنتدى ؟؟.. ضيْفتنــــــــــــــــــــــــــا المسيحية ، الحجاب والنقـاب ، حكـم إلـهي أخفاه عنكم القساوسة .. هـل نحتـاج الديـن لنكـون صالحيـن ؟؟
                  لمــاذا محمد هو آخر الرسل للإنس والجــن ؟؟ .. حوار شامل حول أسماء الله الحسنى هل هي صحيحة أم خطـأ أم غير مفهـومـــة؟!.. بمنـاسبة شهر رمضان ..للنساء فقط فقط فقط
                  إلى كـل مسيحـي : مـواقف ومشـاكل وحلـول .. الثـــــــــــــــــــــــــالوث وإلغــاء العقـــــــــــــــــــل .. عِلْـم الرّجــال عِند أمــة محمــد تحَـدٍّ مفتوح للمسيحيـــــة!.. الصلـوات التـي يجب على المرأة قضاؤهــا
                  أختي الحبيبة التي تريد خلع نقابها لأجل الامتحانات إسمعـي((هنا)) ... مشيئـــــــــــــــــــــة الله ومشيئـــــــــــــــــــــة العبد ... كتاب هام للأستاذ ياسر جبر : الرد المخرِس على زكريا بطرس
                  خدعوك فقالوا : حد الرجم وحشية وهمجية !...إنتبـه / خطـأ شائع يقع فيه المسلمون عند صلاة التراويـح...أفيقـوا / حقيقـة المؤامـرة هنـا أيها المُغَيَّبون الواهمون...هل يحق لكل مسلم "الاجتهاد" في النصوص؟
                  الغــــــزو التنصيـــــــــري على قناة فتافيت (Fatafeat) ... أشهر الفنانين يعترفون بأن الفن حرام و"فلوسه حرام" ... المنتقبة يتم التحرش بها! الغربيون لا يتحرشون ! زعموا .

                  أيهــا المتشكـــــــــــــــــــــــــــك أتحــــــــــــــــــــــــداك أن تقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأ هذا الموضــــــــــوع ثم تشك بعدها في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
                  <<<مؤامرة في المزرعة السعيدة>>>.||..<<< تأمــــــــــــــــــــلات في آيـــــــــــــــــــــــــــــات >>>
                  ((( حازم أبو إسماعيل و"إخراج الناس من الظلمات إلى النور" )))

                  تعليق


                  • #24
                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                    المشاركة الأصلية بواسطة نصرة الإسلام مشاهدة المشاركة
                    أختنا الحبيبة yasmina_muslima
                    أين أنتِ ؟؟
                    طال انتظارنا للآية الكريمة
                    {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

                    فلا تتأخرى علينا رجاءً
                    لأن جمعك للمادة العلمية وانتقاءك لها متميز فعلاً حيث يجتمع فيها الثقل العلمى مع المصادر الثقة
                    بارك الله فيكِ

                    شكرا على سؤالك يا نصرة الإسلام
                    وإن شاء الله هكمل
                    ثقتي في الله تمنحني الحياة
                    أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
                    فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
                    سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
                    فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
                    قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
                    فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
                    فمن ترابي ابنوا الوطن
                    حتى أعود لقلب الوطن
                    بجد ... بحبك يا وطن

                    تعليق


                    • #25
                      ختام سورة الفاحة



                      اليوم بفضل الله تعالى
                      نختم سورة الفاتحة

                      " صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين "

                      - قوله ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )
                      لماذا جاءت كلمة الصراط معرفة بأل مرة ومضافة مرة أخرى (صراط الذين أنعمت عليهم)؟ جاءت كلمة الصراط مفردة ومعرفة بتعريفين: بالألف واللام والإضافة وموصوفا بالاستقامة مما يدل على انه صراط واحد (موصوف بالاستقامة لأنه ليس بين نقطتين إلا طريق مستقيم واحد والمستقيم هو أقصر الطرق وأقربها وصولا إلى الله) وأي طريق آخر غير هذا الصراط المستقيم لا يوصل إلى المطلوب ولا يوصل إلى الله تعالى. والمقصود بالوصول إلى الله تعالى هو الوصول إلى مرضاته فكلنا واصل إلى الله وليس هناك من طريق غير الصراط المستقيم. (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) (المزمل آية 19) (الإنسان آية 29) (إن ربي على صراط مستقيم) (هود آية 56) (قال هذا صراط علي مستقيم) (الحجر آية 41)
                      وردت كلمة الصراط في القرآن مفردة ولم ترد مجتمعة أبداً بخلاف السبيل فقد وردت مفردة ووردت جمعا (سبل) لان الصراط هو الأوسع وهو الذي تفضي إليه كل السبل (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (الأنعام 153) (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) (المائدة 16) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (العنكبوت 69) (هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) (يوسف آية 108) الصراط هو صراط واحد مفرد لأنه هو طريق الإسلام الرحب الواسع الذي تفضي إليه كل السبل وأتباع غير هذا الصراط ينأى بنا عن المقصود [1].
                      ثم زاد هذا الصراط توضيحا وبيانا بعد وصفه بالاستقامة وتعريفه بأل بقول (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) جمعت هذه الآية كل أصناف الخلق المكلفين ولم تستثني منهم أحداً فذكر:
                      الذين انعم الله عليهم هم الذين سلكوا الصراط المستقيم وعرفوا الحق وعملوا بمقتضاه.
                      الذين عرفوا الحق وخالفوه (المغضوب عليهم) ويقول قسم من المفسرين أنهم العصاة.
                      الذين لم يعرفوا الحق وهم الضالين (قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) (الكهف آية 103-104) هذا الحسبان لا ينفعهم إنما هم من الأخسرين.
                      ولا يخرج المكلفون عن هذه الأصناف الثلاثة فكل الخلق ينتمي لواحد من هذه الأصناف.
                      وقال تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم) ولم يقل تنعم عليهم فلماذا ذكر الفعل الماضي؟
                      اختار الفعل الماضي على المضارع أولاً: ليتعين زمانه ليبين صراط الذين تحققت عليهم النعمة (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) (النساء آية 69) صراط الذين أنعمت عليهم يدخل في هؤلاء. وإذا قال تنعم عليهم لأغفل كل من انعم عليهم سابقا من رسل الله والصالحين ولو قال تنعم عليهم لم يدل في النص على انه سبحانه انعم على احد ولأحتمل أن يكون صراط الأولين غير الآخرين ولا يفيد التواصل بين زمر المؤمنين من آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة. مثال: اذا قلنا أعطني ما أعطيت أمثالي فمعناه أعطني مثل ما أعطيت سابقا، ولو قلنا أعطني ما تعطي أمثالي فهي لا تدل على أنه أعطى أحداً قبلي.
                      ولو قال " تنعم عليهم " لكان صراط هؤلاء اقل شأنا من صراط الذين أنعم عليهم فصراط الذين انعم عليهم من أولي العزم من الرسل والأنبياء والصديقين أما الذين تنعم عليهم لا تشمل هؤلاء. فالإتيان بالفعل الماضي يدل على انه بمرور الزمن يكثر عدد الذين انعم الله عليهم فمن ينعم عليهم الآن يلتحق بالسابقين من الذين انعم الله عليهم فيشمل كل من سبق وانعم الله عليهم فهم زمرة كبيرة من أولي العزم والرسل وأتباعهم والصديقين وغيرهم وهكذا تتسع دائرة المنعم عليهم، أما الذين تنعم عليهم تختص بوقت دون وقت ويكون عدد المنعم عليهم قليل لذا كان قوله سبحانه أنعمت عليهم أوسع وأشمل واعم من الذين تنعم عليهم.
                      لماذا قال صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟
                      أي لماذا عبر عن الذين أنعم عليهم باستخدام الفعل (أنعمت) والمغضوب عليهم والضالين بالاسم؟
                      الاسم يدل على الشمول ويشمل سائر الأزمنة من المغضوب عليهم والدلالة على الثبوت. أما الفعل فيدل على التجدد والحدوث فوصفه أنهم مغضوب عليهم وضالون دليل على الثبوت والدوام.
                      إذن فلماذا لم يقل المنعم عليهم للدلالة على الثبوت؟
                      لو قال صراط المنعم عليهم بالاسم لم يتبين المعنى أي من الذي أنعم إنما بين المنعِم (بكسر العين) في قوله ( أنعمت عليهم ) لأن معرفة المنعِم مهمة فالنعم تقدر بمقدار المنعِم (بكسر العين) لذا أراد سبحانه وتعالى أن يبين المنعم ليبين قدرة النعمة وعظيمها ومن عادة القرآن أن ينسب الخير إلى الله تعالى وكذلك النعم والتفضل وينزه نسبة السوء إليه سبحانه (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) (الجن آية 10) والله سبحانه لا ينسب السوء لنفسه فقد يقول (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون) (النمل آية 4) لكن لا يقول زينا لهم سوء أعمالهم (زين لهم سوء أعمالهم) (التوبة آية 37) (زين للناس حب الشهوات ) (آل عمران آية 14) (وزين لفرعون سوء عمله). (غافر آية 37) (أفمن زين له سوء عمله) (فاطر آية 8) (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) (الأنفال آية 48) أما النعمة فينسبها الله تعالى إلى نفسه لأن النعمة كلها خير (ربي بما أنعمت علي) (القصص آية 17) (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) (الزخرف آية 59) (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا) (الإسراء آية 83) ولم ينسب سبحانه النعمة لغيره إلا في آية واحدة (وإذ تقول للذي انعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك) (الأحزاب آية 37) فهي نعمة خاصة بعد نعمة الله تعالى عليه.
                      لماذا قال " المغضوب عليهم " ولم يقل أغضبت عليهم؟ جاء باسم المفعول وأسنده للمجهول ولذا ليعم الغضب عليهم من الله والملائكة وكل الناس حتى أصدقاؤهم يتبرأ بعضهم من بعض حتى جلودهم تتبرأ منهم ولذا جاءت المغضوب عليهم لتشمل غضب الله وغضب الغاضبين.
                      غير المغضوب عليهم ولا الضالين: لم كرر لا؟ وقال غير المغضوب عليهم والضالين؟ إذا حذفت (لا) يمكن أن يُفهم أن المباينة والابتعاد هو فقط للذين جمعوا الغضب والضلالة فقط ، أما من لم يجمعها (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فلا يدخل في الاستثناء ، فإذا قلنا مثلا : لا تشرب الحليب واللبن الرائب (أي لا تجمعهما) أما إذا قلنا : لا تشرب الحليب ولا تشرب اللبن الرائب كان النهي عن كليهما إن اجتمعا أو انفردا.
                      فلماذا قدم إذن المغضوب عليهم على الضالين؟ المغضوب عليهم : الذين عرفوا ربهم ثم انحرفوا عن الحق وهم اشد بعدا لان ليس من علم كمن جهل لذا بدأ بالمغضوب عليهم وفي الحديث الصحيح أن المغضوب عليهم هم اليهود وأما النصارى فهم الضالون. واليهود أسبق من النصارى ولذا بدأ بهم واقتضى التقديم.
                      وصفة المغضوب عليهم هي أول معصية ظهرت في الوجود وهي صفة إبليس عندما أُمر بالسجود لآدم عليه السلام وهو يعرف الحق ومع ذلك عصى الله تعالى وهي أول معصية ظهرت على الأرض أيضاً عندما قتل ابن آدم أخاه فهي إذن أول معصية في الملأ الأعلى وعلى الأرض (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه) (النساء آية 93) ولذا بدأ بها.
                      أما جعل المغضوب عليهم بجانب المنعم عليهم فلأن المغضوب عليهم مناقض للمنعم عليهم والغضب مناقض للنعم.
                      خاتمة سورة الفاتحة هي مناسبة لكل ما ورد في السورة من أولها إلى آخرها فمن لم يحمد الله تعالى فهو مغضوب عليه وضال ومن لم يؤمن بيوم الدين وأن الله سبحانه وتعالى مالك يوم الدين وملكه ومن لم يخص الله تعالى بالعبادة والاستعانة ومن لم يهتد إلى الصراط المستقيم فهم جميعاً مغضوب عليهم وضالون.
                      ولقد تضمنت السورة الإيمان والعمل الصالح، الإيمان بالله (الحمد لله رب العالمين) واليوم الآخر (مالك يوم الدين) والملائكة والرسل والكتب (اهدنا الصراط المستقيم) لما تقتضيه من إرسال الرسل والكتب. وقد جمعت هذه السورة توحيد الربوبية (رب العالمين) وتوحيد الألوهية (إياك نعبد وإياك نستعين) ولذا فهي حقاً أم الكتاب.
                      3) يقول الدكتور أحمد الكبيسي في كلمة الصراط وأخواتها في القرآن الكريم في برنامجه الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم على قناة دبي الفضائية في شرح كلمة الصراط وأخواتها في القرآن الكريم وكيف أن كل كلمة منها وردت في القرآن في مكانها المناسب والمعنى الذي تأتي به كل كلمة لا يمكن أن يكون إلا من عند العلي العظيم الذي وضع كل كلمة بميزانها وبمكانها الذي لا يمكن لكلمة أخرى أن تأتي بنفس معناها:
                      مرادفات كلمة الطريق تأتي على النحو التالي: إمام – صراط – طريق - سبيل – نهج – فج - جدد (جمع جادة) – نفق
                      وجاء معنى كل منها العام على النحو التالي:
                      إمام: وهو الطريق العام الرئيسي الدولي الذي يربط بين الدول وليس له مثيل وتتميز أحكامه في الإسلام بتميز تخومه. وقدسية علامات المرور فيه هي من أهم صفاته وهو بتعبيرنا الحاضر الطريق السريع بين المدن (Highway). وقد استعير هذا اللفظ في القرآن الكريم ليدل على الشرائع (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) (الإسراء آية 71 ) أي كل ما عندهم من شرائع وجاء أيضا بمعنى كتاب الله (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) (يس آية 12)
                      صراط: هو كل ممر بين نقطتين متناقضتين كضفتي نهر أو قمتي جبلين أو الحق والباطل والضلالة والهداية في الإسلام أو الكفر والإيمان. والصراط واحد لا يتكرر في مكان واحد ولا يثنى ولا يجمع. وقد استعير في القرآن الكريم للتوحيد فلا إله إلا الله تنقل من الكفر إلى الإيمان (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ( الأنعام آية 161) (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) ( الأنعام آية 39) (اهدنا الصراط المستقيم) (الفاتحة آية 7) (فاتبعني أهدك صراطا سويا) (مريم آية 43 ) (وان الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) (المؤمنون آية 74 )
                      والصراط عموما هو العدل المطلق لله تعالى وما عداه فهو نسبي. (إن ربي على صراط مستقيم) ( هود آية 56 ) والتوحيد هو العدل المطلق وما عداه فهو نسبي.
                      سبيل: الطريق الذي يأتي بعد الصراط وهو ممتد طويل آمن سهل لكنه متعدد (سبل جمع سبيل) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) ( العنكبوت آية 69 )السبل متعددة ولكن شرطها أن تبدأ من نقطة واحدة وتصب في نقطة واحدة عند الهدف. وفيه عناصر ثلاث: ممتد، متحرك ويأخذ إلى غاية.
                      و المذاهب في الإسلام من السبل كلها تنطلق من نقطة واحدة وتصل إلى غاية واحدة. وسبل السلام تأتي بعد الإيمان والتوحيد بعد عبور الصراط المستقيم. ولتقريب الصورة إلى الأذهان فيمكن اعتبار السبل في عصرنا الحاضر وسائل النقل المتعددة فقد ينطلق الكثيرون من نقطة واحدة قاصدين غاية واحدة لكن منهم من يستقل الطائرة ومنهم السيارة ومنهم الدراجة ومنهم الدواب وغيرها.
                      واستخدمت كلمة السبيل في القرآن بمعنى حقوق في قوله (ليس علينا في الأميين سبيل) (آل عمران آية 75 ) وابن السبيل في القرآن هو من انقطع عن أهله انقطاعا بعيدا وهدفه واضح ومشروع كالمسافر في تجارة أو للدعوة فلا تعطى الزكاة لمن انقطع عن أهله بسبب غير مشروع كالخارج في معصية أو ما شابه.
                      طريق:الطريق يكون داخل المدينة وللطرق حقوق خاصة بها وقد سميت طرقا لأنها تطرق كثيرا بالذهاب والإياب المتكرر من البيت إلى العمل والعكس. والطريق هي العبادات التي نفعلها بشكل دائم كالصلاة والزكاة والصوم والحج والذكر. (يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) (الأحقاف آية 30)
                      نهج: وهو عبارة عن ممرات خاصة لا يمر بها إلا مجموعة خاصة من الناس وهي كالعبادات التي يختص بها قوم دون قوم مثل نهج القائمين بالليل ونهج المجاهدين في سبيل الله ونهج المحسنين وأولي الألباب وعباد الرحمن فكل منهم يعبد الله تعالى بمنهج معين وعلى كل مسلم أن يتخذ لنفسه نهجا معينا خاصا به يعرف به عند الله تعالى كبر الوالدين والذكر والجهاد والدعاء والقرآن والإحسان وغيرها (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ( المائدة آية 48 ) وإذا لاحظنا وصفها في القرآن وجدنا لها ثلاثة صفات والإنفاق فيها صفة مشتركة.
                      1- نهج المستغفرين بالأسحار: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) ( الذاريات آية 17 - 19 )
                      2- ونهج أهل التهجد: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) (السجدة آية 16)
                      3- ونهج المحسنين: (الذين ينفقون بالسراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) (آل عمران آية 134 ).
                      فج: وهو الطريق بين جبلين (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) (الحج آية 27)
                      جادة: وتجمع على جدد كما وردت في القرآن الكريم (ومن الجبال جدد بيض وحمر) (فاطر آية 27 ) والجادة هي الطريق الذي يرسم في الصحراء أو الجبال من شدة الأثر ومن كثرة سلوكه.
                      نفق: وهو الطريق تحت الأرض (فان استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض) (الأنعام آية 35 )


                      ثقتي في الله تمنحني الحياة
                      أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
                      فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
                      سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
                      فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
                      قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
                      فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
                      فمن ترابي ابنوا الوطن
                      حتى أعود لقلب الوطن
                      بجد ... بحبك يا وطن

                      تعليق


                      • #26
                        معنى الأحرف المفردة في القرآن الكريم





                        الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من اتبع هداه إلى يوم الدين ... أما بعد؛

                        أخواني الكرام ... أخواتي الكريمات

                        بفضل الله تعالى تم الانتهاء من سورة الفاتحة بتفصيل آياتها وتوضيح بيانها اللفظي واللغوي وأصبح جلي إعجازها في ترتيب معانيا وألفاظها
                        ولقد اخترت لكم بداية رحلة جديدة مع إعجاز بياني جديد من كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه
                        رحلتنا الجديدة المباركة مع الحروف المفردة في القرآن الكريم




                        السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
                        أحد الملحدين أراد مني أن أثبت له أن القرآن لا يحتوي كلمات لا معنى لها، و كان يقصد بتلك الأحرف مثل سورة يس و القرآن على حسب قوله ان أحرف " يس" هي مجرد أحرف لا معنى لها و جائت من عبث استغفر الله العظيم.
                        و أردت من فضيلتك بعض من الدلائل التي تثبت أن هذه الأحرف اعجاز عملي لكي يصدق هذا الملحد ولعلي أكون سبب في هدايته للدين الإسلامي
                        أرجو الرد للأهمية.
                        أخوكم

                        قام بالرد على هذا السؤال:

                        فضيلة الشيخ الدكتور المحامي مسلم محمد جودت اليوسف أستاذ الفقه الإسلامي.
                        أقول مستعيناً بالله العظيم :
                        ورد في القرآن الكريم تسع وعشرون سورة ا فتُتِحَت بحروف هجائية تُقرأ مقطعةً بأسمائها هكذا : ألف – لام – ميم.. و كان منها ما افتتح بحرف واحد مثل : ص – ق – ن.
                        و منها ما افتتح بحرفين مثل : طه – يس.
                        و منها ما افتتح بثلاثة أحرف مثل : ألم.
                        و منها ما افتتح بأكثر من ذلك مثل : كهيعص.
                        و ليس لهذه الحروف في اللغة العربية سوى مسمياتها التي ينطق بها في الكلمات المركبة. و لم يرد من طريق صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -بيان للمـراد منها , و لذلك اختلف أهل العلم فيها اختلافاً كثيراً , و هذه الأراء على كثرتها و تنوعها ترجع إلى رأيين اثنين :
                        أولاً : أنها جميعاً مما استأثر الله به و لا يعلم معناه أحد سواه و هذا رأي كثيرمن سلف هذه الأمة.
                        ثانياً : أن لها معنى , و ذهبوا في معناها مذاهب شتى نُثِرت في كتب التفسير و لعل أقرب هذه الآراء إليَّ هي : أن هذه الأحرف ما هي إلا زيادة في التحدي بالقرآن , بمعنى أن هذه الأحرف ليست مادة غريبة عليكم و لا مجهولة لكم , و رغم هذا فأنتم لا يمكن أن تأتوا بمثلها مما يدل على أن هذا القرآن ليس من صنع البشر إنما هو من عند الله تعالى , قال عز و جل : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23)
                        و قال أيضاً : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88).
                        و يقال عزو جل: ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (هود:13)
                        ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء:192-193-194 )
                        و يدل قو لـه تعالى : ( نزل به الروح الأمين).

                        دلالة قطعية على عدة أمور عدة منها :
                        1- أن هذا القرآن منزل من عند الله تعالى و نزل به الروح الأمين و هو جبريل عليه السلام فأوحاه للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
                        2- أن هذا القرآن هو من عند الله عز و جل و ليس فيض من نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غير ذلك مما تقول طوائف من الفلاسفة و الملحدين و أمثالهم.
                        و قد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء عن بعض معاني الآيات مثل ( حم - ألم – ألمص – حم – عسق ) ( الفتوى رقم 6395) فأجابت بما يلي :
                        فيه آراء للعلماء , و الراجح أنها ذكرت هذه الحروف – و الله أعلم – في أول السور التي ذكرت فيها , بياناً لإعجاز القرآن , و أن الخلق عاجزون عن معارضة بمثله , هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها , و هذا هو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله و ارتضاه أبو الحجاج المزي رحمه الله.
                        و اعلم أخي الفاضل : أننا نبين الحق كما هو فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والله الهادي إلى سواء السبيل.
                        قال تعالى في محكم التنزيل : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:29).
                        فنحن يا أخي لا نملك إلا هداية الدلالة لمن في قلبه نور ، فنبين لـه الحق فيهديه الله , و أنت بِّين لهذا السائل الحق كما هو و اسأل الله لـه الهداية و لا تحزن إن لم يؤمن , فإن آمن فلله الحمد و المنة على هدايته و لك الأجر و الثواب لقاء هذا العمل الجليل , و إن لم يؤمن فا الله جعلك حجة عليه في الموقف العظيم.

                        و أختم مقالتي هذه بكلام نقلته من كتا ب الفوائد المشوِّق إلى علوم القرآن وعلم البيان لابن قيم الجوزية رحمه الله , حيث قال : ( روي أن يهودياً في مجلس المتوكل فأحسن الكلام , و ناظر فعلم أنه من حملة الإعلام و ناضل فتحققوا أنه مسدد السهام فدعاه المتوكل إلى الإسلام فأبى و أقام بفرط الإباء على مذهب الآباء بعد أ ن بذل له المتوكل ضروباً من الأنعام و صنوفاً من الرفعة والاكرام و راجعه في ذلك مرة بعد أخرى فلم يزده ذلك إلا طغياناً و كفراً فغاب عنه مدة ثم دخل إلى مجلسه و هو يعلن الإسلام و يدين دينه فقال لـه المتوكل : أسلمت ؟ قال : نعم. قال : ما سبب إسلامك ؟ فقال : لما قطعت من عنقي قلادة التقليد و صرتُ من رتبة الاجتهاد إلى مرتقى ما عليه مزيد نظرت في الأديان و طلبت الحق حيث كان فأخذت التوراة فنظرت فيها و تدبرت معانيها و كتبتها بخطي و زدت فيها و نقصت و دخلت بها السوق و بعتها فلم ينكر أحد من اليهود شيئاً , و أخذت الانجيل و زد ت فيه و نقصت و دخلت به السوق و بعته فلم ينكر أحد من النصارى منه شيئاً , و زدت فيه و نقصت و دخلت به السوق و بعته فلم ينكر أحد من النصارى منه شيئاً , و أخذت القرآن و قرأته و تأملته فإذا : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لـه لحافظون ) فكتبت و زدت فيه و نقصت و دخلت السوق و بعته فنظر فيه المسلمون فعرفوا المواضع التي زدت فيها و نقصت , و ردوا كل كلمة إلى موضعها و كل حرف إلى مكانه , فعلمت أنه الحق لتحقيق وصفه بأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فآمنت به و صدَّ قت ما جاء به.
                        و الله الهادي

                        .
                        ثقتي في الله تمنحني الحياة
                        أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
                        فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
                        سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
                        فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
                        قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
                        فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
                        فمن ترابي ابنوا الوطن
                        حتى أعود لقلب الوطن
                        بجد ... بحبك يا وطن

                        تعليق


                        • #27
                          جزاك الله خيراً يا ياسمينا
                          متابِعة معك بإذن الله تعالى
                          فطريقة عرضك وجمعك لما تقدمينه تشدني كثيراً
                          بارك الله فيكِ
                          فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
                          شرح السيرة النبوية للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيــــــــل.. أدلة وجود الله عز وجل ..هام لكل مسلم مُوَحِّد : 200 سؤال وجواب في العقيدة
                          مـــاذا فعلتَ قبل تسجيلك الدخـول للمنتدى ؟؟.. ضيْفتنــــــــــــــــــــــــــا المسيحية ، الحجاب والنقـاب ، حكـم إلـهي أخفاه عنكم القساوسة .. هـل نحتـاج الديـن لنكـون صالحيـن ؟؟
                          لمــاذا محمد هو آخر الرسل للإنس والجــن ؟؟ .. حوار شامل حول أسماء الله الحسنى هل هي صحيحة أم خطـأ أم غير مفهـومـــة؟!.. بمنـاسبة شهر رمضان ..للنساء فقط فقط فقط
                          إلى كـل مسيحـي : مـواقف ومشـاكل وحلـول .. الثـــــــــــــــــــــــــالوث وإلغــاء العقـــــــــــــــــــل .. عِلْـم الرّجــال عِند أمــة محمــد تحَـدٍّ مفتوح للمسيحيـــــة!.. الصلـوات التـي يجب على المرأة قضاؤهــا
                          أختي الحبيبة التي تريد خلع نقابها لأجل الامتحانات إسمعـي((هنا)) ... مشيئـــــــــــــــــــــة الله ومشيئـــــــــــــــــــــة العبد ... كتاب هام للأستاذ ياسر جبر : الرد المخرِس على زكريا بطرس
                          خدعوك فقالوا : حد الرجم وحشية وهمجية !...إنتبـه / خطـأ شائع يقع فيه المسلمون عند صلاة التراويـح...أفيقـوا / حقيقـة المؤامـرة هنـا أيها المُغَيَّبون الواهمون...هل يحق لكل مسلم "الاجتهاد" في النصوص؟
                          الغــــــزو التنصيـــــــــري على قناة فتافيت (Fatafeat) ... أشهر الفنانين يعترفون بأن الفن حرام و"فلوسه حرام" ... المنتقبة يتم التحرش بها! الغربيون لا يتحرشون ! زعموا .

                          أيهــا المتشكـــــــــــــــــــــــــــك أتحــــــــــــــــــــــــداك أن تقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأ هذا الموضــــــــــوع ثم تشك بعدها في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
                          <<<مؤامرة في المزرعة السعيدة>>>.||..<<< تأمــــــــــــــــــــلات في آيـــــــــــــــــــــــــــــات >>>
                          ((( حازم أبو إسماعيل و"إخراج الناس من الظلمات إلى النور" )))

                          تعليق


                          • #28
                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                            بسم الله الرحمن الرحيم

                            المشاركة الأصلية بواسطة نصرة الإسلام مشاهدة المشاركة
                            جزاك الله خيراً يا ياسمينا
                            متابِعة معك بإذن الله تعالى
                            فطريقة عرضك وجمعك لما تقدمينه تشدني كثيراً
                            بارك الله فيكِ
                            وإياكم يا نصرة يسعدني متابعتك
                            إن شاء الله هناك الكثيرة مع قرآننا العظيم

                            سلامي لكِ
                            ثقتي في الله تمنحني الحياة
                            أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
                            فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
                            سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
                            فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
                            قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
                            فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
                            فمن ترابي ابنوا الوطن
                            حتى أعود لقلب الوطن
                            بجد ... بحبك يا وطن

                            تعليق


                            • #29
                              الإعجاز البياني في مثل بعوضة فما فوقها من سورة البقرة




                              [BIMG]http://www.almotmaiz.net/vb/data/imagecache/6f212d2abdbe.jpg[/BIMG]

                              مثل البعوضة فما فوقها

                              قال الله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( البقرة: 26- 27 )

                              أولاً- هذا المثل جواب اعتراض اعترض به الكفار على القرآن، وقالوا: إن الرب أعظم من أن يذكر الذباب والعنكبوت ونحوهما من الحيوانات الخسيسة. فلو كان ما جاء به محمد كلام الله، لم يذكر فيه الحيوانات الخسيسة، فأجابهم الله تعالى بقوله:
                              ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾

                              فبيَّن سبحانه أن ضرب الأمثال بالبعوضة فما فوقها، إذا تضمن تحقيق الحق وإيضاحه، وإبطال الباطل وإدحاضه، كان من أحسن الأشياء، والحسن لا يستحيا منه، فليس في ذلك محل اعتراض؛ بل هو من تعليم الله تعالى لعباده ورحمته بهم. فيجب أن تتلقى تلك الأمثال بالقبول والشكر.

                              وكأنَّ معترضًا اعترض على هذا الجواب، أو طلب حكمة ذلك، فأخبر سبحانه وتعالى عمَّا له في ضرب تلك الأمثال من الحكمة؛ وهي إضلال من يشاء، وهداية من يشاء.
                              ثم كأن سائلاً سأل عن حكمة الإضلال لمن يضله بذلك، فأخبر تعالى عن حكمته وعدله، وأنه إنما يضل به الفاسقين، الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض؛ فكانت أعمالهم هذه القبيحة، التي ارتكبوها سببًا؛ لأن أضلهم وأعماهم عن الهدى.

                              ومناسبة هذا المَثَل لمَا قبله أن الآيات السابقة اشتملت على تحدي الكفار بأن يأتوا بسورة من مثل القرآن، فلمَّا عجزوا عن ذلك، سلكوا في المعارضة طريقة الطَّعْن في المعاني، فلبسوا على الناس بأن في القرآن من سخيف المعنى ما ينزَّه عنه كلام الله تعالى. وقد ثبت أن اليهود والمنافقين والمشركين كانوا جميعًا متوافقين على إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وجدوا في الأمثال، التي ضرِبت لهم في القرآن الكريم منفذًا للتشكيك في صدق الوحي بهذا القرآن العظيم، بحجة أن ضرب الأمثال، بما فيها من تصغير لهم وسخرية منهم واحتقار لشأنهم، لا تصدر عن الله تعالى، وأن الله سبحانه لا يذكر في كلامه هذه الأشياء الصغيرة؛ كالذباب والعنكبوت ونحوهما من أمثال السَّوْء، التي ضربها لهم.

                              وكان هذا طرفًا من حملة التشكيك والبلبلة، التي كان يقوم بها المنافقون واليهود في المدينة؛ كما كان يقوم بها المشركون في مكة، فجاءت هذه الآيات دفعًا لهذا الدَّسِّ والتشكيك، وبيانًا لحكمة الله تعالى في ضرب هذه الأمثال، وتحذيرًا لغير المؤمنين من عاقبة الاستدراج بها، وتطمينًا للمؤمنين أنْ ستزيدهم إيمانًا.

                              وإلى ذلك أشار الزمخشري بقوله: والعجبُ منهم، كيف أنكروا ذلك، وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور وأحناش الأرض والحشرات والهوام. وهذه أمثال العرب بين أيديهم مُسَيَّرةٌ في حواضرهم وبواديهم، قد تمثَّلوا فيها بأحقر الأشياء، فقالوا: أجمعُ من ذرَّة، وأجرأُ من الذباب، وأسمعُ من قُرَاد، وأصْرَدُ من جرادة، وأضعفُ من فراشة، وآكلُ من السوس. وقالوا في البعوضة: أضعفُ من بعوضة، وأعزُّ من مخ البعوضة، وكلفتني مخَّ البعوضة. ولقد ضُرِبَتِ الأمثال في الإنجيل بالأشياء المحقَّرة؛ كالزوان، والنخالة، وحبة الخردل، والحصاة، والدود، والزنابير.

                              والتمثيل بهذه الأشياء، وبأحقر منها ممَّا لا تُغْبَى استقامتُه وصحتُه على من به أدنى مُسْكَة؛ ولكن دَيْدَن المحجوج المبهوت، الذي لا يبقى له متمسَّك بدليل، ولا متشبَّث بأمارة، ولا إقناع أن يرمي لفرط الحيرة والعجز عن إعمال الحيلة بدفع الواضح، وإنكار المستقيم، والتعويل على المكابرة والمغالطة، إذا لم يجد سوى ذلك معولاً .

                              ثانيًا- ومَساقُ قوله تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾مصدَّرٌ بـ﴿إِنَّيدل على التوكيد، وجيء بفعل الاستحياء المنفي مسندًا إلى لفظ الجلالة دون غيره من أسماء الله تعالى؛ لأنه الاسم الجامع لصفات الكمال والجلال كلها، فكان ذكره أوقع في الإقناع بأن كلامه سبحانه هو الأعلى في مراعاة ما هو حقيق بالمراعاة. وفي ذلك أيضًا إبطال لتمويه الكفار، وتشكيكهم بأن اشتمال القرآن على مثل هذا المثل دليل على أنه ليس من عند الله تعالى؛ إذ ليس من معنى الآية الكريمة أن غير الله تعالى ينبغي له أن يستحيي أن يضرب مثلاً من هذا القبيل.

                              ولهذا أيضًا اختار سبحانه وتعالى أن يكون المسندُ إلى لفظ الجلالة خُصوصَ فعل الاستحياء، زيادةً في الردِّ عليهم؛ لأنهم أنكروا التمثيل بهذه الأشياء، لمراعاة كراهة الناس. ومثل هذا ضرب من الاستحياء، فنُبِّهوا على أن الخالق جل وعلا لا يستحيي من ذلك؛ إذ ليس ممَّا يستحيا منه؛ ولأن المخلوقات متساوية في الضعف بالنسبة إلى خالقها، والمتصرف فيها،وما من شيء خلقه الله تعالى، إلا وفيه حكم كثيرة؛ منها ما يعلم، ومنها ما يجهل.

                              على أن العبرة في الأمثال ليست في الحجم والشكل؛ وإنما العبرة فيها أنها أدوات للتنوير والتبصير؛ وذلك لما فيها من كشف المعنى، ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب، وإدناء المتوهَّم من المشاهد؛ فإن كان المتمثل له عظيمًا كان المتمثل به مثله، وإن كان حقيرًا كان المتمثل به كذلك. فليس الكبر والصغر، أو العظم والحقارة في المضروب به المثل- إذًا- إلا أمرًا تستدعيه حال المتمثل له، وتستجرُّه إلى نفسها، فيعمل الضارب للمثل على حسب تلك القضية. ألا ترى إلى الحق لما كان واضحًا جليًّا أبلجَ، كيف مثِّل له بالضياء والنور، وإلى الباطل لما كان بضد صفته كيف مثل له بالظلمة ؟ ولما كانت حال الأولياء الذين يتخذهم المشركون أندادًا لله تعالى، لا حال أحقرَ منها وأقلَّ، جعل الله تعالى بيت العنكبوت مَثلَها في الوهَن، وجعلها أقلَّ من الذباب وأخسَّ قدرًا، وضرب لها البعوضة، فما فوقها مثلاً .

                              فليس في ضرب هذه الأمثال ما يعاب، وما من شأنه الاستحياء من ذكره؛ لأنه كلما كان المضروب به المثل أضعف، كان المثل أقوى وأوضح. والله تعالى جلَّت حكمته يضرب للناس في الحق والباطل أمثالاً، لا يعقلها إلا العالمون، الذين يخشونه، يريد بها اختبار القلوب وامتحان النفوس والكشف عن خباياها. وهذا حقٌّ، والله تعالى لا يستحيي من إظهار الحق وبيانه؛ كما أخبر سبحانه عن نفسه في آية أخرى، فقال تعالى:﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾(الأحزاب: 53)
                              وقراءة الجمهور:﴿يَسْتَحْيِي ﴾،بياءين، وهي لغة الحجاز، والماضي منه: استحيا، على وزن: استفعل. وقرأ ابن كثير في رواية شبل:﴿يَسْتَحِي ﴾، بياء واحدة، وهي لغة بني تميم، والماضي منه: استحى، ووزنه: استَفَلَ، عند جمهور النحاة، على أن المحذوف هو عين الفعل. واستَفْعَ، عند بعضهم، على أن المحذوف هو لام الفعل، وكلاهما من الحياء، يقال: حَيِيَ الرجل، واستحيا. ومجيئه على وزن: استفعل، ليس المراد به الدلالة على الطلب، مثل استوقد. أي: طلب الإيقاد؛ وإنما المراد به المبالغة، مثل استقدم، واستأخر، واستنكف، واستأثر، واستبد، واستعبر. وذهب بعضهم إلى القول بأنه جاء- هنا- على وزن: استفعل، للإغناء عن الثلاثي المجرد، وهو من المعاني، التي جاء لها: استفعل.

                              وفي استحيا لغتان: الأولى: استحييته. والثانية: استحييت منه. فيكون ممَّا يُعَدَّى بنفسه تارة، وممَّا يُعَدَّى بـ﴿مِنَ ﴾تارة أخرى. فعلى هذا يحتمل قوله تعالى:﴿أَنْ يَضْرِبَ ﴾ أن يكون مفعولاً به عُدِّيَ إليه الفعل بنفسه. أو عُدِّيَ إليه بإسقاط ﴿مِنَ ﴾، التييَحسُن ذكرها مع المصدر الصريح؛ كما في قوله تعالى في آية الأحزاب: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾، ويحسُن حذفها مع ﴿أَنْ ﴾، والفعل؛ كما في قوله تعالى هنا :﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ﴾ .

                              والحياء- في أصل اللغة- هو انقباض النفس عن الشيء، والامتناع منه خوفًا من مواقعةِ القبح. واشتقاقه من الحياة؛ فإنه انكسار يعتري القوة الحيوانية، فيردها عن أفعالها، وهيئة تعرض للنفس هي من قبيل الانفعال، يظهر أثرها على الوجه، وفي الإمساك عمَّا من شأنه أن يُفعل. ولما كان الحياء بهذا المعنى غير لائق بجلال الله تعالى، اختلف المفسرون في تأويل الاستحياء المنسوبِ نفيُه إلى الله تعالى على ثلاثة أقوال:
                              أولها:لا يترك أن يضرب مثلاً مَّا. فعبَّر بالحياء عن الترك اللازم للفعل؛ لأن الترك من ثمرات الحياء؛ لأن الإنسان إذا استحيا من فعل شيء، تركه، فيكون من باب تسمية المسبب باسم السبب.

                              والثاني: لا يخشى أن يضرب مثلاً مَّا. وسمِّيت الخشية حياء؛ لأنها من ثمراته، وقد قيل في قوله تعالى:﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ( الأحزاب: 37 ): إن معناه: تستحي من الناس.

                              والثالث: لا يمتنع أن يضرب مثلاً بالبعوضة امتناعَ المستحيي.
                              وهذه التأويلات هي على مذهب من يرى التأويل في الأشياء، التي موضوعُها في اللغة، لا ينبغي أن يوصف الله تعالى به، وكلها متقاربة من حيث المعنى، وأشهرها التأويل الأول، وبه أوِّل الحياء، الذي جاء مثبتًامنسوبًا إلى الله تعالى في الحديث، الذي أخرجه الترمذي في سننه عن سلمان الفارسيِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ، فقد أُوِّل بأنه سبحانه تاركٌ للقبائح، فاعلٌ للمحاسن.
                              وذهب الشيخ ابن تيميَّة إلى أنه لا داعي لتأويل الحياء بالترك اللازم للانقباض؛ كما ذهب إلى ذلك كثير من المفسرين؛ لأن صفات الله تعالى لا تحتمل تأويلاً، ولا تكييفًا. ومذهب أهل الحديث- وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف- أن هذه الأحاديث تمرُّ كما جاءت، ويؤمَن بها، وتصدَّق وتصَان عن تأويل يفضى إلى تعطيل، وتكييف يفضى إلى تمثيل؛ وذلك أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يُحتذَى حذوُه، ويُتبَعُ فيه مثالُه. فإذا كان إثباتُ الذات إثباتَ وجود لا إثبات كيفية، فكذلك يكون إثباتُ الصفات إثباتَ وجود لا إثبات كيفية، والله جل وعلا أخبر عن نفسه، فقال:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الشورى:11)
                              ففي قوله تعالى:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ردٌّ للتشبيه والتمثيل، وفي قوله:﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ردٌّ للإلحاد والتعطيل. والله سبحانه بعث رسله بإثبات مفصَّل، ونفيٍ مجمَل، فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل، ونفَوْا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل.

                              أما أبو حيَّان، فقال: والذي عليه أكثر أهل العلم أن الله تعالى خاطبنا بلسان العرب، وفيه الحقيقة والمجاز؛ فما صحَّ في العقل نسبتُه إليه، نسبناه إليه، وما استحال أوَّلناه بما يليق به تعالى؛ كما نؤوِّل فيما ينسَب إلى غيره، ممَّا لا يصحُّ نسبتُه إليه. والحياءُ- بموضوع اللغة- لا يصحُّ نسبتُه إلى الله تعالى؛ فلذلك أوَّله أهل العلم .

                              وذهب بعضهم إلى القول بأن الاستحياء- هنا- منفيٌّ عن أن يكون وصفًا لله تعالى، فلا يحتاج إلى تأويل في صحة إسناده إلى الله جل وعلا. ورُدَّ ذلك بأن نفيَ الاستحياء عنه سبحانه في شيء مخصوص، يُفْهَم منه ثبوتُه في غيره؛ كما دلَّ على ذلك الحديث السابق. وأجيب عنه بأن انتفاء الشيء ليس ممَّا يدل على تجويزه على من نُفِيَ عنه، ولا على صحة نسبته إليه، وأن كل أمر مستحيل على الله تعالى إثباته يصح أن ينفى عنه، وبذلك نزل القرآن، وجاءت السنة؛ ألا ترى إلى قوله تعالى:

                              ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ(البقرة: 255)

                              ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(الإخلاص: 3)

                              ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ(الأنعام: 14)

                              كيف جاءت هذه الصفات منفية عن الله تعالى، وهي ممَّا لا تجوز نسبتها إليه سبحانه ؟ ويقال: إن كل نفي يأتي في صفات الله تعالى في الكتاب والسنة إنما هو لثبوت كمال ضده.
                              وقيل: قد يكون ذِكْرُ الاستحياء- هنا- محاكاة لقول الكافرين على سبيل المقابلة؛ لأنه روي أن الكفار قالوا: أما يستحي رب محمد أن يضرب مثلاً بالذباب والعنكبوت ؟ ومجيء الشيء على سبيل المقابلة، وإن لم يكن من جنس ما قوبل به، شائع في لسان العرب؛ ومنه قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ( البقرة: 194 ) ، فسمَّى جزاء الاعتداء اعتداء؛ لأن العقوبة كثيرًا ما تسمَّى باسم الذنب، وإن لم تكن في معناه.

                              ثالثًا- وقوله تعالى:﴿ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا. أيْ: أيَّ مثل كان،لاشتمال الأمثال على الحكمة، وإيضاح الحق. وعبَّر عن ذلك بلفظ الضَّرْبِ؛ لأنه يأتي عند إرادة التأثير، وهَيْجِ الانفعال؛ كأن ضارب المثل يقرع به أذن السامع قرعًا، ينفذ أثره إلى قلبه، وينتهي إلى أعماق نفسه. وإذا كان الغرض من ضرب المثل هو التأثير، فالبلاغة تقضي أن تُضْرَبَ الأمثالُ لمَا يُرادُ تحقيرُه، والتنفيرُ عنه بحال الأشياء، التي جرى العُرْفُ على تحقيرها، واعتادت النفوسُ على النفور منها.

                              وضربُ المثل يعني: جمعه وتأليفه وتقديره. أي: صوغُه وإنشاؤه من مجموع شيئين متماثلين في الحكم، أحدُهما أصلٌ، والآخرُ فرع، يقاس على الأصل للاعتبار به؛ إما قياسُ تمثيلٍ- كما في الأمثال المعيَّنة، التي يُصرَّح فيها بذكر الأصل والفرع- كمثل المنافقين. وإما قياسُ شُمولٍ- كما في الأمثال الكليَّة، التي يصرَّح فيها بالأصل المعتبر به؛ ليستفاد منه حكمُ الفرع من غير تصريح بذكر الفرع- كهذا المثل، وهو قوله تعالى:﴿ بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾، فقد ضربه الله تعالى مَثلاً للآلهة، التي جعلها المشركون أندادًا لله سبحانه وتعالى. والغرضُ منه: تحقيرُ تلك الآلهة، والتقليلُ من شأنها.

                              وقيل :هذا مثلٌ ضُرِبَ للدنيا وأهلها؛ فإن البعوضة تحيا ما جاعت، وإذا شبعت ماتت. كذلك أهل الدنيا إذا امتلؤا منها، هلكوا. أو هو مثلٌ لأعمال العباد، وأنه لا يمتنع أن يذكر منها ما قلَّ، أو كثُر؛ ليجازي عليه ثوابًا وعقابًا. وعلى هذين القولين لا ارتباط للآية بما قبلها؛ بل هي ابتداء كلام، وكلا القولين ضعيف، يأباه رَصْفُ الكلام واتِّسَاقُ المعنى.

                              وقوله تعالى:﴿مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ هومن الطباق الخفي، الذي يقوم على المقابلة بين الصغير، والأصغر منه. و﴿ مَا ﴾ إبهامية، توصَف بها النكرةُ، فتزيدها إبهامًا وشيوعًا وعمومًا. والمعنى: مثلاً أيَّ مثل كان. وقد تفيد التحقير؛ كقولك: أعطه شيئًا مَّا، وتفيد التعظيم؛ كقولهم في المثل:{لأمر مَّا جدع قصيرُ أنفه }، وتفيد التنويع؛ كقولك: اضربه ضربًا مَّا. وقد جعلها بعضهم- هنا- سيفَ خطيبٍ. أي: صلة مُلغاة، أو زائدة. وعليه يكون التقدير:مَثَلاً بَعُوضَةً. والقرآن الكريم أجلُّ وأعظمُ من أن يُلْغَى فيه شيءٌ، أو يُزادُ لغير معنى. وقد وصفه الله تعالى بكونه هدى وبيانًا. وكونُه فيه لغوٌ، أو زائدٌ ينافي ذلك.

                              وقوله تعالى:﴿بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾تفسير لـقوله:﴿مَثَلًا مَا ﴾،وبدل منه.وقرىء:﴿بَعُوضَةٌ ﴾، بالرفع. وتوجيهُ هذه القراءة عند النحاة أن البعوضة خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو. وعليه تكون ﴿ مَا ﴾ موصولة، ويكون التقدير: مثلاً الذي هو بعوضةٌ.
                              و﴿ بَعُوضَةٌ ﴾ واحد البعوض، وهو من الحشرات ثنائية الجناحين، ويشترك مع الذباب في عائلة واحدة، ويتواجد بكثرة في كل أنحاء العالم ماعدا القطبين. ولفظهمَبْنِيٌّ من البَعْض، بمعنى: القطع؛ وذلك لصغر جسمه بالإضافة إلى سائر الحشرات. وقيل: خصَّه الله تعالى بالذكر في القلة، فأخبر سبحانه أنه لا يستحيي أن يضرب أقلَّ الأمثال في الحق وأصغرها. وعن قتادة قال:البعوضة أضعف ما خلق الله. ومع ذلك ففيها من دقيق الصنع، وعجيب الإبداع ما يعجز الإنسان أن يحيط بوصفه، ولا ينكر ذلك إلا نمرود. ومما قيل في وصفها: إنها صغيرة جدًا، وخرطومها في غاية الصغر، ثم إنه مع ذلك مجوَّف، وإنه مع فرط صغره، وتجويفه يغوص في جلد الفيل والجاموس على ثخانته؛ وذلك لما ركب الله تعالى فيه من السم.
                              والمشهور عن البعوض- ذكرًا كان أو أنثى- أنه مصَّاص للدماء. والذي ثبت أخيرًا أن أنثى البعوض هي التي تمصُّ الدماء دون الذكر. وربما كان في ذكر الله سبحانه للبعوضة بصيغتها المؤنثة نوع من الإعجاز؛ وذلك أن البعوضة المؤنثة أشد قوة، وأكثر تعقيدًا، كما أنها هي التي تنقل الأمراض لانتشارها في المنازل. أما الذكور منها فلا تظهر إلا في موسم التزاوج. والسر في تخصُّص أنثى البعوض بمصِّ الدماء دون الذكر هو البحث عن مصدر للبروتين، لإنتاج وإنضاج البيض، الذي تفرزه، فهي مضطرة لامتصاص الدم؛ لكي تحافظ على دوام نسلها.أما غذاء البعوض عامة فهو من خلاصة الزهور.

                              والفاءفي قوله:﴿فَمَا فَوْقَهَا ﴾ عاطفة ترتيبية، ولا يخفى ما فيه من التفصيل. ومذهب المفسرين أن المراد بالفوقية: إما الزيادة في حجم المُمَثَّل به- كما هو الظاهر- فيكون ترقيًا من الصغير للكبير. وعليه يكون المعنى: بعوضة، فما فوقها في العظم. أو يكون المراد بها: الزيادة في المعنى، الذي وقع التمثيل فيه، وهو الصغر والحقارة، فيكون تنزُّلاً من الصغير للأصغر، ومن الحقير للأحقر. وعليه يكون المعنى: بعوضة، فما فوقها في الصغر والحقارة. وعبَّر عنه أبو عبيدة بقوله: فما دونها.

                              ونظيره في الاحتمالين- على ما قيل- ما رواه مسلم في صحيحه، عن إبراهيم بن الأسود، قال: دخل شباب من قريش على عائشة رضي الله عنها- وهي بمنى- وهم يضحكون، فقالت: ما يضحككم ؟ قالوا: فلان خرَّ على طُنُبِ فِسْطاطٍ، فكادت عنقه، أو عينه أن تذهب. فقالت: لا تضحكوا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ما من مسلم يشاك شوكة، فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة.

                              فقوله صلى الله عليه وسلم:شوكة، فما فوقهايحتمل: فما هو أشد من الشوكة، وأوجع؛ كالخرور على طُنُبِ الفسطاط.ويحتمل:فما عدا الشوكة، وتتجاوزها في القلة؛ كنُخْبَةِ النملة. أي: كعضَّتها؛ جاء في كشف الخفاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:ما أصاب المؤمن من مكروه فهو كفارة لخطاياه، حتى نُخْبَة النملة. والمحققون- كما قال الفخر الرازي- مالوا إلى القول الثاني، لوجوه:

                              أحدها: أن المقصد من هذا التمثيل تحقير الأوثان. وكلما كان المشبه به أشدَّ حقارة، كان المقصود أكملَ حصولاً.

                              وثانيها: أن الغرض- هنا- بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الحقير. وفي مثل هذا الموضع يجب أن يكون المذكور ثانيًا أشدَّ حقارة من الأول. يقال: إن فلانًا يتحمل الذل في اكتساب الدينار، وفي اكتساب ما فوقه. يعني: في القلة؛ لأن تحمل الذل في اكتساب أقل من الدينار أشدُّ من تحمله في اكتساب الدينار.

                              وثالثها: أن الشيء كلما كان أصغر، كان الاطلاع على أسراره أصعب. فإذا كان في نهاية الصغر، لم يحط به إلا علم الله تعالى، فكان التمثيل به أقوى في الدلالة على كمال الحكمة من التمثيل بالشيء الكبير.

                              هذا ، وقد ثبت أخيرًا صحة هذا القول، حين اكتشف العلماء حشرة صغيرة جدًا، لا تُرى إلا بالعين المجهرية، تعيش فوق ظهر البعوضة. فإذا ثبت ذلك، يكون في قوله تعالى:﴿فَمَا فَوْقَهَا ﴾ سر من أسرار الإعجاز القرآني، لم يتم الكشف عنه إلا حديثًا، وعليه يكون المراد بالفوقية ظاهر معناها، وهو نقيض التحتية .

                              وإذا كان الله سبحانه قد ضرب المثل بالبعوضة، فما فوقها في الصغر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب مثلاً للدنيا بجناح البعوضة، فقال عليه الصلاة والسلام:لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها كافرًا شربة ماء. قال الزمخشري: وفي خلق الله حيوان أصغر منها، ومن جناحها؛ فلربما رأيت في تضاعيف الكتب العتيقة دُوَيْبَة، لا يكاد يُجْليها للبصر الحادِّ إلا تحرُّكها، فإذا سكنت، فالسكون يُواريها، ثم إذا لوَّحْتَ لها بيدك، حادت عنها، وتجنبت مضرتها.. فسبحان من يدرك صورة تلك، وأعضاءها الظاهرة والباطنة، وتفاصيل خلقها، ويبصر بصرها، ويطَّلع على ضميرها، ولعل في خلقه ما هو أصغر منها، وأصغر. ومن ذلك الفيروس، الذي خفِي عن البشرية سنين عديدة، وعندما ظهر أربكها, وأحدث هرْجًا ومرْجًا عظيمين في صفوف علمائها قبل عوامِّها.وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا أيها الناس! لا تغتروا بالله ؛ فإن الله، لو كان مغفلاً شيئًا ، لأغفل البعوضة ، والذرة ، والخردلة .
                              فـ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾( يس: 36 ) !

                              رابعًا- وقوله تعالى:﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً ﴾بيانٌ لموقف الناس من هذا المثل، وشروعٌ في تفصيل ما يترتب على ضربه من الحكم. والمعنى: فأما المؤمنون الذين من عادتهم الإِنصاف، والنظر في الأمور بنظر العقل واليقين، فإنهم إذا سمعوا بمثل هذا التمثيل، علموا أنه الحق، الذي لا تمر الشبهة بساحته. وأما الكافرون فإنهم، لانطماس بصيرتهم، وتغلب الأحقاد على قلوبهم، إذا سمعوا ذلك، عاندوا وكابروا وقابلوه بالإِنكار؛ ولهذا قال تعالى:﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا، فهذه حال المؤمنين، والكافرين عند نزول الآيات القرآنية. قال تعالى:
                              ﴿وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ(التوبة: 124)
                              وقولهم:﴿ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً ﴾ ؟ هو سؤال المحجوب عن نور الله تعالى وحكمته، المقطوع الصلة بسنة الله وتدبيره.. ثم هو سؤال من لا يرجو لله وقارًا، ولا يتأدب معه الأدب اللائق بالعبد أمام تصرفات الرب جل وعلا. يقولونها في جهل وقصور، في صيغة الاعتراض والاستنكار، أو في صورة التشكيك في صدور مثل هذا القول عن الله سبحانه وتعالى!
                              والفاء في قوله تعالى:﴿ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾، وقوله:﴿فَيَقُولُونَ ﴾، لربط ما بعدها بما قبلها، وللدلالة على أن ما بعدها محقق الوقوع. و{ الْحَقُّ }هو الثابت، الذي يحِقُّ ثبوته لا مَحالةَ، بحيث لا سبيل للعقل إلى إنكاره. وتعريفه للدلالة على أنه مشهود له بالحَقيِّة. ويقال: حَقَّ الأمرُ، إذا ثبت ووجب. وثوب مُحَقَّقٌ: مُحكَمُ النسج. ومن المعروف في علم البيان أن الخبر قد يؤتَى به مُعرَّفًا بأل، للدلالة على أن المخبر عنه بالغٌ في الوصف الذي أخبر به عنه مرتبةَ الكمال.

                              وقوله تعالى:﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾، حال من الحق. و{ مِنْ} ابتدائية. أي: إن هذا الكلام وارد من الله تعالى، لا كما زعم الذين كفروا أنه مخالف للصواب. فهو مؤذن بأنه من كلام ربهم، الذي لا يقع منه الخطأ، وجيء بلفظ { الرب } مضافًا إلى ضمير المؤمنين، تشريفًا لهم، وإيذانًا بأن ضرب المثل تربيةٌ لهم، وإرشادٌ إلى ما يوصلهم إلى كمالهم، اللائق بهم.

                              وكان ظاهر الكلام يقتضي أن يقال:{وأما الذين كفروا فلا يعلمون }؛ ليطابق قرينه، ويقابل قسيمه، وهو قوله تعالى:﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ ﴾. ولكن أوثر عليه قوله تعالى:﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ﴾، لمَا في هذا من المبالغة في ذمِّهم، والتنبيه بأحسن وجه على كمال جهلهم، وتمام غلوِّهم في الكفر؛ لأن الاستفهام بقولهم:﴿ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً ﴾ ؟إما لعدم العلم، أو للإنكار. وكلٌّ منهما يدل على الجهل، والغلوِّ في الكفر دلالة واضحة. ومن قال للمسك: أين الشذا ؟ يكذبه ريحه الطيب. وقيل: إن﴿ يَقُولُونَ ﴾ لا يدل صريحًا على العلم- وهو المقصود- كما يدل عليه:﴿ يَعْلَمُونَ ﴾.وأما الكافرون فكان منهم الجاهل، الذي لا يعلم، والمعاند، الذي يعلم، فكان يقول ما يقول مكابرة وعنادًا،وهو يعلم أن ذلك تمثيل أصاب المِحَزَّ؛ ولهذا كان قوله تعالى في حقهم:﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ﴾ أشملَ وأجمعَمنقول:{وأما الذين كفروا فلا يعلمون }.. فتأمل ذلك !

                              واختلف النحاة في:{مَاذَا } من قوله تعالى:﴿ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً ﴾ ؟فقيل: هي بمنزلة اسم واحد، بمعنى: أيَّ شيء أراد الله بهذا مثلاً ؟ فيكون في موضع نصب بـ{ أَرَادَ }. وقيل:{مَا } اسم تام في موضع رفع بالابتداء، و{ذَا } بمعنى: الذي، وهو خبر الابتداء. أي: ما الذي أراد الله بهذا مثلاً ؟ والجيِّد هو القول الأول. والإِرادة في أصل اللغة: نزوع النفس إلى الفعل، وإذا أسندت

                              إلى الله تعالى دلت على صفة له، تتعلق بالممكنات، فيترجح بها أحد وجهي المقدور، وقد كان جائز الوقوع، وعدم الوقوع. وفي الإشارة بـ{هذا } استحقارٌ منهم للمشار إليه،واسترذالٌ له؛ كقولهم:﴿أهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً ﴾(الفرقان:41). و{ مَثَلاً }منصوب على التمييز، الذي وقع موقع الحال.

                              خامسًا- وهنا يجيئهم الجواب في صورة التهديد والتحذير بما وراء المثل من تقدير وتدبير؛ وذلك قوله تعالى:﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ﴾،وهو عبارة عن جملتين جاريتين مجرى البيان والتفسير للجملتين المصدرتين بـ{أَمَّا }؛ إذ تشتملان على أن كلا الفريقين موصوف بالكثرة، وعلى أن العلم بكونه حقًا من الهدى، الذي يزداد به المؤمنون نورًا إلى نورهم، والجهل بموقعه من الضلالة، التي يزداد بها الجهال خبطًا في ظلمتهم. وهاتان تزيدان ما تضمنتاه وضوحًا. أو أنهما جواب لدفع ما يزعمونه من عدم الفائدة في ضرب الأمثال بالمحقرات، ببيان أنه مشتمل على حكمة جليلة وغاية جميلة، هي كونه وسيلة إلى هداية المستعدين للهداية، وإضلال المنهمكين في الغواية. وصرح بعضهم بأنهما جواب لـ{ مَاذا }.
                              وفي وضع الفعلين{ يُضِلُّ }, و{ يَهْدِي } موضع المصدر إشعارٌ بالاستمرار التجددي. والمضارع يستعمل له كثيرًا؛ ففي التعبير به هنا إشارة إلى أن الإضلال والهداية لا يزالان يتجددان ما تجدد الزمان. وقدِّم في النظم الإضلال على الهداية، مع تقدم حال المهتدين على حال الضالين فيما قبله؛ ليكون أول ما يقرع أسماعهم من الجواب أمرًا فظيعًا يسوؤهم، ويفت في أعضادهم، وهو السر في تخصيص هذه الفائدة بالذكر. ووصْفُ كلِّ فريق منهما بالكثرة؛ إنما هو بالنظر إلى أنفسهم، لا بالقياس إلى مقابلهم؛ وإلا فالمهتدون قليلون بالنسبة إلى أهل الضلال، كما يشير إليه قوله تعالى:﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾(سبأ:13)، فعبَّر عن عدد المهتدين تارة بالكثرة، نظرًا إلى ذواتهم, وتارة بالقلة، نظرًا إلى غيرهم.
                              ثم ختمت الآية الكريمة بقوله تعالى:﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾. أي: الذين فسقت قلوبهم من قبلُ، وخرجت عن الهدى والحق. فهؤلاء جزاؤهم أن يزيدهم كفرًا وضلالاً. وهو تذييل، أو اعتراض في آخر الكلام، بناء على قول من جوَّزه. ومنع بعضهم عطفه على ما قبله؛ لأنه لا يصح كونه جوابًا وبيانًا. وأجازه بعضهم، تكملة للجواب، وزيادة تعيين لمن أريد إضلالهم، ببيان صفاتهم القبيحة المستتبعة له، وإشارة إلى أن ذلك ليس إضلالاً ابتدائيًا؛ بل هو تثبيت على ما كانوا عليه من فنون الضلال وزيادة فيه.و{ الفاسقون } هم الخارجون عن حدود الإيمان، وهو جمع فاسق، من الفسق، وهو الخروج عن الشيء، يقال: فسق الرُّطَب، إذا خرج من قشره. والفسق في استعمال الشرع هو خروج العقلاء عن الطاعة، فيشمل الكفر، ودونه من الكبيرة والصغيرة. واختص في العرف والاستعمال بارتكاب الكبيرة، فلا يطلق على ارتكاب غيرها إلا نادرًا بقرينة، وهو أعم من الكفر. قال تعالى:﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ ﴾(السجدة: 18)، فقابل به الإيمان. أما قوله تعالى:﴿وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(النور: 55) فعنى بالكافر: الساتر للحق؛ فلذلك جعله فاسقًا. ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق. وإذا قيل للكافر: فاسق، فلأنه أخلَّ بحكم ما ألزمه العقل، واقتضته الفطرة.

                              وتخصيص الإضلال بهم مرتبًا على صفة الفسق، وما أجرى عليهم من القبائح، للإيذان بأن ذلك هو الذي أعدهم للإضلال، وأدى بهم إلى الضلال؛ فإن كفرهم وعدولهم عن الحق وإصرارهم على الباطل، صرفت وجوه أنظارهم عن التدبر والتأمل، حتى رسَخَت جهالتهم، وازدادت ضلالتهم، فأنكروا، وقالوا ما قالوا.

                              سادسًا- ويأتي بعد ذلك تفصيل صفة الفاسقين هؤلاء؛ كما فصِّلت من قبلُ في أول السورة صفة المتقين. فالمجال ما يزال- في السورة- هو مجال الحديث عن تلك الطوائف، التي تتمثل فيها البشرية في شتى العصور، فيقول سبحانه:
                              ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾.
                              فأيُّ عهد من عهود الله هو الذي ينقضون ؟ وأيُّ أمر ممَّا أمر الله به أن يوصل هو الذي يقطعون ؟ وأيُّ لون من ألوان الفساد في الأرض هو الذي يفسدون ؟ لقد جاء السياق- هنا- بهذا الإجمال؛ لأن المجال مجال تشخيص طبيعة، وتصوير نماذج، لا مجال تسجيل حادثة، أو تفصيل واقعة.. إن الصورة هنا هي المطلوبة في عمومها، فكل عهد بين الله، وبين هذا النموذج من الخلق هو عهد منقوض. وكل ما أمر الله به أن يوصل هو بينهم مقطوع. وكل فساد في الأرض هو منهم مصنوع.. إن صلة هذا النمط من البشر بالله مقطوعة، وإن فطرتهم المنحرفة لا تستقيم على عهد، ولا تستمسك بعروة، ولا تتورع عن فساد.. إنهم كالثمرة الفجَّة، التي انفصلت من شجرة الحياة، فتعفَّنت وفسدت، ونبذتها الحياة، ومن ثمَّ يكون ضلالهم بالمَثل، الذي يهدي المؤمنين، وتجيء غوايتهم بالسبب، الذي يهتدي به المتقون.

                              وننظر في الآثار الهدامة لهذا النمط من البشر، الذي كانت الدعوة تواجهه في المدينة في صورة اليهود والمنافقين والمشركين، والذي ظلت تواجهه، وما تزال تواجهه اليوم في الأرض مع اختلاف سطحي في الأسماء والعناوين !

                              وأول هذه الآثار الهدامة لهذا النمط من البشر هو نقض عهد الله تعالى من بعد ميثاقه:﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ﴾، وعهد الله المعقود مع البشر يتمثل في عهود كثيرة، ترجع في حقيقتها إلى عهد واحد، وهو أن يعبدوا الله وحده، وأن يحكِّموا في حياتهم منهجه وشريعته، إنه عهد الفطرة المركوز في طبيعة كل حي أن يعرف خالقه، وأن يتجه إليه بالعبادة، وألا يتخذ من دونه سبحانه أنداداً وشركاء.ونقض العهد يعني: فسخه وإبطاله. وأصله يكون في الحبل، ونقيضه: الإبرام. ويكون في الحائط، ونحوه، ونقيضه: البناء. وشاع استعمال النقض في إبطال العهد، من حيث تسميتهم العهد بالحبل، على سبيل الاستعارة، لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين. ومنه قول ابن التيهان في بيعة العقبة: يا رسول الله إن بيننا، وبين الله حبالاً، ونحن قاطعوها . وهذا من أسرار البلاغة ولطائفها، أن يسكتوا عن ذكر الشيء المستعار، ثم يرمزوا بذكر شيء من روادفه، فينبهوا بتلك الرمزة على مكانه؛ نحو قولك: شجاع يفترس أقرانه، وعالم يغترف منه الناس.والعهد: هو حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال. وسمِّي المَوْثِق، الذي يلزم مراعاته: عهدًا. قال تعالى:﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾(الإسراء:34). أي: أوفوا بحفظ الأيْمان. ويقال: عهدإليه في كذا، إذا أوصاه ووثقه عليه. واستعهد منه، إذا اشترط عليه واستوثق منه.فالوفاء بالعهد من الإيمان، والالتزام بالميثاق إيمان، ونقض العهد والميثاق كفر. وإذا نقِض عهدُ الله من بعد ميثاقه، فكل عهد دون الله منقوض. فالذي يجرؤ على عهد الله، لا يحترم بعده عهدًا من العهود. و{ من } في قوله تعالى:﴿ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ﴾للابتداء، وتدل على أن النقض حصل عقيب توثق العهد من غير فصل. و{ مِيثَاق} على وزن: مفعال،وهو اسم في موضع المصدر.

                              وثاني هذه الآثار الهدامة قطع ما أمر الله تعالى به أن يوصل:﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾. والله تعالى أمر بصلات كثيرة: أمر بصلة الرحم والقربى، وأمر بصلة الإنسانية الكبرى، وأمر قبل هذا كله بصلة العقيدة والأخوة الإيمانية، التي لا تقوم صلة، ولا وشيجة إلا معها.. وإذا قطع ما أمر الله به أن يوصل، فقد تفككت العرى، وانحلت الروابط، ووقع الفساد في الأرض، وعمت الفوضى. فالآية عامة في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل دون تخصيص؛ ولهذا ناسب أن يؤتى بـ{مَا}الموصولة،دون{ الذي }؛ وذلك لِمَا في{مَا} من الإبهام والشيوع، ووقوعها على الجنس العام. و{ أن يوصل }يحتمل النصب، والخفض على أنه بدل من{مَا}، أو من ضميره. والثاني أولى للقرب؛ ولأن قطع ما أمر الله تعالى بوصله أبلغ من قطع وصل ما أمر الله تعالى به نفسه.
                              وثالث هذه الآثار الهدامة الإفساد في الأرض:﴿ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ . والفساد في الأرض ألوان شتى، تنبع كلها من الفسوق عن كلمة الله تعالى، ونقض عهده سبحانه، وقطع ما أمر به أن يوصل. ورأس الفساد في الأرض هو الحيدة عن منهجه، الذي اختاره؛ ليحكم حياة البشر ويصرِّفها. هذا مفرق الطريق، الذي ينتهي إلى الفساد حتمًا، فما يمكن أن يصلح أمر هذه الأرض، ومنهج الله تعالى بعيد عن تصريفها، وشريعة الله مقصاة عن حياتها. وإذا انقطعت العروة بين الناس وربهم على هذا النحو، فهو الفساد الشامل للنفوس والأحوال، وللحياة والمعاش، وللأرض كلها، وما عليها من ناس وأشياء.

                              وفي تقييد فسادهم بقوله تعالى:﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ إشارة إلى أن المراد: يفسدون فسادًا يتعدىضرره، ويطير في الآفاق شرره.وهذا يعني: أن فسادهم لا يقتصر عليهم، وإنما هو يتعداهم إلى غيرهم.ثم بين الله تعالى- بعد أن دمغهم بتلك الصفات المرذولة- عاقبة أمرهم، فقال سبحانه:﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾، الذين خسروا كل شيء، نتيجة أعمالهم الفاسدة؛ فكان جزاؤهم النار خالدين فيها أبدًا. و{ أولئك } إشارة إلى الفاسقين، باعتبار ما فُصِّل من صفاتهم القبيحة. وفيه رمزٌ إلى أنهم في أعلى مرتبة من الذم. والخاسرُ الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز. والخسران: النقص كان في ميزان، أو غيره. وحَصْرُ{ الخاسرين } على{ الفاسقين } باعتبار كمالهم في الخسران؛ حيث أهملوا العقل عن النظر، ولم يقتنصوا المعرفة المفيدة للحياة الأبدية والمسرَّة السَّرْمديَّة، واشتروا نقض العهد بالوفاء به، والفساد في الأرض بالصلاح فيها، وقطيعة كل ما أمر الله به أن يوصل بالصلة، والثواب بالعقاب؛ فضاع منهم الطلبتان: رأس المال والربح، وحصل لهم الضرر الجسيم. وهذا هو الخسران العظيم؛ كما قال تعالى:﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا*أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾(الكهف: 103- 106)

                              محمد إسماعيل عتوك
                              المصدر
                              ثقتي في الله تمنحني الحياة
                              أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
                              فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
                              سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
                              فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
                              قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
                              فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
                              فمن ترابي ابنوا الوطن
                              حتى أعود لقلب الوطن
                              بجد ... بحبك يا وطن

                              تعليق


                              • #30
                                بسم الله الرحمن الرحيم
                                ما شاء الله موضوع أكثر من رائع
                                مفيد وقيم جدا أختى الحبيبة ( ياسمينا )...........
                                متابعة إن شاء الله فلا تتأخرى علينا ....

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة Islam soldier, 12 أكت, 2023, 07:10 م
                                ردود 3
                                64 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة Islam soldier
                                بواسطة Islam soldier
                                 
                                ابتدأ بواسطة Islam soldier, 10 أغس, 2023, 04:28 ص
                                رد 1
                                81 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة Islam soldier
                                بواسطة Islam soldier
                                 
                                ابتدأ بواسطة لخديم, 4 مار, 2023, 05:02 م
                                ردود 0
                                32 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة لخديم
                                بواسطة لخديم
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 3 أكت, 2022, 01:26 ص
                                ردود 0
                                84 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة د. أحمد نصر الدين, 23 مار, 2022, 12:53 م
                                ردود 0
                                1,565 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د. أحمد نصر الدين  
                                يعمل...
                                X