آياتٌ معجــــــــزات

تقليص

عن الكاتب

تقليص

زهـرة اللوتـس مسلمة اكتشف المزيد حول زهـرة اللوتـس
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بسم الله الرحمن الرحيم

    جزاك الله خيرا سوليما
    ثقتي في الله تمنحني الحياة
    أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
    فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
    سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
    فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
    قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
    فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
    فمن ترابي ابنوا الوطن
    حتى أعود لقلب الوطن
    بجد ... بحبك يا وطن

    تعليق


    • #32
      الإعجاز فى القرآن الكريم

      وعن القرآن الكريم
      لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ

      قال الله تبارك وتعالى :﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾(الإسراء: 88)
      أولاً- هذا خطاب من الله جل وعلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يأمره فيه أن يخبر كفار مكة ، بعجزهم عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، وقد عمَّ بهذا الخبر ، المؤكَّد بالقسم جميع الخلق ؛ إنسهم وجنهم ، معجزًا لهم ، قاطعًا بعجزهم مجتمعين عن الإتيان بمثل هذا القرآن إلى يوم القيامة ، ولو تظاهروا عليه . وهو من أعظم الدلائل على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام في أول الأمر ، عند كل من سمع هذا الكلام من المشركين وغيرهم من الكفار ، وعلم أنه من القرآن الذي أُمِرَ ببلاغه إلى جميع الخلق ، وهو وحده كافٍ في العلم بأن هذا القرآن العظيم خارقٌ يُعجِز الثقلين عن الإتيان بمثله بحيلة ، وبغير حيلة .
      وفي سبب نزول هذه الآية الكريمة ذكر الثعالبي في تفسيره : أن جماعة من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لو جئتنا بآية غريبة غير هذا القرآن ، فإنا نقدر نحن على المجيء بمثله ، فنزلت هذه الآية المصرِّحة بالتعجيز لجميع الخلائق . وفهمت العرب الفصحاء بُخُلوص فهمها في مَيْزِ الكلام وَدُرْبتها به ما لا نفهمه نحن ، ولا كل من خالطته حضارة ، ففهموا العَجْزَ عنه ضرورة ومشاهدة ، وعلمه الناس بعدهم استدلالاً ونظرًا ، ولكلٍّ حصل علم قطعيٌّ ؛ لكن ليس في مرتبة واحدة .
      وافتتاح الخطاب بصيغة الأمر﴿ قُلْ ﴾ للاهتمام به ، وهو تنويهٌ بشرف هذا القرآن العظيم ، وامتنانٌ على الذين آمنوا به ؛ إذ كان لهم شفاء ورحمة ، وإثباتُ عجز الذين أعرضوا عنه من الكفار والمشركين والملحدين عن الإتيان بمثله . واللام في قوله تعالى :﴿لَئِنِ ﴾ هي الموطِّئة للقسم ، دخلت على ( إن ) الشرطية للتوكيد ، والجواب بعدُ للقسم لتقدُّمه . ومعنى اجتماع الإنس والجن : اتفاقهم ، واتحاد آرائهم . أي : لو تواردت عقولهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يؤتون بمثله ، ولو تظاهروا على ذلك .
      وقدِّم الإنس على الجن ؛ لأنهم هم المعنيون أولاً بهذا الخطاب ؛ ولأنهم كانوا يزعمون أن القرآن الكريم تنزلت به الشياطين على محمد صلى الله عليه وسلم ، فردَّ عليهم سبحانه وتعالى بقوله :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ*إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(الشعراء: 210- 212) .
      وقد كانوا قبل نزول القرآن يسترقون السمع ، فيلقون من الجزاء ما يلقون ؛ كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله :﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ﴾(الحجر:16-18) . وحُكِيَ عنهم قولهم :﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ﴾(الجن: 8- 9) . ثم عزلوا بعد ذلك عن السمع ؛ كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله :﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(الشعراء: 212).
      وقوله تعالى :﴿لَا يَأْتُونَ بمثله ﴾ جوابٌ للقسم أغنى عن جواب الشرط . وقد جاء منفيًا بـ(لَا ) ؛ كما في قوله تعالى :﴿ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ ﴾(الحشر: 12) . ومن حق هذا الجواب أن يكون منفيًّا بـ(مَا ) التي يحسُن معها دخول اللام عليه ، فيقال : لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لَمَا أتوْا به ؛ كما في قول ابن مالك الأرْحَبيِّ في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم :

      لعَمْري لئن مات النبي محمد ** لَمَا مات يا ابن القيل ربُّ محمد

      أو يُؤتَ بـ(مَا ) دون اللام ؛ كما قول الله عز وجل في آية أخرى :﴿ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ ﴾(المائدة: 28) .
      هذا وجه الكلام ؛ ولكنْ عُدِلَ عنه إلى قوله تعالى :﴿لَا يَأْتُونَ ﴾ ؛ لأن (مَا ) تكون جوابًا عن دعوى ، ولا تدل على نفي الجنس إلا بوجود قرينة لفظية ؛ وهي دخول (مِنْ ) على منفيِّها ؛ كما في قوله تعالى :﴿ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ ﴾(المائدة: 19)، وقوله تعالى :﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا (الأنعام: 59) .
      أما (لَا ) فتكون جوابًا عن كلام سابق ، وتدل على نفي جنس ما بعدها نفيًا شاملاً مستغرقًا لكل جزء من أجزاء الزمن الدائم والمستمر ، مع طول النفي وامتداده إلى ما يشاء الله تبارك وتعالى . فأفاد النفيُ بها أن الإتيان بمثل هذا القرآن ، غير ممكن أبدًا على مرِّ الزمن ، وأنه فوق طاقة الخلق من الإنس والجن .. ومن هنا كانت هذه الآية الكريمة مفحمة للكفار ولغيرهم ، وللعالم كله إنسه وجنه في التحدي بإثبات عجزهم عن الإتيان بمثل هذا القرآن العظيم إلى يوم القيامة ، وأنهم لا يقدرون على ذلك ، مهما حاولوا .
      ثانيًا- والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما المراد بهذه المِثلية التي تُعجِز الثقلين مجتمعين عن الإتيان بها ، رغم تظاهرهما وتعاونهما على ذلك ؟ وقبل الإجابة عن ذلك لا بدَّ من الإشارة إلى الأمور الآتية ، والوقوف عندها :
      الأمر الأول : اتفقت كلمة العلماء على أن المثلفي قوله تعالى :﴿ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ هو مثل مقدَّر مفروض ، لا يمكن للعقل أن يتصوَّره ؛ لأن الآية ابتدأت عندهم بافتراض اجتماع الإنس والجن . وهذا الافتراض- كما قال بعضهم- لا يتصور عقلاً ، ممَّا يعني : أن نتيجة هذا الافتراض- وهو المجيء بمثلهذا القرآن- لا يتصور عقلاً ؛ لأن الكلام مسوق مساق التعجيز .
      ثم اختلفوا بعد ذلك في تحديد المتحدَّى بهذا المِثْل للقرآن ، فقال بعضهم : التحدي إنما وقع للإنس دون الجن ؛ لأنهم ليسوا من أهل اللسان العربي الذي جاء القرآن على أساليبه ؛ وإنما ذكروا مع الإنس تعظيمًا لإعجاز القرآن ؛ لأن للهيئة الاجتماعية من القوة ما ليس للأفراد . فإذا فُرض اجتماع الثقلين فيه وظاهر بعضهم بعضًا وعجزوا عن المعارضة ، كان الفريق الواحد أعجز.
      وقال بعضهم الآخر : بل وقع للجن أيضًا ، والملائكةُ منويُّون في الآية ؛ لأنهم لا يقدرون أيضًا على الإتيان بمثل القرآن . وإنما اقتصر في الآية على ذكر الإنس والجن ؛ لأن محمدًا عليه الصلاة والسلام كان مبعوثا إلى الثقلين ، دون الملائكة .
      أما القول بأن الآية ابتدأت بافتراض اجتماع الإنس والجن ، وأن هذا الافتراض لا يتصور عقلاً ، ممَّا يعني أن نتيجته لا تتصور عقلاً ، فهو خلاف لظاهر الآية الكريمة ومدلولها ؛ لأن اجتماع الإنس والجن لو كان افتراضًا ، لوجب أن يكون نظم الكلام هكذا :
      ( لَو اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ) .فلما لم يقل ذلك ، وقيل :﴿ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ﴾ ، علِم أنه ليس افتراضًا ، وإنما هو مُمْكنٌ ؛ لأن أداة الشرط ( إِنْ ) تدل على الإمكان وعدم الإمكان ، بخلاف (لَوْ ) التي من معانيها فرض ما ليس بواقع واقعًا .
      ثم إذا كان هذا افتراضًا ، فكيف يقسم ربنا تبارك وتعالى على شيء يفترض حدوثه مسبقًا ؛ ليثبت عجز الإنس والجن على الإتيان بمثل هذا القرآن ؟! ولو كان افتراضًا ، لكان كل قول ورد على هذا الأسلوب مبنيًّا على الافتراض ؛ كقوله تعالى :
      ﴿ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ ﴾(المائدة: 28)
      ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾(العنكبوت: 61)
      فبسط اليد للقتل في الآية الأولى ، وسؤال المشركين عمَّن خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر في الآية الثانية ، ليس بافتراض ؛ وإنما هو ممكن ، وغير ممكن .. أما الافتراض فهو ما كان مبنيًّا على الأداة (لَوْ ) ؛ كما في قوله تعالى :
      ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ(الأنعام: 111)
      ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ﴾(المائدة: 36)
      ونحن إذا نظرنا إلى الآية الكريمة :
      ﴿ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾
      رأيناها مركبة من جزأين :الجزء الأول منهما قوله تعالى :
      ﴿لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾
      وهو جملة شرطية إمكانية تامة قد أُقسِم على مضمونها ؛ وهو : اجتماع الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتون بمثله .. والجزء الثاني هو قوله تعالى :
      ﴿وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾
      وهو عبارة شرطية افتراضية ، جيءَ بها قيدًا على الجملة الأولى ، ومضمونها هو : كون بعض الإنس والجن لبعض ظهيرًا .
      ولما كان كون بعض الإنس والجن لبعض ظهيرًا لا ينسجم في الدلالة مع اجتماعهم معًا ؛ لأن هذا ممكن والآخر غير ممكن ، أدخلت معه الواو الرَّغميَّة على أداة الشرط (لَوْ ) ؛ لتحسين اللفظ ، وتحصين المعنى ؛ إذ بدون هذه الواو يفسد معنى الكلام ، ويختل نظمه . ويبدو لنا ذلك واضحًا ، إذا تلونا الآية الكريمة بدون هذه الواو ، هكذا :
      ﴿لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ ﴿لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾
      ولمزيد من الإيضاح والبيان نقول: هذه ( الواو الرغميَّة ) لا يؤتى بها إلا بين جملة تامة شرطية أو غير شرطية ، وعبارة شرطية قيديَّة ، غير منسجمة في الدلالة مع الجملة التي جعلت قيدًا عليها . وهذا النوع من الشرط يسمَّى شرطًا سلبيًّا ؛ سواء كان مبنيًّا على ( لَوْ ) الشرطية ، أو كان مبنيًّا على (إِنْ ) الشرطية ؛ كقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلمقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أعطوا السائل ، وإن كان على فرس » .وفي رواية أخرى :« ولو كان على فرس » .
      أي : أعطوا السائل رَغم غناه ؛ لأن كونه على فرس مُشْعِرٌ بالغنى . والغنى لا يناسبه الإعطاء ، ولا ينسجم معه في الدلالة انسجامًا مباشرًا ؛ ولهذا لا يجوز أن يقال : أعطوا السائل ، إن كان غنيًا . أو : أعطوا السائل ، لو كان غنيًّا ، بدون واو ؛ لأنه لو قيل ذلك ، لجعل الغنى شرطًا في الإعطاء ؛ فيفيد أن من كان غنيًّا يعطى ، ومن لم يكن غنيًّا لا يعطى . ومن هنا كان لا بد من تحصين المعنى من هذا الفهم أولاً ، ثم ربط العبارة الشرطية بالجملة قبلها ثانيًا . ولا يتم ذلك إلا بإدخال هذه الواو الرَّغميَّة على كل من (لَوْ ) ، و(إِنْ ) في العبارة الشرطية .. وعلى هذا الأسلوب وردت الآية الكريمة :
      ﴿ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾.
      وكأنه حين قيل :﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ ، قيل :﴿وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ ؟ فقيل : نعم ﴿ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ !
      فلو قيل :﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ ، بإسقاط الواو ، لأفاد أن عجزهم عن الإتيان بمثل القرآن مشروط بكون بعضهم لبعض ظهيرًا . وهذا خلاف المراد .
      ومن الفروق في المعنى بين (لَوْ ) ، و(إِنْ ) : أن الأصل في (لَوْ ) أنها أداة تمنٍّ ، ثم نقلت إلى الشرط ؛ وذلك من باب تعدد المعنى الوظيفي للمبنى الواحد . ومن خواصِّها : فرض ما ليس بواقع واقعًا كما ذكرنا ؛ ولهذا تستعمل فيما لا يُتَوقَّع حدوثُه ، وفيما يمتنع حدوثه ، أو فيما هو محال ، أو من قبيل المحال .
      أما (إِنْ ) فهي في الأصل موضوعة للشرط . ومن خواصِّها : أنها تدل على الإمكان ، وعدم الإمكان ، بمعنى : أن الفعل معها ممكن الوقوع ، وغير ممكن .وقد اجتمعت الأداتان في هذه الآية الكريمة ، فأفادت (إِنْ ) أن اجتماع الإنس والجن ممكن الحدوث ، وأفادت (لَوْ ) أن تظاهرهما غير متوقع الحدوث ؛ وإنما جيء به للدلالة على المبالغة .
      الأمر الثاني : أن المراد بقوله تعالى :﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ نَفْيٌ لقدرة الإنس والجن مجتمعين عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، وليس المراد مطالبتهم بالإتيان بهذا المثل ، ويدل على ذلك :
      1- أنه ليس في الكلام ما يشير ، لا من قريب ، ولا من بعيد ، إلى أن المراد هو مطالبتهم بذلك . ولو كان المراد مطالبتهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لوجب أن يقال : فأتوا بمثل هذا القرآن . أو يقال : فليأتوا بمثل هذا القرآن ؛ كما قال تعالى في موضع آخر :﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾(البقرة: 23) ، وقوله تعالى :﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ(الطور: 34) .
      2- أنه ليس من المعقول أن يثبت الله سبحانه عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثل هذا القرآن على سبيل القطع والجزم ، ثم يطالبهم أن يأتوا بهذا المثل ؛ ولهذا قال الزرقاني :« والقرآن نفسه أعذر حين أنذر بأنه لا يمكن أن يأتي الجن والإنس بمثله ، وإن اجتمعوا له ، وكان بعضهم لبعض ظهيرًا . وبذلك قطعت جهيزة قول كل خطيب » .
      فثبت بذلك أن المراد بقوله تعالى﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ : إثبات عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، وأن ذلك فوق طاقاتهم وقدراتهم .. وهذا تحدٍّ لهم غير مباشر ، وهو من أعظم الدلائل على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام .
      الأمر الثالث : إذا ثبت عجز الإنس والجن مجتمعين عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، كان عجز الإنس عن ذلك من باب أولى . وإنما جمع بين الإنس والجن ؛ لأن محمدًا عليه الصلاة والسلام مبعوثٌ إلى الثقلين معًا . فقد ثبت بنص القرآن والسنة أن الجن منهم المؤمنون ، ومنهم الكافرون . وأن الكافرين منهم كانوا يستمعون إلى القرآن ، وهو يتلى ، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجتمع بهم ، ويقرأ القرآن عليهم ، ويدعوهم إلى الإيمان ، وأن كثيرًا منهم من آمن به ، وأن كثيرًا منهم من بقي على كفره . فمثلهم في ذلك مثل الإنس تمامًا ؛ ولهذا خاطبهم الله تعالى مع الإنس بقوله :
      ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ﴾(الأنعام: 130)
      ومن هنا نرى أنه لا داع لقول من قال : إن التحدي وقع للإنس دون الجن . أو : إنه وقع للملائكة ؛ لأنهم لا يقدرون- أيضًا- على الإتيان بمثل هذا القرآن . أو : إنه وقع للعرب دون العجم .. أو غير ذلك من الأقوال التي لا تغني من الحق شيئًا . وهو دليل أيضًا على أن اجتماع الإنس والجن ممكن .
      الأمر الرابع : وهو أن علماء التفسير اختلفوا- قديمًا وحديثًا- وما زالوا يختلفون في معنى المثلية المنصوص عليها في قوله تعالى :﴿ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ ﴾ ، على أقوال كثيرة ، لا تخلو من تكلف وتمحُّل ؛ ولهذا وجدنا أحد الطاعنين في القرآن الكريم يثير بعض الأسئلة حول مفهوم هذه المثلية مشكِّكًا في القرآن ، وصحة نسبته إلى الله جل وعلا ، فقال في مقدمة كتاب له سمَّاه :( أكذوبة الإعجاز العلمي في القرآن ) :
      « لقد تحدى القرآن جميع البشر ، فلم يستطع أحد أن يقاوم ذلك التحدي . والسؤال هو : ما هي شروط هذا التحدي ؟ لا يعقل أن تتحدى شخصًا مَّا بأن يأتي ( بِمِثْلِهِ ) دون أن تحدد الشروط ، ودون أن تحدد ( بِمِثْلِهِ ) في ماذا ؟ اللغة ، الشرائع... إلخ » .
      وأضاف هذا الحاقد قائلاً :« هل الإعجاز في المعنى ، أم في بناء الجملة ، أم في النحو ، أم البلاغة ، أم إنه في جميعها ؟ وهل هو خاص بالعربية وأهلها فقط ، أم إنه أيضًا قائم في حال الترجمة ؟ » .
      هذه الأسئلة التي يثيرها هذا الملحد الحاقد- وهو محقٌّ في إثارتها وإن كان غرضه خبيثًا- هي مبنية في حقيقتها على ما دار، وما زال يدور من خلاف بين المفسرين في تحديد المراد من هذه المثلية .
      ثالثًا- ونحن إذا نظرنا إلى قوله تعالى :﴿ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ ﴾ ، نرى أنه يشير بوضوح لا لبس فيه إلى أن المطلوب الإتيان به هو مثل هذا القرآن لا القرآن نفسه . وأن الإشارة بقوله تعالى :﴿هَذَا الْقُرْآَنِ ﴾ إشارة إلى حاضر موجود ، وأن المطلوب هو الإتيان بمِثْل هذا الحاضر الموجود . وأن هذا المثل ينبغي أن يكون معلومًا ؛ لأنه لا تجوز المطالبة الإتيان بما لا يُعلَم ، ولا يُدْرَى ما هو ؟ وجاء لفظ المثل في قوله تعالى :﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ مكرَّرًا على سبيل التوكيد والتوضيح ؛ إذ قد يراد بمِثل الشيء : في موضع الشيء نفسه- كما قال أبو حيان- فبُيِّن بتكرار﴿ بِمِثْلِهِ ﴾ ، ولم يكن التركيب :﴿ لَا يَأْتُونَ بِهِ ﴾ ، رفعًا لهذا الاحتمال .
      ويتضح مما تقدم أن للقرآن الكريم مثل يماثله في تمام الحقيقة والماهية ، وأن هذا المثل معلوم بنصِّ هذه الآية الكريمة ، وهو الذي أخبر الله تعالى بعجز الثقلين مجتمعين عن الإتيان به ، رغم تظاهرهم على ذلك .
      ومما ينبغي الإشارة إليه- هنا- أن لكل شيء مِثلاً يماثله في تمام الحقيقة والماهية إلا الله سبحانه وتعالى ، فلا شبه له ولا مثل ، وأن مِثْل الشيء يؤخذ من الشيء نفسه ، إذا ما تعذر وجود مِثْل له في الواقع ، وأن المأخوذ فرعٌ ، والمأخوذ منه أصل ، وأن لفظ المِثْل يطلق على كل من الأصل ، والفرع . وهذا يعني- كما ذكرنا- أن للقرآن الكريم مِثلٌ معلوم ، وأن هذا المِثْلَ المعلوم هو الأصل ، والقرآن الذي بين أيدينا هو فرع مأخوذ من ذلك الأصل . ولمعرفة هذا المثل الذي هو أصل للقرآن الذي بين أيدينا اقرؤوا- إن شئتم- قول الله تعالى :
      ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾(البروج: 21- 22)
      فماذا تجدون ؟ ... تجدون قرآنًا مجيدًا ، في لوح محفوظ .
      والمجيد هو العظيم ، والكريم ، والرفيع ، وهو من صفات الباري جل وعلا ، تمجَّد بفعاله ، ومجَّده خلقه لعظمته . وفي لسان العرب عن أبي إسحق :«القرآن المجيد ، يريد : الرفيع العالي . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : ناوليني المجيد . أي : المصحف » . ولفظ المجيد ورد في القرآن في أربعة مواضع ، هذا أحدها .
      والموضع الثاني في قوله تعالى :﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾(ق: 2)
      والثالث في قوله تعالى :﴿إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ﴾(هود: 73)
      والرابع في قوله تعالى :﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾(البروج: 15)
      فجعل صفة القرآن من صفته جل وعلا ، ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾(الروم: 27) .
      أما اللوح- كما جاء في لسان العرب- فـ« هو مستودع مشيئات الله تعالى . وكل عظم عريض لوح ، والجمع منهما : ألواح . وقال أبو إسحق : القرآن في لوح محفوظ ، وهو أم الكتاب عند الله عز وجل . وقيل : هو في الهواء فوق السماء السابعة ، طوله ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق والمغرب ، وهو من درة بيضاء . قاله ابن عباس رضي الله عنهما . وقوله تعالى :﴿ مَّحْفُوظٍ ﴾يعني : مُصَانٌ ، لا يمكن للشياطين أن تتنزَّل بشيء منه ، أو تغيِّر منه شيئًا » .
      ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ*إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(الشعراء: 210- 212)
      فهل ذلك القرآن المجيد في ذلك اللوح المحفوظ من الشياطين هو قرآننا الذي بين أيدينا ، أم هو قرآن غيره ؟! وإن لم يكن هو، ولا غيره ، فما قرآننا- إذًا- إن لم يكن مِثلاً مأخوذًا منه ؟ .. ثم اقرؤوا- إن شئتم- قول الله تعالى :
      ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ *إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ﴾(الواقعة: 75- 77)
      وتأملوا ، كيف نفى الله تبارك وتعالى حاجته إلى القسم بمواقع النجوم على أن القرآن كريم . ثم كيف أقسم تعالى بالقرآن في قوله :﴿وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ ﴾(ص: 1) ، وقوله :﴿ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾(ق: 1) على ثبوت هذا القرآن نفسه وصدقه ، وأنه حق من عنده ؟!
      فإن دل هذا على شيء ، فإنما يدل على أن القرآن المقسم به ، والموصوف بـ﴿ ذِي الذِّكْرِ ﴾ ، وبـ﴿ الْمَجِيدِ ﴾ ، هو غير القرآن الذي نفى سبحانه وتعالى حاجته إلى القسم بمواقع النجوم على أنه قرآن كريم . ويدل على ذلك- أيضًا- أن الله عز وجل وصف هذا القرآن الذي نفى حاجته إلى القسم عليه بمواقع النجوم ، بقوله :
      ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ*لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾(الواقعة: 78- 79)
      والمراد بالكتاب المكنون في أصح الأقوال : الكتاب الذي بأيدي الملائكة ، وهو المذكور في قوله تعالى :﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ*مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ*بِأَيْدِي سَفَرَةٍ*كِرَامٍ بَرَرَةٍ(عبس: 13- 16) . والمكنون : المصون المستور عن الأعين ، الذي لا تناله أيدي البشر ؛ كما قال تعالى :﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ (الصافات: 49) . هكذا قال السلف . وقال الكلبي : مكنون من الشياطين . وقال مجاهد : لا يصيبه تراب ولا غبار . وقال أبو إسحاق : مصون في السماء . ووصفه بكونه مكنونًا ، نظير وصفه بكونه محفوظًا . فقوله تعالى :﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ؛ كقوله تعالى :﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ .
      وأما وصفه بقوله تعالى :﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ ، فهذا يدل على أنه بأيدي الملائكة يمسُّونه ، ولا يمسُّه غيرهم ، خلافًا لمن ذهب إلى أن المراد بالقرآن الكريم : المصحف الذي بين أيدينا ، وأنه لا يمسُّه إلا طاهر ؛ إذ لو كان كذلك ، لقال : لا يمسُّه إلا المتطهرون ؛ كما قال تعالى :﴿ ِإنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾(البقرة: 222)، وكما جاء في الحديث :«اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين » . فالمتطهِّر فاعل التطهير . والمطهَّر الذي طهَّره غيرُه . فالمتوضئ متطهِّر ، والملائكة مطهَّرون . قال حرب في مسائله :« سمعت إسحق في قوله :﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾قال : النسخة التي في السماء ، لا يمسها إلا المطهرون . قال : الملائكة » .
      ويدل على ذلك أيضًا أن الآية الكريمة سيقت تنزيهًا للقرآن أن تنزل به الشياطين ، وأن محله لا يصل إليه ، فلا يمسُّه إلا المطهرون ، فيستحيل على أخابث خلق الله وأنجسهم أن يصلوا إليه ، أو يمسُّوه ؛ كما قال تعالى :
      ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ*إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(الشعراء: 210- 212)
      فنفى الفعل ، وتأتِّيه منهم ، وقدرتهم عليه . فما فعلوا ذلك ، ولا يليق بهم ، ولا يقدرون عليه ؛ فإن الفعل قد ينتفي عمَّن يحسُن منه ، وقد يليق بمن لا يقدر عليه ، فنفى عنهم الأمور الثلاثة . وكذلك قوله تعالى :﴿ ِفي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ*مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ*بِأَيْدِي سَفَرَةٍ*كِرَامٍ بَرَرَةٍ (عبس: 13- 16) ، فوصف محلَّه بهذه الصفات بيانًا أن الشياطين لا يمكنهم أن يتنزلوا به . وتقرير هذا المعنى أهم وأجمل وأنفع من بيان كون المصحف لا يمسُّه إلا طاهر .
      وأنت إذا تأملت قوله تعالى:
      ﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ *لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
      وجدت الآية من أظهر الأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن هذا القرآن جاء من عند الله ، وأن الذي جاء به روح مطهر ، فما للأرواح الخبيثة عليه سبيل ، ووجدت الآية أخت قوله تعالى :
      ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ *وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ *إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾
      وثبت لك أن القرآن الموصوف بقوله تعالى :﴿وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ ﴾ ، وقوله تعالى :﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ ليس هو القرآن الكريم الموجود ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، والقرآن المجيد الموجود ﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ ؛ وإنما هو فرع منه ، وذاك أصل . والفرع مأخوذ من الأصل . وذلك الأصل هو المراد :﴿بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِفي قول الله جل وعلا :
      ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾
      فإذا عرفت ذلك ، تبين لك أنه ليس المراد بالمِثلية في هذه الآية ما فهمه علماء التفسير منها ، وأنها ليست مثلية مفروضة على قول الأكثرين ، أو غير مفروضة على قول من قال إن المراد بالمثل كلام العرب الذي هو من جنسه ؛ بل المراد بها : أن للقرآن الكريم مِثلاً يماثله في تمام حقيقته وماهيته ، وأن هذا المثل معلوم ، وهو الذي أخبر الله تعالى أولاً بعجز الإنس والجن عن الإتيان به ، ثم أخبر ثانيًا بعجز الخلق أجمعهم عن الإتيان بسورة منه في قوله تعالى :﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾(البقرة: 23) .
      ولهذا فقد ذهب المفسرون بعيدًا حين زعموا أن المراد بهذه المثلية : مثلية في البلاغة ، أو الفصاحة ، أو حسن النظم .. أو أنها مثلية وحي وتنزيل كما زعم بعضهم .. أو غير ذلك من الأقوال التي لا تفسِّر أسلوبًا ، ولا توضح معنى . ولو كان المراد بهذه المثلية شيئًا مما ذكروا ، لوجب أن يكون نظم الكلام هكذا :
      ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَقولونَ مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾
      كما حكي عنهم قولهم :
      ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (الأنفال: 31 )
      فتأمل وتدبر واعتبر الأمور بأمثالها ، تصب خيرًا وتنطق صوابًا ، إن شاء الله !!!

      محمد إسماعيل عتوك

      المصدر
      ثقتي في الله تمنحني الحياة
      أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
      فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
      سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
      فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
      قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
      فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
      فمن ترابي ابنوا الوطن
      حتى أعود لقلب الوطن
      بجد ... بحبك يا وطن

      تعليق


      • #33
        بسم الله الرحمن الرحيم

        تسجيل متابعة ......

        جزاكم الله خيرا ( ياسمينا ) .

        تعليق


        • #34
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          سبع سنابل وسبع سنبلات
          قال الله عز وجل :﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ ﴾(البقرة: 261) ، وقال سبحانه :﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ﴾(يوسف: 43‏) ، فأتى بتمييز العدد ( سَبْعَ ) في آية البقرة على ( سَنَابِلَ ) ، وهو جمع كثرة ، وكان من حقه أن يأتي على ( سُنْبُلاتٍ ) ،فيقال :( سَبْع سُنْبُلاتٍ ) ، فيطابق العدد معدوده في الدلالة على القلة ؛ كما أتى في الآية الأخرى .
          والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : لم عدل عن ( سُنْبُلاتٍ ) إلى ( سَنَابِلَ ) في آية البقرة؟
          أولاً- والجواب عن ذلك من وجهين :
          أحدهما : أن المقام في آية البقرة مقام تكثير وتضعيف ، فناسب ذلك جمع الكثرة . أما آية يوسف فلا مقتضى فيها للتكثير والتضعيف ، فأتى بجمع القلَّة ؛ ليطابق اللفظ المعنى ، ذكر هذا القول الزركشي في البرهان عن بعضهم . وقال البقاعي في نظم الدرِّ عند قوله تعالى :﴿وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴾ ، قال :« ولما كان تأويل المنام : الجدب والقحط والشدة ، أضاف العدد إلى جمع القلة ، بخلاف ما كان في سياق المضاعفة في قوله :﴿أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾ ، فقال :﴿سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴾» .
          والثاني : قيل : إن جمع السلامة ، بالواو والنون ، أو بالألف والتاء ، لا يميَّز به من ( ثلاثة ) إلى ( عشرة ) ؛ إلا في موضعين :
          الموضع الأول :ألا يكون لذلك المفرد جمع سواه ؛ كقوله تعالى :﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾(الطلاق:12) ، فجاء بجمع ( سماء ) على ( سموات ) ؛ لأنه ليس لها سوى هذا الجمع . وكذلك قوله تعالى :﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ ﴾(يوسف: 43) ،وقوله :﴿تِسْعَ آيَاتٍ ﴾(الإسراء: 101) ،وقوله :﴿ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ ﴾(البقرة:157) ؛ لأن ( بقرة ) ، و( آية ) ، و( صلاة ) ليس لها سوى هذا الجمع ، ولم تجمع على غيره .
          والموضع الثاني : أن يكون مجاورًا لما أهمل فيه هذا الجمع ، وإن كان المجاور لم يهمل فيه هذا الجمع ، فيعدل إليه لمجاورة غيره ؛ فقوله تعالى :﴿وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴾(يوسف: 46) ، لمَّا عُطِفَ على :﴿ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ﴾(يوسف: 46) وجاوره ، حَسُن فيه الجمع بالألف والتاء . ولو كان لم يُعْطَفْ ولم يجاور ، لكان :﴿وسَبْعُ سَنَابِلَ ﴾ ؛كما في آية البقرة ؛ ولذلك إذا عرِّيَ الجمع عن المجاور ، جاء على صيغة جمع التكسير في الأكثر والأوْلى ، وإن كان يجمع جمع سلامة ، ومثال ذلك قوله تعالى :﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ ﴾(الحاقة: 7) ، وقوله تعالى :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ ﴾(المؤمنون:17) . لم يقل :( سبع ليلات ) ، ولا ( سبع طريقات ) ، وإن كان ذلك جائزًا ، في جمع : ( ليلة ) ، و( طريقة ) .
          ويتحصَّل من ذلك : أن قوله تعالى :﴿ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾ ، جاء على ما تقرر في العربية ، من كونه جمعًا متناهيًا ، وأن قوله :﴿وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴾ ؛ إنما جاز لأجل مشاكلة :﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ ﴾ قبله ، ومجاورته له . وهذا حاصل جواب أبي حيان في البحر المحيط ، وهو الصواب ، إن شاء الله ؛ لأن الجواب الأول لو صح حمل آية البقرة وآية يوسف عليه ، فإنه لا يصح حمل غيرهما من الآيات عليه ؛ كقوله تعالى :﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ ﴾(الحاقة: 7) ، وقوله تعالى :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ ﴾(المؤمنون:17) ، والله تعالى أعلم !
          ثانيًا-وسئل الدكتور فاضل السامرائي في ( لمسات بيانية ) : ( متى يستعمل جمع القلة ، وجمع الكثرة في القرآن الكريم ؟ )
          فأجاب بقوله :« القاعدة النحوية :( أن يكون جمع القلة للقلة ، وجمع الكثرة للكثرة ) ؛ مثل :( دراهم معدودة ) جمع قلة ، و( دراهم معدودات ) جمع كثرة ، و( أربعة أشهر ) جمع قلة ، و( عدة الشهور ) جمع كثرة ، ( سبعة أبحر ) جمع قلة ، و( وإذا البحار سُجّرت ) جمع كثرة ، ( ثلاثة آلآف ) جمع قلة ، و( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ) أكثر من عشرة جمع كثرة » .
          ثم قال :«ويجوز ( أن يستعمل القلة للكثرة ، والكثرة للقلة ) . أما في القرآن قد يُعطَى وزن القلة للكثرة ، والعكس ، لأمر بليغ . وقد جاء في سورة البقرة :﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍأَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾ سبع ، جمع قلَّة ، استعملت مع جمع كثرة ؛ لأنها في مقام مضاعفة الأجور والتكثير . وفي سورة يوسف :﴿وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ سبع ، استعملت مع جمع القلة ( سنبلات ) ؛ لأن الآية تتحدث عن حلم ، ولا مجال للتكثير فيه ، إنما هو مجرد حلم ؛ لذا استعملت بمعنى القلة » .
          وأضاف الدكتور العلامة قائلاً :«وتستعمل للمقارنة بين معنيين ؛ مثل : قيام جمع كثرة ، وقائمون جمع قلة ، وكذلك أعين للبصر ، وعيون للماء ، والأبرار جمع قلة ، وهي تستعمل للمؤمنين فقط ( إن الأبرار لفي نعيم ) ، والبررة جمع كثرة ، وهي تستعمل للملائكة فقط ؛ لأنهم أكثر ( كرام بررة )» .
          وانتهى الدكتور العلامةمن ذلك إلى القول :«وقوله تعالى :( دراهم معدودة ) مناسبة مع كلمة ( بخس ) في قوله :( وشروه بثمن بخس ) في سورة يوسف ( أكثر من عشرة فهي كثرة ) ؛ لكن حتى لو دفعوا أكثر من عشرة دراهم يبقى ثمنًا بخسًا . وقوله :( أيامًا معدودات ) في آية الصيام في سورة البقرة قللّها ، فهي أيام معدودات ، ليس كثيرة ، وهنا تنزيل الكثير على القليل ، وقد قلل أيام الصيام ، لكن أجرها كبير » .
          وكان العلامة السامرائي قد أجاب في لمسة أخرى من لمساته الغبية عن السؤال الآتي :(ما الفرق بين دلالة الجمع في معدودة ، ومعدودات ؟ ) ، فأجاب بقوله :« معدودات ( جمع قلّة ) ، وهي تفيد القلّة وهي ( أقل من 11 ) . أما ( معدودة فهي جمع كثرة وهي أكثر من معدودات ) هي ( أكثر من 11 ) . والقاعدة العامة : ( أنه إذا وصفنا الجمع غير العاقل بالمفرد ، فإنه يفيد الكثرة ) . ومثال ذلك : أنهار جارية ، وأنهار جاريات . الجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات . وأشجار مثمرة أكثر من مثمرات ، وجبال شاهقة أكثر من شاهقات . مثال : قال تعالى في سورة آل عمران :( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {24}) اختيار كلمة ( معدودات ) في هذه الآية ؛ لأن الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أقلّ . وقال تعالى في سورة البقرة :( وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {80}) اختيار كلمة ( معدودة ) في هذه الآية ؛ لأن الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أكثر » .
          فتأمل يا مَنْ عددت هذا الرجل في الراسخين في العلم ، ووصفته بأنه بحر العربية ، وقلت عنه متعجبًا : السامرائي ، وما أدراك ما السامرائي ! ووصفته بأنه من المبدعين ، وأن إبداعه لا حدود له ، وأن الله قد فتح له عليه منن خزائن علمه فتوح العارفين .. تأمل أقواله ، كيف تتعارض ، وينطح بعضها بعضًا :
          1- ( معدودات جمع قلّة . أما معدودة فهي جمع كثرة وهي أكثر من معدودات ) . مثل : ( أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ) أكثر من ( أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ) .
          2- القاعدة النحوية :( أن يكون جمع القلة للقلة ، وجمع الكثرة للكثرة ) . مثل : ( دراهم معدودة ) جمع قلة ، و( دراهم معدودات ) جمع كثرة .
          3- القاعدة العامة: ( أنه إذا وصفنا الجمع غير العاقل بالمفرد ، فإنه يفيد الكثرة )
          4- يجوز ( أن يستعمل القلة للكثرة ، والكثرة للقلة ). أما في القرآن قد يُعطَى وزن القلة للكثرة ، والعكس ، لأمر بليغ .
          5- ( سبع جمع قلَّة ) ، استعملت مع جمع كثرة( سنابل ) .. واستعملت مع جمع القلة ( سنبلات ) .
          6- قوله تعالى :(دراهم معدودة ) مناسبة مع كلمة ( بخس ) في قوله :( وشروه بثمن بخس ) في سورة يوسف ( أكثر من عشرة فهي كثرة )
          7- قوله :( أيامًا معدودات )في آية الصيام في سورة البقرة قللّها ، فهي أيام معدودات ، (ليس كثيرة ) .
          وأحسن ما يمكن أن يقال في التعليق على هذه الأقوال المزعومة أنها لا تستحق التعليق !
          ثالثًا- وهنا أود أن أنبه أصحاب العقول السليمة والأفهام الصحيحة أن ( جمع القلة ) نوعان : جمع تكسير ، وجمع سالم :
          أما ( جمع التكسير ) ، فذكر اللغويون له أربعة أوزان ، وهي : ( فِعْلَة ـ أفْعَال ـ أفعُل ـ أفْعِلَة ) . وأما ( الجمع السالم ) فما كان بالألف والتاء ، والواو والنون ، أو الياء والنون .. ويشترط في دلالة هذه الجموع على القلة أن تأتي بصيغة التنكير ، ما لم يقترن بها ما يبيِّن أن المراد بها الكثرة ؛ كأن تستعمل في السياق معرَّفة بـ( ال ) غير العهدية ، أو ( الإضافة ) ، فحينئذ تدل على الكثير ؛ كما تدل عليه جموع الكثرة .
          مثال الجمع السالم الذي يدل على القلة قولك : مسلمون ومسلمات . فإذا قلت : المسلمون والمسلمات ، دل كل منهما على الكثرة . وهذا ما أشار إليه ابن جني ، واحتج له بقوله تعالى :﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَوَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَوَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِوَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِوَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِوَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾(الأحزاب: 35) ، فالغرض في جميع ذلكالكثرة ، لا القلة .
          ومثال جمع التكسير الذي يدل على القلة قولك : أصحاب ، وأبرار . فإذا أردت الكثرة ، قلت : الأصحاب ، والأبرار ؛ كما قال تعالى :﴿ وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَاوَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ(آل عمران: 193) . والأبرار جمع ( بَرٍّ ) ، أو ( بارٍّ ) ؛ كـ( رب وأرباب ) ، و( صاحب وأصحاب ) ،وهم هنا : الأنبياء الصالحون ، وقيل : هم : الطائعون لله . وقيل : هم هنا الذين بروا الآباء والأبناء .وعلى الأقوال كلها هم كثرة ، لا قلة . وهذا ما لم يصل إليه علم السامرائي بعدُ ؛ ولذلك تجده في أحد أقواله السابقة يزعم أن الأبرار في قوله تعالى :﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(الانفطار: 13) جمع قلة ، وخصَّه بالمؤمنين فقط .
          وإلى مثل هذا ذهب ، وهو يقارن بين مجيء ( الحق ) بالتعريف في قوله تعالى :﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِالْحَقِّ(البقرة: 61) ، وبالتنكير في قوله تعالى :﴿ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ(آل عمران: 112) ، فزعم أن التشنيع على اليهود والعيب على فعلهم وذمّهم في سورة آل عمران أشدّ منه في آية البقرة ، واستدل على ذلك بأن جمع ( النبيين ) في آية البقرة ذكر بصورة القِلّة ﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ ﴾ أي : يقتلون العدد القليل منهم بغير الحق ، وذكر ( الأنبياء ) في آية آل عمران بصورة الكثرة ﴿ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء ﴾ . أي : يقتلون العدد الكثير من الأنبياء بغير حق .
          وقد نصَّ أبو حيان في البحر المحيط على أنه لا فرق في الدَّلالة بين ( النبيين ) ، و( الأنبياء ) ؛ « لأنَّ الجمعين ، إذا دخلت عليهما( ال ) تساويا ، بخلاف حالهما إذا كانا نكرتين ؛ لأن جمع السَّلامة ؛ إذ ذاك ظاهر فيالقلَّة ، وجمع التْكسير على أفعلاء ظاهر في الكثرة » .وهذا ما قرَّره أبوحيَّان أيضًا عند تفسير قوله تعالى :﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ(لقمان: 27) ردًّا على الزمخشري الذي ذهب إلى أن ( كلمات ) جمع قلة ، فقال :«وعلى تسليم أن ( كلمات ) جمع قلة ، فجموع القلة ، إذا تعرفت بالألف واللام غير العهدية أو أضيفت ، عمَّت وصارت لا تخص القليل ، والعام مستغرق لجميع الأفراد » .
          أما ( معدودات ) فهي جمع ( معدودة ) مؤنَّث ( معدود ) ، ولا يمكن أن تكون ( معدودة ) جمعًا إلا في لغة من يجعل العدد ( سبع ) جمع قلة . وكنت قد ذكرت في مقالي ( الأيام المعدودة والمعدودات )أن معنى كل منهما : قلائل ، يحصرها العدُّ ؛ أقلها : ثلاثة ، وأكثرها : أربعون ،وذكرت قول الزمخشري في تفسير قوله تعالى :﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ :« تعدُّ عدًّا ، ولا تُوزَنُ ؛ لأنهم كانوا لا يزنون إلا ما بلغ الأوقية ، وهي الأربعون ، ويعدون ما دونها » . ثمعلل لذلك بقوله : « وقيل للقليلة : معدودة ؛ لأن الكثيرة يمتنع من عدِّهالكثرتها » .فهذه الكثيرة لا يحصرها العد لكثرتها ؛ ولذلك يقال فيها : ( أيام عديدة ) ، و( دراهم عديدة ) .
          بقي أن أذكِّر بأن الفرق بين ( معدودة ) ، و( معدودات ) : أن (مَّعْدُودَاتٍ ) تدل على عدد معين. أي : أنها معيَّنة العدِّ في نفسها ، بخلاف (مَّعْدُودَة ) ، والى هذا ذهب بعض المفسرين ، منهم أبو حيان ، وذكره الزمخشري في تفسير قولهتعالى :﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ(البقرة 184) ، فقال :« معدودات : مؤقَّتات بعدد معلوم» ، وتابعه في ذلك الرازي . والدليل عليه أن المراد بالأيام المعدودات في آيةالبقرة : أيام شهر رمضان في أصح الأقوال . قال الراغب في مفرداته :«وقوله :﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍفإشارة إلى شهر رمضان » . وقال الراغب أيضًا :« وقوله تعالى :﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ(الحج: 28) . وقوله :﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فهي ثلاثة أيام بعد النحر ، والمعلومات عشر ذي الحجة . وعند بعض الفقهاء المعدودات : يوم النحر ، ويومان بعده . فعلى هذا يوم النحر يكون من المعدودات ، والمعلومات » . ومثل ذلك أيضًا قوله تعالى :﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ﴾(البقرة: 197) ، وأشهر الحج معلومة لدى الجميع .. وهذا أيضًا مما لم يصل إليه علم السامرائي بعدُ ، نسأله سبحانه أن يزيدنا علمًا بكتابه ، وفهمًا لكلامه ، له الحمد ، وله الفضل والمنة !
          ثقتي في الله تمنحني الحياة
          أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
          فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
          سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
          فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
          قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
          فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
          فمن ترابي ابنوا الوطن
          حتى أعود لقلب الوطن
          بجد ... بحبك يا وطن

          تعليق


          • #35
            بسم الله الرحمن الرحيم

            برجاء الإستمرار .. فالموضوع أكثر من رائع .. يا ياسمينا

            تعليق


            • #36
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              بسم الله الرحمن الرحيم

              نتأمل آيات من سورة النور
              إخبار ووعد بأن الطهر لا يظلمه الله بخبث أبدًا
              هيا بنا نتأمل (من تفسير ابن كثير)

              {3} الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

              هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطَأ إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة أَيْ لَا يُطَاوِعهُ عَلَى مُرَاده مِنْ الزِّنَا إِلَّا زَانِيَة عَاصِيَة أَوْ مُشْرِكَة لَا تَرَى حُرْمَة ذَلِكَ وَكَذَلِكَ " الزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ " أَيْ عَاصٍ بِزِنَاهُ " أَوْ مُشْرِك " لَا يَعْتَقِد تَحْرِيمه قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ حَبِيب بْن أَبِي عَمْرَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس : " الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة " قَالَ لَيْسَ هَذَا بِالنِّكَاحِ إِنَّمَا هُوَ الْجِمَاع لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْر وَجْه أَيْضًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَالضَّحَّاك وَمَكْحُول وَمُقَاتِل اِبْن حَيَّان وَغَيْر وَاحِد نَحْو ذَلِكَ . وَقَوْله تَعَالَى " وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" أَيْ تَعَاطِيه وَالتَّزْوِيج بِالْبَغَايَا أَوْ تَزْوِيج الْعَفَائِف بِالرِّجَالِ الْفُجَّار . وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدَّثَنَا قَيْس عَنْ أَبِي حُصَيْن عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس" وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " قَالَ : حَرَّمَ اللَّه الزِّنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل بْن حَيَّان : حَرَّمَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ نِكَاح الْبَغَايَا وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فَقَالَ " وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " وَهَذِهِ الْآيَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى " مُحْصَنَات غَيْر مُسَافِحَات وَلَا مُتَّخِذَات أَخْدَان " وَقَوْله " مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان " الْآيَة وَمِنْ هَهُنَا ذَهَبَ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحّ الْعَقْد مِنْ الرَّجُل الْعَفِيف عَلَى الْمَرْأَة الْبَغِيّ مَا دَامَتْ كَذَلِكَ حَتَّى تُسْتَتَاب فَإِنْ تَابَتْ صَحَّ الْعَقْد عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ لَا يَصِحّ تَزْوِيج الْمَرْأَة الْحُرَّة الْعَفِيفَة بِالرَّجُلِ الْفَاجِر الْمُسَافِح حَتَّى يَتُوب تَوْبَة صَحِيحَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَارِم حَدَّثَنَا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان قَالَ : قَالَ أَبِي حَدَّثَنَا الْحَضْرَمِيّ عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو" أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اِمْرَأَة يُقَال لَهَا أُمّ مَهْزُول كَانَتْ تُسَافِح وَتَشْتَرِط لَهُ أَنْ تُنْفِق عَلَيْهِ قَالَ فَاسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذَكَرَ لَهُ أَمْرهَا قَالَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" وَقَالَ النَّسَائِيّ أَخْبَرَنَا عَمْرو بْن عَدِيّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَضْرَمِيّ عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَنْ عَبْد اللَّه اِبْن عَمْرو قَالَ : كَانَتْ اِمْرَأَة يُقَال لَهَا أُمّ مَهْزُول وَكَانَتْ تُسَافِح فَأَرَادَ رَجُل مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجهَا فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " . قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدَّثَنَا عَبْد بْن حُمَيْد حَدَّثَنَا رَوْح بْن عُبَادَة عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن الْأَخْنَس أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : كَانَ رَجُل يُقَال لَهُ مَرْثَد بْن أَبِي مَرْثَد وَكَانَ رَجُلًا يَحْمِل الْأَسْرَى مِنْ مَكَّة حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمْ الْمَدِينَة قَالَ وَكَانَتْ اِمْرَأَة بَغِيّ بِمَكَّة يُقَال لَهَا عَنَاق وَكَانَتْ صَدِيقَة لَهُ وَأَنَّهُ وَاعَدَ رَجُلًا مِنْ أُسَارَى مَكَّة يَحْمِلهُ قَالَ فَجِئْت حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى ظِلّ حَائِط مِنْ حَوَائِط مَكَّة فِي لَيْلَة مُقْمِرَة قَالَ : فَجَاءَتْ عَنَاق فَأَبْصَرَتْ سَوَاد ظِلّ تَحْت الْحَائِط فَلَمَّا اِنْتَهَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْنِي فَقَالَتْ : مَرْثَد ؟ فَقُلْت : مَرْثَد فَقَالَتْ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدنَا اللَّيْلَة . قَالَ فَقُلْت يَا عَنَاق حَرَّمَ اللَّه الزِّنَا فَقَالَتْ : يَا أَهْل الْخِيَام هَذَا الرَّجُل يَحْمِل أَسْرَاكُمْ قَالَ : فَتَبِعَنِي ثَمَانِيَة وَدَخَلْت الْحَدِيقَة فَانْتَهَيْت إِلَى غَار أَوْ كَهْف فَدَخَلْت فِيهِ فَجَاءُوا حَتَّى قَامُوا عَلَى رَأْسِي فَبَالُوا فَظَلَّ بَوْلهمْ عَلَى رَأْسِي فَأَعْمَاهُمْ اللَّه عَنِّي قَالَ ثُمَّ رَجَعُوا فَرَجَعْت إِلَى صَاحِبِي فَحَمَلْته وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى الْإِذْخِر فَفَكَكْت عَنْهُ أَحْبُلهُ فَجَعَلْت أَحْمِلهُ وَيُعِيننِي حَتَّى أَتَيْت بِهِ الْمَدِينَة فَأَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه أَنْكِح عَنَاقًا أَنْكِح عَنَاقًا مَرَّتَيْنِ ؟ فَأَمْسَكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ " الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا مَرْثَد : الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة فَلَا تَنْكِحهَا " ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي كِتَاب النِّكَاح مِنْ سُنَنهمَا مِنْ حَدِيث عُبَيْد اللَّه بْن الْأَخْنَس بِهِ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُسَدَّد أَبُو الْحَسَن حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث عَنْ حَبِيب الْمُعَلِّم حَدَّثَنِي عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" لَا يَنْكِح الزَّانِي الْمَجْلُود إِلَّا مِثْله " وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنه عَنْ مُسَدَّد وَأَبِي مَعْمَر عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو كِلَاهُمَا عَنْ عَبْد الْوَارِث بِهِ . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا يَعْقُوب حَدَّثَنَا عَاصِم بْن مُحَمَّد بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب عَنْ أَخِيهِ عُمَر بْن مُحَمَّد عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَسَار مَوْلَى اِبْن عُمَر قَالَ : أَشْهَد لَسَمِعْت سَالِمًا يَقُول : قَالَ عَبْد اللَّه : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثَلَاثَة لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَلَا يَنْظُر اللَّه إِلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة : الْعَاقّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَة الْمُتَرَجِّلَة الْمُتَشَبِّهَة بِالرِّجَالِ وَالدَّيُّوث. وَثَلَاثَة لَا يَنْظُر اللَّه إِلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة : الْعَاقّ لِوَالِدَيْهِ وَمُدْمِن الْخَمْر وَالْمَنَّان بِمَا أَعْطَى " وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَمْرو بْن عَلِيّ الْفَلَّاس عَنْ يَزِيد بْن زُرَيْع عَنْ عُمَر بْن مُحَمَّد الْعُمَرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَسَار بِهِ. وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد أَيْضًا حَدَّثَنَا يَعْقُوب حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن كَثِير عَنْ قَطَن بْن وَهْب عَنْ عُوَيْمِر بْن الْأَجْدَع عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ثَلَاثَة حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْجَنَّة مُدْمِن الْخَمْر وَالْعَاقّ لِوَالِدَيْهِ وَاَلَّذِي يُقِرّ فِي أَهْله الْخَبَث " وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده حَدَّثَنِي شُعْبَة حَدَّثَنِي رَجُل مِنْ آلِ سَهْل بْن حُنَيْف عَنْ مُحَمَّد بْن عَمَّار عَنْ عَمَّار بْن يَاسِر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَدْخُل الْجَنَّة دَيُّوث " يُسْتَشْهَد بِهِ لِمَا قَبْله مِنْ الْأَحَادِيث وَقَالَ اِبْن مَاجَهْ حَدَّثَنَا هِشَام بْن عَمَّار حَدَّثَنَا سَلَّام بْن سَوَّار حَدَّثَنَا كَثِير بْن سُلَيْم عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْقَى اللَّه وَهُوَ طَاهِر مُتَطَهِّر فَلْيَتَزَوَّجْ الْحَرَائِر " فِي إِسْنَاده ضَعْف. وَقَالَ الْإِمَام أَبُو نَصْر إِسْمَاعِيل بْن حَمَّاد الْجَوْهَرِيّ فِي كِتَابه الصِّحَاح فِي اللُّغَة : الدَّيُّوث الْقُنْزُع وَهُوَ الَّذِي لَا غَيْرَة لَهُ فَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَام أَبُو عَبْد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ فِي كِتَاب النِّكَاح مِنْ سُنَنه : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة عَنْ يَزِيد بْن هَارُون عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة وَغَيْره عَنْ هَارُون بْن رَيَّاب عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر وَعَبْد الْكَرِيم عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس عَبْد الْكَرِيم رَفَعَهُ إِلَى اِبْن عَبَّاس وَهَارُون لَمْ يَرْفَعهُ قَالَا جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِي اِمْرَأَة مِنْ أَحَبّ النَّاس إِلَيَّ وَهِيَ لَا تَمْنَع يَد لَامِس قَالَ : " طَلِّقْهَا " قَالَ : لَا صَبْر لِي عَنْهَا قَالَ" اِسْتَمْتِعْ بِهَا " ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيّ هَذَا الْحَدِيث غَيْر ثَابِت وَعَبْد الْكَرِيم لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَهَارُون أَثْبَت مِنْهُ وَقَدْ أَرْسَلَ الْحَدِيث وَهُوَ ثِقَة وَحَدِيثه أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيث عَبْد الْكَرِيم قُلْت وَهُوَ اِبْن أَبِي الْمُخَارِق الْبَصْرِيّ الْمُؤَدِّب تَابِعِيّ ضَعِيف الْحَدِيث وَقَدْ خَالَفَهُ هَارُون بْن رِيَاب وَهُوَ تَابِعِيّ ثِقَة مِنْ رِجَال مُسْلِم فَحَدِيثه الْمُرْسَل أَوْلَى كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَاب الطَّلَاق عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ عَنْ النَّضْر بْن شُمَيْل عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ هَارُون بْن رِيَاب عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس مُسْنَدًا فَذَكَرَهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد فَرِجَاله عَلَى شَرْط مُسْلِم إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيّ بَعْد رِوَايَته لَهُ قَالَ : هَذَا خَطَأ وَالصَّوَاب مُرْسَل . وَرَوَاهُ غَيْر النَّضْر عَلَى الصَّوَاب وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُد عَنْ الْحُسَيْن بْن حُرَيْث أَخْبَرَنَا الْفَضْل بْن مُوسَى أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد عَنْ عُمَارَة بْن أَبِي حَفْصَة عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَهَذَا الْإِسْنَاد جَيِّد . وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَا الْحَدِيث مَا بَيْن مُضَعِّف لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّسَائِيّ وَمُنْكِر كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : هُوَ حَدِيث مُنْكَر وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا سَخِيَّة لَا تَمْنَع سَائِلًا وَحَكَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنه عَنْ بَعْضهمْ فَقَالَ : وَقِيلَ سَخِيَّة تُعْطِي وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَاد لَقَالَ لَا تَرُدّ يَد مُلْتَمِس وَقِيلَ : الْمُرَاد إِنَّ سَجِيَّتهَا لَا تَرُدّ يَد لَامِس لَا أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ هَذَا وَاقِع مِنْهَا وَأَنَّهَا تَفْعَل الْفَاحِشَة فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْذَن فِي مُصَاحَبَة مَنْ هَذِهِ صِفَتهَا فَإِنَّ زَوْجهَا وَالْحَالَة هَذِهِ يَكُون دَيُّوثًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَعِيد عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ سَجِيَّتهَا هَكَذَا لَيْسَ فِيهَا مُمَانَعَة وَلَا مُخَالَفَة لِمَنْ أَرَادَهَا لَوْ خَلَا بِهَا أَحَد أَمَرَهُ رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِرَاقِهَا فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُحِبّهَا أَبَاحَ لَهُ الْبَقَاء مَعَهَا لِأَنَّ مَحَبَّته لَهَا مُحَقَّقَة وَوُقُوع الْفَاحِشَة مِنْهَا مُتَوَهَّم فَلَا يُصَار إِلَى الضَّرَر الْعَاجِل لِتَوَهُّمِ الْآجِل وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم قَالُوا فَأَمَّا إِذَا حَصَلَتْ تَوْبَة فَإِنَّهُ يَحِلّ التَّزْوِيج كَمَا قَالَ الْإِمَام أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي حَاتِم رَحِمَهُ اللَّه حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْأَشَجّ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِد عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب قَالَ سَمِعْت شُعْبَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس " رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ سَمِعْت اِبْن عَبَّاس وَسَأَلَهُ رَجُل فَقَالَ لَهُ إِنِّي كُنْت أُلِمّ بِامْرَأَةٍ آتِي مِنْهَا مَا حَرَّمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ فَرَزَقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ تَوْبَة فَأَرَدْت أَنْ أَتَزَوَّجهَا فَقَالَ أُنَاس : إِنَّ الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة . فَقَالَ اِبْن عَبَّاس لَيْسَ هَذَا فِي هَذَا اِنْكِحْهَا فَمَا كَانَ مِنْ إِثْم فَعَلَيَّ . وَقَدْ اِدَّعَى طَائِفَة آخَرُونَ مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْأَشَجّ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِد عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ ذَكَرَ عِنْده " الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك " قَالَ كَانَ يُقَال نَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدهَا" وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى " مِنْكُمْ قَالَ كَانَ يُقَال الْأَيَامَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام فِي كِتَاب النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ لَهُ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِيّ .
              بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

              {26} الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ

              قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْخَبِيثَات مِنْ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنْ الرِّجَال وَالْخَبِيثُونَ مِنْ الرِّجَال لِلْخَبِيثَاتِ مِنْ الْقَوْل . وَالطَّيِّبَات مِنْ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنْ الرِّجَال وَالطَّيِّبُونَ مِنْ الرِّجَال لِلطَّيِّبَاتِ مِنْ الْقَوْل - قَالَ - وَنَزَلَتْ فِي عَائِشَة وَأَهْل الْإِفْك وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالشَّعْبِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَحَبِيب بْن أَبِي ثَابِت وَالضَّحَّاك وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْكَلَام الْقَبِيح أَوْلَى بِأَهْلِ الْقُبْح مِنْ النَّاس وَالْكَلَام الطَّيِّب أَوْلَى بِالطَّيِّبِينَ مِنْ النَّاس فَمَا نَسَبَهُ أَهْل النِّفَاق إِلَى عَائِشَة مِنْ كَلَام هُمْ أَوْلَى بِهِ وَهِيَ أَوْلَى بِالْبَرَاءَةِ وَالنَّزَاهَة مِنْهُمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ " وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم : الْخَبِيثَات مِنْ النِّسَاء لِلْخَبِيثِينَ مِنْ الرِّجَال وَالْخَبِيثُونَ مِنْ الرِّجَال لِلْخَبِيثَاتِ مِنْ النِّسَاء وَالطَّيِّبَات مِنْ النِّسَاء لِلطَّيِّبِينَ مِنْ الرِّجَال وَالطَّيِّبُونَ مِنْ الرِّجَال لِلطَّيِّبَاتِ مِنْ النِّسَاء وَهَذَا أَيْضًا يَرْجِع إِلَى مَا قَالَهُ أُولَئِكَ بِاللَّازِمِ أَيْ مَا كَانَ اللَّه لِيَجْعَل عَائِشَة زَوْجَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهِيَ طَيِّبَة لِأَنَّهُ أَطْيَب مِنْ كُلّ طَيِّب مِنْ الْبَشَر وَلَوْ كَانَتْ خَبِيثَة لَمَا صَلَحَتْ لَهُ لَا شَرْعًا وَلَا قَدَرًا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى" أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ " أَيْ هُمْ بُعَدَاء عَمَّا يَقُولهُ أَهْل الْإِفْك وَالْعُدْوَان " لَهُمْ مَغْفِرَة " أَيْ بِسَبَبِ مَا قِيلَ فِيهِمْ مِنْ الْكَذِب " وَرِزْق كَرِيم " أَيْ عِنْد اللَّه فِي جَنَّات النَّعِيم وَفِيهِ وَعْد بِأَنْ تَكُون زَوْجَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّة قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُسْلِم حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم حَدَّثَنَا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب عَنْ يَزِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ الْحَكَم بِإِسْنَادِهِ إِلَى يَحْيَى بْن الْجَزَّار قَالَ : جَاءَ أُسَيْر بْن جَابِر إِلَى عَبْد اللَّه فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْت الْوَلِيد بْن عُقْبَة تَكَلَّمَ الْيَوْم بِكَلَامٍ أَعْجَبَنِي فَقَالَ عَبْد اللَّه : إِنَّ الرَّجُل الْمُؤْمِن يَكُون فِي قَلْبه الْكَلِمَة الطَّيِّبَة تَتَجَلْجَل فِي صَدْره مَا يَسْتَقِرّ حَتَّى يَلْفِظهَا فَيَسْمَعهَا الرَّجُل عِنْده يَتْلُهَا فَيَضُمّهَا إِلَيْهِ وَإِنَّ الرَّجُل الْفَاجِر يَكُون فِي قَلْبه الْكَلِمَة الْخَبِيثَة تَتَجَلْجَل فِي صَدْره مَا تَسْتَقِرّ حَتَّى يَلْفِظهَا فَيَسْمَعهَا الرَّجُل الَّذِي عِنْده يَتْلُهَا فَيَضُمّهَا إِلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه " الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ" الْآيَة وَيُشْبِه هَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد فِي الْمُسْنَد مَرْفُوعًا " مَثَل الَّذِي يَسْمَع الْحِكْمَة ثُمَّ لَا يُحَدِّث إِلَّا بِشَرِّ مَا سَمِعَ كَمَثَلِ رَجُل جَاءَ إِلَى صَاحِب غَنَم فَقَالَ اُجْزُرْ لِي شَاة فَقَالَ اِذْهَبْ فَخُذْ بِأُذُنِ أَيّهَا شِئْت فَذَهَبَ فَأَخَذَ بِأُذُنِ كَلْب الْغَنَم " وَفِي الْحَدِيث الْآخَر " الْحِكْمَة ضَالَّة الْمُؤْمِن حَيْثُ وَجَدَهَا أَخَذَهَا " .
              ثقتي في الله تمنحني الحياة
              أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
              فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
              سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
              فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
              قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
              فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
              فمن ترابي ابنوا الوطن
              حتى أعود لقلب الوطن
              بجد ... بحبك يا وطن

              تعليق


              • #37
                بسم الله الر حمن الرحيم
                و الصلاة و السلام علي أشرف خلق الله سيدنا محمد بن عبد الله صلي الله عليه و سلم

                الأخت الفاضلة ياسمينا جزاكي الله خيرا علي هذا المجهود الرائع
                وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتك

                تعليق


                • #38
                  لماذا بدأت سورة الحمد ببسم الله ؟

                  ألسلام عليكم
                  أعجبتني مقدمة الفاتحة في تفسير الظلالين للشهيد سيد قطب :{يرددالمسلم هذه السورة القصيرة ذات الآيات السبع , سبع عشرة مرة في كل يوم وليلةعلى الحد الأدنى ; وأكثر من ضعف ذلك إذا هو صلى السنن ; وإلى غير حد إذا هورغب في أن يقف بين يدي ربه متنفلا , غير الفرائض والسنن . ولا تقوم صلاة بغير هذه السورة لما ورد في الصحيحين عن رسول الله [ص] من حديث عبادة بن الصامت:" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " .
                  إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية , وكليات التصور الإسلامي , وكليات المشاعروالتوجيهات , ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة , وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها ..}
                  وبدء السورة ببسم الله هو الأدب الذي أوحى الله لنبيه [ص] في أول ما نزل من القرآن باتفاق , وهو قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك ...).. وهو الذي يتفق مع قاعدة التصورالإسلامي الكبرى من أن الله (هو الأول والآخر والظاهر والباطن).. فهو - سبحانه -الموجود الحق الذي يستمد منه كل موجود وجوده , ويبدأ منه كل مبدوء بدأه . فباسمه إذن يكون كل ابتداء . وباسمه إذن تكون كل حركة وكل اتجاه .
                  ووصفه - سبحانه - في البدء بالرحمن الرحيم , يستغرق كل معاني الرحمة وحالاتها .. وهوالمختص
                  (الحمد لله رب العالمين):2
                  وعقبالبدء باسم الله الرحمن الرحيم يجيء التوجه إلى الله بالحمد ووصفهبالربوبيةالمطلقة للعالمين:(الحمد لله رب العالمين). .
                  والحمدلله هو الشعور الذي يفيض به قلب المؤمن بمجرد ذكره لله . . فإن وجودهابتداءليس إلا فيضا من فيوضات النعمة الإلهية التي تستجيش الحمد والثناء . وفي كللمحةوفي كل لحظة وفي كل خطوة تتوالى آلاء الله وتتواكب وتتجمع , وتغمر خلائقه كلهاوبخاصةهذا الإنسان . . ومن ثم كان الحمد لله ابتداء , وكان الحمد لله ختاما قاعدةمنقواعد التصور الإسلامي المباشر: (وهو الله لا إله إلا هو , له الحمد في الأولىوالآخرة . . ..(
                  ومعهذا يبلغ من فضل الله - سبحانه - وفيضه على عبده المؤمن , أنه إذا قال:الحمدلله . كتبها له حسنة ترجح كل الموازين . . في سنن ابن ماجه عن ابن عمر - رضي اللهعنهما - أن رسول الله [ ص ] حدثهم أن عبدا من عباد الله قال:" يا رب لك الحمد كماينبغيلجلال وجهك وعظيم سلطانك " . فعضلت الملكين فلم يدريا كيف يكتبانها . فصعداإلىالله فقالا:يا ربنا إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها . قال الله - وهوأعلمبما قال عبده -:" وما الذي قال عبدي ? " قالا:يا رب , أنه قال:لك الحمد يا ربكماينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . فقال الله لهما:" اكتباها كما قال عبدي حتىيلقانيفأجزيه بها " . .
                  والتوجهإلى الله بالحمد يمثل شعور المؤمن الذي يستجيشه مجرد ذكره لله - كماأسلفنا - أما شطر الآية الأخير: (رب العالمين)فهو يمثل قاعدة التصور الإسلامي ,فالربوبيةالمطلقة الشاملة هي إحدى كليات العقيدة الإسلامية . . والرب هو المالكالمتصرف , ويطلق في اللغة على السيد وعلى المتصرف للإصلاح والتربية . . والتصرفللإصلاحوالتربية يشمل العالمين - أي جميع الخلائق - والله - سبحانه - لم يخلقالكونثم يتركه هملا . إنما هو يتصرف فيه بالإصلاح ويرعاه ويربيه . وكل العوالموالخلائقتحفظ وتتعهد برعاية الله رب العالمين . والصلة بين الخالق والخلائق دائمةممتدةقائمة في كل وقت وفي كل حالة .
                  والربوبيةالمطلقة هي مفرق الطريق بين وضوح التوحيد الكامل الشامل , والغبش الذيينشأمن عدم وضوح هذه الحقيقة بصورتها القاطعة . وكثيرا ما كان الناس يجمعون بينالاعترافبالله بوصفه الموجد الواحد للكون , والاعتقاد بتعدد الأرباب الذين يتحكمونفيالحياة . ولقد يبدو هذا غريبا مضحكا . ولكنه كان وما يزال . ولقد حكى لنا القرآنالكريمعن جماعة من المشركين كانوا يقولون عن أربابهم المتفرقة: (ما نعبدهمإلاليقربوناإلى الله زلفى). . كما قال عن جماعةمنأهل الكتاب: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله). . وكانت عقائدالجاهلياتالسائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام , تعج بالأرباب المختلفة , بوصفهاأرباباصغارا تقوم إلى جانب كبير الآلهة كما يزعمون !
                  فإطلاقالربوبية في هذه السورة , وشمول هذه الربوبية للعالمين جميعا , هي مفرقالطريقبين النظام والفوضى في العقيدة . لتتجه العوالم كلها إلى رب واحد , تقر لهبالسيادةالمطلقة , وتنفض عن كاهلها زحمة الأرباب المتفرقة , وعنت الحيرة كذلك بينشتىالأرباب . . ثم ليطمئن ضمير هذه العوالم إلى رعاية الله الدائمة وربوبيتهالقائمة . وإلى أن هذه الرعاية لا تنقطع أبدا ولا تفتر ولا تغيب , لا كما كان أرقىتصورفلسفي لأرسطو مثلا يقول بأن الله أوجد هذا الكون ثم لم يعد يهتم به , لأن اللهأرقىمن أن يفكر فيما هو دونه ! فهو لا يفكر إلا في ذاته ! وأرسطو - وهذا تصوره -هوأكبر الفلاسفة , وعقله هو أكبر العقول !
                  لقدجاء الإسلام وفي العالم ركام من العقائد والتصورات والأساطير والفلسفاتوالأوهاموالأفكار . . يختلط فيها الحق بالباطل , والصحيح بالزائف , والدينبالخرافة , والفلسفة بالأسطورة . . والضمير الإنساني تحت هذا الركام الهائل يتخبطفيظلمات وظنون , ولا يستقر منها على يقين .
                  وكانالتيه الذي لا قرار فيه ولا يقين ولا نور , هو ذلك الذي يحيط بتصور البشريةلإلهها , وصفاته وعلاقته بخلائقه , ونوع الصلة بين الله والإنسان على وجه الخصوص .
                  ولميكن مستطاعا أن يستقر الضمير البشري على قرار في أمر هذا الكون , وفي أمرنفسهوفي منهج حياته , قبل أن يستقر على قرار في أمر عقيدته وتصوره لإلهه وصفاته ,وقبلأن ينتهي إلى يقين واضح مستقيم في وسط هذا العماء وهذا التيه وهذا الركامالثقيل .
                  ولايدرك الإنسان ضرورة هذا الاستقرار حتى يطلع على ضخامة هذا الركام , وحتىيرودهذا التيه من العقائد والتصورات والأساطير والفلسفات والأوهام والأفكار التيجاءالإسلام فوجدها ترين على الضمير البشري , والتي أشرنا إلى طرف منها فيما تقدمصغير . [ وسيجيء في استعراض سور القرآن الكثير منها , مما عالجه القرآن علاجا وافياشاملاكاملا ] .
                  ومنثم كانت عناية الإسلام الأولى موجهه إلى تحرير أمر العقيدة , وتحديد التصورالذييستقر عليه الضمير في أمر الله وصفاته , وعلاقته بالخلائق , وعلاقة الخلائق بهعلىوجه القطع واليقين .
                  ومنثم كان التوحيد الكامل الخالص المجرد الشامل , الذي لا تشوبه شائبة من قريبولامن بعيد . . هو قاعدة التصور التي جاء بها الإسلام , وظل يجلوها في الضمير ,ويتتبعفيه كل هاجسة وكل شائبة حول حقيقة التوحيد , حتى يخلصها من كل غبش . ويدعهامكينةراكزة لا يتطرق إليها وهم في صورة من الصور . . كذلك قال الإسلام كلمة الفصلبمثلهذا الوضوح في صفات الله وبخاصة ما يتعلق منها بالربوبية المطلقة . فقد كانمعظمالركام في ذلك التيه الذي تخبط فيه الفلسفات والعقائد كما تخبط فيه الأوهاموالأساطير . . مما يتعلق بهذا الأمر الخطير , العظيم الأثر في الضمير الإنساني .وفيالسلوك البشري سواء .
                  والذييراجع الجهد المتطاول الذي بذله الإسلام لتقرير كلمة الفصل في ذات اللهوصفاتهوعلاقته بمخلوقاته , هذا الجهد الذي تمثله النصوص القرآنية الكثيرة . . الذييراجعهذا الجهد المتطاول دون أن يراجع ذلك الركام الثقيل في ذلك التيه الشامل الذيكانتالبشرية كلها تهيم فيه . . قد لا يدرك مدى الحاجة إلى كل هذا البيان المؤكدالمكرر , وإلى كل هذا التدقيق الذي يتتبع كل مسالك الضمير . . ولكن مراجعة ذلكالركامتكشف

                  تعليق


                  • #39
                    بارك الله فيكم أخوانى الكرام
                    ثقتي في الله تمنحني الحياة
                    أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
                    فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
                    سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
                    فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
                    قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
                    فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
                    فمن ترابي ابنوا الوطن
                    حتى أعود لقلب الوطن
                    بجد ... بحبك يا وطن

                    تعليق


                    • #40
                      قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا ....

                      لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ

                      قال الله عز وجل : ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾(الإسراء: 88) ، فأخبر سبحانه عن عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، ولو تظاهروا عليه . فما هذه المثلية للقرآن ، وما المراد بها .
                      أولاً-هذا خطاب من الله عز وجل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يأمره فيه على لسان رسل ملائكة الوحي أن يخبر كفار مكة بعجزهم عن الإتيان ﴿ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ ﴾ ، وقد عمَّ بهذا الخبر المؤكَّد بالقسم جميع الخلق ؛ إنسهم وجنهم ، معجزًا لهم ، قاطعًا بعجزهم مجتمعين أو منفردين عن الإتيان بـ﴿ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ ﴾ إلى يوم القيامة ، ولو تظاهروا عليه . وهذا من أعظم الدلائل على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام في أول الأمر عند كل من سمع هذا الكلام من المشركين وغيرهم من الكفرة والملاحدة .
                      وفي سبب نزول هذه الآية ذكر ابن عطية :« أن جماعة من قريش قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : لو جئتنا بآية غريبة غير هذا القرآن ، فإنا نقدر نحن على المجيء بمثل هذا ، فنزلت هذه الآية المصرِّحة بالتعجيز ، المعلمة بأن جميع الخلائق لو تعاونوا إنسًا وجنًّا على ذلك ، لم يقدروا عليه » ، فتكون الآية ردًّا لما قاله الكفار :﴿لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا(الأنفال :31)، وإكذابًا لهم .
                      وقال الألوسي :«روي أن طائفة من اليهود قالوا : أخبرنا يا محمد بهذا الحق الذي جئت به ، أحق من عند الله تعالى ، فإنا لا نراه متناسقًا كتناسق التوراة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم لهم : أما والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله تعالى ، قالوا : إنا نجيئك بمثل ما تأتي به ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ».
                      ثانيًا- وافتتاح الآية الكريمة بهذا الأمر الإلهي الحاسم ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ﴾ لإِظهار العناية بما بعد القول ، والتنويه بشرف هذا القرآن العظيم ، والامتنانِ على الذين آمنوا به ؛ إذ كان لهم شفاء ورحمة ، وهو افتتاح مُوحٍ بأن الأمر هو أمر الله تعالى وحده ، وليس لمحمد صلى الله عليه وسلم فيه شيء ؛ إنما هو الله الآمر الذي لا مردَّ لأمره ، والحاكم الذي لا رادَّ لحكمه .
                      وقول جمهور المفسرين بأن الآية ابتدأت بافتراض اجتماع الإنس والجن ، وأن هذا الافتراض لا يتصور عقلاً ، ممَّا يعني أن نتيجته لا تتصور عقلاً ، هو خلاف لظاهر الآية الكريمة ومدلولها ؛ لأن اجتماع الإنس والجن لو كان افتراضًا ، لوجب أن يكون نظم الكلام هكذا :
                      ( قُلْ لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ) .
                      فلما لم يقل ذلك ، وقيل :﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ﴾، علِم أن اجتماع الإنس والجن ليس بافتراض ، وإنما هو مُمْكنٌ ؛ لأن أداة الشرط ( إِنْ ) تدل على الإمكان وعدم الإمكان ، بخلاف (لَوْ ) التي من معانيها فرض ما ليس بواقع واقعًا .
                      ثم لو كان هذا افتراضًا ، فكيف يقسم ربنا تبارك وتعالى على شيء يفترض حدوثه مسبقًا ؛ ليثبت عجز الإنس والجن على الإتيان بمثل هذا القرآن ؟! ولو كان افتراضًا ، لكان كل قول ورد على هذا الأسلوب مبنيًّا على الافتراض ؛ كقوله تعالى :
                      ﴿ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ ﴾(المائدة: 28)
                      ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾(العنكبوت: 61)
                      فبسط اليد للقتل في الآية الأولى ، وسؤال المشركين عمَّن خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر في الآية الثانية ، ليس بافتراض ؛ وإنما هو ممكن ، وغير ممكن . أما الافتراض فهو ما كان مبنيًّا على الأداة (لَوْ ) ؛ كما في قوله تعالى :
                      ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ(الأنعام: 111) .
                      ومن تأمل الآية الكريمة :﴿ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ ، وجد أنها مركبة من جزأين :
                      الجزء الأول منهما قوله تعالى :﴿لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ ، وهو جملة شرطية إمكانية تامة قد أُقسِم على مضمونها ؛ وهو : اجتماع الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتون بمثله ..
                      واللام في ﴿لَئِنِ ﴾ هي الموطِّئة للقسم ، دخلت على ( إن ) الشرطية للتوكيد .والمراد من اجتماع الإنس والجن :اتفاقهم وتعاضدهم ، واتحاد آرائهم ؛ سواء كان ذلك مع مشافهة ، أم لا ؛ لأنه لا يشترط في الاجتماع اللقاء والاتصال ، فقد يكون الاجتماع على غير المقارنة والاتصال ، فلا يكون لقاء ؛ كاجتماع القوم في الدار وإن لم يكن هناك اتصال مباشر بينهم .
                      وقوله تعالى :﴿لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِجوابٌ للقسم الذي تنبىء عنه اللام الموطئة ، وسادٌّ مسد جواب الشرط ،وقد أتى منفيًا بـ(لَا ) ؛ كما في قوله تعالى :﴿ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ ﴾(الحشر: 12) .
                      ومن حق هذا الجواب المنفيِّ أن يأتي منفيًّا بالأداة (مَا ) ، فيقال :( لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، مَا يأتون بمثله ) ؛ لأن (مَا ) تكون جوابًا عن دعوى ، وهؤلاء الكفرة ادَّعوا أنهم يأتون بمثله ، فكان وجهُ الكلام أن يُرَدَّ على دعواهم الباطلة تلك ، فيقال :( ما يأتون بمثله ) ؛ ولكنْ عُدِلَ عنه إلى القول :﴿لَا يَأْتُونَ ﴾ ؛ لأن (لا ) تدل على نفي الجنس نفيًا شاملاً مستغرقًا لكل جزء من أجزاء الزمن الدائم والمستمر ، مع طول النفي وامتداده إلى ما يشاء الله تبارك وتعالى ، فأفاد النفيُ بها أن الإتيان ﴿ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ ﴾ غير ممكن أبدًا على مرِّ الزمن ، وأنه فوق طاقة الخلق من الإنس والجن ؛ وذلك بخلاف ما لو نفي ذلك بـ( ما ) . ومن هنا كانت هذه الآية الكريمة مفحمة للكفار ولغيرهم ، وللعالم كله إنسه وجنه في التحدي بإثبات عجزهم عن الإتيان بمثل هذا القرآن العظيم إلى يوم القيامة ، وأنهم لا يقدرون على ذلك ، مهما حاولوا .
                      والجزء الثاني من الآية هو قوله تعالى :﴿وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾، وهو عبارة شرطية افتراضية ، جيءَ بها قيدًا على الجملة الأولى ، ومضمونها هو : كون بعض الإنس والجن لبعض ظهيرًا .
                      ولما كان كون بعض الإنس والجن لبعض ظهيرًا لا ينسجم في الدلالة مع اجتماعهم معًا ؛ لأن الأول ممكن والثاني غير ممكن ، أدخلت معه ( الواو الرَّغميَّة ) على أداة الشرط (لَوْ ) ؛ لتحسين اللفظ ، وتحصين المعنى ؛ إذ بدون هذه الواو يفسد معنى الكلام ، ويختل نظمه ، ويبدو ذلك واضحًا ، إذا تلونا الآية الكريمة بدون هذه الواو ، هكذا :
                      ﴿لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ ﴿لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾.
                      ولمزيد من الإيضاح والبيان أقول : هذه ( الواو الرغميَّة ) لا يؤتى بها إلا بين جملة تامة شرطية أو غير شرطية ، وعبارة شرطية قيديَّة ، غير منسجمة في الدلالة مع الجملة التي جعلت قيدًا عليها . وهذا النوع من الشرط يسمَّى شرطًا سلبيًّا ؛ سواء كان مبنيًّا على ( لَوْ ) الشرطية ، أو كان مبنيًّا على (إِنْ ) الشرطية ؛ كقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلمقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أعطوا السائل ، وإن كان على فرس » .وفي رواية أخرى :« ولو كان على فرس » .
                      أي : أعطوا السائل رَغم غناه ؛ لأن كونه على فرس مُشْعِرٌ بالغنى . والغنى لا يناسبه الإعطاء ، ولا ينسجم معه في الدلالة انسجامًا مباشرًا ؛ ولهذا لا يجوز أن يقال : أعطوا السائل ، إن كان على فرس . أو : أعطوا السائل ، لو كان على فرس ، بدون واو ؛ لأنه لو قيل ذلك ، لجعل كون السائل على فرس شرطًا في الإعطاء ؛ فيفيد أن من كان غنيًّا يعطى ، ومن لم يكن غنيًّا لا يعطى . ومن هنا كان لا بد من تحصين المعنى من هذا الفهم أولاً ، ثم ربط العبارة الشرطية بالجملة قبلها ثانيًا ، ولا يتم ذلك إلا بإدخال هذه الواو الرَّغميَّة على كل من (لَوْ ) ، و(إِنْ ) في العبارة الشرطية .. وعلى هذا الأسلوب وردت الآية الكريمة :
                      ﴿ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾.
                      وكأنه حين قيل :﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ ، قيل :﴿وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ ؟ فقيل : ﴿ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ !
                      فلو قيل :﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ ، بإسقاط الواو ، أفاد أن عجزهم عن الإتيان بمثل القرآن مشروط بكون بعضهم لبعض ظهيرًا . وهذا خلاف المراد .. فتأمل !
                      وقال تعالى :﴿ الْإِنْسُ وَالْجِنُّفقدِّم ( الإنس ) على ( الجن ) ؛ لأنهم هم المعنيون أولاً بهذا الخطاب ؛ ولأنهم كانوا يزعمون أن القرآن الكريم تَنزَّلت به الشياطين على محمد صلى الله عليه وسلم ، فردَّ عليهم القرآن بقول الله تعالى :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ*إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(الشعراء:210-212) .
                      ثالثًا-والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما هذه ( المِثلية ) للقرآن التي تُعجِز الإنس والجن عن الإتيان بها ؟ وهل للقرآن الكريم مثل ؟ وإن كان له مثل ، فما هو ، وأين هو ؟
                      وقبل الإجابة عن ذلك لا بد من الإشارة إلى أن المراد من قوله تعالى :﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ نَفْيُ قدرة الإنس والجن مجتمعين أو منفردين عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، وليس المراد مطالبتهم بالإتيان بهذا المثل ، ويدل على ذلك أمران :
                      أحدهما : أنه لو كان المراد مطالبتهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لوجب أن يقال :( فأتوا بمثل هذا القرآن ) . أو يقال :( فليأتوا بمثل هذا القرآن ) ؛ كما قال تعالى في سورة البقرة :﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾(البقرة: 23) ، وقوله تعالى :﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ ﴾(الطور: 34) .
                      والآخر :أنه ليس من المعقول أن يثبت الله عز وجل عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثل هذا القرآن على سبيل القطع والجزم ، ثم يطالبهم أن يأتوا بهذا المثل . فالقرآن نفسه أعذر حين أنذر بأنه لا يمكن أن يأتي الجن والإنس بمثله ، وإن اجتمعوا له ، وتظاهروا عليه .
                      فثبت بذلك أن المراد من قوله ﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ : إثبات عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثل هذا القرآن مجتمعين أو منفردين ، وأن ذلك فوق طاقاتهم وقدراتهم ، وهذا هو التحدي الأكبر ، وهو من أعظم الدلائل على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام .
                      وإذا ثبت عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، كان عجز الإنس عن ذلك من باب أولى . وإنما جمع بين الإنس والجن ؛ لأن محمدًا عليه الصلاة والسلام مبعوثٌ إلى الثقلين معًا . فقد ثبت بنص القرآن والسنة أن الجن منهم المؤمنون ، ومنهم الكافرون ، وأن الكافرين منهم كانوا يستمعون إلى القرآن وهو يتلى ، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجتمع بهم ، ويقرأ القرآن عليهم ، ويدعوهم إلى الإيمان ، وأن كثيرًا منهم من آمن به ، وأن كثيرًا منهم من بقي على كفره ، فمثلهم في ذلك مثل الإنس ؛ ولذلك جمعت الآية الكريمة بينهما في هذا الخطاب :
                      ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ﴾(الأنعام: 130)
                      ومن هنا نرى أنه لا داع لقول من قال : إن التحدي وقع للإنس دون الجن . أو : إنه وقع للعرب دون العجم . أو غير ذلك من الأقوال التي لا تغني من الحق شيئًا .
                      وهو دليل أيضًا على أن اجتماع الإنس والجن ممكن ، خلافًا لمن ذهب إلى أن المثلية مقدرة مفروضة ، لا يمكن للعقل أن يتصوَّرها ؛ لأن الآية ابتدأت عندهم بافتراض اجتماع الإنس والجن . وهذا الافتراض- كما قال بعضهم- لا يتصور عقلاً ، ممَّا يعني أن نتيجة هذا الافتراض ، وهو المجيء بمثلهذا القرآن ، لا يُتَصوَّر عقلاً ؛ لأن الكلام مسوق مساق التعجيز .
                      ثالثًا- إذا ثبت مما تقدم أن هذه المثلية التي أعلن الله تعالى على سبيل القطع والجزم عجز الإنس والجن عن الإتيان بها ليست بمثلية مفروضة ، فهذا يعني أنها مثلية معلومة ، وأن للقرآن مِثلاً يماثله في تمام حقيقته وماهيته ، وهذا ما يفهم من قوله تعالى :﴿ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ .
                      فقوله تعالى :﴿بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ صريح في أن المتحدَّى به هو مثل القرآن، لا القرآن نفسه ، وأن الإشارة بقوله تعالى :﴿ هَذَا الْقُرْآَنِ ﴾ إشارة إلى حاضر موجود، والتحدِّي إنما وقع بمِثْل هذا الحاضر الموجود . ولو كان مثلاً مقدَّرًا مفروضًا ، لما صحَّ أن يكون مناط تحدٍّ أصلاً ؛ لأنه لا يجوز التحدِّي بشيء لا يُعلَمولا يُدْرَى ما هو؟
                      ثم قال تعالى :﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ ، فكرر لفظ ( المِثْل ) على سبيل التأكيد والتوضيح؛ لئلا يتوهم متوهم أنه ليس للقرآن مِثْل ، فبُيِّن ذلك بتكرار﴿ بِمِثْلِهِ ﴾ ، ولم يأت التركيب( لا يأتون به )اكتفاء بالضمير ، دفعًا لذلك التوهم ، وأن المرادنفي الإتيان بالمثل ، لا نفي الإتيان بالقرآن .
                      ومن الغريب أن بعض المفسرين كالشوكانيِّ وأبي السعود والألوسيِّ قد فهموا عكس المراد من هذا التكرار ، فقال الشوكانيُّ :« أظهر في مقام الإضمار ، ولم يكتف بأن يقول :( لا يأتون به ) ، على أن الضمير راجع إلى المثل المذكور ؛ لدفع توهم أن يكون له مثل معين ، وللإشعار بأن المراد نفي المثل على أي صفة كان» . وقال أبو السعود والألوسي :« وأوثر الإظهار على إيراد الضمير الراجع إلى المثل المذكور ؛ احترازًا عن أن يتوهم أن له مِثْلاً معينًا ، وإيذانًا بأن المراد نفي الإتيان بمثلٍ مَّا» .
                      وهذا الخطأ في فهم ( المِثْل ) قد قادهم إلى خطأ آخر ، فقال أبو السعود في تفسير قوله :﴿ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾بعد أن نفى أن يكون للقرآن مثل معين ، قال :« أي : لا يأتون بكلام مماثلٍ له فيما ذكر من الصفات البديعةِ ، وفيهم العَربُ العاربة أربابُ البراعةِ والبيانِ » . وقال ابن عاشور بعد أن قرر أن المثلية مقدرة مفروضة ، وأن الكلام مسوق مساق التعجيز :« المراد بالمماثلة للقرآن : المماثلة في مجموع الفصاحة والبلاغة والمعاني والآداب والشرائع ، وهي نواحي إعجاز القرآن اللفظي والعلمي » .
                      أما المعتزلة فتمسكوا بهذه الآية على أن القرآن مخلوق ، فقالوا :« إنه عليه السلام تحدَّى العرب بالقرآن ، والمراد من التحدِّي : أنه طلب منهم الإتيان بمثله . فإذا عجزوا عنه ، ظهر كونه حجة من عند الله على صدقه . وهذا إنما يمكن ، لو كان الإتيان بمثله صحيح الوجود في الجملة . ولو كان قديمًا لكان الإتيان بمثل القديم محالاً في نفس الأمر ، فوجب أن لا يصح التحدي » .
                      حكى ذلك عنهم الفخر الرازي ، ثم عقَّب عليه قائلاً :« والجواب : أن القرآن اسم يقال بالاشتراك على الصفة القديمة القائمة بذات الله تعالى ، وعلى هذه الحروف والأصوات . ولا نزاع في أن الكلمات المركبة من هذه الحروف والأصوات محدثة مخلوقة ، والتحدي إنما وقع بها لا بالصفة القديمة »(22) .
                      وقال الباقلاني في كتابه ( إعجاز القرآن ) في فصل ( فيما يتعلق به الإعجاز ) :« إن قال قائل : بيِّنوا لنا : ما الذي وقع التحدي إليه ؟ أهو الحروف المنظومة ، أو الكلام القائم بالذات ، أو غير ذلك ؟ قيل : الذي تحداهم به : أن يأتوا بمثل الحروف التي هي نظم القرآن منظومة كنظمها متتابعة كتتابعها مطردة كاطرادها ، ولم يتحدهم إلى أن يأتوا بمثل الكلام القديم الذي لا مثل له .. وإن كان كذلك ، فالتحدي واقع إلى أن يأتوا بمثل الحروف المنظومة التي هي عبارة عن كلام الله تعالى في نظمها وتأليفها ، وهى حكاية لكلامه ، ودلالات عليه ، وأمارات له ، على أن يكونوا مستأنفين لذلك ، لا حاكين بما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ».
                      وأضاف الباقلاني قائلاً :« وقد جوز بعض أصحابنا : أن يتحداهم إلى مثل كلامه القديم القائم بنفسه . والذي عوَّل عليه مشايخنا ما قدمنا ذكره ، وعلى ذلك أكثر مذاهب الناس » .
                      رابعًا- وتحقيق القول في هذه المسألة التي كثر الخلاف فيها ، وما زال الناس فيها يختلفون : أن للقرآن الكريم مِثلاً يماثله في تمام الحقيقة والماهية، وأن هذا المِثْلَ معلوم بنصِّ الآية الكريمة. وهذا المِثْل هو الذي أخبر الله تعالى بعجز الثقلين مجتمعين أو منفردين عن الإتيان به ، رغم تظاهرهم وتعاونهم على ذلك.
                      ومما ينبغي أن يعلَم أن لكل شيء مِثلاً يماثله في تمام حقيقته وماهيته إلا الله سبحانه وتعالى، فلا شِبْهَ له ولا مِثْل، وأن مِثْل الشيء يؤخذ من الشيء نفسه، إذا ما تعذر وجود مِثْل له في الواقع، وأن المأخوذ فرعٌ، والمأخوذ منه أصل، ولفظ المِثْل يطلق على كل من الأصل، والفرع.
                      ويضاف إلى ذلك : أن لفظ ( المِثُل ) من الألفاظ المتضايفة التي يقْتَضي وجودُ أحدها وجودَ الآخر؛ كالنِّصْف، والزَّوْج، والضِّعْف ، وكلُّ لفظ من هذه الألفاظ هو ترَكُّب قدْرَيْن متساويين في تمام الحقيقة والماهيَّة. وهذا يعني- كما ذكرنا- أن للقرآن الكريم مِثْلاً معلومًا ، وأن ذلك المثل المعلوم هو الأصل، وذلك المِثْل الذي هو الأصل هو الذي أعلن الله عز وجل عجز الإنس والجن عن الإتيان به ، ولم يطالبهم أن يأتوا به . وأما القرآن الذي بين أيدينا فهو فرع مأخوذ من ذلك الأصل . ولمعرفة هذا الأصل الذي أخذ منه مِثْل القرآن الذي بين أيدينا نقرأ قول الله تعالى :
                      ﴿ق *وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾(ق:1-2)، ثم قوله تعالى :
                      ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾(البروج: 21- 22)
                      فنجد في آية ( ق ) أن الله تعالى قد أقسم بالقرآن المجيد ، ونجد في آية ( البروج ) أن الله تعالى يخبر عن قرآن مجيد ، في لوح محفوظ . فما هذا القرآن المجيد الذي أقسم الله تعالى به ، ثم أخبر عنه بصيغة التنكير أنه في لوح المحفوظ ؟
                      والجواب : أن القرآن هومجموعة القوانين الموضوعية الناظمة للوجود ولظواهر الطبيعة والأحداثالإنسانية ، ابتداء من خلق الكون (الانفجار الكوني الأول ) ، وانتهاء إلى قيام الساعة ، وهو كلمات الله القديمة التي لا تبديل لها ، وسمِّي مجيدًا ؛ لأن السيطرة الكاملة له ، ولا يمكن الخروج عنه ، وهو مطلق ، واللوح المحفوظهو لوحة التحكم في الكون ، وفي هذا اللوح توجد تلك القوانين الناظمة لهذا الوجود .
                      والمجيد في اللغة هو العظيم والرفيع ، وهو من صفات الباري جل وعلا ، تمجَّد بأفعاله ، ومجَّده خلقه لعظمته . قال تعالى :﴿إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ﴾(هود: 73)، وقال :﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾(البروج: 15)، فوصف سبحانه نفسه بأنه مجيد ، وجعل صفة القرآن من صفته ؛ لأنه كلام المجيد . وجاء في لسان العرب عن أبي إسحق :«القرآن المجيد ، يريد : الرفيع العالي . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : ناوليني المجيد . أي : المصحف » .
                      وأما اللوح- كما جاء في لسان العرب- فهو مستودع مشيئات الله تعالى . وكل عظم عريض لوح ، والجمع منهما : ألواح .. وقيل : هو في الهواء فوق السماء السابعة ، طوله ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق والمغرب ، وهو من درة بيضاء ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما . وقوله تعالى :﴿ مَّحْفُوظٍ ﴾يعني : مُصَانٌ ، لا يمكن للشياطين أن تتنزَّل بشيء منه ، أو تغيِّر منه شيئًا ». وهذا ما أخبرت عنه الآية الكريمة :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ*إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ(الشعراء:210-212) .
                      فهل ذلك القرآن المجيد الموجود في لوح محفوظ من الشياطين هو قرآننا الذي بين أيدينا ، أم هو قرآن غيره ؟! وإن لم يكن هو ولا غيره ، فما قرآننا إذًا ، إن لم يكن مِثلاً مأخوذًا منه ؟
                      ثم نقرأقول الله تعالى :
                      ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ *إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ*لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾(الواقعة: 75- 79)، فنجد كيف نفى الله تبارك وتعالى حاجته إلى القسم بمواقع النجوم- على عظمة القسم بها- على أن القرآن كريم ، وأنه في كتاب مكنون ، لا يمسه إلا المطهرون .
                      والكتاب المكنون هو : المصون المستور عن الأعين الذي لا تناله أيدي البشر ، هكذا قال السلف . وقال الكلبي : مكنون من الشياطين . وقال مجاهد : لا يصيبه تراب ولا غبار . وقال أبو إسحاق : مصون في السماء . وهو على حد تعبير أحدهم : البرنامج الذي بموجبه تعمل قوانين الكون العامة كمعلومات
                      ووصفه بكونه ( مكنونًا )، نظير وصفه بكونه ( محفوظًا ) ؛ فقوله تعالى :﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ؛ كقوله تعالى :﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ .
                      ووصفه بأنه ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ دليل على أنه بأيدي الملائكة لا يمسُّه غيرهم ، خلافًا لمن زعم أن المراد به المصحف الذي بين أيدينا ، وأنه لا يمسُّه إلا طاهر ؛ إذ لو كان كذلك ، لوجب أن يقال :( لا يمسُّه إلا المتطهرون )؛ كقوله تعالى :﴿ ِإنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾(البقرة:222)، فالمتطهِّر فاعل التطهير ، والمطهَّر الذي طهَّره غيرُه . قال حرب في مسائله :« سمعت إسحق في قوله :﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾قال : النسخة التي في السماء ، لا يمسها إلا المُطهَّرون . قال : الملائكة » .
                      ويدل على ذلك أيضًا أن الآية الكريمة سيقت تنزيهًا للقرآن أن تنزل به الشياطين ، وأن مَحلَّه لا يصِل إليه ، فلا يَمَسُّه إلا الملائكة المَطهَّرون ، فيستحيل- كما قال ابن قيم الجوزية- على أخابث خلق الله وأنجسهم أن يصلوا إليه ، أو يَمَسُّوه ؛ كما قال تعالى :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ*وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ(الشعراء:210-211)، فنفى الفعل وتأتِّيه منهم وقدرتهم عليه ، فما فعلوا ذلك ، ولا يليق بهم ، ولا يقدرون عليه ؛ فإن الفعل قد ينتفي عمَّن يحسُن منه ، وقد يليق بمن لا يقدر عليه ، فنفى عنهم الأمور الثلاثة . وكذلك قوله :﴿فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ*مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ*بِأَيْدِي سَفَرَةٍ*كِرَامٍ بَرَرَةٍ (عبس:13-16)، فوصف محلَّه بهذه الصفات ، بيانًا أن الشياطين لا يمكنهم أن يتنزلوا به .
                      وأنت إذا تأملت الآية :﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ *لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ،وجدتها من أظهر الأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن هذا القرآن جاء من عند الله ، وأن الذي جاء به روح مُطهَّر ، فما للأرواح الخبيثة عليه من سبيل ، ثم وجدتها أخت الآية الأخرى :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ *وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ *إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾، وثبت لك بذلك أن القرآن المجيد الموجود ﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ ، والقرآن الكريم الموجود ﴿ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍليس هو القرآن الذي بين أيدينا ؛ وإنما ذلك أصل ، والذي بين أيدينا فرع مأخوذ من ذلك الأصل ونسخة منه ، وذلك الأصل هو المراد بقول الله عز وجل :﴿بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ.
                      وهذا القرآن الحاضر الموجود بين أيدينا قد تمت برمجته في اللوح المحفوظ قبل إنزاله إلى سماء الدنيا ، وصيغ صياغة إنسانية بلسان عربي مبين ، ثم نزِّل على محمد صلى الله عليه وسلم منجَّمًا ؛ ليبين لقومه معانيه ؛ كما نصَّت على ذلك الآية الكريمة :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾(إبراهيم: 4) ، فبينت الآية العلة التي أرسل لأجلها الرسول بلسان قومه ؛ كما بينت الآيتان الآتيتان :﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾(يوسف:2) ،﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(الزخرف: 3) أن القرآن لم يكن عربيًّا قبل إنزاله ، ثم جعل عربيًّا ، وذكرت الأولى منهما العلة التي لأجلها أنزل عربيًا ، وذكرت الثانية العلة التي لأجلها جعل عربيًّا ، وهي :﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .
                      فقضية عروبة القرآن هذه أن يفهم على قوانين لغة العرب ؛ وإلا فلا يرجى أن يفهم ما يحويه ولا أن يعقل ما فيه ؛ ذلك معنى قوله :﴿ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾. وهذه الصيغةالعربية التي صيغ بها القرآن هي صيغة محدثة بلسان إنساني ، وليست بقديمة ، وقد أطلق الله عز وجل عليها مصطلح ( الذكر ) ، ووصف هذا الذكر بأنه محدث ؛ وذلك قوله تعالى :﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾(الأنبياء:2) .
                      نخلص من ذلك إلى أن ما فهمه علماء التفسير من هذه المثلية ، وروجوا له ، وألفوا فيه المؤلفات الكثيرة ليس هو المراد من هذه المثلية ، وأنها ليست بـ( مثلية مفروضة ) على قول الأكثرين ، أو ( غير مفروضة ) على قول من قال إن المراد بها كلام العرب الذي هو من جنسه في فصاحته أو بلاغته وحسن نظمه ، أو أنها ( مثلية وحي وتنزيل )، وأن المراد منها أن يأتوا :﴿ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ﴾(القصص: 49) ، أو غير ذلك من الأقوال التي لا تفسِّر أسلوبًا ، ولا توضح معنى ؛ بل المراد منها : أن للقرآن الكريم مِثلاً يماثله في تمام حقيقته وماهيته ، وأن هذا المثل معلوم ، وهو الذي أخبر الله تعالى بعجز الإنس والجن مجتمعين أو منفردين عن الإتيان به . ولو كان المراد بهذه المثلية شيئًا مما ذكروا ، لوجب أن يكون نظم الكلام هكذا :﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَقولونَ مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ ؛ كما حكي عنهم قولهم :﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (الأنفال:31) .
                      وبهذا الفهم لمعنى المثلية المتحدَّى بها في هذه الآية الكريمة تنحل المعضلة الكبرى التي نشأت بين المعتزلة ، وخصومهم حول خلق القرآن.. فتأمل وتدبر ، واعتبر الأمور بأمثالها ، تصب خيرًا وتنطِق صوابًا ، إن شاء الله !!!

                      بقلم : محمد إسماعيل عتوك
                      ثقتي في الله تمنحني الحياة
                      أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
                      فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
                      سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
                      فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
                      قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
                      فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
                      فمن ترابي ابنوا الوطن
                      حتى أعود لقلب الوطن
                      بجد ... بحبك يا وطن

                      تعليق


                      • #41
                        رائع ايتها الاخت الكريمة استمري............أسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان يجعله فى ميزان حسناتك.................

                        تعليق


                        • #42
                          بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - وبعد-وفقنا الله وإياكم لما فيه السداد، ولنفع البلاد والعباد. موفقون بإذن الله .... ودمتم.

                          تعليق


                          • #43



                            الإعجــاز البيانــي

                            القرآن.. عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي عجز عنه الخلق.... لم ينظم على بحور الشعر ولا على طريق السجع، تصرفت وجوهه، وتباينت مذاهبــه، خارج عن المعهود من نظام جميع ما عرف العرب في القديم والـحديث، لــه أسلوب خاص لا يشاركه به أحد في كل ما هو في بلاغة العرب في القديم والحديث.. ولنبدأ في نـماذج الإعجاز البياني..



                            - "وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ "

                            (سورة الشورى، 43)

                            - "وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"

                            (سورة لقمان، 17)


                            نلاحظ أن في الآية الأولى استخدم حرف التوكيد في

                            "لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ "

                            أما في الآية الثانية فلم يستخدم حرف التوكيد فقال

                            "مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"


                            ما السر في ذلك؟

                            هناك نوعان من الصبر صبر ليس لك فيه غريم -كالمرض مثلا- وهو شيء محسوس، وصبر لك فيه غريم -كأن يظلمك شخص ما- وهو شيء ملموس، فكان الشيء المحسوس الذي لا تراه ولكن تحس به يحتاج إلى صبر وهذا

                            "مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"

                            ولكن الشيء الملموس يحتاج إلى صبر قوي شديد فكان ذلك

                            "لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"

                            =====



                            "وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ"

                            (سورة الأنبياء، 46)



                            يبين الله لنا الضعف البشري أمام عذاب الله.... فاختار كلمة "مستهم" وهي أقل درجات الإصابة، واختار "نفحة" ليدل على ضعفها، وذكر "من" وهي تفيد التبعيض، وقال "ربك" الرحيم يا محمد ، وكل ذلك يدل على أقل درجات العذاب.. فإذا كانوا لا يستطيعون الصبر أمام هذه الدرجة من العذاب، فكيف بالعذاب الذي وعد الله به الكافرين؟

                            =====

                            "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ "

                            (سورة التوبة، 38)


                            النفور يدل على شيء يستوجب السرعة ....وكان مقابل هذا شيء تثاقل البعض عن النفور فجاء القرآن بأسلوبه البديع ليبين لنا شدة التثاقل والانجذاب إلى الأرض بقوله..... "اثّاقلتم" .....فتدل على حب الركون للأرض.

                            =====



                            "هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ "

                            (سورة الفرقان، 74)

                            - "امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ"

                            (سورة يوسف، 30)

                            "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً "

                            (سورة الروم، 21)

                            - "اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ "

                            (سورة التحريم، 10)


                            فمتى تستعمل كلمة امرأة؟ ومتى تستعمل كلمة زوجة
                            ؟

                            من فهمنا للآيات.... تستخدم كلمة زوجة عندما تكون العلاقة مبنية على المودة والرحمة من جانب والتكاثر من جانب آخر..

                            أما إذا انقطعت العلاقة كما حدث مع امرأة العزيز بخيانة الشرف وامرأة نوح وامرأة لوط بخيانة العقيدة سميت امرأة..

                            وقد وضح هذا الأمر في قصة زكريا حيث يقول تعالى بلسانه:

                            "وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً "

                            (سورة مريم، 5)

                            فقال امرأتي ووصفها بالعاقر التي لا تنجب، فرد الله تعالى بقوله:

                            "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ"

                            (سورة الأنبياء، 90)


                            فأسماها زوجة لأنها تحققت العلاقة بالتكاثر.

                            فسبحان الله الحكيم العليم

                            =====


                            "وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ "

                            (سورة الشعراء، 79،80،81)


                            قول الله على لسان إبراهيم... فعندما تحدث عن الطعام والشراب قال "هو"، وعندما تحدث عن الشفاء من المرض قال "هو"،

                            ولكن عندما تحدث عن الموت والحياة لم يقل "هو"،

                            فما هو السر؟

                            في مواطن الطعام والشراب قد يتبادر إلى الذهن أن الذي أطعمك وسقاك فلان من الناس حين أتى لك بقليل من الطعام، وكذلك عندما تذهب إلى الطبيب قد تظن أنه هو الذي شفاك.. فاحتاج الأمر أن يؤكد أن الطعام والشراب والشفاء من الله بكلمة "هو"

                            أما عندما تحدث عن قضية الموت والحياة فلا أحد يشك أنهما من عند الله.

                            =====


                            "تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً"

                            (سورة يوسف، 85)


                            قالها أبناء يعقوب لأبيهم عندما ما اكتفى بعشرة أولاد وإنما تعلق قلبه بيوسف -عليه السلام- فظل يبكي حتى ابيضت عيناه من الحزن، فيعيبون عليه هذا القول فيقولون: والله ستظل تذكر يوسف حتى تهلك..

                            ولكن فرق كبير بين ما نقوله من كلام البشر وبين ما يذكره القرآن، فوصف هذه الحالة الغريبة يحتاج إلى وصف غريب واختيار غريب الكلمات حتى تتحقق الغرابة في الموقف....

                            واستخدم
                            "تالله" للقسم وهي أقل الكلمات استعمالا وأكثرها غرابة، واستخدم "تفتأ" ولم يختر من أخوات كان غيرها لأنها أقلهم استعمالا وأكثرهم غرابة، واستخدم "حتى تكون حرضا"
                            أي تهلك فاختار أقل كلمات الهلاك استعمالا وأكثرها غرابة..

                            فجاءت الآية لتوضح الوضع الغريب "تالله" الغريب "تفتأ" الغريب "تكون حرضا" الذي يعيش في يعقوب عليه السلام.

                            =====

                            "أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ"

                            (سورة النحل، 1)


                            فاستخدم القرآن فعل.... للدلالة على غير زمنه، فـ "أتى" فعل ماضي، وكلمة "تستعجلوه" تدل على المستقبل..

                            فما هو السر في ذلك؟

                            الجواب.....

                            هو أن الزمن يحكمنا ولكنه لا يحكم الله
                            ، نحن لدينا ماضي وحاضر ومستقبل ..... أما الله فهو الذي خلق الزمان والمكان فلا يحكمه زمان ولا مكان، فالماضي والحاضر والمستقبل مكشوف عنده بالسواء فعندما يتحدث عن مستقبلنا فإنه بالنسبة إليه كأنه ماضي، لأنه أعلم به..

                            =====

                            "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ"

                            (سورة الأنعام، 151)

                            - " وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم "

                            (سورة الإسراء، 31)


                            كلتا الآيتين تنهى عن قتل الولد من الفقر، وكلتاهما تشير إلى أن رزق الآباء والأبناء من الله، ولكن هناك اختلاف في نهاية الآيتين.. فالأولى "نرزقكم وإياهم" فقدم الآباء على الأبناء، أما الثانية "نرزقهم وإياكم" قدم الأبناء على الآباء..

                            فما هو سر الاختلاف؟

                            فلنُزل أي تفكير يقودنا إلى أن هذا الشيء ترادف.....لأن الآية الأولى تخاطب الفقراء وتنهاهم عن قتل الولد بسبب الفقر، فلأنه فقير وجب
                            "نحن نرزقكم"
                            أيها الآباء الفقراء "وإياهم"، بينما

                            الآية الثانية تخاطب الأغنياء وتنهاهم عن قطع النسل خشية وقوع الأولاد في الفقر، فلما كان الحديث عن الأبناء
                            الذي قد يعانون الفقر وجب
                            "نحن نرزقهم وإياكم".

                            =====

                            "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "

                            (سورة البقرة، 179)


                            قد حاد بعض الكتاب عن الصواب حين قارنوها بقول العرب .... "القتل أنفى للقتل" .... وقالوا أنها أبلغ من قول الله تعالى، وقد وضح كثير من العلماء أن قول الله تعالى أبلغ وأحكم، وأوجدوا من الحكم فيه فيما يزيد عن 24 حكمة، نذكر اثنين على وجه السرعة..

                            - لم يقل الله "ولكم في القتل حياة" .... لأن القصاص ليس بالضرورة أن يكون قتلا.... وإنما جعلت الشريعة لولي المقتول القرار، إن شاء يقتل أو شاء يغفر أو يأخذ الدية، فشمل القصاص خيارات عدة فليس بالضرورة القتل.

                            - الآية صرحت بالهدف وهو "الحياة" ولم تصرح الحكمة بالهدف الحقيقي وهو الحياة وإنما نفت القتل.

                            =====

                            "وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"

                            (سورة المائدة، 116، 117،118)


                            العزة والحكمة في آية تتحدث عن المغفرة؟؟ ما هو إعجاز ذلك؟؟

                            عيسى عليه السلام يقول لله تعالى إن عذبتهم فإنهم عبادك والأمر يعود إليك، وإن تغفر لهم فلن يسألك أحد يا رب لم غفرت فأنت العزيز الحكيم.. فكأنه يقول اغفر يا رب ولن يسألك أحد لم غفرت، فأنت حكيم في قرارك عزيز لا تراجع..

                            فسبحانك اللهم وبحمدك

                            ثقتي في الله تمنحني الحياة
                            أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
                            فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
                            سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
                            فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
                            قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
                            فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
                            فمن ترابي ابنوا الوطن
                            حتى أعود لقلب الوطن
                            بجد ... بحبك يا وطن

                            تعليق


                            • #44
                              لا و#### طه حسين الكافر الذي تنصر من دون ان يقرأ الكتاب المقدس يقول انا ممكن اكتبلهم كتاب احسن من القرآن الكريم ولكنى المشكلة ان الجاهل كان لا يعرف ما هو بداخل القرآن الكريم !!!!
                              التعديل الأخير تم بواسطة نصرة الإسلام; 24 يول, 2011, 03:00 ص. سبب آخر: حذف كلمة

                              تعليق


                              • #45

                                موضوع جميل
                                وأكثــر مــن رائـــع

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة Islam soldier, 12 أكت, 2023, 07:10 م
                                ردود 3
                                73 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة Islam soldier
                                بواسطة Islam soldier
                                 
                                ابتدأ بواسطة Islam soldier, 10 أغس, 2023, 04:28 ص
                                رد 1
                                112 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة Islam soldier
                                بواسطة Islam soldier
                                 
                                ابتدأ بواسطة لخديم, 4 مار, 2023, 05:02 م
                                ردود 0
                                36 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة لخديم
                                بواسطة لخديم
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 3 أكت, 2022, 01:26 ص
                                ردود 0
                                90 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة د. أحمد نصر الدين, 23 مار, 2022, 12:53 م
                                ردود 0
                                1,625 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د. أحمد نصر الدين  
                                يعمل...
                                X