تأملات في ترجمات الكتاب المقدس

تقليص

عن الكاتب

تقليص

فواز شمر مسلم اكتشف المزيد حول فواز شمر
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تأملات في ترجمات الكتاب المقدس



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا أتباعه

    تأملات في ترجمات الكتاب المقدس

    بقلم الدكتور عبدالرحمن السليمان
    دكتور بـ الغات السامية

    سوف أتأمل في هذا الرابط في الترجمات المختلفة لأسفار

    الكتاب المقدس (العهدين القديم والجديد)، العربية وغيرها.

    وأبدأ بما جاء في سفر متى، الإصحاح 1، الآية 25: (1)

    (καὶ οὐκ ἐγίνωσκεν αὐτὴν ἕως οὗ ἔτεκε
    τὸν υἱόν αὐτῆς τὸν πρωτότοκον, καὶ ἐκάλεσε τὸ ὄνομα αὐτοῦ Ἰησοῦν.)

    καὶ οὐκ ἐγίνωσκεν αὐτὴν ἕως οὗ ἔτεκε τὸν υἱόν αὐτῆς τὸν
    πρωτότοκον, καὶ ἐκάλεσε τὸ ὄνομα αὐτοῦ Ἰησοῦν.)

    وقد ترجمت الآية إلى اللاتينية (الفولغاتا/Vulgata) ترجمة حرفية كما يلي:

    (Et non cognoscebat eam donec peperit filium suum
    primogenitum: et vocavit nomen ejus Jesum).

    ثم ترجمت إلى لغات كثيرة ترجمة حرفية، ومنها:

    ترجمة الملك جيمس الإنكليزية:

    (And knew her not till she had brought forth her firstborn son: and he called his name JESUS).

    ترجمة فان ديك إلى العربية:

    وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ.

    إن ورود كلمة "بكر" ذو مغزى خاص جدا لأن البكورة تقتضي وجود إخوة أو أخوات للبكر يأتون من بعده.
    وإلا فالكلمة الدقيقة المفروض استعمالها في هذا السياق، أي إذا كان المولود وحيدا، هي "وحيد" وليس "بكر".

    قارن ذلك وبما جاء في سفر مرقس، الإصحاح 6، الآية 3:

    أَلَيْسَ هذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَأَخُو يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ؟ أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ ههُنَا عِنْدَنَا؟

    إذن لم يكن عيسى عليه السلام وحيدا وفق رواية متى ومرقس، بل كان الابن البكر للنجار، وكان له كان له إخوة وأخوات
    سمى إنجيل مرقس منهم يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ. ولولا أن ورود كلمة "بكر" في سفر متى، الإصحاح 1 الآية 25،
    لجاز أن تفسر بنوته للنجار على المجاز، إلا أن أنها، أي كلمة "بكر" لا تلغي احتمال المجاز، وتجعل لعيسى عليه السلام
    أبا هو يوسف النجار، وإخوة هم يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ .. وهذه مشكلة لاهوتية عويصة، فطنت الكنيسة لها
    وتغلبت عليها بإسقاط كلمة "ابن بكر" (πρωτότοκον) من الطبعة الجديدة للأصل اليوناني (2)

    حيث وردت الآية فيه كما يلي:

    (καὶ οὐκ ἐγίνωσκεν αὐτὴν ἕως οὖ ἔτεκεν υἱόν· καὶ ἐκάλεσεν τὸ ὄνομα αὐτοῦ ἰησοῦν)،

    من جهة، وتغلب عليها المترجمون بإسقاط "ابن بكر" أيضا من ترجماتهم والاستعاضة عنها بـ "ابن" فقط.

    وأورد من تلك الترجمات الترجمة الإنكليزية الحديثة (3) حيث وردت ترجمة الآية فيها كما يلي:

    (He married Mary, but had no intercourse with her until
    she had given birth to a son. Then he gave him the name Jesus).

    والسبب في هذا التعديل المضطرد لأصل الإنجيل ولترجماته هو خطورة التسليم هنالك بوجود إخوة وأخوات لعيس من أمه
    مريم عليهما السلام، إذ يوجد إجماع بين النصارى على أن سيدنا عيسى عليه السلام كان "وحيدا"، أي بلا إخوة أو أخوات،
    لا من يوسف النجار، ولا من مريم العذراء، لما في الاعتراف بذلك من مسائل لاهوتية عويصة تتعلق بعقيدة التثليث من جهة
    وبوضع مريم ("أم الله") في العقيدة المسيحية من جهة أخرى. وبما أن للبكر والبكورة أحكاما مهمة جدا في الشريعة اليهودية
    أهمها أن البكر هو وارث مجد الأب (ينظر في قصة سيدنا إسحاق وابنيه يعقوب عليه السلام وعيسو كما وردت في التوراة)،
    فإن متى ذكر في الأصل اليوناني كلمة "بكر" وليس "وحيد" وذلك استنادا إلى المرجعية اليهودية في العهد القديم لأن النصرانية
    ترى في العهد القديم مرجعية دينية لها مهدت لمجيء المسيح عليه السلام وانتهت بظهوره. وبما أن المسيح عليه السلام ينحدر
    وفقا لرواية الأناجيل القانونية من نسل داود عيله السلام، فإنه يكون في هذه الحالة الابن البكر الذي يرث مجد داود عليه السلام
    واليهودية التي يلغيها وينسخها بظهوره ويبدأ عهدا جديدا مع الله ثم مع البشر.

    فكلمة "بكر" وردت في النص اليوناني القديم الذي ترجمت منه الترجمة اللاتينية (الفولغاتا) ترجمة حرفية وكذلك الترجمات
    البروتستانتية ومنها ترجمة الملك جيمس، هي ـ بحد ذاتها ـ ترجمة حرفية عن عن المفهوم السامي القديم "بكر"، وهو الابن الأول
    وارث مجد الأب. والساميون عموما واليهود خصوصا يهتمون كثيرا بهذا المفهوم الذي اكتسب عندهم صفة دينية بحتة
    (انظر قصة سيدنا يعقوب عليه السلام في التوراة)
    أصبحت تختص بالمسيح عليه السلام كما بشر به العهد القديم.

    (قارن الأكادية /بُكْرُ/، العربية /بِكرُ/، العبرية בכור /بِكُور/ وكله يعني "الولد الأول = البِكر".

    وقارن أيضا: /الأكادية بَكرُ/ والعربية /بَكرُ/ للجمل الصغير!).

    ولكن الإيحاء الظاهر في سفر مرقس (مرقس، الإصحاح 6، الآية 3) أن لمريم العذراء عليها السلام أبناء وبنات غير
    عيسى عليه السلام، يلغي مسألة البكورة ووراثة مجد داود عليه السلام من جهة، وينقض عقيدة التثليث من الأساس
    من جهة أخرى. وهذا، فيما أظن، هو السبب في إسقاط كلمة "بكر" من كل الترجمات الغربية الحديثة تقريبا،
    بل حتى من الأصل اليوناني القانوني الحالي، دون إسقاطها من أصل اليوناني القديم ومن المخطوطات اليونانية المحفوظة
    ومن الترجمات التاريخية. وأعتقد أن الإسقاط ناتج عن تهذيب مستمر وتطوير منتظم للعقيدة المسيحية بهدف أقلمتها مع الواقع.


    =========================================

    إنجيل متى، الإصحاح 16، الآية 3:

    الأصل اليوناني القديم للأناجيل (1):

    (καὶ πρωΐ· σήμερον χειμών· πυρράζει γὰρ στυγνάζων ὁ οὐρανός·
    ὑποκριταί,τὸ μὲν πρόσωπον τοῦ οὐρανοῦ
    γινώσκετε διακρίνειν, τὰ δὲ σημεῖα τῶν καιρῶν οὐ δύνασθε γνῶναι).

    الترجمة العربية:

    وَفِي الصَّبَاحِ: الْيَوْمَ شِتَاءٌ لأَنَّ السَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ بِعُبُوسَةٍ يَا مُرَاؤُونَ!

    تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ السَّمَاءِ، وَأَمَّا عَلاَمَاتُ الأَزْمِنَةِ فَلاَ تَسْتَطِيعُونَ!

    ترجمة الملك جيمس:

    (And in the morning, It will be foul weather to day:
    for the sky is red and lowring.
    O ye hypocrites, ye can discern the face of the sky; but
    can ye not discern the signs of the times?)

    المخاطب في هذه الآية هم أحبار اليهودية الفريسيين والسدوسيين الذين

    كانوا يعادون عيسى عليه السلام ويمارونه ويسعون في التخلص منه.

    والعجيب في الأمر أن كلمة "منافقون" حذفت من الطبعة

    الجديدة للأصل اليوناني الحالي، حيث جاء (2):

    (ἰούδας δὲ ἐγέννησεν τὸν φάρες καὶ τὸν ζάρα ἐκ τῆς
    θαμάρ, φάρες δὲ ἐγέννησεν τὸν ἑσρώμ, ἑσρὼμ δὲ ἐγέννησεν τὸν ἀράμ)

    وترجمة ذلك حرفيا:

    "وتقولون في الصباح إن اليوم شتاء لأن السماء حمراء مخيفة.
    تعرفون كيف تميزون ما في السماء ولكنكم لا تعرفون كيف تميزون ما بين الأزمنة"!

    وقد اعتمد هذا الأصل اليوناني الجديد أساسا لكل الترجمات
    الحديثة تقريبا ومنها هذه الترجمة الإنكليزية الجديدة (3):

    (In the morning you say, 'There will be a storm today, the sky is red
    and threatening.' Yes, you know how to interpret the
    look of the sky but you have no idea how to interpret the signs of the times!).

    المتحدث في هذه الآية هو المسيح عيسى عليه السلام، حيث يخاطب أحبار اليهودية الفريسيين والسدوسيين
    الذين كانوا يعادونه ويمارونه ويكذبونه ويحاربونه ويسعون لدى الرومان في قتله، مما تسبب في إحاث نقمة
    كبيرة على اليهود فيما بعد. ويبدو أن وصف المسيح عليه السلام للفريسيين والسدوسيين، الذين كانوا ولا يزالون
    يحتلون منزلة رفيعة عند اليهود، "بالمنافقين/المرائين"، قد أصبح غير مقبول اليوم (علاقة بمعاداة السامية؟)
    وذلك على الرغم من أن المتحدث في الآية كما وردت في إنجيل متى هو المسيح عليه السلام! لذلك حذفت
    كلمة "منافقون" من الطبعة الجديدة للأصل اليوناني الحالي ومن أكثر الترجمات الحديثة المبنية عليها

    ــــــــــــــــــــ


    __________________

    وقد يتساءل متسائل فيقول: فهمنا أن يكون هنالك تعديل مقصود في الترجمة، فكيف يكون تعديل مقصود في النص الأصلي،
    وهو نص وحي كما يؤمن المؤمنون به؟ بكلام آخر: كيف يتم تعديل النص اليوناني الذي يعتبر نص الوحي، فيكون في نسخته
    القديمة (وهي مطبوعة) "ابن بكر"، ثم في نسخته الحالية (وهي مطبوعة أيضا) "ابن" بدون "بكر"؟
    لا يعتبر هذا العمل في الدراسات الكتابية تحريفا .. بل "تصحيح محمود".

    ويقصد بالتصحيح المحمود (وهو مصطلح فني في الدراسات الكتابية) تهذيب النص على الدوام بما يتوافق مع المنطق والأخلاق السائدة
    وأول من بدأ ذلك "التصحيح المحمود" هم الأخلاقيون النصارى إبان عصر التنوير فطبقوا ذلك على أسفار العهد القديم وعلى أماكن بعينها
    منه فيها إساءة لا تحتمل إلى الله (مثلا قصة مصارعة يعقوب لله وانتصاره عليه .. فجعلوا مكان الله "ملاكا" ..)
    أو إلى الأنبياء (قصة مضاجعة لوط لبنتيه بعدما أسكرتاه حسب العهد القديم). والشاهد أن كلمة "ابن بكر" في الأصل اليوناني
    تشكل مشكلة لاهوتية عويصة تحل بإسقاط كلمة "بكر" فطبق عليها منهج "التصحيح المحمود"
    وحذفت كلمة "بكر" وهذا، كما أسلفت، لا يعتبر ـ في علم اللاهوت ـ تحريفا للكلم على موضعه .

    ملاحظة :

    الايات المكتوبه باللغات الاخرى
    تظهر بالشكل في الروابط الموجوده
    من مصدرها الأساسي .

  • #2
    تكملة : تأملات في ترجمات الكتاب المقدس

    المزمور 8 الآية 6:

    الأصل العبري:

    וַתְּחַסְּרֵהוּ מְּעַט, מֵאֱלהִים; וְכָבוֹד וְהָדָר תְּעַטְּרֵהוּ


    الترجمة العربية (فان دايك):


    وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ


    الترجمة السبعينية:

    ἠλάττωσας αὐτὸν βραχύ τι παρ᾽ ἀγγέλους δόξῃ καὶ τιμῇ ἐστεφάνωσας αὐτόν


    ترجمة الفولغاتا:

    Minuisti eum paulominus ab angelis; gloria et honore coronasti eum.



    ترجمة مارتن لوثر الألمانية:

    Du hast ihn wenig niedriger gemacht denn Gott,
    und mit Ehre und Schmuck hast du ihn gekrönt.


    ترجمة الملك جيمس:

    For thou hast made him a little lower than the angels,
    and hast crowned him with glory and honour


    الترجمة الأمريكية المعيارية :



    For thou hast made him but little lower than God,
    and crownest him with glory and honor


    ترجمة ويبستر الإنكليزية :




    For thou hast made him a little lower than the angels,
    and hast crowned him with glory and honor.


    يلاحظ أن نص هذا المزمور القصير يخاطب الله بأسئلة بيانية أهمها :


    من هو ذلك الإنسان يا رب حتى تذكره "وتجعله أقلَّ بقليل من الله وتكلله بالمجد والبهاء

    (וַתְּחַסְּרֵהוּ מְּעַט, מֵאֱלֹהִים; וְכָבוֹד וְהָדָר תְּעַטְּרֵהוּ)؟!


    وفي الحقيقة تثير هذه الآية مشاكل لاهوتية عويصة تتمثل في اعتبار الإنسان أقل بقليل من الله، وهو

    ما جعل مترجمي الترجمة السبعينية والفولغاتا والملك جيمس وفان دايك (الترجمة العربية) وغيرهم يستبدلون

    كلمة "الله" بـ "الملائكة" في ترجماتهم كي يتغلبوا على المشكلة اللاهوتية العويصة، وتبعهم في ذلك مترجمون

    كثيرون مثلما نقرأ في ترجمة ويبستر أعلاه.


    أما الألماني مارتن لوثر مؤسس الحركة البروتستانتية وكذلك مترجمو الترجمة الأمريكية المعيارية (ترجمة حديثة)،

    فقد احتفظوا بكلمة "الله" كما جاءت في الأصل بلا حرج لاهوتي فيما يبدو لأن الآية تجعل من الإنسان إلهاً إلا قليلاً.



    تعليق


    • #3
      تكملة : تأملات في ترجمات الكتاب المقدس

      المزمور 29، الآية الأولى:


      מִזְמוֹר לְדָוִד: הָבוּ לַיהוָה בְּנֵי אֵלִים הָבוּ לַיהוָה כָּבוֹד וָעז.

      النقحرة: مِزْمُورْ لِدَوِيد: هَبوا ليهوه بْنِي إِيلِيم! هَبوا ليهوه كَبُود وعُز.



      الترجمة الحرفية:

      "قَدِّمُوا لِيَهْوه، يا بَنِي الآلهة! قَدِّمُوا لِيَهْوَه مَجْدًا وَعِزًّا".



      ترجمة فان دايك العربية:

      "قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَبْنَاءَ اللهِ، قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدًا وَعِزًّا".

      وهذه ترجمة لا تصح لأن בְּנֵי אֵלִים = بْنِي إِيلِيم تعني ببساطة مطلقة "أبناء الآلهة" وليس "أبناء الله"
      ولو كانت تعني "أبناء الله" لقال صاحب المزمور: בְּנֵי אֱלהִים = /بْنِي إلوهيم/، الذي يترجم باضطراد
      على أنه الله، أما בְּנֵי אֵלִים = /بْنِي إِيلِيم/ فلا تخريج لها إلا بـ "أبناء الآلهة"!

      فالمزمور يخاطب المُخاطَبين هنا بـ "أبناء الآلهة" وليس بـ "أبناء الله" على المجاز في القول كما أراد مترجم
      العهد القديم إلى العربية أن يوحي بذلك، ذلك لأن אֵלִים = /إِيلِيم/ هذه هي جمع אל = /إل/ كما تقدم، وأن هذه
      الأخيرة تعني ـ حسب كل المعاجم العبرية والسامية ـ وببساطة شديدة، "إله

      فيكون معنى בְּנֵי אֵלִים = /بْنِي إِيلِيم/ "أبناء الآلهة" وليس غير ذلك.

      ولا يمكن تخريج هذه المشكلة اللاهوتية العويصة على أنها "جمع جلالة" (pluralis majestatis)
      لأن جمع الجلالة يشمل الضمائر والأفعال المسندة إليها ولكنه لا يشمل بحال من الأحوال الأسماء

      فلا يقال قط ولا في أية لغة:

      "نحن، عبدالله، ملوك المملكة الفلانية، نصدر المرسوم التالي"،

      لأن العرف

      في جمع الجلالة هو أن يقال:

      "نحن، عبدالله، ملك المملكة الفلانية، نصدر المرسوم التالي"!

      وأعتقد أن التفسير المنطقي الوحيد لهذه المشكلة اللاهوتية العويصة يجب أن يُبحَث عنه في ارتداد بني إسرائيل
      إلى الشرك بعد عبادتهم العجل في سيناء، لأنهم كانوا على التوحيد على زمان النبي إبراهيم عليه السلام، واستمروا
      عليه حتى زمان النبي موسى عليه السلام، ثم ارتدوا في سيناء، ثم عادوا إلى التوحيد من جديد، وهذا كله موجود
      في التوراة التي بأيدينا اليوم (سفر الخروج).

      وبما أن التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام غير موجودة اليوم بنصها الأصلي، وأن نص التوراة الحالي
      تم تقنينه ـ بإجماع اليهود والنصارى ـ بعد السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد (ثم قنن للمرة الأخيرة في
      اجتماع الأحبار في مدينة يامنة في تركيا القرن الأول بعد الميلاد أي بعد ظهور ديانة جديدة)، فإن شيئاً لا يحول
      دون الاعتقاد أن اليهود تشبعوا بالشرك في بلاد بابل وآشور إبان السبي البابلي، خصوصاً وأنهم كانوا ارتدوا إلى
      الشرك في حياة موسى عليه السلام، وهو بين ظهرانيهم في سيناء، فما الذي يمنع من ارتدادهم إلى الشرك بعد موته
      بألف عام؟!

      إن تشبعاً بالشرك كهذا الذي أراه وأعتقده هو الذي جعلهم يجمعون اسم الإله المعبود بحق عندهم
      على /إلوهيم/، إذ لا يعقل أن يُعتَقَد أن جمعاً كهذا كان على أيام كليم الله موسى عليه السلام.
      ومن الثابت قطعاً لا تخميناً أن النص العبري للتوراة كان في مرحلة ما إبان السبي البابلي يورد الأفعال
      التي كان جمعُ الإله على /إلوهيم/ يرد فاعلاً لها بصيغ الجمع مثل لغة "أكلوني البراغيث"، وأن الصفة
      في العبرية تتبع الموصوف في جميع حالاته (مثل العربية)، بحيث ينعت المفرد بالمفرد والجمع بالجمع.
      إلا أن التقنين الأول الذي أجري على نص العهد القديم في القرن الخامس قبل الميلاد استبدل باضطراد
      صيغة الجمع في الأفعال الواردة مع /إلوهيم/ بصيغة المفرد على أساس أن /إلوهيم/ لفظ مفرد، وجعل
      النعت الذي يجيء بعد /إلوهيم/ مفرداً.

      ومن الجدير بالذكر أن نص العهد القديم خضع لتقنين ثان في نهاية القرن الأول بعد الميلاد وهو التقنين
      الذي أثبتت مخطوطات البحر الميت أنه تم نتيجة لظهور المسيحية التي فسرت زمان "العهد القديم"

      ـ وهو العهد الذي اصطفى الله فيه آل إسرائيل ـ


      على أنه عهد يمهد لظهور المسيح عليه السلام الذي بدأ بظهوره "عهداً جديداً" ألغى "العهد القديم" برمته.

      وعلى الرغم من تقنين أحبار اليهود نصَّ العهد القديم مرتين وأنهم في المرتين استبدلوا باضطراد صيغة
      الجمع في الأفعال الواردة مع /إلوهيم/ بصيغة المفرد على أساس أن /إلوهيم/ لفظ مفرد، وكذا النعت الذي يجيء
      بعد /إلوهيم/ وجعلوه مفرداً، فإنهم نسوا بعض الأفعال وكذلك بعض النعوت بصيغة الجمع لتبقى حتى يومنا هذا
      شاهدة على تناوب الأيدي على نصوص العهد القديم حذفاً وإضافةً وإقحاماً وتحويراً للفظ
      وذلك للحصول على معاني مختلفة تنسجم مع التغيرات الدينية والسياسية في تلك الأزمان
      (وأهمها ظهور المسيحية)

      كما سيتبين لنا من المثالين التاليين

      قال في سفر التكوين، الإصحاح العشرين، الآية الثالثة عشرة:

      תַּעֲשִׂי עִמָּדִי: אֶל כָּל-הַמָּקוֹם אֲשֶׁר נָבוֹא שָׁמָּה, אִמְרִי-לִי אָחִי הוּא.
      וַיְהִי כַּאֲשֶׁר הִתְעוּ אתִי, אֱלהִים מִבֵּית אָבִי, וָאמַר לָהּ, זֶה חַסְדֵּךְ אֲשֶׁר

      أو بهذا الشكل :

      וַיְהִי כַּאֲשֶׁר הִתְעוּ אתִי, אֱלהִים מִבֵּית אָבִי, וָאמַר לָהּ, זֶה חַסְדֵּךְ אֲשֶׁר
      תַּעֲשִׂי עִמָּדִי: אֶל כָּל-הַמָּקוֹם אֲשֶׁר נָבוֹא שָׁמָּה, אִמְרִי-לִי אָחִי הוּא.

      النقحرة: وَيْهِي كَأَشِر هِتْعوا أوتي* إلُوهِيم مِبَيْت أبي، وَأُومِر لَهْ زِه حَسْدِيك
      أَشِر تَعَسِي عِمَّدي: إِلْ كُلْ هَمَّقُوم أَشِر نَبُوء شَمَّه، إِمْري لي: أَخِي هُو.

      الترجمة الحرفية:

      "وكان عندما أتاهوني الآلهة من بيت أبي أن قلت لها: هذا معروفك
      الذي تصنعين إلي في كل مكان ندخله: قولي عني هو أخي".

      فورد الفعل هِتْعوا (= أتاهوا) بصيغة الجمع لأن الفاعل هو إلوهيم جمع /إِلُوَه/ "إله"!
      ولو كان هذا جمع جلالة لما استبدلوا باضطراد صيغة الجمع في الأفعال الواردة مع /إلوهيم/
      بصيغة المفرد على أساس أن /إلوهيم/ لفظ مفرد، وتركوا هذا الفعل يدل على ذلك.

      وقال في سفر تثنية الاشتراع، الإصحاح الخامس الآية الثانية والعشرين

      (الآية الرابعة والعشرون في ترجمة فان دايك):

      ... כָל-בָּשָׂר אֲשֶׁר שָׁמַע קוֹל אֱלהִים חַיִּים ...

      النقحرة: كُلْ بَسَر أَشِر شَمَع قُولْ إِلُوهِيم حَيِّيم ...


      الترجمة الحرفية:

      "22. كل البشر الذين سمعوا قول الآلهة الأحياء [الحية] ...".

      فنعتت هذه الآية إِلُوهِيم بـ حَيِّيم وهذا الثاني جمع

      وهذا محال

      في "جمع الجلالة" لأن جمع الجلالة كما تقدم.

      بقلم الدكتور عبدالرحمن السليمان

      والسلام عليكم

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة ابن الوليد, منذ 2 أسابيع
      ردود 3
      109 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ابن الوليد
      بواسطة ابن الوليد
       
      ابتدأ بواسطة زين الراكعين, 19 مار, 2024, 03:12 م
      ردود 0
      44 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة زين الراكعين  
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 19 مار, 2024, 04:29 ص
      ردود 0
      7 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
       
      ابتدأ بواسطة زين الراكعين, 17 مار, 2024, 07:28 م
      رد 1
      51 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة زين الراكعين  
      ابتدأ بواسطة زين الراكعين, 16 مار, 2024, 12:29 م
      ردود 0
      22 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة زين الراكعين  
      يعمل...
      X