الإسلام و الغرب (3) الإسلام والغرب حوار أم مواجهة ؟؟؟

تقليص

عن الكاتب

تقليص

سيف الكلمة مسلم اكتشف المزيد حول سيف الكلمة
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإسلام و الغرب (3) الإسلام والغرب حوار أم مواجهة ؟؟؟

    الإسلام و الغرب (3) الإسلام والغرب حوار أم مواجهة ؟؟؟

    الإسلام و الغرب > الإسلام والغرب في الجنادرية (1) >
    تميزت ندوات الجنادرية حول الإسلام والغرب بطرح الأفكار التي تهم الساحة الثقافية العربية الإسلامية، وأظهرت هذه الندوات مرة أخرى سعة أفق القائمين على تنظيم هذه الندوات وبعد نظرهم حيث ضمت قائمة المشاركين أسماء من اتجاهات فكرية متعددة ومشارب مختلفة. وأرجو أن يكون في مشاركتهم هنا درس لهم في أن يتسع صدرهم في الندوات والمؤتمرات التي يعقدونها في بلادهم وجامعاتهم ومراكز بحوثهم لمن يخالفهم في الرأي.

    كانت الندوة الأولى حول صورة الإسلام في الغرب، وصورة الغرب في الإسلام" وقد تحدث في هذه الندوة كل من هلموت شيفر وزير الدولة للشؤون الخارجية في حكومة ألمانيا الاتحادية، وهو رجل دبلوماسي فحاول أن يقدم صورة جميلة لصورة الإسلام والمسلمين في ألمانيا. ولعل في ذلك كثير من الصحة فإن بقية الأوروبيين والأمريكيين يرون أن ألمانيا أكثر تسامحاً من غيرها. وقد ذكر الوزير المستشرقة الكبيرة آن ماري شيميل وحصولها على أعلى جائزة لقاء أعمالها في التقريب بين الإسلام والغرب. ومع ذلك فإن من المناسب أن أذكر أن كلاوس كينكل -وزير خارجية ألمانيا- حينما كان رئيساً للاتحاد الأوروبي دعا حكومة بنجلاديش أن تسمح للمارقة تسلميه نسرين بمغادرة البلاد وبحرية الكلام، كما أشير إلى مقالة للكاتب فهمي هويدي التي تناول فيها التنسيق بين ألمانيا وفرنسا حول مواجهة ما يطلقون عليه "الأصولية الإسلامية"

    أما بول فندلي فغني عن التعريف فيكفيه أنه يقف منذ مدة طويلة في وجه ضغوط جماعات الضغط اليهودية دفاعاً عن مصالح أمريكا-حتى فقد بسبب ذلك منصبه في الكونجرس- التي تتطلب عـدم المساس بالدين الإسلامي أو بالمسلمين. وكانت دعوته واضحة بأن على المسلمين أن يعرفوا ما فعله أعداؤهم فينافسوهم في العمل على الدفاع عن أنفسهم ومعتقداتهم.

    وتناول مصطفى العقاد الصعوبات والعراقيل التي يواجهها في سبيل إنتاج فيلم يوضح صورة الإسلام والمسلمين في الغرب. وذكر طرفاً مما عاناه في إنتاج فيلم الرسالة أو عمر المختار. وأكد على دور السينما. وهو محق جداً في أهمية دور السينما فإنك لا تكاد تمر عليك خمس دقائق من مشاهدة القنوات التلفازية في أمريكا دون أن تسمع ذكراً لليهود. فأين أموالنا من دعم هذا القطاع المهم جداً مع الأخذ في الاعتبار أن يوجد مع العقاد من يقدم له النصوص الصحيحة الصادقة.

    وتحدث الأخ الدكتور عبدالعزيز السويل فأشار إلى الصور المتبادلة بين الطرفين وإصرار الغرب على الاحتفاظ بصورة نمطية سيئة للعرب والمسلمين وإشاعتها في وسائل الإعلام المختلفة. ولكن ينبغي أن ندرك أن الإعلام الغربي مسؤول أيضاً عن نشر صورة نمطية سيئة للغرب بما يذيعه من أخبار الفساد والفجور والجريمة.

    قبل عدة سنوات نشرت جريدة (الشرق الأوسط) في صفحتها الأولى خلاصة مقالة للمستشرق برنارد لويس وبعض التعليقات التي صدرت حولها قبل أن تنشر في العدد القادم من مجلة "شؤون خارجية" وفي هذا الإطار اهتمت الدوائر العليمة والأكاديمية بأطروحة ميشال فوكوياما حول نهاية التاريخ التي نشرها في مجلة (مصالح قومية)(National Interest) حيث أُرسلت المقالة إلى عدد من الباحثين والأكاديميين للكتابة حولها. وفعلت الشيء نفسه مع مقولة صموئيل هاتنقتون حول صراع الحضارات.

    وهاهو الحرس الوطني في ندواته الرائعة يهتم بالأدب والشعر والفكر، ويخصص أسبوعاً أو أكثر للاحتفاء بمئات الضيوف من المفكرين والأدباء والعلماء من أنحاء العالم العربي الإسلامي ، وبعدد من كبـار الباحثين العالميين. وهو يحتفي بالعلم والفكر طوال العام تخطيطاً للجنادرية ولنشر محاضراتها وندواتها بالإضافة إلى النشاطات الفكرية الأخرى مما يجعل الحرس الوطني بحق مؤسسة حضارية وليس عسكرية فحسب.

    ومن الاهتمام بالثقافة والفكر عرض الطروحات الفكرية العالمية بهدف دراستها ونقدها ولوضع النظرة الإسلامية مقابلها . ولعلنا بهذا العمل نُعِدُّ أنفسنا ليكون لنا طروحاتنا الخاصة التي نأمل أن ننطلق بها إلى العالم ليدرسها ويناقشها ، كما نفعل نحن بالطروحات التي ينشرها بين الحين والآخر.

    وقد أعجبني في تناول أطروحة فوكوياما التساؤلات التي أطلقها الدكتور أبو بكر باقادر، و هو حين يثير التساؤلات تظهر كأنها تساؤلات عفوية، ولكن لا يغيب عن ذهن السامع أنّ وراء تلك العفوية عمقـاً علمياً، واتساع أفق وبعد نظر. ومن تلك التساؤلات قوله: "إلى أي مدى يؤرقنا تساؤل فوكوياما حول الدين؟ وأضاف بأن علينا أن نأخذ المبادرة ليكون لنا خطابنا الخاص للإجابة عن هذه الأسئلة وسواها مما يطرحه فوكوياما وغيره. ولا شك أن خطابنا الخاص هو ذلك الذي ينطلق من فهم عميق ودقيق للكتاب والسنّة.

    وقد أعجبني أيضاً تناول الدكتور أحمد موصللي - من الجامعة الأمريكية في بيروت- حيث قال ما نصّه:" إلاّ أن الهدف الحقيقي للصحوة الإسلامية هو ضخ هذه المبادىء -الحرية والمساواة والعدل- مجدداً في الحياة السياسية مع ربطها بالمفهوم الإسلامي الشامل لله والكون والإنسان. فالإسلام قادر على استيعاب الجوانب الإيجابية للديموقراطية الليبرالية، إلاّ أنه قادر في نفس الوقت على رفض الجوانب السلبية للديموقراطية. فالمسلمون قادرون اليوم على تطوير آليات الشورى والحرية والمساواة، وهم قادرون على رفض العبث الأخلاقي والقيمي وعلى التركيز المفرط على الملذات المادية والدنيوية. إن شريعة الإسلام وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم تزود المسلمين بمعايير تمنع عنهم الانهيار الأخلاقي والمعنوي، وبسبـب رؤية المسلم لوظيفته في الأرض عبر استخلافه، فإن انهيار الأيديولوجيات الاشتراكية والشيوعية وصعود الديموقراطيات الليبرالية يعني أن على المسلم الاستفادة من هذا التغيير في المسار التاريخي للايدويولوجيات التي تثبت فشلها واحدة تلو الأخرى بسبب بعدها عن حقيقة الإنسان وتطلعاته..."

    وأما مسألة الرد على فوكوياما فإن أحد ضيوف المهرجان قال في إحدى جلسات الاستراحة: "لماذا يعتقد الغرب دائماً على أنه قادر على تشكيل الشعوب بالطريقة التي يريدها؟ إن الله عز وجل قد جعل الناس مختلفين كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى{ولو شاء ربّك لجعل الناس أمة واحدة ، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم.الآية (هود 118-119)، وقد صرحت وسائل الإعلام الغربيــة عقب حرب تحرير الكويت بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستجد في نشر الديموقراطية في العالم. ومازلت أذكر أن الأمم المتحدة أرسلت عدداً كبيراً من جنودها للإشراف على الانتخابات في كمبوديا؛ فكنت ترى الناس يسيرون في الأدغال للوصول إلى صناديق الاقتراع.

    ولا بد أن أذكر أن كلمة الرئيس كلينتون إلى المهرجان قد أشارت إلى قضية مهمة وهي استمرار الحـوار بين العالم الإسلامي والغرب. وهو أمر حيوي إذا أراد الغرب أن يعرف الإسلام معرفة حقيقية فإن الوسائل الحالية يجب تطويرها لإعطاء فرصة أفضل لنماذج معتدلة من العالم الإسلامي لتشارك في النشـاطات العلمية والأكاديمية في الغرب، والتقليل من الاعتماد على النماذج التي لا تمثل الفكر الإسلامي الصحيح.

    وأنتقل إلى الندوة الخاصة بالاقتصاد وأذكر من المعلومات التي أوردها أحد المحاضرين بأن الشركات المتعددة الجنسيات تسيطر على جزءٍ كبيرٍ من الاقتصاد العالمي وأنها لا تسمح لغيرها بأن ينمو بطريقة طبيعية. وعلى دول العالم العربي الإسلامي أن تعمل لمواجهة مثل هذه التحديات العالمية إن أرادت أن يكون لها مكان في الخارطة الاقتصادية العالمية.

    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:31 ص.
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

  • #2
    الإسلام و الغرب > الإسلام والغرب في الجنادرية (2) >
    استهلت الندوات بمحاضرة الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس بتقديم الرؤية الشرعية لموقف الإسلام من الحضارات والأديان الأخرى. وقد كانت محاضرة رائعة يهمني أن أتوقف عند حديثه عن دين الإسلام بأنه دين السلام، وأضاف الشيخ حفظه الله ولكنه (الإسلام) يستعد للصدام، فلا بد من إعداد الأمة الإسلامية نفسها بأن تكون لها الهيبة والرهبة في نفس الآخرين. وهذا ما يؤيده الأمر الرباني في قوله تعالى )وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم( ويؤيده أيضاً حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير).

    وتأكيداً لهذا المفهوم عند الأمم الأخرى أذكر أن صورة غلاف إحدى مجلات ( الطيران) التي تصـدر باللغة الإنجليزية كانت لطائرة مقاتلة وكتب تحتها (القوة من أجل السلام)، وإن هذا الموضوع جدير بأن يفرد له ندوة أو ندوات للبحث في كيفية وصول الأمة الإسلامية إلى القوة في المجالات جميعها: القوة الإيمانية، والقوة العلمية، والقوة العسكرية...الخ.

    وقدّم معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشؤون الإسلامية محاضرة ضافية حول جهود المملكة في خدمة الدعوة الإسلامية في الغرب. وهي جهود مباركة تتمثل في المعاهد العلمية ومراكز البحوث وفي الكراسي العليمة وفي المساهمات في إنشاء المراكز الإسلامية، وكذلك في أكاديميات الملك فهد. وقد امتدت المحاضرة والتعليقات والمداخلات حتى وقت الندوة التالية.وكان بودي أن أتقدم بفكرة مفادها أن يكون للعلماء السعوديين وأساتذة الجامعات وجوداً أكثر فعالية في الجامعـات الغربية. فلماذا لا يكون لهم وجود اكبر في الجامعات الغربية تدريساً وإشرافاً على البحوث العلمية ومشاركة في الندوات والمؤتمرات. وقد زرت واشنطن في الصيف الماضي ووجدت أن المعاهد المشهورة من مثل: معهد بروكنجز، ومعهد الشرق الأوسط، ومعهد الولايات المتحدة للسلام، ومعهد جون هوبكنز وغيرها لم تعرف مشاركة العلماء السعوديين في نشاطاتها. وفي مقابلة مع رئيس معهد الشرق الأوسط أجاب عن أحد أسئلتي بأن المعهد يرحب بمشاركة الأساتذة السعوديين وإنه معجب بالمستوى الأكاديمي للأساتذة السعوديين الذين التقاهم في زيارته الأخيرة إلى المملكة. ومما يدعو إلى التفكير في مثل هذا الاقتراح أن المعاهد المذكورة تستعين أحياناً بمن لا يمثل الإسلام والمسلمين تمثيلاً صحيحاً حيث إن بعضهم إمّا أن يكون ذو اتجاه علماني أو شيوعي، أو غير ذلك من الاتجاهات التي لا تمثل البلاد الإسلامية تمثيلاً صحيحاً.

    وقد وقعت وزارة التعليم العالي قبل سنوات مع مؤسسة فلبرايت على تبادل الباحثين بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هل من الممكن زيادة عدد هذه المنح حتى يكون للأستاذ السعودي وجوداً أفضل في الجامعات الغربية ؟

    وانطلقت ندوات الجنادرية وكان أولها حول العلاقات التاريخية بين الإسلام والغرب، وقد وفق القائمون على هذا المهرجان في اختيار هذا الموضوع، وكم وددت أن لو خصصت أكثر من جلسة لهذه القضية الحساسة. وأبدأ بمشاركة الدكتور عبد العزيز العبيدي فقد نجح أيما نجاح في تجلية هذه العلاقات في زمن الحروب الصليبية، وبخاصة أن أوروبا قد جردت هذه الحملات التي اتسمت بكثير من الوحشية والعنف من جانب أوروبا والتسامح من جانب المسلمين. وأود أن أضيف أن أوروبا ما تزال تهتم بالحروب الصليبية فقد صدرت في السنوات الماضية العديد من الدراسات ، وأنتجت عدة أفلام عنها، كم أشار الدكـتور حسن عزوزي إلى إصدار أعداد خاصة من بعض المجلات الفرنسية حول هذه الحروب تشيع فيها روح الفخر بهذه الحروب.

    وأكد الدكتور العبيدي أن أوروبا أفادت كثيراً من هذه الحروب الصليبية في تعرفها على حضارة الأمة الإسلامية، كما قدمت هذه الحروب دروساً بليغة للمسلمين يجب أن يتذكروها دائماً وهي أن مواجهة أعداء الأمة والنجاح في هذه المواجهة لا يمكن أن يتم دون العودة الصحيحة للاسلام والوحدة الإسلامية.

    أما ورقة الدكتور عبد الجليل التميمي فاهتمت بجانب الدراسات العربية الإسلامية في الغرب وإبراز هذه الدراسات لبعض الرموز المضيئة في التاريخ الإسلامي، ولكن كان على الدكتور التميمي أن يذكر أن هذه الدراسات اهتمت كذلك بالجوانب السلبية كاهتمام المستشرقين بالحلاج الذي قضى المستشرق الفرنسي لوي ماسنيون حياته في دراسته (وقلده الشاعر المصري المعاصر صلاح عبد الصبور)، وابـن عربي، والحسن ابن الصباح وغيرهم. والذي يراجع دائرة المعارف الإسلامية التي كتبها المستشرقون يدرك كيف أنهم حرصوا على أن تكون هذه الموسوعة إبرازاً لأسوأ ما في تاريخ المسلمين.

    وتحدث الدكتور فهمي جدعان عن العلاقة بين أوروبا و الإسلام وبخاصة محاولة المسلمين التفاعل مع حداثة أوروبا وما بعد الحداثة، ورجعت إلى ملخص النص المنشور للمحاضرة فوجدت أن المحاضر لم يوفق في تناول هذا الموضوع بل كان في بعض الأحيان يجور في الحكم على الإسلام، ولا يشفع له أن حاول أن يدعو المسلمين إلى الاستقلال عن أوروبا .

    وبالنسبة لملاحظتي أن هذه الندوة كانت تستحق أكثر من ندوة فسبب ذلك أن هذه الجذور التاريخية هي الأساس الذي يجب مناقشته قبل الانطلاق للحديث عن العلاقة المعاصرة بين الإسلام والغرب. وباستعراض موجز أقول بأن هذه العلاقة بدأت حينما أسس المسلمون دولتهم في الجزيرة العربية وكانت الدولة الرومانية إحدى الدولتين العظميين في العالم حينذاك وكانت تخطط للهجوم على الدولة الإسلامية الوليدة، ولكن المسلمين أدركوا أنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلاّ ذلوا فبادروا هم بالخروج من الجزيرة العربية لتأمين الطريق للدعوة الإسلامية وتحرير الشعوب التي كانت الخاضعة للدولة الرومانية ولم يشفع لهم أنهم أبناء دين واحد.

    وكان النصر للإسلام، فأمن للشعوب التي خضعت لدولته الحياة الكريمة وحرية التدين، وحرية التصرف في أموالهم، وسمح لهم بالمشاركة في النهضة الحضارية. وهو أمر لم يحدث عندما عادت أوروبا في الحروب الصليبية وكانت في قمة التخلف فأفادت هي من حضارة المسلمين.

    وعادت أوروبا مرة أخرى في حملاتها الاستعمارية التي كان يدفعها فلسلفة أوروبا بتفوق العرق الآري ورسالة الرجل الأبيض في تحضير الشعوب، وكانت النتيجة أن جعلت البلاد الاستعمارية همها الأول محاربة الإسلام بمحاربة التعليم ومنع المسلمين من النهضة، وجعل بلادهم مجرد مصدر للثروات الطبيعية التي تأخذها أوروبا لتعيدها مصنعة بأغلى الأسعار. كما حرصت أوروبا على صبغ هذه المستعمرات بالصبغة الأوروبية فاصطفت مجموعة من أبناء المسلمين إما عن طريق الابتعاث، أو عن طريق المدارس الأجنبية التي أنشأتها في البلاد الإسلامية ومكنت لهؤلاء أن يستولوا على مقاليد توجيه الأمة بالرغم من أن الذين قاوموا الاحتلال هم العلماء والمجاهدون وليسوا المناضلين العلمانيين الوطنيين القوميين.

    وعندما بدأ اليقظة الإسلامية المعاصرة بعد عشرات السنين من سيطرة الاتجاهات القومية العلمانية أو اللادينية اتخذت بعض الجهات المتنفذة في أوروبا والولايات المتحدة من هذه اليقظة العدو الأول فحاربتها بشتى الوسائل ومنها حرب النعوت والألقاب فأطلق على الصحوة: "الأصولية”، و "التشدد"، و "التطرف"، و "التمرد"، وغير ذلك، وعقدت عشرات الندوات والمؤتمرات لدراسة هذه الظاهرة كأنه ليس من حق المسلمين العودة إلى دينهم .

    والذي يدعو إلى التوسع في بحث جذور العلاقات التاريخية أن اليابان عندما أرادت أن تقوي علاقاتها مع دول جنوب شرق آسيا التي تضررت من الاحتلال الياباني، ما كان منها (اليابان) إلاّ أن اعتذرت عن كل ما ارتكبته في حق هذه الشعوب، فهل تفعل أوروبا ذلك بالنسبة لدول العالم الإسلامي؟

    ولما جاء موعد ندوة "الخطر الإسلامي على الغرب بين الوهم والحقيقة" ازدحمت المدرجات بالحضور منذ وقت مبكر، وامتلأت القاعات الخارجية كلُّ ذلك ويعود سبب الازدحام إلى أمرين: أولهما أن أحد المتحدثين هو البروفيسور صموئيل هتنقتجون كتب قبل عامين تلك مقالة أثارت كثيراً من الجدل وما تزال حول ما أسماه صدام الحضارات الذي يتلخص في أن الصراع القادم -بعد انتهاء الحرب الباردة - لن يكون بين دول بقدر ما سيكون بين الحضارة الإسلامية المتحالفة مع الكونفوشوستية ضد الحضارة الغربية التي تمثلها أمريكا وأوروبا. فالجمهور يريد أن يرى هتنقتون وما سيقوله حول موضوع الندوة.

    والسبب الآخر هو وجود البروفيسور جون اسبوزيتو صاحب كتاب الخطر الإسلامي وهم أم حقيقة، والذي نشرت مجلة " المجتمع " الكويتية فصلاً منه، كما استضافت اسبوزيتو في عدد من الأعداد التالية. والبروفيسور اسبوزيتو كان يعمل في كلية الصليب المقدس قبل أن ينتقل إلى جامعة جوروجتاون بواشنطن العاصمة ويترأس مكتب التفاهم الإسلامي النصراني الذي كان يطلق عليه عندما كان تابعاً لمعهد هارتفورد اللاهوتي بمكتب العلاقات ثم الاهتمامات الإسلامية النصرانية.

    كانت الندوة تستحق هذا الاهتمام فالمتابع لما يكتب في الغرب عن الإسلام منذ عدة سنوات يدرك أن هذه القضية هي فعلاً من القضايا الخطيرة. وقد وجدت أن مجلس الشؤون الخارجية بمدينة نيويورك الذي يصدر مجلة ( الشؤون الخارجية ) التي فجر من خلالها هتنقتون موضوع الصدام بين الحضارات تصدر نشرة بعنوان (التقرير حول سياسات المسلمين ) وكان عددها الصادر في يناير /فبراير 1996 يتضمن مقالة ل دانيال بايبسس بعنوان (خطر الإسلام الأصولي) وتحدث عن هذا الخطر من خلال المحاور الآتية: الأيديولوجية المثالية المتطرفة ، والاستبداد ، ومعادة الديموقراطية، ومعادة السامية ومعاداة الغرب ومعاداة التعايش مع الآخرين .

    والعودة إلى جذور الأشياء يقودنا إلى الفهم الحقيقي لواقعها المعاصر فما زلت أذكر مقالة قصيرة كتبها القس سبايت بمكتب العلاقات الاسلامية النصرانية عام 1990 بعنوان( من سيكون الشبح الخيف الجديد؟) وجاء في المقالة أن أولئك الذين كانوا يجدون ما يتحدثون عنه دائماً بأنه الخطر الذي يواجه أمتهم لن يجدوا بعد انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية( قبل سقوط الاتحاد السوفياتي) ما يتشدقون بالحديث عنه فلذلك يخشى أن يجعلوا الاسلام هذا الشبح المخيف الجديد أو الفزّاعة . ويستدل سبايت على ذلك بما كتبه كرس كروتهامر Chris Kruthammer - الذي أصبح كاتباً شهيراً ونجماً إعلامياً - مشبهاً الخطر الإسلامي ب "الانتفاضة الكونية" .

    وعجبت حينها لقس في معهد لاهوتي يعترض أو يستنكر جعل الاسلام هدفاً لهذه الحرب الإعلامية الخطيرة. ولكن لعل هذا يعود إلى أن هؤلاء النصارى ومنهم اسبوزيتو يدركون أن القائمين على نشر فكرة أو أكذوبة " الخطر الإسلامي" إنما يخططون لأبعدَ من ذلك وهو محاربة النصرانية أيضاً فليس حباً في الإسلام يدافعون عنه ولكنهم عن أنفسهم يدافعون.

    وتحدث صموئيل هتنقتون فكانت محاضرته بعيدة كل البعد عمّا قاله في مقالته المشهورة حيث ركز على قضية تكاد تكون قد أشبعت بحثاً منذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدة ومن جاء بعدهما وهي قضية التحديث والتغريب. وبالرغم من أن علماء الأمة الإسلامية لا يرون تعارضاً بين الأخذ بوسائل المدينة المعاصرة مع المحافظة على الشخصية الإسلامية والقيم الإسلامية . وقد أشار الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله في تفسيره لآيات )أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون(الآية، بأن المقصود من المصانع ليس كما فهمها المفسرون الأوائل بل هي المعامل التي تصنع وسائل المدنية ولكنه أكدّ على أن تكون مبنية على العدل والحق وعدم ظلم العمال أو إشاعة الروح الاستهلاكية في الناس. وقد استشهد المحاضر بكلام للأمير بندر بن سلطان حول التنمية في المملكة العربية السعودية بأننا استطعنا أن نأخذ بكثير من وسائل الحضارة دون أن نفقد هويتنا بل ازددنا والحمد لله محافظة عليها. وهكذا فكثير من الحضور كانوا يقولون ليس هذا هتنقتون صاحب مقولة صراع أو صدام الحضارات.

    وتحدث البوفيسور جون اسبوزيتو مشيراً إلى أن الخطر الإسلامي على الغرب ليس حقيقة وذلك لأن الحركات الإسلامية التي تميل إلى العنف إنما هي أقلية وأن غالبية العالم الإسلامي التي تتمسك بالإسلام لا تشكل خطراً على الغرب. ويؤكد اسبوزيتو إلى أن الحركات الإسلامية في البلاد المختلفة لا تشكل خطراً لعدم وجود تنسيق بينها كما يزعم كروتهامر. ولعل مما يميز طروحات اسبوزيتو مطالبته بالاعتدال في التعامل مع الحركات الإسلامية والدعوة إلى سياسات تتيح لهم مشاركة أكثر فاعلية في البلاد المختلفة.

    وعودة إلى مسألة الخطر الإسلامي فهي ليست وليدة السنوات الخمس الأخيرة أو منذ بدأ انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين وإنما هي قديمة منذ ظهرت الحركات الإسلامية التي نادت بتحرر البلاد العربية الإسلامية من الاحتلال الأجنبي ودعت إلى المحافظة على الهوية الإسلامية. فدارس التاريخ الحديث والمطلع على الوثائق الغربية سواءً الأمنية أو السياسية يجد أن هذه التقارير -وكذلك الدراسات الأكاديمية- كانت تشير إلى أن الحركات الإسلامية هي الأشد خطورة على الاستعمار، وكانت تنعت هذه الحركات بأنها تثير العداء للأجنبي وأنها لا تؤمن بالتحديث (التغريب)، وأنها تحارب تعليم المرأة وغير ذلك من الافتراءات القديمة المتجددة. (ما أشبه الليلة بالبارحة) .

    وهذه القضية لا يمكن لمقالة واحدة أن تستوعبها ولكن لنختم بالتساؤل: أما آن لهؤلاء الذين يروجون أكذوبة الخطر الإسلامي أن يعرفوا أن الإسلام رحمة للعالمين وأن البشرية التي تقودها الحضارة المادية الغربية في حاجة للإسلام ؟ والله الموفق

    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:31 ص.
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

    تعليق


    • #3
      الإسلام و الغرب > صدام الحضارات أو حوارها >
      نشرت جريدة "المدينة المنورة يوم 25 محرم 1418هـ مقالة طويلة بعنوان "المؤرخ العالمي يكشف جهل "صموئيل هنتنجتون"، وفيها حديث طويل يدافع عن هذا المستشرق الخطير ويضفي عليه هالة من الإنصاف والاعتدال بالرغم من أنه أمضى أكثر من نصف قرن يهاجم الإسلام بضراوة وبعنف ويدافع عن إسرائيل والصهيونية. وله من المؤلفات ما يربو على الثلاثين كتاباً ومئات المقالات والبحوث والمحاضرات والندوات. وإنني إذ أكتب عن هذا المستشرق فلأن رسالتي للدكتوراه كانت حول كتاباته، وقد لقيته مرتين الأولى في أثناء إعداد بحث الدكتوراه، والثانية بعد إنجاز البحث واطلاعه على بعض العروض للرسالة.

      أما في المرة الأولى فكان معارضاً جداً أن يسمح لي بمقابلته لأنني أنتمي إلى جامعة إسلامية، وهو يخشى أن أكـون متعصباً ومتحاملاً، وأن أكون بعيداً عن الموضوعية والنزاهة في كتابتي حوله. ولكني غامرت فرحلت إلى برنستون حيث كان يعمل وأقنعت زملاءه بأنه من الضروري أن يقابلني وأن أتحدث إليه.

      أما المقابلة الأخرى فكنت ضيفاً على برنامج الزائر الدولي، وكان ذلك بعد سبع سنوات من اللقاء الأول، وتقابلنا في جامعة برنستون في اللقاء الأسبوعي لقسم دراسات الشرق الأدنى، ولما قمت إليه مسلماً وعرّفته بنفسي أشاح بوجهه بطريقة بعيدة جداً عن الأدب والذوق واللياقة، مما دفع مرافقي الأمريكي إلى لومي على الاهتمام بشخص يفتقد الذوق واللياقة مع (خصومه).

      أما قصة هنتنجتون وبرنارد لويس فالأول تلميذ الثاني فقد كتب لويس كتابه (العرب في التاريخ) عام 1957م، وتحدث في أحد فصوله عن الإسلام والغرب. وذكر فكرة الصراع بين الحضارات في فصل بعنوان (تأثير الغرب) وهذا ما قاله في الصفحة 177 "إن الإسلام اليوم يقف وجهاً لوجه مع حضارة غريبة تتحدى كثيراً من قيمه الجوهرية، وتستميل بإغراء كبير كثيراً من أتباعه….والتحدي الذي تقدمه الحضارة الغربية أنها الحضارة الغالبة، وليست الحضارة المغلوبة التي واجهها المسلمون في بداية ظهور الإسلام." وقد قال بهذا الـرأي بصراحة في كتابة الإسلام والغرب (النسخة الإنجليزية) (1963م) في الصفحة135: "سيكون فهـمنا أفضل للوضع (بين الإسلام والغرب) إذا نظرنا إلى حالات عدم الرضى في الشرق الأوسط بأنها ليست صراعاً بين دول أو قوميات، ولكن على أنها صراع بين حضارات."

      وقد أجاد أخي الكاتب المتميز الدكتور عبد الرحمن العرابي في تفنيد هذا المقال مجهول الهوية، وأود أن أضيف معلومات حصلت عليها (غير منشورة) بأن لويس يمضي شهرين كل عام في شقته في تل أبيب، ولذلـك فإن تلاميذه اليهود يرونه كل عام. وقد أوصى بأن تعطى مكتبته الخاصة(وهي مكتبة كبيرة) إلى مركـز موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد احتفل هذا المركز قبل أشهر ببلوغ لويـس الثمانين من عمره في ندوة دامت يومين، وقد أعد المركز كتيباً بهذه المناسبة ظهر فيها لويس مع عدد من الشخصيات الإسرائيلية من بينها شمعون بيريس. فهل يستحق منّا لويس كل هذا الاحتفال؟

      البرامج الثقافية واللون الواحد

      نشرت عدة صحف خبراً مفاده أن جامعة أمريكية طلبت من إحدى القنوات الفضائية العربية حلقات برنامج ثقافي. لم يكن الأمر غريباً بالنسبة لي، فمن خلال متابعتي لنشاطات أقسام الدراسات العربية و الإسلامية في كثير من الجامعات الغربية وجدت أنهم يهتمون بصنف خاص من الكتاب العرب والمسلمين وهم الذين تأثروا بالفكر الغربي، ويتناولون في كتاباتهم القضايا العربية الإسلامية من منظور غربي. ومن الأدلة على ذلك أن ترجمات قصص نجيب محفوظ، وأدونيس، ونوال السعداوي، وعبد الرحمن المنيف، ومحمد شكري وغيرهم، وعدد لا حصر له من هؤلاء بينما لا تكاد تهتم أقسام دراسات الأدب العربي بما كتبه نجيب الكيلاني أو أحمد علي باكثير.

      والبرنامج الثقافي الذي اهتمت به الجامعة الأمريكية لا يخرج عن عرض هذا اللون الواحد، فلو كان برنامجاً متزناً يهتم بالاتجاهات المختلفة في دراسة الأدب العربي لما اهتمت به هذه الجامعة أو سواها. وإذا قيل لنا بأنه لا يوجد غزو فكري فإن الرد جاهز فمثل هذا البرنامج -ذي اللون الواحد- من أخطر أنواع الغزو الفكري. وليقرأ من شاء عن مصطلح " إفساد الذائقة الأدبية" فيما كتبه محمود شاكر في كتابه رسالة في الطريق إلى ثقافتنا.

      التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:31 ص.
      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
      وينصر الله من ينصره

      تعليق


      • #4
        الإسلام و الغرب > الحوار الإسلامي الأوروبي >
        تابعت قبل أعوام حلقات في إذاعة لندن عن ندوات الحوار العربي الأوروبي التي عقدت برعاية هيئة الإذاعة البريطانية بالاشتراك مع المعهد الملكي للدراسات الدولية البريطاني وبعض الغرف التجارية العربية. وقد عقدت عدة حلقات من هذا الحوار في كل من القاهرة والبحرين. وكتبت إلى الإذاعة البريطانية أطلب تفاصيل أكثر عن هذه الندوات لتعلقها بتخصصي في مجال الاستشراق، وأضفت بأنني لاحظت أن المشاركين في الندوات هم في الغالب من الذين تأثروا بالفكر الغربي أو من العلمانيين العرب وهذا لا يحقق توازناً في وجهات النظر المعروضة. فأرسلت إليّ الإذاعة صفحات من مجلة هنا لندن وبدون توثيق. ولكنهم لم يردوا على ملاحظاتي.

        وقد أشارت رسالة الإذاعة إلى أن المعهد الملكي للعلاقات الدولية يقوم بنشر وقائع هذه الندوات. وتمنيت أن أكون قادراً على الحصول عليها أو أن أجدها في أحد مراكز البحث العلمي في المملكة، وأرجو أن يتمكن مركز البحوث الحضارية الاستشراقية بكلية الدعوة في المدينة المنورة من متابعة هذه القضايا وتوفير هذه المواد للباحثين فيه.

        ومادام الغرب حريصاً على الحوار العربي الأوروبي والإسلامي الغربي، فإنني أذكر أن الحرس الوطني بالمملكة العربية السعودية اختار موضوع العلاقات بين الإسلام والغرب لندوتيه في عامين متتاليين ودعا إليهما عدداً من الباحثين الغربيين وباحثين من العرب المسلمين. وكان هؤلاء يمثلون الاتجاهات المختلفة في مجال الحوار. (انظر قسم المؤتمرات في هذا الموقع)

        أما الندوات والمؤتمرات الغربية فإن الغالب فيها أن يدعى إليها من يمثل الفكر الغربي أو يميل إلى هذا الفكر فكأنهم يريدون أن يسمعوا صدى أفكارهم وفلسفاتهم. ويمكن للباحث المدقق أن يجد أن عدداً من الأسماء العربية الإسلامية هي التي القاسم المشترك للعديد من الندوات والمؤتمرات وقد كتب قبل مدة الدكتور حسن عزوزي حول هذه المسألة(المسلمون ، 27محرم 1419هـ فقال: " يسعى المنظمون دوماً إلى انتقاء أسماء بعض الباحثين المسلمين من ذوي النزعات العلمانية، والأفكار المنحرفة ويستدعونهم للمشاركة علماً منهم بأنهم يحققون لهم كثيراً من المطالب والأهداف ويتنازلون لهم عن مبادئهم الدينية ، وهكذا يتم تقديمهم على أساس أنهم يمثلون الإسلام ويتكلمون باسمه." وإن لم يقدم الدكتور عزوزي بعض هذه الأسماء فهي كما يأتي – الأسماء المشهور- محمد أركون، ونصر حامد أبو زيد، ومحمد سعيد العشماوي، ونوال السعداوي، عزيز العظمة وبسام طيباوي وسعد الدين إبراهيم ناهيك عن الأسماء الكثيرة لغير المشهورين والذين يسيرون في طريق الشهرة التي يحققها لهم الالتحاق بالركب المحارب للإسلام.

        وأذكر من تجربتي الشخصية أن المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين الذي عقد في ليدن عام 1996م، دعا عدداً من الباحثين العرب المسلمين ليتحدثوا حول الحركات الإسلامية أو الاتجاه الإسلامي فكانوا يمثلون الاتجاه المحارب للدين فاتفق اثنان منهما على تقديم ورقة من قسمين وكالا فيها التهم للحركات الإسلامية – تلك التهم الجاهزة- : إنها ستعيد البلاد إلى الخلف وأنها تحارب التقدم وتحارب الغرب، وأنها تضطهد المرأة وتضطهد الأقليات وغير ذلك من التهم. وسألت رئيس الجلسة ألم تجدوا في العالم الإسلامي من يتحدث عن الحركات الإسلامية وبخاصة أن أوروبا مليئة بالباحثين المسلمين الذين يمكن أن يمثلوا التيارات الإسلامية ويتسمون بالاعتدال. فزعم أنه لم يتقدم إليهم أحد ولكنهم سيسعون في المؤتمرات القادمة إلى ذلك.

        إن المؤتمرات الغربية أو الحوارات المزعومة لها جانب آخر هو أن نأتي إليهم بمشكلاتنا ودقائق حياتنا وتفاصيل قضايانا ونطرحها على بساط البحث ليفيدوا من هذه المعلومات ويوجهوا الباحثين المسلمين إلى الاتجاهات التي يرغبونها.

        والسؤال الذي لا أمل من تقديمه: متى نبدأ نحن في عقد مؤتمرات في بلادنا تتناول مشكلاتنا ونتصارح حول أوضاعنا ثم ننتقل أو حتى في الوقت نفسه نطرح القضايا الفكرية والثقافية التي تواجهها المجتمعات الغربية وندعو باحثيهم لتقديم بحوثهم عندنا؟ متى يكون ذلك متى؟؟؟

        التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:30 ص.
        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
        وينصر الله من ينصره

        تعليق


        • #5
          الإسلام و الغرب > المعتدلون في الغرب وموقفنا منهم >
          أولت مجلة "المجتمع" الكويتية منذ أكثر من سنتين اهتماماً خاصاً بكتابات بعض الباحثين الغربيين حول قضايا العالم الإسلامي وبخاصة مسألة "الصحوة الإسلامية "وكان من ذلك ترجمة أحد فصول كتاب الباحث الأمريكي جون اسبوزيتو (التهديد الإسلامي:حقيقة أم وهم؟)، وكذلك إجراء اللقاءات مع بعض هؤلاء أو استكتابهم.

          واستمرت مجلة المجتمع وغيرها من الصحف والمجلات العربية الاهتمام بهذه الكتابات؛ ومن الأمثلة على ذلك أن صحيفة "المدينة المنورة" تنشر مقالة أسبوعية للكاتب الأمريكي(والسناتور السابق) بول فندلي. كما إنها تهتم بما يكتب عن الإسلام في الغرب في صفحة نفحات إسلامية، أو ملحقها الإسلامي الأسبوعي. وكذلك فإن جريدة الحياة تنشر مقالات جورج ماكفرن، وتنشر الشرق الأوسط لعدد من الكتاب الغربيين.

          لاشك أن الصحافة العربية قد وجدت شيئاً من الموضوعية في كتابات هؤلاء أو إن كتاباتهم تتفق وخط سير تلك الصحيفة. ولكننا ينبغي أن نؤسس هذا المسلك على أصول وقواعد شرعية، ولذلك فقد رجعت إلى بعض الآيات التي تذكر أهل الكتاب وموقفهم من الإسلام والمسلمين أو التي تناولت شيئا من سلوكهم ووجدت ما يأتي لتَجِدَنَّ أشَدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ،ولتجدن أ قربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ،ذلك بأنَّ منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون (، وقد امتدح القرآن الكريم أمانة بعض أهل الكتاب في قوله تعـالى )ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلاّ ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون(،وقد ذكر القرطبي أنه ليس في الآية تعديل لأهل الكتاب ولا لبعضهم خلافاً لمن ذهب إلى هذا الرأي ذلك لأن فساق المسلمين يوجد فيهم من يؤدي الأمانة، ويؤمن على المال الكثير ولا يكونون بذلك عدولاً، فطريق العدالة والشهادة لا يجزي فيه أداء الأمــــانة في المال من جهة المعاملة والوديعة.” ومما جاء في موقف أهل الكتاب من المسلمين قول الله تعالى:{هَا أنتم أُولاءِ تُحِبُّونهم ولا يحبُّوكم وتؤمنون بالكتاب كله ،وإذا لقوكم قالوا آمنّا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور}

          ومما ينبغي الالتفات إليه أن الغربيين يختلفون فيما بينهم في المصالح والمشارب والمذاهب، ومع ذلك فإنهم قد يتفقون في مواجهة الإسلام، فيتبادلون الأدوار؛ فإن امتدح أحدهم الإسلام في شيء تجد عشرات غيره يقولون عكس ذلك تماماً، لذلك فلا بد من الحذر الشديد والنظر في كتاباتهم بدقة وعناية.

          ومع ذلك فإننا يجب أن ننظر في المواقف التي نراها إيجابية من الإسلام والمسلمين فنشجع أصحابها ونساعدهم في نشر هذه الأفكار ومن ذلك الحوار الذي أجراه الأستاذ عبد الله الغانمي مع الشيخ عبد الرحمن العمودي رئيس المجلس الإسلامي الأمريكي وأوضح فيه بعض مواقف السياسيين الأمريكيين التي يمكن عدها مواقف إيجابية.

          كما نستطيع أن نفيد من هذه المواقف فضح الصهيونية ومن ذلك ما كتبه جون اسبوزيتو حول الجهات التي تقوم بتشويه صورة لإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي وأنها تصور الإسلام بأنه ضد الغرب وبأنه في صراع مع التقدم أو تصور موقف الحركات الإسلامية بأنه "الغضبة الإسلامية والتطرف والتشدد.”(المجتمع 1034-26رجب 1413هـ) ومن ذلك ما ختمت به إيفون حداد لقاءها مع مجلة "المجتمع " موضحة سبب دفاعها عن الإسلام:"إني أدافع عن الإسلام من منطلق أني أعرف أنه دين الحق، والدفاع عن الحق واجب من عرف أنه حق ،ولهذا فإني أدافع عن الحق." ع 1076 في 10/6/1414هـ.

          ومع هذا الاهتمام بهذه البوادر الإيجابية فمتى تفسح وسائل الإعلام الغربية لمثل هذه الأصوات أو أن تسمح للمسلمين أن يعبروا عن وجهة نظرهم في القضايا التي تهمهم، أمّا المبالغة في الاهتمام بهؤلاء في صحافتنا فما ذا يفيدنا حقيقة؟

          التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:30 ص.
          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
          وينصر الله من ينصره

          تعليق


          • #6
            الإسلام و الغرب > مؤسسات للترجمة والتأليف >
            الترجمة من أبواب المعرفة المهمة، وقد اهتمت الأمم قديماً وحديثاً بالترجمة وبذلت لها من الجهود ما تستحقه، وقد برعت أمتنا الإسلامية في هذا المجال يوم كنّا قادة الفكر والحضارة في العالم حتى بدأنا بالانحدار والتراجع فتراجعت الترجمة أو اختفت.

            إنّ الأمم الأخرى تنفق في الترجمة الأموال الطائلة؛ فمثلاً بين فرنسا وبريطانيا لا يكاد يظهر كتاب مهم في الأدب أو في العلوم في أي من الدولتين حتى ترى له ترجمة على الجانب الآخر من المانش، وكذلك الأمر بين الدول الأوروبية الأخرى. ومن العجيب أن بعض الدول تترجم ما يصدر عمّا يمكن أن يكون أعداءها حتى إعلانات الصحف. وقد ظهرت عدة مقالات في الأشهر الماضية تدعو إلى الاهتمام بالترجمة وفيما يأتي موجزاً عنها:

            وأبدأ بالأستاذ توفيق السيف في مقالته (عكاظ 18محرم 1419هـ) التي تحدث فيها عن إنشاء مؤسسة عربية للترجمة، ولكن كانت مقالته في الغالب حديثاً عن لحق ركب التطور العالمي والإفادة من التقدم العلمي الذي أحرزه الغرب والفرق بين الاندماج في ثقافة الآخر أو الانكفاء على النفس. وأن الأمة لكي تنهض لا بد لها أن تستوعب العلوم المعاصرة بلغتها وليس بلغة الآخرين كما هو حالنا في العصر الحاضر في أغلب البلاد العربية الإسلامية. وقد دعا الأستاذ السيف إلى وضع خطط مدروسة للتفاعل مع الحضارة الغربية الغالبة حالياً أسوة بما فعل المسلمون في بداية نهضتهم من التفاعل على الثقافات التي سبقتهم فأفادوا منها وأنتجوا علوماً أكثر تطوراً.

            أما المقالة الثانية فكانت للدكتور عبد القادر طاش المدينة المنورة، 11محرم 1419)هـ، أشار فيها إلى نداءات ثلاث اطلع عليها في الصحافة العربية وهي الحوار مع (المفكر العربي اللبناني جورج طرابيشي) في مجلة الوطن العربي، ومقالة الدكتور عبد الإله ساعاتي في جريدة الرياض ينادي فيها بإنشاء مركز وطني للترجمة، وكان النداء الثالث بقلم هاشم صالح الذي أشار في مقالته إلى ما فعلته اليابان في نهاية القرن التاسع عشر من ترجمة العلم الغربي إلى اللغة اليابانية. ونقل الدكتور طاش عن هاشم صالح قوله "لكي تستطيع لغتنا أن تدافع عن نفسها في عصر "العولمة" الكاسح فإنه ينبغي علينا أن نزودها بالوسائل التي تمكنها من المقاومة، وأولى هذه الوسائل نقل الفكر العلمي الحديث كله إلى اللغة العربية، ولا يمكن أن نفعل ذلك إلاّ بعد تأسيس مركز قومي للبحوث والترجمات."

            ويختم الدكتور طاش مقالته بتأييد الدعوة إلى تأسيس مركز وطني للترجمة ذاكراً أن بلادنا "أولى البلدان للاهتمام بهذا الأمر "وذكر الخطوات التي اتخذت في عهد الشيخ حسن آل الشيخ رحمه الله حينما كان وزيراً للتعليم العالي بأن أمر بإعداد دراسة مشروع إنشاء مركز وطني للترجمة عام 1406هـ، وتوجه بالسؤال إلى وزارة التعليم العالي عن هذا المشروع والدراسة.

            وبعد أشهر من هذه المقالات والحوارت كتب الدكتور عبد الله بن حسين الشريف بعنوان (الترجمة وسباق الحضارات)(عكاظ ،14جمادى الآخرة 1419هـ) تناول فيه نهضة الأمة الإسلامية في البداية وكيف أننا بعد الركود أصبح بيننا وبين الأمم المتقدمة بوناً شاسعاً، ولا بد للحاق بركب المدنية والحضارة ولا يتم ذلك إلاّ بحركة واسعة للترجمة. ويؤكد الدكتور عبد الله على أن هذه الجهود لا بد أن تكون على مستوى الأمة الإسلامية جميعاً من خلال المنظمات القائمة.

            وكتب الأستاذ محمد المختار الفال المدينة المنورة ، 9شعبان 1419)هـ مشيراً إلى أنّ الرواد من أدباء هذه البلاد أفادوا كثيراً من الترجمات التي ظهرت في البلاد العربية المجاورة، ثم انتقل للحديث عن الترجمة في الجامعات وفي الكتاب الجامعي بالذات فأشار إلى قصور كبير في هذا المجال وتساءل عن أسباب عزوفنا عن الترجمة وأبدى بعض الأسباب المحتملة.

            المهم إننا بحاجة إلى أن نأخذ مسألة الترجمة على أعلى المستويات في العالم الإسلامي، وأن نعد خطة محكمة وأن نسرع الخطى في هذا المجال فإننا مطالبون أن تكون أمتنا قوية والعلم أول أبواب القوة الحقيقية

            التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:30 ص.
            أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
            والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
            وينصر الله من ينصره

            تعليق


            • #7
              الإسلام و الغرب > اللقاء مع مدير معهد الشرق الأوسط >
              واشنطن العاصمة ليست عاصمة سياسية فحسب بل هي مدينة علمية أيضاً حيث تنتشر فيه المعاهد العلمية ومراكز البحوث والجامعات ،ففيها على سبيل المثال معهد الشرق الأوسط، ومعهد الولايات المتحدة للسلام، والمعهد العالمي للتعليم، ومعهد بروكنجز، ومعهد جون هوبكنج للدراسات المتقدمة، وفيها أكبر مكتبة في العالم هي مكتبة الكونجرس.

              وقد تيسر لي خلال صيف العام الماضي زيارة معهد الشرق الأوسط للتعرف على نشاطاته وأهدافه واهتماماته، مع العلم أنني عضو فيه وأتسلم مجلته الدورية (مجلة الشرق الأوسط)، والتقيت خلال هذه الزيارة رئيس المعهد السفير روسكو سودارث Roscoe Suddarth ورغبت أن أجري معه لقاءً صحافيا، ولكن ضيق الوقت لم يمكنني من ذلك. وعندما زار السفير المملكة بعد ذلك بعدة أشهر انتهزت الفرصة وقدمت له بعض الأسئلة وهذه ترجمة لإجابتها.

              ولا شك أننا مدعوون للمشاركة في نشاطات هذه المعاهد ومراكز البحوث والجامعات؛ بابتعاث العلماء لقضاء بعض الوقت في هذه المؤسسات العلمية لنقل صورة عن النشاطات العلمية في المملكة ولإعطاء صورة صحيحة عن المملكة وعن الإسلام، وكذلك للإفادة من الإمكانيات البحثية المتوفرة هناك. وقد أبدى السفير روسكو في حديثه ترحيبه بالباحثين من المملكة وأبدى إعجابه بالأكاديميين السعوديين الذين التقاهم في كل من الرياض وجدة والظهران.

              السؤال الأول: يبدو أن وسائل الإعلام في العالم العربي لا تهتم كثيراً بالجهود الجادة التي تبذلها بعض المعاهد في الغرب لتقديم نظرة متوازنة للقضايا الخاصة بالشرق الأوسط ، فهل لكم أن تحدثونا بإيجاز عن معهد الشرق الأوسط؟

              سودراث: إن معهد الشرق الأوسط قد نذر نفسه منذ خمسين سنة لهدف واحد وهو تقديم نظرة محايدة للقضايا الخاصة بالشرق الأوسط- من المغرب حتى الباكستان- لرفع وعي الأمريكيين. وإننا كمعهد لا نتخذ موقفاً رسمياً حول القضايا بل نحاول أن نكون وسطاً للتعبير عن الآراء المسؤولة والتي تكون غالباً متناقضة وجدلية في محاولة لإعطاء قرائنا وأعضاء المعهد الفرصة لاتخاذ الموقف الذي يرون. إننا نعتقد بأن هذا الأسلوب قد أعطانا مصداقية كمضارب أمين وهو ما نفتخر به وأعطانا سمعة طيبة.



              السؤال الثاني: علمت أنكم تنون الاحتفال في العالم القادم بمرور خمسين سنة على إنشاء المعهد فما خططكم لهذه الاحتفالات؟

              سودارث: إننا نخطط لعقد ندوة لتخليد هذه المناسبة. إنها ستكون للاحتفال بخمسين سنة متواصلة من الاهتمام بالشرق الأوسط. وبهذا فنحن أقدم معهد يهتم بالشرق الأوسط في أمريكا. لقد كانت بداية الحرب الباردة وأهمية الشرق الأوسط الإستراتيجية هي التي قادت النائب الأمريكي كريستيان هيرتر Christian Herter (وزير الخارجية فيما بعد) وآخرون للإسراع في تأسيس المعهد. لقد أثبتوا بعد نظرهم، كما أثبتت ذلك أيضا الأحدث المهمة التي وقعت في الشرق الأوسط في الخمسين سنة الأخيرة.

              وسيعقد المؤتمر في واشنطن هذا العام (1996م) في نادي الصحافة القومي في الفترة من 27إلى 29 سبتمبر 1996م، وسيكون موضوعه(خمسون سنه في الشرق الأوسط)، وأعتقد بأن هذا الموضوع سيكون إطاراً ممتازاً. وبنهاية الحرب الباردة وبالنهاية الناجحة للأخطار الأمنية في الخليج العربي والخطوات الكبرى في عملية السلام فإن عام 1996م يبدو وقتاً مناسباً لإلقاء نظرة ناضجة على الماضي والحاضر والمستقبل في الشرق الأوسط. لقد رتبنا أن نجمع أفضل الكفاءات: العلمية والاقتصادية والحكومية من الأمريكيين وغير الأمريكيين ليتحدثوا عن الخمسين السنة الماضية حول النجاحات والتحديات التي ما تزال تواجهنا ولتعطينا نظرة أبعد حول هذه القضايا أفضل مما هو متاح في العادة. ونأمل أيضاً أن نحتفل بمعهد الشرق الأوسط وأن نفيد من المناسبة لتأكيد تكريس المعهد لهدفه المنشود في زيادة فهم الأمريكيين لهذه المنطقة الحيوية، ليس ما يهم القضايا الأساسية في الخليج وعملية السلام، ولكن أيضا الجبهة الجديدة وهي أواسط آسيا أيضاً.

              السؤال الثالث: علمت أن أحد مشروعاتكم البحثية بمناسبة مرور خمسين سنة على تأسيس المعهد هو القيام ببحوث حول أوضاع الشرق الأوسط السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية .هل اخترتم الباحثين للقيام بهذه الدراسات وإذا تم ذلك فهل أخذتم في الاعتبار تنوع خلفيات هؤلاء الدارسين؟

              الجواب: كما ذكرت فإننا نخطط لاستضافة عدد من المتحدثين من دول مختلفة. أؤمن بحماس في اكتشاف هذا المجال المليء بالمتخصصين من المنطقة نفسها، ودعني أكن صريحاً فمن الطبيعي أن هؤلاء لديهم معرفة أكثر عمقاً بمنطقتهم من الباحثين الأجانب. وفي هذا الشأن لدينا عالم أردني مقيم هذا العام وأحاول أن أحصل على تمويل لزيادة مرافقنا لنتمكن من زيادة عدد العلماء الذين نستضيفهم من الشرق الأوسط. إن تأسيس مركز بحث قوي هو احد أهداف حملتنا لجمع التبرعات في مناسبة مرور خمسين سنة على المعهد.ونرحب بطلبات الالتحاق من الباحثين السعوديين الذين يرغبون بقضاء فصل دراسي أو سنة كاملة في معهد الشرق الأوسط.

              السؤال الرابع : عقدتم في السنوات الماضية عدداً من الندوات والمؤتمرات حول لعض القضايا المعاصرة في العالم العربي وبخاصة الصحوة الإسلامية -والتي يطلق عليها خطاً الأصولية- وكان بعض المشاركين غير متعاطفين مع الموضوع ، فهل تخططون لدعوة متحدثين لهم وجهات نظر مختلفة؟

              الجواب:إن الإسلام المعاصر هو أحد الأولويات في اهتمامات معهد الشرق الأوسط وسنخصص له إحدى ندواتنا الخمسة التي ننوي عقدها في مناسبة مرور خمسين سنة على المعهد. ونبذل جهودنا حالياً لنجد علماء محترمين ذوي آراء متعددة للحديث حول هذا الموضوع.

              السؤال الخامس: الرجاء إعطاء القراء فكرة عن طبيعة زيارتكم للسعودية وما تنوون إنجازه في هذه الزيارة؟

              الجواب: لزيارتي للسعودية معنى خاص لدي حيث إن هذه الزيارة تأتي بعد خمس سنوات من الزيارة الأخيرة وبعد عشر سنوات منذ أن عملت في السفارة الأمريكية في الرياض وفي جدة. يبقى انطباعي واحد وهو الاستقرار الأساسي للملكة. وبالرغم من التكاليف الباهظة لحرب الخليج والتي كانت عبئاً ثقيلاً على الميزانية فإن التطلعات الاقتصادية للمملكة مشجعة جداً. لقد غادرت السعودية بإحساس قوي بالصداقة المتبادلة من كثير من أصدقائي القدامى وزملائي الذين رأيت.

              السؤال السادس: هل سبق أن اشترك أي باحث سعودي في نشاطات المعهد ؟وإن لم يكن فهل تخططون لدعوة باحثين سعوديين للعمل معكم مستقبلاً؟

              الجواب:لم يسبق لأي باحث سعودي أن عمل رسمياً باحثاً مقيماً في المعهد ونأمل أن نستطيع تغيير الوضع قريباً .الرجاء تشجيع الباحثين للتقدم إلى المعهد. لقد قابلت العديد من الأكاديميين السعوديين الذين أعجبت بهم في جدة وفي الرياض وفي الظهران وآمل أن تستمر علاقاتنا . ونأمل أيضا أن يزورنا الباحثون السعوديون عند زيارتهم للولايات المتحدة.

              السؤال السابع: هل ترى مستقبلاً تعاوناً بين معهد الشرق الأوسط والجامعات السعودية أو مراكز البحوث ؟

              الجواب: آمل بصدق أن نستطيع ترتيب تعاون بين المعهد والجامعات السعودية ومراكز البحوث. لقد أصبحت رئيس المعهد منذ ستة أشهر فقط ولذلك آمل أن تقوم أنت بدورك لتطوير هذه العلاقات وتشجع على تقوية هذه العلاقات من جانبك .

              التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:30 ص.
              أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
              والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
              وينصر الله من ينصره

              تعليق


              • #8
                الإسلام و الغرب > ليتعلم الغرب منّا ولنتعلم منه >
                يقولون "فلان أدركته مهنة الأدب" لما في هذه المهنة من مشقة ومعاناة ، ويمكن أن نضيف قولاً جديداً وهو " فلان أدركته حرفة الصحافة" وقد أدركتني هذه الحرفة حتى إنني أتصفح أو أطالع عدة صحف يومياً. ومن توابع هذه المطالعة القيام بعمل بعض القصاصات التي يمكن الإفادة منها في كتابة مقالاتي. وقد وجدت في اليومين الماضيين بعض القصاصات التي تتناول ما يمكن أن نتعلمه من الغرب. فقلت نعم ثمة ما يمكن أن نتعلمه من الغرب، ولكن في الوقت نفسه يمكن للغرب أن يتعلم منّا الكثير. وإنني في هذه المقالة سأعرض بعض الصور من الحياة الغربية التي لا حل لها إلاّ في قيم الإسلام وأخلاقه. وأكمل ببعض ما يمكن أن نتعلمه من الغرب.

                قدمت الإذاعة البريطانية باللغة الإنجليزية قبل عدة أشهر تقريراً حول الاغتصاب وموقف النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب، فكان مما جاء في التقرير أن كثيراً من النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب يتعرض له مرة ثانية وثالثة. وأكدت كثير منهن أن الأحكام التي يصدرها القضاء تعد خفيفة ، كما أنهن يتعرضن للمضايقات من أهالي المتهمين ومن الشرطة وحتى من القضاء. وقبل سنتين تقريباً نشرت جريدة التايمز تقريراً عن المضايقات والتحرشات التي تتعرض لها النساء العاملات في سلك الشرطة حتى بلغت درجة لا تطاق ، فقام إدارة الشرطة البريطانية بتكليف مؤسسة للبحوث النفسية بدراسة هذه الظاهرة.

                ومن المشكلات التي يعاني منها المجتمع الأمريكي فقدان الأبناء والبنات في سن صغيرة (من السادسة حتى السادسة عشرة)، وقد كونت جمعيات تقوم بمهمة البحث عن الأبناء المفقودين. وقد بلغ أعضاء هذه الجمعيات عشرات الألوف. فلماذا يفقد الغربيون أبناءهم وبناتهم؟ لقد حدث في الدنمرك اكتشاف بعض الجرائم ضد الصغار وهي استغلالهم جنسياً وقتلهم. وقد عقدت مؤتمرات عالمية للبحث في مشكلة استغلال الأطفال جنسيا(تجارياً). وكنت قلت في مقالة لي عندما تعرض بعض أطفال أوروبا للخطر تداعت كل دول العالم لتبحث لهم عن حل ، أما أطفال العالم الذين يموتون جوعاً وقتلاً وتشريداً فمن لهم ؟ وأطفال البوسنة ونساء البوسنة لم تجف دماؤهم بعد.

                هذه المشكلات الأوروبية تحتاج إلى حلول وليعلم الأوروبيون أن الحل موجود عندنا في الإسلام في نظام الأسرة الإسلامي وفي نظامنا الأخلاقي. فما أروعها من كلمات تلك التي قالها جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنه أمام النجاشي عندما سأله عن الإسلام فقال:" أيها الملك كنّا قوماً على الشرك، نعبد الأوثان ونأكل الميتة ، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لانحل شيئاً ولا نحرمه، فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له ،ونصل الرحم ونحسن الجوار ونصلي ونصوم ولا نعبد غيره."

                أما ما يمكن أن نتعلمه من الغرب فأبدأ بمقالة أميمة الخميس" الشرق الأوسط" (15شعبان 1415هـ) التي تشير فيه إلى أن كثيراً ممن يكتبون عن الغرب يتناولون السلبيات وينسون أن في الغرب جامعات ومسارح ودور ثقافة " التي تظل قلاعاً محكمة نائية بحاجة إلى عزيمة أكيدة وثابتة لاقتحامها." نعم إننا بحاجة لاقتحام تلك القلاع الحضارية الثقافية لنعرف كيف تسير الحياة الثقافية في الغرب، ولنسهم في فعالياتها.

                وتناول الدكتور أنس كتبي في مقالته المعنونة (ماله ثانٍ) موقفين متباينين من الغرب أحدهما الموقف المنبهر الذي ينادي باتخاذ الغرب قدوة ومقياس حضارة، والموقف الآخر الذي لا يرى في الغرب إلاّ على أنه "بؤرة فساد وانحلال"، وينادي في مقالته بأنه ثمة في الغرب ما يؤخذ بقوله:"مغالطة القول بأنه ليس لدى أقوام الغرب ما يحتذي به من التجارب في العلوم والبحث واحترام العلم وتقنية النظام. المغالطة الأكبر هي أن ننسى أننا أمة فكر ومنهج وقيم وحضارة لنجوب الأرض نتسوق المنهج والفكر...”

                وكتب الدكتور علي شويل عن الرسائل العليمة في العالم العربي الإسلامي التي تبقى مكدسة في أرفف المكتبات لا يستفيد منها أحد حتى إنك لا تجد ملخصاً شافياً لمعظمها. ولم يشر الدكتور علي إلى أن في الغرب مؤسسة تسمى مؤسسة الميكروفيلم الدولية( International University Microfilm). فالمطلوب من كل باحث يحصل على الدكتوراه أو الماجستير أن يوقع عقداً يسمح بموجبه لهذه المؤسسة أن تحتفظ بنسخة من بحثه وأن تبيع نسخة ورقية أو ميكروفيلمية من رسالته لمن يريدها . فلماذا نستطيع أن نحصل على أي رسالة جامعية في أمريكا وكندا وأوروبا ولا نستطيع الحصول على أي رسالة علمية في عالمنا العربي الإسلامي إلاّ بشق الأنفس.

                وكتب جاري في الصفحة الأستاذ خالد عبد الرحيم المعينا مقالة بعنوان (متى نستفيد من تجارب الآخرين) ضمنها الحديث عن عمليات مسح القدرات التي تقوم بها الوكالة البريطانية لقياس القدرات (BSA) وفائدة مثل عمليات المسح هذه في تقويم العملية التعليمية عندنا. وأود أشير إلى أن في الولايات المتحدة الأمريكية مؤسسات مماثلة حتى إن إحدى تلك المؤسسات أعدت دراسة تكلفت عدة ملايين من الدولارات خرجت بنتيجة تقول ( هل نحن أغبى مما كنّا نظن)، وقد ختم الأستاذ المعينا مقالته بعبارة جميلة قال فيها: "ولفائدة مجتمعنا يكون من الضروري التعلم من أخطاء الآخرين وتجاربهم، ولهذا يجب أن نستفيد من ذلك المسح الإنجليزي لكي نتفادى الجهل الحسابي الذي تعاني منه بريطانيا"

                التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:30 ص.
                أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                وينصر الله من ينصره

                تعليق


                • #9
                  الإسلام و الغرب > حوار مع المستشرق برنارد لويس >
                  لهذا الحوار قصة طريفة، فقد سبقه مراسلات بين الباحث والمستشرق، وقد اتسم رد لويس بالتردد والممانعة. كما إنه كال التهم جزافاً للباحثين والمؤرخين في دول العالم (غير الحر) من حيث عدم تمتعهم بما يتمتع به الباحثون في (العالم الحر) من حرية الرأي، وأن بحوثهم لا تخضع للرقابة أو التوجيه من أي جهة دينية أو غيرها.

                  وكان من أسباب تردده في قبول لقاء الباحث أولاً اعتقاده بأن منهجه لا يكفي أن يكتب فيه بحث دكتوراه؛ فمنهجه لا يختلف عن منهج الباحثين في "العالم الحر"، وقد أوضحه في أحد كتبه. وثانياً خوفه من أن يكون الباحث متعصباً ضد المستشرقين، وأنه ينطلق في بحثه من وجهة نظر مسبقة ويبحث عن أية أدلة تؤيده. وطلب لذلك أن يطلع على فصل من الرسالة. ولما أبلغته بأنني لم أشرع في الكتابة بعد، أصرّ على أنه لا يستطيع أن يرتب معي موعداً حتى يطمئن إلى توجهي بالرغم من أنني بعثت إليه بصورة معدّلة من خطة البحث وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.

                  ولمّا أدركت صعوبة إقناعه بإعطائي موعداً وكنت في حاجة للمادة العلمية لبحثي، فقد قررت السفر. وحالما وصلت برنستون كان لويس قد غادرها في رحلة إلى جنوب شرق آسيا مدة أسبوعين. فكانت فرصة مناسبة أن أنشغل بجمع المادة العلمية، وإجراء المقابلات مع المستشرقين الآخرين في الجامعة وحضور النشاطات الاستشراقية. وما إن رجع حتى أدرك أنني مصرٌ على اللقاء فكانت هذه الأسئلة وإجابات لويس عليها، وبالرغم من أنني ناقشت هذه الإجابات في ثنايا رسالتي للدكتوراه لكنني أقدّم تعليقاً موجزاً عليها هنا.

                  تقسيم العالم إلى(عالم حر) و(عالم غير حر)

                  إن هذا التقسيم قصد به أصلاًَ التمييز بين الغرب الرأسمالي والعالم الشيوعي، ولم يقصد به التفريق بين المؤرخين في العالم الإسلامي والعالم الغربي. ولويس هنا أو في كتاباته الأخرى لم يقدم أي دليل على صحة هذا التقسيم. والحقيقة أنه كم من مؤرخ من ما يسمى (العالم الحر) كان أبعد عن الموضوعية والإنصاف من المؤرخين من البلاد الأخرى. وهذا الرأي يدل على تعصب لويس للغرب.

                  إنكار لويس وجود الأرشيفات والوثائق

                  لاشك أن مسألة الوثائق والأرشيفات من المسائل المهمة للمؤرخ، ولئن كانت معظم الوثائق الإسلامية قد ضاعت بسبب الظروف التي مرت بها الأمة الإسلامية، لكن المؤرخين الذين دونّوا لنا هذا التاريخ الضخم لم يغب عن أذهانهم أهمية الوثائق. فقد اطلع بعضهم على هذه الوثائق ودونها في مؤلفاته فهي موجودة بمضمونها وإن ضاعت. وقد أطنب لويس في الحديث عن أهمية الوثائق ليوهم المستمع إليه بأن التاريخ الإسلامي ليس موثوقاً كما هو الحال مع التاريخ الأوروبي أو تاريخ الدولة العثمانية. وقد نسي لويس أهمية وثائق البردي، أو وثائق الجنيزة التي أخذها الأوروبيون واحتفظوا فيها في متاحفهم ومكتباتهم. ومما يثبت وجود الوثائق في التاريخ الإسلامي كتاب الدكتور محمد حميد الله مجموعة الوثائق السياسية للعهد الأموي والخلافة الراشدة، وينبغي الإشارة كذلك لجهود محمد ماهر حمادة في مجلداته المتعددة حول الوثائق الإسلامية، حيث بنى هذه المجلدات على احتفاظ المصادر الإسلامية بنصوص الوثائق.

                  ثانيا: موقفه من الحديث

                  كرر لويس هنا تشكيكه في الحديث الشريف،وهو ليس بدعاً في هذا الأمر فقد سبقه كثير من المستشرقين في هذا. ولكن لويس وغيره لا يكلفون أنفسهم عناء معرفة الجهود العظيمة التي بذلها العلماء المسلمون لحفظ الحديث والحكم عليه. كما إنهم نسوا أن المحافظة على الحديث تعد ديناً عند المسلمين. وزيادة على كل ذلك فقد عرف العرب بالقدرة العجيبة على الحفظ فقد كانوا يحفظون القصائد الطوال، ويحفظون الأنساب، ويحفظون وقائع العرب. ولذلك فحفظ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم كان أولى.

                  أمّا تفضيله كتب الطبقات على الحديث وعدها اكثر موثوقية، فهذا مما يعجب له الإنسان. فالطبقات كتبها أناس قد تخضع أو لا تخضع لمعايير علم الحديث في التثبت من السند والرواية. وإن كنّا نعتقد أن صفة الصدق هي ألزم صفات المسلم.

                  التغيرات في منهج لويس

                  أكد لويس أن منهجه تعرض للتغير بزيادة نضجه بتقدمه في السن وبازدياد معرفته. وأشار إلى بعض أساتذته ونصحهم له بقراءة كتب عن الثورة الرومانية لفهم الثورة العباسية. وهذا من منهج الإسقاط فكيف يمكن للتغير في الحكم في الدولة الإسلامية أن يشبه التغير في الدولة الرومانية؟ وكذلك أشار لويس إلى أن الأسوة الحسنة تكون في الدين فقط أما في كتابة التاريخ أو أمور الدنيا فهناك اكتشافات جديدة ...الخ. وهذا عكس المفهوم الإسلامي المبني على قوله تعالى {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين.} فالأسوة الحسنة في جميع أمور الحياة.

                  التناقض بين إجابة لويس وواقع كتابته للتاريخ الإسلامي

                  أسهب لويس في انتقاد بعض المستشرقين في تعصبهم وعدم نزاهتهم، ومن الأمثلة التي أوردها المستشرق هنري لامانس، وكذلك موقف المستشرقين الشيوعيين من الإسلام. ولكن لويس نفسه من أكثر المستشرقين تعصباً ضد التاريخ الإسلامي، وبخاصة عند تناوله لقضايا الصراع العربي الإسرائيلي وفي تناوله لموضوع الصحوة الإسلامية. وهو مثل لامانس في إثقال حواشي صفحاته بالمراجع والتوثيق بينما يهمل التوثيق في القضايا الحساسة المهمة. وقد أشار طيباوي الى هذه المسألة.

                  والموضوعية التي يزعمها لويس لنفسه قد ناقضها في معظم ما كتب، ومن أول شروط الموضوعية احترام المسلمات التي يؤمن بها القوم الذي تكتب تاريخهم. فلم يكن مطلوباً من لويس أن يؤمن بالنبوة -مثلاً- كما يؤمن بها المسلمون، ولكن كان عليه أن يحترم عقيدة المسلمين في هذه المسألة. ومن مجافاة لويس للموضوعية أنه أهمل كل الجهود التي بذلها العلماء المسلمون في الحفاظ على نقل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا ليزعم أن النقد الحديث أثبت عدم موثوقية الحديث. وكأن النقد الحديث أفضل من جهود العلماء المسلمين.

                  التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:30 ص.
                  أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                  والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                  وينصر الله من ينصره

                  تعليق


                  • #10
                    الإسلام و الغرب > لماذا نهتم بما يقولون؟ >
                    للبروفسور إدوار سعيد رأي مفاده أننا تأخرنا في الاهتمام بالغرب أو بالولايات المتحدة الأمريكية بخاصة. ولاشك أن الاهتمام الذي يقصده سعيد يختلف عما أعنيه في هذه المقالة. فالبروفسور سعيد يرى قوة أمريكا وهيمنتها في الشؤون العالمية ولذلك فاهتمامنا بنقل وجهات نظرنا إليهم قد يجعلهم يميلون إلينا أو على الأقل ربما يقفون على الحياء بيننا وبين أعدائنا.

                    يمكن أن ينقسم اهتمامنا بالغرب عدة أقسام كما يأتي:

                    أولا: دراسة علمية أكاديمية فاحصة لتطور موقف الغرب منا منذ ظهور الإسلام حتى العصر الحاضر. وذلك بأن تدرس متى بدأ الغرب يهتم بالإسلام وتتعرف على أبرز اتجاهات الدراسات الغربية للإسلام. وهذه هي دراسة الاستشراق بداياته وأهدافه ودوافعه ومدارسه وأعلامه.. الخ

                    ثانيا: دراسة موقف الغرب من الإسلام والمسلمين في القرن العشرين وذلك بالتعرف إلى المدارس الاستشراقية المعاصرة ومراكز الدراسات الاستشراقية والمعاهد العلمية وأبرز أعلام الاستشراق، وكذلك علاقة الاستشراق بمراكز صناعة القرار السياسي في الغرب.

                    ثالثا: دراسة الغرب ذاته من الناحية التاريخية والسياسية والاجتماعية والجغرافية والاقتصادية والثقافية...الخ لا بد أن تعرف جذور الفكر الأوربي ليس لنفخر بأثر حضارتنا الإسلامية ونمن على العالم بذلك ولكن جذوره اليونانية واللاتينية. ونتعرف إلى واقع الحياة الأوربية بدقة. انظر إلى القرآن الكريم كيف تحدث عن موقف العرب في جاهليتهم من المرأة {وإذا بضر أحدهم بالأنثى ظل موجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به } الآية. فلو لم تكن هذه المعرفة بطبيعة مجتمع الدعوة مهمة لما اهتم بها والأدلة على ذلك واضحة وصريحة وكثيرة. ومن سبيل هذه المعرفة كما سماه البعض علم الاستغراب أو الدراسات الأوروبية والأمريكية بأن تتعلم لغات القوم أولا ثم التخصص في المجالات العلمية المختلفة شريطة أن يتزود الباحث أولا بالعلوم الشرعية الإسلامية ليكون لديه المعيار والميزان الذي يمكنه من الحكم بإنصاف على القضايا التي يدرسها.

                    ولما كان الغرب في الوقت المعاصر يواصل دراساته للإسلام وبالذات لمحاولة المسلمين النهوض ورفض الهيمنته الغربية وذلك من خلال مراكز البحوث والجامعات وأقسام دراسات الشرق والأوسط، وعقد عشرات المؤتمرات والندوات وإصدار الكتب والدوريات فكيف نستطيع أن نغفل كل هذه الجهود وقد كتب الدكتور أحمد بن يوسف في كتابه ((الصحوة في منظار الغرب) يقول: (( إن الفهم المتوازن لظروف وأوضاع المسلمين يقتضي تقويما واقعيا، لمدى قوتهم الراهنة، وعلاقاتهم بالقوى الدولية المختلفة ذات المصالح المتعددة والمتشابكة في العالم الإسلامي، مثل هذا التقويم الواقعي يستلزم منا عدم الاقتصار الو التقويم داخل وجهات نظرنا في أنفسنا والتي هي في أغلبها منحازة تطيب الاتكاء على أمجاد الماضي، إننا بحاجة إلى استيعاب وتفهم كافة الاتجاهات الدولية سواء اتخذت موقف موضوعية أو معادية أو متخوفة أو محذرة من الصحوة الإسلامية المعاصرة بصفتها نمن أكثر الظواهر أهمية ليس فقط بالنسبة للاستقراء السياسي للعالم الإسلامي الذي يقع معظمه داخل ما يسمى بحزام عدم الاستقرار، وإنما أيضا لتأثيرات تلك الصحوة على مصالح القوى الدولية في العالم الإسلام ي من حيث موقعه الجغرافي المميز والممرات البحرية التي يتحكم فيها ومصادر الطاقة والموارد الضخمة الكامنة فيه)).

                    ويمكن أن نضيف سببا آخر وهو أننا أمة الشهادة وأننا الأمة الوسط وقد قال الإمام القرطبي في تفسير ذلك ((أنبأنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه بما أنعم علينا من تفضله لنا باسم العدالة وتولية خطير الشهادة على جميع خلقه فجعلنا أولا مكانا وإن كنا آخر زمانا)) ويقول سيد قطب: ((إن هذه العقيدة منهج حياة كامل. وهذا المنهج هو الذي يميز الأمة المستخلفة الوارثة لتراث العقيدة الشهيدة على الناس المكلفة بأن تقود البشرية كلها إلى الله..)) ومسؤولية الشهادة تتطلب من هذه الأمة أن تكون واعية مدركة لما يحث في هذا العالم من أحداث، وما يعج فيه من مذاهب وأفكار. إن الغرب الذي يرى نفسه في مكان القيادة والسيادة والسيطرة يحرص على أن يمسك بزمام المعرفة بأحوال العالم ولا يألو جهدا في دراسة كافة الشعوب وإلا فلماذا تجعل مكتبة الكونجريس لها مندوبا في كل ركن من أركان الأرض ليجلب غليها كل ما يصدر مهما كانت قيمة العلمية. إنهم لا يفعلون ذلك ليفخروا بضخامته مكتبتهم ولكن ليعرفوا.

                    وأختم بآية كريمة توضح أهمية ما يقوله الغرب مما يمكن أ يؤثر في أفراد من الأمة أولئك الأعداء الداخلين وهذه الآية جاءت حول تغيير القبلة)سيقول الشهداء من الناس ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ( اللهم بصرنا بالحق وبالعمل به والحمد لله رب العالمين.



                    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:29 ص.
                    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                    وينصر الله من ينصره

                    تعليق


                    • #11
                      الإسلام و الغرب > بين الأمس واليوم: المواجهة الفكرية >
                      للعلاقة بين الإسلامي والغرب جوانب عديدة وتمتد إلى قرون طويلة تبدأ من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب {إلى كلمة سواء}، وأمره سبحانه وتعلى دعوة أهل الكتاب بالحكمة والموعظة الحسنة{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وقد استجاب المسلمون لهذا الأسلوب ووجد النصارى في الإسلام وحكومته العدل والمساواة، فأقبلوا عليه زرافات وحدانا فدخلوا في دين الله أفواجا.

                      هذا الإقبال من النصارى على الدخول في الإسلام حتى أصبحت أغلبية في بلاد كانت نصرانية مسلمة وأصبحت اللغة العربية لغتهم، هذا الإقبال أثار الحقد في نفوس المنفذين من رجال الدين النصارى وزعمائهم السياسيين ولا سيما حينما اجتمعت السلطة السياسية والدينية في أيدي رجال الدين النصارى.

                      وعند ما تمرد الأوربيون على سلطات رجال الدين النصارى وانتقلت أوربا إلى العلمانية ومن التأخر إلى الثورة الصناعية وما بعد الثورة الصناعية ظلت العداوة للإسلام تنتقل من السلطة السابقة إلى السلطة الحديثية.

                      وفي هذا المقال أقدم صورة من العداوة الفكرية التي يتزعمها الغرب ضد الإسلام والمسلمين أمهد لها بقصة من السيرة النبوية حينما حاول ملك الغساسنة النصارى دعوة أحد المسلمين للالتحاق به وترك دينه عندما كان هذا الصحابي الجليل يمر بعقوبة قررها الرسول صلى الله عليه وسلم لخطأ ارتكبه.

                      عندما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للاشتراك في غزوة تبوك وكان الجو صيفا قائظ الحر، وكانت الظروف الاقتصادية صعبة جدا. وقد تختلف حوالي ثمانون رجلا منهم كعب بن مالك رضي الله عنه الذي تعرض للحظة ضعف بشري. فقد اشترى الراحلة وكان مترددا بين الاشتراك في الغزوة أو البقاء في المدينة ينعم بالظل الظليل والزوجة والأبناء. وظل في تردده حتى عاد المسلمون من غزوتهم وقد كتب الله لهم عز وجل الأجر الكبير {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا تغيظ الكفار ولا ينالون من عدد نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين}فعاد المسلمون إلى المدينة فأما المنافقون فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أعذارهم وأوكل سرائرهم لله عز وجل. وبقي ثلاثة من الصحابة عرفوا بالصدق والإيمان فكان لا بد من تربيتهم لإصلاحهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقاطعتهم حتى إن زوجاتهم أمرن أن يعتزلنهم وقد وصف القرآن الكريم حلهم أدق وصف وأبلغه في قوله تعالى {وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه}

                      وفي هذه الأثناء علم ملك الغساسنة النصارى بالشام لمأساة هذا الصحابي فأراد استغلالها بدعوة هذا الصحابي ليلحق به في الشام تاركا دينه وما يعانيه من عقوبة. ولكن ملكا رضي الله عنه تنبه للأمر. قد بلغ مني ما وقعت فيه أن طمع فيّ رجال من أهل الشرك. فذهبت بها (رسالة الملك) إلى تنور فسجرته بها (أي ألهبته بالرسالة)

                      وبعد قرون من موقف ملك النصارى الغساسنة تأتي جمعيات ومعاهد أدبية فتستقطب بعض الكتاب المسلمين أذين هربوا من بلاد هم أو منعت كتبهم من التداول. أو بعض من نالوا الاهتمام عند بعض الأوساط الأدبية المتنفذة لكنهم لا يخطون عجبة وقبول عامة الأمة الإسلامية.

                      ففي بريطانيا مثلا ثمة معهد الآداب المعاصرة (الذي يزعم أن من أهدافه توفير المكان للتعبير عن وجهات النظر المتعددة). وهذه الآراء هي آراء الفنانين والكتاب وكتاب الدراما وصناع الأفلام ،وقد استقدم هذا المعهد عددا من الكتاب والأدباء العرب لعرض آرائهم. وكان من هؤلاء محمد شكري الكاتب المغربي الذي تقول عنه نشرة المعهد أنه من أبرز الشخصيات الأدبية في المغرب. فأي معايير استخدمها هذا المعهد ليطلق على هذا الكاتب هذه الأوصاف المبالغ فيها، أليس هذا الكاتب هو صاحب (الخبز الحاف) الذي يحكي قصة حياته عند ما كان عتّالاً في شوارع طنجة، وفي هذا الكتاب شتم أباه وأهله ولم يتناول إلا الجوانب السلبية في حياته مع مبالغة في تصويرها. وهذا الكتاب ممنوع في معظم الدول العربية. فهل أخطأت البلاد العربية جميعها وأصاب هذا المعهد؟ هل ظلم الكاتب في بلاده وها هو المعهد البريطاني ينصفه.

                      واستضاف المعهد نفسه نوال السعداوي. والمرأة الداعية إلى ما تزعم أنه تحرر المرأة المسلمة. وإنما هو انحدار إلى السفور والخروج على القيم الإسلامية الرفيعة. وقد أصبحت نوال السعداوي ضيفه كل ندوة ومؤتمر يعقد في الغرب للدعوة لتحرير المرأة المسلمة بزعمهم. فهل احتاج المسلمون إلى أمثال نوال السعداوي لترشدهم للطريقة الصحيحة لمعاملة المرأة؟

                      وكان للفرنسيين دورهم في تشجيع المارقين المنحرفين حينما قررت جمعية فرنسية منح جائزة للوقاحة لكاتبين من المغرب، وقد كانت وقاحة هذين الكاتبين الدعوة إلى المنكر والفحشاء والبغي، لقد كتب الكاتبان باللغة الفرنسية حيث حصلا على ثقافتهما بهذه اللغة. ومن العجب أن تطلب الجمعية الفرنسية من الدول العربية تكريم هذين الكاتبين الفائزين بجوائز الوقاحة، هل كان على المسلمين أن يتنافسوا قول الله عز وجل {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}.

                      ما أشبه الليلة بالبارحة ملك نصارى يدعو مسلما لترك دينه واللحاق به، ولكن ذلك المسلم كان قوي الإيمان معتزا بعقوبته فقابل الدعوة بما تستحق، أما نحن اليوم فنجد هؤلاء الكتاب يتهافتون على هذه الدعوات ويبالغون في الانتقاص من عقيدتهم حتى إن أحدهم لا يرى في استخدام كاتبة إيرانية لاسم فاطمة لإحدى شخصيات روايتها إلا أنه يحمل مرجعيات تقليدية. يحضر مؤتمر أدبيا وهو لا يحسن التلفظ بجملة صحيحة في اللغة الإنجليزية.

                      إننا بحاجة ماسة للوقوف في وجه هذه الحرب الموجهة ضد عقيدة هذه الأمة وقيمها من خلال رجال منا يحملون أسماء إسلامية ويكتبون بلغات إسلامية ولكنهم من أشد الحاقدين على الإسلام. ولا يمكن أن تكون المواجهة إلا بتكثيف الجهود في دعوة أصحاب الفكر السليم لعقد الندوات والمؤتمرات وإلقاء المحاضرات ونشر الفكر الإسلامي الصحيح. والله والموفق.



                      التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:29 ص.
                      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                      وينصر الله من ينصره

                      تعليق


                      • #12
                        الإسلام و الغرب > لو لم يكن اسمي فرانسوا >
                        من الأمور التي يتميز بها الإعلام الغربي في وسائله المختلفة من إذاعة وتلفاز أنه يسعى إلى المتخصصين ليسألهم رأيهم في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تهم جمهور المشاهدين والمستمعين. وحول أوضاع الجزائريين في فرنسا كان لهيئة الإذاعة البريطانية لقاء مع البروفيسور فرانسوا بورغات حول معاملة الحكومة الفرنسية للمسلمين المقيمين في فرنسا سواءً من ذوي الأصل المغاربي أو الفرنسيين الأصليين، فأبدي فرانسوا رأياً صريحاً بأن المسلمين يعانون من أنواع كثيرة من التفرقة ضدهم. وأضاف لو لم يكن اسمي فرانسوا لاعتقلتني السلطات الفرنسية منذ زمن بعيد فهم لا يعجبهم أن ينتقدهم أحد بمثل انتقاداتي.

                        وقبل أيام استضاف أحد برامج راديو وتلفزيون العرب عدداً من المغتربين في فرنسا وأوروبا وتحدث أحدهم عن الهجمة الكبيرة ضد الإسلام والمسلمين وكان متحمساً جداً ضد ما يعانيه المسلمون من معاملة سيئة. ومما ذكره أن أكثر من مليوني جزائري يعيشون في فرنسا منذ استقلال الجزائر بعد أن كانوا يحاربون في صف القوات الفرنسية ضد الجزائريين أنفسهم، هؤلاء –كما قال المتحدث- يعانون معاناة شديدة في الوقت الذي كان على فرنسا أن تحسن إليهم وتكافئهم على ما قدموه من خدمات لها. فهاهم لا يستطيعون الرجوع إلى الجزائر ولا يستطيعون تحقيق حياة كريمة في فرنسا.

                        وذكر المتحدث في البرنامج الفضائي (ليت البرنامج يضع لوحة بالأسماء)، أن معاداة الإسلام والمسلمين هي ديدن وسائل الإعلام الفرنسية ومن الأمثلة على ذلك أن صحيفة الحرية (Liberasion) الفرنسية نشرت خبراً عن قيام عامل مسلم جزائري بقتل زوجته لأنه شك في سلوكها وأنه استند إلى القرآن الكريم في ذلك. وقال المتحدث بأنه اتصل بالصحيفة وطلب التحدث إلى المحرر المسؤول، وسأله هل يمكن أن تخبرني عن النص القرآني الذي استند إليه القاتل في قتل زوجته فها هو المصحف بين يدي ، ثم أضاف ولكني أجد أن القرآن لم يسمح له بقتلها وإنما طلب منه أن يأتي بأربعة شهداء وأن يرفع أمرها إلى القضاء الإسلامي. وهنا بدأ المحرر بتوجيه سيل من الشتائم للمتصل. وأضاف المتحدث يمكنك في فرنسا أن تصل إلى أعلى درجات المجتمع إذا كنت عربياً وكان اسمك جورج أو ميتشال أمّا أن يكون اسمك محمد أو محمود أو حامد فمن المستحيل أن يتقبلك المجتمع الفرنسي.

                        وقريباً من هذا الحديث ما ذكره البروفيسور المسلم الألماني مراد هوفمان في محاضرته القيمة التي ألقاها في مهرجان الجنادرية قبل عدة أعوام بعنوان (العقلية الأوروبية والإسلام) تناول فيها ما أطلق عليه السوق المركزي للأديان وتنوع المعتقدات في المجتمعات الأوروبية وأنها أصبحت تعددية بالفعل كما نادي الملك البروسي فردريك الثاني في القرن الثامن عشر بأنه يجب أن يسمح لكل إنسان أن يسعى إلى الخلاص بطريقته الخاصة وقد حدث هذا بالفعل وختم عبارته بالقول :" يمكنك أن تتبع الماركسية الجديدة… أو أن لا تتبع أي دين أو تكون ملحداً أو لا أدرياً ولا أحد يهتم بذلك ولكن عليك أن تحذر شيئاً واحداً : أن لا تكون مسلماً.وفي الحقيقة إن التعددية الحديثة وتسامحها المطلق يختفيان بحدة في وجه الإسلام."

                        وقدم هوفمان أمثلة على عدم تسامح المجتمعات الأوروبية مع الإسلام ومن ذلك أنك عن أردت أن تبني مسجداً فلا بد أن تتدخل البلدية بحساب كل متر من ارتفاع المنارة ويزعمون أن مصانع الإسمنت وغلايات الغاز تناسب البيئة الأوروبية وليس المنارة. ولو كنت مسلماً فعليك أن تحصل على تصريح للحصول على لحم حلال ويرفض طلبك بينما يستثنى اليهودي من الذبح بحجة أنه من الشعائر الدينية.

                        ولمزيد من الأمثلة فانظر كيف يعامل الإعلام الإرهاب والتطرف فإنه لم يطلق قط على هتلر بأنه "كاثوليكي" أو ستالين "النصراني الأرثوذوكسي"، ولم يطلق على فرانكو "الكاثوليكي الفاشي". ولكن إن ظهر مسلم مسلح فسوف يطلق عليه " مسلم متطرف" حتى لو كان ملحداً أو شيوعياً أو نصرانيا فلسطينيا".

                        وقد ذكر الدكتور مراد هوفمان بعض النماذج في محاضرته القيمة التي ألقاها في الجنادرية، كما أنقل بعض المقتطفات التي أوردها فهمي هويدي في مقالته في مجلة المجلة(16-22أغسطس1998م) نقلاً عن كتاب هوفمان الجديد بعنوان: الطريق إلى مكة الذي صدر عن دار الشروق بالقاهرة.

                        لقد ذكر هوفمان أنه حاول عزل جذور معاداة الإسلام في الغرب فحددها بأربعة عوامل هي: العقلية الغامضة والأبلسة، والعقلية الصليبية، والصدمة الصليبية وداء الإهانة والحسد بما في ذلك الغيرة الجنسية ورابعاً القلق الخاص من العرب والأتراك. ويضيف بأن هذه العناصر الأربعة هي التي تكون العقلية الأوروبية ولا يعني ذلك أن عداء الإسلام يجري في الدم ولكن هذه العناصر متوارثة وهي التي تكون الذاكرة الجمعية للأمة.

                        وتناول نظرة أوروبا إلى انتشار الإسلام باكتساح الممالك النصرانية ودخول كثير من النصارى الإسلام بالزعم أنه انتشر بالنار والسيف ومع بطلان هذا الافتراء تاريخياً إلاّ أن هذا الاعتقاد مازال موجوداً لدى البعض. أما الدفاع الآخر فإن أوروبا توجهت إلى الطعن في نبي الإسلام حتى إن المستشرقة الألمانية كتبت تقول:" لم يعرف التاريخ شخصية أثارت من الخوف والكراهية وحتى الاحتقار أكثر من شخصية محمد(صلى الله عليه وسلم) في العالم النصراني وحتى دانتي في (الكوميديا الإلهية) عبر عما يشعر به عدد كبير من النصارى في القرون الوسطى" ويضيف هوفمان بأن هذه النظرة ما تزال قائمة والدليل على ذلك ما كتبه سلمان رشدى واحتفال أوروبا به حتى عندما قالت آنا ماري شميل أن ما كتبه رشدي آذى مشاعر ملايين المسلمين، انطلقت نيران الانتقاد لها في ألمانيا مما يبرهن أنه حتى في عام 1995 ما تزال غير صحيح سياسياً إظهار أي تعاطف وتفهم للإسلام."

                        وتناول هوفمان العقلية الغربية التي ترى أن أوروبا هي مركز العالم وأن جذور الحضارة الأوروبية تعود إلى اللاتين واليونان متجاهلين تماماً التأثير الإسلامي مقنعين أنفسهم أن حضارتهم أو ما يطلق عليه (مشروع التحديث ( من الأفضل أن نطلق عليها طريقة الحياة الأمريكية) هي الأفضل وهي قمة الحضارة ولا بد أن تسود العالم.

                        وتناول هوفمان العقلية الصليبية وتأثيرها في نظرة الأوروبيين إلى الإسلام وقال:" إن العقلية الصليبية مستيقظة جداً وحية وهي التي تفسر الإمبريالية الثقافية التي ظهرت في كتابة فرانسيس فوكوياما وصموئيل هاتنقتون. وتتلخص نظرتهم بأن العالم الإسلامي سوف يختفي عاجلاً أو آجلاً أو يصبح هامشياً وهذه الأفكار يمكن أن نعيدها إلى تفكير ما يمسى عصر التنوير الأوروبي."

                        ومهما كانت الأوضاع فعلينا أن ننظر بعدل إلى المسألة فقد أتيح للمسلمين من حرية العبادة في أوروبا وممارسة الحياة الكريمة ما لم يتح لهم في عدد من الدول العربية الإسلامية. وقد حصلوا على اعتراف بعض الولايات الألمانية التي قدمت الدعم للمدارس الإسلامية وحصل مثل هذا في بريطانيا بعد معركة طويلة قادها يوسف إسلام. ولذلك فإن ما كتبه الأستاذ عبد الحليم خفاجي بعنوان المستقبل للإسلام في أوروبا وكذلك ما صرّح الدكتور حتحوت (ونقله الدكتور زهير السباعي في مقالته (المدينة المنورة 23ربيع الآخر 1419هـ) بأن أمريكا أرض خصبة لبث الدعوة فيها حتى ظهر من بين المسؤولين الأمريكيين من يعلن بأن الإسلام إذا انتشر في منطقة فإنها تصبح متميزة بالروابط الاجتماعية القوية بين أفرادها وتصبح نظيفة من الجريمة والمخدرات والزنا (تصريح للسفير الأمريكي في لقاء في جدة قبل سنتين أو أكثر)

                        وهاهي الثمار تظهر بقيام سمو الأمير عبد العزيز بافتتاح مسجد لوس أنجلوس ومسجد أدنبره كما أكد سموه على أن الإسلام دين تسامح ومحبة وأنه دين سلام ورحمة للعالمين.وسيكون هذان المركزان بالإضافة إلى المراكز الأخرى التي أنشأتها المملكة منارات إشعاع وهداية. وكل هذا يدل على أنه مهما كانت معاداة الإسلام هناك فإن المستقبل لهذا الدين بإذن الله.

                        التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:29 ص.
                        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                        وينصر الله من ينصره

                        تعليق


                        • #13
                          الإسلام و الغرب > الإجابة عن أسئلة صحيفة ( الجزيرة) >
                          نحن والغرب نعيش في عصر تقاربت فيه المسافات حتى تكاد تتلاشى لما استحدث الغرب من وسائل اتصال عملاقة، وإن هذا العصر إن أريد إطلاق اسم عليه فهو بحق عصر تفجر المعلومات. والجميل في الأمر أن هذه الثورة المعلوماتية متيسرة للجميع في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وإن كان حجم الإفادة منها واستخدامها يتفاوت بيننا وبين الغرب كثيراُ.

                          ولهذا الأمر جوانبه الإيجابية والسلبية؛ فمن إيجابياته على سبيل المثال أننا نستطيع استخدام وسائل التقنية الحديثة في الاتصالات في نقل وجهة نظرنا إلى العالم وتبصيره بالإسلام وقضاياه والرد على الحملات التي جعلت الإسلام هدفها.

                          وأما سلبيات هذه الثورة المعلوماتية فهي أنها ما تزال في أيدي الدول الغربية تستخدمها في نشر الفكر والثقافة الغربيين. ففي الوقت الذي دخلت فيه الدول العربية الإسلامية مجال البث الفضائي نجد أن الاعتماد ما يزال إلى حد كبير على الإنتاج الغربي. وتقول الإحصائيات بأن أكثر من خمسين بالمئة من البث الفضائي تستورده هذه القنوات، والقنوات العادية من الغرب ويأتي سبعين في المئة من هذه النسبة من الولايات المتحدة الأمريكية.

                          وتتجلى هذه السيطرة في مجال تبادل الأخبار حيث تستأثر وكالات الأنباء الغربية بمعظم التبادل الإخباري ويسيطر الغرب على 80بالمئة من موجات الأثير، وكذلك الأمر في مجال الصحافة، وفي مجال الكتاب وغيره من مجالات التبادل الثقافي.

                          إذا كانت هذه هي حقائق التدفق الإعلامي والفكري في العصر الحاضر الذي يستند إلى تاريخ طويل من المواجهة بين الشرق والغرب، أو بتعبير أدق بين الإسلام والغرب النصراني، فإن من المطلوب من الطرفين إذا أرادا تجاوز هذه المواجهة إلى الحوار أن يعترفا بحقيقة هذا التاريخ، وهذا الواقع قبل الانتقال إلى مرحلة الحوار.

                          عندما ظهر الإسلام وكان العالم موزعاً بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، لم يقبلا بالمنافس الجديد كما تصوراه فتحركت جيوشهما للمواجهة ولكن كان المسلمون في ذلك الحين قد أدركوا أن انتظار هجوم العدو عليهم في عقر دارهم سيجعل الغلبة له لذلك تحركت جيوش الفتح الإسلامي . وكانت بلا شك رحمة للعالم من الأنظمة التي كانت تحكمه عن طريق الاستبداد والظلم والطغيان مما جعل الشعوب التي كانت خاضعة لهاتين الإمبراطوريتين تقبل على الدخول في الإسلام وتقبل بحكم الدولة الإسلامية لما نشرته من العدل والحرية الحقيقية.

                          ولكن الكنيسة الغربية أدركت أن عليها أن تتحرك لتمنع سقوط مزيد من الأراضي النصرانية، فكان أن شجعت ترجمة معاني القرآن الكريم وتحريفه وشجعت كل ما من شأنه تنفير الشعوب النصرانية من الإسلام . وكانت الكنيسة تدرك أن معرفة النصارى بالإسلام سيفقدها سيطرتها لأنه ليس في الدين الإسلامي مؤسسة مماثلة للكنيسة التي كانت تستبد بأوروبا في النواحي العقدية و السياسية والاقتصادية والثقافية. وكانت هذه بداية للدراسات الاستشراقية ولكنها لم تتحول إلى مجال معرفي وعلم قائم بذاته له فروعه وتخصصاته المختلفة حتى القرن الثامن عشر حين أنشأ سلفستر دي ساسي (مدرسة اللغات الشرقية الحية في باريس) والتي أصبحت كعبة للمستشرقين من جميع أنحاء أوروبا.

                          واستطاعت أوروبا منذ نهاية الحروب الصليبية وحتى بداية حملات الكشوف الجغرافية وما تلاها من حركة استعمارية أن تعود إلى البلاد الإسلامية، بعد أن استطاعت أوروبا أن تبني نهضتها العلمية والثقافية والصناعية وهي في هذه الأثناء أبدعت نظريات فلسفية جعلتها هاديها ودليلها للسيطرة على الشعوب الأخرى، وتتلخص هذه النظريات في نظريات التفوق العرقي أي تفوق الأجناس البيضاء على الشعوب الأخرى، وابتدعوا فكرة أن من مهمات الرجل الأبيض تحضير بقية شعوب العالم.

                          ولا شك أن جذور هذه النظريات تعود إلى عقدة وعقيدة أوروبية راسخة وهي عقدة النظرة الأحادية أو عقدة التفوق والتعصب. فالإمبراطورية اليونانية عندما احتلت البلاد الأخرى قامت بفرض اللغة اليونانية والثقافة اليونانية مما أطلقت علي "أغرقة" الشعوب الأخرى، وهو ما يطلق عليه في العصر الحاضر "التغريب" بصفة عامة و إلا فأن الفرنسيين وهم أشد الأوروبيين تمسكاً بفلسفة الأغرقة يطلقون على صبغهم مستعمراتهم واستمرار صبغ الدول التي كانت مستعمرة بالفرنسة.

                          وورث الرومان الفلسفة اليونانية، ثم جاءت الدول الأوروبية القومية فقامت بحركات الاحتلال التي أطلقت عليها الاستعمار فسعت إلى محو اللغات المحلية ومحو الشخصية والهوية لهذه الدول بحجة تحضيرها، وأطلقت على هذا الأمر التحديث وإن كان التحديث في معناه اللغوي ليس بالأمر السيئ وكذلك مصطلح التحديث بمعنى الإفادة من معطيات العصر ليس مرفوضاً لكن صبغ الشعوب بالصبغة الغربية الأوروبية أمر يرفضه المسلمون.

                          والدليل على التعصب الأوروبي ما كتبه الدكتور محمد عمارة في كتابه الغزو الفكري وهم أم حقيقة من أن انتشار النصرانية في شمال أوروبا كان بقوة السلاح، حيث خرجت جيوش الدولة الرومانية تجتاح الشعوب المتبربرة الشمالية لنشر النصرانية، كذلك ما حدث في مجمع نيقية عام 325 ميلادية من إقرار أربعة أناجيل واعتبار الأناجيل الأخرى باطلة أو مزيفة وهو قرار اتخذ بقوة السلطة الرومانية. وقد بلغت هيمنة السلطة الرومانية على العقيدة النصرانية أن قال المستشرق المشهور مونتجمري وات في آخر كتبه حقيقة الدين في عصرنا() أن النصرانية تأورمت* أكثر مما تنصرت الإمبراطورية الرمانية. ويؤكد هذا التعصب الأوروبي الحروب الدينية التي قامت بعد ظهور حركة مارتن لوثر وزيفنغلي وكالفن وغيرهم حيث استمرت هذه الحروب عشرات السنين . وعرفت أوروبا ما أطلق عليه (محاكم التفتيش) التي استخدمتها أسبانيا في اضطهاد المسلمين .

                          وهكذا فإن أوروبا منذ بدأت حملات الاحتلال وهي تحاول فرض مبادئها وقيمها على الشعوب الأخرى حتى وصلت إلى استخدام هيئة الأمم المتحدة في ذلك في منظماتها المختلفة وتجلى ذلك واضحاً في المؤتمرات العالمية الأخيرة ومنها: مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة في سبتمبر 1994م، ومؤتمر التنمية الاجتماعية في كوبنهاجن، ثم أخيراً وليس آخراً مؤتمر المرأة العالمي الرابع في الصين في سبتمبر 1995م.

                          وكان من أخطر الوسائل التي اتخذها الاستعمار بالتعاون مع التنصير إنشاء المدارس في البلاد المستعمرة، وفرض النظم الغربية في مجال التعليم بحيث تم تقسيم التعليم إلى تعليم ديني وتعليم علماني مادي. وشارك في هذه الجهود التنصير بمدارسه المختلفة وكلياته وجامعاته. وحصل الغرب على الفرصة لفرض التغريب عن طريق البعثات العلمية إلى ديار الغرب فاستطاعوا أن يجتالوا عدداً من هؤلاء المبتعثين عقدياً وفكرياً وأخلاقياً.

                          وقد حرص الاستعمار الغربي بعد رحيله عن البلاد العربية الإسلامية أن يترك فيها السيطرة للتوجه العلماني المادي الغربي ومكّن لهم، وهذا ما وصفه الأستاذ محمد قطب بقوله "خرج المستعمر الأبيض وترك خلفه المستعمر الأسمر".

                          ولكن أمة الإسلام في خير دائماً وإلى خير فنهضت الشعوب الإسلامية تطالب بالعودة إلى الشريعة الإسلامية؛ لتحكم حياتها في السياسة، وفي الاقتصاد، وفي الاجتماع، وفي التعليم، وفي جميع شؤون الحياة. وكانت هذه الحركات قد بدأت بذورها قبل رحيل الاستعمار فحاربها المحتل الأوروبي بشتى الوسائل. وتسلم الزمام بعد رحيل الاستعمار حكومات جربت النظم الغربية والشرقية في الحكم فكان للاشتراكية والشيوعية والنظم الرأسمالية مكانها في حياة الأمة الإسلامية ولما ثبت فشل هذه النظم جميعاً في تحقيق النهضة الحقيقية للبلاد الإسلامية نهضت الحركات الإسلامية من جديد وهذه تركيا التي بذل فيها مصطفى كمال وأنصاره من دعاة العلمانية والتغرب كل جهودهم لربط تركيا بأوروبا، حتى إنني ما زلت أذكر أن مرشداً سياحياً كان يشرح أمراً على خريطة تركيا فقال: "نحن الدولة الرابعة في أوروبا من حيث المساحة." فتعجبت من ربطه تركيا بأوروبا، ولكن ها هي تركيا يفوز فيها حزب الرفاه الإسلامي بأعلى نسبة من المقاعد في البرلمان التركي.

                          واعتقد الغرب خطأً أن الصحوة الإسلامية تهدد مصالحه في المنطقة فانبرى يحاربها من هذا المنطلق ومن المنطلق العقدي التعصبي الذي أشرنا إليه آنفاً. فكان من وسائل الحرب أن تخصص منه عدد من الباحثين لدراسة الصحوة الإسلامية دراسة عميقة فعقدوا المؤتمرات والندوات لدراسة هذه الصحوة. وأصدروا الكتب والدراسات والبحوث. واستخدم الغربيون في دراساتهم هذه كثيراً من رموز العلمانية في العالم العربي الإسلامي. وكان الخطأ هنا في أنهم قبلوا من أعداء الصحوة الإسلامية أو من تلاميذ الغرب المتغربين أن يقدموا لهم المعلومات عن هذه الاتجاهات التي يعادونها مثلهم.

                          وأخذت الحرب ضد الحركات الإسلامية شتى الوسائل ومنها حرب النعوت والألقاب. ولا يظن ظان أن هذا أسلوب جديد ابتدعه الغرب فقد فعل الكفار والمشركون مثلهم مع جميع الرسل والأنبياء ومن ذلك نعت الأنبياء بالجنون وأنهم الأراذل وأنهم سحرة وغير ذلك من الألقاب والنعوت. أما في العصر الحاضر فمن هذه النعوت التي أطلقت على الحركات الإسلامية أو التوجه الإسلامي أو النهضة الإسلامية: التطرف، والتشدد، والحركات المسلحة، والإرهاب والأصولية. وقد كتب الدكتور سعيد بن عبد الله سلمان من كلية عجمان التقنية بحثاً بهذا الخصوص أوضح أن "الأصولية" مثلاً التي ينعتون بها الحركات الإسلامية إنما هي حركة يهودية ونصرانية (مجلة الباحث عدد 60، تشرين أول 1993م) وفند حججهم في هذه الحرب الظالمة .وقد اشترك في هذه الحرب معظم المجلات الغربية حتى التي تزعم لنفسها الابتعاد عن الموضوعات الجدلية مثل مجلة ( المختار) Readers Digest .

                          ويزعم الغرب أن الحركات الإسلامية تعادي الغرب وتعادي النهضة والتحديث(مر معنا القصد من التحديث) ومما يدحض هذه الفرية الواقع التاريخي للأمة الإسلامية التي لم تنهض إلاّ حينما كانت متمسكة بالإسلام؛ حتى إن الملك جورج الرابع بعث أبناءه وأبناء إخوته إلى الأندلس ليدرسوا في المعاهد الإسلامية وذيّل خطابه إلى الحليفة المسلم بعبارة (خادمكم المطيع). ويدحضها ما في القرآن الكريم من إشارة إلى أن الإنسان مستخلف في الأرض لعمارتها، وقد أوردت آيات القرآن الكريم الكثير من الصور للحضارة والمدينة. ومما يشجع على العلم والتفكر أن عبارات (تعقلون ويعقلون وتتفكروا ...تؤكد بوضوح على أن الإسلام دين العلم والفكر حتى إن الأستاذ عباس محمود العقاد رحمه الله أصدر كتاباً بعنوان التفكير فريضة إسلامية.

                          هذه الموجة الاستعدائية للإسلام والمسلمين ليست قاصرة على الحركات الإسلامية بل تطول الشأن الإسلامي كله وقد كتب الأستاذ محمد صلاح الدين - وهو من الكتاب الإسلاميين المرموقين_ في جريدة " المدينة المنورة" (عدد 11986،في 9رمضان 1416) يشير إلى موقف رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية فيليب ساجان من الحجاب الإسلامي وتشبيهه بعادة حمل الصليب الذهبي فكان مما كتبه الأستاذ محمد صلاح الدين:" هذا تفكير غريب دون شك ومنطق أغرب، فأنت تمنع تقليداً موجوداً ويمارس منذ زمن على نطاق واسع لمجرد منع تقاليد أخرى لا وجود لها من الظهور. وهذا تصرف انتقائي واستعدائي لا يدفع إليه غير التحيز والتمييز." وأشار الكاتب في مقالته إلى موقف بريطانيا من عزم مؤتمر وزراء العدل الأوروبيين على إصدار قانون أوروبي ضد التمييز وطالبت بريطانيا في وثيقة سرية ألا يتضمن القانون أي مادة تدعو إلى منع الإهانة أو إشاعة الحقد أو التمييز على أسس دينية. وأشار الأستاذ محمد صلاح الدين إلى أن الدوافع خلف هذه المذكرة هو الخوف من تعرض سلمان رشدي للمحاكمة على هذا الأساس. وتساءل الأستاذ محمد صلاح الدين عن الدوافع البريطانية لهذا الموقف بقوله:" هل هو الحب المفرط لسلمان رشدي الذي يدفع بريطانيا لمعاداة الإسلام وشعوبه بمعارضة توفير حماية قانونية أوروبية ضد التمييز والإهانة على أساس الدين أم هو ضعف وهوان المسلمين؟"

                          وكتب الأستاذ محمد صلاح الدين أيضاً مقالة رائعة حول قضية المسلمين في اليونان وفي تراقيا وحول الخلاف بين تركيا واليونان على جزيرة صخرية في بحر إيجه ووقوف اللجنة الأوروبية في صف اليونان دون دراسة حقيقية للموقف سوى أن اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي بينما تركيا دولة مسلمة. وكان مما كتبه :" إن ما حدث ويحدث للمسلمين الأوروبيين سواءً كانوا سلافيين أو أتراكاً أو يونانيين هو شهادة دامية مؤسفة على إخفاق الحضارة الغربية الأخلاقي المروع، وازدواجية معاييرها وسلوكها، كما إنه شاهد على ضعف الأمة وهوانها على نفسها وعلى الناس." كما أوضح الأستاذ محمد صلاح الدين الجهود التي بذلها اليونانيون والقبارصة اليونانيون أيضاً في دعم الصرب في حربهم الوحشية ضد المسلمين في البوسنة، حتى إن الكنيسة الأرثوذكسية فرضت ضريبة تقتطع من رواتب القبارصة اليونانيين لدعم الصرب.(المدينة المنورة عدد12006 في 29رمضان 1416هـ)

                          ولا يكتمل الحديث عن هذه المواجهة دون الإلمام بالجانب الايجابي الذي يتزعمه بعض المفكرين والساسة الغربيين ـ وإن كانوا يسبحون ضد التيارـ فقد ظهر الأمير تشارلز أمير ويلز وولي العهد البريطاني في محاضرة عامة في مركز أكسفورد للدراسات الاسلامية قبل عامين تقريباً ليطالب الغرب بالتوقف عن الحملات الظالمة ضد الإسلام، وطالب بمحاولة فهم الدين الإسلامي فهماًَ صحيحاً، وأشار إلى فضل الحضارة الإسلامية على الغرب. وكان موقف الرئيس الألماني من تقديم جائزة السلام للباحثة الألمانية آنا ماري شميل موقفاً إيجابياً. وفي الباحثين الأمريكيين وغيرهم من الأوروبيين من له كتابات جميلة عن الإسلام ومن هؤلاء على سبيل المثال البرفسور جون اسبوزيتو. وهناك أيضا من الباحثين الغربيين المعاصرين من لم يتأثر بالعداء التقليدي للإسلام في الغرب.

                          ويطيب لي أن أستشهد بما كتبه الأستاذ عبد الحليم خفاجي في كتابه مستقبل الإسلام في أوروبا بأن الإسلام سيشهد مستقبلاً مشرقاً في أوروبا؛ وذلك لما توفره وسائل الاتصال وكذلك الأنظمة العلمانية التي تكفل حرية التدين لجميع رعاياها.

                          تثمين جهود المستشرقين في خدمة التراث الإسلامي،خروجاً من العدائية ووصولاً إلى غاية معرفية إنسانية.

                          اهتمت الدراسات الاستشراقية في إحدى مراحلها بجمع المخطوطات الاسلامية ونقلها إلى الغرب والقيام بحفظها وفهرستها وأحياناً تحقيق بعضها ونشره.وهي جهود بلا شك تستحق الشكر والثناء، فالمرحلة التي جاب المستشرقون والرحالة الغربيون الديار الإسلامية بحثاً عن المخطوطات كان الكثير من هذه المخطوطات عرضة للضياع والإهمال وحتى الامتهان حيث كان الجهل والتخلف متفشيين في البلاد العربية الاسلامية.

                          ولكننا حين نريد تقويم جهود المستشرقين يجب علينا أن لا نكتفي بالظاهر بل علينا أن ندرس المخطوطات التي حققوها ونشروها ؛ هل كان تحقيقهم مبنياً على أسس علمية ، وما المخطوطات التي قاموا بتحقيقها ؟ هل اهتموا بتحقيق ما يظهر تفوق المسلمين ونبوغهم وعبقريتهم أو حققوا من المخطوطات ما يخدم أغراضهم؟ كانت بعض المخطوطات التي أخرجها المستشرقون من المصادر الأساسية في التاريخ الإسلامي وفي العقيدة الاسلامية فهذا مما يشكر لهم ولكن بعضهم وأذكر مثالاً واحداُ فقط وهو المستشرق آرثر جيفري الذي اهتم بالمخطوطات المتعلقة بالقرآن الكريم كانت له أخطاؤه الفادحة في هذا المجال. وأود أن أشير إلى بحث تكميلي أعده الزميل الأستاذ طلال ملوش في تقويم منهج هذا المستشرق في تحقيق كتاب (مقدمتان في علوم القرآن لابن عطية ومؤلف مجهول). وقد أشار الدكتور عبد العزيز قارئ في كتاب له عن المستشرقين والقرآن الكريم لأخطاء المستشرقين في هذا المجال.

                          ومع ذلك فينبغي الوقوف عند بعض جهودهم البارزة في خدمة التراث الإسلامي فها هو المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف الذي لا تكاد تخلو منه مكتبة إسلامية، ولا يستغني عنه المشتغلون بالدراسات الاسلامية مع وجود العديد من الكتب التي اهتمت بفهرسة الحديث النبوي الشريف. وينبغي الإشادة بجهود المستشرق كارل بروكلمان في كتابه تاريخ الآداب العربية الذي قدم فيه جهداً واضحاً في تتبع المخطوطات العربية .

                          إن إدراكنا لأخطاء المستشرقين وأهدافهم المشبوهة، لا يمنعنا من الاعتراف لهم بالجهود التي بذلوها في المحافظة على كثير من المخطوطات التي كان من الممكن أن تضيع لولا هذه الجهود. وهم إن خدموا أهداف بلادهم فهذا أمر طبيعي أن يخدم المرء أهداف بلاده ويدافع عنها.

                          اختلاف إجراءات البحث العلمي في دراسة بعض فروع المعرفة الاسلامية وهل حققت جهود الباحثين في هذا المجال ما يخدم الفكر الإسلامي؟

                          إذا كان المقصود باختلاف إجراءات البحث العلمي في دراسة بعض فروع المعرفة بيننا وبين الغرب ،فلا بد من القول أولاً بأن العالم الإسلامي هو رائد المنهج العلمي في البحث وهو رائد أيضاً في توفير سبل البحث العلمي للباحثين ولولا عناية الأمة الاسلامية بالبحث العلمي لما وجدنا هذا التراث الضخم الذي لم نحقق بعد إلا أقله وما زال الكثير منه في بطون خزائن المخطوطات في الشرق والغرب.

                          وعندما عانت الأمة الإسلامية من التخلف في شتى المجالات ومنها بلا شك مجال البحث العلمي فكان لا بد من الاستنارة بما هو موجود فعلاً في العصر الحاضر وليس أمامنا مثال أوضح من عناية الغرب بالبحث العلمي . ولذلك بدأت البعثات العلمية تنطلق من العالم الإسلامي منذ ما يزيد على قرنين من الزمان لدراسة شتى مجالات العلوم المختلفة من العلوم التطبيقية كالهندسة والطب والعلوم الأخرى وكذلك العلوم النظرية أو ما يطلق عليها العلوم الإنسانية. ونعرف أن الهدف من الابتعاث كان رغبة من أولياء الأمور في العالم الإسلامي ملاحقة ركب التطور والتقدم في العالم ولكن كان للغربيين أهدافاً أخرى من قبولهم المبتعثين من البلاد العربية الإسلامية وفي تشجيعهم الابتعاث كما حكى محمود شاكر في كتابه القيم رسالة في الطريق إلى ثقافتنا عن مستشاري محمد علي والمسؤولين الفرنسيين عن المبتعثين المصريين، وكان يقصد المستشرق جومار. ومن أهداف الغرب في الابتعاث أن تتاح لهم الفرصة لنشر فكرهم وثقافتهم وقيمهم عن طريق هؤلاء المبتعثين. ولكن هذا الابتعاث وفر للأمة الإسلامية المعرفة بمناهج البحث العلمي الجديدة وتقنياته، ولئن رجع بعض المبتعثين ينشرون الفكر الغربي فإن من المبتعثين من استطاع أن يفيد من معطيات البحث العلمي الغربية ويزداد تمسكاً بعقيدته الإسلامية والمثل والقيم الإسلامية. والواقع يدلنا على أن كثيراً من الباحثين الذين درسوا في الغرب هم الذين تصدوا لمناقشة شبهات وافتراءات الغربيين على الاسلام والثقافة الاسلامية.وأذكر بعض الأمثلة على ذلك مثل الدكتور محمود حمدي زقزوق(وزير الأوقاف المصري الحالي) والدكتور قاسم السامرائي والدكتور إدوارد سعيد والدكتور علي النملة والدكتور عاصم حمدان والدكتور محمد خضر عريف وغيرهم

                          نعم لقد حققت جهود الباحثين في هذا المجال الكثير لخدمة الفكر الإسلامي وأوضحت مكان االإسلام في الفكر العالمي ،وقد أدرك بعض الغربيين تفوق المسلمين في كثير من المجالات حتى إنه نشأت جمعية الشيباني للعلاقات الدولية في ألمانيا تخليداً لذكرى العالم المسلم أبي الحسن الشيباني صاحب أول موسوعة عليمة في مجال العلاقات الدولية في كتابه (السير الكبير) .

                          وفي الختام أشكر القسم الثقافي في جريدة الجزيرة وبخاصة الأستاذ محمد الدبيسي على اهتمامه بإعداد هذا الملحق وتوجيه هذه الأسئلة، وأرجو أن يستمر الاهتمام بقضايا العلاقات بين الإسلام والغرب.

                          ثاني أيام عيد الفطر المبارك 1416هـ

                          - الحواشي :
                          * قمت بترجمة الكتاب وقام بالتعليق عليه ونقده الدكتور عبد الراضي، وأرجو أن ينشر قريباً.
                          التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:29 ص.
                          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                          وينصر الله من ينصره

                          تعليق


                          • #14
                            الإسلام و الغرب > الإسلام والغرب في وسائل الإعلام الغربية >
                            موضوع الإسلام والغرب من موضوعات الساعة، وأصبح يطرق بكثرة في وسائل الإعلام ،فلمَ هذا الاهتمام والزخم الإعلامي الكبير حول هذا الموضوع؟

                            لقد دأبت وسائل الإعلام الغربية على الاهتمام بالإسلام والمسلمين منذ ظهور الحركات الإسلامية بقيادة العلماء المسلمين داعية إلى التحرر من النفوذ الغربي، وكان تناولها لهذه الحركات يتسم بالهجوم على هذه الحركات ووصمها بالتعصب والدعوة إلى كره الأجنبي. وتناولت قضايا محدودة في الإسلام كمسألة علاقة الإسلام بالحضارة الغربية، وموضوع المرأة، ووضع الأقليات غير المسلمة في البلاد الإسلامية، لقد اهتمت وسائل الإعلام الفرنسية مثلا بحركة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)، كما اهتمت الصحافة الإنجليزية والأمريكية بحركات التحرر في البلاد التي كانت خاضعة للنفوذ الإنجليزي.

                            وما زلت أذكر مقالة الشيخ عبد الحميد بن باديس (حيث أصدرت ترجمة للشيخ في سلسلة أعلام المسلمين ) بعنوان:"وخز الدبابيس " ينتقد فيها جريدة الطان الفرنسية Le Temps التي سماها "عجوز الصحف الفرنسية" لتناولها الإسلام بأسلوب يتسم بالعداء والتهجم.

                            ولم يتوقف اهتمام الإعلام الغربي بالإسلام وقضايا المسلمين، فالإعلام الغربي بالرغم من أنه ليس إعلاما حكوميا لكنه يميل إلى تأييد مواقف الحكومات الغربية التي تحرص على مصالحها الرأسمالية، والإعلام تملكه (الرأسمالية الغربية) وكان الإعلام الغربي يحارب على جبهتين :الشيوعية والإسلام، وكان يقرن بينهما دائما. حتى إذا سقطت الشيوعية وجد الإعلام الغربي فراغاً كبيراً مما جعله يتجه إلى ملئه بالعداء المضاعف للإسلام. وقد نبهت إلى ذلك نشرة تصدر عن معهد هارتفورد اللاهوتيHartford بمقالة بقلم رئيس مكتب الاهتمامات النصرانية الإسلامية القس مارستون سبايت Rev.Marston Spight حيث ذكر القس أن انتهاء الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي والشيوعي يثير تساؤلاً: هل يصبح الإسلام الشبح الجديد؟ وقد جاء في المقال: "لم تعد قوة العالم الشيوعي تشكل تهديداً كما كانت في الماضي وذلك نتيجة للأحداث الصاخبة والمدهشة في أوروبا الشرقية، وهكذا وجد الأمريكيون الذين كانوا يسهبون في الحديث عن الخطر المفترض من الشيوعية، وجد هؤلاء أنفسهم فجأة محرومين من موضوعهم المحبب...وقال القس: "والسؤال الذي يطرح نفسه هل تختار العناصر (الإعلام) التي تتولى تحذير الشعب الأمريكي من الخطر مجموعة أخرى من البشر لوضعها أمام الجمهور على أنها تهديد لأمريكا والعالم؟ إن الصورة السيئة التي يصوَّر بها الإسلام في وسائل الإعلام الأمريكية تثير انتباه بعضنا إلى جعل الإسلام الشبح الجديد." وقد أكد القس كلامه بأمثلة من الصحافة الأمريكية تتمثل في تلخيص لمقال لكاتب أمريكي هو شارلز كروتهامر Charles Krauthammer .

                            لا شك أن اهتمام القسيس يثير التساؤل، فهل كانت صورة الإسلام في الإعلام الغربي جيدة قبل نهاية الحرب الباردة؟ وكأنّ القسيس يريد أن يبرّئ الإعلام الغربي والمنصرّين من إثارة العداء ضد الإسلام قبل سقوط الشيوعية. وقد نبهت إلى هذا العداء ضد الإسلام وقبل سقوط الشيوعية حينما تحدث نائب الرئيس الأمريكي دان كويل في خطابه الذي ألقاه في حفلة تخريج دفعة من البحرية الأمريكية يوم 30 مايو 1990م، فربط فيه بين الإسلام والشيوعية على أنهما أكبر الأخطار التي تواجه العالم في القرن العشرين، وقد صور نائب الرئيس الحركات الإسلامية بأنها حركات "أصولية متشددة."

                            إن اهتمام وسائل الإعلام بالعلاقة بين الإسلام والغرب له أسباب كثيرة منها: أن معظم البلاد العربية الإسلامية تعتمد حكوماتها على الدعم الغربي في صور عديدة، أهمها الديون الخارجية التي بلغت مئات البلايين من الدولارات، والدعم المعنوي للأنظمة الحاكمة، وأن الغرب هو الذي يرعى مسألة الصلح مع اليهود وهذه نقطة خلاف رئيسة بين الحكومات العربية الإسلامية التي تنفذ مشيئة الغرب وبين الحركات الإسلامية.

                            ولاشك أن في الغرب بعض الأصوات المعتدلة التي تحاول أن تنظر إلى العلاقة بين الإسلام والغرب نظرة موضوعية، ومن هؤلاء أساتذة جامعيون ومفكرون وسياسيون، ويجب أن نتساءل ما حجم هذا التيار المعتدل، وما حجم نفوذه؟ إن الوقت الذي تحدث فيه الأمير شارلز ولي عهد بريطانيا حديثا نال الاستحسان والإعجاب في العالم الإسلامي نتساءل هل له تأثير حقيقي في بلاده؟ الأمير يمتدح الإسلام ورئيس الوزراء يلتقي سلمان رشدي، والحكومة البريطانية تنفق آلاف الجنيهات على حماية هذا المارق، وتبخل بالقليل على المدارس الإسلامية حتى لو كان المتقدم بطلب المساعدة بريطانيا أباً عن جد وهو يوسف إسلام الذي استاء من موقف حكومته فتقدم يشكوها إلى لجنة حقوق الإنسان الأوروبية.

                            التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:29 ص.
                            أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                            والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                            وينصر الله من ينصره

                            تعليق


                            • #15
                              الإسلام و الغرب > كرسي الدراسات الأوروبية والأمريكية >
                              إن إنشاء هذا الكرسي أو الكراسي أو الأقسام للدراسات الأوروبية والأمريكية أصبح ضرورة من ضرورات الدراسات الجامعية؛ ذلك أن هذه الأمة هي أمة الدعوة وأمة الشهادة ومن واجبات الداعية أن يعرف البيئة التي يتوجه إليها بالدعوة. ويعود هذا الأمر إلى بداية الدعوة الإسلامية، فبعد أن لقي الرسول e عدداً من الأوس والخزرج وعرض عليهم الدعوة وسمع منهم شيئاً عن أحوال مدينتهم أرسل معهم مصعب بن عميرt ليعلمهم أمور الإسلام وليتعرف أكثر وأكثر على البيئة الجديدة التي قبلت الإسلام.

                              ولقد كان من ميزات قريش في الجاهلية نشاطها التجاري الذي كان يهيئ لها الفرصة للتعرف على البيئات المحيطة؛ فهذا سهيل بن عمرو t عندما أرسلته قريش لمفاوضة الرسول e وشاهد كيف يعامل الصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام قال: " لقد رأيت كسرى في ملكه ورأيت هرقل في ملكه ولم أر أحداً يحب أحد كحب أصحاب محمد محمدا." وظل هذا ديدن الأمة الإسلامية في معرفة الشعوب الأخرى فقد ظهر منّا رحّالة وجغرافيون وعلماء في عقائد الأمم الأخرى. وفي الحروب الصليبية نجد أسامة بن منقذ في كتابه الاعتبار يعطى صوراً واضحة وصريحة لشخصيات الفرنجة وأخلاقهم ومزاياهم. يتحدث عنهم حديث عالم الاجتماع وعالم النفس وبإنصاف دون تهويل أو تشويه أو تضخيم.

                              لقد ورد في صحيح مسلم وصف عمرو بن العاص t للروم مما يدل على معرفة عميقة بالشعوب المجاورة. فهل اكتفينا أن نكون نحن مجالاً لدراسات الأمم الأخرى وأن نكون كالكتاب المفتوح بالنسبة لهم ليوجهوا حياتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية كما يشاءون؟ إنّ علينا أن نبادر نحن إلى معرفة أنفسنا أولاً معرفة دقيقة ثم نتوجه إلى العالم لنعرفه. فالحاجة ماسة إذن لقيام كراسي للدراسات الأوروبية والأمريكية وأيضاً لا ننسى أننا بحاجة لدراسات حول الشعوب الإسلامية المختلفة وكذلك دراسات جنوب شرق آسيا. إن المعرفة العلمية الأكاديمية أمر ضروري في مجالات كثيرة، فنحن بحاجة إلى لجنة حكومية على مستوى رفيع تبحث في احتياجات المملكة من الأفراد الذين تحصلوا على درجة عالية من المعرفة بالشعوب الأخرى لغة وثقافة واقتصاداً وسياسة. ولهذه اللجنة أن تقدم اقتراحاتها المفصلة للجهات المعنية مثل وزارة التعليم العالي ولا بد أن تتصل اللجنة بوزارة الخارجية وبجهات رسمية أخرى يهمها أن يكون لديها متخصصون في هذه المجالات. ولا بد أن أذكر أن الحكومة البريطانية ألّفت عدة لجان لدراسة أوضاع الدراسات الأوروبية الشرقية والسلافية والشرقية والشمال أفريقية في عام 1947م والثانية عام 1961م، والثالثة عام 1985م والثالثة مازالت تقوم بدراستها حتى الآن ومن أعضائها جرقن نلسن مدير معهد العلاقات النصرانية الإسلامية بجامعة بيرمنجهام.

                              المهم إن رجال الأعمال لدينا بحاجة إلى متخصصين بجوارهم ليفيدوهم في طريقة التعامل مع الشعوب الأخرى. وما زلت أذكر أن الخطوط الهولندية لا تبعث مندوباً للتفاوض مع دولة من الدول قبل أن تزوده بملف كامل عن تلك الدولة يحتوي على معلومات عن أوضاع تلك الدولة عقدياً وتاريخياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً. كما أن وزارة الإعلام بحاجة إلى من يتقن اللغات المختلفة ويعرف ثقافات الشعوب، وكذلك وزارة الخارجية لتدعيم السلك الدبلوماسي بمتخصصين في هذا المجال.

                              لقد خطى منتدى أصيلة خطوة إيجابية في إنشاء معهد للدراسات الأمريكية قبل سنتين ولعله يبدأ في الدراسة في القريب العاجل،- الحقيقة أن المشروع لم ينطلق أبداً ولعله لا ينطلق لأسباب تتعلق بالمؤسسين للفكرة- ولكننا بحاجة إلى عشرات المراكز والأقسام لدراسة مختلف الشعوب الأوروبية والأمريكية والجنوب أسيوية وغيرها.


                              جميع الحقوق © محفوظة لـ مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق 2005


                              التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:28 ص.
                              أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                              والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                              وينصر الله من ينصره

                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 2 أكت, 2023, 02:49 ص
                              ردود 4
                              51 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 12 سبت, 2023, 02:08 ص
                              ردود 0
                              19 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 سبت, 2023, 02:15 ص
                              ردود 0
                              26 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة Islam soldier, 10 أغس, 2023, 06:44 ص
                              ردود 0
                              544 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة Islam soldier
                              بواسطة Islam soldier
                               
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 30 يول, 2023, 11:51 م
                              ردود 3
                              52 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              يعمل...
                              X