تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

solema مسلم اكتشف المزيد حول solema
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

    بسم الله الرحمن الرحيم


    تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة



    سنتناول فى هذا الموضوع بعض المفاهيم الهامة الخاصة بالإعجاز العلمى فى القرآن
    والسنة وهى منقولة بتصرف من دورة تأصيل الإعجاز العلمى فى القرآن والسنةعن
    عن موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمى بالقرآن والسنة ...


    [line]-[/line]


    مقدمة


    الفئات المستهدفة للإستفادة من الموضوع:


    1-- المدرسون.
    2- الباحثون
    3-المهتمون بالإعجاز العلمي.


    لماذا موضوع التأصيل العلمى فى القرآن والسنة :



    1-مواجهة الفتن المرتبطة بمعطيات العلم الحديث.
    2- مواجهة الفكر المادي والإلحادي الذي تحمله وسائل الإعلام العالمية.
    3- الحاجة إلى تعميق الإيمان وتقوية اليقين في نفوس المؤمنين.



    نقاط الموضوع الرئيسية والفرعية :

    أولا :المعجزات وأنواع الإعجاز


    ثانيا : مفاهيم الإعجاز العلمي وأهميته.


    ثالثا : العلم والدين والإسلام.

    3.1 مفهوم الدين.
    3.2 علاقة الدين بالعلم
    3.3 موقف أهل الكتاب من العلم.
    3.4 موقف الإسلام من العلم.
    3.5 دور علماء المسلمين في نهضة البشرية.

    رابعا : العلم بين المفهوم الغربي والمنظور الإسلامي.

    .1 10المفهوم الغربي للعلم.
    4.2 المفهوم الإسلامي للعلم.
    4.3 المقومات الإسلامية للعقلية العلمية.
    4.4 نموذج من التفسير الإسلامي للمفاهيم الغربية للعلمية.

    خامسا : مجالات الإعجاز العلمي في هرم المعرفة الإنسانية

    5.1 مجالات الإعجاز العلمي في هرم المعرفة الإنسانية.
    5.2 ميادين الإعجاز العلمي وحقوله.
    5.3 نماذج من أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    يتبع ...

  • #2
    أولا : المعجزات وأنواع الإعجاز

    1- المعجزة:



    المعجزة في اصطلاح العلماء:


    1. أمر خارق للعادة - أي على غير ما اعتاد الناس عليه من سنن الكون والظواهر
    الطبيعية.

    2. أمر مقرون بالتحدي للمكذبين أو المرتابين.

    3. أمر سالم من المعارضة.
    فالمعجزة أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة.

    و يقصد بإعجاز القرآن: إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى
    الناس بسبب عدم قدرتهم على الآتيان بمثله .

    2- معجزات الرسل:



    لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته : كانت معجزة كل رسول على حسب
    ما اشتهر به قومه وبرعوا فيه , فكانت معجزة موسى عليه السلام لما اشتهر به
    قومه من السحر , ومعجزة عيسى عليه السلام لشهرة قومه بالطب وكانت معجزة
    الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن لقدرة قومه اللغوية وفصاحتهم وبراعتهم
    بالبلاغة وأسرارها , وكان هذا القران يسير على قواعد اللغة المعروفة , ولكنه
    يتفرد بنهج خاص في استخدامها_وهذا احد أسرار إعجازه_.

    3- معجزات رسول الإسلام:



    بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وجعله خاتم الأنبياء
    والمرسلين وأيده بمعجزات باهرات وآيات مبصرات فهو أكثرالرسل معجزة
    وأبهرهم آية الرسل معجزة وأبهرهم آية وأظهرهم برهاناً فله من المعجزات
    ما لا يحد ولا يعد.

    ولما كانت معجزة كل نبي مناسبة لحال قومه وأهل زمانه فإن نبينا محمد
    بعث في زمن الفصاحة والبلاغة فأتى قومه بمعجزة يتحدى بها أهل ذلك
    الأختصاص معجزة تضم معجزات متجددة إلى قيام الساعة إنه القرآن الكريم
    ((لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) ((فصلت:42))



    بعض معجزات الرسول:


    1. الإسراء والمعراج: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
    الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) الإسراء:1



    2. انشقاق القمر: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ
    أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا(( البخارى ومسلم وغيرهما ))


    3. خروج الماء من بين أصابعه صلى الله علية وسلم:

    عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى
    اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ مَا لَكُمْ قَالُوا لَيْسَ
    عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرِّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ
    بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا قُلْتُ كَمْ كُنْتُمْ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ
    لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً (( البخارى ومسلم وغيرهما )).



    4- أوجه الإعجاز في القرآن:



    1- الإعجاز البياني واللغوي.

    2- الإعجاز الخبري (التاريخي).

    3- الإعجاز التشريعي.

    4- الإعجاز العددي.

    5- الإعجاز العلمي.


    1- الإعجاز البياني واللغوي:

    بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوم برعوا في الفصاحة والبيان، فبقدر التخلف
    العلمي والحضاري آنذاك كان التقدم الأدبي والبياني بنفس الدرجة أو أشد.

    وكما جرت عادة الرسل من قبل، جاء كل واحد منهم بمعجزة لقومه فيما برعوا فيه.
    ومما يزيد من الإعجاب أن هذا الإعجاز اللغوي والبياني جاء على لسان نبي أمي،لم
    يعرف القراءة، ولم يتعلم الكتابة، ولم يدرس شيئا مما رواه الأقدمون، ولم يتلق
    علماً في كتاب.

    قد ملك القرآن قلوب الكفار إذ ألان قلب عمر قبل إسلامه حين سمع قوله تعالى:
    (( طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) طه : 1-2


    يأخذ الإعجاز البياني واللغوي صوراً متعددة منها:


    إعجاز النظم: يظل التعبير القرآني جارياً على نسق واحد من السمو في جمال اللفظ
    وعمق المعنى وروعة التعبير، رغم تنقله بين موضوعات مختلفة من التشريع
    والقصص والمواعظ والحجج والوعود والوعيد وتلك حقيقة شاقة، بل لقد ظلت
    مستحيلة على الزمن لدى فحول علماء العربية والبيان.

    دقة الصياغة: بحيث تصلح أن يخاطب بها الناس كلهم على اختلاف مداركهم
    وثقافتهم وعلى تباعد أزمنتهم وبلدانهم، ومع تطور علومهم واكتشافاتهم .

    تداخل أبحاثه ومواضيعه: في معظم الأحيان فإن من يقرأ هذا الكتاب المبين لا
    يجد فيه ما يجده في عامة المؤلفات والكتب الأخرى من التنسيق والتبويب حسب
    المواضيع، أو البحوث المستقلة، وإنما يجد عامة مواضيعه لاحقة ببعضها دونما
    فاصل بينهما، وقد يجدها متداخلة في بعضها في كثير من السور والآيات.

    والحقيقة أن هذه الخاصة في القرآن الكريم، إنما هي مظهر من مظاهر تفرده،
    واستقلاله عن كل ما هو مألوف ومعروف من طرق البحث والتأليف .

    الإعجاز البلاغي في التشبيهات، والاستعارات، والكنايات وغيرها.

    إعجاز نغم القرآن: إنك إذا قرأت القرآن قراءة سليمة، وتلاوة صحيحة. أدركت أنه
    يمتاز بأسلوب إيقاعي ينبعث منه نغم يبهر الألباب، ويسترق الأسماع، ويسيل
    الدموع من العيون ويستولي على الأحاسيس والمشاعر، وأن هذا النغم يبرز بروزاً
    واضحاً في السور القصار والفواصل السريعة، ومواضع التصوير والتشخيص
    بصفة عامة، ويتوارى قليلاً أو كثيراً في السور الطوال ولكنه ـ على كل حال ـ
    ملحوظ دائماً في بناء النظم القرآني.

    2- الأعجاز الخبري (التاريخي):


    ورد في القرآن الكريم ذكر العديد من الأخبار والقصص الدقيقة التي يجب دراسة كل
    منها والوقوف عند دلالاتها المعجزة. ومن هذه الأخبار والقصص:

    · إنتصار الروم البيزنطيين .
    · فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
    · قصة أهل الكهف .
    · نجاة فرعون ببدنه.
    · قصة صلب السيد المسيح .
    · قوم عاد .
    · اسم النبي محمد في كتب النصارى
    · و قالت اليهود عزير بن الله .
    · قصة طوفان نوح عليه السلام.

    3 الإعجاز التشريعي:


    أشتمل القرآن على كثير من المبادئ السامية التي تدل على عظمته وأصالته ومنها :


    · حقوق الإنسان: إذا كان الغربيون يتباهون بأن حضارتهم كانت أول حضارة
    سبقت و أعلنت حقوق الإنسان رسمياً في مختلف دولها لأول مرة في التاريخ
    في القرن العشرين وضعوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و يعتبرونه النموذج
    المثالي لهذه الحقوق فإنهم نسوا أو تناسوا أن القرآن الكريم قد قرر هذه الحقوق
    منذ أربعة عشر قرناً بأسمى مبدأ للبشرية جمعاء يقول تعالى :
    ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
    أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (الحجرات:13).

    والخطاب في هذه الآية موجه للناس جميعاً و أنهم خلقوا على اختلاف أجناسهم
    و ألوانهم و دياناتهم من رجل واحد و امرأة واحدة و أنهم متساوون في الميلاد
    و الأصل ، والقرآن بهذه الآية يركز على وحدة الجنس البشري و لا فضل لأحد إلا
    بالتقوى .


    · مبدأ حرية العقيدة و الرأي في قوله تعالى: (( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ
    مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ
    لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة:256).

    و قوله تعالى: (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا
    أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ *وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ))(الكافرون:1-6)


    · قواعد عادلة في المعاملات

    في قوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...(المائدة:1) .
    و قوله تعالى : } وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا...{ (النحل:91)
    وقوله تعالى : } ... إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ...{ (البقرة:275)
    قوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ
    بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ
    لْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ...ٌ{ (البقرة:282)


    · قوانين الأحوال الشخصية: و هي قواعد عادلة و مستقرة لتعلقها بِأحوال الإنسان
    الشخصية في الأسرة، فوضع الشرع لها نظاماً كاملاً مفصلاً في مسائل الزواج
    و الطلاق و الحمل و العدة و الرضاع و النفقة و الميراث وحقوق الأبناء وذوي
    القربى وتوسع في أحكامها الكلية وجعلها مرنة قابلة لاجتهاد المجتهدين من
    الفقهاء في استنباط أحكامها بما يساير الزمان والمكان.


    القانون الجنائي:

    وهو بحق أعظم برهان يدل على عظمة القرآن في تشريعه حدود الجرائم التي بين
    نوعها وحدد عقوباتها التي تتمثل فيها العدالة والحكمة والرحمة بما فيه الكفاية
    للردع والزجر بصورة تكفل الأمن والسلام للعباد والبلاد.


    4-الإعجاز العددي:


    يأخذ الإعجاز العددي صيغ متنوعة منها:

    1. وجود كلمات متقابلة تتكرر بشكل متساوٍ في القرآن الكريم.
    2. هناك بعض الكلمات يمكن أن يدل عدد تكرارها على أمر معين.
    3. هناك كلمات بينها علاقات في المعنى وردت ضمن علاقات متوازنة.
    4. هناك أرقام محددة يمكن أن يكون لها دلالات معينة.

    من مجمل موضوع الدراسات العددية المتعلقة بالقرآن الكريم يتأكد وجود إعجاز
    عددي في القرآن، وإن ما يقدمه باحث واحد من قليل من الحقائق قد يضاف إلى
    ما يقدمه غيره فتتكون ثروة في هذا المجال على مر السنين.

    لكن الموضوع لا يزال حديث النشأة ويحتاج إلى المزيد من البحث والتقصي في ظل
    ضوابط شرعية.


    5-الإعجاز العلمي:


    يتبع ...

    تعليق


    • #3
      ثانيا : مفاهيم الإعجاز العلمي وأهميته


      1- مفهوم العلم:


      لا يوجد تعريف دقيق مجمع عليه للعلم؛ فالتعريفات تتفاوت تبعاً للمدرسة الفكرية
      التي ينتمي إليها صاحب التعريف.

      ولغرض الوصول إلى مفهوم للعلم يساعد على فهم مصطلح الإعجاز العلمي في
      القرآن والسنة، يمكن القول: أن العلم هو استخدام منهج للبحث العلمي، لإدراك
      الشيء علي ما هو عليه؛ وتحقيق منجزات محددة. والعلم بهذا المعنى؛ يتميز
      بخصائص عامة أهمها الآتي:


      1. وجود منهج للبحث العلمي: يطلق مصطلح منهج البحث العلمي على كل محاولة
      يبتغى منها الوصول إلى حقيقة علمية, حتى ولو دخلت في مجال الفرضيات التي
      لم يؤيدها الدليل العلمي. وينطلق البحث العلمي في أغلب حالاته من الفرضيات,
      فالنظريات, فالقوانين والحقائق العلمية.

      2. القانون العلمي: هو الحصيلة التي تنتهي إليها تجارب البحث العلمي.
      وخضوع هذا القانون للتطور, لا يلغي منه سمة العلم وقيمته. كما لا يكون سببا
      في زج الباحث في تهمة الخطأ, ما دام أنه يتعقب الأوضاع التي يتنقل خلالها
      ومن ثم فهو جهد مشكور.

      3. إمكانية استخدام المنطق العقلي في استنتاج وتفسير نتائج التجارب، وتكون
      هذه الاستنتاجات قابلة للتغير من وقت إلى آخر وإن وصفت بأنها قوانين علمية.

      4. إمكانية استخدام النماذج الرياضية أو الطرق الإحصائية.
      فهناك نتائج للتجارب قائمة على نماذج رياضية بنيت على افتراضات، ومع ذلك
      تسمى النتائج قوانين أو حقائق علمية لمجرد أن افتراضات معينة تعطي نتائج
      أفضل من غيرها.

      5. إمكانية استخدام المنهج التجريبي. يمكّن المنهج التجريبي من إدراك أشياء
      بالحس والمشاهدة المباشرة، فتكون المشاهدات حقائق قطعية لا تقبل التراجع عنها.

      ونخلص من ذلك إلى أن هناك حقائق علمية مشهودة، وهناك حقائق علمية ظنية.
      ومن هنا يتحدد دور العلم في مجال الإعجاز العلمي للقرآن والسنة:

      فالعلم في هذا المجال يتمثل في نتائج البحث العلمي التي يمكن التحقق منها
      بالحس والمشاهدة، ولا يمكن التراجع عنها.



      2- التفسير العلمي:


      الإعجاز العلمي في القرآن والسنة هو نوع من التفسير العلمي، ولذا وجب بيان
      المقصود بالتفسير العلمي. فالتفسير العلمي يعني الكشف عن معاني الآية أو
      الحديث في ضوء الحقائق العلمية المشهودة. ويتم هذا التفسير في ضوء الضوابط
      الآتية:

      1- التقيد بما تدل علية اللغة العربية، فلابد من:

      · مراعاة معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي.
      · مراعاة القواعد النحوية ودلالاتها.
      · مراعاة القواعد البلاغية ودلالاتها، خصوصاً قاعدة ألاّ يخرج اللفظ من الحقيقة
      إلى المجاز إلا بقرينة كافية.

      2- البعد عن التأويل البعيد في بيان التفسير العلمي.

      3- ألاّ تجعل حقائق القرآن موضع نظر، بل تجعل هي الأصل:
      فما وافقها قبل، وما عارضها رفض.

      4- ألاّ يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم، لا بالفروض والنظريات التي لا
      تزال موضع فحص وتمحيص. أما الحدسيات والظنيات فلا يجوز أن يفسر بها
      القرآن الكريم؛ لأنها عرضة للتصحيح والتعديل إن لم تكن للإبطال في أي وقت.



      3- الإعجاز العلمي: (مفهومة، وخصائصه، ووعد الله)


      مفهوم الإعجاز العلمي:

      هو إخبار القرآن الكريم والسنة النبوية بحقيقة علمية مشهودة، وفق الضوابط
      المذكورة في التفسير العلمي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في
      زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد صلى
      الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه سبحانه.


      خصائص الإعجاز العلمي:


      رأينا أن لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته، لذلك فإن الإعجاز العلمي
      يناسب خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، المرسل إلى الناس كافة؛ فالإعجاز
      العلمي يتضمن معجزات تبقى بين أيدي الناس إلى قيام الساعة، وتتجدد مع كل
      فتح بشري في آفاق العلوم والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي.

      معجزات مبنية على علم إلهي، وبينة عالمية، تتجدد عبر الزمان، وتشمل أنباء
      الأرض والسماء، نزلت في عصر انتشرت فيه الجاهلية لتدل على مصدرها الرباني.
      وبيان ذلك ما يأتي:

      علم إلهي:

      أنزل الله سبحانه القرآن فيه علم إلهي. قال تعالى:

      ((لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ)) النساء : 166

      (( فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ ...))هود: 14

      ((قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ )) الفرقان :6


      بينة عالمية:

      بينة القرآن العلمية يدركها الناس كافة، العربي والأعجمي ، وتبقى ظاهرة
      متجددة إلى قيام الساعة. يقول تعالى:
      ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِين، وَلَتَعْلَمُنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) ص : 87- 88

      معجزات تتجدد عبر الزمان:

      شاء الله أن يجعل لكل نبأ زمناً خاصاً يتحقق فيه، فإذا تجلى الحدث ماثلاً للعيان
      أشرقت المعاني، التي كانت تدل عليها الحروف والألفاظ في القرآن، وتتجدد
      المعجزة العلمية عبر الزمان، وإلى هذا الزمن أشار القرآن في قوله تعالى:
      ﴿ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُون))) (الأنعام:67)

      (وَلَتَعْلَمُنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) ص: 88

      معجزات تشمل أنباء الأرض والسماء:

      تتجلى في عصر الاكتشافات العلمية والتقدم التقني أنباء الأرض والسماء في
      القرآن والسنة. قال تعالى:
      ﴿.. قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ...) يونس : 18

      ﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فصلت : 53


      نزول القرآن في عصر انتشار الجهل:


      لقد نزل القرآن في عصر انتشار الجهل، وشيوع الخرافة، والكهانة، والسحر
      والتنجيم، في العالم كله، وكان للعرب النصيب الأوفى من هذه الجاهلية والأمية
      كما بين القرآن ذلك بقوله :
      ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
      الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) الجمعة : 2


      وعد الله بالبيان:


      إننا على وعد من الله عز وجل بأن يرينا آياته، فيتحقق لنا – بهذه الرؤية –
      العلم الدقيق بمعاني هذه الآيات. وعد الله بإظهار آياته في الآفاق، أي في أقطار
      السموات والأرض، من الشمس والقمر، والنجوم والليل والنهار، والرياح
      والأمطار، والرعد والبرق، والصواعق، والنبات والأشجار، والجبال والبحار
      وغيرها. ويظهر بذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب، الذي هو على كل شيء
      شهيد. قال تعالى:

      ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ
      بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فصلت : 53

      الحمد لله الذي لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه والإنذار إليه، ولهذا قال
      تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا...(النمل:93)


      4- مصادر الإعجاز العلمي:


      لما كانت أبحاث الإعجاز العلمي متعلقة بالتفسير العلمي للآيات الكونية، ومتصلة
      بشرح الأحاديث في هذه المجالات، فهي فرع من فروع التفسير، وجزء من شرح
      الحديث وتقوم على مصادر هذين العلمين، ولما كانت قائمة على إظهار التوافق
      بين نصوص الوحي وبين ما كشفه العلم التجريبي من حقائق الكون وأسراره،
      فهي كذلك تقوم على مصادر العلوم التجريبية، إلى جانب العلم المتعلق بتاريخها،
      كما تتصل أيضاً بعلم أصول الدين. وعليه يمكن تلخيص مصادر الإعجاز العلمي
      في الآتي:

      1. القرآن الكريم
      2. التفسير
      3. شروح الحديث
      4. العلوم التجريبية
      5. تاريخ العلوم التجريبية
      6. علم أصول الفقه
      7. علوم اللغة العربية.

      5- الاعتراضات على الإعجاز العلمي:


      يمكن تلخيص الاعتراضات والتحفظات على الإعجاز العلمي في النقاط الآتية:

      1. إن القرآن كتاب هداية، وأن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس
      عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعارف.

      2. إن الإعجاز العلمي بدعة، تعتمد على ركوب موجة العلم الذي نعيشه في هذا العصر.
      3. إن التفسير العلمي للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان
      ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير.

      4. إن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه على التأويل المتكلف، الذي يتنافى مع
      الإعجاز.

      5. إن التفسير العلمي للقرآن قد يخرج عن معاني الألفاظ العربية، وعن قواعد
      اللغة العربية النحوية والبلاغية.

      أن المقصود الأسمى من القرآن هو الهداية والإرشاد، وهذا لا يمنع أن ترد فيه
      إشارات علمية يوضحها التعمق في العلم الحديث، وهذا في حد ذاته أحد طرق
      الهداية. وقد قال تعالى وصفاً القرآن الكريم
      (( ...وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ...)) النحل : 89

      ووصف رسول صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم بقوله" ... وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ...

      " (رواه الترمزي وغيره). وأن القرآن الكريم لا يتجه بالخطاب إلى جيل ومكان
      معين، بل إلى البشرية كافة، في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة. وقد صرح
      القرآن بأن قسماً من حقائقه ستظهر بعد زمن التنزيل.((وَلَتَعْلَمُنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)) ص: 88


      أما الاعتراضات الأخرى فتتطلب وضع ضوابط للتفسير العلمي، وقواعد لبحوث
      الإعجاز العملي.


      6- قواعد أبحاث الإعجاز العلمي:


      قامت هذه الأبحاث على قواعد نوجزها فيما يلي:

      (أ) علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ، ولا يشوبه نقص، وعلم
      الإنسان محدود، يقبل الازدياد، ومعرض للخطأ.

      (ب) هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية.
      (ج) وفي الوحي نصوص ظنية في دلالتها، وفي العلم نظريات ظنية في ثبوتها.
      (د) ولا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن
      وقع في الظاهر، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما.

      (هـ) عندما يري الله عباده آية من آياته، في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في
      كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى، ويكتمل التوافق ، ويستقر
      التفسير، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص، بما كشف من حقائق علمية وهذا هو
      الإعجاز.

      (و) إن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة تحيط بكل المعاني الصحيحة في
      مواضيعها التي قد تتابع في ظهورها جيلا بعد جيل .

      (ز) إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص، وبين نظرية علمية رفضت هذه
      النظرية، لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شيء علما، وإذا وقع التوافق
      بينهما كان النص دليلا على صحة تلك النظرية، وإذا كان النص ظنيا والحقيقة
      العلمية قطعية يؤول النص بها.

      (ح) وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية، وبين حديث ظني في ثبوته،
      فيؤول الظني من الحديث، ليتفق مع الحقيقة القطعية، وحيث لا توجد مجالات
      للتوفيق فيقدم القطعي .



      7- أهمية الإعجاز العلمي في هذا العصر:


      1-تجديد بينة الرسالة في عصر الكشوف العلمية

      إذا كان المعاصرون لرسول الله قد شاهدوا بأعينهم، كثير من المعجزات، فإن الله
      أرى أهل هذا العصر، معجزة لرسوله تتناسب مع عصرهم، ويتبين لهم بها أن
      القرآن حق، وتلك البينة المعجزة هي: بينة الإعجاز العلمي، في القرآن والسنة،
      وأهل عصرنا لا يذعنون لشيء مثل إذعانهم للعلم، وبيناته ودلائله، على اختلاف
      أجناسهم وأوطانهم وأديانهم، وأبحاث الإعجاز كفيلة بإذن الله بتقديم أوضح الحجج
      وأقوى البينات العلمية، لمن أراد الحق من سائر الأجناس. وفي حجج هذه
      الأبحاث قوة في اليقين، وزيادة في إيمان المؤمنين .

      ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال :2

      وظهور هذه البينات العلمية، يسكب الثقة مرة ثانية، في قلوب الذين فتنهم الكفار
      من المسلمين عن دينهم باسم العلم؛ الذي قام عليه التقدم والحضارة.


      2- تصحيح مسار العلم التجريبي في العالم :

      لقد جعل الله النظر والتفكر في المخلوقات؛ الذي يقوم عليه العلم التجريبي طريقاً
      إلى الإيمان به، ولكن أهل الأديان المحرفة كذبوا حقائقه، وسفهوا طرقه،
      واضطهدوا دعاته، فواجهتهم حملة العلوم التجريبية، بإعلان الحرب على تلك
      الأديان، فكشفوا ما فيها من أباطيل، وأصبحت البشرية في متاهة، تبحث عن
      الدين الحق؛ الذي يدعو إلى العلم، والعلم يدعو إليه. إن بإمكان المسلمين أن
      يتقدموا لتصحيح مسار العلم في العالم، ووضعه في مكانه الصحيح، طريقاً
      إلى الإيمان بالله ورسوله، ومصدقا بما في القرآن، ودليلا على الإسلام، وشاهدا
      بتحريف غيره من الأديان.



      3- تنشيط المسلمين للاكتشافات الكونية، بدافع من الحوافز الإيمانية:


      إن التفكر في مخلوقات الله عبادة، والتفكر في معاني الآيات والأحاديث عبادة،
      وتقديمها للناس دعوة إلى الله، وهذا كله متحقق في أبحاث الإعجاز العلمي في
      القرآن والسنة. وهذا من شأنه أن يحفز المسلمين إلى اكتشاف أسرار الكون؛
      بدوافع إيمانية، لعلها تعبر بهم فترة التخلف؛ التي عاشوها فترة من الزمن، في
      هذه المجالات.

      وسيجد الباحثون المسلمون، في كلام الخالق عن أسرار مخلوقاته، أدلة تهديهم
      أثناء سيرهم في أبحاثهم، وتقرب لهم النتائج، وتوفر لهم الجهود .

      واجب المسلمين: وإذا علمنا أهمية هذه الأبحاث في تقوية إيمان المؤمنين، ودفع
      الفتن التي ألبسها الكفار ثوب العلم، عن بلاد المسلمين، وفي دعوة غير المسلمين،
      وفي فهم ما خوطبنا به في القرآن والسنة، وفي حفز المسلمين للأخذ بأسباب
      النهضة العلمية، تبين من ذلك كله أن القيام بهذه الأبحاث من أهم فروض الكفايات.

      وصدق الله القائل:
      ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) البينة :1

      4- تصحيح الخرافات حول الكون: تصحيح ما شاع بين البشرية، في أجيالها
      المختلفة، من أفكار باطلة، حول أسرار الخلق، وهذا لا يكون إلا بعلم من أحاط
      بكل شيء علما.

      5- مواجهة الإلحاد:إن بيان الإعجاز العلمي في القرآن يضح الإلحاد والملحدين
      موضع العجز عن التشكيك في القرآن إلا أن يتبرأ من العقل. فإن الحقيقة العلمية
      والتي لم تكتشف إلا حديثاً والتي جاء ذكرها في القرآن لابد أن تقوم عند كل ذي
      عقل دليلاً محسوساً على أن خالق هذه الحقيقة الكونية هو منزل هذا القرآن
      على عبده ورسوله.

      يتبع ..

      تعليق


      • #4
        ثالثا : الدين والعلم

        .1 مفهوم الدين:


        الدين هو معرفة توصل إلى تصور اعتقادي يحدد منهج الحياة. فإن كانت المعرفة
        منبثقة عن علم رباني؛ وصف منهج الحياة بأنه (دين الله).

        وإن كانت المعرفة منبثقةً عن تصور مذهبي أو فلسفي، لشعب، أو لحاكم...الخ
        فينسب المنهج (الدين) إلى مصدره، مثل ما ورد في قصة يوسف عليه السلام
        ((.. مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ...
        )) (( يوسف : 76))

        عناصر التعريف:

        · معرفة: ما يعرفه الإنسان من العلم الرباني، ومن التصورات البشرية.

        · التصور الاعتقادي: التصور الذي يفسر حقيقة الوجود، ويحدد مكان الإنسان
        في هذا الوجود، كما يحدد غاية وجوده الإنساني.

        · منهج الحياة: المنهج الذي يُصرّف حياة الناس، ويتكون من مجموعة التعاليم
        (الشريعة) المنبثقة من التصور الاعتقادي؛ التي تبنى عليها النظم الواقعية في
        الحياة، مثل النظام الأخلاقي، والنظام الاجتماعي، والنظام الاقتصادي. فنرى في
        هذا العصر أصحاب المذاهب والنظريات والفلسفات الاجتماعية لا يتحرجون من
        التصريح بأنهم يقررون عقائد؛ ويريدون أن يأخذ الناس بها في واقع الحياة؛
        ويريدون إحلال هذه العقائد الاجتماعية أو الاقتصادية أو الوطنية أو القومية
        محل العقيدة الدينية.


        · دين الله: هو الوحي الإلهي الموجه إلى الناس كافة في كل زمان ومكان لمعرفة
        الله وطاعته، ولا يقبل أي تغيير أو تحويل مع مرور الزمن وتعاقب الأجيال.

        ولأجل ذلك نجد القرآن الكريم لا يستعمل كلمة الدين بصيغة الجمع مطلقاً، فلا يقول:
        " الأديان " و إنما يذكره بصيغة المفرد، كما في قوله سبحانه :
        } إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ...{ (آل عمران: 19).

        في حين أن "الشريعة" تعني مجموعة التعاليم التي تنظم الحياة ويمكن أن ينالها
        التغيير مع مرور الزمن وتطوّر المجتمعات وتكامل الأمم، ولذلك لا يضير استعمال
        هذه اللفظة في صورة الجمع، فيقال "شرائع" وقد صرّح القرآن الكريم باختلاف
        الشرائع، قبل الرسالة الخاتمة. (( ... لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ...
        )) المائدة : 48

        · دين غير الله: إن سائر مناهج الحياة وأنظمتها الواقعية، يسميها أصحابها
        (عقائد) ويقولون: (عقيدتنا الاجتماعية) أو(عقيدتنا الوطنية) أو(عقيدتنا القومية)..
        وكلها تعبيرات صادقة في تصوير حقيقة الأمر: وهو أن كل منهج للحياة أو كل
        نظام للحياة هو (دين) هذه الحياة، ومن ثم فالذين يعيشون في ظل هذا المنهج
        أو في ظل ذلك النظام.. دينهم هو هذا المنهج أو دينهم هو هذا النظام.. فإن كانوا
        في منهج الله ونظامه فهم في (دين الله).. وإن كانوا في منهج غيره، فهم في
        (دين غير الله).




        .2 علاقة الدين بالعلم:


        الدين كما سبق بيانه "معرفة توصل إلى تصور اعتقادي يحدد منهج الحياة".
        ولبيان علاقته بالعلم ينبغي التمييز بين دين الله، ودين غير الله. حيث تتحدد
        هذه العلاقة في ضوء خصائص الدين.



        3 خصائص دين الله: يتميز دين الله بالخصائص الآتية:

        § وحي من الخالق يتفق مع فطرة المخلوق.
        § تقديم شامل وكامل وحكيم من عند الله لمنهج ثابت ارتضاه الله لحياة البشر المتجددة.
        § منهج كلي يمكن الناس من التوافق مع نواميس الكون، وفطرة الوجود، وفطرتهم
        هم أنفسهم. وينتج عن مخالفة البشر له آلام ودمار ونكال في الدنيا والآخرة.

        § يقدم التفسير الشامل والكامل للوجود، وعلاقته بخالقه العظيم، ولمركز الإنسان في
        هذا الوجود؛ ولغاية وجوده الإنساني.

        § يحدد غاية وجود الإنسان بعبادة الله؛ من خلال الخلافة في الأرض وعمارتها، وإقامة
        دين الله، والدعوة إلى الله.



        4 خصائص دين غير الله: يتميز دين غير الله بالخصائص الآتية:

        § ناتج من تجارب بشرية معتسفة. تدور هذه التجارب في حلقة التصور البشري
        الذي يشوبه الجهل(بدل العلم)، والنقص (بدل الكمال)، والضعف (بدل القوة)،
        والهوى (بدل الحكمة).

        § يتصادم في كثير من الأحيان مع نواميس الكون والفطرة السليمة.
        § يعطي في كثير من الأحيان تفسيرات افتراضية للوجود، ولمركز الإنسان في
        الوجود، وغاية وجوده.

        § تتحدد غاية وجود الإنسان بصور تختلف من دين إلى آخر.

        § دين الله جزء من علم الله، يتعلمه الناس، ودين غير الله جزء من تصور الإنسان.
        § يوجه الدين نشاط الإنسان في الحياة؛ ويتضمن ذلك نشاطه العلمي الذي يتحدد
        في ضوء تصوره الاعتقادي.

        § يحدد الدين دور الإنسان في الحياة، ويحدد هذا الدور مكانة العلم في حياة الإنسان،
        وأخلاقيات العلم وأولياته وغاياته.



        ارتبط موقف أهل الكتاب من العلم بما حدث في كتبهم من تبديل وتحريف. وتبلور
        الموقف على شكل حرب معلنة، وانتهى بهزيمة منكرة لدينهم أمام العلم. وقد لخص
        سيد قطب هذا الموقف في كتاب المستقبل لهذا الدين في النقاط الآتية:


        ((وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ
        مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ
        )) آل عمران : 50

        2) انفصل الإنجيل عن التوراة بسبب الفرقة والحقد والبغضاء بين أتباع عيسى
        عليه السلام واليهود، وبقيت التوراة وكتبها معدودة عندهم من الكتاب المقدس-
        وانفصلت شريعتهم عن شريعة التوراة. بينما جسم الشريعة لبني إسرائيل كلهم في
        التوراة.. وبذلك لم يعد للنصرانية بهذا الانفصال شريعة مفصلة تنظم الحياة!





        من نتائج هذا الموقف:

        · لا يمكن لمفكر غربي لا يعرف إلا الدين المحرف لأهل الكتاب، أن يقبل أن يكون
        هناك لقاء بين دينهم وبين العلم.


        · أصبح العلم وما نتج عنه من حضارة مادية ديناً للحضارة الغربية. وطغى العلم
        على العقول واستعبد الأفكار في مملكة الجماد.


        · معاناة الحضارة الغربية، بمذاهبها جميعاً، وبأنظمتها جميعاً.. من الخواء الذي
        تختنق فيه روح (الإنسان)، وتنهدر فيه قيمة (الإنسان)، وتنحدر فيه خصائص
        (الإنسان).. بينما تتكدس (الأشياء) وتعلو قيمتها، وتطغى على كل قيمة للإنسان!


        · أصبحت الغاية من وجود الإنسان في الحياة عندهم: التمتع بالحياة المادية فقط،
        ينتقل الإنسان من نعيم إلى ترف، ومن لهو إلى لذة.


        · انحراف منطلقات العلم ومساراته، وتوجيهه بعض مسارات الحياة إلى الدمار
        والفساد والسيطرة والهيمنة.


        5 موقف الإسلام من العلم:


        أثبت الإسلام أن (الدين) ليس بديلاً من العلم والحضارة. ولا عدوّاً للعلم والحضارة.
        إنما هو إطار للعلم والحضارة، ومحور للعلم والحضارة، ومنهج للعلم والحضارة، في
        حدود إطاره ومحوره الذي يحكم كل شؤون الحياة. ويمكن تلخيص ذلك في النقاط
        الآتية:


        شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ
        الْحَكِيمُ{ (آل عمران:18).


        2) أن الصفة التي كرم الله آدم بها على الملائكة هي صفةالعلم، وأن القصة عندنا
        في القرآن تعاكس الذي جاء عندهم في التوراة بعد أن حرفوا قول الله جل وعلا.
        إن العلم هو سبب تكريم آدم لا سبب طرده، هذا ما يقرره القرآن .



        من نتائج هذا الموقف:

        · فتح الباب أمام الإبداع والابتكار في إطار الضوابط الربانية، التي توجه مسارات
        العلم لخدمة الإنسانية.


        · ازدهار العلوم في ظل العلاقة الواضحة بين العقيدة والعمل، وتصور واضح للعبادة
        فأصبح تحصيل العلم والعمل به أحد صورها، وتبلورت أخلاق البحث العلمي
        الإسلامي، الذي يجعل العلم دليلاً على قدرة الله، وسبيلاً للوصول إلى الحقيقة.


        · تحول المسلمون من أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، وتستعيض عن ذلك
        بالحفظ، إلى أمة تحفظ وتقرأ وتكتب وتحسب، وتترجم العلوم، وتهذب تلك العلوم
        وتضيف عليها، وتخترع الكثير بصورة غير مسبوقة.


        · تحقيق التوازن بين الجوانب المادية والفكرية والروحية في حياة الإنسان، حيث
        كانت النهضة العلمية في جميع المجالات.


        · بعد توقف تقدم الأمة الإسلامية لأسباب داخلية وخارجية، شرع الغرب في بناء
        حضارته العلمية على ما وقف عنده المسلمون. وفصل بين العلم والدين، ولم يكن
        نزيهاً في اقتباسه وإفادته من علوم المسلمين، حيث نسب كثيراً من اكتشافات
        علماء المسلمين إلى علمائه، مع قليل من اعترافاتهم بسبق المسلمين في ذلك.




        6 دور علماء المسلمين في نهضة البشرية:


        بينما كانت أوربا تعيش في ظلام العصور الوسطى، كانت الحضارة الإسلامية في
        أوج ازدهارها.

        لقد أسهم الإسلام في تقدم العلوم في جميع المجالات الكونية والإنسانية.

        وعموما يمكن أن نستعرض جملة من جهود العلماء المسلمين في مختلف الحقول
        العلمية , كالطب والكيمياء والجبر والهندسة والفلك والجغرافيا والتاريخ والحكمة
        وتبرز هنا أسماء جابر بن حيان الكوفي الذي علمه أستاذه الإمام الصادق كيفية
        استخدام المنهج التجريبي في الكيمياء , والخوارزمي في الرياضيات والفيزياء
        والفرغاني في الفلك , والمقدسي في الجغرافيا , والبيروني في كثير من العلوم
        النظرية والإنسانية وابن خلدون في التاريخ وعلم الاجتماع , وابن سينا في الطب
        وغيره, والطوسي في الفلك والحكمة وغيرها, والفارابي في كثير من العلوم العقلية
        والطبيعية والاجتماعية, والدينوري في الأحياء, وعلى بن عيسي في طب العيون,
        والرازي في كثير من العلوم الطبيعية ولاسيما الصيدلة, والكندي في كثير من العلوم
        العقلية والطبيعية وموسى بن ميمون في الطب النفسي وغيرها. وكان معظم هؤلاء
        يجمعون بين العلوم الطبيعية والعلوم الشرعية والعلوم العقلية والعلوم الإنسانية
        ويعدونها امتدادات لبعضها, حتى أطلقوا عليها وصف" العلوم والفنون الإسلامية "
        وسمي علماؤها "العلماء المسلمين " وكان المتخصص بالكيمياء يسمى عالما
        كيميائيا وفي الفلك عالما فلكيا, وفي الفقه عالما فقهيا, وفي الحديث عالما محدثا
        ولم يكن لهذا التألق العلمي ليتحقق بدون الأجواء والمناهج التي وفرتها تعاليم
        القرآن والسنة.



        ما إن استقرت الدولة الإسلامية، وامتد سلطانها من مشارف الصين شرقاً إلى
        مشارف فرنسا غرباً: حتى أخذ العلماء المسلمون ينهلون من موارد العلم بمختلف
        فنونه وفروعه، ولم يتركوا باباً في العلم إلا وطرقوه. ومن ذلك:


        1. ترجمة الذخائر العلمية،ونقلها إلى العربية من علوم الإغريق والرومان والفرس
        والهند. وأقيمت دور الكتب والمكتبات،وفتح الخلفاء والأمراء قصورهم للعلم والعلماء.
        بل تنافس الخلفاء والحكام في رعاية العلم والعلماء.


        2. لم يقتصر دور العلماء المسلمين على النقل والترجمة بل تميزوا بأصالة الرأي
        واستقلال الفكر، واعتماد المنهج التجريبي في إثبات الحقائق العلمية: من رصد
        ومشاهدة ومقارنة، وملاحظة وإجراء تجارب، مع الإيمان بحرية القول وضرورة
        الاجتهاد.


        3. استمر العطاء العلمي والفني والأدبي والحضاري للمسلين عشرة قرون، ولولا
        هذا العطاء لاضطر علماء النهضة الأوربية أن يبدؤوا من حيث بدأ علماء المسلمين.



        يتبع ...

        تعليق


        • #5
          رابعا : العلم بين المفهوم الغربي والمنظور الإسلامي




          المفهوم الغربي للعلم:



          نشأ المفهوم الغربي للعلم (Science) نتيجة للصراع المرير بين العلم والكنيسة
          فجاء مفهوم العلم ليقابل مفهوم الدين. فارتبطت العلوم الكونية بالقوانين الطبيعية
          والمادية وبالقضايا المحسوسة الخاضعة للتجربة، وأصبح العلم بذلك معياراً لقياس
          الخطأ في دينهم الذي أعطى تفسيرات محرفة للعلوم وربطها بهتاناً بالعلم الغيبي لله
          سبحانه. وبذلك لم يعد لله وجود في علمهم.


          ونشأ مفهوم العلوم الإنسانية (Human Science) عندهم من المنطلق نفسه،
          الذي يؤكد فصل الدين عن العلم، فلا علاقة لدينهم بعلم النفس، أو علم الاجتماع، أو
          علم الاقتصاد، أو علم السياسة ...الخ ولا علاقة لدينهم بتطبيقات هذه العلوم.

          وتحول دينهم ابتداء من القرن التاسع عشر الميلادي إلى مجموعة من المبادئ
          الأخلاقية، لا علاقة لها بالعلم، وانحصر دينهم في علوم اللاهوت التي رفض
          المجتمع أن يكون لها أي علاقة بالعلوم الكونية أو العلوم الإنسانية.


          وظهرت في الغرب اتجاهات متعددة فيما عرف بنظرية المعرفة "أبستيمولوجي"
          منها: الاتجاه العقلي النقدي، واتجاه التفسير التاريخي والاجتماعي للعلوم، واتجاه
          ثالث عرف بنظرية الفوضى (Chaos theory).

          واتجاه رابع يرى وجود علاقات بين التخصصات العلمية أطلق عليها العلاقات
          البينية (interface). واتجاه خامس يدعو إلى الالتزام بالمبادئ الأخلاقية في
          تفسير قيمة العلم.


          الاتجاه العقلي النقدي:


          يرتكز الاتجاه العقلي النقدي على أربعة مبادئ:

          · منهج يلزم بصورة صارمة كل أنواع البحث بمعايير علمية مثل:

          التماسك المنطقي الداخلي بين الأفكار, والتطابق بين النظرية والظواهر التي تحكمها.

          · التزام الموضوعية وقابلية التعميم, فلا ترتبط النتائج بمكان أو بعقيدة، فما يصح
          في لندن يصح كذلك في مكة وطوكيو، عند المسلم والنصراني واليهودي والبوذي
          واللاديني. فلا مكان للعقائد والأيدلوجيات في العلم.

          · البناء التراكمي للمعرفة الذي يؤدي إلى تقدمها, بحيث تضاف معرفة جديدة إلى ما
          سبقها من معارف بصورة مستمرة؛ فيكون تاريخ العلوم في تطور مستمر.


          · التحقق والتصحيح, فيجب وضع قواعد موثوقة وقابلة للتطوير لكل علم، ويجب
          مناقشة نتائج البحوث – وإن كانت احتمالية- ونقدها ومواجهتها بالأدلة المتاحة.
          ويجب أن يواصل البحث العلمي الكشف عن أخطاء ما يعتقد أنه حقائق علمية،
          فالعلم لا يتقدم إلا بالتمحيص والنقد.



          تفسير العلوم تاريخياً واجتماعياً:


          يقوم اتجاه تفسير العلوم تاريخياً واجتماعياً على قراءة مغايرة تماما لقراءة الاتجاه
          الأول, حيث يسمح للأيدلوجيات والمسلمات التي لا برهان محسوس عليها بأن
          تدخل في النظام العلمي. فيعتمد هذا الاتجاه على التحليل التاريخي للعلم, تحليلا قائما
          على الظروف الاجتماعية والنفسية السائدة. فالعلم لا ينفصل عن الثقافة السائدة وما
          ترتكز عليه من قيم وعقائد، ويعترف هذا المنهج بضرورة المنهج العلمي الصارم
          وأهمية الموضوعية، ولكن يجب معرفة ما يخفى وراءهما من القيم والمعتقدات
          (الأيدلوجيات) السائدة. فالعلماء بشر يعيشون في مجتمع معين، ولا بد أن تفسر
          النتائج في ضوء تاريخ الوقائع العلمية، وما يرتبط بها من ظروف اجتماعية ونفسية.


          نظرية الفوضى:


          نتج عن الأزمة الروحية في الغرب أزمة عقلية فيما سمي: "نظرية الفوضى" التي
          تعكس عجز الإنسان على التنبؤ بالمستقبل، وترى أن العقل البشري لا يستطيع أن
          يصل في العلم إلى ما هو كلي، ولذا ترى جواز كل شيء في العلم، وإنكار المنهج
          العلمي، وعدم استبعاد اللامعقول من العلم. ونتج عن هذا الاتجاه الدعوة لرد الاعتبار
          للمجالات التي استبعدها العقلانيون مثل السحر والتنجيم والأساطير والكهانة.



          العلاقات البينية:


          وظهر اتجاه آخر في الغرب لعلاج القصور في نظرة العلم الشمولية والمتكاملة
          للأشياء، يتمثل في التركيز على العلاقات البينية بين التخصصات، لتكون وسيلة
          لاستكمال النقص الذي يعاني منه التخصص الواحد. وقد نتج عن ذلك تجديد في
          العلوم الإنسانية من خلال نقاط الالتقاء بين التخصصات المختلفة.


          تبلور هذا الاتجاه في النظر إلى العلم بصورة أكثر شمولية: فالعلم ليس مجرد
          ملخصات للنظريات والمعطيات والتجارب منعزلة عن العلماء وعن المنتفعين من
          العلم؛ فالمفاهيم العلمية ينتجها بشر في مؤسسات, ويستفيد بها بشر في مؤسسات
          أخرى، ولذا فإن العلم نظام له عناصر ينبغي دراستها وهي:


          · عناصر نظرية (مفاهيم، ونماذج، ونظريات).
          · عناصر اجتماعية وأيدلوجية (مؤسسات اجتماعية، ومؤسسات علمية, ومؤسسات سياسية).
          · عناصر اقتصادية ونفعية (مؤسسات اقتصادية وتقنية).




          الالتزام بالمبادئ الأخلاقية في العلم:


          ومع تفاقم أزمة العقل الغربي، وانقطاع الصلة بين العلم والأخلاق، اتجه بعض
          فلاسفتهم إلى ضرورة الالتزام بالمبادئ الأخلاقية في العلم؛ فيرون ضرورة تفسير
          قيمة العلم في ضوء المبادئ الأخلاقية.



          2 المفهوم الإسلامي للعلم:



          ارتقت العقلية الغربية؛ فاقتربت من بعض جوانب المفهوم الإسلامي للعلم. فالنظرة

          الكلية الشاملة للعلم، والتي ترجمها علماء المسلين في عصر نهضتهم إلى واقع
          علمي؛ فلم يفصلوا العلوم الشرعية عن العلوم الإنسانية أو العلوم الكونية؛ فكان
          العالم المسلم يجمع المجالات المتعددة مثل الطب والفقه والمنطق والحديث وغير ذلك.


          اقترب الفكر الغربي في مجمله من إدراك النظرة الكلية للعلم، عندما أدرك أن العلم
          نظام له عناصر يجب أن تدرس، ومن هذه العناصر ما هو أيدلوجي (عقدي)، وأن
          هناك علاقات بينية للتخصصات يجب البحث فيها لإخراج التخصصات من عزلتها.

          وتلا ذلك الاتجاه المحدود نحو الالتزام بالمبادئ الأخلاقية في مجال العلم. فالفكر
          الغربي في مجمله قد أخفق في فهم الحقيقة الكاملة للعلم؛ نتيجة الفصل بين الدين
          والعلم؛ فوصل إلى الفوضى التي تنذر بأسوأ العواقب.

          العلم في المفهوم الإسلامي: فريضة، تمارس في ظل الشريعة، وفق المقومات
          الإسلامية للعقلية العلمية، وغاية العلم رضا الله سبحانه. وينظر إلى العلم بوصفه
          منظومة متكاملة في تفاصيلها ومكوناتها؛ فمجالات العلم وميادينه وحقوله متداخلة
          مع بعضها، ومتشابكة جميعا، وتعتبر أجزاء لحقيقة واحدة. والعلم أيا كان مجاله أو
          ميدانه أو حقله،فإن مصدره واحد هو علم الله تعالى,وهو علم واحد لا يقبل التجزئة.


          يحدد المفهوم الإسلامي للعلم: مصدر العلم وحدوده، وطبيعة العلم، وفريضة العلم،
          وتنظيم العلم وغايته، والمقومات الإسلامية للعقلية العلمية.



          يتبع ..

          تعليق


          • #6
            مصدر العلم وحدوده:

            · مصدر علم الإنسان هو علم الله المطلق:
            ( للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
            عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)(الطلاق:12).

            · وأول المعرفة الإنسانية كانت وحياً من الله سبحانه إلى آدم عليه السلام:

            ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن
            كُنتُمْ صَادِقِينَ
            )(البقرة:31) ·

            لا يعرف الإنسان من علم الله إلا القليل، فالقوانين العلمية التي يكتشفها الإنسان، مثل
            القوانين الفيزيائية، تصف العلاقة بين الأشياء، وتصف ما يحدث، لكنها لا تفسره ولا
            تبرره. يقول الحق تبارك وتعالى:

            ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء:85).

            طبيعة العلم:


            زعم فريق من الباحثين في هذا العصر أن ما من قاعدة تنتمي إلى علم ما, إلا وفي
            القرآن حديث عنها ونص عليها... وفريق آخر ألغي صلة ما بين القرآن والعلم
            وأصر على أنه ليس أكثر من كتاب وعظ وهداية وتبصير بالشرائع والأحكام والواقع.
            والحقيقة أن القرآن قائم من هذه المسألة بين هذين التصورين المتناقضين.

            فمن إعجاز القرآن أنه جاء بكليات العلوم مجتمعة في كلماته، وترك تفصيلاتها لفكر
            الإنسان في كل عصر من العصور بقدر ما آتاه الله من علم. فالقرآن يضع القارئ أمام
            عناوين العلوم ومسائلها, ويطل بهم على ظواهرها مشوقا إلى معرفتها والخوض
            فيها, دون أن يبت فيها بقرار علمي, هذا بالإضافة إلى أنه يحاكم الناس كلهم إلى
            العلم في كل شيء, لاسيما الدين. ومن ثم كان القرآن الحافز الأول في حياة العرب
            إلى العلم.


            إن شأن القرآن مع العلم, كشأنه مع اللغة العربية وآدابها فما هو معلوم بداهة
            أن القرآن هو الذي حمى اللغة العربية من الضياع, وهذبها، وأغناها بمزيد من
            الأصول وفنون التعبير والسبك والبيان, مع العلم بأنه لا يحوي على شيء من
            قواعد النحو أو البلاغة وشرحها والتعريف بها. إن شأن القرآن مع العلم كذلك.

            ويقول الدكتور القرضاوي:"ليس صحيحا ما شاع عند الغربيين ومن دار في فلكهم:
            أن العلم مقصور على ما قام على الملاحظة والتجربة, وليس صحيحا أيضا ما
            يتصوره بعض المسلمين المتدينين أو يصورونه, بأن "العلم" في القرآن يعني
            "العلم الديني" ولا شيء غيره, وحاول بعض أهل العلم الدفاع عن هذه الدعوى!"


            إن أغلب ما ورد في نصوص القرآن والسنة عن العلم كان عاما ومطلقا, يشمل كل
            علم ديني أو دنيوي, وبعضها لا يمكن أن يفهم منه إلا أنه العلم الدنيوي:

            العلم بالكون والحياة والإنسان, وما يجرى عليها من سنن. ويقول الدكتور
            القرضاوي: "والعلم الذي نوه به القرآن, وحفلت به آياته, يشمل كل معرفة تنكشف
            بها حقائق الأشياء, وتزول به غشاوة الجهل والشك عن عقل الإنسان, سواء
            أكان موضوعه الإنسان, أم موضوعه الوجود والغيب, وسواء أكانت وسيلة معرفته
            الحس والتجربة, أم وسيلته العقل والبرهان, أم وسيلته الوحي والنبوة."


            وقد رأينا في العصر الذهبي الذي تألق فيه الإسلام، كل من العلماء المسلمين
            الذين أسهموا في بناء الحضارة الإنسانية، لم يقتصر أحدهم على مجال واحد
            من مجالات العلم فنجد مثلا من جمع بين الطب والمنطق والفلسفة واللغة والبيان
            والحديث وأصول الفقه، وغير ذلك، مما يؤكد وحدة العلم.

            وللعلم قواعد وقوانين ثابتة في علم الله، لا تتبدل ولا تتحول، أما المتغير فهو
            علم الإنسان بها، المرتبط باكتشافه لها، وتفسيره وفهمه؛ وفق قدراته وإمكاناته
            وبالمقدار الذي يشاؤه الله سبحانه:

            " ..وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا ..." (البقرة:255). وبذلك ينسب العلم
            إلى الإنسان ويكون متغيراً.

            فريضة العلم:


            ذهب الإمام أبو حامد الغزالي, وغيره من علماء الأمة, إلى تحديد فرض العين
            وفرض الكفاية من العلم. "ففرض العين ما يكشف عن المعتقدات والأفعال والتروك
            التي كلف الله الإنسان بها..." أما فرض الكفاية منه : "كل علم به قوام الدين أو
            الدنيا, فإن تعلمه وإتقانه فرض كفاية على الأمة مثل الطب والهندسة وغيرهما.

            " فإذا قام في الأمة عدد كاف يلبي مطالبها, ويسد حاجتها, ويغنيها أن تكون كلا
            على غيرها في النواحي المدنية والعسكرية, فقد سقط الإثم والحرج عن سائر الأمة
            وإن لم يقم هذا العدد الكافي في كل اختصاص تحتاج إليه, فالأمة كلها آثمة,لتضييعها
            هذه الفريضة الجماعية, الواجبة عليها بالتضامن, على تفاوت في مستوى
            المسؤولية, فمسؤولية الجاهل ليست كمسؤولية العالم, ومسؤولية ذوي الشأن
            وأولي الأمر, ليست كمسؤولية غيرهم من المغمورين.


            تأتي شريعة الله لتنظم حركة حياة الأمة، وتستوعب كافة مسارات العلم الشرعي
            والكوني، والإنساني، والنظري، ومسارات الفنون والآداب. وترشد الإنسان للقيام
            بدوره في الخلافة، وتضع الأطر العقدية التي توجه هذه المسارات لتكون قربة إلى
            الله سبحانه.

            وتضع الشريعة الأطر والقواعد الأخلاقية لكافة مسارات العلم، فلا يكون العلم
            هدفاً في حد ذاته؛ فيكون فتنة للناس، وتدميراً للقيم والأخلاق، وإهلاكاً للإنسان
            والحيوان. بل العلم وسيلة غايتها رضا الله سبحانه.


            وللعلم في الإسلام صلة وثيقة بالعمل في الحياة, ولذلك فسر المفسرون الحكمة
            في العربية بأنها إحكام للعلم وإحكام للعمل معا, فهي تحقيق العلم, وإتقان العمل.
            وفي الحكمة إشارة إلى ثمرة العلم وفائدته, وثمرة العلم العمل بموجبه, والتصرف
            بحكمه.

            3 المقومات الإسلامية للعقلية العلمية:


            يتطلب العلم النافع مناخاً نفسياً يهيئ العقول للتفكير، وللأفكار أن تزدهر، وللآراء
            أن تناقش، ولصحاب الحجة أن يدلي بحجته. ويعمل القرآن والسنة على توفير هذا
            المناخ وتكوين العقلية العلمية اللازمة لنهضة العلم، فيجعل النظر فريضة، والتفكير
            عبادة، ويبين مجال علم الإنسان، وينهي عن الجمود والتحجر، والتقليد الأعمى
            ويرفض الظن في موضع اليقين، ويرفض الأهواء والعواطف في مجال العلم،
            ويرفض الكبر والغرور، ويدعو إلى إقامة البرهان، ويحدد المسؤولية في استخدام
            أدوات العلم، ويأمر برعاية سنن الله في الكون، ويحث على الجهاد في سبيل
            اكتشاف الحقائق العلمية.


            النظر والتفكر:

            يرى الإمام الغزالي أن النظر هو طلب الصواب. وأما الفكر فهو إحضار معرفتين
            في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة. والتفكير والتأمل والتدبر عنده كلمات
            مترادفة.

            وثمرة الفكر إنما هي تكثير العلم واستجلاب معارف جديدة, ويتمادى الفكر في نظر
            الغزالي إلى غير نهاية, فالعلوم لا نهاية لها,ومجاري الفكر غير محصورة,وثمراته
            غير متناهية, وهو في الآن نفسه شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم, ويجري
            الفكر فيما يتعلق بالدين وفيما يتعلق بغير الدين.


            والنظر العقلي هو الذي يستخدم الإنسان فيه فكره في التأمل والاعتبار, بخلاف
            النظر البصري, فهو الذي يستخدم الإنسان فيه عينه. النظر في الإسلام فريضة
            والتفكر في الإسلام عبادة. ويشمل النظر الأشياء والأحداث. يشمل الإنسان نفسه
            وما حوله من نبات وحيوان، وجماد، والسماء والأرض، والجبال، وكل ما في
            العالم علويه وسفليه، كما توضح الآيات الآتية:


            ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِق) (الطارق:5 ). ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) (عبس:24).
            ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا
            لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحـج:46).

            ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ
            وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (غافر:82). ( أَفَلَمْ
            يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ

            أَمْثَالُهَا) (محمد:10).
            ( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) الغاشية : 17

            ( أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى
            أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(الأعراف:185).

            يتبع ..

            تعليق


            • #7
              حرية التفكير:


              لم يقيد القرآن العقل البشري إلا بقيد التحرر من الأوهام والتقليد الأعمى, والخوض
              في الغيبيات، بل دعا إلى تحرره من تقاليد الآباء والأجداد, وخضوعه للأساطير
              والكهان والأحبار.

              ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ
              لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء
              وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ)) البقرة : 170-171


              ويقول العلامة ابن الجوزي: في التقليد إبطال منفعة العقل, فقد خلق للتدبر والتأمل
              وقبيح بمن أعطي شمعة أن يطفئها ويمشى في الظلمة !.

              والمسلم لا يخرج بتفكيره عما لم يحط الإنسان بعلمه، فينضبط تفكيره بإيمانه؛ فلا
              يخوض في الغيبيات. ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
              إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ
              الْأَرْضَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ
              بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ( أخرجه الإمام أحمد ) .


              رفض الظن في موضع اليقين:


              يجب رفض الظن في كل موضع يطلب فيه اليقين, كما في مقام تأسيس العقائد التي
              تقوم عليها نظرة الإنسان إلى الوجود, أعنى: إلى الله والكون والإنسان والحياة.

              فهذه القضايا الكبرى لا يكفي فيها الظن, بل لابد فيها من العلم, أي العلم اليقيني.قد
              يكفي الظن في قضايا الفروع والجزئيات, التي تقوم عليها تعاملات الناس بعضهم
              ببعض. ((وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا
              يَفْعَلُونَ)) يونس:36


              رفض الأهواء والعواطف في مجال العلم:


              فالهوى يعمي ويصم, وإتباع العواطف قد يضلل الإنسان عن الحق, وخصوصا
              العواطف الهوجاء, مثل الحب الشديد, والكره الشديد, والغضب الشديد.


              وقد نهى القرآن عن إتباع الظن وهوى النفس معاً، كما في قوله سبحانه:
              ((إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ
              إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى)) النجم : 23


              ((يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى
              فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا
              يَوْمَ الْحِسَابِ)) ص: 26.


              وقد ورد في الحديث : " "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ
              وَهُوَ غَضْبَانُ" (البخاري وغيره). لأن انفعال الغضب يسد عليه منافذ الإدراك الصحيح
              لجوانب القضية المختلفة فيظهر حكمه غير سليم.فالعقلية العلمية هي التي تنحي الأهواء
              والانفعالات والعواطف جانبا , وتنظر إلى الأمر نظرة موضوعية محايدة.

              رفض الكبر والغرور:

              نهى الله –سبحانه وتعالى- عن الكبر، وبين أنه سيصرف المتكبرين عن آيات الله.
              وكثيراً ما يؤدي العلم إلى الغرور، فأمر الله الناس ألا يغتروا بشيء في هذه الحياة.
              فقال تعالي:
              ((سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ
              يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ
              سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ)) الأعراف 146 .

              ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ))
              فاطر:5


              إقامة البرهان:


              يدعو القرآن إلى البحث عن الدليل والبرهان، وإلى عدم قبول أي أمر يدعى بغير
              برهان علمي, يشهد له, ويدل على صحته وصدقه, وما لم يوجد دليل يثبت الدعوى
              أو القضية المطروحة, فهي في نظر العقل المسلم مرفوضة ساقطة. ومن ذلك قوله
              تعالى:
              ((أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ
              شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُون )) الأنبياء : 30


              ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) الروم: 37

              ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا)) النساء: 174

              ((وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن
              كُنتُمْ صَادِقِينَ)) البقرة : 111


              المسؤولية عن أدوات تحصيل العلم:

              زود الله سبحانه الإنسان بأدوات لتحصيل العلم، وحمله مسؤولية استخدام هذه
              الأدوات، فقال تعالى:

              ((وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً))
              الإسراء : 36


              رعاية سنن الله في الكون والمجتمع:


              أوجب القرآن احترام السنن والقوانين التي أقام الله عليها نظام الكون, ونظام المجتمع
              وهي سنن وقوانين لها صفة العموم والشمول, فهي تحكم على الناس جميعا.


              كما أن لها صفة الثبات والدوام, فهي لا تتغير ولا تتبدل, وهي تجري على الآخرين
              كما جرت على الأولين, وتعمل في عصر سفن الفضاء, عملها في عصر الجمل سفينة
              الصحراء. ومن ذلك قول الله سبحانه:
              (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ)
              آل عمران : 137


              ((وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا
              جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ
              السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ
              لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)) فاطر: 42-43


              وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب رعاية سنن الله تعالى, بقوله وعمله
              وتقريره, كما هو وضح في سنته وسيرته. فقد أنكر كل ما لا يقوم على السنن
              الطبيعية والاجتماعية في أمور الحياة والرزق والطب والتداوي والعلاقات المختلفة.
              ومن ذلك تحريم السحر, وجعله من الكبائر أو الموبقات فقَالَ:
              " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ ...
              " (البخاري ومسلم وغيرهما). وأنكر كذلك التنجيم الذي يقوم على التنبؤ بالغيبيات
              والمستقبليات فقَالَ:" رَسُولُ اللَّهِ مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ
              زَادَ مَا زَادَ)) رواه أحمد وابن ماجة


              إن المسلمين في العصور الأولى رعوا هذه السنن, واحترموا الأسباب والمسببات,
              فأقاموا حضارة مثلى, نشأت في رحابها علوم كونية وعلوم إنسانية,آتت أكلها بإذن
              ربها.


              البحث عن العلم النافع وتجنب العلم غير النافع:

              فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بان نسأل الله العلم النافع، وإن نتعوذ بالله
              من العلم الذي لا ينفع، ومن ذلك :
              " قَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلُوا اللَّهَ عِلْمًا نَافِعًا وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ.
              (أخرجه ابن ماجة).

              " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْأَرْبَعِ مِنْ عِلْمٍ لَا
              يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ"
              أخرجه : أبو داود وابن ماجة وأحمد


              الجهاد في سبيل كشف الحقائق العلمية:

              فقد دفع القرآن الكريم الأمة لكشف الحقائق ووعدها بأن يقربها من الحقيقة بمقدار
              ما تبذله من جهد فقال سبحانه:
              (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين) العنكبوت: 69



              نموذج من التفسير الإسلامي للمفاهيم العلمية:


              نتناول فيما يلي أثنين من المفاهيم السائدة في الساحة العلمية، لبيان التفسير
              الإسلامي لكل منهما، وهما: الطبيعة، والصدفة.



              مفهوم الطبيعة:

              يقصد بالطبيعة (Nature) كل الموجودات في الكون التي لم يتدخل الإنسان في
              صناعتها، ولذا فإن الطبيعي يقابل الصناعي. ويبحث علم الطبيعة في طبائع الأشياء
              وخصائصها.


              والطبيعة مخلوقة ومسخرة للإنسان ليقوم بمهمة الخلافة في الأرض:
              ((وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ
              يَتَفَكَّرُونَ)) الجاثية :13


              وتسخير المخلوقات للإنسان يتطلب أن يبذل الإنسان الجهد اللازم لمعرفة السنن
              (القوانين) التي تحكم طبائعها؛ وكيفية عمل هذه السنن الثابتة. }
              ((..فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)) فاطر: 43.


              ومعرفة سنن الله في خلقه متاحة للمؤمن والكافر، ليست محظورة على أحد.
              يقول الحق تبارك وتعالى: } ((كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ
              عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا)) الإسراء : 20


              ومن الأخطاء الشائعة أن تنسب إلى الطبيعة الأفعال التي تعبر عن الخلق، فيقال
              مثلاً إن الطبيعة منحت الإنسان القدرة على التكلم، ونحو ذلك من التعبير الذي
              يضفي على الطبيعة صفة الخلق. وهذا يتنافى مع حقيقة كون الطبيعة مخلوقة
              وليست خالقة.


              الصدفة:

              لمعنى كلمة الصدفة (Chance) أوجه متعددة؛ يعنينا مها ثلاثة: مفاهيم الصدفة
              في الحياة اليومية، ومفهوم الصدفة في افتراضات العلم الغربي، ومفهوم الصدفة
              في التصور الإسلامي.


              مفاهيم الصدفة في الحياة اليومية:


              تستخدم كلمة الصدفة في الحياة اليومية لتعبر عن واحد من ثلاثة مفاهيم:

              · عدم القصد من فعل معين، مع إمكانية وجود القصد. كأن يلتقي شخص بصديق
              قديم دون ترتيب مسبق (دون قصد) في مكان عام مثل مسجد أو مطار أو سوق...الخ.

              · وجود القصد من فعل معين مع عدم توفر الإمكانية. مثل شخص لا يعرف فن
              الرماية، ويصيب الهدف من أول رمية.

              · عدم وجود علاقة سببية أو رابط بين حدثين متزامنين أو متتابعين يمكن أن يكون
              بينهما مثل هذه العلاقة. مثل الإعلان عن القيام بعمل معين، وتقوم به جهة أخرى
              غير المعلنة عنه.


              مفهوم الصدفة في فرضيات العلم الغربي:


              للصدفة مفهوم إلحادي في فرضيات العلم الغربي، يرتبط بتفسير نشأة الكون من
              العدم (صدفة) دون الاعتراف بوجود الخالق. وكذلك تفسير التنظيم الدقيق والمعقد
              للوجود،فهو في افتراضاتهم صدفة، أوأن هذا التنظيم - في أفضل فروضهم- تحكمه
              قوانين تصادف وجودها! أوأن هناك التنظيم الذاتي المعقد الذي أوجد نفسه من العدم
              صدفة! ولما كانت هذه الفرضيات الإلحادية تتصادم مع الفطرة السليمة والعقل
              الرشيد، فأقحمت كلمة الصدفة التي اعتاد الناس على استخدامها في حياتهم اليومية
              لتكون بديلاً مألوفاً لفكرة الخلق! مع ملاحظة عدم وجود علاقة بين مفاهيم الصدفة
              في الحياة اليومية، ومفهومها الإلحادي. ففي المفاهيم الثلاثة المستخدمة في الحياة
              اليومية إثبات للفاعل، بينما المفهوم الإلحادي للصدفة ينكر وجود الفاعل.
              وقد دفع هذا الاعتقاد الإلحادي أتباعه إلى البحث عن قوانين تساند اعتقادهم الباطل.


              مفهوم الصدفة في التصور الإسلامي:


              الصدفة بكل معانيها هي قدر الله، ويثبت ذلك القرآن الكريم في كثير من الآيات منها:

              ((.. قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)) الطلاق : 3

              ((إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر)) القمر:49

              (( فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُون )) المرسلات :23


              وليس للصدفة علاقة بعملية الخلق. فقد خلق الله السموات والأرض من العدم، وكان
              خلقهما أكبر من خلق الناس. يقول الحق سبحانه وتعالى:
              (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون)غافر:57


              كما أن القوانين التي خلقها الله لا تحكم الكون دون تدخل منه، كما تزعم التوراة
              المحرفة. يقول الله سبحانه:

              (( اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )) آل عمران : 2 .

              ((إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن
              بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)) فاطر: 41.


              يتبع ...

              تعليق


              • #8
                خامسا : مجالات الإعجاز العلمي في هرم المعرفة الإنسانية


                1- هرم المعرفة الإنسانية:


                إن كل مجالات المعرفة الإنسانية مجالات للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. وتتكون
                المعرفة الإنسانية من كل ما وصل إليه إدراك الإنسان من العلم.

                غير أن الحضارة المادية المعاصرة حصرت العلم في الأشياء المادية التي يدركها الحس
                البشري، فركزت على معرفة المادة، والطاقة، والكائنات الحية، والقوانين التي تحكمها،
                باستخدام المنهج التجريبي المرتكز على إجراء التجارب والملاحظة والاستنتاج.
                وفصلت الحضارة المادية المعاصرة بين العلوم الكونية، والعلوم الإنسانية، والدين.

                وقد أشرنا من قبل إلى المفهوم الإسلامي للعلم وهو أن العلم فريضة، تمارس في ظل
                الشريعة، وفق المقومات الإسلامية للعقلية العلمية، وغاية العلم رضا الله سبحانه.

                وينظر إلى العلم بوصفه وحدة كلية متكاملة في تفاصيلها ومكوناتها؛ فمجالات العلم
                وميادينه وحقوله متداخلة مع بعضها، ومتشابكة جميعا، وتعتبر أجزاء لحقيقة واحدة.

                والعلم أيا كان مجاله أو ميدانه أو حقله، فإن مصدره واحد هو علم الله تعالى, وهو
                علم واحد لا يقبل التجزئة.

                ولذلك فإن مفهوم المعرفة الإنسانية في التصور الإسلامي؛ هو انعكاس لمفهوم العلم
                في هذا التصور. فالمعرفة هرم متصل ومترابط، يمكن أن نميز بين طبقاته المتلاحمة:
                العلوم الكونية تكون قاعدة هذا الهرم، تعلوها حكمة العلوم (فلسفة العلوم)، يليها
                الدراسات الإنسانية، يليها الحكمة بصفة عامة (الفلسفة العامة)، ويأتي الوحي الإلهي
                في قمة هذا الهرم. فهرم المعرفة في التصور الإسلامي يسير في اتجاه معاكس للتصور
                الغربي الذي افترض أن الإنسان بدأ جاهلاً كافراً، وتعلم بالتدريج، وتعرف على خالقة
                لخوفه من الظواهر الطبيعية مثل البرق، والرعد والعواصف..الخ يقابل ذلك في الإسلام
                أن آدم عليه السلام أبو البشرية كان عالماً عابداً ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا...)البقرة :31

                وعلم آدم أبناءه منهج الله، ولكن البشرية خالفت هذا المنهج. ونناقش فيما يأتي هرم
                المعرفة وفقاً للتصور الإسلامي.

                العلوم الكونية:

                تمثل العلوم الكونية قاعدة هرم المعرفة الإنسانية، وتتكون من العلوم البحتة والعلوم
                التطبيقية التي تمكن الإنسان من القيام بمهام الخلافة في الأرض. وتقوم هذه العلوم
                على منهج يبحث في الظواهر الجزئية للكون والحياة يسمى ( المنهج التجريبي
                الاستقرائي)، ويقصد به منهج استخراج القاعدة العامة (النظرية العلمية) أو القانون
                العلمي من مفردات الوقائع استنادا إلى الملاحظة والتجربة. وتشمل هذه العلوم العديد
                من الميادين مثل الفلك، والطب، والأرض (الجيولوجيا)، والهندسة، والإلكترونيات،
                والبحار والمياه، والنبات، والحشرات وغيرها من الميادين.

                حكمة العلوم (فلسفة العلوم):

                الفلسفة في الإسلام هي حب الحكمة، والحكمة هي: استخلاص العبرة من الشواهد
                المحسوسة. وتعتبر العلوم الكونية النافذة التي يطل منها الإنسان فيرى عظمة
                الخالق سبحانه.

                ولذا ينبغي أن يكون البحث العلمي على مرحلتين وليس مرحلة واحدة: مرحلة النظر
                ومرحلة التفكر فيما يتوصل إليه النظر وصولا إلى الحكمة منه.

                مرحلة النظر في الكون: النظر في الكون فريضة بنص الآيات القرآنية، وفي هذه
                المرحلة يصل الإنسان بواسطة الاستدلال العلمي إلى معرفة الحقيقة العلمية والقوانين
                التي تحكمها. ومن يتوقف عند معرفة هذه القوانين الظاهرة؛ يصدق فيه قول الله عز
                وجل:( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم : 7

                أي هم عن العلم بالآخرة والعمل لها غافلون، فلفظة "هم" الثانية تفيد أن الغفلة منهم
                هم، وإلا فأسباب التذكر حاصلة ومتاحة في الآيات والأحاديث، ولكنهم هم الغافلون،
                فهم قد شُغلوا بالوسيلة، وغفلوا عن الغاية. مرحلة التفكر: فبواسطة الاستدلال القياسي
                يصل الباحث إلى معرفة خالق هذه الحقيقة: أي يصل إلى الإيمان بالله تعالى، أو يقوي
                هذا الإيمان، فيكون التفكر عبادة. من هنا نفهم أنه لا يجوز مطلقاً الفصل بين البحث في
                الحقائق العلمية في القرآن والسنة وبين الدلالة الإيمانية فيهما، وإلا كان البحث ناقصاً
                والدراسة غير مكتملة. وتمثل هذه المرحلة البحث عن أهم خصائص العلم وهو حكمته.

                فلا يكتمل العلم إذا فصلت الحقائق العلمية المكتشفة عن الحكمة من اكتشافها. فالإبداع،
                والتناسق، والكمال، والجمال في القوانين المكتشفة، وما تعود به على الإنسانية من
                خير ونفع وتمكين، وتحقيق لسنن الله في خلقه، وما أرشدنا إليه في وحيه، توصل إلى
                معرفة الخالق وصفاته أولا؛ ثم إتباع هديه في تسخير المكتشفات لخير البشرية؛ وابتغاء
                مرضاة الله سبحانه من وراء ذلك. وقد رأينا بعض نتائج العلم الناقص؛ التي افتقدت إلى
                الحكمة، رأينا إنتاج أسلحة الدمار الشامل وغيرها من الشرور التي تعاني منها البشرية
                في هذا العصر.

                يتبع ...

                تعليق


                • #9
                  الدراسات الإنسانية:



                  وتأتي الدراسات الإنسانية فوق العلوم الكونية وحكمتها.فلم تأتي هذه العلوم إلا تكريماً



                  للإنسان .(( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ
                  على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاٌ)) الإسراء :70



                  فالدراسات الإنسانية توصل إلى تسخير نتائج العلوم الكونية لتحقيق هذا التكريم، وتمكين
                  الإنسان من القيام بمهام الخلافة. ويستلزم ذلك الدراسات المستمرة التي تواكب التطور في
                  العلوم الكونية، فتطور النظم التي تتطلبها الحياة الإنسانية في كافة المجالات الاجتماعية،
                  الاقتصادية، والسياسية.


                  وهي مجالات متداخلة ومتشابكة. وتشمل العديد من الميادين الدراسية مثل الاقتصاد
                  والإدارة والدراسات النفسية، والدراسات الاجتماعية، والدراسات اللغوية، والدراسات
                  الأدبية، والدراسات السياسية وغيرها من الميادين.



                  الحكمة (الفلسفة):



                  تُبنى النظم اللازمة لحياة الإنسان على الدراسات الإنسانية في شتى المجالات، فإذا
                  تركت هذه الدراسات للفكر البشري المنعزل عن الحكمة، تسود الأهواء، وتظهر
                  المفارقات المؤدية إلى اختلال التوازن في الحياة. فنجد الغلو في الجوانب المادية،
                  يقابله الغلو في الجوانب الروحية. ونجد الانحلال الأخلاقي، والتفكك الاجتماعي،
                  والظلم، والطغيان، والفساد في كل صوره. لذلك يأتي البحث عن الحكمة فوق
                  الدراسات الإنسانية، لتوجه هذه الدراسات. فيجب على المؤمن أن يستخدم كل قدراته
                  وحواسه وإمكاناته للسعي والبحث عن الحكمة. يقول الحق تبارك وتعالى:


                  ((يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
                  الأَلْبَابِ)) الألباب : 269



                  وقال رسول الله " الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا" ( سنن الترمذى )

                  تتطلب العلوم الإنسانية أطر عامة، تستوعب المتغيرات العلمية والتقنية، ترشّد النظم
                  الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأولها الإطار الأخلاقي، ولا يمكن أن يترك أمر هذه
                  الأطر العامة للإنسان.

                  فقد رأينا ما نتج عن ذلك في مسيرة البشرية. وهنا تظهر الحاجة الملحة إلى الوحي
                  الإلهي.



                  الوحي الإلهي:



                  يأتي الوحي في قمة هرم المعرفة الإنسانية، ويتمثل في القرآن والسنة. يأتي الوحي
                  بالشريعة التي تنظم حياة الإنسان، وتشيد أعظم وأكمل نظام أخلاقي عرفته البشرية،
                  نظام يضع ضوابط السلوك التي يعجز الإنسان عن وضعها لنفسه، وضوابط المعاملات
                  التي إذا خاض فيها الإنسان بغير هداية ربانية يضل ضلالا بعيدا. وتضع الأطر العامة
                  للنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

                  وقد أتى الوحي بكليات العلوم مجتمعة في كلماته، وترك تفصيلاتها لفكر الإنسان في
                  كل عصر من العصور بقدر ما آتاه الله من علم.


                  ميادين الإعجاز العلمي وحقوله:


                  تضمن هرم المعرفة الإنسانية مجلات متعددة تشملها طبقات هذا الهرم.
                  ويتضمن كل مجال ميادين متعددة، كما يتضمن كل ميدان حقول متنوعة. وهي
                  جميعاً ميادين وحقول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. غير أن العلاقة التراكمية
                  بين أجزاء هذا البناء، وحقيقة فترة التخلف التي تمر بها الأمة؛ أدت إلى تركيز نشاط
                  البحث – حالياً - في بعض ميادين العلوم الكونية. وأبرز هذه الميادين: الطب، علوم
                  الأرض، والفلك، وعلوم البحار والمياه.

                  [line]-[/line]


                  نماذج من أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

                  صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "..أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ.."
                  " (ابن ماجة والإمام أحمد). وقد ركز بن خلدون في مقدمته على هذا الحديث
                  ليستدل به على أن أحاديث رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجال
                  الطب، ليست من الوحي، بل من الرأي القابل للخطأ. وقد تبعه العديد من المفكرين
                  الداعين إلى أخذ الحضارة الغربية بخيرها وشرها، صغيرها وكبيرها، وتقليدها
                  تقليداً أعمى في كل شؤون الحياة. وقد جاء أقوام أنكروا الشرائع بحجة أنها من
                  أمور الدنيا.. ما للدين وللطب؟، ثم ما للدين وللاقتصاد؟ ثم ما للدين والمعاملات
                  التجارية؟...الخ ووسعوا الدائرة حتى حصروا الدين في الصلاة والصيام والزكاة
                  والحج... ثم بدءوا في الانسلاخ من هذه العبادات.. باعتبارها أموراَ فردية، من
                  شاء أن يتزمت ويحافظ على الصلاة والصيام فليفعل... ومن شاء أن يتحرر
                  وينطلق فيترك هذه الأمور فلا غبار عليه..فهو قد لحق بركب الحضارة والتقدم..
                  وهذه الحملة التغريبية والإعلامية المستعرة مستمرة في بلاد المسلمين لإخراج
                  الدين عن الدنيا، وفصل الدين عن العلم؛ وصولاً إلى المفهوم الغربي للدين.

                  الإسلام في شموله لم يترك مجالاً من مجالات الحياة إلا وتحدث فيه. حتى الأمور
                  التي لا تخطر لنا على بال؛ لأنها من صميم أعمال الدنيا وشؤونها.. بل أننا قد
                  نظن أنها من الأمور التافهة.

                  ينظم الإسلام أمور المعاش والنوم واليقظة.. أمور البيع والشراء.. أمور الأكل
                  والشرب.. قضاء الحاجة...الخروج من المنزل.. أمور الزواج.. أمور الأسرة..الخ.

                  أمور دنيوية بحته بعيدة عن المفهوم الغربي للدين ولكنها من صميم الدين الإسلامي.
                  رسم الإسلام إطاراً وحدوداً للأمور الدنيوية البحتة ، وسمح بالتحرك داخل الإطار،
                  وضمن الحدود. ولم يتركنا لنضل الطريق تحت دعوى الحرية التي يراها المقلدون
                  لحضارة الغرب، والسائرون خلفهم، حتى لو دخلوا جحر ضب هرولوا ليدخلوا وراءهم.
                  أما عن أمر الدنيا التي صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإخبار عنه فى قوله
                  صلى الله عليه وسلم: " .. أنتم أعلم بأمر دنياكم ..
                  فهو الأمور الفنية والتقنية التي تتغير بتغير الزمان والمكان، وهو التفصيل داخل
                  الإطار الذي رسمه الإسلام وحدده. فمثلاً الثياب ما دامت ساترة للعورة، طاهرة،
                  وليست حريراً (بالنسبة للرجال) فلا بأس بأي لبس تلبس... وهكذا في كل شأن
                  من شؤون الدنيا

                  نماذج من الإعجاز في ميدان العلوم الطبية:


                  أرشد رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكثير من الأصول التي تبنى
                  عليها صحة الأبدان والقلوب والنفوس ... وترك بعد ذلك للعلماء والباحثين حرية
                  الحركة، داخل ذلك الإطار الواسع الكبير.. ترك للفكر الإنساني، وللتجربة الإنسانية
                  حرية الوصول إلى الكثير مما قد أرشد إليه، أو أشار إليه بكلمة أو كلمات.

                  عرض فيلم عن حوار الشيخ الزنداني مع البروفيسور كيث مور حول قوله تعالى:
                  ((... يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ...)) الزمر :6


                  http://www.neajaz.org/j/2.wmv عرض فيلم حوار الشيخ الزنداني
                  مع البروفيسور تاجاتات تاجاسون حول الإعجاز القرآني في بيان مراكز الإحساس
                  بالألم في الجلد.
                  http://www.eajaz.org/Arabic/j/3.wmv
                  نماذج من الإعجاز العلمي في ميدان الفلك:


                  الفلك Astronomy ميدان قديم من ميادين البحث، مادته الأساسية السماء
                  وأجرامها الكثيرة، وظواهرها المختلفة. تقوم هذه البحوث على الأرصاد الفلكية
                  إما بالعين المجردة، أو بالأجهزة والتقنيات العلمية المتطور. وظهر في هذا
                  الميدان فروع متعددة، ارتبطت بالتطورات التقنية المعاصرة. ومن هذه الفروع:

                  ** علم الفيزياء الفلكية: Astrophysics وهو العلم المختص بدراسة الظواهر
                  والصفات الفيزيائية لأجرام السماء.
                  **علم القياسات الفلكية: Astrometry ويختص بقياسات مواقع النجوم والأجرام
                  في قبة السماء.

                  ** علم الفلك الراديوي ويختص بدراسة (الأمواج الراديوية) المنبعثة من الأجرام السماوية.
                  **علم الفلك بالأشعة تحت الحمراء.

                  ** علم الفلك بالأشعة فوق البنفسجية، وبأشعة (جاما) وبالأشعة السينية.
                  ** علم الكونيات: Cosmology وهو مختص ببحث ودراسة أصل الكون، وبنيته
                  وعناصره.
                  ** علم الكوسموجوني: Cosmogony وهو علم تاريخ الفلك، ويشمل التصورات
                  لفلكية عند الأمم.

                  وقد حظي الفلك بعناية كبيرة في الإسلام. ومن مظاهر هذه العناية:
                  ورود مفردات فلكية كثيرة في القرآن، فلفظ (السماء ) و(السماوات) ورد في القرآن
                  (310) مرة. ولفظ (الشمس) (33) مرة، ولفظ (القمر) (27) مرة، ولفظ (النجم)
                  و(النجوم) 13 مرة.

                  تسمية بعض سور القرآن بأسماء فلكية وظواهر كونية مثل: (القمر، النجم، الشمس، التكوير، الانفطار، البروج، الانشقاق...). وردت آيات كثيرة تدعوا إلى النظر في السماء، والتفكر في بنائها المحكم، ومحتوياتها المذهلة، وإلى النظر والتفكر في الظواهر الكونية المختلفة. ولهذا يعد الفلك ميدانا علمياً لتفسير الآيات القرآنية الكونية، ولبيان ما تتضمنه من إعجاز علمي. ونعرض فيما يلي حوار الشيخ الزنداني مع البروفيسور آرمسترونج حول حقائق علوم الفلك.
                  http://www.eajaz.org/Arabic/j/12.wmv

                  نماذج من الإعجاز في ميدان البحار والمحيطات:

                  علم البحار علم حديث، يعنى بمختلف ظواهر عالم البحار. وبالرغم من أن الإنسان
                  الأول كان على صلة قوية مع الأنهار والبحار، لم يكن لهذا العلم أولوية عند الإنسان
                  فكان اهتمام الإنسان منصباً على معرفة الأرض التي يعيش عليها، وعلى ما يحيط به
                  من أمور أخرى سهلة المنال. ولم تكن لدى الإنسان الأدوات التي تمكنه من البحث
                  العلمي في هذا المجال.

                  بدأ هذا العلم يأخذ مكانه في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، واستمر التقدم في
                  هذا العلم إلى الآن بعد استخدام الأقمار الاصطناعية والتصوير عن بعد. ولم تكن هناك
                  معلومات دقيقة في هذا المجال قبل الإسلام.

                  ·عرض حوار الشيخ الزنداني مع البروفيسور درجا برساد راو عن أعماق البحار
                  والمحيطات.
                  http://www.eajaz.org/Arabic/j/14.wmv
                  نماذج من الإعجاز في ميدان علم الأرض (الجيولوجيا):

                  عرض فيلم حوار الشيخ الزنداني مع البروفيسور آرمسترونج حول وصف الجبال
                  فى القرآن الكريم .


                  تم بحمد اللــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه

                  تعليق


                  • #10
                    بسم الله الرحمن الرحيم

                    يمكن مشاهدة بعض مقاطع الفيديو المذكورة بالموضوع من خلال هذا الموضوع

                    مقاطع فيديو موثقة عن معجزات علمية بالقرآن و السنة يعترف بها علماء غير مسلمين !!!!

                    تعليق

                    مواضيع ذات صلة

                    تقليص

                    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                    ابتدأ بواسطة Islam soldier, 12 أكت, 2023, 07:10 م
                    ردود 3
                    64 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة Islam soldier
                    بواسطة Islam soldier
                     
                    ابتدأ بواسطة Islam soldier, 10 أغس, 2023, 04:28 ص
                    رد 1
                    81 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة Islam soldier
                    بواسطة Islam soldier
                     
                    ابتدأ بواسطة لخديم, 4 مار, 2023, 05:02 م
                    ردود 0
                    32 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة لخديم
                    بواسطة لخديم
                     
                    ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 3 أكت, 2022, 01:26 ص
                    ردود 0
                    84 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                    بواسطة *اسلامي عزي*
                     
                    ابتدأ بواسطة د. أحمد نصر الدين, 23 مار, 2022, 12:53 م
                    ردود 0
                    1,565 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة د. أحمد نصر الدين  
                    يعمل...
                    X