عظماء فى الإسلام

تقليص

عن الكاتب

تقليص

موحد بالله مسلم اكتشف المزيد حول موحد بالله
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    نكمل بأذن الله الحديث عن أبي حنيفة النعمان


    مكانة ابو حنيفة" رضي الله عنه "العلمية
    فانه ليس بالغريب أن يفترى على الإمام أبو حنيفة " رضي الله عنه "الكذب وذلك امكانة علمية رفيعة ، فقد أخذ من العلوم الشرعية نصيبا وافرا فنبع في العلوم الشرعية ، ولقد كانت له القدرة على الإفتاء والتدريس وحل المشكلات الدقيقة التي تعرض عليه ، وكان له مع ذلكمعرفة في علم الكلام والجدل ، إذ كانت معرفته تلك مرتبطة بنشأته بالكوفة ، حيث كانت موطنا لاهل الاهواء ةالملل والنحل المختلفة ، والفرق المتباينة ، وإذا كان المجتمععلى هذه الشاكلة كثر فيه الجدل والمناظرات حول العقائد . لذلك أنشغل إمام السلفية أبو حنيفة" رضي الله عنه "في بداية طلبة للعلم يعلم الكلام حتى برع فيه ونبغ ، وبلغ فيه مبلغا يشار اليه بالبيان . وكان به يجادل وعنه يناضل ، وكان يرتحل الى البصرة لمناقشةأصحاب الخومات ، وهذا ما يدله قوله " كنت رجلا أعطيت جدلا في الكلام ، فمضى دهر فيه أتردد وبه أخاصم وعنه أناضل ، وكان اصحاب الخصومات والجدل أكثرهم بالبصرة ، فدخلت البصرة نيفا وعشرين مرة .........." وقال قبيصة بن عقبة : " كان الإمام أبو حنيفة " رضي الله عنه "في اول أمره يجادل اهل الاهواء ، حتى صار رأسا في ذلك منضورا اليه ، ثم ترك الجدل ورجع الى الفقه والسنه وصار إماما " وهناك ممن ينتسب الى الحنفية كالماتريدية يقول بأن إمام السلفية أبوحنيفة" رضي الله عنه "لم يترك الكلام تركا كليا بعد ان فضح المتكلمين وأظهر عوراتهم ، وهذا الكلام فيه تخليط لان الإمام اباحنيفة " رضي الله عنه "ترك علم الكلام تركا كليا وصرح بذلك مبينا سبب الترك ، حيث قال : " رأيت المشتعلين بالكلام قاسية قلوبهم ، غليضة أفئدتهم ، لا يبالون بمخالفة الكتاب والسنة والسلف الصالح ، ولوكان خيرا لاشتغل به السلف الصالحين . " وهذا القول يرد زعم من زعم إن الماتريدية ليست إلا استمرارا لمدرسة الإمام الاعظم ، من غير ان يكون بينهما إلا فرق بسيط ، ولايعتد بة . فكيف يقال ان الماتريدية ليست إلا استمرارا لمدرسة الإمام ابو حنيفة والمتريدية خالفت أبا حنيفة " رضي الله عنه "في نفي كثير من الصفات الإلهية ، والقول بكلام النفسي ، وي مسمى الإيمان وفي مصادر الاستدلال في الاعتقاد ؟
    لم ينبع الإمام في الكلام والجدال فحسب ، فحين أرادالله بالإمام خيرا ترك علم الكلام والجدال ، حتى أصبحأمام الفقه في عصره ، ساعده على ذلك ما فطره الله عليه من الذكاء والفطنة والسجايا الحسنة كالصبر والحلم ، وهذه الامور كلها ساعت على نبوغه ، ففاق أقرانه ةالكثير من أهل عصره في هذا العلم ، فكان الناس عيالا عليه ، كما قال الإمام الشافعي " رضي الله عنه "" من أراد أن يعرف الفقه ، فليزم أبا حنيفة وأصحابه ، فإن الناس كلهم عيال عليه في الفقه " . وقال عبد الله بن المبارك : " أبو حنيفة أفقه الناس " ،وقال حفص بن غياث : " كلام أبي حنيقة في الفقه أدق من الشعر " وقد صدق بن غياث ، فمن المسائل الفقهية الدقيقة التي عرضت على أبي حنيفة " رضي الله عنه " ،ما ذكره الصالحي عن وكيع قال " كنا عند أبي حنيفة " رضي الله عنه "فأتته امرأة فقالت : مات أخي وخلف ستمائة دينار ، فأعطوني منها دينارا واحدا ، قال : ومن قسم فريضتكم ؟ قالت : داود الطائي . قال :هو حقك أليس خلف أخوك بنتين ؟ قالت : بلى . قال : وأما ؟ قالت : بلى ، قال : وزوجة ؟ قالت .بلى . قال : واثني عشر أخا واختا واحدة ؟ قالت . بلى ، قال : فإن للبنات الثلثين أربعمائة ، وللام السدس مائة ، وللمرأة الثمن خمسه وسبعين ، ويبقى خمسه وعشرون ،للاخوة أربعةوعشرون لكل أخ ديناران ، ولك دينار ز" لذلك قال الذهبي في فقه أبي حنيفة " رضي الله عنه " : " الإمامة في الفقه ودقائقة مسلمة الى هذا الإمام " وهذا أمر لاشك فيه ثم أستشهد بهذا البيت :
    وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل



    اقوال الامام ابو حنيفة " رضي الله عنه "في توحيد الاسماء والصفات :
    • قال الامام ابو حنيفة " رضي الله عنه ": لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين ، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف ، وهو قول اهل السنة والجماعة ، وهو يغضب ويرضى ولا يقال : غضبه عقوبته ، ورضاه ثوابه . ونصفه كما وصف نفسه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . حي قادر سميع بصيرعالم ، يد الله فوق أيديهم ، ليست كأيدي خلقه ، ووجهه ليس كوجوه خلقه .
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": وله يد ووجه ونفس كما ذكرالله تعالى في القرآن . فما ذكره الله تعالى في القرآن ، من ذكرالوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف ، ولا يقال : إن يده قدرته أو نعمته ، لان فيه إبطال الصفة ، وهو قول أهل القدر والاعتزال ..........
    قال البزدوي : العلم نوعان علم التوحيد والصفات ، وعلم الشرائع والاحكام . والاصل في النوع الاول هو التمسك بالكتاب والسنه ومجانبة الهوى والبدعة ولزوم طريق السنة والجماعة ، وهو الذي علي أدركنا مشايخنا وكان على ذلك سلفنا أبو حنيفة " رضي الله عنه "وأبو يوسف ومحمد وعامة أصحابهم . وقد صنف أبو حنيفة " رضي الله عنه "في كتاب الفقه الاكبر ، وذكر فيه إ ثبات الصفات وإثبات تقدير الخير والشر من الله .
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه " : لا ينبغي لاحد أن ينطق في ذات الله بشئ . بل يصفه بما وصف به نفسه ، ولا يقول فيه برأيه شيئا تبارك الله تعالى رب العالمين .
    • سئل الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه "عن النزول الالهي ، فقال : ينزل بلا كيف .
    قال الملا علي القاري بعد ذكره قول الامام مالك " الاستواء معلوم والكيف مجهول ......." . اختاره إمامنا الاعظم – أبو حنيفة " رضي الله عنه "– وكذا كل ما ورد من الايات والاحاديث المتشابهات من ذكر اليد والعين والوجه ونحوهما من الصفات . فمعاني الصفات كلها معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة ، إذ تعقل الكيف فرع العلم لكيفية الذات وكنهها . فإذا كان ذلك غير معلوم ، فكيف يعقل لهم كيفية الصفات . والعصمة النافعة من هذا الباب أن يصف الله بما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ، بل يثبت له الاسماء والصفات وينفي عنه مشابهة المخلوقات ، فيكون إثباتك منزها عن التشبيه ، ونفيك منزها عن التعطيل . فمن نفى حقيقة الاستواء فهو معطل ومن شبهه باستواء المخلوقات على المخلوق فهو مشبه . ومن قال استواء ليس كمثله شئ فهو الموحد المنزه .
    قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": ولايقال إن يده قدرته أو نعمته لان فيه إبطال صفة ، وهو قول أهل القدر والاعتزال .
    قال الالوسي الحنفي : أنت تعلم أن طريقة كثير من العلماء الاعلام وأساطين الاسلام الامساك عن التأويل مطلقا مع نفي التشبيه والتجسيم . منهم الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه "، والامام مالك " رضي الله عنه "، والامام أحمد " رضي الله عنه "، والامام الشافعي " رضي الله عنه "، ومحمد بن الحسن ، وسعد بن معاذ المروزي ، وعبد الله بن المبارك ، وابو معاذ خالد بن سليمان صاحب سفيان الثوري ، واسحاق بن راهويه ، ومحمد بن اسماعيل البخاري ، وابو داود السجستاني ( رضى الله عنهم ) .
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": ولا يشبه شيئا من الاشياء من خلقه ، ولا يشبهه شئ من خلقه ، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته ..........
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": لايوصف الله تعالى بصفات المخلوقين .
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": وصفاته الذاتية والفعلية . اما الذاتية فالحياة والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والارادة ، وأما الفعلية فالتخليق والترزيق والانشاء والابداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل لم يزل ولايزال بأسمائه وصفاته .
    • قال الامام أبو حنفية " رضي الله عنه ": ولم يزل فاعلا بفعله ، والفعل صفة في الازل ، والفاعل هو الله تعالى ، والفعل صفة في الازل والمفعول مخلوق وفعل الله تعالى غير مخلوق .
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": من قال لا أعرف ربي في السماء ام في الارض فقد كفر ، وكذا من قال إنه على العرش ، ولا ادري العرش أفي السماء ام في الارض .
    • قال الامام ابو حنيفة للمرأة التي سألته أين إلهك الذي تعبجه ؟ قال : إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الارض ، فقال رجل : أرأيت قول الله تعالى :{ وهو معكم } – سورة الحديد :الاية4- قال : هو كما تكتب للرجل إني معك وأنت غائب عنه .
    • قال الامام ابو حنيفة " رضي الله عنه ": والقرآن غير مخلوق .
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": ونقر بأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق .
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": ونقر بان الله تعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة .
    أقوال الامام أبي حنيفة " رضي الله عنه "في القدر :
    • جاء رجل الى الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه "يجادله في القدر، فقال له : ( أما علمت أن الناظر في القدر كالناظر في عيني الشمس ، كلما إزداد نظرا إزداد تحيرا ) .
    • يقول الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": ( وكان الله تعالى في الازل بالاشياء قبل كونها ) .
    • وقال : ( يعلم الله تعالى المعدوم في حالة عدمه معدوما ، ويعلم أنه كيف يكون إذا أوجده ، ويعلم الله تعالى الموجود في حالة وجوده موجودا ، ويعلم كيف يكون فناؤه ) .
    • يقول الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": ( وقدره في اللوح المحفوظ ) .
    • وقال : ( ونقر بأن الله تعالى أمر بالقلم أن يكتب ، فقال القلم : ماذا أكتب يارب ؟ فقال الله تعالى : اكتب ما هو كائن الى يوم القيامة ، لقوله تعالى {وكل شئ فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر } )
    • وقال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": ( لايكون شئ في الدنيا ولا في الاخرة إلا بمشيئته )
    • ويقول الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": (خلق الله الاشياء لا من شئ ) .
    • وقال : ( وكان الله تعالى خالقا قبل ان يخلق ) .
    • وقال : ( نقر بأن العبد مع اعماله وإقراره ومعرفته مخلوق ، فلما كان الفاعل مخلوقا ، فأفعاله أولى أن يكون مخلوقة ) .
    • وقال : (جميع افعال العباد من الحركة والسكون : كسبهم ، والله تعالى خالقها ، وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره ) .
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": (وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خلقها ، وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره ، والطاعات كلها كانت واجبة بأمر الله تعالى وبمحبته وبرضاه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره ، والمعاصي كلها بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته ، لابمحبته ولا برضاه ولا بأمره ) .
    • وقال : ( خلق الله تعالى الخلق سليما من الكفر والايمان ، ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم ، فكفر من كفر بفعله وإنكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى أياه ، وآمن من أمن بفعله وإقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى ونصرته له ).........والصواب : خلق الله تعالى الخلق على فطرة الاسلام ،
    • كما سيبينه الامام أبو حنيفة" رضي الله عنه "في قوله الاتي : وقال : ( واخرج ذرية آدم من صلبه على صور الذر ، فجعلهم عقلاء ، فخاطبهم وأمرهم بالايمان ، فأقروا له بالربوبية ، فكان ذلك منهم إيمانا ، فهم يولدون على تلك الفطرة ، ومن كفر بعد ذلك فقد بدل وغير ، ومن آمن وصدق فقدثبت عليه وداوم ) .
    • وقال : ( وهو الذي قدر الاشياء وقضاها ، ولا يكون في الدنيا ولا في الاخرة شئ إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره ، وكتبه في اللوح المحفوظ ) .
    • وقال : ( ولم يجبر أحدا من خلقه على الكفر ولا على الايمان ، ولكن خلقهم اشخاصا ، والايمان والكفر فعل العباد ، ويعلم الله تعالى من يكفر في حال كفره ، فإذا آمن بعد ذلك ، فإذا علمه مؤمنا أحبه من غير لنيتغير علمه ) .
    أقوال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه "في الايمان :
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": ( والايمان هو الاقرار والتصديق ) .
    • وقال : ( الايمان إقرار باللسان ، وتصديق بالجنان ، والإقرار وحده لايمكن إيمانا ).
    • وقال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": ( والايمان لايزيد ولا ينقص ) . قلت : قوله في عدم زيادة الايمان الايمان ونقصانه ، وقوله في مسمى الايمان ، وان العمل خارج عن حقيقة الايمان .........قوله هذا هو الفارق بين عقيدة الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه "في الايمان وبين عقيدة سائر أئمة الاسلام - مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والبخاري وغيرهم – والحق معهم ، وقول أبي حنيفة " رضي الله عنه "مجانب للصواب . وهو مأجور في الحالين ، وقد ذكرابن عبد البر وابن أبي العز ما يشعر أن أبا حنيفة " رضي الله عنه "رجع عن قوله. والله اعلم .
    اقوال الامام أبي حنيفة " رضي الله عنه "في الصحابة :
    • قال الامام أبو حنيفة " رضي الله عنه ": ( لانذكر أحدا من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بخير ) .
    • وقال : ( ولانتبرأ من أحد من اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا نوالي أحدا دون أحد ) .
    • ويقول : (مقام احدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة ، خير من عمل أحدنا جميع عمره ، وان طال ) .
    • وقال : ( ونقر بأن أفضل هذه الامة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين .
    • وقال : (افضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، ثم نكف عن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليهوسلم إلا بذكر جميل ) .

    الثناء على أبي حنيفة " رضي الله عنه ":
    أبونعيم الحافظ قال : حدثنا محمد بن ابراهيم بن علي ، قال : سمعث حمزه بن علي البصري يقول : سمعت الشافعي " رضي الله عنه "يقول ( الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه ) وقال حرمله بن يحيى : سمعت محمد بن ادريس الشافعي يقول ( من أراد أن يتبحر في الفقه ، فهو عيال على أبي حنيفة ) . قال : وسمعته – يعني الشافعي – يقول ( كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه ) .
    وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 6 / 404 ) قال حفص بن غياث ( كلام أبي حنيفة في الفقه أدق من الشعر ، لايعيبه إلا جاهل ) وقال الذهبي أيضا : وروي عن الاعمش أنه سئل عن مسألة ، فقال ( إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت ، وأظنه بورك له في علمه ) وقال جرير : قال لي مغبرة ( جالس أبا حنيفة تفقه ، فإن ابراهيم النخعي لو كان حيا لجالسه ) قلت – الذهبي -: ( الامامة في الفقه ودقائقه ، مسلمة الى هذا الامام . وهذا أمر لا شك فيه ) . انتهى .
    وقال الذهبي عنه ( برع في الرأي ، وساد أهل زمانه في التفقه ، وتفريع المسائل ، وتصدر للاشتغال ، وتجرج به الاصحاب ) . ثم قال ( وكان معدودا في الاجواد الاسخياء ، والاولياء الاذكياء ، مع الدين والعبادة والتهد وكثرة التلاوة ، وقيام الليل رضى الله عنه ) .
    وقال ابن كثير في البداية والنهاية (10 /110 ) الامام أبو حنيفة ....... فقيه العراق ، وأحد أئمة الاسلام ، والسادة الاعلام وأحد أركان العلماء ، وأحد الائمة الاربعة اصحاب المذاهب المتبوعة ، وهو أقدمهم وفاة ) . وقال ابن العماد في شذرات الذهب ( 1 / 228 ) ( وكان من أذكياء بني آدم . جمع الفقه والعبادة ، والورع والسخاء . وكان لايقبل جوائز الدولة ، بل ينفق ويؤثر من كسبه ) . ويروى عن سفيان الثوري – كما في الفقيه والمتفقه ( 2 /73 ) قوله ( كان أبو حنيفة أفقه أهل الارض في زمانه ) .
    وقال محمد بن مزاحم : سمعت ابن المبارك يقول ( أفقه الناس أبو حنيفة ، ما رأيت في الفقه مثله ). وقال ابن المبارك ايضا ( لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان كنت كسائر الناس ) .
    قال علي بن عاصم : لو وزن علم الامام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه ، لرجح عليهم .
    كان يحيى بن سعيد يختار قوله في الفتوى ، وكان يحيى يقول : لا نكذب الله ! ما سمعنا أحسن م رأي أبي حنيفة ، وقد أخذنا باكثر أقواله . وقال عبد الله بن المبارك : لولا أن الله أعانني بأبي حنيفه وسفيان الثوري لكنت كسائر الناس . وقال في الشافعي : رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته . وقال الشافعي : من أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة ، وم أراد السير فهوعيال على محمد بن إسحاق ، ومن أراد الحديث فهو عيال على مالك ، ومن أراد التفسير فهو عيال على مقاتل بن سليمان .
    وقال عبد الله بن داود الحريبي : ينبغي للناس أن يدعوا في صلاتهم لابي حنيفة ،لحفظه الفقه والسنن عليهم . وقال سفيان الثوري وابن المبارك : كان أبو حنيفة أفقه أهل الارض في زمانه . وقال أبو نعيم : كان صاحب غوص في المسائل . وقال مكي بن ابراهيم : كان أعلم أهل الارض .


    وفاته :
    ذكر ابن الاهدل أن أبا جعفر المنصور نقله الى بغداد ليوليه القضاء فأبى ، فحلف أبو حنيفة " رضي الله عنه "ان لا يفعل ، فأمر بحبسه وقيل أنه كان يرسل اليه في الحبس أنك إن أحببت وقبلت ما طلبت منك لاخرجنك من الحبس ولاكرمنك ، فأبى ، فأمر بان يخرج كل يوم فيضرب عشرة أسواط فكان يخرج به كل يوم فيضرب فأكثر الدعاء فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات في الحبس مبطونا سنه 150 هجريه ، فأخرجت جنازته وكثر بكاء الناس عليه وصلى عليه خمسون الفا في مقابر الخيزران في بغداد .


    ____________________
    المصدر :
    من سيرة الإمام أبو حنيفة الدكتور صباح قاسم الامامي

    الحمد لله
    وللحديث بقيه عن شخصية إسلاميه جديده
    اقتباس:
    نحري دون نحرك ,عرضي فدي عرضك, نفسي فدي نفسك
    بأبي أنت و أمي يا رسول الله
    ****
    بنات المسلمين هنا سبايا ..... وشمس المكرمات هنا تغيب
    تبيت كريمة اختي وتصحو .... وقد الغى كرامتها الغريب
    تخبّئ وجهها ياليت شعري..... بماذا ينطق الوجه الكئيب
    يموت الطفل في احضان ام ..... تهدهده وقد جف الحليب


    منتدى حراس العقيدة يشترط توثيق المواضيع، ويعتبره شرط أساسي لاعتمادها. فلا يقبل أي موضوع لأي عضو كان (عضو,مشرف,مدير أو عضو شرف) إن لم تكن المعلومات الواردة به موثقة.

    التوثيق ,التوثيق,التوثيق
    بارك الله فيكم

    تعليق


    • #47
      مؤذن رسول الله
      بلال بن رباح



      كان عمر بن الخطاب، اذا ذكر أبو بكر قال:
      " أبو بكر سيدنا وأعتق سيّدنا"..يعني بلالا رضي الله عنه..
      وان رجلا يلقبه عمر بسيدنا هو رجل عظيم ومحظوظ..لكن هذا الرجل الشديد السمرة، النحيف الناحل، المفرط الطول الكث الشعر، الخفيف العارضين، لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه اليه، وتغدق عليه، الا ويحني رأسه ويغض طرفه، ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل:
      "انما أنا حبشي.. كنت بالأمس عبدا"..!!فمن هذا الحبشي الذي كان بالأمس عبدا..!!انه "بلال بن رباح" مؤذن الاسلام، ومزعج الأصنام..انه احدى معجزات الايمان والصدق.احدى معجزات الاسلام العظيم..
      في كل عشرة مسلمين. منذ بدأ الاسلام الى اليوم، والى ما شاء الله سنلتقي بسبعة على الأقل يعرفون بلالا..
      أي أن هناك مئات الملايين من البشر عبر القرون والأجيال عرفوا بلالا، وحفظوا اسمه، وعرفوا دوره. تماما كما عرفوا أعظم خليفتين في الاسلام: أبي بكر وعمر...!!
      وانك لتسأل الطفل الذي لا يزال يحبو في سنوات دراسته الأولى في مصر، أ، باكستان، أ، الصين..
      وفي الأمريكيتين، وأوروبا وروسيا..وفي سوريا، وايران والسودان..في أعماق أفريقيا، وفوق هضاب آسيا..
      في كل يقعة من الأرض يقتنها مسلمون، تستطيع أن تسأل أي طفل مسلم: من بلال يا غلام؟
      فيجيبك: انه مؤذن الرسول.. وانه العبد الذي كان سيّده يعذبه بالحجارة المستعرّة ليردّه عن دينه، فيقول:"أحد.. أحد.."
      وحينما تبصر هذا الخلود الذي منحه الاسلام بلالا.. فاعلم أن بلال هذا، لم يكن قبل الاسلام أكثر من عبد رقيق، يرعى ابل سيّده على حفنات من التمر، حتى يطو به الموت، ويطوّح به الى أعماق النسيان..
      لكن صدق ايمانه، وعظمة الدين الذي آمن به بوأه في حياته، وفي تاريخه مكانا عليّا في الاسلام بين العظماء والشرفاء والكرماء...
      ان كثيرا من عليّة البشر، وذوي الجاه والنفوذ والثروة فيهم، لم يظفروا بمعشار الخلود الذي ظفر به بلال العبد الحبشي..!!
      بل ان كثيرا من أبطال التاريخ لم ينالوا من الشهرة التاريخية بعض الذي ناله بلال..
      ان سواد بشرته، وتواضع حسبه ونسبه، وهوانه على الانس كعبد رقيق، لم يحرمه حين آثر الاسلام دينا، من أن يتبوأ المكان الرفيع الذي يؤهله له صدقه ويقينه، وطهره، وتفانيه..

      ان ذلك كله لم يكن له في ميزان تقييمه وتكريمه أي حساب، الا حساب الدهشة حين توجد العظمة في غير مظانها..

      فلقد كان الناس يظنون أن عبدا مثل بلال، ينتمي الى أصول غريبة.. ليس له أهل، ولا حول، ولا يملك من حياته شيئا، فهو ملك لسيّده الذي اشتراه بماله.. يروح ويغدو وسط شويهات سيده وابله وماشيته..
      كانوا يظنون أن مثل هذا الكائن، لا يمكن أن يقدر على شيء ولا أن يكون شيئا..
      ثم اذا هو يخلف الظنون جميعا، فيقدر على ايمان، هيهات أن يقدر على مثله سواه.. ثم يكون أول مؤذن للرسول والاسلام العمل الذي كان يتمناه لنفسه كل سادة قريش وعظمائها من الذين أسلموا واتبعوا الرسول..!!أجل.. بلال بن رباح!
      أيّة بطولة.. وأيّة عظمة تعبر عنها هذه الكلمات الثلاث بلال ابن رباح..؟!

      **


      انه حبشي من أمة السود... جعلته مقاديره عبدا لأناس من بني جمح بمكة، حيث كانت أمه احدى امائهم وجواريهم..
      كان يعيش عيشة الرقيق، تمضي أيامه متشابهة قاحلة، لا حق له في يومه، ولا أمل له في غده..!!
      ولقد بدأت أنباء محمد تنادي سمعه، حين أخذ الانس في مكة يتناقلونها، وحين كان يصغي الى أحاديث ساداته وأضيافهم، سيما "أمية بن خلف" أحد شيوخ بني جمح القبيلة التي كان بلال أحد عبيدها..
      لطالما سمع أمية وهو يتحدّث مع أصدقائه حينا، وأفراد قبيلته أحيانا عن الرسول حديثا يطفح غيظا، وغمّا وشرا..

      وكانت أذن بلال تلتقط من بين كلمات الغيظ المجنون، الصفات التي تصور له هذا الدين الجديد.. وكان يحس أنها صفات جديدة على هذه البيئة التي يعيش فيها.. كما كانت أذنه تلتقط من خلال أحاديثهم الراعدة المتوعدة اعترافهم بشرف محمد وصدقه وأمانته..!!
      أجل انه ليسمعهم يعجبون، ويحارون، في هذا الذي جاء به محمد..!!
      ويقول بعضهم لبعض: ما كان محمد يوما كاذبا. ولا ساحرا..ولا مجنونا.. وان ام يكن لنا بد من وصمه اليوم بذلك كله، حتى نصدّ عنه الذين سيسارعون الى دينه..!!
      سمعهم يتحدّثون عن أمانته..عن وفائه..عن رجولته وخلقه..عن نزاهته ورجاحة عقله..
      وسمعهم يتهامسون بالأسباب التي تحملهم على تحديّ وعداوته، تلك هي: ولاؤهم لدين آبائهم أولا. والخوف على مجد قريش ثانيا، ذلك المجد الذي يفيئه عليها مركزها الديني، كعاصمة للعبادة والنسك في جزيرة العرب كلها، ثم الحقد على بني هاشم، أن يخرج منهم دون غيرهم نبي ورسول...!

      وذات يوم يبصر بلال ب رباح نور الله، ويسمع في أعماق روحه الخيّرة رنينه، فيذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسلم..
      ولا يلبث خبر اسلامه أن يذيع.. وتدور الأرض برؤوس أسياده من بني جمح.. تلك الرؤوس التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور..!! وتجثم شياطين الأرض فوق صدر أميّة بن خلف الذي رأى في اسلام عبد من عبيدهم لطمة جللتهم جميعا بالخزي والعار..
      عبدهم الحبشي يسلم ويتبع محمد..؟!
      ويقول أميّة لنفسه: ومع هذا فلا بأس.. ان شمس هذا اليوم لن تغرب الا ويغرب معها اسلام هذا العبد الآبق..!!
      ولكن الشمس لم تغرب قط باسلام بلال بل غربت ذات يوم بأصنام قريش كلها، وحماة الوثنية فيها...!
      **


      أما بلال فقد كان له موقف ليس شرفا للاسلام وحده، وان كان الاسلام أحق به، ولكنه شرف للانسانية جميعا..
      لقد صمد لأقسى الوان التعذيب صمود البرار العظام.ولكأنما جعله الله مثلا على أن سواد البشرة وعبودية الرقبة لا ينالان من عظمة الروح اذا وجدت ايمانها، واعتصمت بباريها، وتشبثت بحقها..
      لقد أعطى بلال درسا بليغا للذين في زمانه، وفي كل مان، للذين على دينه وعلى كل دين.. درسا فحواه أن حريّة الضمير وسيادته لا يباعان بملء الأرض ذهبا، ولا بملئها عذابا..
      لقد وضع عريانا فوق الجمر، على أن يزيغ عن دينه، أو يزيف اقتناعه فأبى..

      لقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام، والاسلام، من هذا العبد الحبشي المستضعف أستاذا للبشرية كلها في فن احترام الضمير، والدفاع عن حريته وسيادته..
      لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها الى جهنم قاتلة.. فيطرحونه على حصاها الماتهب وهو عريان، ثم يأتون بحجر مستعر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال، ويلقون به فوق جسده وصدره..
      ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم، حتى رقّت لبلال من هول عذابه بعض قلوب جلاديه، فرضوا آخر الأمر أن يخلوا سبيله، على أن يذكر آلهتهم بخير ولو بكلمة واحدة تحفظ لهم كبرياءهم، ولا تتحدث قريش أنهم انهزموا صاغرين أمام صمود عبدهم واصراره..

      ولكن حتى هذه الكلمة الواحدة العابرة التي يستطيع أن يلقيها من وراء قلبه، ويشتري بها حياته نفسه، دون أن يفقد ايمانه، ويتخلى عن اقتناعه.حتى هذه الكلمة الواحدة رفض بلال أن يقولها..!
      نعم لقد رفض أن يقولها، وصار يردد مكانها نشيده الخالد:"أحد أحد "يقولون له: قل كما نقول..
      فيجيبهم في تهكم عجيب وسخرية كاوية:"ان لساني لا يحسنه"..!!
      ويظل بلال في ذوب الحميم وصخره، حتى اذا حان الأصيل أقاموه، وجعلوا في عنقه حبلا، ثم أمروا صبيانهم أن يطوفوا به جبال مكة وشوارعها. وبلال لا يلهج لسانه بغير نشيده المقدس:" أحد أحد".

      وكأني اذا جنّ عليهم الليل يساومونه:
      غدا قل كلمات خير في آلهتنا، قل ربي اللات والعزى، لنذرك وشأتك، فقد تعبنا من تعذيبك، حتى لكأننا نحن المعذبون!فيهز رأسه ويقول:" أحد.. أحد..".
      ويلكزه أمية بن خلف وينفجر غمّا وغيظا، ويصيح: أي شؤم رمانا بك يا عبد السوء..؟واللات والعزى لأجعلنك للعبيد والسادة مثلا.
      ويجيب بلال في يقين المؤمن: "أحد. أحد.."
      ويعود للحديث والمساومة، من وكل اليه تمثيل دور المشفق عليه، فيقول:
      خل عنك يا أميّة.. واللات لن يعذب بعد اليوم، ان بلالا منا أمه جاريتنا، وانه لن يرضى أن يجعلنا باسلامه حديث قريش وسخريّتها..
      ويحدّق بلال في الوجوه الكاذبة الماكرة، ويفتر ثغره عن ابتسامة كضوء الفجر، ويقول في هدوء يزلزلهم زلزالا:"أحد.. أحد.."
      وتجيء الغداة وتقترب الظهيرة، ويؤخذ بلال الى الرمضاء، وهو صابر محتسب، صامد ثابت.
      ويذهب اليهم أبو بكر الصديق وهو يعذبونه، ويصيح بهم:(أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)؟؟
      ثم يصيح في أميّة بن خلف: خذ أكثر من ثمنه واتركه حرا..وكأنما كان أمية يغرق وأدركه زورق النجاة..

      لقد طابت نفسه وسعدت حين سمع أبا بكر يعرض ثمن تحريره اذ كان اليأس من تطويع لال قد بلغ في في نفوسهم أشده، ولأنهم كانوا من التجار، فقد أردكوا أن بيعه أربح لهم من موته..
      باعوه لأبي بكر الذي حرّره من فوره، وأخذ بلال مكانه بين الرجال الأحرار...

      وحين كان الصدّيق يتأبط ذراع بلال منطلقا به الى الحرية قال له أمية:خذه، فواللات والعزى، لو أبيت الا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها..
      وفطن أبو بكر لما في هذه الكلمات من مرارة اليأس وخيبة الأمل وكان حريّا بألا يجيبه..
      ولكن لأن فيها مساسا بكرامة هذا الذي قد صار أخا له، وندّا،أجاب أمية قائلا:والله لو أبيتم أنتم الا مائة أوقية لدفعتها..!!

      وانطلق بصاحبه الى رسول الله يبشره بتحريره.. وكان عيدا عظيما!
      وبعد هجرة الرسول والمسلمين الى المدينة، واستقرارهم بها، يشرّع الرسول للصلاة أذانها..
      فمن يكون المؤذن للصلاة خمس مرات كل يوم..؟ وتصدح عبر الأفق تكبيراتهوتهليلاته..؟
      انه بلال.. الذي صاح منذ ثلاث عشرة سنة والعذاب يهدّه ويشويه أن: "الله أحد..أحد".
      لقد وقع اختيار الرسول عليه اليوم ليكون أول مؤذن للاسلام.
      وبصوته النديّ الشجيّ مضى يملأ الأفئدة ايمانا، والأسماع روعة وهو ينادى:

      الله أكبر.. الله أكبر
      الله أكبر .. الله أكبر
      أشهد أن لااله الا الله
      أشهد أن لا اله الا الله
      أشهد أن محمدا رسول الله
      أشهد أن محمدا رسول الله
      حي على الصلاة
      حي على الصلاة
      حي على الفلاح
      حي على الفلاح
      الله أكبر.. الله أكبر
      لااله الا الله...


      ونشب القتال بين المسلمين وجيش قريش الذي قدم الى المدينة غازيا..
      وتدور الحرب عنيفة قاسية ضارية..وبلال هناك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها الاسلام، غزوة بدر.. تلك الغزوة التي أمر الرسول عليه السلام أن يكون شعارها: "أحد..أحد".

      في هذه الغزوة ألقت قريش بأفلاذ أكبادها، وخرج أشرافها جميعا لمصارعهم..!!
      ولقد همّ بالنكوص عن الخروج "أمية بن خلف" .. هذا الذي كان سيدا لبلال، والذي كان يعذبه في وحشيّة قاتلة..

      همّ بالنكوص لولا أن ذهب اليه صديقه "عقبة بن أبي معيط" حين علم عن نبأ تخاذله وتقاعسه، حاملا في يمينه مجمرة حتى اذا واجهه وهو جالس وسط قومه، ألقى الجمرة بين يديه وقال له: يا أبا علي، استجمر بهبذ، فانما أنت من النساء..!!!
      وصاح به أمية قائلا: قبحك الله، وقبّح ما جئت به..ثم لم يجد بدّا من الخروج مع الغزاة فخرج..
      أيّة أسرار للقدر، يطويها وينشرها..؟لقد كان عقبة بن أبي معيط أكبر مشجع لأمية على تعذيب بلال، وغير بلال من المسلمين المستضعفين..
      واليوم هو نفسه الذي يغريه بالخروج الى غزوة بدر التي سيكون فيها مصرعه..!!
      كما سيكون فيها مصرع عقبة أيضا!
      لقد كان أمية من القاعدين عن الحرب.. ولولا تشهير عقبة به على هذا النحو الذي رأيناه لما خرج..!!
      ولكن الله بالغ أمره، فليخرج أمية فان بينه وبين عبد من عباد الله حسابا قديما، جاء أوان تصفيته، فالديّان لا يموت، وكما تدينون تدانون..!!

      وان القدر ليحلو له أن يسخر بالجبارين.. فعقبة الذي كان أمية يصغي لتحريضه، ويسارع اى هواه في تعذيب المؤمنين الأبرياء، هو نفسه الذب سيقود أميّة الى مصرعه..وبيد من..؟ بيد بلال نفسه.. وبلال وحده!!
      نفس اليد التي طوّقها أميّة بالسلاسل، وأوجع صاحبها ضربا، وعذابا..
      مع هذه اليد ذاتها، هي اليوم، وفي غزوة بدر، على موعد أجاد القدر توقيته، مع جلاد قريش الذي أذل المؤمنين بغيا وعدوا..ولقد حدث هذا تماما..

      وحين بدأ القتال بين الفريقين، وارتج جانب المعركة من قبل المسلمين بشعارهم:" أحد.. أحد" انخلع قلب أمية، وجاءه النذير..
      ان الكلمة التي كان يرددها بالأمس عبد تحت وقع العذاب والهول قد صارت اليوم شعار دين بأسره وشعار الأمة الجديدة كلها..!!"أحد..أحد"؟؟!!
      أهكذا..؟ وبهذه السرعة.. وهذا النمو العظيم..؟؟

      **


      وتلاحمت السيوف وحمي القتال..
      وبينما المعركة تقترب من نهايتها، لمح أمية بن خلف" عبد الرحمن بن عوف" صاحب رسول الله، فاحتمى به، وطلب اليه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته..
      وقبل عبد الرحمن عرضه وأجاره، ثم سار به وسط العمعمة الى مكان السرى.
      وفي الطريق لمح بلال فصاح قائلا:"رأس الكفر أميّة بن خلف.. لا نجوت ان نجا".
      ورفع سيفه ليقطف الرأس الذي لطالما أثقله الغرور والكبر، فصاح به عبد الرحمن بن عوف:"أي بلال.. انه أسيري".أسير والحرب مشبوبة دائرة..؟
      أسير وسيفه يقطر دما مما كان يصنع قبل لحظة في أجساد المسلمين..؟
      لا.. ذلك في رأي بلال ضحك بالعقول وسخرية.. ولقد ضحك أمية وسخر بما فيه الكفاية..
      سخر حتى لم يترك من السخرية بقية يدخرها ليوم مثل هذا اليوم، وهذا المأزق، وهذا المصير..!!
      ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام حمى أخيه في الدين عبد الرحمن بن عوف، فصاح بأعلى صوته في المسلمين:"يا أنصار الله.. رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت ان نجا"...!
      وأقبلت كوكبة من المسلمين تقطر سيوفهم المنايا، وأحاطت بأمية وابنه ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئا.. بل لم يستطع أن يحمي أذراعه التي بددها الزحتم.
      وألقى بلال على جثمان أمية الذي هوى تحت السيوف القاصفة نظرة طويلة، ثم هرول عنه مسرعا وصوته النديّ يصيح:"أحد.. أحد.."

      لا أظن أن من حقنا أن نبحث عن فضيلة التسامح لدى بلال في مثل هذا المقام..
      فلو أن اللقاء بين بلال وأمية تمّ في ظروف أخرى، لجازنا أن نسال بلالا حق التسامح، وما كان لرجل في مثل ايمانه وتقاه أن يبخل به.
      لكن اللقاء الذي تم بينهما، كان في حرب، جاءها كل فريق ليفني غريمه..

      السيوف تتوهج.. والقتلى يسقطون.. والمنايا تتواثب، ثم يبصر بلال أمية الذي لم يترك في جسده موضع أنملة الا ويحمل آثار تعذيب.وأين يبصره وكيف..؟
      يبصره في ساحة الحرب والقتال يحصد بسيفه كل ما يناله من رؤوس المسلمين، ولو أدرك رأس بلال ساعتئذ لطوّح به..
      في ظروف كهذه يلتقي الرجلان فيها، لا يكون من المنطق العادل في شيء أن نسأل بلالا: لماذا لم يصفح الصفح الجميل..؟؟

      وتمضي الأيام وتفتح مكة..ويدخلها الرسول شاكرا مكبرا على رأس عشرة آلاف من المسلمين..
      ويتوجه الى الكعبة رأسا.. هذا المكان المقدس الذي زحمته قريش بعدد أيام السنة من الأصنام..!!
      لقد جاء الحق وزهق الباطل..
      ومن اليوم لا عزى.. ولا لات.. ولا هبل.. لن يجني الانسان بعد اليوم هامته لحجر، ولا وثن.. ولن يعبد الناس ملء ضمائرهم الا الله الي ليس كمثله شيء، الواحد الأحد، الكبير المتعال..
      ويدخل الرسول الكعبة، مصطحبا معه بلال..!ولا يكاد يدخلها حتى يواجه تمثالا منحوتا، يمثل ابراهيم عليه السلام وهو يستقسم بالأزلام، فيغضب الرسول ويقول:"قاتلهم الله..
      ما كان شيخنا يستقسم بالأزلام.. ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين".

      ويأمر بلال أن يعلو ظهر المسجد، ويؤذن.ويؤذن بلال.. فيالروعة الزمان، واملكان، والمناسبة..!!
      كفت الحياة في مكة عن الحركة، ووقفت الألوف المسلمة كالنسمة الساكنة، تردد في خشوع وهمس كلمات الآذان ورء بلال.

      والمشركون في بيوتهم لا يكادون يصدقون:أهذا هو محمد وفقراؤه الذين أخرجوا بالأمس من هذا الديار..؟؟أهذا هو حقا، ومعه عشرة آلاف من المؤمنين..؟؟
      أهذا هو حقا الذي قاتلناه، وطاردنبه، وقتلنا أحب الناس اليه..؟
      أهذا هو حقا الذي كان يخاطبنا من لحظات ورقابنا بين يديه، ويقول لنا:"اذهبوا فأنتم الطلقاء"..!!

      ولكن ثلاثة من أشراف قريش، كانوا جلوسا بفناء الكعبة، وكأنما يلفحهم مشهد بلال وهو يدوس أصنامهم بقدميه، ويرسل من فوق ركامها المهيل صوته بالأذان المنتشر في آفاق مكة كلها كعبير الربيع..
      أما هؤلاء الثلاثة فهم، أبوسفيان بن حرب، وكان قد أسلم منذ ساعات، وعتّاب بن أسيد، والحارث بن هشام، وكانا لم يسلما بعد.

      قال عتاب وعينه على بلال وهو يصدح بأذانه:
      لقد أكرم الله اسيدا، ألا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه. وقال الحارث:
      أما والله لو أعلم أن محمدا محق لاتبعته..!!
      وعقب أبو سفيان الداهية على حديثهما قائلا:
      اني لا أقول شيئا، فلو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى!! وحين غادر النبي الكعبة رآهم، وقرأ وجوههم في لحظة، قال وعيناه تتألقان بنور الله، وفرحة النصر:
      قد علمت الذي قلتم..!!!ومضى يحدثهم بما قالوا..
      فصاح الحارث وعتاب:
      نشهد أنك رسول الله، والله ما سمعنا أحد فنقول أخبرك..!!
      واستقبلا بلال بقلوب جديدة..في أفئدتهم صدى الكلمات التي سمعوها في خطاب الرسول أول دخول مكة:
      " يامعشر قريش..ان الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء..الناس من آدم وآدم من تراب"..
      **


      وعاش بلال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشهد معه المشاهد كلها، يؤذن للصلاة، ويحيي ويحمي شعائر هذا الدين العظيم الذي أخرجه من الظلمات الى النور، ومن الرق الى الحريّة..
      وعلا شأن الاسلام، وعلا معه شأن المسلمين، وكان بلال يزداد كل يوم قربا من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يصفه بأنه:" رجل من أهل الجنة"..
      لكن بلالا بقي كما هو كريما متواضعا، لا يرى نفسه الا أنه:" الحبشي الذي كان بالأمس عبدا"..!!


      ذهب يوما يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما:
      "أنا بلال، هذا أخي عبدان من الحبشة.. كنا ضالين فهدانا الله.. ومنا عبدين فأعتقنا الله.. ان تزوّجونا فالحمد لله.. وان تمنعونا فالله أكبر.."!!

      **


      وذهب الرسول الى الرفيق الأعلى راضيا مرضيا، ونهض بأمر المسلمين من بعده خليفته أبو بكر الصديق..
      وذهب بلال الى خليفة رسول الله يقول له:
      " يا خليفة رسول الله..اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أفضل عمل لبمؤمن الجهاد في سبيل الله"..
      فقال له أبو بكر: فما تشاء يا بلال..؟
      قال: أردت أن أرابط في سبيل الله حتىأموت..
      قال أبو بكر ومن يؤذن لنا؟
      قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع، اني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله.
      قال أبو بكر: بل ابق وأذن لنا يا بلال..
      قال بلال: ان كنت أعتقتني لأكون لك فليكن لك ما تريد. وان كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له..
      قال أبو بكر: بل أعتقتك لله يا بلال..
      ويختلف الرواة، فيروي بعضهم أنه سافر الى الشام حيث بقي فيها مجاهدا مرابطا.
      ويروي بعضهم الآخر، أنه قبل رجاء أبي بكر في أن يبقى معه بالمدينة، فلما قبض وولي عمر الخلافة استأذنه وخرج الى الشام.

      ، فقد نذر بلال بقية حياته وعمره للمرابطة في ثغور الاسلام، مصمما أن يلقى الله ورسوله وهو على خير عمل يحبانه.

      ولم يعد يصدح بالأذان بصوته الشجي الحفيّ المهيب، ذلك أنه لم ينطق في أذانه "أشهد أن محمدا رسول الله" حتى تجيش به الذمؤيات فيختفي صوته تحت وقع أساه، وتصيح بالكلمات دموعه وعبراته.
      وكان آخر أذان له أيام زار أمير المؤمنين عمر وتوسل المسلمون اليه أن يحمل بلالا على أن يؤذن لهم صلاة واحدة.
      ودعا أمير المؤمنين بلال، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها.
      وصعد بلال وأذن.. فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله وبلال يؤذن له.. بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا.. وكان عمر أشدهم بكاء..!!

      ومات بلال في الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد.

      وتحت ثرى دمشق يثوي اليوم رفات رجل من أعظم رجال البشر صلابة في الوقوف الى جانب العقيدة والاقتناع...

      __________
      المصدر:
      رجال حول الرسول


      الحمد لله
      وللحديث بقيه عن شخصية إسلاميه جديده
      اقتباس:
      نحري دون نحرك ,عرضي فدي عرضك, نفسي فدي نفسك
      بأبي أنت و أمي يا رسول الله
      ****
      بنات المسلمين هنا سبايا ..... وشمس المكرمات هنا تغيب
      تبيت كريمة اختي وتصحو .... وقد الغى كرامتها الغريب
      تخبّئ وجهها ياليت شعري..... بماذا ينطق الوجه الكئيب
      يموت الطفل في احضان ام ..... تهدهده وقد جف الحليب


      منتدى حراس العقيدة يشترط توثيق المواضيع، ويعتبره شرط أساسي لاعتمادها. فلا يقبل أي موضوع لأي عضو كان (عضو,مشرف,مدير أو عضو شرف) إن لم تكن المعلومات الواردة به موثقة.

      التوثيق ,التوثيق,التوثيق
      بارك الله فيكم

      تعليق


      • #48
        داهية العرب و محرّر مصر من الرومان عمرو بن العاص



        كانوا ثلاثة في قريش، اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وايذائهم أصحابه..
        وراح الرسول يدعو عليهم، ويبتهل الى ربه الكريم أن ينزل بهم عقابه..
        واذ هو يدعو ويدعو، تنزل الوحي على قلبه بهذه الآية الكريمة..
        ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم، فانهم ظالمون)..
        وفهم الرسول من الآية أنها أمر له بالكف عن الدعاء عليهم، وترك أمرهم الى الله وحده..
        فامّا أن يظلوا على ظلمهم، فيحلّ بهم عذابه..أو يتوب عليهم فيتوبوا، وتدركهم رحمته..
        كان عمرو بن العاص أحد هؤلاء الثلاثة..
        ولقد اختار الله لهم طريق التوبة والرحمة وهداهم الى الاسلام..
        وتحول عمرو بن العاص الى مسلم مناضل. والى قائد من قادة الاسلام البواسل..
        وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو التي لا نستطيع أن نقتنع بوجهة نظره فيها، فان دوره كصحابيّ جليل بذل وأعطى، ونافح وكافح، سيظل يفتح على محيّاه أعيننا وقلوبنا..
        وهنا في مصر بالذات، سيظل الذين يرون الاسلام دينا قيما مجيدا..
        ويرون في رسوله رحمة مهداة، ونعمة موجاة، ورسول صدق عظيم، دعا الى الله على بصيرة، وألهم الحياة كثيرا من رشدها وتقاها..
        سيظل الذين يحملون هذا الايمان مشحوذي الولاء للرجل الذي جعلته الأقدار سببا، وأي سبب، لاهداء الاسلام الى مصر، واهداء مصر الى الاسلام.. فنعمت الهداية ونعم مهديها..
        ذلكم هو: عمرو بن العاص رضي الله عنه..
        ولقد تعوّد المؤرخون أن ينعتوا عمرا بـ فاتح مصر..
        بيد أنا نرى في هذا الوصف تجوزا وتجاوزا، ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه بـ محرر مصر..
        فالاسلام لم يكن يفتح البلاد بالمفهوم الحديث للفتح، انما كان يحررها من تسلط امبراطوريتين سامتا العباد والبلاد سوء العذاب، تانك هما:
        امبراطورية الفرس.ز وامبراطورية الروم..
        ومصر بالذات، يوم أهلت عليها طلائع الاسلام كانت نهبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون جدوى..
        ولما دوّت فوق مشارف بلادهم صيحات الكتائب المؤمنة أن:
        " الله أكبر..الله أكبر"..
        سارعوا جميعا في زحام مجيد صوب الفجر الوافد وعانقوه، واجدين فيه خلاصهم من قيصر ومن الرومان..
        فعمرو بن العاص ورجاله، لم يفتحوا مصر اذن.. انما فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالحق مصايرها.. وتربط بالعدل مقاديرها.. وتجد نفسها وحقيقتها في ضوء كلمات الله، ومبادئ الاسلام..
        ولقد كان رضي الله عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة، ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان الين يحتلون البلاد ويسرقون أرزاق أهلها..
        من أجل ذلك نجده يتحدث الى زعماء النصارى يومئذ وكبار أشاقفتهم، فيقول:
        "... ان الله بعث محمدا بالحق وأمره به..
        وانه عليه الصلاة والسلام، قد أدّى رسالته، ومضى بعد أن تركنا على الواضحة أي الطريق الواضح المستقيم..
        وكان مما أمرنا به الاعذار الى الناس، فنحن ندعوكم الى الاسلام..
        فمن أجابنا، فهو منا، له ما لنا وعليه ما علينا..
        ومن لم يجبنا الى الاسلام، عرضنا عليه الجزية أي الضرائب وبذلنا له الحماية والمنعة..
        ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا، وأوصانا بأهلها خيرا فقال:" ستفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرا، فان لهم ذمّة ورحما"..
        فان أجبتمونا الى ما ندعوكم اليه كانت لكم ذمة الى ذمة"...
        وفرغ عمرو من كلماته، فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا:
        " ان الرحم التي أوصاكم بها نبيّكم، لهي قرابة بعيدة، لا يصل مثلها الا الأنبياء"..!!
        وكانت هذه بداية طيبة للتفاهم المرجو بين عمرو أقباط مصر.. وان يكن قادة الرومان قد حاولوا العمل لاحباطها..

        **

        وعمرو بن العاص لم يكن من السابقين الى الاسلام، فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل..

        ومن عجب أن اسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرا ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي، وفي زيارته الأخيرة لتلك البلاد جاء ذكر لرسول الذي يهتف بالتوحيد وبمكارم الأخلاق في جزيرة العرب..
        وسأل عاهل الحبشة عمرا، كيف لم يؤمن به ويتبعه، وهو رسول من الله حقا..؟؟
        وسأل عمرو النجاشي قائلا:
        " أهو كذلك؟؟"
        وأجابه النجاشي:
        " نعم، فأطعني يا عمرو واتبعه، فانه والله لعلى الحق، وليظهرنّ على من خالفه"..؟!
        وركب عمرو ثبج البحر من فوره، عائدا الى بلاده، وميمّما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين..
        وفي الطريق المقضية الى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا الى الرسول ليبايعه على الاسلام..
        ولك يكد الرسول يراهما قادمين حتى تهلل وجهه وقال لأصحابه:
        " لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها"..
        وتقدم خالد فبايع..
        ثم تقدم عمرو فقال:
        " اني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي"..
        فأجابه الرسول عليه السلام قائلا:
        " يا عمرو..
        بايع، فان الاسلام يجبّ ما كان قبله"..
        وبايع عمرو ووضع دهاءه وشجاعته في خدمة الدين الجديد.
        وعندما انتقل الرسول الى الرفيق الأعلى، كان عمرو واليا على عمان..
        وفي خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود في حروب الشام، ثم في تحرير مصر من حكم الرومان.

        **

        وياليت عمرو بن العاص كان قد قاوم نفسه في حب الامارة..
        اذن لكان قد تفوّق كثيرا على بعض المواقف التي ورّطه فيها الحب.
        على أن حب عمرو الامارة، كان الى حد ما، تعبيرا تلقائيا عن طبيعته الجياشة بالمواهب..
        بل ان شكله الخارجي، وطريقته في المشي وفي الحديث، كانت تومي الى أنه خلق للامارة..!! حتى لقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رآه ذات يوم مقبلا، فابتسم لمشيته وقال:
        " ما ينبغي لأبي عبدالله أن يمشي على الأرض الا أميرا"..!
        والحق أن أبا عبدالله لم يبخس نفسه هذا الحق..
        وحتى حين كانت الأحداث الخطيرة تجتاح المسلمين.. كان عمرو يتعامل مع هذه الأحداث بأسلوب أمير، أمير معه من الذكاء والدهاء، والمقدرة ما يجعله واثقا بنفسه معتزا بتفوقه..!!
        ولكن معه كذلك من الأمانة ما جعل عمر بن الخطاب وهو الصارم في اختيار ولاته، واليا على فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين عمر...
        حين علم أمير المؤمنين عمر أن عمرا قد جاوز في رخاء معيشته الحد الذي كان أمير المؤمنين يطلب من ولاته أن يقفوا عنده، ليظلوا دائما في مستوى، أو على الأقل قريبين من مستوى عامة الناس..
        نقول: لو علم الخليفة عن عمرو كثرة رخائه، لم يعزله، انما أرسل اليه محمد بن مسلمة وأمره أن يقاسم عمرا جميع أمواله وأشيائه، فيبقي له نصفها ويحمل معه الى بيت المال بالمدينة نصفها الآخر.
        ولو قد علم أمير المؤمنين أن حب عمرو للامارة، يحمله على التفريط في مسؤولياته، لما احتمل ضميره الرشيد ابقاءه في الولاية لحظة.

        **


        وكان عمرو رضي الله عنه حادّ الذكاء، قوي البديهة عميق الرؤية..
        حتى لقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، كلما رأى انسانا عاجز الحيلة، صكّ كفيّه عجبا وقال:
        " سبحان الله..!!
        ان خالق هذا، وخالق عمرو بن العاص اله واحد!!
        كما كان بالغ الجرأة مقداما
        ولقد كان يمزج جرأته بدهائه في بعض المواطن، فيظن به الجبن أو الهلع.. بيد أنها سعة الحيلة، كان عمرو يجيد استعمالها في حذق هائل ليخرج نفسه من المآزق المهلكة..!!
        ولقد كام أمير المؤمنين عمر يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها، من أجل ذلك عندما أرسله الى الشام قبل مجيئه الى مصر، قيل لأمير المؤمنين: ان على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة، فكان جواب عمر:
        " لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فلننظر عمّ تنفرج الأمور"..!!
        ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب، وداهيتهم الخطير عمرو ابن العاص، على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر، التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل، ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الاسلام.

        **

        وما أكثر المواقف التي تألق فيها ذكاء عمرو ودهاؤه.
        وان كنا لا نحسب منها بحال موقفه من أبي موسى الأشعري في واقعة التحكيم حين اتفقا على أن يخلع كل منهما عليا ومعاوية، ليرجع الأمر شورى بين المسلمين، فأنفذ أبو موسى الاتفاق، وقعد عن انفاذه عمرو.
        واذا اردنا أن نشهد صورة لدهائه، وحذق بديهته، ففي موقفه من قائد حصن بابليون أثناء حربه مع الرومان في مصر وفي رواية تاريخية أخرى أنها الواقعة التي سنذكرها وقعت في اليرموك مع أرطبون الروم..
        اذ دعاه الأرطبون والقائد ليحادثه، وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بالقاء صخرة فوقه اثر انصرافه من الحصن، وأعدّ كل شيء ليكون قتل عمرو أمرا محتوما..
        ودخل عمرو على القائد، لا يريبه شيء، وانفض لقاؤهما، وبينما هو في الطريق الى خارج الحصن، لمح فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الحذر بشدّة.
        وعلى الفور تصرّف بشكل باهر.
        لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة، كأن لم يفرّعه شيء قط، ولم يثر شكوكه أمر!!
        ودخل على القائد وقال له:
        لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه.. ان معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الاسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دونمشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الاسلام الا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة..
        وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر..!!
        فليوافقه اذن على رأيه، حتى اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم وقوادهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده..
        وبطريقة غير منظورة أعطى أمره بارجاء الخطة التي كانت معدّة لاغتيال عمرو..
        ودّع عمرو بحفاوة، وصافحه بحرارة،
        وابتسم داهية العرب، وهو يغادر الحصن..

        وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه الى الحصن، ممتطيا صهوة فرسه، التي راحت تقهقه في صهيل شامت وساخر.
        أجل فهي الأخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثير..!!

        **

        وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر، حيث كان واليا عليها..
        وراح يستعرض حياته في لحظات الرحيل فقال:
        ".. كنت أول أمري كافرا.. وكنت أشد الناس على رسول الله، فلو مت يومئذ لوجبت لي النار..
        ثم بايعت رسول الله، فما كان في الناس أحد أحب اليّ منه، ولا أجلّ في عيني منه.. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه اجلالا له.. فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة..
        ثم بليت بعد ذلك بالسلطان، وبأشياء لاأدري أهي لي أم عليّ"..

        **

        ثم رفع بصره الى السماء في ضراعة، مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا:
        " اللهم لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر،
        والا تدركني رحمتك أكن من الهالكين"!!
        وظل في ضراعاته، وابتهالاته حتى صعدت الى الله روحه. وكانت آخر كلماته لا اله الا الله..

        وتحت ثرى مصر، التي عرّفها عمرو طريق الاسلام، ثوى رفاته..
        وفوق أرضها الصلبة، لا يزال مجلسه حيث كان يعلم، ويقضي ويحكم.. قائما عبر القرون تحت سقف مسجده العتيق جامع عمرو، أول ميجد في مصر يذكر فيه اسم الله الواحد الأحد، وأعلنت بين أرجائه ومن فوق منبره كلمات الله، ومبادئ الاسلام.

        ____________

        المصدر:
        رجال حول الرسول .

        الحمد لله
        وللحديث بقيه عن شخصية إسلاميه جديده
        اقتباس:
        نحري دون نحرك ,عرضي فدي عرضك, نفسي فدي نفسك
        بأبي أنت و أمي يا رسول الله
        ****
        بنات المسلمين هنا سبايا ..... وشمس المكرمات هنا تغيب
        تبيت كريمة اختي وتصحو .... وقد الغى كرامتها الغريب
        تخبّئ وجهها ياليت شعري..... بماذا ينطق الوجه الكئيب
        يموت الطفل في احضان ام ..... تهدهده وقد جف الحليب


        منتدى حراس العقيدة يشترط توثيق المواضيع، ويعتبره شرط أساسي لاعتمادها. فلا يقبل أي موضوع لأي عضو كان (عضو,مشرف,مدير أو عضو شرف) إن لم تكن المعلومات الواردة به موثقة.

        التوثيق ,التوثيق,التوثيق
        بارك الله فيكم

        تعليق


        • #49
          بسم الله الرحمن الرحيم

          إنة فارس الإسلام و المسلمين و سيف من سيوف رب العالمين و ترياق وساوس الشياطين من الكفار والمنافقين,إنة البطل القوي العنيد إنة الفارس القوي الرشيد إنة

          خالد بن الوليد


          رضي الله عنه و أرضاه علم من أعلام الجهاد في سبيل الله و عالم وحده في فن القيادة,وقد أقبل قادة الدنيا ينهلون من مورد خالد في فن القيادة,الذي تحول في دنيا الميادين إلي أسطورة.
          فمن هو خالد و ماذا نعرف نحن المسلمين عن خالد؟



          نسبة


          خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، أبو سليمان، أحد أشراف قريش في الجاهلية وكان إليه القبّة وأعنّة الخيل، أمّا القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدّم على خيول قريش في الحرب...
          و كان أبوة من أغني الناس في زمانة و كان من كبريائة في جودة و من جودة في كبريائة كان ينهي ان تقاد نار في مني سوي نارة لإطعام الحجيج,و أنزل الله فية أيات في سورة المدثر فقال:


          ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
          و رغم كل هذا الغني إلا أنة قد تربي علي الحياة الخشنة لأنة نشأ من صغرة يحب الفروسية..
          يقول عمر بن الخطاب عنة (عجزت النساء أن يلدن مثل خالد
          )
          والدته


          كان خالد بن الوليد ميمونَ النقيبـة، وأمّه عصماء، وهي لبابة بنت الحارث أخـت أم الفضـل بنت الحارث، أم بني العباس بن عبد المطلب، وخالته ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


          قصة إسلامه


          الرسالة
          وتعود قصة إسلام خالد إلى ما بعد معاهدة الحديبية حيث أسلم أخوه الوليد بن الوليد، ودخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء فسأل الوليد عن أخيه خالد، فقال: (أين خالد؟)... فقال الوليد: (يأتي به الله).

          فقال النبي: -صلى الله عليه وسلم-: « ما مثله يجهل الإسلام، ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيراً له، ولقد مناه على غيره ... فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده، فترك له رسالة قال فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد... فأني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك، ومثل الإسلام لا يجهله أحد؟!... وقد سألني عنك رسول الله، فقال أين خالد - وذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه - ثم قال له: فاستدرك يا أخي ما فاتك فيه، فقد فاتتك مواطن صالحة).

          وقد كان خالد -رضي اللـه عنه- يفكر في الإسلام، فلما قرأ رسالة أخيـه سرَّ بها سروراً كبيراً، وأعجبه مقالة النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-فيه، فتشجع وأسلـم...




          الحلم
          ورأى خالد في منامه كأنه في بلادٍ ضيّقة جديبة، فخرج إلى بلد أخضر واسع، فقال في نفسه: (إن هذه لرؤيا)... فلمّا قدم المدينة ذكرها لأبي بكر الصديق فقال له: (هو مخرجُكَ الذي هداك الله للإسلام، والضيقُ الذي كنتَ فيه من الشرك).




          الرحلة
          يقول خالد عن رحلته من مكة إلى المدينة: (وددت لو أجد من أصاحب، فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة، وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا، فلما كنا بالسهل إذا عمرو بن العاص، فقال: (مرحباً بالقوم)... قلنا: (وبك)... قال: (أين مسيركم؟)... فأخبرناه، وأخبرنا أيضاً أنه يريد النبي ليسلم، فاصطحبناه حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان).



          قدوم المدينة
          كان إسلامه في شهر صفر سنة ثمان من الهجرة
          فلما رآهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: «رمتكم مكة بأفلاذ كبدها ... يقول خالد: (ولما اطلعت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلمت عليه بالنبوة فرد على السلام بوجه طلق، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وحينها قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الحمد لله الذي هداك قد كنت أرى لك عقلاً لا يسلمك إلا إلى الخير)... وبايعت الرسـول وقلت: (استغفر لي كل ما أوضعـت فيه من صد عن سبيل اللـه)... فقال: (إن الإسلام يجـب ما كان قبله)... فقلت: (يا رسول الله على ذلك)... فقال: « اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك ... وتقدم عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، فأسلما وبايعا رسول الله...


          غزوة مؤتة


          كانت غزوة مؤتة أول غزوة شارك فيها خالد، وقد قتل قادتها الثلاثة: زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبدالله بن رواحة -رضي الله عنهم، فسارع إلى الراية (ثابت بن أقرم) فحملها عالياً وتوجه مسرعاً إلى خالد قائلا له: (خذ اللواء يا أبا سليمان) فلم يجد خالد أن من حقه أخذها فاعتذر قائلاً: (لا، لا آخذ اللواء أنت أحق به، لك سن وقد شهدت بدراً)... فأجابه ثابت: (خذه فأنت أدرى بالقتال مني، ووالله ما أخذته إلا لك). ثم نادى بالمسلمين: (أترضون إمرة خالد؟)... قالوا: (نعم)... فأخذ الراية خالد وأنقذ جيش المسلمين، يقول خالد: (قد تكسرت في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة لي يمانية).

          وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر الصحابة بتلك الغزوة: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن رواحة فأصيب ،... وعيناه -صلى الله عليه وسلم- تذرفان...، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهمو لقد سمي رسول الله صلي الله عليه و سلم نصر خالد ( فتحا )... فسمي خالد من ذلك اليوم سيف الله.



          هدم العُزّى


          بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى العُزّى يهدِمُها، فخرج خالد في ثلاثين فارساً من أصحابه حتى انتهى إليها فهدمها، ثم رجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (هُدِمَتْ؟)... قال: (نعم يا رسول الله)... فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هل رأيت شيئاً؟)... فقال: (لا)... فقال: (فإنك لم تهدِمْها، فأرجِعْ إليها فاهدمها)... فرجع خالد وهو متغيّظ، فلما انتهى إليها جرّد سيفه، فخرجت إليه إمرأة سوداء عُريانة، ناشرة الرأس، فجعل السادِنُ يصيح بها، قال خالد: (وأخذني اقشِعْرارٌ في ظهري)... فجعل يصيح:
          أعُزَّيَّ شـدِّي شـدّةً لا تكـذّبــي * * *أعُزّيَّ فالْقي للقناع وشَمِّـري
          أعُزَّي إن لم تقتلي اليومَ خالداً * * *فبـوئي بـذنبٍ عاجلٍ فتنصّري


          وأقبل خالد بالسيف إليها وهو يقول:
          يـــا عُــزَّ كُـفـرانَـكِ لا سُبحـانَـكِ * * *إنّــي وجــدتُ اللهَ قــد أهـانَكِ



          فضربها بالسيف فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال: « نعم ! تلك العُزّى قد أيِسَتْ أن تُعبدَ ببلادكم أبداً

          ثم قال خالد: (أيْ رسول الله، الحمدُ لله الذي أكرمنا بك، وأنقذنا من الهَلَكة، ولقد كنت أرى أبي يأتي إلى العُزّى نحيرُهُ، مئة من الإبل والغنم، فيذبحها للعُزّى، ويقيم عندها ثلاثاً ثم ينصرف إلينا مسروراً، فنظرتُ إلى ما مات عليه أبي، وذلك الرأي الذي كان يُعاش في فضله، كيف خُدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع؟!)... فقال رسول الله: « إنّ هذا الأمرَ إلى الله، فمَنْ يسَّرَهُ للهّدى تيسر، ومَنْ يُسِّرَ للضلالة كان فيها .


          حروب الردة


          وشارك في فتح مكة وفي حروب الردة، فقد مضى فأوقع بأهل الردة من بني تميم وغيرهم بالبُطاح، وقتل مالك بن نويرة، ثم أوقع بأهل بُزاخَة - وهي المعركة التي كانت بين خالد وطليحة بن خويلد، وحرقهم بالنار، وذلك أنه بلغه عنهم مقالة سيئة، شتموا النبي صلى الله عليه وسلم، وثبتوا على ردّتهم، ثم مضى الى اليمامة ووضع حداً لمسيلمة الكذاب وأعوانه من بني حنيفة.


          بلاد الفرس


          وفي فتح بلاد الفرس استهل خالد عمله بارسال كتب إلى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فالحمدلله الذي فض خدمكم، وسلب ملككم، ووهّن كيدكم، من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا، إذا جاءكم كتابي فابعثوا إلي بالرّهُن واعتقدوا مني الذمة، وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوماً يحبون الموت كما تحبون الحياة!!).

          وعندما جاءته أخبار الفرس بأنهم يعدون جيوشهم لمواجهته لم ينتظر، وإنما سارع ليقابلهم في كل مكان محققاً للإسلام النصر تلو الآخر ولم ينس أن يوصي جنوده قبل الزحف: (لا تتعرضوا للفلاحين بسوء، دعوهم في شغلهم آمنين، إلا أن يخرج بعضهم لقتالكم، فآنئذ قاتلوا المقاتلين).
          معركة اليرموك وبطولاتها


          إمرة الجيش

          أولى أبوبكر الصديق إمرة جيش المسلمين لخالد بن الوليد ليواجهوا جيش الروم الذي بلغ مائتي ألف مقاتل وأربعين ألفاً، فوقف خالد بجيش المسلمين خاطباً: (إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وتعالوا نتعاون الإمارة، فيكون أحدنا اليوم أميراً والآخر غداً، والآخر بعد غد، حتى يتأمر كلكم).




          تأمين الجيش

          وقبل أن يخوض خالد القتال، كان يشغل باله احتمال أن يهرب بعض أفراد جيشه بالذات من هم حديثي عهد بالإسلام، من أجل هذا ولأول مرة دعا نساء المسلمين وسلمهن السيوف، وأمرهن بالوقوف خلف صفوف المسلمين وقال لهن: (من يولي هارباً، فاقتلنه).


          خالد وماهان الروماني

          وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز إليه خالد، وبرز إليه خالد، في الفراغ الفاصل بين الجيشين، وقال (ماهان) قائد الروم: (قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم إلا الجهد والجوع فإن شئتم أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاماً، وترجعون إلى بلادكم، وفي العام القادم أبعث إليكم بمثلها!).

          وأدرك خالد ما في كلمات الرومي من سوء الأدب ورد قائلاً: (إنه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت، ولكننا قوم نشرب الدماء، وقد علمنا أنه لا دم أشهى ولا أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك!)... وعاد بجواده الى صفوف الجيش ورفع اللواء عالياً مؤذناً بالقتال: (الله أكبر، هبي رياح الجنة).



          من البطولات

          ودار قتال قوي، وبدا للروم من المسلمين مالم يكونوا يحتسبون، ورسم المسلمون صوراً تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم... فها هو خالد على رأس مائة من جنده ينقضون على أربعين ألف من الروم، يصيح بهم: (والذي نفسي بيده ما بقي من الروم من الصبر والجلد إلا ما رأيتم، وإني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم)... وبالفعل انتصر المائة على الأربعين ألف.


          خالد وجرجه الروماني

          وقد انبهر قادة الروم من عبقرية خالد في القتال، مما حمل (جرجه) أحد قادتهم للحديث مع خالد، حيث قال له: (يا خالد اصدقني، ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب، هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاك إياه، فلا تسله على أحد إلا هزمته؟)... قال خالد: (لا)... قال الرجل: (فبم سميت سيف الله؟).

          قال خالد: (إن الله بعث فينا رسوله، فمنا من صدقه ومنا من كذب، وكنت فيمن كذب حتى أخذ الله قلوبنا إلى الإسلام، وهدانا برسوله فبايعناه، فدعا لي الرسول، وقال لي: (أنت سيف من سيوف الله) فهكذا سميت سيف الله)... قال القائد الروماني: (وإلام تدعون؟).

          قال خالد: (إلى توحيد الله وإلى الإسلام)... قال: (هل لمن يدخل في الإسلام اليوم مثل مالكم من المثوبة والأجر؟)... قال خالد: (نعم وأفضل)... قال الرجل: (كيف وقد سبقتموه؟)... قال خالد: (لقد عشنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورأينا آياته ومعجزاته وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم في يسر، أما أنتم يا من لم تروه ولم تسمعوه ثم آمنتم بالغيب، فإن أجركم أجزل وأكبر إذا صدقتم الله سرائركم ونواياكم).

          وصاح القائد الروماني وقد دفع جواده إلى ناحية خالد ووقف بجواره: (علمني الإسلام يا خالد !)... وأسلم وصلى لله ركعتين لم يصل سواهما، وقاتل جرجه الروماني في صفوف المسلمين مستميتا في طلب الشهادة حتى نالها وظفر بها ...


          وفاة أبوبكر


          في أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الإمبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه، وتولى الخلافة بعده عمر رضي الله عنه، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد... وصل الخطاب إلى أبى عبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة، ثم أخبر خالداً بالأمر فلم يغضب خالد -رضي الله عنه، بل تنازل في رضى وسرور، لأنه كان يقاتل لله وحده لا يبغي من وراء جهاده أي أمر من أمور الدنيا ...


          قلنسوته

          سقطت منه قلنسوته يوم اليرموك، فأضنى نفسه والناس في البحث عنها فلما عوتب في ذلك قال: (إن فيها بعضا من شعر ناصية رسول الله وإني أتفائل بها وأستنصر)... ففي حجة الوداع ولمّا حلق الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأسه أعطى خالداً ناصيته، فكانت في مقدم قلنسوته، فكان لا يلقى أحداً إلا هزمه الله تعالى...



          فضله


          قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « نِعْمَ عبد الله خالد بن الوليد، سيْفٌ من سيوف الله

          قال خالد -رضي الله عنه-ما ليلة يهدي إليّ فيها عروسٌ أنا لها محب، أو أبشّرُ فيها بغلامٍ أحبَّ إلي من ليلة شديدة الجليد في سريّةٍ من المهاجرين أصبِّحُ بها العدو).

          وأمَّ خالد الناس بالحيرة، فقرأ من سُوَرٍ شتى، ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال: (شغلني عن تعلّم القرآن الجهادُ).

          نزل خالد بن الوليد الحيرة على أمير بني المرازبة فقالوا له: (احذَرِ السُّمَّ لا يسقيكهُ الأعاجم)... فقال: (إئتوني به)... فأتِيَ به فأخذه بيده ثم اقتحمه وقال: (بسم الله)... فلم يُضرَّه شيئاً.

          وأخبِرَ خالد -رضي اللـه عنه- أنّ في عسكره من يشرب الخمر، فركب فرسـه، فإذا رجل على مَنْسَـجِ فرسِـهِ زِقّ فيه خمر، فقال له خالد: (ما هذا؟)... قال: (خل)... قال: (اللهم اجعله خلاّ)... فلمّا رجع الى أصحابه قال: (قد جئتكم بخمر لم يشرب العربُ مثلها)... ففتحوها فإذا هي خلّ قال: (هذه والله دعوة خالد بن الوليد).
          وفاة خالد


          استقر خالد في حمص -من بلاد الشام- فلما جاءه الموت، وشعر بدنو أجله، قال: (لقد شهدت مائة معركة أو زهاءها، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، ألا فلا نامت أعين الجبناء)... وكانت وفاته سنة إحدى وعشرين من الهجرة النبوية... مات من قال عنه الصحابة: (الرجل الذي لا ينام، ولا يترك أحدا ينام)... وأوصى بتركته لعمر بن الخطاب والتي كانت مكونة من فرسه وسلاحه...


          وودعته أمه قائلة:
          أنت خير من ألف ألف من القوم * * * إذا ما كبت وجوه الرجال
          أشجاع؟.. فأنت أشجع من ليث * * * غضنفر يذود عن أشبال
          أجواد؟.. فـأنت أجـود من سيــل * * * غامر يسيل بين الجبال



          ____________________
          نقلا عن :
          موقع طريق الاسلام
          مع تصرف مقدمة للشيخ محمد حسان

          الحمد لله
          وللحديث بقيه عن شخصية إسلاميه جديده
          اقتباس:
          نحري دون نحرك ,عرضي فدي عرضك, نفسي فدي نفسك
          بأبي أنت و أمي يا رسول الله
          ****
          بنات المسلمين هنا سبايا ..... وشمس المكرمات هنا تغيب
          تبيت كريمة اختي وتصحو .... وقد الغى كرامتها الغريب
          تخبّئ وجهها ياليت شعري..... بماذا ينطق الوجه الكئيب
          يموت الطفل في احضان ام ..... تهدهده وقد جف الحليب


          منتدى حراس العقيدة يشترط توثيق المواضيع، ويعتبره شرط أساسي لاعتمادها. فلا يقبل أي موضوع لأي عضو كان (عضو,مشرف,مدير أو عضو شرف) إن لم تكن المعلومات الواردة به موثقة.

          التوثيق ,التوثيق,التوثيق
          بارك الله فيكم

          تعليق


          • #50
            خامس الخلفاء الراشدين
            الأمام العادل عمر بن عبد العزيز


            اسمه ونسبه وولادته:-
            هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الإمام الحافظ، العلامة المجتهد، الزاهد العابد، السيد أمير المؤمنين حقاً، أبو حفص ، القرشي الأُموي المدني ثم المصري، الخليفة الزاهد الراشد، أشجُّ بني أمية.
            وأمه : هي أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.


            ولادته :
            ولد سنة : ثلاث وستين. وقيل: سنة إحدى وستين، وهي السنة التي قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنهما بمصر .. وقيل: سنة تسع وخمسين.


            نشأته حال صغره وتربيته:-
            كان عمر رحمه الله ابن والي مصر عبد العزيز، وكان يعيش في أسرة الملك والحكم، حيث النعيم الدنيوي، وزخرف الدنيا الزائل، وكان رحمه الله يتقلب في نعيم يتعاظم كل وصف، ويتحدى كل إحاطة.. إنّ دخله السنوي من راتبه ومخصصاته، ونتاج الأرض التي ورثها من أبيه يجاوز أربعين ألف دينار .. وإنه ليتحرك مسافراً من الشام إلى المدينة، فينتظم موكبه خمسين جملاً تحمل متاعه..
            وكان يلبس أبهى الثياب وأغلاها .. ويضمخ نفسه بأبهج عطور دنياه، حتى إنه ليعبر طريقاً ما، فيعلم الناس أنه عبره، وكان رحمه الله يتأنق في كل شيء .. حتى المشية .. التي انفرد بها وشغف الشباب بمحاكاتها وعرفت لفرط أناقتها واختيالها بـ"المشية العمرية".
            ثم إنه رحمه الله مع هذا كله كان فيه نبوغ مبكر فلم تنسه هذه الدنيا وزخرفها الله تعالى والدار الآخرة، بل إنه رحمه الله كان فيه حب للعلم وأهله كما سيأتي …
            لقد جمع القرآن وهو صغير، تحدث هو عن نفسه وطفولته فقال : " لقد رأيتني بالمدينة غلاماً مع الغلمان ثم تاقت نفسي للعلم، فأصبت منه حاجتي " .. ورغب إلى والده أن يغادر مصر إلى المدينة ليَدْرُس بها ويتفقه، فأرسله إليها وعهد به إلى واحد من كبار معلمي المدينة وفقهائها وصالحيها وهو: صالح بن كيسان رحمه الله،
            ثم لا يكاد ينزل بها حتى يلوذ بالشيوخ والعلماء والفقهاء، متجنباً أترابه ولِدَاته .. وأقبل على العربية وآدابها وشعرها فيستوعب من ذلك كله محصولاً وفيراً .



            قصة حلق رأسه:
            كان صالح بن كيسان رحمه الله يُلزمه الصلوات، فأبطأ يوماً عن الصلاة، فقال : ما حبسك؟ قال : كانت مرجلتي تسكن شعري. فقال : بلغ من تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة . وكتب بذلك إلى والده، فبعث عبد العزيز رسولاً إليه فما كلمه حتى حلق شعره.


            بكاؤه حال صغره وخوفه:
            لما حج أبوه اجتاز به في المدينة فسأل صالح عنه فقال: ما خبرت أحداً الله أعظم في صدره من هذا الغلام.
            بكى وهو غلام صغير فأرسلت إليه أمه وقالت: ما يبكيك؟ قال: ذكرت الموت، قال أبوقبيل : وكان يومئذ قد جمع القرآن، فبكت أمه حين بلغها ذلك.


            قصة تسميته بأشج بني أمية:
            دخل عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى إصطبل أبيه فضربه فرس فشجه فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك إذاً لسعيد.

            صفحات من حياته في عهد سليمان بن عبد الملك:
            كان سليمان بن عبد الملك من أمثل الخلفاء، نشر عَلَم الجهاد، وجهّز مائة ألف برّاً وبحراً، فنازلوا القسطنطينية، واشتد القتال والحصار عليها أكثر من سنة .
            قال سليمان لعمر بعد أن ولي:" يا أبا حفص ! إنا ولينا ما قد ترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم ، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به". فكان من ذلك عزل الحجاج، وأقيمت الصلوات في أوقاتها بعد ما كانت أميتت عن وقتها، مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها.
            فقيل إن سليمان حج فرأى الخلائق بالموقف فقال لعمر: أما ترى هذا الخلق لا يحصي عددهم إلا الله ؟ قال: هؤلاء اليوم رعيتك، وهم غداً خصماؤك. فبكى بكاءً شديداً().
            اصطحبه الخليفة سليمان يوماً لزيارة بعض معسكرات الجيش وأمام معسكر يعج بالعتاد والرجال ، سأله سليمان في زهوه:" ما تقول في هذا الذي ترى يا عمر؟" فقال :"أرى دنيا، يأكل بعضها بعضاً وأنت المسؤول عنها والمأخوذ بها" فقال له بعد أن بُهت:"ما أعجبك!!" فقال عمر:"بل ما أعجب من عرف الله فعصاه، وعرف الشيطان فاتبعه، وعرف الدنيا فركن إليها



            كيفية خلافته:
            لما مرض سليمان بدابق قال:" يا رجاء أستخلف ابني؟!!" قال:" ابنك غائب" قال:"فالآخر؟" قال:"هو صغير"، قال:"فمن ترى؟" قال:" عمر بن عبد العزيز "، قال:"أتخوف بني عبد الملك أن لا يرضوا" قال:"فوله، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، وتكتب كتاباً وتختمه، وتدعوهم إلى بيعةٍ مختوم عليها" قال: فكتب العهد وختمه، وخرج رجاء ، وقال: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب، قالوا: ومن فيه؟ قال: مختوم، ولا تُخبرون بمن فيه حتى يموت، فامتنعوا، فقال سليمان: انطلق إلى أصحاب الشُّرط ونادِ الصلاة جامعة، ومرهم بالبيعة، فمن أبى فاضرب عنقه، ففعل، فبايعوا ، قال رجاء: فلما خرجوا أتاني هشام في موكبه فقال: قد علمت موقفك منّا، وأنا أتخوف أن يكون أمير المؤمنين أزالها عني، فأعلمني ما دام في الأمر نفس، قلت: سبحان الله يستكتمني أمير المؤمنين وأطلعك، لا يكون ذاك أبداً، فأدارني وألاصني، فأبيت عليه فانصرف، فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبة خلفي، فإذا عمر بن عبد العزيز فقال: رجاء، قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل، أتخوف أن يكون جعلها إليّ ولست أقوم بهذا الشأن، فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلي أتخلص، قلت: سبحان الله، يستكتمني أمراً أطلعك عليه!! ().
            ويذهب رجاء ذات يوم ليعود الخليفة، فيجده في اللحظات الأخيرة من حياته، فيجلس إلى جواره حتى تفيض روحه فيسجيه.. ويتكتم النبأ … وخرج فأرسل إلى كعب بن حامد العبسي رئيس الشرط ليجمع أهل بيت أمير المؤمنين فاجتمعوا في مسجد دابق فقال لهم:بايعوا، قالوا: قد بايعنا مرة أنبايع أخرى؟ قال لهم : هذه رغبة أمير المؤمنين، فبايعوا على من عهد إليه في هذا الكتاب المختوم ، فبايعوا رجلاً رجلاً فلما بايعوا وأحكم الأمر، قال لهم : إن الخليفة قد مات وقرأ عليهم الكتاب..
            ولم يكد يفيق عمر من غمرة المفاجأة، حتى راح يرتجف كعصفور غطته الثلوج
            ، وصعق عمر حتى ما يستطيع القيام، وقال: والله ما سألتها الله في سرٍّ ولا عل، واستقبل رجاء بن حيوه يقول له في عتاب: ألم أناشدك الله يا رجاء ؟.
            ثم سار إلى الخليفة المسجى، فصلى عليه، وشيعوه إلى مثواه، وعاد يفري أهل بيته فيه، ويلقى فيه العزاء، وفي الغداة … دخل أمير المؤمنين المسجد فإذا هو غاص بحشود هائلة من الوافدين، فرأى أنها فرصة للتخلص من هذا المنصب الكبير قبل أن يتشبث بكاهله … وصعد المنبر وخطب الناس:" أما بعد فقد ابتليت بهذا الأمر على غير رأي مني فيه وعلى غير مشورة من المسلمين وإني أخلع بيعة من بايعني، فاختاروا لأنفسكم ". فضجوا وصاحوا من كل طرف:" لا نريد غيرك ". ثم ألقى بعد ذلك خطبته .وكانت ولايته سنة 99هـ .
            قال له بلال بن أبي بردة: من كانت الخلافة شرفته فقد شرفتها، ومن كانت زانته فقد زنتها، وأنت كما قال مالك بن أسماء:
            وتزيدين أطيب الطيب طيباً وإذا الــدر زان حســـن وجــوهٍ أن تمسيه أين مثلك أينا؟ كان للدر حسن وجهــــك زينا

            أول خطبة له رحمه الله :
            أول خطبة له : حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فليفارقنا ، يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها ، ويعيننا على الخير بجهده ، ويدلنا على الخير ما نهتدي إليه ، ولا يغتابنّ عندنا أحداً ، ولا يعرضن فيما لا يعنيه . فانقشع عنه الشعراء … وثبت معه الفقهاء والزهاد ().

            آخر خطبة له رحمه الله ():
            كانت آخر خطبة خطبها : حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإنكم لم تخلقوا عبثاً ، ولم تتركوا سدىً وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم ، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله تعالى ، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض ، ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر اليوم الآخر وخافه ، وباع فانياً بباقٍ ، ونافداً بما لا نفاد له ، وقليلاً بكثير ، وخوفاً بأمان ، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيكون من بعدكم للباقين ، كذلك ترد إلى خير الوارثين ، ثم إنكم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله لا يرجع، قد قضى نحبه حتى تغيبوه في صدع من الأرض ، في بطن صدع غير موسد ولا ممهد ، قد فارق الأحباب ، وواجه التراب والحساب ، فهو مرتهن بعمله ، غني عما ترك ، فقير لما قدم ، فاتقوا الله قبل القضاء ، راقبوه قبل نزول الموت بكم ، أما إني أقول هذا … ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله ، وفي رواية : وأيم الله إني لأقول قولي هذا ولا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي ، ولكنها سنن من الله عادلة أمر فيها بطاعته ، ونهى فيها عن معصيته ، وأستغفر الله ، ووضع كمّه على وجهه فبكى حتى بلّ لحيته فما عاد لمجلسه حتى مات رحمه الله .



            أعماله في الخلافة :--
            إن العصر الذي عاش فيه عمر بن عبد العزيز رحمه الله في قبيل خلافته كان كما يصفه أحد الكتاب:" زمن قسوة من الأمراء "، كيف لا والحجاج بالعراق، ومحمد بن يوسف باليمن ، وغيرهما بالحجاز وبمصر وبالمغرب، حتى قال عمر:" امتلأت الأرض والله جوراً".
            وكذلك فيه من الفساد أن راح كل قادر على النهب ينتهب ما تصل إليه يداه، وغابت الأخلاق فشاع الترف والانحلال، ووراء الفساد سار الخراب ، فأخذت الأزمات المالية بخناق الدولة ومحق إنتاجها، وكان فيه تزييف لقيم الدين حتى إنه كان يلعن على المنابر بطل الإسلام العظيم وابنه البار وإمامه الأواب ورابع الخلفاء وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وساعد في هذا التزييف شعراء العصر
            ().
            بدأ عمر بن عبد العزيز رحمه الله بتغيير هذا الواقع إلى الصورة المثلى في ذهنه، فلما ولي بدأ بلحمته وأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم، وسمى أموالهم مظالم ، وهي الأموال الهائلة.. والثروات العظيمة التي تملكها أسرته، وإخوته وحاشيته، وعزم على ردها إلى أصحابها إن عرف أصحابها، أو إلى الخزانة العامة، وأن ينفذ على الجميع قانون " من أين لك هذا "() وبدأ في ذلك بنفسه، فقد كان له عقارات أيام أسلافه من الخلفاء فرأى أنه لم يكن لهم سلطة شرعية عليها ليعطوه إياها وأنها من أملاك الدولة … وأحصى أملاكه فإذا هي كلها من عطايا الخلفاء ولم يجد إلا عيناً في السويداء كان استنبطها من عطائه ـ والعطاء رواتب عامة تعطى للناس جميعاً من بيت المال ـ وتوجه إلى أمراء البيت الأموي فجمعهم وحاول أن يعظهم ويخوفهم الله، وبين لهم أن ليس لهم من الحق في أموال الخزانة العامة أكثر مما للأعرابي في صحرائه، والراعي في جبله .. وأن ما بأيديهم من أموال جمعوها من حرام ليس لهم إنما هو لله، وأرادهم على ردها فأبوا، ودعاهم مرة أخرى إلى وليمة واستعمل أسلوباً آخر من اللين فلم يستجيبوا ، فلما عجزت معهم أساليب اللين عمد إلى الشدة وأعلم أنه كل من كانت له مظلمة أو عدا عليه أحد من هؤلاء فليتقدم بدعواه ، وألف لذلك محكمة خاصة ، وبدأ يجردهم من هذه الثروات التي أخذوها بغير وجهها ويردها إلى أصحابها أو إلى الخزانة العامة .
            ووسطوا له عمة له كان يوقرها بنوا أمية لسنها وشرفها ، فكلمته فقال : إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة ولم يبعثه عذاباً، واختار له ما عنده ، فترك لهم نهراً ، شُرْبُهُم سواء ، ثم قام أبو بكر فترك النهر على حاله ، ثم عمر فعمل عمل صاحبه ، ثم لم يزل يشتق منه يزيد ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان حتى أفضى الأمر إليّ ، وقد يبس النهر الأعظم ولن يروي أهله حتى يعود إلى ما كان … ودعا بجمر ودينار ، فألقى الدينار في الجمر حتى إذا احمرّ أخذه بشيء وقرّبه إلى جلده ، وقال : يا عمة أما تشفقين على ابن أخيك أن يكوى بهذا يوم القيامة ؟ قالت : إذن لا تدعهم يسبونهم ، قال : ومن يسبهم؟! إنما يطالبونهم بحقوقهم ، فخرجت فقالت : هذا ذنبكم لماذا زوجتم أباه بنت عمر بن الخطاب ، اصبروا فإنه لا يجير .
            وتجرأ عليه ابن للوليد فكتب إليه كتاباً شديد اللهجة أشبه بإعلان الثورة ، فغضب عمر لله وقبض عليه وحاكمه بمحاكمة كانت تؤدي به إلى سيف الجلاد لولا أن تاب وأناب .
            وخضعوا جميعاً وردوا ما كان في أيديهم من الأموال … واكتفوا بمرتباتهم الكثيرة التي كانوا يأخذونها من الخزانة ، ولكن عمر لم يكتف وأمر بقطع هذه الرواتب وإعطائهم عطاء أمثالهم ، وأمرهم بالعمل كما يعمل الناس ، وعم الأمن وهمدت الثورات ، وشملت السعادة الناس ، واختفت مظاهر البذخ الفاحش ، ومظاهر الفقر المدقع ، وصارت هذه البلاد التي تمتد من فرنسا إلى الصين تعيش بالحب والإخلاص والود ().
            وأمر رحمه الله بعزل الولاة الظلمة ، وبدأ بالتغيير السريع الحاسم العميم الذي يجب أن يتم على مستوى الأمة في ذلك الوقت .



            حاله مع أمور الخلافة :
            وفي اليوم التالي من خلافته رأى موكباً فخيماً من الجياد المطهمة يتوسطها فرس زينت كالعروس ليمتطي الخليفة ظهرها البَذِخ ، فأمر بها إلى بيت مال المسلمين ، ثم لما وصل إلى السرادق فإذا هو فتنة ولا كإيوان كسرى فأمر بضمه لبيت المال ، ودعا بحصير ففرشه على الأرض ثم جلس فوقه ، ثم جيء بالأردية المزركشة والطيلسانات الفاخرة التي هي ثياب الخليفة ، فأمر بها إلى بيت المال ، ثم تعرض عليه الجواري ليختار منهن وصيفات قصر ، فيسألهن عنها ولمن كانت وما بلدها فيردها إلى أرضها وذويها ().


            نبذة من حياته مع أهله :

            تخييره زوجته :
            لما ولي الخلافة خيّر امرأته فاطمة بين أن تقيم معه على أنه لا فراغ له إليها وبين أن تلحق بأهلها فبكت وبكى جواريها لبكائها ، فسُمعت ضجة في داره ، ثم اختارت مقامها معه على كل حال رحمها الله ().



            ولده ينصحه :
            دخل عبد الملك بن عمر على أبيه فقال : يا أمير المؤمنين ما أنت قائل لربك غداً إذا سألك فقال : رأيت بدعة فلم تمتها ، أو سنة فلم تحيها ؟! فقال أبوه : رحمك الله وجزاك من ولد خيراً .. يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة ، وعروة عروة ، ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا عليّ فتقاً يكثر فيه الدماء ، والله لزوال الدنيا أهون عليّ من أن يراق في سببي محجمة من دم ، أوما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيي فيه سنة ؟!.().



            تضجر خادمه :
            قال أبو أمية الخصمي غلام عمر : دخلت يوماً على مولاتي فغدّتني عدساً ، فقلت : كل يوم عدس ؟ قالت : يا بني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين ().



            قصة مع خادم له :
            رأى أمير المؤمنين خادماً له يسحب برذونه ، فسأله : كيف حال الناس ؟ فأجابه : كل الناس في راحة إلا أنت وأنا وهذا البرذون

            يتبع بحول الله تعالي ...


            الحمد لله
            وللحديث بقيه عن عمر بن عبد العزيز

            اقتباس:
            نحري دون نحرك ,عرضي فدي عرضك, نفسي فدي نفسك
            بأبي أنت و أمي يا رسول الله
            ****
            بنات المسلمين هنا سبايا ..... وشمس المكرمات هنا تغيب
            تبيت كريمة اختي وتصحو .... وقد الغى كرامتها الغريب
            تخبّئ وجهها ياليت شعري..... بماذا ينطق الوجه الكئيب
            يموت الطفل في احضان ام ..... تهدهده وقد جف الحليب


            منتدى حراس العقيدة يشترط توثيق المواضيع، ويعتبره شرط أساسي لاعتمادها. فلا يقبل أي موضوع لأي عضو كان (عضو,مشرف,مدير أو عضو شرف) إن لم تكن المعلومات الواردة به موثقة.

            التوثيق ,التوثيق,التوثيق
            بارك الله فيكم

            تعليق


            • #51
              بقية الحديث عن ابي حفص
              عمر بن عبد العزيز




              صفاته وشمائله :-

              أ ـــ مروءته وكرمه :

              عن عبد العزيز بن عمر قال لي رجاء بن حيوة : ما أكمل مروءة أبيك ، سمرت عنده فعشي السراج وإلى جانبه وصيف نائم ، قلت : ألا أنبهه ؟ قال : لا دعه ، قلت : أنا أقوم ، قال : ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه ، فقام إلى بطة ـ إناء كالقارورة ـ الزيت وأصلح السراج ثم رجع وقال : قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز .
              وقال أبو عمرو : دخلت ابنة أسامة بن زيد على عمر بن عبد العزيز فقام لها ومشى إليها ثم أجلسها في مجلسه وجلس بين يديها وما ترك لها حاجة إلا قضاها .
              وأمر جارية تروحه حتى ينام فروحته فنامت هي ، فأخذ المروحة من يدها وجعل يروحها ويقول : أصابك من الحر ما أصابني .
              ب ـــ مجالسته لأهل العلم واحترامه لهم :


              كان يجتمع كل ليلة أصحابه من الفقهاء فلا يذكرون إلا الموت والآخرة ثم يبكون حتى كأن بينهم جنازة .
              ج ــ هضمه لنفسه :


              قيل له رحمه الله عند مرضه : لو أتيت المدينة فإن قضى الله موتاً في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إليّ من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلاً.
              د ـــ شدته ويقينه في الحق :


              حدث الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز جلس في بيته ، وعنده أشراف بني أمية ، فقال : أتحبون أن أولي كل رجل منكم جنداً من هذه الأجناد ؟ فقال له رجل منهم : لم تعرض علينا ما لا تفعله ؟! قال : ترون بساطي هذا ؟ إني لأعلم أنه يصير إلى بلى ، وإني أكره أن تدنسوه عليّ بأرجلكم ، فكيف أوليكم ديني ؟! وأوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم تحكمون فيها ، هيهات هيهات ، قالوا : أما لنا قرابة ؟ أما لنا حق ؟ قال : ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء إلا رجل حبسه عني طول شُقَّة .
              هـ ـــ وصف صلاته :


              عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ما صليت وراء إمام أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى . يعني عمر بن عبد العزيز رحمه الله وكان والياً على المدينة.
              و ـــ ورعه :


              قال نعيم ـ كاتبه ـ : قال عمر : إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة .
              وفال جعونة : لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز جعل عمر يثني عليه ،فقال : يا أمير المؤمنين لو بقي كنت تعهد إليه ؟ قال : لا ، قال : ولم وأنت تثني عليه ؟! قال: أخاف أن يكون زُيّن في عيني منه ما زين في عين الوالد من ولده .
              ح ــــ خوفــــــــه :


              قال ابن أبي عروبة : كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله .
              ـ اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لابنه عبد الملك : قل لأبيك إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا موضعنا ، وإنّ أباك قد حرمنا ما في يديه. فدخل على أبيه فأخبره ، فقال لهم : إن أبي يقول لكم : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم .
              من أقوالــــــه :
              1. قال : أكثر من ذكر الموت ، فإن كنت في ضيق من العيش وسّعه عليك ، وإن كنت في سعة من العيش ضيقه عليك .
              2. وقال : أيها الناس أصلحوا أسراركم تصلح علانيتكم واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم.
              3. وقال له رجل أوصني فقال : أوصيك بتقوى الله وإيثاره تخف عنك المؤونة وتحسن لك من الله المعونة .
              4. وقال لعمر بن حفص : إذا سمعت كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملاً من الخير .
              5. وقال : قد أفلح مَنْ عُصم من المراء والغضب والطمع .
              6. وقال : مَنْ عَدَّ كلامه مِنْ عمله قَلَّ كلامُه.
              وفاته رحمه الله ومدة خلافتـــــــه:


              كان سببها السّل ، وقيل سببها أن مولى له سمَّه في طعام أو شراب وأعطي على ذلك ألف دينار ، فحصل له بسبب ذلك مرض ، فأُخبر أنه مسموم ، فقال : لقد علمت يوم سُقيت السُّم ، ثم استُدعي مولاه الذي سقاه ، فقال له : ويحك ما حملك على ما صنعت، فقال : ألف دينار أُعطيتها ، فقال : هاتها ، فأحضرها فوضعها في بيت المال ، ثم قال له : اذهب حيث لا يراك أحد فتهلك .
              واشتد به المرض وتحولت الملايين من أبناء أمته إلى أطفال ، يوشك اليتم أن يحيق بهم حين يفقدون أباهم .. الجياع الذين شبعوا .. والعراة الذين اكتسوا .. والخائفون الذين أمنوا .. والمستضعفون الذين سادوا .. واليتامى الذين وجدوا فيه أباهم .. والأيامى اللاتي وجدن فيه عائلهن .. والضائعون الذين وجدوا فيه ملاذهم بعد الله .. كل هؤلاء وأولئك في شعبه وأمته سحقتهم أنباء مرضه الدَّاهم .
              ثم أمر بدعوة أبنائه فجاءوا مسرعين اثني عشر ولداً وبنتاً ، شعثاً غبراً ، قد زايلت جسومهم الشاحبة نضرة النعيم !! .. وجلسوا يحيطون به ، وراح يُعانقهم بنظراته الحانية الآسية .. وراح يودعهم بقوله : يا بني إن أباكم خُيِّر بين أمرين ، أن تستغنوا ويدخل النار أو تفتقروا ويدخل الجنة ، فاختار الجنة وآثر أن يترككم لله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين .
              ولما احتضر قال : أجلسوني فأجلسوه ، فقال : إلهي أنا الذي أمرتني فقصّرت ونهيتني فعصيت ثلاثاً ولكن لا إله إلا الله ، ثم رفع رأسه فأحد النظر ، فقالوا : إنك لتنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين ، فقال : إني لأرى حضرة ما هم بأنس ولا جان ، ثم قُبض من ساعته .
              وفي رواية : أنه قال لأهله : اخرجوا عني ، فخرجوا وجلس على الباب مسلمة بن عبد الملك وأخته فاطمة فسمعوه يقول : مرحباً بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان ثم قرأ : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) ، ثم هدأ الصوت ، فدخلوا عليه فوجدوه قد غمض وسوى إلى القبلة وقبض.
              وكان موته سنة إحدى ومائة ، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأياماً .

              رثاؤه:
              قال كثيّر عزة يرثيه :
              عمّت صنائعه فعم هلاكه

              والناس مأتمهم عليه واحد
              يثني عليك لسان من لم توله

              ردت صنائعه عليه حياته


              وقال جرير :
              ينعي النعاة أمير المؤمنين لنا

              حُمِّلت أمراً عظيماً فاضطلعت له
              الشمس كاسفة ليست بطالعة

              فالناس فيه كلهم مأجور
              في كل دار رنة وزفير

              خيراً لأنك بالثناء جدير
              فكأنه مِنْ نشرها منشور


              يا خير من حج بيت الله واعتمرا
              وسرت فيه بأمر الله يا عمرا

              تبكي عليك نجوم الليل والقمرا



              ___________________
              المصادر:
              • ابن الجوزي: سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد .
              • الذهبي ، سير أعلام النبلاء .
              • د.وهبة الزحيلي ، الخليفة الراشد العادل عمر بن عبد العزيز .
              الحمد لله
              وللحديث بقيه عن شخصية إسلاميه جديده
              اقتباس:
              نحري دون نحرك ,عرضي فدي عرضك, نفسي فدي نفسك
              بأبي أنت و أمي يا رسول الله
              ****
              بنات المسلمين هنا سبايا ..... وشمس المكرمات هنا تغيب
              تبيت كريمة اختي وتصحو .... وقد الغى كرامتها الغريب
              تخبّئ وجهها ياليت شعري..... بماذا ينطق الوجه الكئيب
              يموت الطفل في احضان ام ..... تهدهده وقد جف الحليب


              منتدى حراس العقيدة يشترط توثيق المواضيع، ويعتبره شرط أساسي لاعتمادها. فلا يقبل أي موضوع لأي عضو كان (عضو,مشرف,مدير أو عضو شرف) إن لم تكن المعلومات الواردة به موثقة.

              التوثيق ,التوثيق,التوثيق
              بارك الله فيكم

              تعليق


              • #52
                اخى محب رسول الله
                جزاك الله خيرا على المجهود الرائع والشامل والطيب

                تعليق


                • #53
                  جزاك اللـــــــــــــــــــه خير وجعل ما قدمت في ميزان حسناتك امين
                  وفي صحيح مسلم عن جابر قال :" قيل لعائشة أن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى أبا بكر وعمر قالت : وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر "

                  تعليق


                  • #54
                    جزاك الله خيرا


                    و جعله في ميزان حسناتك

                    تعليق


                    • #55
                      من اعلام الامه
                      عبدالله بن ام مكتوم
                      هو عمرو بن قيس بن زائده بن الاصم بن رواحه بن لؤى القرشى واختلف فى اسمه فقيل عبدالله وقيل عمرو وهو الاكثر ولكنه اشتهر فى كتب السير والتراجم بامه ام مكتوم واسمها عاتكه بنت عبدالله بن عنكشه بن عامر بن مخزوم وهو ابن خالة ام المؤمنين خديجه بنت خويلد زوجة النبى عليه الصلاة والسلام
                      اسلامه
                      اسلم قديما بمكه وهو ضرير البصر وكان من اوائل المهاجرين الى المدينه وشارك فى تعليم المسلمين كتاب الله عز وجل عن البراء رضى الله عنه قال اول من قدم المدينه مصعب وبن ام مكتوم وكانوا يقرءون الناس رواه البخارى
                      من ابتلى بذهاب بصره فصبر فله الجنه عن انس رضى الله عنه قال اتى جبريل النبى عليه الصلاة والسلام وعنده بن ام مكتوم فقال له النبى عليه الصلاة والسلام متى ذهب بصرك قال وانا صبى فقال قال الله تبارك وتعالى اذا ما اخذت كريمتى عبدى لم اجد له جزاء الا الجنه الطبقات الكبرى وسير اعلام النبلاء وفى روايه اذا ابتليت عبدى بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنه رواه البخارى
                      بن ام مكتوم مؤذنا للنبى عليه الصلاة والسلام جعل النبى عليه الصلاة والسلام بن ام مكتوم مؤذنا له مع بلال رضى الله عنه وطالما ارتفع صوته بالاذان والكلمات الساميه وهنا نتذكر ان النبى عليه الصلاة والسلام مدح المخلصين من المؤذنين فقال
                      المؤذنون اطول الناس اعناقا فى يوم القيامه رواه مسلم
                      وقال عليه الصلاة والسلام لا يسمع صوت المؤذن جن ولا انس ولا شئ الا شهد له فى يوم القيامه رواه البخارى
                      وكان بن ام مكتوم رغم كف بصره دقيقا فى تقدير الوقت
                      عن ابن عمر رضى الله عنهما قال كان يؤذن لرسول الله عليه الصلاة والسلام بلال بن رباح وبن ام مكتوم فكان بلال يؤذن بليل يوقظ الناس وكان بن ام مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه فكان يقول كلوا واشربوا حتى يؤذن بن ام مكتوم رواه البخارى
                      فضائله
                      نزل فى شأنه ايات من الذكر الحكيم تتلى الى قيام الساعه تحث النبى على الاهتمام به وعنايته ورعايته وتعليمه انزل فيه عبس وتولى ان جاءه الاعمى وما يدريك لعله يزكى او يذكر فتنفعه الذكرى
                      عن ام المؤمنين عائشه قالت نزلت فى عبدالله بن ام مكتوم قابل النبى عليه الصلاة والسلام فقال زدنى والنبى يتصدى لرجل من المشركين
                      وعن مسلم بن صبيح قال دخلت على ام المؤمنين عائشه وعندها رجل اعمى تطعمه العسل وتقطع له الاترج وهو التفاح وتطعمه التفاح بالعسل فقلت من هذا يا ام المؤمنين فقالت هو عبدالله بن ام مكتوم رواه الحاكم وسنده صحيح
                      عن البراء رضى الله عنه قال لما نزلت لا يستوى القاعدون من المؤمنين قال النبى ادعوا زيدا فجاء ومعه الدواة واللوح فقال اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فى سبيل الله فجاءه بن ام مكتوم وهو يملها على زيد فقال يا رسول الله انا ضرير ولو استطيع الجهاد لجاهدت فنزلت مكانها لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير اولى الضرر والمجاهدون فى سبيل الله رواه البخارى
                      بن ام مكتوم يستأذن النبى عليه الصلاة والسلام فى ترك الجماعه فلم يرخص له النبى عليه الصلاة والسلام قدم عبدالله بن مكتوم الىالنبى عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله انى رجل ضرير شاسع الدار وليس لى قائد يلائمنى فهل لى رخصه فى ان اصلى فى بيتى قال هل تسمع النداء قال نعم قال لا اجد لك رخصه رواه ابو داود وغيره واخرج مسلم نحوه
                      وعن بن ام مكتوم قال يا رسول الله ان المدينه كثيرة الهوام والسباع فقال عليه الصلاة والسلام اتسمع حى على الصلاه حى على الفلاح فحى هلا اى اقبل واسرع رواه ابو داود وغيره
                      قال الخطابى فى معالم السنن وهذا دليل على وجوب حضور الجماعه ولو كان ذلك ندبا لكان اولى الناس يسعهم التخلف اهل الضرر اى من فقد بصره ومن كان فى حال بن ام مكتوم
                      قال بن القيم فى كتاب الصلاة وحكم تاركها دلت الاخبار على وجوب فرض الجماعه على من لا عذر له فما دل عليه قول بن ام مكتوم وهو ضرير لا اجد لك رخصه فاذا كان الاعمى لا رخصة له فالبصير اولى الا يكون له رخصه ومن تأمل السنه حق التأمل تبين له ان فعلها فى المساجد فرض على الاعيان الا لعارض يجوز معه ترك الجمعه والجماعه فالذى ندين الله به ان لا يجوز لاحد التخلف عن الجماعه فى المسجد الا لعذر والله اعلم بالصواب
                      بن ام مكتوم يقتل امرأه يهوديه تسب النبى عليه الصلاة والسلام فقال عليه الصلاة والسلام اشهد الله ان دمها هدر
                      قال الخطابى الحديث فيه بيان ان من سب النبى مهدر الدم معالم السنن
                      وقال شيخ الاسلام بن تيميه اشهدوا ان دمها هدر اى لا قصاص فيها ولا ديه ولا كفاره علم انه كان مباحا مع كونها ذميه فعلم ان السبب اباح دمها لا سيما ان النبى عليه الصلاة والسلام اهدر دمها عقب اخباره بانها قتلت لاجل السب والخوض فى رسول الله فعلم انه الموجب لذلك الصارم المسلول
                      استخلاف النبى عليه الصلاة والسلام بن ام مكتوم على المدينه فى غزواته
                      قال بن عبد البر استخلف رسول الله بن ام مكتوم على المدينه ثلاث عشرة مره فى غزواته
                      قال الذهبى وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحترمه ويستخلفه فى المدينه فيصلى ببقايا الناس
                      جهاده واستشهاده
                      كان معروفا بشجاعته على الرغم من كف بصره ولقد ثار فى نفسه الشوق للجهاد لما لا وللشهيد عند ربه ست خصال اولها انه يغفر له مع اول دفقه من دمائه ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين ويلبس تاج الكرامه اشتاقت نفسه للجهاد رغم كونه من اصحاب الاعذار الذين يجوز لهم التخلف عن الخروج لقوله تعالى ليس على الاعمى حرج فظل كذلك مشغولا باستخلاف رسول الله له فى المدينه وقانعا بقول رسول الله ان بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم حبسهم العذر رواه البخارى ومسلم
                      وظل على هذا الامر حتى تهيأت امامه فرصة الجهاد فى معركة القادسيه وهى المعركه الفاصله بين المسلمين والفرس فقال لهم انى رجل اعمى ادفعوا الى اللواء واجعلونى بين الصفين فانى رجل اعمى لا افر حتى قتل شهيدا ونال الشهاده وتحقق النصر للمسلمين بفضل الله جل وعلا

                      حمزة بن عبد المطلب .. أسد الله .. وسيد الشهداء



                      قال صلى الله عليه وسلم




                      (
                      سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب )
                      السلسلة الصحيحة.

                      *
                      هو حمزة بن عبد المطلب ( أبو عمارة ) ،
                      عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة
                      فهما من جيل واحد نشأ معا ، ولعبا معا ،
                      وتآخيا معا كان يتمتع بقوة الجسم ، وبرجاحة العقل ، وقوة الارادة ،
                      فأخذ يفسح لنفسه بين زعماء مكة وسادات قريش ، وعندما بدأت الدعوة لدين الله
                      كان يبهره ثبات ابن أخيه ، وتفانيه في سبيل إيمانه ودعوته ،
                      فطوى صدره على أمر ظهر في اليوم الموعود...يوم إسلامه.

                      *
                      اسلام حمزة:
                      -
                      كان حمزة رضي الله عنه عائدا من القنص متوشحا قوسه ،
                      وكان صاحب قنص يرميه ويخرج إليه وكان إذا عاد لم يمر على ناد من قريش
                      إلا وقف وسلم وتحدث معه ، فلما مر بالمولاة قالت له: يا أبا عمارة ،
                      لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام ، وجده ههنا جالسا فآذاه
                      وسبه ، وبلغ منه مايكره ، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم)..
                      -
                      فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته ، فخرج يسعى ولم يقف على أحد ، معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به ، فلما وصل إلى الكعبة وجده جالسا بين القوم ، فأقبل نحوه وضربه بالقوس فشج رأسه ثم قال له: ( أتشتم محمدا وأنا على دينه أقول ما يقول ؟.. فرد ذلك علي إن استطعت )..
                      -
                      وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع ، وان حمزة سيمنعه ، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه ، وذلك في السنة السادسة من النبوة.

                      *
                      حمزة و الاسلام:
                      -
                      ومنذ أسلم حمزة رضي الله عنه نذر كل عافيته وبأسه وحياته لله ولدينه حتى خلع النبي صلى الله عليه وسلم عليه هذا اللقب العظيم: ( أسد الله وأسد رسوله )..
                      -
                      وآخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين حمزة وبين زيد بن حارثة ، وأول سرية خرج فيها المسلمون للقاء العدو كان أميرها حمزة رضي اللـه عنه..
                      -
                      وأول راية عقدها الرسـول صلى اللـه عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة..
                      -
                      ويوم بدر كان أسد اللـه هناك يصنع البطولات ، فقد كان يقاتل بسيفين ، حتى أصبح هدفا للمشركين في غزوة أحد يلي الرسول صلى الله عليه وسلم في الأهمية.

                      *
                      استشهاد حمزة:
                      - (
                      اخرج مع الناس ، وان أنت قتلت حمزة فأنت عتيق ) هكذا وعدت قريش عبدها الحبشي ( وحشي غلام جبير بن مطعم ) ، لتظفر برأس حمزة مهما كان الثمن ، الحرية والمال والذهب الوفير ، فسال لعاب الوحشي ، وأصبحت المعركة كلها حمزة رضي الله عنه..
                      -
                      وجاءت غزوة أحد ، والتقى الجيشان ، وراح حمزة رضي الله عنه لا يريد رأسا إلا قطعه بسيفه ، وأخذ يضرب اليمين والشمال و ( الوحشي ) يراقبه ، يقول الوحشي ... وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه ، فوقعت في ثنته ( ما بين أسفل البطن إلى العانة ) حتى خرجت من بين رجليه ، فأقبل نحوي فغلب فوقع ، فأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي ، ثم تنحيت إلى العسكر ، ولم تكن لي بشيء حاجة غيره ، وإنما قتلته لأعتق )..
                      -
                      وقد أسلم ( الوحشي ) لاحقا فهو يقول: ( خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أتشهد بشهـادة الحـق ، فلما رآني قال: ( وحشي ) قلت: ( نعم يا رسـول اللـه ) قال: ( اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة ؟ ) فلما فرغت من حديثي قال: ( ويحك غيب عني وجهك فلا أرينك ! ) فكنت أتنكب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان ، لئلا يراني حتى قبضه الله صلى الله عليه وسلم).

                      -
                      واستشهاد سيد الشهداء رضي الله عنه لم يرض الكافرين وإنما وقعت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها ، يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجد عن الآذان والأنف ، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خدما ( خلخال ) وقلائد ، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا .. وبقرت عن كبد حمزة ، فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها ، فلفظتها.

                      *
                      حزن الرسول على حمزة:
                      -
                      وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة بن عبد المطلب ، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به ، فجدع أنفه وأذناه ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم حين رأى ما رأى: ( لولا أن تحزن صفية ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم !)..
                      -
                      فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا: ( والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب )..
                      -
                      فنزل قوله تعالى: ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ، واصبر وما صبرك إلا بالله ، ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون )..
                      -
                      فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عن المثلة ، وأمر بحمزة فسجي ببردة ، ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ، ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة ، فصلى عليهم وعليه معهم ، حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة.. وكان ذلك يوم السبت ، للنصف من شوال ، سنة (3) للهجرة.

                      *
                      البكاء على حمزة:
                      -
                      مرّ الرسول صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظَفَر ، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم ، فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ، ثم قال: ( ولكن حمزة لا بواكي له )..
                      -
                      فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبد الأشهل ، أمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولمّا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب مسجده يبكين عليه ، فقال: ( ارجعن يرحمكن الله ، فقد آسيتنّ بأنفسكم ).

                      *
                      فضل حمزة:
                      -
                      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب )..
                      -
                      كما قال لعلي بن أبي طالب: (... يا عليّ أمَا علمتَ أنّ حمزة أخي من الرضاعة ، وأنّ الله حرّم من الرضاع ما حرّم من النّسب ).

                      *
                      عَيْن معاوية:
                      -
                      لمّا أراد معاوية أن يُجري عَيْنَهُ التي بأحد كتبوا إليه: ( إنّا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء )...فكتب إليهم: ( انْبُشُوهم ).. يقول جابر بن عبدالله: ( فرأيتهم يُحْمَلون على أعناق الرجال كأنّهم قوم نيام )...وأصابت المسحاةُ طرفَ رِجْلِ حمزة بن عبد المطلب فانبعث دَمَاً.
                      هو عكرمة بن عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، ويكنى بأبي عثمان، وأمه هي أم مجالد إحدى نساء بني هلال بن عامر وأبوه (أبي جهل) عمرو بن هشام وكنيته السابقة أبو الحكم.

                      تبدأ رحلة عكرمة عندما نشأ في أحضان هذا الأب الكافر الذي أخذ على نفسه العهد بعداوة رسول الله فوجد عكرمة نفسه مدفوعاً إلى عداوة النبي ومحاربته طاعة لأبيه الذي كان يعتمد عليه في كل صغيرة وكبيرة.

                      في غزوة بدر: كان أبوجهل قائد جيشه في هذا اليوم وكان ابنه عكرمة عضده الذي يعتمد عليه ويده التي يبطش بها وشهد مصرع والده في هذا اليوم ورآه بعينيه ورماح المسلمين تنهل من دمه وسمعه بأذنيه وهو يطلق آخر صرخة.

                      في غزوة أحد: خرج عكرمة بن أبي جهل إلى أحد وأخرج معه زوجه أم حكيم رضي الله عنهما لتقف مع النسوة الموتورات في بدر وراء الصفوف وتضرب معهن على الدفوف تحريضاً لقريش على القتال وتثبيتاً لفرسانها إذا حدثتهم أنفسهم بالفرار فكان على ميمنة فرسان قريش خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنهما.

                      في غزوة الخندق: حاصر المشركون المدينة أياماً طوالاً فنفد صبر عكرمة بن أبي جهل وضاق ذرعاً بالحصار فنظر إلى مكان ضيق من الخندق وأقحم جواده فيه فاجتازه ثم اجتازه وراءه بضعة فرسان في مغامرة جريئة من قبلهم لكنها فشلت

                      يوم الفتح: عكرمة ونفر معه خرجوا على الإجماع القرشي فتصدوا للجيش الإسلامي المحمدي الكبير فهزمهم القائد المسلم خالد بن الوليد في معركة صغيرة قتل فيها من قتل ولاذ بالفرار من مكانه.


                      إسلامه: كان عكرمة رضي الله عنه من بين النفر الذين سماهم الرسول عليه الصلاة والسلام يوم الفتح وأمر بقتلهم حتى لو تمسكوا بأستار الكعبة، لذا تسلل متخفياً من مكة ويمم وجهه شطر اليمن، عند ذلك مضت أم حكيم زوجه وبعض من نسوة قريش إلى بيت الرسول عليه الصلاة والسلام لمبايعته على الإسلام وقالت: يارسول الله قد هرب منك عكرمة إلى اليمن خوفاً من أن تقتله فأمنه أمنك الله، فقال : هو آمن..

                      أدركت عكرمة عند ساحل البحر في منطقة تهامة فوجدته وهو يساهم نوتياً (بحاراً) مسلماً على نقله والنوتي يقول اخلص حتى أنقلك قل أشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فقال عكرمة: ماهربت إلا من هذا، وفي رواية أبي داود والنسائي من حديث سعد بن أبي وقاص أن عكرمة لما فر وركب البحر فأصاب السفينة عاصف فقال أصحاب السفينة اخلصوا فإن آلهتكم لاتغني عنكم هاهنا شيئاً فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لاينجني في البر غيره اللهم إن لك علي عهداً إن عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً حتى أضع يدي في يده فلا أجدنه إلا عفواً كريماً قال: فجاء أسلم.

                      ثم أدركته زوجه فقالت: يا ابن عم قد جئتك من عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس من عند محمد بن عبدالله وقد استأمنت لك فأمنك فلا تهلك نفسك فقال: أنت كلمته؟ قالت: نعم فأمنك، ومازالت تطمئنه حتى عاد معها، وفيما هما في منزل نزلا به في الطريق أراد عكرمة أن يخلو بزوجه فأبت ذلك أشد الإباء وقالت: إني مسلمة وأنت مشرك، فتملكه العجب وقال: إن أمراً يحول دونك ودون الخلوة بي لأمر كبير.

                      فلما دنا عكرمة من مكة قال الرسول لأصحابه: "سيأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت"، وماهو إلا قليل حتى وصل عكرمة وزوجه إلى حيث يجلس الرسول فلما رآه النبي وثب من غير رداء فرحاً به وقال: "مرحباً بالراكب المهاجر"، ولما جلس رسول الله وقف عكرمة بين يديه وقال: يامحمد إن أم حكيم أخبرتني أنك أمنتني فقال : صدق فأنت آمن، فقال عكرمة: إلا تدعو يامحمد؟ قال: أدعوك إلى أ ن تشهد أن لاإله إلاالله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وأن تؤتي الزكاة، حتى عد أركان الإسلام كلها، فقال عكرمة: والله مادعوت إلا إلى الحق وماأمرت إلا بخير ثم بسط يده وقال إني أشهد أن لاإله إلاالله وأشهد أنك عبده ورسوله، ثم قال يارسول الله علمني خير شيء أقوله، فقال: تقول أشهد أن لاإله إلاالله وأن محمداً رسول الله، ثم قال عكرمة: ثم ماذا، قال : تقول أشهد الله وأشهد من حضرني أني مسلم.

                      جهـاده: كان له في قتال المرتدين أثر عظيم فقد استعمله أبو بكر رضي الله عته على جيش وسيره إلى أهل عمان وكانوا ارتدوا وظهر عليهم عكرمة ، ثم وجهه أبو بكر أيضاً إلى اليمن فلما فرغ من قتال أهل الردة سار إلى الشام مجاهداً أيام أبي بكر مع جيوش المسلمين، فلما عسكروا بالجرف على ميلين من المدينة واستقبله أبو بكر وسلم عليه وعرض عليه المعونة فقال لاحاجة لي فيها فدع له بخير وسار إلى الشام إلى معركة اليرموك.

                      استشهاده: أقبل عكرمة على القتال إقبال الظامئ على الماء البارد في اليوم القائظ شديد الحر، ولما اشتد الكرب على المسلمين في أحد المواقف نزل من على جواده وكسر غمد سيفه وأوغل في صفوف الروم فبادر إليه خالد بن الوليد وقال لاتفعل يا عكرمة فإن قتلك سيكون شديداً على المسلمين فقال إليك عني يا خالد فلقد كان لك مع رسول الله سابقة أما أنا وأبي فقد كنا من أشد الناس على رسول الله فدعني أكفر عما سلف مني ثم قال لقد قاتلت رسول الله في مواطن كثيرة وأفر من الروم اليوم إن هذا لن يكون أبداً، ثم نادى في المسلمين من يبايع على الموت؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربعمائة من المسلمين، فقاتلوا دون فسطاط خالد (أي مكان قيادة الجيش) أشد القتال وذادوا عنه أكرم الذود حتى أثخنوا جميعاً جراحاً، وأوتي خالد بعكرمة جريحاً فوضع رأسه على فخذه فجعل يمسح على وجهه ويقطر الماء في حلقه، ولقد أصيب عكرمة والحارث فدعا الحارث بماء ليشربه فلما قدم له نظر إليه عكرمة فقال ادفعوه إليه فلما قربوه منه نظر إليه عباس وكان قد أصيب معهم فقال ادفعوه إليه فلما دنوا من عباس وجدوه قد استشهد فعادوا إلى عكرمة فوجدوه قد استشهد فعادوا إلى الحارث فوجدوه قد استشهد رحمة الله عليهم جميعا.

                      خاتمة: كان رضي الله عنه في قتال الأعداء جاداً بنفسه حتى قيل له ارفق بنفسك، فقال: كنت جاهد بنفسي عن اللات والعزى فأبذلها لها افأستبقيها الآن عن الله ورسوله؟ لاوالله أبداً. قالوا: فلم يزد إلا إقداماً حتى قتل رحمه الله، وكان استشهاده في يوم اليرموك وقيل بأجنادين وقيل الصفر وكان ذلك في خلافة أبي بكر ولقد وجدوا فيه بضعاً وسبعين من بين ضربة وطعنة ورمية.

                      لقد بر عكرمة بما قطعه للرسول عليه الصلاة والسلام من عهد فما خاض المسلمون معركة بعد إسلامه إلا وخاضها معهم ولا خرجوا في بعث إلا كان في طليعتهم.

                      رحم الله عكرمة بن هشام بن عمرو ورضي الله عنه وأرضاه فقط نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن ينادوه بعد إسلامه بعكرمة بن أبي جهل وقد كانوا يقولون "هذا ابن عدو الله أسلم"..

                      خبيب بن عدى الشهيد الثابت على الحق فى المحيا والممات اجرى الكريم عادته ان من عاش على شئ مات عليه ومن مات على شئ بعث عليه خبيب عاش على الحق فاماته الله عليه كان عابدا ناسكا زاهدا تقيا نقيا مخبتا لربه مطيعا محبا لرسوله مجاهدا قويا فتيا فى الدفاع عن الاسلام والمسلمين لا يوالى اعداء الله ورسوله بليع الأرض
                      خبيب بن عدي
                      إنه الصحابي الجليل خبيب بن عدي -رضي الله عنه-، وأحد الأنصار الصادقين، من قبيلة الأوس، لازم النبي ( منذ أن هاجر إليهم، وكان عَذْبَ الروح، قوي الإيمان، وصفه شاعر الإسلام حسان بن ثابت فقال:
                      صقرًا توسَّط في الأنصار منصـبُه
                      سَمْحَ السَّجِيَّةَ مَحْضًا غير مُؤْتَشَب
                      شارك في غزوة بدر، فكان جنديًّا باسلاً، ومقاتلاً شجاعًا، قتل عددًا كبيرًا من المشركين من بينهم الحارث بن عامر بن نوفل.
                      وذات يوم أراد النبي ( أن يعرف نوايا قريش، ومدى استعدادها لغزو جديد، فاختار عشرة من أصحابه من بينهم خُبيب بن عدي، وجعل
                      عاصم بن ثابت أميرًا عليهم، وانطلق الركب ناحية مكة حتى اقتربوا منها، فوصل خبرهم إلى قوم من بني لحيان فأخذوا يتتبعونهم، وأحسَّ عاصم أنهم يطاردونهم، فدعا أصحابه إلى صعود قمة عالية على رأس جبل، فاقترب منهم مائة رجل من المشركين وحاصروهم، ودعوهم إلى تسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم الأمان، فنظر الصحابة إلى أميرهم عاصم فإذا هو يقول: أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة مشرك، اللهم أخبر عنا نبيك.
                      فلما رأى المشركون أن المسلمين لا يريدون الاستسلام؛ رموهم بالنبال، فاستشهد عاصم ومعه ستة آخرون، ولم يبق إلا خبيب واثنان معه، هما زيد بن الدثنة
                      ومرثد بن أبي مرثد، ولما رأى مرثد بداية الغدر حاول الهرب فقتله البغاة، ثم ربطوا خبيبًا وزيدًا وساروا بهما إلى مكة ؛ حيث باعوهما هناك.
                      وعندما سمع بنو حارث بوجود خبيب أسرعوا بشرائه ليأخذوا بثأر أبيهم
                      الذي قتله خبيب يوم بدر، وظل خبيب في بيت عقبة بن الحارث أسيرًا مقيدًا بالحديد.
                      وذات يوم دخلت عليه إحدى بنات الحارث فوجدت عنده شيئًا عجيبًا، فخرجت وهي تناديهم وتقول: والله لقد رأيته يحمل قطفًا (عنقودًا) كبيرًا من عنب يأكل منه، وإنه لموثق (مقيد) في الحديد، وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة، ما أظنه إلا رزقًا رزقه الله خبيبًا.
                      ولما أجمع المشركون على قتل خبيب استعار موسيًا من إحدى بنات الحارث ليستحد بها (يزيل شعر العانة) فأعارته، وكان لهذه المرأة صبي صغير، غفلت عنه قليلا، فذهب الصبي إلى خبيب فوضعه على فخذه، وفي يده الموسى، فلما رأته المرأة فزعت وخافت على صبيها، فقال لها خبيب أَتَخْشِينَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ ما كنت لأفعل إن شاء الله، فقالت المرأة: ما رأيت أسيرًا خيرًا من خبيب.
                      وأراد المشركون أن يدخلوا الرعب في قلب خبيب، فحملوا إليه نبأ مقتل
                      زيد بن الدثِنَّة، وراحوا يساومونه على إيمانه، ويعدونه بالنجاة إن هو ترك دين محمد، وعاد إلى آلهتهم، ولكن خبيبًا ظل متمسكًا بدينه إلى آخر لحظة في حياته، فلما يئسوا منه أخرجوه إلى مكان يسمى التنعيم، وأرادوا صلبه (تعليقه)، فاستأذن منهم أن يصلي ركعتين، فأذنوا له، فصلى خبيب ركعتين في خشوع، فكان بذلك أول من سنَّ صلاة ركعتين عند القتل.
                      وبعد أن فرغ من صلاته نظر إليهم قائلاً: والله لولا أَنْ تَحْسَبُوا أَنَّ بي جزعًا (خوفًا) من الموت؛ لازْددت صلاة. ثم رفع يده إلى السماء ودعا عليهم: (اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا)، ثم أنشد يقول:
                      وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًــا
                      عَلَى أي جَنْبٍ كَانَ في اللهِ مَصْرَعِي
                      وَذَلِكَ في ذَاتِ الإلهِ وإنْ يَشَـــأ
                      يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شَلْوٍ ممَـــزَّعِ
                      ثم قاموا إلى صلبه، وقبل أن تقترب منه سيوفهم، قام إليه أحد زعماء قريش وقال له: أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك، فيصيح خبيب فيهم قائلاً:
                      والله ما أحب أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة.
                      إنها الكلمات التي قالها زيد بن الدثنة بالأمس يقولها خبيب اليوم، مما جعل أبا سفيان -ولم يكن قد أسلم- يضرب كفًا بكف ويقول: والله ما رأيت أحدًا يحب أحدًا كما يحب أصحاب محمدٍ محمدًا.
                      وما كاد خبيب ينتهي من كلماته هذه حتى تقدم إليه أحد المشركين، وضربه بسيفه، فسقط شهيدًا، وكانوا كلما جعلوا وجهه إلى غير القبلة يجدوه مستقبلها، فلما عجزوا تركوه وعادوا إلى مكة.
                      وبقى جثمان الشهيد على الخشب الذي صلب عليه حتى علم النبي ( بأمره، فأرسل الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو فأنزلاه، ثم حمله الزبير على فرسه، وهو رطب لم يتغير منه شيء، وسار به، فلما لحقهما المشركون قذفه الزبير، فابتلعته الأرض، فَسُمِّيَ بَلِيع الأرض.
                      خطبة الجمعه الاخيره بعد عيد الاضحى
                      كتبته وجمعته ونقلته من كتب السير والتراجم وكتابات اهل الخير
                      ابو اسامة المصرى

                      تعليق

                      مواضيع ذات صلة

                      تقليص

                      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                      ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
                      ردود 0
                      24 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
                      ردود 112
                      158 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة عادل خراط
                      بواسطة عادل خراط
                       
                      ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
                      ردود 3
                      32 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة عاشق طيبة
                      بواسطة عاشق طيبة
                       
                      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
                      ردود 0
                      114 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة عادل خراط
                      بواسطة عادل خراط
                       
                      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
                      ردود 3
                      58 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة عادل خراط
                      بواسطة عادل خراط
                       
                      يعمل...
                      X