تاريخ المصحف الشريف

تقليص

عن الكاتب

تقليص

كنز العلوم مسلم اكتشف المزيد حول كنز العلوم
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تاريخ المصحف الشريف

    تاريخ المصحف الشريف


    ملخص كتاب تاريخ المصحف الشريف للعلامة الشيخ عبد الفتاح القاضي


    رابط الموضوع




    ترجمة العلامة الشيخ عبد الفتاح القاضي – موقع جامعة أم القري



    كتّابة القرآن
    في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اشتهر بها
    كان القرآن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم فيحفظه ويبلغه للناس ، ويأمر كتاب الوحي بكتابة . ويدلهم على موضع المكتوب . ويدلهم على موضع المكتوب من سورته ، فيقول لهم ضعوا هذه السورة بجانب تلك السورة ، وضعوا هذه الآية في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا .
    ومن الصحابة منكان يكتفي بتلقيه من فيه صلى الله عليه وسلم ومنهم من كتب السورة أو الآيات أوالسور ومنهم كم كتبه كله أو حفظه .
    وكانوا يكتبون في العسب – جمع عسيب وهو جريدةالنخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون على الطرف العريض – واللخاف – جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة والرقاق – والرقاع – جمع رقعة وهي تكون من جلد أوورق أو غير ذلك – وقطع الأديم – وهو الجلد – وعظام الأكتاف – طمع كتف وهو عظم عريض في كتف الحيوان كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم – والأضلاع جمع ضلع وهو عظم الجنين .

    والذين اشتهروا بكتابة القرآن بين يدي النبي صلىالله عليه وسلم :
    أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ،وعلى بن أبي طالب ، ومعاوية ابن أبي سفيان ، وأبان بن سعيد ، وخالد بن الوليد ،وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وثابت بن قيس ، وغير هؤلاء من أجلاء الصحابة رضى الله عنهم أجمعين .

    ولم ينقض عهده صلى الله عليه وسلم إلا والقرآن الكريم مكتوب كله .بيد أنه لم يكن مجموعاً في مكان واجد ، ولا مرتب السور ، وإنما لم يأمر الرسول بجمع القرآن في مصحف واحد لأن اهتمام الصحابة إنما كان بحفظه واستظهاره .
    وأيضالما كان يترقبه من ورود زيادة أو ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته ، فلما انقضى نزوله بوفاته صلى الله عليه وسلم وأمن توقع النسخ ألهم الله الخلفاء الراشدين جمعه في مكان واحد وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة ، فكان ابتداء ذلك على يدالصديق بمشورة عمر كما سيأتي .

    وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعارض جبريل بالقرآن مرة في شهر رمضان من كل عام ، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين . روى البخاري عن فاطمة رضى الله عنها قالت " أسرّ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنجبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة ، وأنه عارضني العام مرتين ولا إراه إلا حضرأجلي ."

    والخلاصة أن القرآن كان مكتوباً كله في العهدالنبويولكنه لم يكن مجموعاً في مصحف واحد ولا مرتب السور بل كان مفرقاً فيالعسب والرقاع وغيرها كما تقدم وكان محفوظا في صدورجمع القرآن في عهد أبي بكر وسببه :

    جمع القرآن :
    تطلق هذه الكلمة على معنيين ، الأول حفظه في الصدر ، والثاني كتابته وتدوينه ، وقد تحقق كلا المعنيين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

    روى البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال : أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة . فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضى الله عنه أن عمر أتاني فقال أن القتل قداستحر يوم اليمامة بقراء القرآن ، وأني أخشى أن يستمر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وأني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر : كيف نفعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعي حتىشرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر ، قال زيد قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فأجمعه . فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به جمع القرآن قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال هووالله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدرو الرجال حتى وجدت آخر سورةالتوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) الآيتين ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصةبنت عمر .

    فأنت ترى من هذا الحديث أن جمع القرآن في مكان واحد لأول مرة كان في عهد أبي بكر رضي الله عنه وكان قبل ذلك متفرقاً في العسب والنخاف وغيرها مما كانوا يكتبون فيه . وكان محفوظاً في صدور الرجال . وقد ندب أبو بكر لجمعه زيد بن ثابت لأنه اجتمع فيه من المناقب ما أوجب تقديمه على غيره واختصاصه بهذا الأمر الجلل كما سبق .
    ولما شرع زيد في جمعه اعتمد على مصدرين:
    الأولما كان مكتوباً في عهد الرسول الأعظم
    والثانيما كان محفوظاً في صدور الحفاظ
    وكان يتوثق في الأخذمن المكتوب غاية التوثق حتى يتيقن أنه مما كتب بين يدي الرسول عليه السلام وأنه مماثبت في العرضة الأخيرة ولم تنسخ تلاوته .
    ولذلك لم يكن يقبل شيئاً من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ،
    يدل على ذلكما أخرجه ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال : قدم عمر فقال : من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في المصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شهيدان .

    قال السخاوي المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعتمد زيد على الحفظ وحده ولذلك قال في آخر سورة براءة أنه لم يجدها إلا مع أبي خزيمة أي لم يجدها مكتوبة إلا معه مع أنه كان يحفظها . وكان كثير من الصحابة يحفظونها ولكنه كان يريد أن يجمع بين الحفظ والكتابة زيادة في التوثق ومبالغة في الاحتياط.

    وقد راعى زيد في كتابة هذه الصحف أن تكون مشتملة على ما ثبت قرآنيته متواتراً ، واستقر في العرضة الأخيرة ، ولم تنسخ تلاوته. وأن تكون مجردة عما كانت روايته آحاداً وعما ليس بقرآن من شرح أو تأويل . وأن تكون مرتبة الآيات والسور جميعاً.

    ظلت هذه الصحف التي جمع فيها القرآن في رعايةالخليقة الأول أبي بكر مدة خلافته . ثم انتقلت بعده إلى رعاية الخليفة الثاني عمربن الخطاب مدة خلافته . ثم عند حفصة بنت عمر بعد وفاة أبيها وبقيت عندها إلى أن ولي مروان المدينة فطلبها منها فأبت ، فلما توفيت حضر جنازتها وطلبها من أخيها عبد الله فبعث بها إليه فأمر بإحراقها وقال إنما فعلت هذا لأني خشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب .
    ولم يأمر مروان بإحراق هذه الصحف إلا بعد أمرعثمان رضي الله عنه بنسخ المصاحف العثمانية وارسالها إلى الأمصار ، وأمره بإحراق كلما عداها من المصاحف والصحف كما سيأتي .

    جمع القرآن وتدوينه في عهد عثمان وسببه

    في خلافة عثمان رضي الله عنه اتسعت الفتوح وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار ، وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام يأخذون بقراءةمن اشتهر بينهم من الصحابة ، فأهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب ، وأهل الكوفة يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري ، فكان بينهماختلاف في وجوه القراءة ،
    ومنشأ هذا الاختلاف انزال القرآن على سبعة أحرف كماثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر
    وكان الذي يسمع هذاالاختلاف من أهل تلك الأمصار إذا احتوتهم المجامع ، أو التقوا على جهاد أعدائهم يعجب من ذلك أشد العجب ، وكان هذا الاختلاف مدعاة إلى فتح باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن الكريم ، لأن كل فريق يدعي أنه الذي على الحق . وأن غيره على الباطل ،وكان بعضهم يفخر على بعض في قراءته معتقداً أنها الصواب وحدها فيقول بعضهم لبعض قراءتي خير من قراءتك ويرد عليه الآخر بالمثل وهكذا حتى أفضى ذلك بهم إلى تأثيم بعضهم بعضاً ، وإنكار بعض على بعض .
    وفي السنة الثانية أو الثالثة – على اختلاف الروايات – من خلافة عثمان رضى الله عنه سنة خمس وعشرين من الهجرة اجتمع أهل الشام وأهل العراق في غزوة أرمينية وأذربيجان وكان فيمن غزاها مع أهل العراق حذيفة بناليمان ، فرأى كثرة اختلاف المسلمين في وجوه القراءة ، وسمع ما كانت تنطق به ألسنتهم من كلمات التجريح والتأثيم التي يقذف بها بعضهم بعضاً حين اختلافهم في أوجه القراءة ، فاستعظم ذلك حذيفة وأكبره ففزع إلى عثمان وأخبره بالذي رأى وقال له أدرك الناس قبل أن يختلفوا في كتابهم الذي هو أصل الشريعة كما اختلف اليهود والنصارى ،فجمع عثمان بن عفان أعلام الصحابة وذوي الرأي منهم وأخذوا يبحثون عن علاج لهذه الفتنة ، ووضع حد لهذا الاختلاف ، فأجمعوا على رأيهم على نسخ مصاحف يرسل إلى كل مصرمن الأمصار مصحف يكون مرجعاً للناس عند الاختلاف وموئلاً عند التنازع ، وعلى إحراق كل ما عدا هذه المصاحف ، وبذلك تجتمع الكلمة وتوحد الصفوف ، ويستأصل دابر الخلاف .

    ثم شرع عثمان في تنفيذ ما أجمعوا عليه ، وندب للقيام بهذه المهمة الخطرةأربعة من أجلاء الصحابة وثقات الحفاظ ،
    وهم زيد بن ثابت – وهو الذي اختاره أبوبكر لجمع القرآن لما امتاز به من المناقب السابقة
    وعبد الله بن الزبير ،
    وسعيد بن العاص ،
    وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ،
    وهؤلاء الثلاثة قرشيون وأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف التي عندك فأرسلتها إليهم فأخذوا في نسخها
    وجاء في بعض الروايات أن الذين ندبوا لنسخ المصاحف اثنا عشررجلاً من المهاجرين والأنصار منهم أبي بن كعب .

    قانون عثمان في كتابة المصحف :
    كان نسخ هذه المصاحف بإشراف الخليفة عثمان ،وأعلام الصحابة من المهاجرين والأنصار ، وكانوا لا يكتبون في هذه المصاحف شيئاً إلابعد أن يعرض على الصحابة جميعاً ويتحققوا أنه قرآن ، وأنه لم تنسخ تلاوته ، واستقرفي العرضة الأخيرة ، فلم يكتبوا ما نسخت تلاوته ولم يكن في العرضة الأخيرة ، ولا ماكانت روايته آحاداً ، ولا ما ليس بقرآن كالذي كان يكتبه بعض الصحابة مصاحفهم الخاصة شرحاً لمعنى ، أو بياناً لناسخ أو منسوخ أو نحو ذلك .

    وقد كتبوا مصاحف متعددة ، لأن عثمان قصد ارسال ما وقع عليه اجماع الصحابة إلى الأقطار الإسلامية ،وهي أيضا متعدده ، وكتبوا في المصاحف متفاوتة في الحذف والإثبات ، والنقص والزيادة، وغير ذلك لأنه قصد اشتمالها على الأحرف السبعة التي نزل عليها القران الكريم ،وجعلت خالية من النقط والشكل تحقيقاً لهذا الغرض أيضاً.

    فالكلمات التي اشتملت على أكثر من قراءة ، وخلوها من النقط والشكل يجعلها محتملة لما اشتملت عليه من القراءات تكتب برسم واحد في جميع المصاحف وذلك نحو "فتبينوا " و " ننشرها " و " هيت لك " و " أف " وهكذا

    وأما الكلمات التي تضمنت قراءتين أ أكثر وتجريدها من النقط والشكل لا يجعلها محتملة لما ورد فيها من القراءات لا تكتب برسم واحد فيجميع المصاحف بل ترسم في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة ، وفي بعضها برسم آخر يدل على القراءة الأخري نحو : " ووصى بها إبراهيم " بالبقرة – فقد رسمت في بعض المصاحف بوواوين قبل الصاد من غير ألف بينهما ، وفي بعضها بإثبات ألف بين الواوين . ونحو " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " بآل عمران ، رسم في بعض المصاحف بواو قبل السين ، وفيبعضها بحذف الواو ، ونحو " تجري تحتها الأنهار " في التوبة في الموضع الأخير فيها رسمت في المصحف المكي بزيادة (من) قبل تحتها وفي بقية المصاحف بحذفها وهكذا .

    وإنما لم يكتبوا هذا النوع من الكلمات برسمين معاً في مصحف واحد خشية أن يتوهم أن اللفظ نزل مكررا في قراءة واحدة ، وليس كذلك ، بل هم قراءتان نزل اللفظ فياحداهما بوجه وفي الثانية بوجه آخر من غير تكرار في واحدة منهما وكذلك لم يكتبواهذه الكلمات برسمين احدهما في الأصل والثاني في الحاشية لئلا يتوهم ان الثاني تصحيح للاول وأن الأول خطأ على أن كتباة أحدهما في الأصل والآخر في الحاشية تحكم ترجيح بلا مرجح .

    والذي دعا الصحابة إلى سلوك هذا المنهج في كتابة المصاحف أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع وجوه قراءاته وحروفه التي نزل بها ، فكانت هذه الطريقة أدنى إلى الإحاطة بالوجوه التي عليها القرآن الكريم ، فلايقال أنهم اسقطوا شيئاً من قراءاته لأنه كلها منقولة نقلاً متواتراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    ومن هنا يتضح جليا أن اختلاف القراء الذي أفزع حذيفة وعثمان وكان سبباً في كتابة المصاحف إنما كان في قراءات وأحرف تلقاها قراؤهم قبل العرضة الأخيرة ثم نسخت بهذه العرضة ولكن نسخها لم يبلغ هؤلاء القراء ، وإلا لو كان مقصد عثمان جمع الناس على حرف واحد وإلغاء باقي الأحرف التي نزل بها القرآن ما جعل المصاحف متفاوته في الحذف والإثبات الخ

    ولما أتموا نسخ الصحف في المصاحف ردعثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق من الآفاق الإسلامية بمصحف بما نسخوا ، وأمربما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق سدا لباب الشر والفتنة .
    كم مرة جمع القرآن الكريم :

    مما تقدم تعرف أن القرآن الكريم جمع – بمعنى كتب – ثلاث مرات .

    الأولىفي العهد النبوي الشريف ،والثانيةفي عهد الصديق ،والثالثةفي عهد عثمان ،

    وتستطيع أن تفرق بين جمعه في عهوده الثلاثة ،
    فالجمع في العهد النبوي عبارة عن كتابة الآيات وترتيبهاووضعها في مكانها الخاص من سورها ولكن مع بعثرة الكتابة وتفرقها بين عسب وعظام وغيرها كما سبق ، وكان المقصود من هذا الجمع – بمعنى الكتابة – زيادة التحري في ضبط ألفاظه وحفظ كلماته ، فوق ما في ذلك من تقديس القرآن والنتبيه على رفعة شأنه كما هوالشأن في تقييد الأشياء النفيسة وإن كان المعول عليه في ذلك الوقت مجرد الحفظ فيالصدور .

    والجمع في عهد الصديق عبارة عن نقل القرآن جميعه وكتابته في مكان واحد بالتواتر ، وكان الغرض منه الاحتياط والمبالغةفي حفظ هذا الكتاب خوفاً عليه ، أو على شيء منه الضياع بموت حملته وحفاظه .

    وأما الجمع في عهد عثمان، فهو عبارة عن نقل ما في الصحف السابقة في مصاحف وارسال هذه المصاحف إلى أقطار الإسلام وكان المقصود من جمع القرآن وكتابته في تلك المصاحف القضاء على الفتنة التي ظهرت في صفوف المسلمين وتوحيد كلمتهم ، وحملهم على ما تضمنته تلك المصاحف من القراءات الثابته المتواترة دون ما لم يكن كذاك من الأوجه التى نزلت أولاً للتيسير ، ثم نسخت بالعرضةالأخيرة .
    قال القاضي أبو بكر الباقلاني " لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في نفس جمع القرآن بين لوحين ، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك ، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير أثبتمع تنزيل ، ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية دخولالفساد الشبهة على من يأتي بعد " اه

    المصاحف العثمانية

    عددها ، حالتها ، كيف أرسلت إلى الأمصار وموقفالمسلمين إزاءها

    عدد المصاحف:
    اختلف العلماء في عدد المصاحف التى أرسلها عثمان رضى الله عنه إلى الأفاق على أقوال كثيرة، وأصحها في ذلك وأولاها بالقبول أنها ستة :
    البصري ، الكوفي ، الشامي ، المكي، المدني العام لأهل المدنية ، المدني الخاص، وهو الذي حبسه عثمان لنفسه وهو الذي يسمى بالمصحف الإمام ، ولعل اطلاق هذا الاسم على كل مصحف منها لاقتداء أهل الأمصاربها .

    حالة المصاحف :
    عرفت مما سبق ما اشتملت عليه المصاحف العثمانية من المزايا والخصائص ، ونريد في هذا البحث أن نقفك على هذه الحقيقة ، هل كانت هذه المصاحف مشتملة على الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآنالكريم ، أم كتبت على حرف واحد من هذه الأحرف .

    ذهب فريق من العلماء إلى أن المصاحف العثمانية ليس فيها إلا حرف واحد من الأحرف السبعة وهو حرف قريش ، محتجين على ذلك بأن باقي الأحرف إنما انزلت في ابتداء الأمر في صدر الإسلام للتيسير على الأمة ورفع الحرج والمشقة عنها ، ولما رأى عثمان أن القراءة بالأحرف السبعة أصبحت مثار شقاق وفرقة بين المسلمين وأنها إنما أنزلت ابتداء للتيسير والتسهيل لأن إلزام جميع القبائل العربية بإلتزام لغة واحدة لم تتعودها ألسنتهم يوقعهم في الحرج والمشقة ، وأنه لما الحاجة إلى هذه اللغات والأحرف قد انتهت اقتصر في كتابة المصاحف من هذه الأحرف واللغات على واحدة هي لغة قريش وأمر كتاب المصاحف بأن يقتصروا في كتابتهم عليها محتجاً على ذلك بأن القرآن قد نزل بها ، ولذلك قال لهؤلاء الكتاب : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم .

    وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن المصاحف مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة متضمنة لما ثبت من القراءات المتواترة في العرضةالأخيرة لأنها كما علمت كانت خالية من النقط والشكل فكانت محتملة للأحرف السبعة ،لا على معنى أن كل مصحف مشتمل على جميع الأحرف السبعة بل على معنى أن كل مصحف منهامشتمل على ما يحتمله رسمه من هذه الأحرف ، وأن مجموعها لا يخلو عن الأحرف السبعة .

    وهذا المذهب هو الذي يطمئن إليه القلب ، ويهدي إليه النظر وتدل عليه البراهين وإليك بيانها :

    أولا :أن هذه المصاحف العثمانية قد نسخت من الصحف التي أمر الصديق بجمعها ، وقد أجمع العلماء على أن هذه الصحف سجل فيها ما تواتر ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحرف السبعة ،واستقر في العرضة الأخيرة ولم تنسخ تلاوته ، فصحف أبي بكر أصلاً ومصدر مصحف عثمان رضي الله عنهما .

    ثانيا :لم يرو في خبر صحيح ولاضعيف أن عثمان أمر الكتاب أن يقتصروا على حرف واحد ويلغوا الستة الباقية .

    ثالثا :لا يصدق مؤمن يعرف للصحابة قدرهم في قوةدينهم وتقديسهم كتاب ربهم – وكانوا وقتئذ اثنى عشر ألفاً أو يزيدون – يقرون عثمان على إلغاء ما تواترت قرآنيته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كانت البواعث على ذلك .

    رابعا :لو كان صحيحاُ ما يدعيه أصحاب الرأي الأول أن عثمان أمر الكتاب أن يقتصروا على لغة قريش ويتركوا ما سواها لكان القرآن خالياً من جميع اللغات إلا من لغة قريش وهذا باطل في الواقع لأن القرآن فيه من الكلمات الأخرى غير لغة قريش ما يفوق الحصر ، فوجود هذه الكلمات في القرآن منأوضح البراهين على أن المصاحف لم يقتصر فيها على لغة قريش بل كتب فيها من الأحرفالسبعة ما تواتر وثبت في العرضة الأخيرة .
    وهاك بعض الأمثلة لهذه الكلمات :
    روى أبو عبيد عن الحسن قال لنا : كنا لا ندري ما الأرائك حتى لقينا من أهل اليمن فأخبرنا أن الأريكة عنهم الحجلة في السرير ،
    وعن الضحاك في قوله تعالى " كلا لا وزر " قال لا حيل وهي بلغة أهل اليمن أيضا ،
    وأخرج أبو بكر الأنباري عنابن عباس في قوله تعالى : " أفلم ييأس الذين آمنوا " قال ابن عباس أفلم يعلموا وهي لغة هوازن ،
    وورد أن قوله تعالى " لا يلتكم من أعمالكم شيئا " لا ينقصكم هي لغةعبس ، ... وهكذا

    خامسا:تناصرت الأدلة ، وتظاهرت البراهين على أن بين المصاحف العثمانية اختلافاُ في مواضع كثيرة فقوله تعالى : "وتوكل على العزيز الرحيم " في الشعراء كتب بالواو في البعض وبالفاء بدلها في البعضالآخر ،
    وقوله تعالى : " وفيها ما تشتهيه الأنفس " في الزخرف كتب في بعضها بالهاء وفي بعضها بغير هاء هكذا " تشتهي "
    وقوله تعالى : " ومن يتولى فإن الله هو الغني الحميد " في الحديد كتب في بعضها بإثبات لفظ هو ، وفي بعضها بحذفه إلى غيرذلك من الأمثلة الكثيرة . فلو كانت المصاحف مكتوبة بلغة واحدة وهي لغة قريش لم يكن هناك داع لهذا الإختلاف . وقد يقال أن قول عثمان للرهط الثلاثة القرشيين " إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا " يدل لأصحاب الرأي الأول ، والجواب عن ذلك أن عثمان لا يريد منوراء هذه المقالة إلا الاختلاف من حيث الرسم والكتابة لا من حيث جواهر الألفاظوالكلمات جمعاً بين الأدلة ، وتوفيقا بين البراهين ، على أنه لم يصل إلينا أنهم اختلفوا إلا في لفظ واحد وهو " التابوت " في قوله تعالى : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " هل يكتب بالتاء أم بالهاء ؟
    فرجعوا إلى عثمان فأمرهم أن يكتبوه بالتاءلأنه يكتب فيها في لغة قريش ، وقد يتمسك أصحاب الرأي الأول أيضا بقول عثمان " فأنم انزل بلسانهم " والحق أن لا متمسك لهم بهذا لأن القرآن أنزل بلسان قريش لأنهم هم المقصودون أولا ، ثم وسع الله على الأمة بإنزاله باللغات الأخرى ليسهل عليهم ترتيله بغير تكلف يشغل عن تدبره .

    كيف أرسلت هذه المصاحف إلى الأمصار :
    إن نقل القرآن الكريم إنما يعتمد على التلقي من أفواه الشيوخ خلفا عن سلف ، وثقة عن ثقة ، وإماما عن إمام حتى يصلوا الى الحضرة النبوية ،
    ولذلك لما أراد عثمان إذاعة المصاحف وإرسالها إلى الأمصار لم يرسلها وحدها لتكون المرجع الوحيد بل أرسل مع كل مصحف إماما عدلا ضابطا تكون قراءته موافقة لمافي هذا المصحف غالباً .
    فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني ،
    وبعث عبد الله بن السائب مع المصحف المكي ،
    والمغيرة بن شهاب مع الشامي ،
    وبعث عبد الرحمن السلمي مع الكوفي ،
    وعامر بن عبد القيس مع البصري ، ثم نقل التابعون في ذلك مقام الصحابة ، ثم تفرغ جماعة للقراءة والإقراء ، والتعليم والتلقين ، حتى صاروا أئمةيقتدي بهم ، ويؤخذ عنهم وأجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم ، واعتماد روايتهم .
    ومن هنا نسبت القراءة إليهم وأجمعت الأمة وهي معصومة من الخطأ في اجماعها على ما في هذه المصاحف ، وعلى ترك ما سواها من زيادة ونقص وتقديم وتأخير وغير ذلك لأنه لم يثبت عندهم ثبوتاً متواترا أنه من القرآن .

    موقف المسلمين إزاء تلك المصاحف :

    لما أمر عثمان رضي الله عنه بنسخ المصاحف ، وكتابتها على ما ثبت في العرضة الأخيرة وترك ما سوى ذلك وقف منه الصحابة جميعا موقف التأييد والتعضيد ، واستجابوا لندائه فحرقوا مصاحفهم واجتمعوا على المصاحف العثمانية حتى ورد أن عبد الله بن مسعود أنكر بادئ ذي بدء على عثمان لأنه آثر زيد بن ثابت في كتابة المصاحف على عبد الله ، لما سبق من الأوصاف الموجبة لذلك، ولكنه لم يلبث أن رجع ، وأقر ما عمله عثمان ، واتفقت عليه كلمة الصحابة .

    أخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن علي رضى الله عنه أنه قال : لا تقولوا فيعثمان إلا خيرا فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا . قال ما تقولونفي هذه القراءة ، فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك وهذا يكاد يكونكفرا قلنا ما ترى؟ قال : أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف، قلنا فنعم ما رأيت . أهـ

    نسخ المصاحف في عهد الخلفاء الراشدين وما أحدث بها من نقط وشكل وتجزئة


    بينا في الكلام على جمع القرآن الكريم في عهد عثمان رضي الله عنه أنه كتب المصاحف ووجهها الى الأقطار الإسلامية ،وذكرنا أن هذه المصاحف كانت مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة وكانت مجردة من النقط والشكل لتكون محتملة لما تواترت قرآنيته من هذه الأحرف السبعة وكانت مجردة من النقط والشكل لتكون محتملة لما تواترت قرآنيته من هذه الأحرف ، واستقر فيالعرضة الأخيرة ، ولم تنسخ تلاوته
    .
    ظلت هذه المصاحف هكذا حقبة من الزمن ،إلى أن كثرت الفتوحات الإسلامية ، فاختلط اللسان الأعجمي باللسان العربي ، وفشا اللحن على الألسنة ، وكادت العجمة تطفي على الفصحى ، وكان هؤلاء الأعاجم يعسر عليهم التمييز بين حروف القرآن وكلماته لأنها كما عرفت – غير منقوطة ولا مشكولة – فخشي أمراء المؤمنين وولاتهم أن يقضي ذلك إلى اللحن في كتاب الله تعالى ، فعملوا على تلافي ذلك وإزالة أسبابه وأحدثوا من الوسائل ما يكفل صيانة الكتاب العزيز من اللحن وحفظه من التصحيف وهاك بيانها :

    النقط والشكل :

    النقط :
    له معنيان : الأول ما يدل على ما يعرض للحرف من حركة أو سكون أو شد أو مد أو غير ذلك ويسمى بعضهم هذا النقط نقط الإعراب

    المعنى الثاني : ما يدل على ذوات الحروف ، ويميز بين معجمها ومهملها، كالموضوع على الباء والتاء والثاء والجيم والذال وهم جرا
    فالنقطة على الباءقد ميزتها عما يشاركها فيرسمها من التاء والثاء ، والنقطة التي على الجيم قد ميزتهاعن الحاء وهكذا ، ويسمى بعضهم هذا النقط نقط اعجام.

    الشكل :
    معناه يدل على ما يعرض للحرف من حركة أو سكون أو شد أو مد أو نحو ذلك ،يرادفه الضبط ، وعلى هذا يكون المعنى الأول للنقط مساوياً لمعنى الشكلوالضبط.

    وقد اختلف العلماء اختلافاً كثيراً في تعيين أول من أحدث النقط بمعنييه ، والذي جنح إليه المحققون من العلماء أن المخترع الأول للنقط بمعناه الأول وهو نقط الإعراب أبو الأسود الدؤلي ، فاختار أبو الأسود رجلا من عبد القيس وقال له خذ المصحف وصبغا يخالف لونه لون مداد المصحف فإذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف – أي أمامه – وإذا كسرتهما فاجعل النقطة في أسفله ، فإذا اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة – أي تنوينا – فانقط نقطتين فبدأبأول المصحف حتى أتى على آخره.

    أما النقط بمعناه الثاني وهو نقط الإعجام فأرجح الأراء في ذلك أنه نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر وذلك بأمر من أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان أمر الحجاج بن يوسف على أن يعمل جاهدا على إبعاد أسباب التحريف عن ساحة القرآن فاختارهما ، فوضعا هذا النوع من النقط لتمييز الحروف بعضها عن بعض ليضمن بذلك سلامة القرآن من اللحن والتصحيف ، وكان هذا النقط بلون مداد المصحف حتى يتميز عن النقط الذي وضعه أبو الأسود .

    ثم في عصر الدولة العباسية ظهر إمام النحو الخليل بن أحمد البصري فأخذ نقط أبي الأسود وصور فيه وجعله على هذا النمط المستعمل الآن ، فجعل الضمة واوا صغيرة تكتب فوق الحرف ، والفتحة ألفا صغيرة مبطوحة، والكسرة ياء ، ثم وضع علامة للشدة رأس الشين ، وللسكون رأس خاء ، وعلامة للمدوأخرى للروم والإشمام وهكذا ، ثم إن هذه العلامات دخل عليها شيئا من الإختزال والتحسين حتى آلت إلى ما هي عليه الآن .
    تجزئة المصحف :

    كما كانت المصاحف العثمانية خالية من النقط والشكل كانت خالية من التجزئة أيضا ، ثم قامت طائفة فقسمت القرآن ثلاثين قسماً ، وأطلقت على كل قسم منهااسم الجزء وقسمت هذا الجزء إلى حزبين ، وقسمت الحزب إلى أربع أجزاء ، وأطلقت على كل جزء منها اسم الربع ، وكل ذلك معروف لا يكاد يجهله أحد.

    ومن كتاب المصاحف في الصدر الأول من كان يضع ثلاث نقط عند آخر كل فاصلة من فواصل الآيات إعلاما بانقضاءالآية ، ويكتب لفظ خمس عند انقضاء خمس آيات من السورة ، ولفظ عشر عند انقضاء عشرآيات منها ، فإذا انقضت خمس أخرى أعاد كتابة لفظ خمس فإذا صارت عشرا أعاد كتابة لفظ عشر ولا يزال هكذا إلى آخر السورة
    ومنهم من كان يكتب اسم السورة وكونها مكية أومدنية ، ويكتب عدد آياتها في آخرها وقد اختلف العلماء في ذلك فأجازة قوم بكراهةوآخرون بلا كراهة وهذا هو الراجح .

    ما يجب على كاتب المصحف وناشره

    تمهيد :
    هل يجب إلتزام الرسم العثماني في كتابةالمصحف الشريف ، أم يجوز أن يكتب حسب القواعد العامة للإملاء ؟
    اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال ثلاثة :

    القولالأول :
    أنه لا يجب إلتزام الرسم العثماني بل تجوز كتابة المصحف حسب القواعد الإملائية العامة ... ممن أيد هذا القول وانتصر له ابن خلدون ، والقاضي أبوبكر الباقلاني في آخرين .

    القول الثاني :
    أنه يجب كتابة المصحف لعامة الناس على القواعد الإملائية المعروفة لهم ولا يجوز كتابته لهم بالرسم العثماني ، وممن جنح إلى هذا صاحب البرهان وشيخ الإسلام العزيز بن عبد السلام .

    القول الثالث :
    أنه يجب إلتزام الرسم العثماني في كتابة المصاحف وإلى هذا ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف

    أدلة القولالأول:
    استدل اصحاب هذا القول بأدلة ثلاثة :
    1- أن هذه الخطوط والرسوم ليست إلا علامات وأمارات فكل رسم يدل على الكلمة ، ويفيد وجه قراءتها فهورسم صحيح وكاتبه مصيب
    2- أن كتابة المصحف على الرسم العثماني قد توقع الناس فيالحيرة والإلتباس ، والمشقة والحرج ، ولا تمكنهم من القراءة الصحيحة السليمة فيحرمون من الحصول على الثواب الموعود به على تلاوة القرآن الكريم ، وربما يتعرضون للعقوبة ولاإثم إذا قرؤوا قراءة غير صحيحة ، فينبغي كتابة المصحف حسب قواعد الإملاءالحديثة تيسيرا على الناس ، ورفعاً للحرج والمشقة عنهم ، وتمكينا لهم من القراءةالصحيحة .
    3- وليس في الكتاب العزيز ، ولا في اجماع الأمة ولا في قياس شرعي ،شيء يحتم على من يريد كتابة مصحف أن يكتبه برسم معين ، وكيفية مخصوصة ، لذلك لم يروعن الرسول الأعظم أنه أمر أحدا من كتاب الوحي حين كتابته أن يكتبه برسم خاص ، ولانهى أحدا عن الكتابة بهيئة معينة

    أدلة القول الثاني :
    واستدل أصحاب هذا القول بأن كتابة المصحف بالرسم العثماني يوقع الناس في المشقة والحرج ويقضي بهم إلى التغيير في كتاب الله تعالى بالزيادة فيه أو النقص منه
    قالوا : ومع هذا يجب الاحتفاظ بالرسم العثماني لأنه من آثار سلفنا فلا نتغاضى عنه بالكلية مراعاة لجهل الجهلاء بل يبقى في أيدي العارفين الذي لا يخلوزمان من وجودهم.

    أدلة القول الثالث :
    استدل أصحاب هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له كتاب يكتبون الوحي ، وقدكتبوا القرآن كله بهذا الرسم ، وأقرهم الرسول على كتابته ، وانتقل الرسول الى الرفيق الأعلى وقد كتب القرآن على هذه الكيفية المخصوصة ، لم يحدث فيها تغيير ولاتبديل ، ثم تولى الخلافة بعده أبو بكر فكتب القرآن كله في الصحف على هذه الهيئة ،ثم جاء عثمان فنسخ المصاحف العديدة من صحف أبي بكر وكتبها كلها على هذا الرسم أيضا، ووزعها على الأمصار لتكون إماما للمسلمين . ولم ينكر أحد من الصحابة على أبي بكرولا عثمان ، بل ظفر كل منهما بإقرار جميع الصحابة لعملهما ، ثم جاء عصر التابعين ،والأئمة واتباع التابعين ، والأئمة المجتهدين ، ولم يثبت أن أحدا منهم حدثته نفسه بتغيير رسم المصاحف ، وكتابتها برسم آخر يساير الرسم المحدث ، بل طل هذا الرسم منظورا إليه بعين التقديس والإكبار في سائر العصور المختلفة والأزمان .
    وإذا كانهذا الرسم قد حظي بإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة واتفاق التابعين واتباعهم والأئمة المجتهدن عليه فلا يجوز العدول عنه إلى غيره . خصوصا وأنه أحدالأركان التي تنبني عليها صحة القراءة

    وإليك نصوص أئمة الدين وأعلام الإسلام في ذلك :
    روى السخاوى أن مالك بن أنس إمام دارالهجرة سئل أرأيت من استكتب مصحفا أرأيت أن يكتب على ما استحدثه الناس منه الهجاءاليوم ؟ فقال : لا أرى ذلك ، ولكن يكتب على الكتبة الأولى

    قال السخاوي : والذي ذهب إليه مالك هو الحق إذ بقاء الحالة الأولى إلى أن تعلمها الطبقة الأخرىبعد الأخرى ولا شك أن هذا هو الأخرى إذ في خلاف ذلك تجهيل الناس بأولية ما فيالطبقة الأولى .

    وقال أبو عمرو الداني : لا مخالف لمالك من علماء هذه الأمةوقال الداني أيضا سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والياء والألف أترى أنيغير من المصحف إذا وجد فيه شيء من ذلك ؟ قال لا - قال أبو عمرو يعني الواو والياءوالألف الزائدات في الرسم المعدودات في اللفظ نحو ( أذبحنه ، بأييد ، أولوا ) وهكذا

    وقال الإمام أحمد بن حنبل : تحوم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ألف أوياء أو غير ذلك ، وقال صاحب المدخل : ويتعين على كاتب المصحف أن يترك ما أحدثه بعضالناس في هذا الزمان من نسخ المصحف على غير المرسوم الذي اجتمعت عليه الأمة

    وقال النيسابوري : وقال جماعة من الأئمة أن الواجب على القراء والعلماءوأهل الكتابة أن يتبعوا هذا الرسم في خط المصحف فإنه رسم زيد بن ثابت وكان أمين رسول الله صلى عليه وسلم وكاتب وحيه .

    وقال البيهقي في شعب الإيمان : من كتب مصحفاً ينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ولا يخالفهم فيه ولايغير مما كتبوه شيئا فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا أمانة منا فلا ينبغيرأن نظن بأنفسنا استدراكا عليه
    ونقل الإمام الجعبري وغيره اجماع الأئمةالاربة على وجوب اتباع رسم المصحف العثماني

    والذي تطمئن إليه النفس ويوحي به الدين وتهدي إليه الأدلة هو القول الثالث لأمور :
    أولا :أن ما أورده أصحاب هذا القول من نصوص عللماءالإسلام ظاهر في وجوب إلتزام الرسم العثماني في كتابة المصاحف

    ثانيا:أن قواعد الإملاء والهجاء الحديثة عرضة للتغييروالتنقيح في كل عصر وفي كل جيل ، وحيطتنا للكتاب العزيز وتقديسنا له يضطرنا إلى أن نجعله بمنأً من هذه التغييرات في رسمه وكتابته

    ثالثا :أن تغيير الرسم العثماني ربما يكون مدعاة إلى التغيير في جوهر الألفاظوالكلمات القرآنية وفي ذلك ما فيه من الفتنة الكبرى والشر المتسطير ، وسد الذرائع ،وما كان موقف الأئمة من الرسم العثماني إلا بدافع هذا الأصل العظيم مبالغة في حفظ القرآن الكريم ، وصيانة له من العبث.

    رابعا:في هذا الرسم خصائص ومزايا كثيرة وقد تكفل علماء الرسم ببيانها فارجع إليها إن شئت .
    وأما ما يتعلل به أصحاب الرأيين الأولين من أن كتباة المصاحف على الرسم العثماني توقع الناس في حيرة وارتباك ... ما قالوه فمردود بأن المصاحف في هذا العصرخصوصا المصحف الحكومي ، قد ضبطت بالشكل التام وألفها الناس ومرنوا على القراءة فيهامن غير حرج ومشقة
    حالة المصاحف في دور الطباعة

    لما أنشأت المطابع في مصر وغيرها من البلاد الشرقية كان جل عنايتها بالمصحف الكريم ، وكانت تتسابق في ابرازه في أحسن صورة وأكرم منظر وأجمل تنسيق ، غير أن هذه المطابع ما كانت تراعي في طبعه قواعد الرسم العثماني التي كتب عليها في عهد عثمان رضى الله عنه بل كانت تعتمد في رسمه على قواعد الإملاء المحدثة اللهم إلا في النذراليسير من الكلمات كانت تكتبه على قواعد الرسم العثماني

    ظلت المصاحف هكذازمنا غير قصير حتى قيض الله لها علما من أعلام القرآن فرجع بها إلى قواعد الرسم العثماني وهو الأستاذ المحقق ( رضوان بن محمد الشهير بالمخللاتي ) صاحب المؤلفات المفيدة الجامعة ، فكتب مصحفا عنى فيه بكتابة الكلمات على قواعد الرسم العثماني كماعنى فيه ببيان عدد آي سورة في أولها هي مذاهب علماء العدد المشهورين . واضعا علىرأس انفصاله المختلف فيها اسم من يعدها ، ثم بين أماكن الوقوف ، وقسم الوقف إلى ستةأقسام : كاف ، حسن ، جائز ، صالح ، مفهوم ، تام ، مشيرا الى الكافي بالكاف والحسن بالحاء والجائز بالجيم والصالح بالصاد والمفهوم بالميم ، والتام بالتاء .

    وقد صدر هذا المصحف بمقدمة جليلة ابان فيها أن هذا المصحف حرر رسمه وضبطه على ما في كتاب المقنع للإمام الداني ، وكتاب التنزيل لأبي داود ، ولخص فيها تاريخ كتابة القرآن في العهد النبوي . وجمعه في عهدي أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما ، كما لخص مباحث الرسم والصبط في جمل وجيزة مفيدة ثم انتقل إلى بيان علماء العددالمشهورين وإلى تعريف معنى السورة والآية ، كل ذلك في عبارة سهلة وتركيببديع.

    وقد طبع هذا المصحف في المطبعة البهية لصاحبها الشيخ محمد أبي زيد سنةثمان وثلاثمائة وألف هجرية 1308 هـ وكان هذا المصحف هو المتداول بين أهل العلم والقراء .. والمعول عليه عندهم المقدم دون سائر المصاحف لما اشتمل عليه من المزاياالسابقة ، بيد أنه لم يبرز في صورة حسنة تروق الناظر ، وتنشط القارئ لرداءة ورقهوسوء طبعه ، إذ أنه طبع في مطبعة حجرية .
    ثم إن من حسنات الملك فؤاد الأول وأعماله المبرورة المشكورة أن أمر بطبع المصحف على نفقته الخاصة ، وبالعنايةالفائقة به ، فكونت لجنة من أساطين العلم ، وعلى رأسهم العلامة الشيخ محمد على خلف الحسيني الحداد شيخ المقارئ المصرية السابق للإضطلاع بهذه المهمة الخطيرة الشاقة . فكتبوا القرآن كله حسب قواعد الرسم العثماني وضبطوه الضبط التام على ما ذهب إليه المحققون من العلماء ، وبينوا في ترجمة كل سورة عدد آياتها وأنها مكية أو مدنية ،وأنها نزلت بعد سورة كذا ... ووضعوا لكل أية رقمها الخاص بها . كما وضعوا علامات للوقوف . والأجزاء والأحزاب والأرباع والسجدات .
    ثم قسموا الوقف إلى خمسة أجزاءأقسام :

    الأول ما يلزم الوقف عليه ولا يصح وصله بما بعده ووضعوا له علامة هيالميم المفردة هكذا ( مـ)

    الثاني ما يصح الوقف عليه والابتداء بما بعده كمايصح وصله بما بعده غير أن الوقف عليه أرجح من وصله بما بعده وقد وضعوا لهذا القسمهذه العلامة ( قلى ) وهي كلمة منحوته وأصلها الوقف أولى

    الثالث كالثاني غيرأن وصله أرجح من الوقف عليه وقد وضعوا له هذه العلامة ( صلى ) وهي كلمة منحوته أيضاوأصلها : الوصل أولى

    الرابع ما يجوز فيه الوقف والوصل على السواء من غيرترجيح لأحدهما على الآخر ، ووضعوا لهذا القسم هذه العلامة ( ج )

    الخامس مالا يصح الوقف عليه والإبتداء بما بعده ، فإذا وقف عليه لانقطاع نفس ، أو استراحة أونحو ذلك تعين عليه أن يرجع فيصله بما بعده ، ووضعوا لهذا القسم هذه العلامة ( لا ) والناظر في المصحف المذكور يعرف الأمثلة الكثيرة لهذه الأقسام الخمسة .

    ( منقول للفائدة )

    ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل : 125]


  • #2
    جزاك الله خيراً أخي كنز العلوم عن الموضوع الهام

    وهذه موضوعات هامة أخرى ذات صلة

    الفارِق بين المُصحف و القرآن الكريم

    نقل القرآن سماعاً من صدر إلى صدر ينفي أهمية المكتوب

    ما نسِخ تلاوته وبقي حكمه: تناقُض صحابةٍ أم تخبُّطاتِ نصارى وملاحدة؟


    بارك الله فيكم
    فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
    شرح السيرة النبوية للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيــــــــل.. أدلة وجود الله عز وجل ..هام لكل مسلم مُوَحِّد : 200 سؤال وجواب في العقيدة
    مـــاذا فعلتَ قبل تسجيلك الدخـول للمنتدى ؟؟.. ضيْفتنــــــــــــــــــــــــــا المسيحية ، الحجاب والنقـاب ، حكـم إلـهي أخفاه عنكم القساوسة .. هـل نحتـاج الديـن لنكـون صالحيـن ؟؟
    لمــاذا محمد هو آخر الرسل للإنس والجــن ؟؟ .. حوار شامل حول أسماء الله الحسنى هل هي صحيحة أم خطـأ أم غير مفهـومـــة؟!.. بمنـاسبة شهر رمضان ..للنساء فقط فقط فقط
    إلى كـل مسيحـي : مـواقف ومشـاكل وحلـول .. الثـــــــــــــــــــــــــالوث وإلغــاء العقـــــــــــــــــــل .. عِلْـم الرّجــال عِند أمــة محمــد تحَـدٍّ مفتوح للمسيحيـــــة!.. الصلـوات التـي يجب على المرأة قضاؤهــا
    أختي الحبيبة التي تريد خلع نقابها لأجل الامتحانات إسمعـي((هنا)) ... مشيئـــــــــــــــــــــة الله ومشيئـــــــــــــــــــــة العبد ... كتاب هام للأستاذ ياسر جبر : الرد المخرِس على زكريا بطرس
    خدعوك فقالوا : حد الرجم وحشية وهمجية !...إنتبـه / خطـأ شائع يقع فيه المسلمون عند صلاة التراويـح...أفيقـوا / حقيقـة المؤامـرة هنـا أيها المُغَيَّبون الواهمون...هل يحق لكل مسلم "الاجتهاد" في النصوص؟
    الغــــــزو التنصيـــــــــري على قناة فتافيت (Fatafeat) ... أشهر الفنانين يعترفون بأن الفن حرام و"فلوسه حرام" ... المنتقبة يتم التحرش بها! الغربيون لا يتحرشون ! زعموا .

    أيهــا المتشكـــــــــــــــــــــــــــك أتحــــــــــــــــــــــــداك أن تقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأ هذا الموضــــــــــوع ثم تشك بعدها في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
    <<<مؤامرة في المزرعة السعيدة>>>.||..<<< تأمــــــــــــــــــــلات في آيـــــــــــــــــــــــــــــات >>>
    ((( حازم أبو إسماعيل و"إخراج الناس من الظلمات إلى النور" )))

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا أخي الفاضل علي أخلاقكم الكريمة ونشكر لكم مروركم الكريم

      ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل : 125]

      تعليق


      • #4
        هذه المشاركة رد علي استفسار الزميل sanhotymed استفسار حول جمع المصحف الشريف
        هذا ملخص تاريخ المصحف الشريف من اول عهد النبوة الكريم الي الان
        مع خالص تحياتي وتقديري لشخصكم الكريم

        ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل : 125]

        تعليق

        مواضيع ذات صلة

        تقليص

        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
        ابتدأ بواسطة ابن الوليد, منذ 4 يوم
        رد 1
        40 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة ابن الوليد
        بواسطة ابن الوليد
         
        ابتدأ بواسطة Guardian26, 22 ينا, 2024, 02:18 ص
        ردود 3
        109 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة محب المصطفى
        بواسطة محب المصطفى
         
        ابتدأ بواسطة Muslim1989, 13 ديس, 2023, 02:27 ص
        ردود 8
        88 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة *اسلامي عزي*
        بواسطة *اسلامي عزي*
         
        ابتدأ بواسطة Muslim1989, 11 ديس, 2023, 12:39 م
        ردود 9
        145 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة أحمد عربي أحمد سيد  
        ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 أكت, 2023, 11:53 م
        ردود 0
        169 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة *اسلامي عزي*
        بواسطة *اسلامي عزي*
         
        يعمل...
        X