كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام

تقليص

عن الكاتب

تقليص

نور الهداية مسلمة ولله الحمد اكتشف المزيد حول نور الهداية
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    * من سقطات محمد جلال كشك في كتابه "أولاد حارتنا فيها قولان":
    الدفاع المبالغ فيه البعيد كل البعد عن الحقيقة.
    - يقول عن موقف اليسار من نجيب محفوظ:
    "وهم يبغضون منه النفس الإسلامي الذي يتضوع من أعماله" (ص 19) وهل يصدق هذا عاقل؟!
    وقال في (ص 138): "جريمة نجيب محفوظ أنه قدم وجهًا إِسلاميًّ
    (1/360)
    مشرقًا، مشرقًا في الزمن الرديء جدًّا .. وفي زمن بدا فيه المسلم قبيح المسلك قبيح الفكر".
    ويقول في (ص 58): "ولا شك أن قاسم يرمز إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - " فلينظر كل الناس إلى ما قاله نجيب عن قاسم.
    وقوله عن جمال الدين الأفغاني (ص 36): "المجاهد الشهيد أستاذ الأجيال جمال الدين الأفغاني .. شاهت الوجوه .. من فيهم له في خدمة الإسلام ما للأفغاني؟!!
    الأفغاني بلا جدال هو أعظم مسلم في القرن التاسع عشر هو الزعيم المفكر الذي جعل العالم الإسلامي ميدان نشاطه، متخطيًا بنجاح الحدود القومية والمذهبية" رأيت ردنا المفصل على فكر الأفغاني.
    وقال عن الأفغاني: "ولكنه بلا جدال أستاذ الجميع، وخير من خدم الإسلام في القرن التاسع عشر، ولولا شنشنة نعرفها من أخزم، لقلنا بل ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم" (ص37، 38)!!
    وقال (ص 41): "إن المسلم الذي يتعرّف على الله سبحانه وتعالى من معالم شخصية الجبلاوي، هو الذي يستحق الاستتابة، ويجب عليه أن يعيد تثقيف نفسه في علم التوحيد .. وهو مسلم ظن بالله الظنون ولم يقدر الله حق قدره .. والسموات مطويات بيمينه - سبحانه وتعالى عما يشركون" (1).
    - ونحن نحيل القارئ إلى ما قاله سكرتير لجنة الجائزة في حفل التسليم باستوكهولم عام 1988 حيث أشار في غضون إطرائه على الرواية إلى ما تضمنته من مفهوم (موت الإله)! (2).
    __________
    (1) "أولاد حارتنا فيها قولان" لمحمد جلال كشك - الزهراء للإعلام العربي.
    (2) "الطريق إلى نوبل عبر حارة نجيب محفوظ" لمحمد يحيى ومعتز شكري (ص 6) - أمة برس للطباعة والنشر.
    (1/361)
    ونحيل القارئ إلى الكتاب الهام " الطريق إلى نوبل 1988 عبر حارة نجيب محفوظ " للأستاذين الدكتور محمد يحيى ومعتز شكري.

    * نجيب محفوظ والشيخ عبد الحميد كشك وأحمد عبد المعطي حجازي:
    "في صحيفة الأهرام الصادرة في 2/ 6/1999 شن أحمد عبد المعطي حجازي هجومًا ضاريًا على الشيخ عبد الحميد كشك -رحمه الله- مدعيًا أن الكتاب الذي كتبه الشيخ كشك عن نجيب محفوظ فيه دعوة لاغتيال نجيب محفوظ استجاب لها ولباها -كما يقول حجازي- "بعض القردة المتوحشين"، وانهالوا على عُنُق الكاتب بالخناجر والمُدى" ويمضي فيصف الشيخ كشك بأنه "واعظ محدود الثقافة!! لا علاقة له بدراسة الأدب" وبأنه: "واعظ نصف أمي" ويتساءل ساخرًا: "لماذا لا يُعيَّنْ الشيخ كشك أستاذًا في جامعة المنصورة، أو في جامعة القاهرة" (1).

    * في ميزان الحق:
    "وما ذكره حجازي يرفضه الحق وينقضه الواقع، فالذين اعتدوا على نجيب محفوظ لم يقرأ واحد منهم كتاب الشيخ كشك بل لم يسمع به، وهذا ما أثبتته التحقيقات والشيخ كان من حفظة القرآن المتعمقين في معانيه وأسراره، وكان ذا ثقافة موسوعية واسعة، ووهبه الله حنجرة قوية الأمر والتأثير، وكنت أتمنى أن يقرأ حجازي كتاب "النبي والفرعون" للكاتب العالمي الشهير "جيلز كيبل" وقد كتب فيه فصلاً عن الشيخ كشك من عشرين صفحة جاء فيه. "أنهم يستمعون لكشك في القاهرة، وفي الدار البيضاء، وفي حي المغاربة في مارسيليا .. فهو نجم الدعوة الإسلامية، وقد كان لكشك مقلّدوه،
    __________
    (1) مقال " الغاية والدستور والزعيم والسبيل " (1 - 2) للدكتور جابر قميحة - مجلة آفاق عربية - الصفحة الأخيرة عدد (610) - 5 ربيع الآخر 1424 هـ - 5 يكونية 2003 م.
    (1/362)
    ولكن لم يتوافر لأحدهم أحباله الصوتية التي لا تُضاهَى، أو ثقافته الإسلامية الواسعة، أو قدرته غير العادية على الارتجال، أو روحه الجسور في نقده للأنظمة الظالمة، والدكتاتورية العسكرية، ولمعاهدة السلام مع إسرائيل".
    هذه سطور من شهادة كاتب غربي غير مسلم لرجل اتهمه حجازي بالأمية والتعصب وضيق الأفق .. " (1).

    * ونقول لأحمد عبد المعطي حجازي ضيق الأفق:
    قد تنكر العين ضوء الشمس من رَمَدٍ ... وينِكُرُ الفم طعم الماء من سقَم
    ونقول له: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء: 109].
    والله الموعد.

    * عبد الرحمن الشرقاوي يشوِّه التاريخ الإِسلامي:
    سبق أن تكلمنا عن عبد الرحمن الشرقاوي وكتابه "محمد رسول الحرية" وردّ الشيخ محمد أبي زهرة علية (2)، يقول الأستاذ أنور الجندي تحت عنوان "أخطاء عبد الرحمن الشرقاوي في كتابه "السيرة والتاريخ":
    في كل كتاباته الإسلامية يظهر الغرض المبيت المدفون واضحًا:
    "محمد رسول الحرية -مسرحية الحسين ثائرًا- كتاباته عن الإمام علي".
    إن درجة الوعي الإسلامي الآن في فهم تيارات التغريب قد أصبحت عالية وما نعتقد أنها يمكن أن تخدع وهذه الأسماء معروفة الهوية ولذلك فهي لا تستطيع أن تكسب ثقة قارئ واحد من المؤمنين باليقظة الإسلامية ولعل هذا هو ما يزعج هؤلاء ومَن وراءهم، إن خطط التغريب والغزو الثقافي قد
    __________
    (1) المرجع السابق.
    (2) وذلك في "زهر البساتين في مواقف العلماء الربانيين".
    (1/363)
    كشفت تمامًا فمهما حاولوا تغيير جلودهم ومهما خلطوا أوراقهم ومهما نشرت لهم الصحف الكبرى ومهما حالت بين مفترياتهم وبين تصحيحها، فلييئس هؤلاء تمامًا وسيرتد الكيد إلى نحور أهله.
    إنها محاولة لتحطيم الصحوة وللقضاء على الأصالة ولطرح مزيد من الشبهات والشكوك والسموم على الطريق الذي أصبح صالحًا ليسلك عليه المسلمون إلى إقامة المجتمع الرباني، إنها محاولات يائسة لإفساد الفكر ولتزييف التاريخ ولهدم القيم تحت أسماء إسلامية، ومن خلال صحف محتوية للتغريب والغزو الفكري، ففي روايته الحسين شهيدًا كان حريصًا على أن يصور المجتمع الإسلامي بعد أن اختار الرسول الرفيق الأعلى بنصف قرن في صورة بشعة، وكأن هذا المجتمع قد تداعى وتهاوى وصار مجتمع عربدة وفجور، ومجتمع شقاق ونفاق ومجتمع جبن وضعف ومجتمع خيانة ونكث للعهود، مع أن المجتمع كان لا يزال يزخر بعدد كثير من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه عدد ضخم من التابعين لهم بإحسان (وهذه متابعة لخطة طه حسين) التي جرى عليها في الهجوم على الصحابة وأتباعهم أما في دراسته عن الإمام علي فقد اعتمد على مراجع معينة أغلبها مشكوك في صحتها وفي مقدمتها الأغاني، وفي هذا تابع أهواء الدكتور طه وخطته حتى ليخيل إلي أنه امتداد حقيقي وتجديد استشراقي تغريبي لأفكار طه حسين المسمومة التي بثها في كتابه الفتنة الكبرى وعلي وبنوه في الأربعينات يجددها الشرقاوي في الثمانينات.
    فقد جرى وراء القصص البراق، واعتمد على المصادر المضلة وساير خصوم الشيخين أبي بكر وعمر من الباطنية وحاول أن يلحق الإساءة بالسيدة عائشة على هوى بعض الفرق.
    - ويمكن أن نقول بوضوح أن عبد الرحمن الشرقاوي القصاص الذي
    (1/364)
    يغلبه الخيال والبريق والرواية المثيرة لا يصلح مؤرخًا ولا يمكن أن يقبل منه كل ما كتب على أنه تاريخ وهو يمضي في سلك واحد مع جورجي زيدان أولا وطه حسين أخيرًا ومن العجيب أن أحدًا ممن نقدره لم يشر إلى متابعته لخطأ طه حسين في هذا المجال.
    - وفي الوقت الذي يأتي كتاب غربيون يشيدون بعظمة الإسلام ورسوله ورجاله ينحرف كتاب عرب لهم أسماء إسلامية عن هذا الخط ويخوضون إلى ما تحت ركبهم في الأعراض والقبائح.
    ولقد تأكد ما قاله الشيخ الشعراوي من أن الأهرام أصبحت وكرًا لأعداء الإسلام وأن موقف الأهرام من إغلاق الصحيفة على كتابها دون أن تسمح بوجهة النظر الأخرى هو من الآثام التي سوف تحاسب عليها الأهرام عندما يكتب تاريخ الصحابة، وما كانت هكذا تجري المعارك الأدبية في القديم حيث كان يسمح لكل طرف أن يعرض آرائه، وها هي الأهرام تستخدم من قبل توفيق الحكيم وزكي نجيب محمود، والشرقاوي لخدمة أعداء الإسلام.
    - ولقد صدق الشيخ محمد الغزالي حين وصف الشرقاوي بأنه يجمع القمامات من كتب التاريخ ويصدق أيضًا ما وصف بأنها مؤامرة لضرب الإسلام لحساب المسيحية ولضرب الصحوة التي أدخلت في الإسلام أعلامًا كبارًا أمثال جارودي (1) وبوكاي.
    ولعل أسوأ صفحات الشرقاوي هو أسلوبه في الحوار وإدخاله الإقذاع والسخرية فهو كاتب يمكن أن يوضع في صف الشعراء القدامى الذين تخصصوا في الهجاء المقذع الذي يرفضه الإسلام أسلوبًا للحوار فما بالك وصاحب الحق في الرد لا يمكن من أن يقول كلمته في نفس المكان، أي
    __________
    ظلم هذا" (1)
    (1) انظر رد الشيخ ابن باز على هذا في كتابي "زهر البساتين".
    (1/365)
    * مآخذ على كتابات الشرقاوي حول الإمام علي:
    أولاً: إن مصادر الكتابة عن الإمام علي - رفاقه ومنهج البحث في سيرة الصحابة تختلف عن المصادر ومنهج البحث في التاريخ العام، وهو لم يلتزم بهذا المنهج بل عمد لكتب التاريخ وغير كتب التاريخ فاستقى منها مادته وأخباره، فرجع إلى كتاب " الأغاني "، وهو مرجع لمؤرخي الأدب في العصر العباسي يجمع أخبار الشعراء والأدباء والمغنيين والمغنيات ومجالس الشراب والطرب، فإذا وجدت فيه معلومة عن صحابي أو تابعي فيجب الوقوف أمامها طويلاً، للبحث عما إذا كانت قد وردت في مصدر تاريخي أصيل مما تتكفل به أصول البحث العلمي، ومصطلح علم الحديث وأصول الرواية في معرفة حال الرواة وصحة المتن وطريق التحمل ولكن الشرقاوي سوى بين المصادر القديمة لقدمها ولم يفرق بينها ومن هنا وقع اللبس.
    - ومن مصادر الشرقاوي (الطبري) والطبري لا يشك أحد في صدقه ولكنه اعترف في كتابه أن الكتاب لا يخلو من الوقائع المكذوبة والأخبار المنحولة فلما هوجم الشرقاوي في هذا دافع عن مصدره وأهمل هذا التحذير الخطير الذي سجله الطبري في صدر كتابه.
    وهكذا فإن المصادر التي رجع إليها الشرقاوي لم تكن كلها كفئًا للموضوع فوقع في ورطة إذ لم يستجب لنصح الناصحين فيها.
    ثانيًا: "تناول أشخاصًا لهم بلاء وغناء وسبق إلى إلاسلام والجهاد في سبيل الله ووصفهم بما لا يليق بأمثالهم، فهم تلاميذ محمد - صلى الله عليه وسلم - والشوامخ
    __________
    (1) "جيل العمالقة" (ص 250 - 251).
    (1/366)
    الذين هاجروا في الله بعد ما فتنوا وهاجروا وصبروا وقد قدم لنا الإمام علي في عماية فتنة وأعصار محنة، وقديمًا قرر الفقهاء والعلماء والسلف الصالحون ممن أدركوا الفتنة وجاءوا بعدها الإمساك عن الخوض فيها فإن الصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم ولكل منهم وجهة نظر واجتهاد والمخطئ فيه له أجر والمصيب له أجران.
    لم يتناول الكاتب دور اليهود في هذه الفتنة التي آثر الخوض فيها وما فعله عبد الله بن سبأ وأشياعه والمخدوعون به فهم أسبابها وما أشبه الليلة بالبارحة ولم ينهج نهج المحدثين وأهل الأثر من نقده الأخبار على مقتضى قوانين الرواية والجرح والتعديل الذي ميز الله به أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وراح يسوق الأخبار ومنها الملفقة كأنها حقائق مسلمة ويبني عليها اتهامات ويصدر أحكامًا قاسية وهي أخبار واهية لا تحل روايتها فضلاً عن اعتمادها في تقرير حكم أو توجيه لوم خاصة إذا كانت تحمل في ثناياها دليل بطلانها، ولم يشر إلى مرجع واحد من مراجعه التي اعتمد عليها، فإن كثيرًا من أئمة المؤرخين قد ينقلون الشائعات والأخبار التي لا تصدق، ولكن بأسانيدها اعتمادًا على أن الناس سيبحثون الأسانيد فيتقبلونها أو يرفضونها.
    (عن بحث الأستاذ عبد المعز عبد الستار بتصرف)
    ثالثًا: إلحاحه في قوله: "ليس لبني إسماعيل فضل على بني إسحاق ولا لبني إسحاق فضل على بني إسماعيل" والحق أنني ألمح منها كيدًا خفيًا من عمل اليهود وإفكًا افتروه، بعد أن عزلهم الله عن قيادة البشر وجعلها في العرب من بني إسماعيل فاليهود من يريدون أن يتساووا مع العرب والمسلمين ويستغلوا المبدأ ويقرروا أنهم يرتقون إلى مستوى المسلمين على ما بهم من بغي وكفر وقساوة قلب، وعلى أخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وقولهم: "ليس علينا في الأميين سبيل"، ونحن نقول: "بل
    (1/367)
    لبني إسماعيل اليوم فضل على بني إسحاق"، وللعرب فضل على اليهود بعد ما أثبت اليهود ببغيهم وعداوتهم أنهم على مدى التاريخ وراء كل فتنة وسبب كل محنة وأنهم كالمشركين لا يرقبون في مؤمن إِلاًّ ولا ذمةً.
    رابعاَّ: غرق عبد الرحمن الشرقاوي في أباطيل الرواة وفي "الروايات الضالة فأجرى على لسان (الإمام علي) عبارات ما كان يمكن أن تجري على لسانه، وتقوَّل عليه أخبارًا كاذبة كمثل ما نسب إليه من أنه قال أنه كان أولى من أبي بكر وعمر بالخلافة.
    خامسًا. انزلق عبد الرحمن الشرقاوي في أعراض الصحابة واندفع بهدف ونية مُبيتة وليس من باب الخطأ، أو عدم الإحاطة بالمصادر، ولا كانت هذه الفترة من تاريخ الإسلام شائكة، وكان هو غير متخصص في التاريخ وقليل الدراية، والعلم بالصحابة بحيث يجب أن يتناول تاريخهم بأسلوب مختلف، يقوم على احترامهم ومعرفة قدرهم وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا حين قال: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، ويقول. "لا تسبوا أصحابي، من سب أصحابي فقد سبني".
    وقد بدا القصد من سياق السرد وهو النيل من الآخرين ومن سابقته بالذات، وهي نقطة مهمة كان لا بد من إثارتها، وكانت عبارات الكاتب تستهدف التنقيص ممن قبله من الخلفاء - رضي الله عنهم - أجمعين.
    وقد قصد الكاتب إلى إثارة خلاف في هذه الآونة بين طائفتين أو أكثر من المذاهب الإسلامية وإيجاد بلبلة وتباغض بين تلك الأمم والمذاهب ومن هنا دخل في الخطر الكبير الذي جاء عنه التحذير في بعض الآثار: "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها".
    الأخطاء كثيرة وكأن بالرجل يرمي إلى شيء من وراء هذه المغالطات غير العلم فابتعد عن الحقائق، وماذا يقصد بأوصافه التي أتى بها خياله عن
    (1/368)
    ليلة زواج ذي النورين عثمان - رضي الله عنه - من نائلة، وهو الذي كانت تستحي منه ملائكة الرحمن، ومن أين له هذا الوصف البعيد كل البعد عن العلم وعن التاريخ وأقرب ما يكون إلى روايات الجنس، ثم كتاباته عن أم المؤمنين عائشة وعن الصحابة طلحة والزبير وغيرهم عندما وصفهم بغير أوصاف المؤمنين وهم المؤمنون حقًا.
    عن (عبد الله الأنصاري) بتصرف.

    سابعًا: بدأ الشرقاوي خطته بأن ألف كتابه "محمد رسول الحرية" على أساس أن الإسلام مظهر للصراع بين الطبقات وأن الأصنام تم صبها حول الكعبة لأسباب مادية وتم هدمها كذلك لأسباب اقتصادية ومضى في طريقه يفسر الوقائع بمعايير الفكر اليساري ويقرأ كتب التاريخ غير مميز بين حقيقة وشائعة، وبين صحيح وموضوع وغير مدرك لمكانة الرجال الذين يتحدث عنهم فجاءت كتاباته بعيدة كل البعد عن المنطق العلمي، كما جاءت بعيدة الأثر في الإساءة إلى الإسلام والصحابة وإلى الآمال المرجوة في الصحوة الإسلامية وجمع الشمل وقد ردد الشبهات والتقط النقاط المشكوك فيها التي تعينه على باطله، ومنها الخطبة المنسوبة إلى علي بأنه أولى بالخلافة من أبي بكر وعمر وهي خطبة تعني أن الخلفاء الثلاثة كانوا مغتصبين حقًّا ليس لهم وأنهم طلاب دنيا وعشاق رياسة وأن جمهور الصحابة جبن عن مظاهرة صاحب الحق المقرر، وهذا النسق يرمي إلى فتح الباب للطعن في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
    ودعواه أن بني النضير أسلموا باطل فما أسلم بنو النضير يومًا، وأنهم حاولوا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما كان بينهم في بعض الشئون وهناك قضية وهب لها الشرقاوي فكره ونشاطه، ويريد أن يجر الإسلام إليها جرًا دون هوادة، هل للمسلم أن يدخر أو يكنز بعد أن يؤدي الحق المقرر عليه في ماله،
    (1/369)
    أم يجب إلا يمسك عنده شيئًا فوق حاجته وهو يؤكد أنه لا يجوز استبقاء شيء لصاحبه فوق نفقته العادية، إن هذا هو ميل إلى نظرية كارل ماركس (لكل حسب حاجته)، ولكنه يصور الرأي الذي ارتآه على أنه من الكتاب والسنة، وهو يحاول أن يجعل علي بن أبي طالب ضد رأس المال مهما أدى ما عليه من حقوق وهو يحاول أن يجعل عثمان كأحد الباشوات أو اللوردات الذين يشبعون شهواتهم ويرهبون المجتمع بفضول أموالهم ومن المقرر أن كتابات عبد الرحمن الشرقاوي لا تحكي تاريخًا إِسلاميًّا، فهو يساري يريد أن يجعل الإسلام وتاريخه مصبوغين باللون الأحمر والتفكير المادي ويسوق الحوادث سوقًا لخدمة هذا الغرض.
    فهل صحيح أن الصراع بين التوحيد والوثنية كان صراعًا طبقيًا كما يقول الأغنياء يدافعون عن وجودهم والفقراء عن حقهم في الحياة الكريمة، وعن أحلامهم في عالم أفضل، أي أحلام هذه وهل صحيح أن موسم الحج كان "يستثمر هؤلاء الأغنياء أموالهم في البيع والشراء والربا فيربحون ويربحون، وهذه الأصنام هي التي تمنحهم كل سلطاتهم على الأجراء والمعدومين والعبيد وأبناء السبيل وواجه محمد هذا كله بأن الأصنام ضلال مبين فهو يلعن الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، هكذا يقول الشرقاوي في تصوير الرسالة الإسلامية. صراع بين الغنى والفقر لا وجود له إلا في دماغ المؤلف.
    وآية عدم اكتناز الذهب والفضة نزلت بعد اثنتين وعشرين سنة من بدء الرسالة ولا صلة لها بعبادة الأصنام أو الحرب التي شنها الإسلام على الوثنية من أول يوم. حتى الهجرة إلى المدينة جعل لها الشرقاوي أسبابًا اقتصادية فإن المرابين في المدينة كان ضغطهم أقل، والهوان الذي يتعرض له المدينون كان أخف، تأمل قوله: هنا مجتمع آخر أكثر تقدمًا من مجتمع مكة، هنا علاقات
    (1/370)
    اجتماعية أخرى أكثر قابلية لتعاليم محمد، فالمرابي اليهودي لم يكن قادرًا على استعباد المدين العربي إذا عجز عن الوفاء كما كان يحدث في مكة، ولم يكن له الحق في أخذ امرأة المدين أو ابنته لإكراههما على البغاء كما كانت تفعل قريش، وأجير الأرض في المدينة أعلى درجة من عبيد مكة الذين كانوا يحرسون القوافل والمصارف إلخ.
    ليس في هذا الكلام كله ذرة من صدق، والقول بأن العرب كانوا يسترقون المدين المعسر، ويستوفون ديونهم من استرفاق امرأته وابنته وإرغامهما على الزنى، كلام مكذوب، ما كان شائعًا لا في مكة ولا في المدينة وبالتالي فلا صلة للهجرة بهذه الأوضاع المختلفة.
    إن هذا الكلام ليس تشويه تاريخ، بل هو تزوير تاريخ، أو كما يقال في مصر (سمك، لبن، تمر هندي) وليس في القرآن ولا في السنة المطهرة ولا في السير المؤلفة عن صاحب الرسالة ما يترك مثل هذا الانطباع الغريب، عن الجو الذي بدأت منه تعاليم محمد. كما يصف عبد الرحمن الشرقاوي الإسلام ونبيه وما نزل عليه من وحي وما تمخض عنه من حضارة.
    عن الشيخ (محمد الغزالي بتصرف)

    * مسرحية الحسين شهيدًا:
    الأصابع الحمراء تشوه حقائق المعارك الإسلامية وتشهر بالصحابة الأجلاء (أحمد الشرباصي، محمد الطيب النجار، زكي البنهاوي) نشرة الاعتصام - مايو 1975 عن هذه الدراسة للمسرحية تحت عنوان: "مسرحية الحسين شهيدًا".
    1 - المسرحية تظهر شخصية الحسين وشخصية السيدة زينب - رضي الله عنهما - وهما من آل بيت الرسول الأعظم، وقد تكررت الفتوى من العلماء المسئولين بمنع
    (1/371)
    إظهار هذه الشخصيات الطاهرة.
    2 - تردد في المسرحية التشهير بجماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم قدوة لنا وقد نوه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمكانة أصحابه في أكثر من حديث شريف ومن واجبنا أن نبرز مفاخرهم ونركز عليها ونهتم بها وألا نطيل الوقوف أمام ما نسب إليهم من خلاف أو أخطاء.
    3 - ترددت في المسرحية عبارات الاتهام بالكفر والخروج عن الإسلام وعبارات اللعنة والتغريض الشنيع بالحرمان وهذا كله بين مجموعة تنتسب إلى الإسلام وجاءت فيها ألفاظ خارجة مثل (أبناء الأمهات الزانيات، يا ابن الفاعلة، يا ابن البرصاء، الدعي بن الدعي).
    4 - صورت المسرحية العصر الأموي تصويرًا يجافي الحقيقة في بعض النواحي فوصفه بأنه عهد الإقطاع والأطماع وجردت الأمويين من كل خير ونحن لا ننكر أن هذا العصر فيه عيوب ومآخذ، ولكن هذا العصر شهد أيضًا فتوحات إسلامية كثيرة، وكان فيه جهاد ونضال فكيف نجرده من كل حسنة، ونبالغ في تصوير فساده كل هذه المبالغة.
    5 - والعجب كل العجب أن يوجد "وحشي بن حرب" بين شخصيات هذه المسرحية؛ لأن أحداثها تدور في سنة ستين للهجرة ووحشي بن حرب قد مات سنة خمس وعشرين للهجرة في خلافة عثمان - رضي الله عنه - فوحشي إذن لم يدرك شيئًا من أحداث هذه المسرحية فكيف يضاف إلى أشخاصها.
    6 - هناك نوع من القسوة في الحكم على معاوية مع أنه صحابي ومن كتاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكرت المسرحية أنه عطل أصلاً من القرآن وزيف قاعدة الشورى وأهدر أحكام السنة إلى غير ذلك من التهم الشديدة التي يختلف في تحديدها المؤرخون والباحثون.
    7 - جاء على لسان الحسين - رضي الله عنه - وأرضاه أنه ذهب حينما اشتدت المحنة
    (1/372)
    إلى قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقال يخاطب النبي: جدى، أنا لا أعرف ما أصنع فأعني "والحسين خير من يعرف أن العون إنما يلتمس من الله تبارك وتعالى، وجد الحسين هو نفسه القائل: "إذا استعنت فاستعن بالله" فضلاً عن أن الواقعة لا نصيب لها من الصحة.
    8 - ذكرت المسرحية أن (يزيد) قد فرح بمقتل الحسين - رضي الله عنه - وهذا يخالف الواقع؛ لأن التاريخ يذكر أن يزيد قد توجس شرًّا من قتل الحسين وأنه بكى حين رأى رأسه ولسنا ندري لمصلحة من يظهر يزيد وهو حاكم المسلمين على أقل تقدير - في مظهر حقير مثير لو كان أمرًا واقعًا لما كان من الحكمة إبرازه.
    فقد قدمت المسرحية عقب مقتل الحسين شخصًا يبدو مخمورًا والجواري تمتطين ظهره وينخسنه فيسير بهن كالحمار والتاريخ يذكر فيما يذكر أن يزيد كان متهمًا بالانحراف عن الآداب الدينية قبل المبايعة له فلما تولى الحكم انصرف عن هذا الانحراف أو على الأقل لم يجاهر بمثل ما كان يجاهر به من قبل.
    9 - أن المسرحية مع الأسف كأنها تحرص على تصوير المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنصف قرن فقط في صورة بشعة، وكأن هذا المجتمع قد تداعى وتهاوى، وصار مجتمع عربدة وفجور ومجتمع شقاق ونفاق ومجتمع جبن وضعف ومجتمع خيانة ونكث للعهود مع أن المجتمع كان لا يزال فيه عدد كبير من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه عدد ضخم من التابعين لهم بإحسان.
    10 - تردد في المسرحية أكثر من مرة التعريض بنظام الجواري حيث تناول الأشخاص عبارات الاتهام باللهو والتمتع بالجواري، على سبيل التعريض والتهكم مثل هذه العبارات (ما يجيد سوى مصاحبة الجواري)، (تمتع بجواريك الأبكار الخرد)، (سوق الإماء).
    (1/373)
    11 - تناثرت عبارات مأخوذة من جو غير إسلامي مثل هذه العبارات (ما جئت لألقي سيفًا) (جئت لألقي موعظة) (لأملأ كل بيت بالمحبة، جموع الفقراء) (يا مطفئ نور الحضارة).
    12 - اختير لون السواد لطائفة من الممثلين والممثلات وهذا السواد شعار طائفي مذهبي خاص فهل من المصلحة إثارة مثل هذه الطائفية، وكذا بدا من قام بدور الحسين في ثياب تشعر بأنها إيحاء بشخصية غير إسلامية، وإن كانت شخصية لها مكانها في نظر المسلم.
    وكان هناك في نص المسرحية نواح وندب وتعديد وقد طال هذا وامتد فما مدى اتفاق ذلك مع تعاليم الدين.
    كذلك جاء على لسان أحد الأشخاص من أتباع الحسين - رضي الله عنه - ما يفيد، أن قتال المعارضين للحسين خير من قتال المشركين فهل يحكم على عقائد الناس بمثل هذه السهولة.

    * عبد الرحمن الشرقاوي شاعر الرؤية الخائنة ومسرحيته " وطني عكا ":
    لقد أيّد الشرقاوي خط الصلح الكامل مع إسرائيل الذي أنتهجه السادات، وكان موقفه هذا قد سبقه تقديمه لمسرحيته "وطني عكا" التي طرحها عام 1969، وكان عبد الرحمن الشرقاوي بكامل قواه العقلية والأيديولوجية متبنيًا لتلك المغالطات التي رددها الشيوعيون العرب حول قضية فلسطين وعلاقتنا بالكيان المغتصب وهي نظرة ومغالطات لحثالة من الشيوعيين شوهاء مجرمة ظلت تعتقد بوجود شعب طيب في "إسرائيل" تحكمه قلة رجعية لا تمثل الغالبية، وأنه لو تغير نظام إسرائيل -يقصدون الكيان الصهيوني- من الرأسمالية إلى الماركسية تنعدل الأمرر وتنتهي المشكلة. أي أن الشرقاوي كان يعبر -ولا شك أنه نجح في التعبير- عن رؤية خائنة شوهاء لمستقبل أهم وأوضح قضية من قضايانا على المستويين القومي والإسلامي.
    (1/374)
    ويبدأ الشرقاوي في تقديم افتراضات -ليس لها أي مبرر مادي- لنماذج من العسكرية الإسرائيلية، يفترسهم تأنيب الضمير صبيحة انتصارهم عام 1967! ويظهرون كلهم كضحايا تضليل الصهيونية (لاحظ الدس لايجاد شعور بأن هناك فارقًا بين الصهيونية وبين دولة إسرائيل! ).
    - وعندما نصل إلى المشهد الأخير يصور لنا الشرقاوي نضج وكثافة ما ادعاه -طوال المسرحية- من الأصوات الحرة التي ارتفعت داخل إسرائيل وتأثيرها في الموقف الحاسم، عندما يأمر الضابط الإسرائيلي "يعقوب" بنسف القرية العربية إذا لم تسلم الفدائيين، فيتقدم الضابط الإسرائيلي (الحر) "سلامسكي" معترضًا في غضب وثورة على أمر قائده "يعقوب" (ولا يضربه بالرصاص كما هو متبع في مخالفة الأمر العسكري أثناء معركة، بل يجادله بالحسنى! ) ونجد ضابطا إسرائيليًّا آخر (حرًا) كذلك اسمه "سعد هارون" من يهود فلسطين القدامى - يؤيد معارضة "سلامسكي" متخذًا أسلوبًا دينيًا كهنوتيًا في التعبير عن رفضه لأمر الضابط (يعقوب) بنسف القرية العربية.
    وفي هذه اللحظة نفسها -والشرقاوي يصور لنا الأصوات الحرة في إسرائيل تعارض وتمنع الذبح والنسف والقتل، وهي تبدو متغلبة ومنتصرة على التيار المعادي للعرب في هذه اللحظة بالذات يدخل الفدائي الفلسطيني (أبو حمدان) بالمفرقعات وبخدعة ساذجة يستطيع أن يقنع الفرقة العسكرية الإسرائيلية (والتي تبدو طيبة وإنسانية إلى درجة البراءة) يقنع الفرقة بالالتفاف حول صندوق المفرقعات فينفجر ويقتل الفرقة العسكرية كلها .. ويضاء المسرح ونرى الفرقة الإسرائيلية الإنسانية جثثًا مبعثرة على الأرض .. أشلاء الأصوات الإسرائيلية (الحرة) التي قتلها الفدائي الفلسطيني.
    - وبهذا يصل الشرقاوي بمدلول اللغة المسرحية المرسلة مع هذا المشهد - إلى أن المقاومة الفلسطينية، إنما تقتل بأعمال "العنف" الأصوات الحرة التي
    (1/375)
    نكسبها داخل معسكر الأعداء!! وبذلك يخلص حضرته إلى إدانة المقاومة.
    لصالح تلك الأصوات الحرة المزعومة، التي يدعي وجودها في داخل الكيان الصهيوني المعتدي، والتي تدعونا المسرحية إلى الأعتراف بها والتعاون والتعاطف معها، وفق خطة رؤية خائنة مضللة طيلة العرض المسرحي.
    لاحظ التخاريف الشرقاوية التي تقول أننا داخل الكيان الصهيوني ننجح في تشكيل تيار لصالحنا، ولعلنا لا ننسى المفارقة في أن الكيان اليهودي -للأسف- هو الذي نجح في تشكيل تيار عام داخلنا نحن لصالحه!
    ومن المفارقات أن تكرَّم هذه المسرحية من قبل بعض ممثلي المقاومة الفلسطينية الذين قدّم (أبو إياد) باسمهم درع المقاومة، جائزة تقديرية للمخرج كرم مطاوع والمؤلف عبد الرحمن الشرقاوي عن عملهما ذاك الشائن" (1).

    * مدحت باشا الخائن والمؤامرة على الخلافة في تركيا:
    المؤامرة على تركيا الخلافة مؤامرة على الإسلام بدؤها مدحت. ووسطها الاتحاديون. وختامها أتاتورك.
    لماذا هذا الحقد الشديد البالغ من أقلام عربية لكتاب مسلمين جغرافيًّا على الخلافة الإسلامية والجامعة الإسلامية والوحدة الإسلامية والتضامن الإسلامي الذي تشرق في هذه الأيام شمسه وتبدو علاماته وتعلو راياته بعد أن تعددت كتابات الكتاب عن الصحوة الإسلامية بأنه "ضربة موفقة"، أو قول أحد المؤرخين الشعوبيين: "وهكذا سقطت الخلافة الإسلامية إلى الأبد"!.
    وقد نسي هؤلاء وأولئك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون
    __________
    (1) "الخديعة الناصرية" بتصرف يسير (ص 71 - 89).
    (1/376)
    ملكًا عاضًا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت" (1).
    وما ينطق الرسول عن الهوى. وهذا الحديث الصحيح يؤكد عودة الخلافة الإسلامية مرة أخرى على نحو أوثق صلة بحكم الله ونظامه الذي جاء به القرآن الكريم. ولقد كان سقوط الخلافة الإسلامية (حدثًا) خطيرًا لم يكتب عنه بعد، وكان له أثره في نفوس العاملين في حقل اليقظة الإسلامية.
    وقد كان مصدرًا لقيام المفهوم الصحيح للإسلام بوصفه منهج حياة أو نظام مجتمع. وما من دعوة إسلامية إلا وقد أخذت على أهلها العهد بالعمل لعودة الخلافة الإسلامية متى جاء أوانها، وما تزال الحركات الإسلامية كلها عاملة على هذا النهج، سائرة في هذا الطريق.
    ولا ريب أن قيام عدد من المنظمات الإسلامية العالمية هي بشائر الخير في هذا الطريق. فإن الدعوة إلى قيام الجامعة الإسلامية أصبح اليوم عملاّ ضروريًّا بعد أن فسدت الدعوات الاقليمية والقومية، وفي مقدمتها الجامعة العربية. ولا بد للمسلمين من أن يصلوا إلى الطريق الحقيقي لمواجهة تآمر الغرب والصهيونية والشيوعية عليهم وهو إحياء جامعتهم وإقامة خلافتهم.

    * معلومات مسمومة:
    ولست أدري لماذا هذا الاهتمام بإعادة طرح معلومات مسمومة كاذبة
    __________
    (1) صحيح: رواه أحمد (4/ 273) ومن طريق أحمد رواه الحافظ العراقي في "محجة القرب إلى محبة العرب" (17/ 2)، وقال: هذا حديث صحيح، ورواه الطيالسي في "مسنده" (438)، وقال الهيثمي في "المجمع" (5/ 189): "رواه أحمد والبزار أتم منه"، والطبراني ببعضه في "الأوسط " ورجاله ثقات: وصححه الألباني في "الصحيحة" رقم (5).
    (1/377)
    مضللة انتشرت زمنًا وكانت أشبه بالمسلمات، روجها اليهود والمارون ثم تبين زيفها وتكشفت الحقائق التي تدحضها؟!
    لماذا العودة إلى الزيف بعد أن ظهرت الحقائق؟!
    ولماذا الادعاء بأن مدحت مصلح. وأن مصطفى كمال أتاتورك مجاهد؟!! - والحقيقة أن للرجلين ومن بينهما من رجال "الاتحاد والترقي" هم عملاء النفوذ الأجنبي والصهيونية. لقد تكشفت هذه الحقائق في العالم الإسلامي كله، ولم يعد في إمكان كاتب ما أن يضلل الناس بإعادة هذه الأكاذيب وصفِّها، وخداع الناس في أمر رجل كان والده حاخاما يهوديًّا مثل (مدحت) أو رجل هو من الدونمة أصلاً مثل (أتاتورك) إن الدعاوى الصهيونية والغربية قد خدعت المسلمين طويلاً بتزييف صفحة الدولة العثمانية، والسلطان عبد الحميد من أجل هدف معروف وواضح هو إسقاط هذا السلطان، وإزالة الدولة العثمانية، وهدم الخلافة الإسلامية لتمكين الصهيونية العالمية من الوصول إلى فلسطين، والاستقرار في القدس!!
    لقد كان أتاتورك والاتحاديون هم مادة تجربة جديدة فاسدة أُريد بها القضاء على النظام الإسلامي، وهدم الشريعة الإسلامية وإقرار نظام العلمانية والمادية والوثنية في المجتمع والتربية والسياسة في البلاد الإسلامية، ومحاولة لجعله مثلاً أعلى للتقدم والتجديد. ثم جاءت أحداث التاريخ بعد خمسين عامًا لتكشف زيف هذه المحاولة وفسادها بعد أن تعددت حلقات هذا الغزو التغريبي الذي تجئ الأحداث يومًا بعد يوم بمثابة الدليل الأكيد على فساد هذه التجربة وعلى سقوط هذا المنهج ومؤكدة بأن المجتمع الإسلامي الأصيل القائم على فكرة التوحيد الخالص منذ أربعة عشر قرنًا يرفض العضو الغريب، ويتأكد له بعد التجربة المتصلة مع الديمقراطية الغربية والاشتراكية الماركسية وفشلهما أن السبيل الوحيد أمامه هو المنهج الرباني الأصيل، وأن الذين
    (1/378)
    حرضوه طوال هذه السنين بالتماس المنهج الغربي (شرقية وغربية) سبيلاً للنهضة في العالم الإسلامي لم يكونوا صادقين في دعواهم فإن هذا الأسلوب في الاحتواء والعمل على صهر المسلمين في بوتقة الأممية الغربية كان من نتائجه سقوط الخلافة الإسلامية، والدولة العثمانية، وسقوط فلسطين والقدس في أيدي الصهيونية، والحيلولة دون امتلاك المسلمين لارادتهم وتطبيق شريعتهم الإسلامية والعمل على منعهم من أداء فريضة الجهاد، أو إمتلاك القوة القادرة على تجديد بناء الحضارة الإسلامية القائمة على العدل والرحمة والإخاء الإنساني.

    * مدحت باشا:
    إن الصورة التي رسمتها تلك الكتابات المسمومة لمدحت باشا كاذبة ومضللة. فلم يكن مدحت بطلاً قوميًّا ولكنه كان واحدًا من قوى المؤامرة التي أعدت بإحكام للقضاء على الخلافة الإسلامية والدولة العثمانية، وقد كان أمره مكشوفًا لدى السلطان عبد الحميد الذي كان قد وضع يده على مخطط الدونمة بالاشتراك مع أحرار الترك الذين كانوا قد جندوا لخطة إزالة الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية من طريق الصهيونية بعد أن حققت قبل ذلك إزالة الجيتو بالثورة الفرنسية وما كان مدحت شهيدًا في الحقيقة؛ لأن الشهادة لا تكون للخونة، وما قتلوه في الحقيقة، ولكنه قتل نفسه بخيانته لوطنه وللإسلام، والعمل على تمكين اليهود من النفوذ، وهو من الدونمة الذين دخلوا في الإسلام تقية لإخفاء هويتهم، ولتدمير الدولة العثمانية من الداخل. وكان يعمل بتوجيه من المتآمرين المقيمين في باريس، والمتآمرين المقيمين في سالونيك. ولم يكن الدستور الذي دعا إليه مدحت إلا محاولة لإخراج الدولة العثمانية من النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية وتغليب نفوذ العناصر المعادية للإسلام، وتمكينها من الانقضاض على الدولة.
    (1/379)
    - وكان السلطان عبد الحميد يعلم مدى ما تهدف إليه المخططات الصهيونية. ولقد شهد المؤرخون المنصفون بأن الدولة العثمانية الإسلامية قد تسامحت إلى أبعد حد مع العناصر غير الإسلامية، ومكنتهم من أداء عباداتهم وإقامة شعائرهم، وفتح المدارس وإقامة الجماعات إلى الحد الذي كان عاملاً من عوامل تمكنهم من التآمر على الدولة وإسقاطها. ولقد كان السلطان عبد الحميد هو نقطة المؤامرة في الحقيقة لأنه وقف أمام مطامعهم وأهوائهم، ورد (هرتزل) عن محاولاته ومؤامراته بالرد الحاسم وسمع من ممثل اليهود أن ذلك سيكلفه عرشه أو حياته فلم يتردد في تضحيته وقد كشف السلطان عبد الحميد في مذكراته دور الدونمة ورجال الاتحاد والترقي.

    * الانتقاص من قدر الخلافة الإسلامية:
    وإذا كانت هناك محاولة للانتقاص من قدر الخلافة الإسلامية، واتهامها بالتقصير، فإن هناك ما يؤكد كذب ذلك، وما أورده جمال الدين في حديثه إلى المخزومي باشا في كتابه (خاطرات جمال الدين) يكشف عن مدى قدرة السلطان عبد الحميد على فهم تيارات الغربيين، وقدرته على ضرب مخططاتهم وضرب بعضهم ببعض. ولقد قام السلطان عبد الحميد بإعلان تلك الصيحة المفزعة التي عجلت به. وهي قوله: "يا مسلمي العالم اتحدوا"، وكان هدفه أن يجمع المسلمين ممن هم خارج الدولة العثمانية (العرب والترك) تحت لواء الخلافة والوحدة. وفزع الغربيون واليهود من ذلك فزعًا شديدًا، فقد مضى إليه بُخطا حاسمة وحقق نتائج هامة.
    ولقد كان عقلاء المجاهدين المسلمين يؤمنون بأن المحافظة على الدولة العثمانية إحدى العقائد الإسلامية بعد التوحيد والنبوة. ومن ذلك محمد عبده وشكيب أرسلان ورشيد رضا وغيرهم. وقد كانت الدعوة الحقيقة هي محاولة إصلاح الدولة العثمانية من تحت مظلة الخلافة وتعديل تنظيمات الحكم دون
    (1/380)
    إسقاط الدولة، وكان ذلك فهم أحرار العثمانيين والعرب جميعًا، وقد كان هذا ممكنًا لولا ذلك الدور الذي قامت به الماسونية واليهودية العالمية في سبيل تحطيم نفوذ السلطان عبد الحميد، وإحلال نفوذ الاتحاديين وأعوانهم الذين تربوا في محافلهم. والذين سلموا لهم فلسطين، وسلموا للإيطاليين في طرابلس الغرب، وأدخلوا الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى ولا ناقة لها فيها ولا جمل حتى يحطموها ويقضوا عليها.

    * وحدة إِسلامية وليست عنصرية:
    كذلك فإن علاقة مصر والبلاد العربية بالدولة العثمانية لم تكن علاقة استعمار بل إن كلمة استعمار لا تطلق إلا على النظام الغربي الحديث، وإنما كانت علاقة ترابط تحت لواء الأخوة الإسلامية، واستعانة البلاد المستضعفة بالدولة القوية، والمصريون والجزائريون وغيرهم هم الذين طلبوا من الدولة العثمانية الارتباط بها خوفًا من تجدد مؤامرات الحروب الصليبية.

    * زيف ما في كتب الموارنة وأتباعهم:
    ولا شك أنه من أكبر أخطاء الباحثين هو إعادة نشر ما جاء في الكتب المدرسية والدراسات التاريخية السابقة لظهور "بروتوكولات حكماء صهيون" عن السلطان عبد الحميد وتركيا العثمانية. وهذا كله زائف ومن صنع الصهيونية وأعوانهم من الموارنة. أما اليوم فإن الرؤية التاريخية المنصفة قد اتسعت ومن الظلم أن يقف الباحثون عند الحملات الكاذبة المضللة وتجاهل الرؤية الصحيحة لإبعاد الواقع التاريخي، لقد حملت كتب جورجي زيدان وأحمد أمين وغيره صورة مضللة زائفة للسلطان عبد الحميد، وصورة براقة زاهية للاتحاديين الذين علقوا العرب على المشانق ومكنوا للصهيونية وحطموا الدولة العثمانية، وهم الذين تربوا في أحضان المحافل الماسونية. وعلى
    (1/381)
    الباحث المنصف أن يرجع إلي الإضافات الجديدة التي ظهرت بعد الخمسينات والتي تكشف فساد ما كتبه جورجي زيدان وفارس نمر وسليم سركيس.
    والجديد يجلو الحقيقة، فما كتبه جواد رفعت ومحمد جميل، وعبد الله التل والعقاد وخليفه التونسي وعجاج نويهض وتوفيق برو فإن هذه الكتابات قد غيرت تلك الصورة الزائفة التي ما زال يعتمد عليها خصوم الإسلام.
    والقضية: أن اليهود عندما أحسوا بأن السلطان عبد الحميد قد وقف في طريقهم نهائيًّا عملوا على تصفيته، ومهدوا لذلك باتهامه بالاستبداد والفساد، وأذاعوا ذلك في صحف الموارنة في مصر مثل المقطم والهلال والمقتطف وغيرها.
    ثم جاء أحمد أمين وأمثاله فنقلوا منهم؛ لأن الحقائق لم تكن قد تكشفت بعد، ولم تكن البروتوكولات قد ترجمت. إلى العربية، فلماذا هذا التزييف بحجب مرحلة من الحقائق، والعودة إلى إذاعة ما قبلها من الضلال بإعلاء شأن مدحت وأتاتورك، وهما من هما في الخيانة والتبعية.


    ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

    تعليق


    • #32
      * الرجل الصنم .. والخائن الأكبر مصطفى كمال أتاتورك الذي أسقط دولة الخلافة وأتى بالعلمانية:
      - قال هذا الزنديق في افتتاح البرلمان التركي عام 1923:
      "نحن الآن في القرن العشرين لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يبحث عن التين والزيتون" (1).

      * اصطناع البطل الوهمي أتاتورك:
      لقد كانت اللعبة العالمية تقتضي اصطناع (بطل) تتراجع أمامه جيوش
      __________
      (1) "كلهم سلمان رشدي" (ص 27).
      (1/382)
      الحلفاء الجرارة! وتعلق الأمة الإسلامية اليائسة فيه أملها الكبير وحلمها المنشود، وفي أوج عظمته وانتفاخه ينقض على الرمق الباقي في جسم الأمة فينهشه ويجهز عليها إلى الأبد! وهذا أفضل قطعًا من كل الـ "مائة مشروع لتقسيم تركيا" (1) وهدم الإسلام.
      - وتمت صناعة البطل بنجاح باهر ووقف يتحدى الحلفاء وألقى باليونان في البحر (2)، ولم ير الحلفاء بدًا من التفاوض معه! وكانت ثمرة المفاوضات هي - الاتفاقية المعروفة باتفاقية "كيرزن" عام 1923 ذات الشروط الأربعة:
      "1 - إلغاء الخلافة الإسلامية نهائيًّا من تركيا.
      2 - أن تقطع تركيا كل صلة مع الإسلام.
      3 - أن تضمن تركيا تجميد وشل حركة جميع العناصر الإسلامية الباقية في تركيا.
      4 - أن يستبدل الدستور العثماني القائم على الإسلام بدستور مدني بحت (3).
      - ويصف المؤرخ (آرمسترونج) خطوات تنفيذ الاتفاقية قائلاً:
      "انطلق كمال أتاتورك يكمل عمل التحطيم الشامل الذي شرع فيه وقد قرر أنه يجب عليه أن يفصل تركيا عن ماضيها المتعفن الفاسد، يجب عليه أن يزيل جميع الأنقاض التي تحيط بها، هو حطم فعلاً النسيج السياسي القديم، ونقل السلطنة إلى ديمقراطية، وحول الامبراطورية إلى قطر فحسب، وجعل
      __________
      (1) عنوان كتاب ألفه جوفار ولخصه الأمير شكيب أرسلان في حاضر العالم الإسلامي.
      (2) الأبطال الحقيقيون لحرب الاستقلال ذكرهم مؤلف كتاب "الرجل الصنم" وعلى العموم، فإن شجاعة المجاهدين الاتراك هي التي مكنت أتاتورك من ركوب الموجة، انظر الفصل الرابع من الكتاب المذكور.
      (3) "المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام" لمحمد محمود الصواف (ص 174).
      (1/383)
      الدولة الدينية جمهورية عادية، إنه طرد السلطان (الخليفة) وقطع جميع الصلات عن الامبراطورية العثمانية، وقد بدأ الآن في تغيير عقلية الشعب بكاملها وتصوراته القديمة وعاداته ولباسه وأخلاقه وتقاليده وأساليب الحديث ومناهج الحياة المنزلية التي تربطه بالماضي" (1).
      - وامتدح توينبي عمله واعتبره أعظم من هتلر عبقرية في فن الهدم وقطع الصلة بالماضي، وقال: "إن الدولة القومية التركية التي أقامها مصطفى كمال على النسق الغربي تبدو -وقت كتابة هذه السطور- عملاً ناجحًا لم يتحقق مثله حتي ذلك الوقت في أي بلد إسلامي آخر" (2).
      - وامتدحه ولفرد كانتول سمث -على طريقته الخاصة- قائلاً: " .. رأينا تركيا في سبيل رفعة شأنها وخلق مثل عليا جديدة لم تتردد في سحق السلطات الدينية وألغت تعاليمها وحررت الإسلام وكشفت النقاب عن الدين الحق القويم!! " (3).
      نصب مصطفى كمال نفسه إلهًا من دون الله يشرع للأمة كما يشاء، فلفق قانونًا فريدًا يتكون أكثره من القانون السويسري والقانون الإيطالي وغيرهما وأكمل الباقي من عنده، ومع ذلك فهو يدعي أنه كله من عنده قائلاً:
      "نحن لا نريد شرعًا فيه قال وقالوا ولكن شرعًا فيه قلنا ونقول" (4).
      - ويصف أحد الكتاب الغربيين جلسة في مجلس النواب فيقول أن مصطفى كمال وقف قائلاً:
      __________
      (1) "الصراع بين الفكرة الغربية والفكرة الإسلامية" (ص 16).
      (2) "مختصر دراسة التاريخ" لأرنولد توينبي (3/ 113).
      (3) "الإسلام والخلافة" لعلي الخربوطلي (ص 285).
      (4) "حاضر العالم الإسلامي" لستودارد (3/ 343).
      (1/384)
      "إن التشريع والقضاء في أمة عصرية يجب أن يكونا عصريين مطابقين لأحوال الزمان لا للمبادئ والتقاليد".
      - ثم اقتفاه وزير العدل شارحاً ومفسراً:
      "إن الشعب التركي جدير بأن يفكر بنفسه بدون أن يتقيد بما فكر غيره من قبله، وقد كان كل مادة من مواد كتبنا القضائية مبدوءة بكلمة قال المقدسة، فأما الآن فلا يهمنا أصلاً ماذا قالوا في الماضي بل يهمنا أن نفكر نحن ونقول نحن" (1).
      - ويعترض عليه مرة أحد القانونيين بقوله:
      "إن هذا النظام الذي تريدون وضعه لا يوجد في أي كتاب للقانون".
      فيتلقى الجواب التالي:
      - "إن النظم ليست إلا أشياء وأموراً تكيفت ومرت من التجارب .. على أن أنفذ ما أريد وعليكم أن تدرجوا ما أعمل في الكتب!! " (2).
      ونتيجة التطرف والغلو المفرط والأعمال التي لا مبرر لها إلا تنفيس الحقد الأوربي على الإسلام ومركب النقص الذي كان يستشعره الكماليون -اتخذت تركيا المتعلمة تدبيرات وإجراءات غريبة حقًّا:
      فقد ألغت بالعنف والإرهاب الكتابة التركية بالأحرف العربية ثم تجرأت فحرمت الأذان بالعربية، وكتبت المصحف أو ترجمته بلغتها الهجين، وحددت عدد المساجد وأقفلت كثيراً منها أو حولته إلى ما لا يتفق وقداسته كما فعلت بجامع أيا صوفيا، وألغت وزارة الأوقاف. وفرضت بقوة السلاح المسخ الفكري وحتى المظهري على الأمة لا سيما معركة القبعة الأوروبية التي
      __________
      (1) المصدر السابق (3/ 344، 345).
      (2) "الرجل الصنم" لضابط تركي سابق (ص 205).
      (1/385)
      سالت لأجلها الدماء، وألغت الأعياد الإسلافية، وحطمت بصورة استبدادية مظاهر الحشمة والحياء الإسلافيين، فأكرهت النساء على تقليد المرأة الغربية في كل شيء وحاربت بشدة صارمة كل من اعترض طريقها من المتورعين وحتى المعتدلين شيئًا ما من الكماليين (1).
      ولذلك فإن حكومة تركيا العلمانية الكمالية -هي كما وصفها الأمير شكيب أرسلان- ليست حكومة دينية من طراز فرنسا وإنجلترا فحسب، بل هي دولة مضادة للدين كالحكومة البلشانية في روسيا سواء بسواء، إذ أنه حتى الدول اللادينية في الغرب بثوراتها المعروفة لم تتدخل في حروف الأناجيل وزي رجال الدين وطقوسهم الخاصة وتلغي الكنائس (2).
      والحقيقة المرة أن مصطفى كمال قد خلق نموذجًا صارخًا للحكام في العالم الإسلامي، وكان لأسلوبه الاستبدادي الفذ أثره في سياسات من جاء بعده منهم، كما أنه أعطى الاستعمار الغربي مبررا كافيًا للقضاء على الإسلام، فإن فرنسا مثلا ًبررت تنصير بلاد المغرب العربي وفرنجتها بأنه لا يجب عليها أن تحافظ على الإسلام أكثر من الأتراك المسلمين أنفسهم!!
      وليس أعجب من هذا الرجل وزمرته إلا من ينادون اليوم -من الزعماء- بإقامة حكومات علمانية في بلادهم ويقولون: أن مصطفى كمال هو قائدهم الروحي.

      * حقيقة أتاتورك:
      - يقول الأستاذ أنور الجندي: "إن أتاتورك في الحقيقة لم يكن مجاهدًا
      __________
      (1) انظر "تاريخ الشعوب الإسلامية" لبروكلمان، فصل "تركية والإسلام في الغرب" جان بول رو: (181، 186)، و"الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية" (59 - 63).
      (2) "حاضر العالم الإسلامي" (3/ 336).
      (1/386)
      ولا مصلحًا، وإنما كان تتمة الاتحاديين لقد أخروا دوره في المرحلة الأولى قبل الحرب ليتولى الدور الثاني.
      فالاتحاديون أسقطوا الدولة العثمانية بأن أدخلوها الحرب لتصفي ماليتها ووجودها.
      وجاء أتاتورك ليفرض عليها اللون الغربي، وينقلها نقلة واسعة عن دولة الخلافة الإسلامية إلى دولة علمانية تكتب بالحروف اللاتينية، ويقضي على الإسلام تمامًا، ومعاهدته السرية المعروفة التي عرفت بمعاهدة لوزان تكشف ذلك في وضوح.
      وقد استطاع أتاتورك إخفاء وجهه الحقيقي حتى يؤدي دوره كاملاً فخدع المسلمين في المرحلة الأولى بالصلاة وإمساك المصحف، وطلب الدعاء منهم.
      أما دوره في الجهاد في أزمير فقد كشفت الوثائق أنه كان زائفًا، وأن غيره هو الذي قام بدور البطولة، وأنه استلب منهم هذا المجد وحطمهم ونسبه إلى نفسه.
      ولقد كان أتاتورك عميلاً غربيًا كاملاً، وعميلاً صهيونيًّا أصيلاً، وقد أدى دوره تمامًا، وأقام تلك التجربة المظلمة المريرة التي تركت آثارها من بعد على العالم الإسلامي كله، والتي كشفت الأحداث في الأخير فسادها، وتبرأ الأتراك المسلمون من تبعتها، وكانت ظاهرة عودتهم إلى الأصالة مرة أخرى دليل على أنها كانت تجربة زائفة مضادة للفطرة ولطبائع الأشياء، والدليل إن المسلمين لم يتقبلوها بل رفضوها، وقد كشف أكثر من مستشرق وفي مقدمتهم (هاملتون جب) أن العرب لن يقعوا في براثن هذه التجربة التي خرجت بهم عن الأصالة وعن الذاتية الإسلامية.
      ولقد كان من أكبر معالم اضطراب كمال أتاتورك أنه عندما أحس بدنو أجله أن دعا السفير البريطاني ليتولى بدلاً منه رئاسة الدولة التركية، كعلامة
      (1/387)
      من علامات الخسة والنذالة والخيانة!!
      وقد صفع المؤرخ العالمي آرنولد توينبي التجربة الكمالية التي يفخرون بها ويمجدونها الآن بعد أن رفضها أهلها وحكموا بفسادها. يقول توينبي: إن الأتراك كانوا عالة على الحضارة الغربية، وأنهم تغربوا ولم يقدموا أي شيء إلى هذه الحضارة، فكانوا عاجزين عن الإبداع في أي مجال من مجالات الإنتاج.
      والواقع أن مصطفى كمال أتاتورك لم يكن كما يدعي المدعون شيئًا جديدًا، ولكنه كان حلقة في المؤامرة بدأها مدحت، وكان وسطها رجال الاتحاد والترقي للقضاء على السلطان والدولة العثمانية. ثم ختمها أتاتورك بالقضاء على الخلافة الإسلامية، ولا ريب أن انتقاص قدر الدولة العثمانية وحكامها مجاف لواقع التاريخ، وهو من عمل أتباع التغريب والشعوبية، وقد جرى ضمن مخطط يرمي إلى إثارة الخلافات والخصومة بين عناصر الأمة الإسلامية، وكان دعوة للوقيعة بين العرب والترك والفرس، وهم عناصر الأمة الواحدة التي جمعها القرآن وقادها محمد - صلى الله عليه وسلم - وآمنت بأنه لا إله إلا الله مهما كانت هناك خلافات فرعية فإنهم جميعًا أمة واحدة، ولو كان هناك قليل من الإنصاف والأمانة التاريخية لدى كتابنا المزيفين لراجع الكاتب ما كتبه أستيورت وهو غربي في كتابه "حاضر العالم الإسلامي قبل أربعين عامًا"، وكيف تحدث عن عظمة الدولة العثمانية ودورها الذي قامت به في وجه الصليبية الغربية.
      - أما صيحة العناصر والأجناس التي حاول كاتب أخبار اليوم أن يجعلها قضية فإنها لم تكن كذلك في ذلك الوقت، وإنما هي المؤامرة التي عمد النفوذ الأجنبي بها إلى استغلال صيحة القوميات لتفكيك عرى الدولة العثمانية، أما المسلمون فلم يكونوا يعرفون مصرية وسورية وجزائرية وغيرها
      (1/388)
      ولا كلمة العروبة نفسها، ولكنهم كانوا مسلمين فحسب، وإنما ظهرت هذه الدعوات إلى الإقليميات والقوميات بتحريض عناصر غير مخلصة لتفكيك عرى الوحدة، وهدم هذه الجامعة الإسلامية التي كان الغرب يخشاها، ولإقامة قومية زائفة هي القومية الصهيونية.
      ولا ريب أن الأسلوب الذي اتخذ في إسقاط السلطان عبد الحميد هو أسلوب لم يعرفه النظام الإسلامي في تاريخه كله وهو من صنع المؤامرة الصهيونية التلمودية التي استطاعت أن تحمي وتحرك هذا الخداع عن طريق قوة عسكرية تتحرك هاتفة باسم السلطان خدعة ثم تكون في نفس الوقت متآمرة عليه لخدمة هدف غامض على كل الذين قاموا به، ولا يعرفه إلا القليل وهو إعادة اليهود إلى فلسطين.
      كذلك فإن ما قام به أتاتورك لم يكن نصرًا عسكريا أو سياسيًّا وإنما كان هناك إشارة بقبول التوجيه الغربي: وتوقيع ملحق معاهدة لوزان وهو الذي فتح الطريق إلى كل شيء، وبه حلت جميع المشاكل، وانسحبت كل الجيوش، وتحقق ما يسمى النصر والاستقلال، وكتبت على أثر ذلك آلاف الكتب في تمجيد البطل الذي لم يكن إلا عميلاً من عملاء الخيانة لحساب الصهيونية العالمية والنفوذ الغربي والشيوعية أيضًا، فإن الشيوعيين هم أول من عاونه لقاء موقفه من عداء الإسلام ".

      * عدوه الأكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
      كان أتاتورك في فندق "بارك" وكان المؤذن يرفع الأذان في المسجد الصغير الكائن أمام الفندق مباشرة، يلتفت أتاتورك لمن حوله قائلاً: "من قال بأننا مشهورون؟ وما شهرتنا نحن؟ أنظروا إلى هذا الرجل (1)
      __________
      (1) يقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
      (1/389)
      كيف أنه وضع اسمًا وشهرة بحيث أن اسمه يتكرر في كل لحظة، وفي جميع أنحاء العالم إذا أخذنا فرق الساعات بنظر الاعتبار؛ ليهدموا هذه المنارة".
      وانظر إلى شذوذ هذا الزنديق وفجوره وسكره لتعلم أي قزم كان هذا الخائن - انظر إلى "الجزاء من جنس العمل" (1/ 399 - 405).

      أفتى خُزْعبلة وقال ضلالة ... وأتى بكفر في البلاد بُواحِ
      فلتسمعنَّ بكل أرض داعيا ... يدعو إِلى الكذاب أو لِسجاح
      ولتشهدن بكل أرض فتنة ... فيها يُباع الدين بيع سماح
      يُفتَى على ذهبِ المعِزِّ وسيفه ... وهوى النفوس وحقدها الملحاح (1)
      __________________________
      (1) لأحمد شوقي -رحمه الله- في رثاء الخلافة.

      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

      تعليق


      • #33
        * الدكتور عبد الرزّاق السنهوري واضع القانون المدني الوضعي الذي حجب نور الشريعة عامله الله بما يستحق:
        تمهيد:
        - يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر:
        أحب أن ألقي ضوءًا على القانون المدني الذي حكم مصر قرابة سبعين عامًا، من سنة (1883) إلى سنة (1949)، ثم القانون المدني الذي جاء من بعده، وقد اخترت هذا القانون بالذات؛ لأن لمصر في الدول العربية والإسلامية مكانة كبيرة، ولذلك فإن الحكام ورجال الفكر في مصر إذا قاموا بعمل ما فإن أثر هذا العمل يظهر ويتردد صداه في أكثر الدول العربية والإسلامية، ولذلك فإن قانون (1949) أنتقل إلى كثير من الدول العربية، يقول واضعه: "إن القانون المصري الجديد ليؤذن بعهد جديد، لا في مصر فحسب، بل أيضًا في البلدين الشقيقين العربيين: سورية والعراق، ويكفي أن
        __________
        (1) لأحمد شوقي -رحمه الله- في رثاء الخلافة.
        (1/390)
        يكون هذا الشرح للقانون المصري الجديد في الوقت ذاته شرح للقانون السوري الجديد .. (1).
        القانون المدني المصري الأول:
        هذا القانون هو نفس قانون نابليون الذي صدر في سنة (1804)، مع كثير من التشويه والتحريف لذلك القانون، وقد وصفه رجال القانون بأنه قانون معيب لا يصلح لأن يحكم الحياة في مصر. يقول الدكتور السنهوري في كتابه "الوسيط":
        "وأول ما يعيب هذا التقنين أنه محض تقليد للتقنين الفرنسي العتيق، فجمع بين عيوب التقليد وعيوب الأصل الذي قلده" (2).
        ويقول: "لم يقتصر التقنين المصري على نقل عيوب التقنين الفرنسي، بل زاد عليها عيوبًا من عنده" (3).
        ويقول: "ففي تقنيننا المدني القديم فضول واقتضاب، وفيه غموض وتناقض، ثم هو يقع في كثير من الأخطاء الفاحشة" (4).
        وقد شرح هذه العيوب في عدة صفحات لاحقة.
        - وتقول المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المدني الذي أقر في سنة 1948: "يمكن القول أن قانوننا المدني فيه نقص، ثم فيه فضول، وهو غامض حيث يجب البيان، مقتضب حيث تجب الإفاضة، ثم هو يسترسل في التافه من الأمور، فيعنى به عناية لا تتفق مع أهميته المحدودة، يقلد التقنين الفرنسي تقليدًا أعمى فينقل من عيوبه، وهو بعد متناقض في نواح مختلفة،
        __________
        (1) "الوسيط" (1/ 9).
        (2) "الوسيط" مصادر الالتزام (1/ 14).
        (3) "الوسيط" مصادر الالتزام (1/ 15).
        (4) المصدر السابق.
        (1/391)
        ويضم إلى هذا التناقض أخطاء معيبة" (1)، وقد شرحت المذكرة هذا الإيجاز وبينته.
        وجاء في تقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب المصري: "وضع القانون المدني الحالي سنة (1883) باللغة الفرنسية، ثم ترجم إلى اللغة العربية ترجمة لم تسلم من الأخطاء، وقد جاء في معظم أجزائه صورة مقتضبة مشوهة من القانون الفرنسي الذي أصبح هو ذاته قانونًا عتيقًا في حاجة ماسة إلى تنقيح شامل وقانوننا المدني -في اقتضابه وغموضه، مما دعا الكثيرين من رجال القانون إلى توجيه النقد إليه معددين أخطاءه- لم يعد يجاري تقدم العمران في مختلف نواحيه واتساع المعاملات بين الناس، لذلك ازداد قصورًا فوق قصوره، عن مسايرة مقتضيات العصر الحاضر، وأصبح رجل القانون يسبح في بحر خضم من نصوص غامضة، وأحكام قضائية مطرد بعضها متنافر بعضها الآخر، وتفسيرات متفقة أحيانًا متجافية أحيانًا أخرى، فهو تارة يستوحي مواد القانون الغامضة ويستقرئها، وتارة أخرى يولي نظره شطر أحكام القضاء يستلهمها ويسترشدها -ما استقر عليه الرأي منها وما تشعبت الآراء فيه- وطورًا يرجع إلى المعجمات الفرنسية ومؤلفات الشراح من رجال الفقه المصريين وغيرهم مستقصيًا باحثًا. وبقدر كثرة المفسرين وتعدد الآراء التي يذهب إليها كل منهم، تتشعب الآراء فيضل الباحث فيما احتوتها من مجلدات" (2).
        وقد تحدثت المناقشات التي دارت في جلسات اللجنة القانونية لمجلس الشيوخ المصري كثيرًا عن عيوب القانون المدني ومصدره (3).
        __________
        (1) "القانون المدني" الأعمال التحضيرية (1/ 13).
        (2) "القانون المدني: مجموعة الأعمال التحضيرية" (ص 27).
        (3) "القانون المدني: مجموعة الأعمال التحضيرية" (ص 142 - 147).
        (1/392)
        لماذا حكم ذلك القانون المشوه ديار مصر الإِسلامية؟
        إذا كان القانون المدني المصري الذي حكم مصر الإسلامية فيه هذه العيوب فلماذا أقر؟ ولم حكم الديار المصرية سبعين عامًا؟ هل كان ذلك بإرادة المسلمين؟ مهما قيل في عيوب الفقه الإسلامي الذي كان يحكم بلاد المسلمين فإن عيوب هذا القانون تفوق كل وصف. فلماذا ألغيت قوانين الأحكام الشرعية ووضع بديلاً عنها قانون نابليون؟
        الجواب: أن الذين أمروا بوضعه من الحكام المصريين كانوا مخدوعين مبهورين بكل ما جاءهم من الدول الأوربية، ويظنون أن قوانينهم وثقافتهم هي الحضارة التي لا غاية بعدها.
        - يقول السلطان عبد الحميد في مذكراته: "خدع الإنجليز المصريين بأفكارهم لدرجة أن بعضهم يؤمن بأن طريق الإنجليز هو السبيل إلى الأمن والنجاة، ويفضل القومية على الدين، إنهم يظنون أن حضارتهم ستمتزج بحضارة الغرب دون أن يشعروا بأن هناك تضادًا بين الحضارة الإسلامية والحضارة النصرانية بحيث لا يمكن أبدًا التوفيق بينهما" (1).
        هذا جانب، والجانب الآخر أن الشعب المصري المسلم كان مغلوبًا على أمره، فقد اجتمع عليه حكم الكفار الذين احتلوا دياره، وظلم الطغاة الذين ساروا في ركب الكفار ينفذون مطالبهم بلا توان، فلم يكن يملك من أمره شيئًا، ولذلك فرض عليه القانون الفرنسي، جاء في مناقشات مجلس الشيوخ لمشروع القانون المدني الذي أقر في (سنة 1948 م) قول الدكتور ملش بك: "إن الأستاذ الوكيل بك وضع يده على مفتاح التشريع حينما قال: إن مصر كانت مغلة بالامتيازات الأجنبية التي كانت أول الأمر منحًا من الولاة ثم
        __________
        (1) "مذكرات السلطان السياسية" (ص 133).
        (1/393)
        أضحت قيودًا على استقلال وسلطان البلاد" (1).
        وجاء في تلك المناقشات قول مقرر المجلس: "قد احتملت البلاد ذلك القانون على ما به بسبب ظروفنا وأحوالنا الماضية الأليمة".
        وقال أيضًا: "اقتصر الأمر في وضع التقنين المدني المختلط على مجرد النقل في اقتضاب جائر عن التقنين المدني الفرنسي بسبب الظروف القاهرة التي كانت تدعو إلى التعجيل من ناحية، وبسبب الرغبة في تيسير إقناع الأجانب بوجوب إقرار الوضع الجديد من ناحية أخرى .. " (2).

        * نظرة في قانون مصر المدني المنفذ في عام 1949 والذي وضعه عبد الرزاق السنهوري:
        - لقد بين رجال القانون شيئًا من عيوب قانون (1876)، وقانون (1883) فكيف كان العلاج؟
        كنا نظن أن الأمر سيعود إلى نصابه، وذلك بتكليف رجال القانون المسلمين، أعني فقهاء الإسلام بوضع القانون الإسلامي المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله، ليحكم المسلمون بالإسلام الذي فرض عليهم أعداؤهم هجره وإقصاءه.
        ولكننا وجدنا الذين يشكلون اللجان لوضع قانون مدني مصري جديد يقعون في الخطأ نفسه الذي وقع فيه من سبقهم، فاللجان تكون من أعداء الإسلام الصليبيين ومن بعض المسلمين الذين غرقوا إلى آذانهم في فقه القوانين الوضعية، وهؤلاء لا يستطيعون أن يفكروا إلا كما فكر أساتذتهم
        __________
        (1) "القانون المدني" الأعمال التحضيرية (1/ 93).
        (2) "القانون المدني" الأعمال التحضيرية (1/ 142).
        (1/394)
        الفرنسيون والإيطاليون وغيرهم، يقول المستشار محمد صادق فهمي بك، المستشار في محكمة النقض المصرية في مناقشته لمشروع القانون في جلسات مجلس الشيوخ:
        "إننا نعرف تاريخنا، فبعد الشريعة أتت القوانين الجديدة ووضع التشريع وهو مأخوذ من التشريع الفرنسي، ثم انتقلنا منه إلى القانون المدني الأهلي، وقد استحضرنا أساتذة من فرنسا وأرسلنا البعوث إليها، وبدأنا نتعلم اللغة الفرنسية، وأصبحنا نعتبر أن الفرنسية لغة ضرورية كلغة للقانون. والسبب في هذا أن تغيير القوانين لا يكفي فيه التطبيق العملي ولا التفسير الفقهي بل يلزم الرجوع في هذا التفسير إلى المصادر، وحيث إن قانوننا مأخوذ من فرنسا فيجب أن نفسر القانون المصري جنبًا إلى جنب مع القانون الفرنسي حتى نستفيد بهذه الثروة التي أصبحت ثقافتنا متصلة بها كل الاتصال، كما يجب أن نستفيد بهذا الذخر العظيم ألا وهو الأسلوب الفرنسي في القانون، ولا يخفى على حضراتكم ما للفرنسيين من مركز سام خصوصًا فيما يتعلق بالتشريعات المنظمة والموضوعة في مجموعات. وهذه الثقافة التي وصلنا إليها الآن أخشى عليها فيما لو كان المشروع يؤثر عليها ويحاول أن يخرجنا منها فلو كان الأمر كذلك فتكون الطامة الكبرى" (1)، أرأيتم الطامة الكبرى في نظره؟ إنها تتمثل في الخروج عن الثقافة التي وردت من فرنسا.
        - ويقول المستشار صادق فهمي في موضع آخر مبينًا مدى تغلغل القانون الفرنسي في عقول رجال القضاء: "لما كان مصدرنا هو القانون الفرنسي في كل أحكامنا وفي كل فقهنا وفي كل تفكيرنا، فإنكم تجدون أن الأحكام تسير بانسجام، وإذا ما رجعتم إلى القضاء الفرنسي فإنكم تجدون أننا
        __________
        (1) "القانون المدني: الأعمال التحضيرية" (1/ 53).
        (1/395)
        نسير جنبًا إلى جنب مع محكمة النقض، ولقد وصل الأمر عندنا إلى حد أننا نترجم بالكلمة أحكام محكمة النقض والأحكام الفرنسية؛ لأن النصوص مصادرها معروفة" (1).

        * مصادر القانون المدني الجديد:
        - اعتمد القانون المدني الجديد المقر في سنة (1948 م) ثلاثة مصادر:
        الأول: القانون المدني الذي وضعه الصليبي مانوري، وأضيف إليه أحكام القضاء المصري طوال سبعين سنة، يقول الدكتور عبد الرزاق السنهوري واضع هذا القانون: "أهم مصادر التنقيح التقنين المدني القديم، بعد أن هذبت وأضيف إليها أحكام القضاء المصري طوال سبعين سنة، بقي فيها القضاء المصري يعمل في تفسير هذه النصوص وتطبيقها، والنصوص التي استقيت من هذا المصدر تكاد تستغرق ثلاثة أرباع التقنين الجديد" (2).
        وجاء في تقرير لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ: "إن المشروع لم يخرج عن التقاليد التشريعية التي استقرت في البلاد منذ إدخال نظام التقنينات عند إنشاء المحاكم المختلطة (سنة 1876). والمحاكم الوطنية (سنة 1883) " (3).
        وجاء فيه أيضًا: "المصادر التي استمد منها المشروع أحكامه هي التقنين الحالي، وما صدر في شأنه أحكام المحاكم المصرية أولا .. " (4).
        الثاني: "التقنينات الحديث. فقد استحدث القانون الجديد موضوعات
        __________
        (1) المصدر السابق (1/ 112 - 113).
        (2) " الوسيط " (1/ 44).
        (3) "القانون المدني: الأعمال التحضيرية" (1/ 120).
        (4) المصدر السابق (1/ 128).
        (1/396)
        أخذها عن هذه التقنينات، واستأنس في موضوعات أخرى بما تميزت به هذه التقنينات من تقدم في الصياغة ورقي في الأسلوب التشريعي" (1).
        والتقنينات التي أخذ منها القانون الجديدة كثيرة: "التقنينات اللاتينية قديمها وحديثها، فالقديم يأتي على رأسه التقنين الفرنسي. ومعه التقنين الإيطالي القديم، والتقنين الأسباني، والتقنين البرتغالي، والتقنين الهولندي، والتقنينات اللاتينية الحديثة تشتمل على التقنين التونسي والمراكشي، والتقنين اللبناني، والمشروع الفرنسي الإيطالي، والتقنين الإيطالي الجديد، وتشتمل على التقنينات الجرمانية وأهمها. التقنين الألماني، والتقنين السويسري، والتقنين النمساوي. ورجع أيضًا إلى التقنين البولوني، والتقنين البرازيلي والصيفي، والياباني، وهذه التقنينات استقت من المدرسة اللاتينية والجرمانية" (2).
        - ويقول واضع القانون: "من كل هذه التقنينات المختلفة النزعة المتباينة المناحي، ويبلغ عددها عشرون تقنينًا استمد المشروع ما اشتمل عليه من النصوص، ولم يوضع نص إلا بعد أن فحصت النصوص المقابلة في كل هذه التقنينات المختلفة ودقق النظر فيها" (3).
        الثالث: الفقه الإسلامي: فقد استبقى التقنين الجديد ما أخذه من التقنين القديم عن هذا الفقه، وأضاف مسائل جديدة إلى ما سبق أخذه (4).

        * القانون المدني لا يمثل الشريعة الإسلامية:
        وبالتأمل في مصادر القانون المدني نجد أن "القانون المدني لا يمثل الشريعة
        __________
        (1) "الوسيط مبادئ الالتزام" (1/ 45).
        (2) "الوسيط مبادئ الالتزام" (1/ 62).
        (3) "القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 17 - 18).
        (4) "الوسيط مبادئ الالتزام" (1/ 45).
        (1/397)
        الإسلامية بحال من الأحوال:
        1 - لأن التشريع الإسلامي واضعه رب العالمين، أما هذا القانون فواضعه الدكتور عبد الرزاق السنهوري المصري والأستاذ إدوارد لامبير الصليبي الفرنسي، وقد عاون في وضعه الصليبيان استويت وساس.
        2 - أخذ واضعو هذا القانون أكثر من 85% من نصوصه من قوانين الكفار الصليبيين. كما سبق بيانه، ولذلك نراه يبيح أحكامًا حرمتها الشريعة حرمة قطعية كالربا والقمار.
        3 - النصوص القليلة التي أخذت من الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي روعي فيها أن تكون متفقة مع المبادئ التي قام عليها القانون، فالقانون هو المهيمن على الشريعة الإسلامية، يأخذ منها ما يوافقه، ويرفض ما لا يتفق مع مبادئه، يقول الدكتور السنهوري في هذا: "يُراعَى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الفقه الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ، حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه" (1).
        وفي ضوء كلام الدكتور السنهوري يمكننا أن نفهم مراده من جوابه على سؤال الشيخ عبد الوهاب طلعت باشا، فقد سأله الشيخ: "هل رجعتم إلى الشريعة الإسلامية؟ " فقال السنهوري: "أؤكد لك أننا ما تركنا حكمًا صالحًا في الشريعة الإسلامية يمكن أن يوضع في هذا القانون إلا وضعناه" (2).
        فمدى صلاح الحكم الموجود في الشريعة الإسلامية للقانون المدني مبني
        __________
        (1) المصدر السابق (1/ 61).
        (2) "القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 159).
        (1/398)
        على موافقته للمبادئ التي بني عليها القانون الوضعي، وهل يليق بالدكتور السنهوري أن يقسم أحكام الشريعة إلى أحكام صالحة وأحكام غير صالحة، وينصب نفسه حكمًا يأخذ منها ما يشاء ويدع ما يشاء!!، ولاحظ قوله: "يمكن أن يوضع في هذا القانون" لتعلم أن بعض الأحكام التي يمكن أن تكون صالحة في رأيه لم يأخذ بها؛ لأنه لا يمكن وضعها في ذلك القانون لمعارضة مبادئ القانون لها.
        وفي إجابة أخرى للدكتور السنهوري على سؤال من الشيخ عبد الوهاب طلعت قال الدكتور السنهوري: "لقد أخذنا كل ما يمكن أخذه عن الشريعة الإسلامية مع مراعاة الأصول الصحيحة في التقنين الحديث" (1).
        لاحظ في الإجابة قوله: "كل ما يمكن أخذه"، وقوله: "مع مراعاة الأصول الصحيحة في التقنين الحديث" لتعلم أنه أقام نفسه وأصول التقنين الحديث حاكمًا على شريعة الله يأخذ منها ما وافق أصول التقنين الحديث، ويترك ما خالفه، كأنما حكم الله وشرعه متروك لأحكام البشر وأهوائهم.
        {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85].
        وقد اقترح الدكتور السنهوري أن تكون المادة الأولى في القانون هكذا "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
        فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا
        __________
        (1) "القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 159).
        (1/399)
        القانون .. " (1)، فهو يريد تقييد القاضي عندما لا يجد نصًا في القانون ولا في العرف فيأخذ من الشريعة أن يكون أخذه من الشريعة محكومًا بالمبدأ الأكثر ملاءمة لنصوص القانون، فيجعل القانون هو الحاكم والمهيمن على الشريعة الإسلامية، وفي هذا ما فيه.
        ْوالمادة الأولى من القانون المدني تقول: "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها، فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد فبمقتضى القانون الطبيعي وقواعد العدالة" (2).
        - وهذه المادة تحرم على القاضي الرجوع إلى الشريعة الإسلامية التي ألزم الله الحكام المسلمين بتحكيمها ما دام الحكم منصوصًا عليه في القانون المدني الوضعي، فإذا لم نجد الحكم في نصوص القانون فيوجب علينا واضعه الرجوع إلى عرف البشر، ويجعل أعراف البشر مقدمة على أحكام الشريعة الإلهية، ثم يمن علينا واضع القانون بأن جعل الشريعة الإسلامية المصدر الثالث، ويمن علينا أنه قدمها على القانون الطبيعي وقواعد العدالة، يقول الدكتور السنهوري في هذا: "الشريعة الإسلامية هي المصدر الثالث للقانون المدني المصري، وهي إذا أتت بعد النصوص التشريعية والعرف، فإنها تسبق مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة" (3)، وكونها تسبق مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ليس مبررًا لأن يسبقها التشريع الذي أخذت معظم نصوصه من القوانين الوضعية، وأعراف البشر التي كثيرًا ما تكون أعرافًا
        __________
        (1) المصدر السابق (1/ 190).
        (2) "القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 182).
        (3) "الوسيط - مبادئ الالتزام" (1/ 59)
        .
        (1/400)
        خاطئة، ونحن نرفض قوله بعد ذلك: "ولا شك أن ذلك يزيد كثيرًا في أهمية الشريعة الإسلامية" (1)، ونرفض قوله: "ويجعل دراستها دراسة علمية في ضوء القانون المقارن أمرًا ضروريًّا لا من الناحية النظرية فحسب، بل كذلك من الناحية العلمية التطبيقية" (2).
        أما أولاً: فلأن جعل الشريعة الإسلامية المصدر الثالث ظلم للشريعة الإسلامية وانتقاص من حقها، وتقديم لقوانين البشر وأعرافهم على شريعة ربهم، لا كما يقول السنهوري من أنه يزيد من أهميتها.
        ثانيًا: لأن الشريعة الإسلامية لا تدرس في ضوء القانون المقارن بحيث يهيمن عليها، ويننقص منها، وهي الشريعة التي أنزلت حاكمة على الشرائع كلها والقوانين والكتب السماوية السابقة وغير السماوية.
        وثالثًا: لأن النتيجة التي يمكن تحقيقها من وراء كل هذا محدودة الأهمية، بل تكاد تكون سرابًا، كما يقول الدكتور توفيق فرج أحد رجال القانون، ويعلل ذلك بقوله: "ذلك أن التشريع في الدولة الحديثة يكاد يستوعب كل شيء، وإذا وجد مجال يحتمل أن تقوم فيه بعض الثغرات، فإن العرف من وراء التشريع محيط به في شبه شمول، ولا يبقى لمبادئ الشريعة إلا النزر اليسير" (3).
        ويرى أيضا: "أن الدور الذي يترك لمبادئ الشريعة يزداد انكماشًا إذا أخذ بما يتجه إليه البعض من أنه لا يلجأ إلى مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر للقانون - إلا إذا لم تكن تلك المبادئ تتعارض مع المبادئ العامة التي
        __________
        (1) المصدر السابق.
        (2) المصدر السابق.

        (3) " المدخل للعلوم القانونية " للدكتور توفيق فرج (ص 279).
        (1/401)
        يقوم عليها التشريع المدني في جملته" (1)، ثم ينقل عبارة الدكتور السنهوري الذي يرى هذا الرأي والتي يقول فيها: "فلا يجوز الأخذ بحكم في الفقه الإسلامي يتعارض مع مبدأ من تلك المبادئ، حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه" (2).

        * كيف جعلت الشريعة والإسلامية المصدر الثالث:
        على الرغم من أن جعل الشريعة الإسلامية المصدر الثالث الذي يرجع إليه القاضي غير مقبولة بحال من الأحوال، فإن واضعي القانون لم يتكرموا بوضعها إبتداء فقد كان نص المادة في المشروع التمهيدي هكذا: "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
        فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
        ويستلهم في ذلك الأحكام التي أقرها والفقه مصريًا كان أو أجنبيًا وكذلك يستلهم مبادئ الشريعة الإسلامية" (3). وهذه المادة جعلت الشريعة الإسلامية في الذيل كما ترى.
        وعندما طبع مشروع القانون ووزع على الهيئات القضائية والقانونية وتحدثت منه الصحف في الديار المصرية طالب الشعب المصري أن تجعل الشريعة الإسلامية المصدر الرسمي الوحيد لكل تشريع يصدر في البلاد، فلم تستجب رغبة الشعب، وفرض عليه القانون الذي أخذ أربعة أخماسه أو أكثر
        __________
        (1) المصدر السابق.
        (2) "الوسيط" للسنهوري (1/ 49).
        (3) "القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 182).
        (1/402)
        من القوانين الكافرة، وحاول الذين وضعوه وناقشوه استرضاء الرأي العام بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الثالث، يرجع إليها القاضي حينما لا يجد مراده في نصوص القانون ولا العرف" (1).

        * دعوى موافقة القانون المدني للشريعة الإِسلامية:
        زعم واضع القانون المدني أن نصوصه موافقة للشريعة الإسلامية ولا تعارض بينهما، يقول في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي: "ما ورد في المشروع من نصوص يمكن تخريجه على أحكام الشريعة الإسلامية دون كبير مشقة، فسواء وجد النص أم لم يوجد، فإن القاضي بين اثنين، إما أنه يطبق أحكامًا لا تتناقض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وإما أنه يطبق الشريعة الإسلامية ذاتها" (2).
        والدكتور السنهوري يتناقض مع نفسه ففي المناقشة التي جرت بينه وبين الأستاذ الدكتور حامد بك زكي أستاذ القانون المدني في كلية الحقوق بجامعة فؤاد، قال الدكتور السنهوري: "المشروع في أساسه وفي بعض نصوصه يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية" (3)، فهو هنا يقول: إن القانون متفق مع الشريعة في بعض أحكامه لا كلها، وأحب أن أنقل للقارئ الكريم شيئًا من المناقشة التي جرت بين حامد بك والسنهوري في مجلس الشيوخ المصري.
        قال حامد بك زكي: إن الجزء العام في القانون خاص بنظرية الالتزامات ومصادرها، وهذا الجزء على ما أذكر قد تناولته المواد من 19 إلى 450 فهو كله أوربي أي روماني.
        __________
        (1) "المدخل" لعلي علي منصور (ص 103).
        (2) "القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 20).
        (3) المصدر السابق (1/ 90).
        (1/403)
        معالي السنهوري باشا: إنه قضاء مصري متفق مع الشريعة الإسلامية (1).
        حامد بك زكي: أنا عندما أقول إنه أوربي إنما أعني بذلك أنه روماني.
        معالي السنهوري باشا: قل ما شئت، والمهم أنني أقول. إن هذا إنما هو قضاء مصري.
        حامد بك زكي: أريد أن أصل إلى القول بأن الأحكام الخاصة بالعقود إنما هي تطبيقات للأحكام الواردة في باب الالتزامات تحت اسم العقود، وأنا من هذه الناحية - أعلن صراحة أن المشروع إنما هو مشروع أوربي بحت، وأعلن أنني أوافق على هذه الفكرة، ولكن أريد أن أصل إلى القول بأن الشريعة الإسلامية قد رجع إليها في بعض المسائل الخاصة باستلهام بعض أحكامها.
        الرئيس: إذا نظرنا إلى العلاقات بين الأفراد منذ الخليقة الأبدية نجد أن فلسفة الحياة الموضوعية تتقارب (2).
        لقد كان حامد زكي صريحًا عندما أعلن أمرين: الأول أن القانون المدني قانون أوربي روماني بحت، والثاني: أنه راض عن هذا، وأنه لا يرضى بأن تكون الشريعة الإسلامية مصدرًا للتشريع، وقد وضح رأيه هذا في بقية المناقشة.
        أما الدكتور السنهوري فإنه يريد أن يجعل القانون المأخوذ من القوانين الأوربية موافقًا للشريعة الإسلامية (3).
        __________
        (1) هذا الاتفاق لا قيمة له، فإن الشريعة الإسلامية كما بينا في مبحث "خصائص الشريعة" وحدة منسجمة مستقلة، وما يلاحظ بينها وبين غيرها فإنما هو اتفاق عرضي، ثم إن هذه القوانين كما يقول الدكتور محمد عبد الجواد مهما نقلت أو اقتبست من الشريعة لا تزال تحتفظ بأصولها الأجنبية، راجع "بحوث في الشريعة والقانون" (ص 39).
        (2) "القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 91).
        (3) هذا الذي قام به السنهوري لا يأبى أضل أهل الأرض عن القيام به، فالكفار لا يمتنعون =
        (1/404)
        لقد كان رجال القانون الذين وضعوا هذا القانون يعرفون أن القانون بعيد عن الشريعة الإسلامية، ولكنهم كانوا يخافون من ثورة الأمة وانتقاد العلماء يقول رئيس اللجنة القانونية لمجلس الشيوخ لدى مناقشة مشروع القانون (1): "وقد قلنا كلنا: إن إغفال الشريعة الإسلامية من شأنه أن يعمل هيجانًا كبيرًا في الأفكار، ولما وجدنا أن المشروع لا يقول بما يخالف الشريعة الإسلامية قلنا نقدم الشريعة الإسلامية على القانون الطبيعي" (2)، فالتقديم للشريعة إنما كان خشية هياج الأفكار!!

        * العلماء الأوربيون يقررون ألا لقاء بين القانون الأوربي والإسلامي:
        لا يجوز لمنصف صادق في حديثه أن يزعم أن قانونًا أخذت أصوله من القانون الروماني، وأخذت نصوصه من أكثر من عشرين قانونا أوروبيًا - أنه قضاء يتفق مع الشريعة الإسلامية، يقول فتزجيرالد
        Fitz Gerald وقد كان أستاذ القانون الإسلامي في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بلوندرا يقول في مقال نشره في مجلة القانون الفصلية الإنكليزية عدد يناير 1951 م: "الواقع أن النظامين: الرومي والإسلامي متضادان إلى حد لا يمكن معه التوفيق بينهما فيما يتعلق بالمسائل الأساسية، وهي المأخذ الصحيح للقانون، فالقانون الإسلامي هو قانون الله المشرع الوحيد، ولا سلطة لأي أمير في
        __________
        = من الاقتباس من الشريعة، فالمستشرق (سانتيدانا) وضع الكثير من قواعد فقه المذهب المالكي في (مجلة الالتزامات والعقود التونسية) التي صدرت سنة 1906 في عهد الاحتلال الفرنسى راجع: "بحوث في الشريعة الإسلامية" (ص 38).
        (1) "القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 92).
        (2) هذا هو الدافع لوضع المادة التي جعلت الشريعة المصدر الثالث أفيليق بالسنهوري ورجال القانون أن يملئوا الدنيا ضجيجًا بأنهم أنصفوا الشريعة، ولسان حالهم بل لسان المقال يقول: مكره أخاك لا بطل.
        (1/405)
        وضع القوانين، ومشيئة العوام لا اعتبار لها إلا إذا مثلت إجماعًا عامًا كافيًا" (1).
        ويقول أيضًا: "الشريعة كما ذكرنا من قبل تختلف اختلافًا أساسيًا عن القانون الرومي، سواء في طبيعتها أو في غرضها، فالقانون الرومي حتى في خالص ناحيته المجردة والعلمية ليس إلا قانون العلماء القانونيين، أو كما يقال في المثل اللاتيني: "كل قانون وضع فإنه وضع بسبب إنسان"، أما القانون الإسلامي فهو أولاً وقبل كل شيء نظام أهل دين يطبقون الأحكام (الموجودة) على الوقائع، وغرضهم وصل كل نفس إنسانية بالله تعالى .. " (2).
        إن الفقه الإسلامي وهو قانون المسلمين جزء من الدين الإسلامي لا ينفك عنه، أما القانون الوضعي فهو علم مادي من أمور الدنيا، يقول المستشرق الإيطالي نالينو
        Nallino
        "جعل المسلمون الفقه جزءًا من علم الدين لا ينفك عنه، ولم يجعلوه علما ماديًّا من أمور الدنيا" (3).
        (1) انظر كتاب "هل للقانون الرومي تأثير على الفقه الإسلامي" (ص 165).
        (2) المرجع السابق (ص 166).
        (3) المرجع السابق (ص 21).
        التعديل الأخير تم بواسطة نور الهداية; 3 مار, 2011, 12:43 م.

        ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

        تعليق


        • #34
          * مناقشات بعض رجال القانون لواضع القانون المدني:
          سأذكر محاورتين جرتا في مجلس الشيوخ المصري لدى مناقشة مشروع القانون المدني المقر في (1948 م) أحببت أن أثبتهما للدلالة على أن القانون المدني الجديد بعيد عن الشريعة الإسلامية، وليعلم المسلمون أن رجال مصر لم يكونوا موافقين على هذا القانون، وإنما أقر ظلمًا عدوانًا.
          المناقشة الأولى: للمستشار حسن الهضيبي:
          وقد كان فارسها حسن الهضيبي بك المستشار بمحكمة النقض آنذاك رحمه الله.
          __________
          (1) انظر كتاب "هل للقانون الرومي تأثير على الفقه الإسلامي" (ص 165).
          (2) المرجع السابق (ص 166).
          (3) المرجع السابق (ص 21).
          (1/406
          )
          ________________________________________
          "حسن الهضيبي بك: أود أن أقول: إن لي رأيًّا معينًا في المسألة برمتها، وليس في القانون المدني فقط، وهذا الرأي بمثابة اعتقاد لدي لا يتغير وأرجو أن ألقى الله عليه، إنني لم أتعرض للقانون المدني باعتراض أو بنشر وأنا لم أقل شيئًا يتعلق بمضمونه؛ لأن من رأيي ألا أناقشه.
          وقد جئت اليوم بناء على دعوتي؛ لأن، زميلي صادق فهمي بك صحح المسألة بالنسبة إلي، فقد ألحق بالحاضرة التي كان مزمعًا أن يلقيها، كلمة تبين مركزي في هذا المقام.
          الذي قلته أنا في تصحيح الرأي الذي نشره صادق بك هو اعتقادي أن التشريع في بلادنا كلها وفي حياتنا جميعا يجب أن يكون قائمًا على أحكام القرآن، وإذا قلت القرآن فإني أعني كذلك بطبيعة الحال سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن طاعته من طاعة الله.
          حضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظة بك: يقصد سعادة حسن الهضيبي بك القرآن والحديث؟
          حسن الهضيبي بك: نعم، يجب أن يكون هذان المصدران هما المصدران لكل تشريع فإذا ما أردنا أن نأخذ شيئَّا من التشريعات أو النظم الأجنبية فيجب أن نردها أولا إلاً هذين المصدرين.
          {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].
          فإذا كان هذا التقنين صادرًا عن أحكام القرآن والسنة كان بها وإلا فيجب أن نرفضه رفضًا باتًا، ونرد أنفسنا إلى الحدود التي أمر الله بها.
          حضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظة بك: وإن سكت عنه؟
          حسن الهضيبي بك: الأمور في الشريعة، أمر ونهي وعفو.
          {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
          (1/407)
          ________________________________________
          أما العفو فهو من الأمور المباحة التي يمكن لولي الأمر أن يصرفها كما يشاء على ما تقتضي به المصلحة.
          من أجل هذا لم أشترك في مناقشة مشروع القانون المدني موضوعًا، ومن رأيي أن يصدر كيفما يكون؛ لأني شخصيًّا أعتقد أنه ما دام غير مبني على الأساس الذي ذكرته والذي أدين به فخطئوه وصوابه عندي سيان.
          لقد تفضل زميلي صادق بك فهمي وصحح الموقف بالنسبة إلي في مذكرة ألحقها بمحاضرته وكانت بإملائي. ولقد جئت اليوم لأبين لحضراتكم وجهة نظري وإني أعلم تمام العلم أنكم غير مستعدين لقبول هذا الرأي (1).
          الرئيس: لا شك أن كل تشريع يمكن أن يوجه إليه كثير من النقد غير المحدد ونحن هنا هيئة تشريعية قدم إلينا مشروع قانون فاجتهدنا في بحثه، ونريد الآن أن نسمع الانتقادات التي وجهت إلى تقرير اللجنة كي تجتمع اللجنة بعد ذلك لاقرار ما تراه، ولقد بدأت الآن بعرض الأمر بالطريقة المنطقية فقد قدمت انتقادات موضوعية، وتريد اللجنة أن تناقش أصحابها.
          حسن الهضيبي بك: لقد ذكرت منذ لحظة أن خطأ هذا المشروع وصوابه عندي سيان (2).
          رحم الله الهضيبي لقد قال كلمة الحق التي ينبغي أن يقولها المسلم، فهذا القانون لا يستحق أن يناقش؛ لأنه غير مأخوذ من الكتاب والسنة، وصوابه وخطؤه عنده سيان ما دام كذلك، ولم يطل الكلام، فهو يعلم أن القائفين على إعداد القانون غير مستعدين لقبول رأيه؛ لأن الأمر مفروض
          __________
          (1) كانوا غير مستعدين لقبول رأيه؛ لأن الحكومة المصرية تعهدت في معاهدة "مونترو" للدول الكبرى عندما ألغيت الامتيازات والمحاكم المختلطة أن تضع من الشرائع ما من شأنه أن يكون مطابقًا للشرائع الحديثة، انظر "القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 99).
          (2) "القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 48 - 49).

          (1/408)
          ________________________________________
          على الأمة فرضًا، ولم يستطع السنهوري أن يناقش الهضيبي - رحمه الله؛ لأن الهضيبي كان حازمًا وصريحًا.
          المناقشة الثانية: للشيخ عبد الوهاب طلعت:
          كان فارسها المرحوم الشيخ عبد الوهاب طلعت باشا:
          حضرة الشيخ المحترم عبد الوهاب طلعت باشا: هل رجعتم إلى الشريعة الإسلامية؟
          المقرر: لقد ذكرت ذلك فيما سبق وأقرر أن المشروع اتبع الوضع الذي اختارته البلاد منذ إدخال التقنينات الحالية بل وزاد عليه كما أبنت الآن.
          حضرة صاحب المعالي عبد الرزاق أحمد السنهوري باشا (وزير المعارف العمومية): أؤكد لك أننا ما تركنا حكمًا صالحًا في الشريعة الإسلامية يمكن أن يوضع في هذا التقنين إلا وضعناه (1) والدليل على ذلك أن أحد حضرات المستشارين أراد أن يضع نموذجًا مأخوذًا من الشريعة الإسلامية فأتى بنفس نصوص القانون ونسبها للشريعة الإسلامية.
          حضرة الشيخ المحترم عبد الوهاب طلعت باشا: وهل استعنتم بالفقهاء الشرعيين لعله يمكنهم أن يساعدوا في هذا السبيل.
          حضرة صاحب المعالي عبد الرزاق أحمد السنهوري باشا (وزير المعارف العمومية):
          لقد قمنا بكل ما يمكن عمله في هذا السبيل، وأخذنا كل ما يمكن أخذه عن الشريعة الإسلامية مع مراعاة الأصول الصحيحة في التقنين الحديث ولم نقصر في ذلك (2).
          __________
          (1) لاحظ كيف أقام السنهوري نفسه حكمًا يأخذ ويترك من الشريعة الإسلامية ما يشاء.
          (2) لم يجب السنهوري على سؤال الشيخ وحاد عن الإجابة، وكان ينبغي أن يقول أنه وضعه بالاشتراك مع ثلاثة من الصليبين ولم يشارك فيه عالم من علماء المسلمين
          .
          (1/409)
          ________________________________________
          حضرة الشيخ المحترم عبد الوهاب طلعت باشا: إني كرجل يؤمن بالكتاب المنزل وكرجل درس الشريعة الإسلامية كما درس المعاملات فيها أرى أن فيها ما يتسع لكل شيء.
          حضرة صاحب المعالي عبد الرزاق السنهوري باشا (وزير المعارف العمومية):
          أرجو أن تجد سعة من وقتك لزيارتي وأنا على أتم استعداد لأن أبحث معك الموضوع وأنا واثق أنك ستقتنع (1، 2).
          المناقشة الثالثة: لسيد عبد الله علي حسين:
          سيد عبد الله من علماء الأزهر الذين درسوا الحقوق وحصل على درجة الليسانس في الحقوق من فرنسا، وقد كتب كتاب المقارنات التشريعية في مجلدين ردًا على الدكتور السنهوري وعلماء القانون الذين يزعمون أن رجال القانون الأوربيين لم يعتمدوا في قوانينهم على الفقه الإسلامي، وقد أثبت في كتابه أن كثيرًا من قانون نابليون مأخوذ من الفقه المالكي، ومع ذلك فقد أغفل واضعوه هذا المصدر، وقد ناقش المؤلف في مقدمة كتابه الدكتور عبد الرزاق السنهوري في دعواه أن الفقه الإسلامي لا يصلح لأن يجعل قانونًا في الوقت الذي وضع فيه السنهوري القانون المدني مستمدًا من القوانين الأوربية الصالحة لذلك بزعمه.
          وقد أورد سيد عبد الله نصوص أقواله ورد عليها، وسأكتفي بإيراد جزء من مناقشته للدكتور السنهوري (3).
          __________
          (1) واضح أن السنهوري لا يحب أن يسّتثير العلماء المسلمين فتأتي إجابته ناعمة لينة، في نفس الوقت الذي يحيد فيه عن الجواب.
          (2) "لجنة القانون المدني - الأعمال التحضيرية" (1/ 159، 160).
          (3) "المقارنات التشريعية" (1/ 21).

          (1/410)
          ________________________________________
          السنهوري: قد دار الزمن دورته والفقه الإسلامي واقف، العالم يمشي وهو جامد، والحضارة تتطور وهو ساكن، فبعد عن الحاجات المتجددة.
          سيد عبد الله: أنت أدرى يا سيدي الأستاذ لم وقف؟ لأن من تنطق بحجتهم ومن اعتنقت مذهبهم طاردوه في كل مكان، ولكن أصوله باقية وخالدة على الدهر لا تطفأ.
          السنهوري: فأصبح من العسير على الأمم العربية في العصر الحاضر أن تستقي منه قوانينها الحاضرة.
          سيد عبد الله: قواكم الله في الإتيان بالبديل، فأنتم وأمثالكم داعون للقوانين الوضعية، وهذا هدم للتشريع الإسلامي، إن بقي فيه شيء لم يهدم من أعدائه ومن احتلوا بلاد المسلمين.
          السنهوري: فأخذت تهجره واحدة بعد الأخرى ولجأت إلى القوانين الغربية الحية لتماشي مدنية العصر ومن هنا نشأت أزمة الفقه الإسلامي.
          سيد عبد الله: لا يا أستاذ لم تهجر الأمم العربية التشريع الإسلامي كراهية فيه، أو لعدم صلاحيته للزمن، ولكنها أُكرهت من عدوها الذي احتلها على تركه واستبداله بقوانينه، وأظن الأستاذ يشاهد البلاد العربية التي لم يحتلها أجنبي تحكم بالتشريع الإسلامي (اليمن والحجاز).
          السنهوري: نحتاج إلى جهود جبارة ووقت طويل حتى يعود الفقه إلى مجده الأول، وينفض عنه غبار الجمود الذي تراكم عليه، فيسترد قوته ورونقه، ويعود جديدًا وفقهًا خصبًا قويًّا.
          سيد عبد الله: أدركنا يا رب العالمين من عبادك والطف بنا وبهم في هذا الدنيا، إنك أنت اللطيف الخبير، هذا الذي يمهد السبيل لإصلاح الفقه لو أنه تبنى بحثًا منه ودافع عنه لظن الناس خيرًا، وقبلوا هذه الدعوى، ولكن رجلاً تبنى نظرية لامبير، ونقل لنا أسمالاً بالية من عدة تشاريع وضعية وخاطها لنا
          (1/411)
          ________________________________________
          قانونًا مدنيًّا، وقال في مادته الثانية ما يأتي: "فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون .. " لا يصح أن يكون حكمًا، ولا يؤخذ قوله حجة.
          والواجب أن يقول الأستاذ بلغة العرب الفصيحة: إنني أدعو العرب لهجر التشريع الإسلامي في بلاد الإسلام حتى تعود إليه الحياة، ويعود فقهًا خصبًا قويًّا؛ لأن رجلاً يلزم القاضي بقانونه أن يحكم العادة قبل أن يحكم التشريع الإسلامي لا يصح أن يتكلم في التشريع الإسلامي؛ لأنه يجهله أو يعاديه، إن أعداء الإسلام أخذوا منه ما لذ وطاب، ولم يقل أحد منهم هذه الأقوال؛ لأنهم درسوه وعرفوا قيمته، أصوله وقواعده، ولكنهم سكتوا عن ذكره سكوت أهل القبور، وعملوا على محوه وتعطيله في كل قطر دخلوا فيه، وتركوا من أبناء هذه الأقطار داعية لتشريعهم الوضعي فيها، وهي حقيقة مرة يعرفها من ألقى السمع وهو شهيد.
          أيها الأستاذ: إن التشريع الإسلامي حي حياة إلهية، ولو لم يرق في نظرك، فلست أكثر حولاً ولا طولاً ممن محوه من بلاد الإسلام، وأدخلوا قوانينهم، وحكموا بها، وألزموها المسلمين قهرًا، وبلا ذنب إلا احتلالهم، إن علماء التشريع الإسلامي قد أصبحوا والحمد لله يضارعون في تفكيرهم وفهمهم أكبر عالم من علماء القوانين الوضعية، ولو سألتموهم عن أي قاعدة لبهركم وأخذ عليكم مجامع تفكيركم الوضعي ما يجيبون به، ولكن ما تدعون من علم ومعرفة قد جعلكم في نظركم على الأقل أعلم مخلوق وأعظم مشروع، والله يقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85].
          ونصيحتي إليكم أن ترجعوا إلى التشريع الإسلامي، وفيه ما فوق الكفاية، فتعلموه، وابحثوا، وبشروا به في كل مكان يعظم شأنكم، ويرضى
          (1/412)
          ________________________________________
          عنكم ربكم، فلستم بمعجزين الله في الأرض، ولو شاء لسلبكم ما تدعون، وليس ذلك على الله بعزيز.

          * خلاصة القول في القانون المدني المصري الذي وضعه السنهوري ويبوء بإِثمه أمام الله:
          خلاصة القول في هذا القانون الذي زعم واضعوه أنه قانون مصري خالص - أنه قانون بعيد عن الشريعة الإسلامية، وأنه قد أقر أعين الكافرين، وأدمى قلوب المؤمنين، لقد خدعنا أعداء الإسلام عندما سمحوا لنا أن نغير القانون الفرنسي، وقالوا لنا: خذوا قانونكم من أي قانون شئتم، إلا أن يكون القانون المحكم هو الشريعة الإسلامية، فظننا أننا بذلك نلنا استقلالنا.
          - يقول الدكتور السنهوري: "لقد ظفر التشريع المصري بالاستقلال في سنة 1937، وكانت معاهدة مونتريه هي صك استقلاله، وظفر القضاء المصري بالتوحيد بعد انقضاء فترة الانتقال، وزوال المحاكم المختلطة" (1).
          لقد سمح الكفار لنا بصياغة قونينا بعد أن وجدوا رجالاً رضعوا ثقافته وأعجبوا بقوانينه، وبعد أن أخذوا علينا العهود بأن نتجه نحو تلك القوانين، وبعد أن رضينا بإقصاء شريعة الله.
          لقد كان رجال القانون الذين لا يفقهون الشريعة يريدون أن يمصروا الفقه.
          - يقول الدكتور السنهوري واضع القانون في كتاب "نظرية العقد" قبل وضعه للقانون بعشرين سنة: "علينا أولا أن نمصر الفقه، فنجعله فقهًا مصريًا خالصًا، نرى فيه طابع قوميتنا، ونحس فيه أثر عقليتنا" ثم يتألم ويتوجع من
          __________
          (1) "الوسيط" (1/ 8).
          (1/413)
          ________________________________________
          حال الفقه في ذلك الوقت: "فقهنا حتى اليوم لا يزال -هو أيضًا- يحتله الأجنبي، والاحتلال هنا فرنسي، وهو احتلال ليس بأخف وطأة، ولا بأقل عنتًا من أي احتلال آخر" وهو يأسى لرجال القانون في بلده حيث يقول: "لا يزال الفقيه المصري يتلمس في الفقه الفرنسي الهادي المرشد، لا يكاد يتزحزح عن أفقه أو ينحرف عن مسراه، فهو في ظله اللاصق، وتابعه الأمين، ثم ينادي مطالبًا: "باستقلال الفقه المصري وتفريغه في جو مصري يشب فيه على قدم مصرية وينمو بمقومات ذاتية" (1). وعندما أتيحت له الفرصة بادر بوضع هذا القانون على النحو الذي وصفه.
          - يقول الدكتور السنهوري في القانون بعد وضعه: "إن النصوص التشريعية الواردة في هذا المشروع لها من الكيان الذاتي ما يجعلها مستقلة كل الاستقلال عن المصادر التي أخذت منها، ولم يكن الغرض من الرجوع إلى التقنينات الحديثة أن يتصل المشروع بهذه التقنينات المختلفة اتصال تبعية في التفسير والتطبيق والتطور؛ فإن هذا حتى لو كان ممكنًا، لا يكون مرغوبًا فيه، فمن المقطوع به أن كل نص تشريعي ينبغي أن يعيش في البيئة التي يطبق فيها، ويحيا حياة قومية توثق صلته بما يحيط به من ملابسات، وما يخضع له من مقتضيات، فينفصل انفصالاً تامًا عن المصدر التاريخي الذي أخذ منه، أيًا كان هذا المصدر، وقد حان الوقت الذي يكون لمصر فيه قضاء ذاتي وفقه مستقل، ولكل من القضاء والفقه، بل على كل منهما عند تطبيق النص أو تفسيره، أن يعتبر هذا النص قائمًا بذاته منفصلاً عن مصدره، فيطبقه أو يفسره تبعًا لما تقتضيه المصلحة، ولما يتسع له التفسير من حلول تفي بحاجات البلد، وتساير مقتضيات العدالة، وبذلك تتطور هذه النصوص في صميم
          __________
          (1) " الوسيط" (1/ 8).
          (1/414)
          ________________________________________
          الحياة القومية، وتثبت ذاتيتها، ويتأكد استقلالها، ويتحقق ما قصد إليه واضعو المشروع من أن يكون لمصر قانون قومي، يستند إلى قضاء وفقه لهما من الطابع الذاتي مما يجعل أثرهما ملحوظًا في التطور العالمي للقانون" (1).
          إن ما قرره واضع القانون المدني ليس صوابًا، كل الذي فعله أن حكم في رقاب المسلمين قانونًا وضعه هو واستمده من أكثر من عشرين قانونًا بعد أن كان يحكم في رقابنا قانون مترجم هو قانون نابليون، والقوانين الوضعية عندنا سواء الذي يضعه نابليون، أو أبو جهل العربي، أو السنهوري فكل القوانين الوضعية تحاد شريعة الله، ونحن نريد أن نتحاكم إلى ما أنزله الله لا إلى ما وضعه البشر.
          قد يكون في القوانين الوضعية قانون أفضل من قانون، ولكنها جميعًا مرفوضة عند المسلم الصادق؛ لأنها اعتداء على ألوهية الله وحكمه" (2) اهـ.
          ونختم بما قال السنهوري: "السيادة في القانون الإسلامي لله وحده، ولكنه يفوضها للأمة، كل الأمة وليس لشخص ولا لأي مجموعة من الناس أيًّا كانت".
          - قال الدكتور عمر الأشقر بعد أن رد شبه السنهوري وأمثاله: لا يخفى على المسلم ما في هذه الأقوال من كفر وضلال" (3).
          - ولله در القائل.
          عجّتْ فروج الناس ثم حقوقهم ... لله بالبكرات والآصال
          كم تستباح بكل شرع باطل ... لا يرتضيه ربنا المتعالي
          __________
          (1) "الوسيط" (1/ 9).
          (2) "الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية" لعمر سليمان الأشقر (ص 123 - 146) - طبع دار النفائس.
          (3) المصدر السابق (ص 111) الطبعة الثانية
          .

          ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

          تعليق


          • #35
            (1/415)
            ________________________________________
            والكل في قعر الجحيم سوى الذي ... يقضي بحكم الله لا لنوالِ
            أَوَمَا سمعت بأن ثلثيْهم غدًا ... في النار في ذاك الزمان الخالي
            وزماننا هذا وربك أعلمُ ... هل فيه ذاك الثلثُ أم هو خالي؟

            * الشاعر العراقي معروف الرصافي يسقط في وحل الخيانة ويناصر اليهود:
            كثيرون مهدوا لضياع فلسطين وامتدحوا الصهاينة .. امتدحوا اليهود، ووصفوا احتفالاتهم في القدس، في ليال هي عندهم بمستوى ليلة القدر في القُدسية!!! ولكنك قارئي الكريم لعلك تصعق حين تعلم أن من هؤلاء الكثيرين الشاعر العراقي معروف الرصافي .. استمع إليه في غيبوبته الفكرية .. في قصيدته التي يمتدح بها الصهيونيين يهودا وهربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني في فلسطين في محفل في القدس حضرة عام 1920 م منشدًا:
            خطاب يهودا قد دعانا إِلى الفكر ... وذكّرنا ما نحن فيه على ذكر
            لدى محفل في القدس بالقوم حافل ... تبوّأه هربرت صموئيل في الصدر
            دعاهم رئيس القدس ذو الفضل راغب ... إِليه، فلبوا دعوة من فتى حُرِّ
            فأمسوا وفي ليل المحاق اجتماعهم ... يحفول من هربر صموئيل بالبدر
            فيا ليلة كادت وقد جلَّ قدرها ... تكون على علاتها ليلة القدر
            ولما تناهى من يهودا خطابه ... وقد سرّنا من حيث تدري ولا ندري
            تصدّى له هربر صموئيل ناطقًا ... بسحر مقال جلّ عن وصمة السحر
            وعدت فأمسى القوم بين مشكل ... ومنتظر الإِنجاز منشرح الصدر
            فكذِّبْ وأنت الحر من ساء ظنه ... فقد قيل: إِن الوعد دين على الحر
            (1/416)
            ________________________________________
            ولسنا كما قال الألى يتهموننا ... نعادى بني إِسرائيل في السرَّ والجهر
            وكيف وهم أعمامنا وإليهم ... يمتّ بإٍسماعيل قدمًا بنو فهر
            هما من ذوي القربى، وفي لغتيهما ... دليل على صدق القرابة في النجر
            ولكننا نخشى الجلا، ونتقي ... سياسة حكم يأخذ القوم بالقهر
            وهل تثبت الأيام أركان دولة ... إِذا لم تكن بالعدل مشدودة الأزر
            وها أنا قبل القوم جئتك معلنًا ... لك الشكر حتى أملأ الأرض بالشكر
            وعلى أثر هذه القصيدة طرد الشعب الفلسطيني " الرصافي " بعد رجمه بالحجارة! وقد غادر القدس فجرًا، ولسان حاله يردد:
            إِذا أنكرتني بلدة أو أنكرتها ... خرجت مع البازي عليّ ظلام
            وماذا ننتظر من الشعب الفلسطيني غير هذا التوديع بالطرد والحجارة وهو يكيل المديح إلى الصهيوني "هربرت صموئيل" أو موضى سام أرسلته بريطانيا إلى فلسطين لتهويدها" (1).

            ___________________________
            (1) مجلة "إحياء التراث العربي الإسلامي" العدد 12 السنة الثالثة 1401 هـ - 1981 م (ص 72)، والمنشورة كذلك في "ديوان الرصافي" - الجزء الأول - المكتبة التجارية الكبرى، مطبعة الاستقامة - القاهرة - دراسة وتحليل دار اليقظة العربية، بيروت، (ص 30، 1964) للدكتور ممدوح حقي، والمنشور بعضها على صفحات آفاق عربية (عدد آذار 1979 م) بعنوان "الماسونية وعلاقتها بالصهيونية" و"عقيدة اليهود في تملك فلسطين" لعابد الهاشمي ص (21).

            ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

            تعليق


            • #36
              * محمد أحمد خلف الله يزعم أن القرآن يحوى الأساطير؟!!
              محمد أحمد خلف الله هو القائل: "ما عدا القرآن -يقصد السنة المشرفة- فكر بشري نتعامل معه بعقولنا، وتفسير رسول الله للقرآن قول بشر" (2).
              __________
              (2) "اليسار الإسلامي" (ص 40).
              (1/417)
              ________________________________________
              محمد أحمد خلف الله هو القائل: "إن النص القرآني إن لم يكن قادرًا على تحقيق المصلحة تركناه، ولجأنا إلى الفكر البشري؛ فإن مدار النصوص على المصالح، فهي أصل والنصوص فرع" (1).
              وقد مرّت بنا قصة الدكتور خلف الله الذي كتب عن "الفن القصصي في القرآن الكريم" فوصف قصص القرآن بالخرافة، وزعم أن القرآن نفسه لا ينفي أنه يحوي أساطير؟!! وهذا البحث لقي اتفاق وإجماع أهل العلم في مصر وغيرها على ضلال وجرأة صاحبه، "كما لقي دعم وإعجاب كثير من المشبوهين ومن المستشرقين الذين انبروا للدفاع عنه وتقريظه، حتى إن ج. بالجون، وج. جومييه -من القساوسة الدومينيكان- وصفاه بأنه البحث الوحيد الذي يمثل الاستنارة الحقيقية في الفكر الإسلامي عن حركة المجتمع العربي المعاصر، وقصر القرآن على العبادات والمساجد، كضرورة حتمية لتقدم المجتمع العربي" (2).
              - يقول الأستاذ أنور الجندي: "امتدت دعوة أمين الخولي في تلامذته، فظهر عمل خطير هو " الفن القصصي في القرآن " لمحمد أحمد خلف الله، وكان بتوجيه الشيخ (3).
              - يقول الأستاذ محمد مصطفى رمضان: " كان الشيخ الخولي وراء كثير من الحملات على القرآن الكريم، ومنها "القصص الفني في القرآن"، فقد أعلن الشيخ أنه متضامن معه فيها وشريكه في التبعية، وذلك جريًا على
              __________
              (1) "اليسار الإسلامي" (ص 34).
              (2) انظر "الوعى الإسلامي" - من مقالة للأستاذ جمال سلطان، و" اليسار الإسلامي " (ص 34 - 35). وانظر كتابي "زهر البساتين".
              (3) يعني: أمين الخولي.
              (1/418)
              ________________________________________
              خطته في الحملة على علوم البلاغة ومسخه لبلاغة القرآن، وكفره بتنزيه الله، ودعوته إلى العامية السوقية المبتذلة (عرضنا لهذه الرسالة في كتابنا "المساجلات والمعارك الأدبية").
              - يقول الأستاذ محمد أحمد الغمراوي: هذه الرسالة تقيس القصص القرآني بمقاييس ليست وثيقة ولا مقررة؛ فإن خالف القرآن تلك المقاييس كان عند أصحابها كذبًا وافتراءً على التاريخ، أو كان نوعًا من ذلك الفن الأدبي الذي لا يلتزم الواقع التاريخي، ولا الصدق العقلي، وإنما يخضع في تآليفه لهذه الحرية الفنية التي يخضع لها كل فنان موهوب، وتطبيقًا لهذه القاعدة صار القرآن -في رأي صاحب الرسالة- "يتقوّل على اليهود وينطقهم بما لم ينطقوا به، ويتقوّل أمورًا لن تحدث ويقرر أمرًا خرافيًا أو أسطوريًا ثم يعود فيقرر نقيضه ويغيرّ الواقع ويبدل ويزيد وينقص بحكم هذه الحرية الفنية".
              ومن مفاسد هذه الرسالة اعتبارها أن مصادر القصص القرآني هي التوراة والإنجيل والأقاصيص الشعبية، وما امتزج بها من عناصر فارسية وإسرائيلية، وأنه جرى في ذلك خلف قساوسة المستشرقين أمثال ردويل ومرجليوث حتى بلغ به الأمر أنه لم يدرك ما هنالك من تناقض بين نسبة القرآن إلى الحق سبحانه، والحكم على قصص القرآن بأن أكثره غير صحيح.
              "ومما يذكر أن محمد أحمد خلف الله قد خاض بعد ذلك في ميدان آخر يهاجم فيه الإسلام، وهو موضوع الشريعة الإسلامية" (1) اهـ.
              __________
              (1) محاولة لبناء منهج إسلامي متكامل (المجلد الرابع) - "اللغة والأدب والثقافة" للأستاذ أنور الجندي (ص 535 - 536) - دار الأنصار - القاهرة،
              (1/419)
              ________________________________________
              * أخطر من يحكم في مسألة الجاهل بتفاصيلها:
              - يقول الأستاذ أحمد الشايب في دراسة عن حياته العلمية (1913 - 1970): أشير في إيجاز إلى هذه المعركة العلمية التي دارت في كلية الآداب، عام 1947 م حول مشروع رسالة "الفن القصصي في القرآن الكريم" تقدم به طالب يدعى محمد أحمد خلف الله، بإشراف الأستاذ الشيخ أمين الخولي، وتأييده والدفاع عنه.
              وقد قام هذا المشروع على أساس أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مؤلف القرآن، وأن القرآن في قصصه لم يتحر الصدق، وأنه كان يغير ويبدل في القصص نزولاً على ظروفه الخاصة التي كانت تحيط بالدعوة الإسلامية، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في القصص القرآني الكريم كان يخلق من الحوادث ما لم يقع، ويصوره على أنه الواقع التاريخي إلى نحو ذلك مما لم يستند إلى برهان علمي؛ وإنما كان مجاراة للمبشرين.
              وقد شغلت هذه المسألة الجهات الجامعية والأزهرية والبرلمانية، والصحافة ومجلس الدولة، وقد رفض أحمد الشايب هذا المشروع إذ كان معينًا لفحصه، وبرأيه أخذت كل الهيئات المذكورة وقد أبعد أصحابه عن الجامعة.
              - هذا هو ملخص كتاب "الفن القصصي في القرآن" الذي يقول كاتبه بالنص في الرسالة، والتي تمثل الخطوط العامة لرسالته "إن القصص القرآني لم يراع الحقيقة التاريخية" وأن المقصود منه عرض فني، فلسنا ملزمين بتصديق حقائق هذا القصص؛ وإنما تقدر فيه "الغاية الفنية" وأن القصص مستمدة من مصادر أخرى غير عربية، كالتوراة والأدب اليوناني والأدب الفارسي، وأن فيه أساطير لا أساس لها.
              (1/420)
              ________________________________________
              - ويقول تقرير الفاحصين للرسالة من أساتذة الجامعة والأزهر (الشيخ عبد الوهاب خلاف، والدكتور زكي حسن، والدكتور الشرقاوي):
              إن أساس هذه الرسالة أن القصص في القرآن عمل فني، خاضع لما يخضع له الفن من خلق وابتكار، من غير التزام الصدق التاريخي والواقعي، وهذا صريح وواضح من جملة مواضع في الرسالة، وقد أيده الكاتب بما استشهد به من الأمثلة:
              ففي (ص 26 سطر 10) قرر: أن القرآن أنطق اليهود بما لم ينطقوا به، وذلك في قوله تعالى في سورة النساء: {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى} [النساء: 157]: و (ص 26) قرر كاتب الرسالة عن قوله تعالى في سورة المائدة: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة: 116]، أن هذا القول وهذا الحوار تصوير لموقف لم يحدث بعد، بل لعله لن يحدث، وفي (ص 89) قرر الكاتب أن قصة موسى -عليه السلام- في سورة الكهف لم تعتمد على أصل في واقع الحياة وفي هذا مخالفة ظاهرة لقوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [الكهف: 13]، ولقوله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [يوسف: 111]، وقد واجه هذه الشبهات سبعة من العلماء بالكشف عن زيفها وفسادها.
              أولاً: رأى الشيخ عبد المتعال الصعيدي:
              صاحب هذه الرسالة لم يكن له أن يظفر إلى الكتابة عن موضوع القرآن، وهو يجهل تعريف التناقض في المنطق، ويبني على جهله به حكمًا خطيرًا في قصة إبراهيم - عليه السلام، وهو يدل على مستوى صاحب الرسالة في العلم، وعلى أنه جرى في رسالته على هذا المنوال فقذف نفسه في بحر لا يحسن السباحة فيه، ولم يخض فيه فحول العلماء وأكابر
              (1/421)
              ________________________________________
              الحكماء، من الطبري إلى الزمخشري إلى الرازي، وإلى أمثالهم فى علمهم وحكمتهم.
              وقد ذكر الأستاذ أحمد أمين: أن صاحب الرسالة يرى أن القصة في التاريخ لا تلتزم الصدق التاريخي وإنما تتجه كما يتجه الأدب إلى تصوير الحادثة، تصويرًا فنيًا، بدليل التناقض في رواية الخبر الواحد، مثل: أن البشرى كانت لإبراهيم أو لامرأته، فدعوى هذا التناقض، تدل على أن صاحب هذه الرسالة لا يعرف تعريف (التناقض)، وعلى أنه سار في رسالته بهذا العلم الذي لا يزال في طور الطفولة، فَضلَّ الصواب وخَبَط خَبْط عشواء، والقرآن أجل من أن يتناول بمثل هذا العلم العاجز، وأخطر من أن يحكم في مسائله من لا يزال يجهل تعريف التناقض.
              ولقد قال الله تعالى في البشرى بهذا الغلام: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]، وفي هذه الآية كانت البشرى لسارة امرأة ابراهيم -عليه السلام- ثم إن الله تعالى قال في هذه البشرى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 53]، وقال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101]، وكانت البشرى في الآيتين لإبراهيم -عليه السلام- فهل تبشير سارة مرة بهذا الغلام، وتبشير إبراهيم مرة به من التناقض الذي يصح أن تضرب به قصة إبراهيم مثلاً، للقصة التي لا يلتزم فيه الصدق التاريخي.
              اللَّهم لا .. لأن التناقض اختلاف قضيتين في الإيجاب والسلب، اختلافًا يلزم لذاته من صدق إحدى القضيتين كذب الأخرى، فلا بد فيه من الاختلاف في الإيجاب والسلب، ولا بد فيه من الاتحاد في الموضوع والمحمول وقيودهما.
              ليس في هذه القصة اختلاف في قضية البشرى من جهة الإيجاب
              (1/422)
              ________________________________________
              والسلب، فلا يكون التناقض الذي يلزم فيه صدق إحدى القضيتين وكذب الأخرى.
              وإنما الذي كان أن كلاًّ من إبراهيم وامرأته يبشر بهذا الغلام، وقد تكررت هذه القصة في هذه السور فذكرت في بعضها بشرى إبراهيم به، وذكرت في بعضها بشرى امرأته به، تنويعًا في الأسلوب وتصريفًا في القصة لمقامات تقتضي التنويع وتستدعي ذلك التعريف.
              صاحب الرسالة لا يفرق بين القصص الذي نص القرآن على وقوعها، وبين الأمثال التي يجوز فيها الوقوع وعدمه، وهي أمثال لا أساطير وقد ورد كثير منها في القرآن أيضًا، ولكن صاحب الرسالة لم يرزق قوة التمييز بينها، فخبط فيها خبط عشواء، وسقط سقوط من يتناول ما فوق طاقته.
              لقد ذكر الله تبارك وتعالى قصة مريم في سورة آل عمران ثم قال فيما ذكره منها: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44]، وهذا نص قاطع على وقوع هذه القصة.
              وذكر قصة نوح في سورة هود، ثم ختمها بقوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49]، فجعل تلك الأنباء وهي من الغيب من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح الاستدلال بها على نبوته إلا إذا كانت صحيحة.
              وذكر قصة يوسف في سورة يوسف ثم ختمها بقوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف: 102]، وهذا نص قاطع على وقوع القصة، وهكذا اعتبر هذه القصص من قصص الأنبياء ونحوها أمثالاً قرآنية.
              (1/423)
              ________________________________________
              وهناك أمثال يضربها الله تعالى للناس كقوله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل: 75].
              فهذا مثل لا يلزم أن يكون واقعًا وكذلك ما أشبهه في أمثال القرآن، وقد فات صاحب الرسالة الفرق بين هذين الأسلوبين، فأساء إلى نفسه وأساء إلى عمله.
              ثانيًا: رأي الأستاذ أحمد أمين في الرسالة:
              هذه الرسالة ليست عادية بل رسالة خطيرة، أساسها: أن القصص القرآني عمل فني خاضع لما يخضع له الفن من خلق وابتكار، من غير التزام لصدق التاريخ والواقع، وأن محمد - صلى الله عليه وسلم - فنان، وبهذا المعنى يرى المؤلف أن القصة في القرآن لا تلتزم الصدق التاريخي، وأنها تتجه كما يتجه الأدب في تصوير الحادثة تصويرًا فنيًا، بدليل التناقض في رواية الخبر الواحد.
              1 - مثل أن البشري بالغلام كانت لإبراهيم وامرأته.
              2 - القصة مخلوقة مثل: {إِذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت} الآية.
              3 - والإجابة عن الأسئلة التي كان يوجهها المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليست تاريخية ولا واقعية، وإنما هي لتصوير واقع نفسي عن أحداث مضت في القدم سواء أكان ذلك الواقع النفسي متفقًا مع الحق والواقع أم مخالفًا له.
              4 - وربما كانت مسألة الجن، التي تصور رأي الجاهلية في تسمع الجن لأخبار السماء ميدانًا من الميدان القصصي، والقرآن يقرر أن الجن تعلم بعض الشيء، ثم لما تقدم الزمن قرر القرآن أنهم لا يعلمون شيئًا، والمفسرون
              (1/424)
              ________________________________________
              يخطئون حين يأخذون الأمر مأخذ الجد.
              5 - الأنبياء أبطال "ولدوا في البيئة وتأدبوا بآدابها، وخالطوا الأهل والعشيرة وقلدوهم في كل ما يقال ويفعل، وآمنوا بما تؤمن به البيئة من عقيدة ودانوا بما تدين به من رأى وعبدوا ما تعبد من آلهة".
              6 - تصوير أخلاق الأمم كبني إسرائيل ليس بضروري أن يكون واقعيًا، بل يصح أن يكون تصويرًا فنيًا يلاحظ الواقع النفسي أكثر من صدق القضايا.
              7 - القصة هي العمل الأدبي الذي يكون نتيجة تخيل القاص لحوادث وقعت من بطل لا وجود له أو لبطل له وجود ولكن الحوادث التي ألمت به لم تقع أصلاً، أو وقعت ولكنها نظمت على أساس فني، إذ قدم بعضها وأخر بعضها، أو حذف بعضها وأضيف إلى الباقي بعض آخر أو بولغ في تصويرها، إلى حد يخرج بالشخصية التاريخية عن أن تكون حقيقية إلى ما يجعلها في عداد الأشخاص الخيالية، وهذا قصدنا من الدراسة القرآنية.
              8 - أخطأ الأقدمون في عد القصص تاريخًا.
              9 - منهجه هو معالجة القصة من حيث هي أدب، ويعني بذلك خلق الصور والابتكار والاختراع.
              10 - لذلك لا مانع من اختلاف تصوير الشخصية الواحدة في القرآن.
              11 - لعل قصة موسى في سورة الكهف لم تعتمد على أصول من واقع الحياة، بل ابتدعت على غير أساس من التاريخ.
              12 - القرآن عمد إلى بعض التاريخ الشعبي للعرب، وأهل الكتاب ونشره نشرًا يدعم غرضه كقصة ذي القرنين؟؟!!
              13 - قصة إبليس من نوع الخلق الفني الذي يتشبث فيه القرآن بالواقع.
              14 - عناصر القصة هي العناصر الفنية والأدبية التي اتخذ منها الفنان مادته التركيبية والتي أعمل فيها خياله وسلط عقله ونالها بالتغيير والتبديل،
              (1/425)
              ________________________________________
              حيث أصبحت وكأنها مادة جديدة بما بث فيها من روحه وكذلك القصص في القرآن والبحث عن المصادر في القصص القرآني على هذا الأساس.
              15 - يجب ألا يزعجنا هذا لأنه الواقع العملي في حياة كل الفنون والآداب.
              16 - إن القرآن كان يغير من العناصر ليجعلها ملائمة للبيئة ولطبيعة الدعوة.
              17 - وما تمسك به الباحثون من المستشرقين ليس سببه جهل محمد - صلى الله عليه وسلم - بالتاريخ، بل قد يكون ذلك من عمل الفنان، الذي لا يعنيه الواقع التاريخي، ولا الحرص على الصدق العقلي، وإنما ينتج عمله ويبرز صوره بما يملك من الموهبة والقدرة على الابتكار والاختراع والتغيير والتبديل.
              18 - ومن هذا القبيل خلق صور الجن والملائكة.
              19 - تدرج القصص في القرآن كما يتدرج أدب كل أديب، فالأدباء يلتمسون المتعة واللذة في كل أمر فني يعرض لهم، ثم يتقدمون خطوة فيتبعون الاستمتاع واللذة بالمحاولات التي تقوم على التقليد والمحاكاة، ثم يكون التخلف شيئًا فشيئًا، والدخول في ميدان التجارب الخاصة ومظاهر ذلك النسخ والتدرج بالتشريع.

              ثالثًا: رأي الأستاذ عبد الفتاح بدوي:
              يدعي المؤلف أن الأستاذ محمد عبده، قال: إن القرآن الكريم ليس كتابًا أنزل للتاريخ وضبط الوقائع وترتيب الحوادث التاريخية بعضها على بعض، ولكنه بالإجماع يستخدم التاريخ ويقص من هذا التاريخ حقائق واقعة ثابتة، مرتبًا بعضها ترتيبًا لا استنتاج فيه، كما يستنتج المؤرخ ولكن ترتيب الحق والواقع وينزل بذلك الواقع المرتب ترتيب الحقائق لهداية الناس وإرشادهم إلى الخير والفلاح.
              (1/426)
              ________________________________________
              فالقرآن يخالف كتب التاريخ في أمور، ويوافقها في أمور، فالمؤرخ قد يرى من واجبه أن يتتبع تفاصيل الواقعة من الأسماء والزمان والمكان والأحداث، وتفاصيلها؛ لأن هذا كله قد يعينه على استنتاج الحكم التاريخي الذي يحكم به على الواقعة، أو يشبع به صم العواطف فقد لا يعنيه بعض هذا؛ لأنه لا يستنتج الأحكام التاريخية ولكنه الفيصل فيها.
              إنه يرتب المقدمات ترتيبًا يقينيًا لا شك فيه: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
              فالقرآن مصدر من مصادر التاريخ وليس كتابًا من كتب التاريخ.
              - يقول المؤلف: على أن هذه المسألة قديمة، ومن أجلها عد الأصوليون القصص القرآني من المتشابه، ولقد نتج عن ذلك طريقتان: طريقة السلف، وطريقة الخلف، أما الأولون فيذهبون إلى أن كل ما ورد في القصص القرآني من أحداث قد وقع، وأما الآخرون فلا يلتزمون هذا وعلى طريقتهم جرى الأستاذ الإمام.
              وهذا الذى يقوله المؤلف: جرأة أخرى على الأصوليين، وتقول مفترى على الإمام محمد عبده، فليس أحد من الأصوليين ولا أحد من المسلمين يعتبر القصص القرآني متشابهًا، ولا نعرف أحدًا من الأصوليين ولا المسلمين لا يلتزم بما ورد في القرآن من القصص؛ وإنما هي أحداث وقعت وحوادث هي خلاصة الحقيقة التي وقعت في سوالف الأزمان، يسوقها القرآن عبرة وهدى للعالمين، وليدلنا المؤلف على أصولي لا يقول هذا، أو عن مسلم لا يقول هذا.
              وكلام المؤلف افتراء على الأستاذ الإمام يكذبه قول الإمام ومنهجه الذي اختطه لنفسه في صراحة لا شبهة فيها ولا اختلاط.
              (1/427)
              ________________________________________
              - قال الإمام: إذا جاء في نصوص الكتاب والسنة شيء ينافي ظاهره التنزيه "لله تعالى" فللمسلمين فيه طريقتان: إحداهما طريقة السلف: وهي التنزيه الذي أيد العقل فيه النقل، كقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11]، وقوله عز وجل {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180]، وتفويض الأمر إلى الله في فهم حقيقة ذلَك، مع العلم بأن الله يعلمنا بمضمون كلامه ما نستفيد به في أخلاقنا وأعمالنا وأحوالنا.
              والثانية: طريقة الخلف وهي التأويل يقولون إن قواعد الدين الإسلامي وضعت على أساس العقل، فلا يخرج شيء منها عن المعقول؛ فإذا جزم العقل بشيء وورد في النقل خلافه يكون الحكم القاطع قرينة على أن النقل لا يراد به ظاهره، ولا بد من معنى موافق يحمل عليه فينبغي طلبه بالتأويل.
              - وقال الإمام: وإننا على طريقه السلف في وجوب التسليم والتفويض، فيما يتعلق بالله تعالى وصفاته، وعالم الغيب، وأنا نسير في فهم الآيات على كلتا الطريقتين.
              فالأستاذ الإمام لم يقل أن القصص من المتشابه، ولم يقل بذلك مسلم قبله ولا بعده.
              التهمة الأولى الموجهة إلى الباحث: أنه يجهل المقررات المنطقية التي تجمع عليها العقول.
              والتهمة الثانية: أنه جهل المنهج الذي يدرس عليه القرآن الكريم، فالقرآن الكريم يدرس على منهجين.
              المنهج الأول:
              منهج الباطنية وهم فرقة من الملاحدة يعطلون ألفاظ القرآن عن مدلولاتها، ويسلكون بها سبلاً تخيلية وهمية، توصلاً بذلك إلى تعطيل الشريعة الغراء، فهم يدعون للألفاظ أو للجمل مرادًا عامًا لا ينبني على
              (1/428)
              ________________________________________
              أسس علمية، وهؤلاء كفار والجري على طريقتهم كفر وجهالة؛ لأن مذهبهم هذا مجرد دعاوى لا تنبني على شيء من العلم، فهم يقولون مثلاً في تفسير قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، استقيموا لله وطهروا أنفسكم بالأخلاق الحسنة، وكونوا خاضعين، وليست هناك صلاة شرعية ولا زكاة شرعية ولا سجود ولا ركوع.
              المنهج الثاني:
              منهج المسلمين، وهو منهج العلم والعقل الذي تقوم عليه نواحي الحياة كلها، وليس القرآن وحده، ذلك أن الكلام يجب أن يكون لألفاظه مدلولات حقيقية تنصرف إليها تلك الألفاظ ولا يعدل عنها إلا إذا وجدت قرينة تمنع من إرادة المدلولات الحقيقية.
              فأما ترك تلك المدلولات الحقيقية مع عدم وجود تلك القرينة، التي تمنع من إرادة الحقيقة فإنما هو في غير طريق القرآن خبل وجهالة.
              وإذا ادعي شيء من ذلك في مقام القرآن فهو خبالة وجهالة وزندقة، يخرج بها صاحبها من عداد المسلمين؛ لأنها تعطيل لكلام الله تعالى الذي أنزل لهداية البشر أجمعين، ومن المسلمين من يقف عند هذا الحد لا يتعداه، بل يحمل الكلام على الحقيقة ما أمكنه ذلك، ثم على المجاز الذي تدل عليه القرينة عند وجودها، ولا يقولون إن القرآن يشير من وراء هذه الحقيقة أو هذا المجاز إلى شيء من باب الإشارة والإيماء؛ لأن هذه الإشارة وهذا الإيماء لا تدل الألفاظ عليه.
              والباطنية لا يعتبرون لله "جل جلاله" ذاتًا، ولا الملائكة موجودات ولا الجنة شيئًا، ولا إبليس حقيقة؛ وإنما يقولون في ذلك كله ما يقوله المؤلف من أن القرآن في ذلك لم يتشبث بالواقع.
              ولقد حاولت أن ألتمس بعض المعاذير ولو أوهاها في التورط فيما
              (1/429)
              ________________________________________
              تورط فيه، فمنعني سلوكه وحالت بيني وبين ذلك خلائقه، ذلك أنني وجدته مدلسًا في النقل، خائنًا للأمانة العلمية، فهو يكذب في النقل أو يبتر المنقول ولا يتمه، بل يخفي منه ما يبين المراد منه، تمويهًا للحقيقة وإلباسًا على الناس.
              - ومن ذلك ما نقله عن الرازي "محرفًا" في رسالته، فالفخر الرازي ليس فيه شيء مطلقًا لا من قريب ولا من بعيد. مما نسبه إليه المؤلف فرية واختلافًا، ولعل عند المؤلف أو الذي كان يشرف معه على رسالته نسخ خطية خاصة من كتاب الفخر الرازي، عملت لهما فقط، وخط لهما فيها ما يشاءان ما هذا يا أستاذ وما هذه الخيانة في العلم؟!!!.
              كما أورد الأستاذ عبد الفتاح بدوي مثالاً للبتر في النقل، نقل منه المؤلف أيضًا من الفخر الرازي ولم يتمه فجاء الناقد بالجزء الباقي، وهو يغير مفهوم ما أخذه تغييرًا كاملاً، ثم قال: وكلام الرازي صريح في أن القرآن لا يذكر القصة؛ لأنه كتاب تاريخ، بل يذكرها لما في ذكرها من الفوائد التي ذكرها.
              وكلام الفخر الرازي صريح في أن القرآن لم يحرف في القصص ولم يغير وكان ذلك دليلاً على أنه بوحي من الله، أما دعوى المؤلف فهي أن القصص القرآني لا يثبت بالواقع، وإذن لا بد من التدليس في النقل، ليوهم القارئ أن للكلام الذي يقوله المؤلف أصلاً في كلام السابقين، وبذلك صارت صفات المؤلف ثلاث: "الجهل والكذب والخيانة".

              * وقفه مع محمد أحمد خلف الله:
              ومما يذكر أنه حدث إشكال في إقرار إجازة الدكتوراه له، وقرر مجلس الجامعة ضرورة أن يثبت في مقدمة الكتاب عند طبعه هذا الإشكال، الذي يوحي باعتراض هذا المجلس، وقد صدرت الطبعة الأولى متضمنة ذلك ثم رفعت في الطبعات التالية.
              (1/430)
              ________________________________________
              رابعًا: الأستاذ محمد أحمد الغمراوي:
              كل من تعود البحث العلمي وعرف ما في القرآن الكريم واطلع على كتاب "الفن القصصي" لا يشك في أنه بعيد كل البعد عن التفكير العلمي، لما فيه من خبط وخلط كثير، جرى فيه صاحبه خلف قساوسة المستشرقين أمثال روديل ومرجليوث حتى بلغ به الأمر أنه لم يدرك ما هنالك من تناقض، بين نسبة القرآن إلى الحق تبارك وتعالى، والحكم على قصص القرآن الكريم أن أكثره غير صحيح.
              وإذا كان البعض لا يرى في هذا الحكم كفرًا ولا شبه كفر فلعله يرى على الأقل أنه تفكير يؤدي إلى جواز الجهل والكذب على الله جل شأنه وهو تفكير لا يمكن بوجه من الوجوه أن يمت إلى التفكير الصحيح، إنه تفكير لا يستقيم إلا على فرض أن القرآن من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - لا من عند الله كما يقول قساوسة المستشرقين.
              خامسًا: الأستاذ أحمد الشايب:
              إن مشروع الرسالة حين تقدم إلى كلية الآداب سنة 1947 رفضت لجنة الفحص تقديمه للمناقشة وأسقطته لأسباب دينية خلقية، ويكفي أن أشير بغاية الإيجاز إلى أن الرسالة تقيس القصص القرآني بمقاييس ليست وثيقة ولا مقررة؛ فإن خالف القرآن تلك المقاييس كان عند أصحابها كذبًا وافتراء على التاريخ، أو كان نوعًا من ذلك الفن الأدبي الذي لا يلتزم بالواقع التاريخي ولا الصدق العقلي؛ وإنما يخضع في تأليفه لهذه الحرية الفنية التي يخضع لها كل فنان موهوب.
              وتطبيقًا لهذه القاعدة صار القرآن الكريم "في رأي صاحب الرسالة":
              يتقول على اليهود وينطقهم بما لم ينطقوا به، ويتقول أمورا لن تحدث، ويقرر أمرًا خرافيًا أو أسطوريًا، ثم يعود فيقرر نقيضه، ويغير الواقع ويبدل، ويزيد
              (1/431)
              ________________________________________
              وينقص بحكم هذه الحرية الفنية.
              وهكذا كانت صورة موسى في سورة الكهف ليس لها أصل تاريخي أو أسطوري، والإجابة على الأسئلة التي كان يوجهها المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليست تاريخية ولا واقعية.
              وقصة إبليس مع آدم من الخلق الفني، الذي لم يتشبث فيه القرآن بالواقع، ومصادر القصص القرآني هي: التوراة والإنجيل، والأقاصيص الشعبية، وما امتزج بها من عناصر فارسية وإسرائيلية، وإن ما تمسك به المستشرقون على أنه من أخطاء محمد - صلى الله عليه وسلم - الناتجة عن جهله بالتاريخ ليس بذي بال.
              ذلك لأن المسألة تعلل بأكثر من سبب، فقد يكون ذلك من عمل الفنان الذي لا يعنيه الواقع التاريخي، ولا الحرص على العقلي؛ وإنما ينتج عمله ويبرر صوره ويوحي بما يشاء بقدرته على الابتكار والاختراع والتغيير والتبديل، ثم يدير -صاحب الرسالة- كذبًا وجهلاً على أمثال الزمخشري والفخر الرازي ومحمد عبده، أنهم قالوا بما يؤيد هذا الهراء الجاهلي الضال.
              ثم يطلب السيد عبد الرزاق السنهوري -وزير المعارف حينذاك- إلى الشيخ محمود شلتوت -رحمه الله- فحص هذه الرسالة، وكتابه تقرير عنها؛ فإذا بهذا التقرير يدمغها بالكفر والجهل والفساد؛ لأنها قامت على أسس فاسدة وأنها غارقة في تكذيب القرآن، وأن كاتبها افترى على العلماء، وأنه جاهل لا يفهم النصوص وختم تقريره: بأن تُطهَّر الجامعة من هذه الدراسة التي تنافي الحرية العلمية وتنتهي إلى الفوضى، وتهدم الأصول الإسلامية في هذا البلد الإسلامي.
              كما أفتى أكثر من مائة عالم أزهري في طائفة كثيرة من نصوص هذه الرسالة بأنها مكفرة يخرج بها صاحبها عن الدين الإسلامي.
              (1/432)
              ________________________________________
              ثم نسأل: هل هذه الصورة المطبوعة الآن هي مطابقة لذلك الأصل الذي قدم إلى لجنة الفحص بكلية الآداب عام 1947، والواقع أن هذه الصورة المطبوعة ليست مطابقة لذلك الأصل أولا، ثم هي صورة لا تزال جاهلة ضالة فاسدة ثانيًا.
              أما أولاً: فأين هي هذه القصة المنشورة، ما قيل في الأصل عن مصادر القرآن، وأين ما قيل عن قصة موسى في سورة الكهف، وما قيل مما يفيد أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فنان هذا القرآن وصاحبه وأما أنه من عمل الذي لا يعنيه الواقع التاريخي والصدق العقلي، وإنما يغير ويبدل ويزيد ويخترع لأنه فنان موهوب، وكيف حرفت عبارة تدل على أن القرآن يتشبث بالواقع في قصة إبليس وآدم، وكيف اضطرب الأمر أمام الأسطورة والأساطير، بعدما قال الأقدمون إن الأساطير كذب وبهتان لم ينزل به وحي إلى غير ذلك مما يثبت التزوير والتضليل.
              أما ثانيًا: فلا يزال القرآن -في هذه الصورة المنشورة- يتقول على اليهود ويتقول ما لم يحدث ويحكي غير الواقع، وحين يقول القرآن الكريم {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [يوسف: 111] تتوقف هذه الصورة المنشورة أمام هذا النص الحاسم الذي يقطع بأن قصص الرسل غير كاذب ولا مفترى.
              - ونقول: ولا يصح لمعترض أن يعترض على أن الأقاصيص القرآنية مخالفة للحق والواقع، أو مخالفات التاريخ -إلى غير ذلك- ما هو آخذ بآفاقها.
              وأحب أن أشير هنا إلى أن ما ورد في هذه الصورة المطبوعة عن قول الله تعالى عن اليهود {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} يقول كاتب الرسالة بالحرف الواحد "فليس من شك أن اليهود ينكرون رسالة عيسى
              (1/433)
              ________________________________________
              ومن أجل ذلك قتلوه فهم لم يقولوا هذا القول؛ وإنما أنطقهم القرآن، ويدعي أن عبارة {رَسُولَ اللَّهِ} إما أنها من قول اليهود سخرية، وإما من قول الله تعالى بيانًا للواقع وإكبارًا لعيسى -عليه السلام- وهذا ما أراده صاحب " الكشاف " وإن لم يفهمه أصحاب الرسالة "خلف الله وأمين الخولي".
              ومن الخير لهم أن يرجعوا إلى "الكشاف" في هذه الآية ليعرفوا أن الزمخشري يقول في بيان ذلك. قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} ويجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعًا لعيسى عما كانوا يذكرونه به، وتعظيمًا لما أرادوا بمثله كقوله: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} [الزخرف: 9، 10] وواضح أن صاحب "الكشاف" يريد أن الله يضع الذكر الحسن، على أنه من قوله تعالى لا على أنه من قول اليهود، يفعل ذلك أثناء حكاية قصصهم ومجادلتهم، وإذا أرادوا زيادة الإيضاح فليرجعوا إلى ما قاله الزمخشري نفسه في تفسير هذه الآية {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} من سورة الزخرف لعلهم يعلمون من هذه المقايسة ما يريد صاحب "الكشاف" أن يقوله في تفسير آية النساء.
              كذلك يقولون -وهم على سبيل الدفاع عن الرسالة- على الأستاذ محمد عبده إنه يجرى على طريقة الخلف، إزاء القول في القصص القرآني، فيكذبهم الشيخ محمد عبده نفسه، حيث يقول "وأنا على طريقة السلف في وجوب التسليم والتفويض" وذلك بصدد القول في قصة الخليقة.
              وتقولوا عدى الشيخ محمد عبده أنه قال: إن القرآن لا يلتزم حدود التاريخ، وذلك فى تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [البقرة: 243]، ولكن الشيخ محمد عبده لم يقل ذلك ولم يعلنه في الرواق العباسي كما ادعوا عليه فليرجعوا إلى تفسير المنار لعلهم يعلمون ما قاله بل
              (1/434)
              ________________________________________
              لعلهم يفهمون ما قبل ذلك.
              وفي ذلك قول الشيخ شلتوت: إن القصص القرآني من المتشابه بهذا المعنى الذي يجري فيه التأويل والتفويض، أما موقفهم من الفخر الرازي فقد سبق أن بينه الشيخ عبد الفتاح بدوي، وبيناه في الحلقة السابقة.
              سادسًا: السيد محب الدين الخطيب (1):
              فيما ذهب إليه المؤلف في هذه الرسالة تلميح بتكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن القرآن موحى به إليه من الله عز وجل، وزعم أنه من تأليف محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن ما فيه من القصص عمل فني خاضع لما يخضع له الفن من خلق وابتكار، من غير التزام بصدق التاريخ.
              والواقع أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فنان بهذا المعنى وأن الأنبياء أبطال ولدوا في البيئة وتأدبوا بأدبها، وخالطوا الأهل والعشيرة وقلدوهم في كل ما يقال ويفعل، وآمنوا بما تؤمن به البيئة من عقيدة ودانوا بما تدين به من رأي وعبدوا ما تعبد من إله، هذا ما ذهب إليه المؤلف وهو كذب.
              كما زعم أن القرآن متناقض، فكان يقرر أولاً أن الجن تعلم بعض الشيء ثم لما تقدم الزمن قرر أنهم لا يعلمون شيئًا، وأن قصة موسى في سورة الكهف لم تعتمد على أصل من واقع الحياة، بل ابتدعت على غير أساس من التاريخ.
              ويمن محمد أحمد خلف الله على الإسلام، بأنه دافع عنه بقوله: إن ما
              __________
              (1) نشرت تفصيلات هذه القضية في مجلات الرسالة والأزهر والفتح عام 1947 كما تبادل السيد محب الدين الخطيب وأمين الخولي الحوار حول هذا الموضوع، محب الدين الخطيب في جريدة الإخوان المسلمون، وأمين الخولي في أخبار اليوم، وعندما أقر أمين الخولي بموافقته على كل ما جاء بالرسالة أجابه محب الدين الخطيب، وألقى بنفسه وصاحبه في النار، المجلة.
              (1/435)
              ________________________________________
              تمسك به الباحثون من المستشرقين ليس سببه جهل محمد - صلى الله عليه وسلم - بالتاريخ، بل قد يكون ذلك من عمل الفنان الذي لا يعنيه الواقع التاريخي ولا الحرص على الصدق العقلي، والواقع أن هذا الكلام فرية لا تقل عن خلط المستشرقين.
              سابعَا: الشيخ شلتوت:
              هذه الرسالة تقيس القصص القرآني بمقاييس ليست دقيقة ولا مقررة، فإن خالف القرآن تلك المقاييس كان عند صاحبها كذبًا وافتراء على التاريخ، أو كان نوعًا من ذلك الفن الأدبي الذي لا يلتزم الواقع التاريخي ولا الصدق العقلي، وإنما يخضع في تأليفه لهذه الحرية الفنية التي يخضع لها كل فنان موهوب، وطبقًا لهذه القاعدة، صار القرآن في هذه الرسالة يتقول على اليهود وينطقهم بما لم ينطقوا به، ويتقول أمورًا لن تحدث، ويقرر أمرًا خرافيًا أو أسطوريًا ثم يعود فيقرر نقيضه ويغير الواقع ويبدل ويزيد وينقص بحكم هذه الحرية الفنية.
              وهكذا كانت قصة موسى في سورة الكهف ليس لها أساس تاريخي، ولا أسطوري، والإجابة عن الأسئلة التي يوجهها المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليست تاريخية ولا واقعية.
              وقصة إبليس مع آدم من الخلق الفني الذي لم يتشبث فيه القرآن بالواقع، ومصادر القصص القرآني هي التوراة والإنجيل والأقاصيص الشعبية، وما امتزح بها من عناصر فارسية وإسرائيلية، وإن ما تمسك به المستشرقون على أنه من أخطاء محمد الناتجة عن جهله بالتاريخ ليس بذي بال، والادعاء على الزمخشري والفخر الرازي ومحمد عبده، أنهم قالوا بما يؤيد هذا الهراء (1).
              __________
              (1) "أصالة الفكر الإسلامي في مواجهة التغريب" للأستاذ أنور الجندي (ص 364 - 378).

              ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

              تعليق


              • #37
                (1/436)
                ________________________________________
                * تغريد عنبر ثمرة من شجرة الحنظل -مدرسة أمين الخولي - ورسالتها "أصوات المد في تجويد القرآن"

                في عام 1965 جدّد الشيخ أمين الخولي حملته على القرآن الكريم، إذ ظاهر الطالبة تغريد عنبر في رسالتها "أصوات المد في تجويد القرآن" التي تقدمت بها إلى كلية آداب جامعة الأسكندرية، وكان الخولي أحد أعضاء لجنة المناقشة مع إبراهيم أنيس وحسن عون، ووضع الخولي خطة يتفادى بها ما وقع لتلميذه خلف الله التي ردّت لجنة المناقشة رسالته إليه، فتظاهر بأنه على غير رأي الطالبة في بعض ما ذهبت إليه؛ لأنه مدرك أن زميليه لن يوافقا على الرسالة، واستنكر إبراهيم أنيس بهتان الرسالة وطعنها في القرآن الكريم، وافتراءها عليه، وأيده الخولي ليقطع عليه وعلى زميله الآخر طريقهما، وقد نجح، نجحت خطة الخولي وخدع زميليه ومُنحت الطالبة الماجستير بتقدير جيد جدًا، ولكن من حضروا المناقشة ثاروا واستنكروا، ورفعوا الأمر إلى مدير الجامعة الدكتور حسن بغدادي وطلبوا وقف الماجستير، واستفظعوا قرار اللجنة؛ لأن الرسالة كانت في جملتها طعنًا لئيمًا في كتاب الله، ولتأييد أعضاء اللجنة في آرائها، وتوقف منح الطالبة الدرجة الجامعية، وذكر الدكتور محمد محمد حسين أن عمل الطالبة في رسالتها لا سند له من الحق، وهو مناهض للمنهج العلمي السليم، وزعمت اللجنة أنها قامت بتهذيب الرسالة وتعديلها، ثم فوّضت إلى الخولي مراجعة الرسالة بعد التعديل والتهذيب، وأعلن الخولي أن الرسالة صالحة للنشر بعد استجابته للتعديل، وظن الشيخ الخولي أن خطته قد نجحت، وأن الرسالة ستظفر بما قُدَر لها من درجة، وأن معولاً جديدًا لهدم القرآن يكون في متناول أعدائه، ولما قرئت الرسالة إذا هي كما كانت مليئة بتجريح القرآن وطعنه، وما كان من تعديل اللجنة إلا الخداع والتضليل.
                (1/437)
                ________________________________________
                - وأحيا الشيخ الخولي من جديد ما فعل في رسالة خلف الله الذي أشرف على رسالته للدكتوراه منذ بضع عشرة سنة، هذا ما رواه الأستاذ محمد مصطفى رمضان، ثم قال: إن الخولي طامع، طامع في مجد أدبي كمجد العقاد وطه وهيكل والمازني، ولكنه محروم من مواهبهم، فاتخذ هذا السبيل ليشتهر، يضاف إلى ذلك زعم -دون غيره- أنه صاحب مدرسة أدبية، وسمّاها مدرسة الأمناء، والأمناء جمع أمين، وأمين اسم الشيخ، أطلق الشيخ اسم المجموع على مدرسة لا وجود لها إلا في وهمه ووهم من تسلط عليهم.
                وكل الحوادث تدل على أن الشيخ الخولي يحقد على القرآن الكريم لغة وبلاغة وأسلوبًا وعلومًا، ويطبل ويزمر للمنكرات يوهمهم أنهم مجددون ما داموا أمناء، وكل من ليس أمينًا فهو لا شيء (1).
                - كتبت تغريد عنبر بحثها وهو "دراسة في أصوات المد في تجويد القرآن" وهو بحث يقوم على مجازفات تجمع بين الانحراف والجهل يريد أن يشكل في سلامة النص القرآني.
                هذا البحث كُتب تحت إشراف الدكتور حسن عون، وناقشة أمين الخولي وإبراهيم أنيس، وتقول مصادر كثيرة إن البحث من توجيهات أمين الخولي، ولما طالب الدكتور محمد محمد حسين الجامعة بالتوقف عن منح الدرجة واستجابت الجامعة عند ذلك ظهر أعوان الشر ودعاة الهدم، يشنعون به ويهاجمونه منتهزين فرصة أن الصحف كانت في أيدي الشيوعيين، وقادت الحملة "مجلة المصور" التي يشرف عليها محمود أمين العالم وتبين أن وراء القصة أعوانًا وأنصارًا لم يكن في الحسبان أن يقفوا وراء قضية خاسرة مثلها، زعمت الطالبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغيّر ويبدل في القصص القرآني،
                __________
                (1) " محاولة لبناء منهج إسلامي متكامل " المجلد الرابع (ص 536 - 537).
                (1/438)
                ________________________________________
                وأن النص القرآني لم يتعرض للتغيير والتبديل على يد رسول الله وحده، بل تعرض لهذا التغيير والتبديل على أيدي المسلمين الأولين من الصحابة؛ لأن القرآن في زعمها ليس منزلاً من عند الله بلفظه، ولكنه منزل بمعناه، وزعمت أن المسلمين لم يتفقوا على نص موحد للقرآن وكل ما وصلوا إليه في زعمها هو شيء يشبه النص الموحد، وقد تزعمت الحملة "أمينة السعيد" في مجلة الصور بمقالات بدأت في 27/ 5/1966 (1).
                - وفي مذكرته التي قدمها إلى الجامعة ردًا على هذا البحث الذي نوقش في 7/ 10/1965.
                قال الدكتور محمد محمد حسين: زعمت الطالبة أن المسلمين لم يتفقوا على نص موحد للقرآن، وكل ما وصلوا إليه في زعمها هو شيء يشبه النص الوحد، فكانوا حين يرددون القرآن يحرصون -حسب تعبيرها- على الاتفاق على ما يشبه النص الموحد، وقبل منهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك، لأنه كان مطمئنًا إلى أن التحريف من يدخل القرآن، فلغته هي العربية بين قوم يتكلمون بها، وفي الغالب لم يكن الفرد من الصحابة ليغير النص فى كل مرة يقرأ بها (ص 13 سطر 14).
                وتعود الطالبة إلى تأكيد تلك المزاعم الفاسدة فتقول (ص 37 س 7):
                وعرض الأمر على هذا النحو يساعد على هدم فكرة التوقيف في قراءة القرآن، تلك الفكرة التي لا يقرها الدرس اللغوي أو الواقع التاريخي. ومن الواضح أن نفي فكرة التوقيف هو نفي لتواتر القرآن.
                من باب الإنصاف ذكر الدكتور محمد محمد حسين موقف الشيخ أمين الخولي برأي مخالف لرأي الأستاذ أنور الجندي، وقوله أن الشيخ أمين الخولي ندد بما تضمنه بحثها من استخفاف بعقائد المسلمين ومقدساتهم (2).
                __________
                (1) المصدر السابق (ص 537 - 538).
                (2) انظر "حصوننا مهددة من داخلها" (ص 252، 267، 268).

                (1/439)
                ________________________________________
                - وقال: والاعتراض الثاني هو نتيجة للاعتراض الأول ومترتب عليه هو أن الطالبة قد وقعت في أخطاء فادحة نتيجة للجهل ونتيجة للتعرض لما لا تعرفه، وهي أخطاء تمسّ العقيدة، بل تهدم الأساس الأصيل الذي يقوم عليه الإسلام، وتؤذي إيمان المؤمنين في أعز ما يعتزون به وهو القرآن، وذلك بما زعمته الطالبة وأكدته في أكثر من موضع من أن القرآن الذي يتعبد به المسلمون ليس منزلاً من عند الله، أو هو منزل من عند الله بمعناه لا بلفظه، وهو ما لم يجرؤ أحد من المسلمين على القول به، بل ما لم يجرؤ الملاحدة على الجهر به في وطن إسلامي.
                زعمت الطالبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغيِّر ويبدِّل في النص القرآني، فجاء في (ص 8 س 8): ولما كان الرسول يفعل ذلك في أحاديثه العامة معهم، فمن الأولى أن يفعله في الأمر الأهم الذي أتوه من أجله من الطبيعي أن يستبدل في النص القرآني لفظة بأخرى يعلم أنها أكثر شيوعًا في تلك البيئة، أو يرى أنها تحمل شحنات من المعاني تفهم الفكرة أكثر، أو أن يغير في نظام الجملة ليجعلها أكثر وضوحًا، أو ليكسبها بلاغة أكثر في نظر القوم الذين يقرأ أمامهم؛ بل قد زعمت الطالبة أن النص القرآني لم يتعرّض للتغير والتبديل على أيدي المسلمين الأولين من الصحابة؛ لأن القرآن في زعمها ليس منزلاً من عند الله بلفظه، ولكنه منزّل بمعناه، فجاء في (ص 10 س 4):
                "ويبدو لي الأمر على النحو التالي: حين نزل القرآن في أول عهده، كان الهدف الأول للمسلمين نشر الدعوة الإسلامية، وطبيعي أن يتركز الاهتمام على الفكرة وأن ينشغل بها الجميع. فكان الرسول يقرأ النص ويغير فيه حسب الظروف، فيسمح لمن يقرأ عليه بقدر من المخالفة. وكذلك الأمر فيما يتعلّق بالأداء".
                (1/440)
                ________________________________________
                وأكدت الطالبة هذا الزعم الفاسد في مواضع أخرى من بحثها حين قالت (ص 11 س 7).
                "على أن الرسول عليه السلام كان يبيح الاختلاف ولا يعمد إلى التخطيء. كان يتسامح في النص بعض الشيء. وطبيعي أن يكون التسامح أيضًا في الجانب الأدائي إن لم يكن على نطاق أوسع".
                وقالت (ص 11 س 11):
                "كان كل ما يهم الرسول عليه السلام هو المحافظة على الفكرة. هذا بالإضافة إلى أن الرسول عليه السلام لم يضع في اعتباره فكرة التخطيء لمجرد اختلاف لفظين يؤديان معنى واحدًا".
                وقالت (ص 11 س 16):
                "ولكن الرسول عليه السلام كان حريصًا على الاعتدال وإباحة الاختلاف، ما دامت الفكرة لم تتغيّر، والعبارة لم تخرج عن حدود العربية السليمة".
                والسلامة أدنى مرتبة من البلاغة، والبلاغة أدنى مرتبة من الإعجاز" (1).

                _____________________
                (1) "حصوننا مهددة من داخلها" (ص 256 - 257).

                ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                تعليق


                • #38
                  * أمينة السعيد وعداؤها لكل ما يمت إِلى الإِسلام بصلة:
                  لو لم يكن لأمينة السعيد إلا مناصرتها لتغريد عنبر في قولها عن القرآن في ست حلقات متتالية، بدأت بالعدد 2172 من المصور الصادر في 7 صفر 1386 (27/ 5/1966 م) واستمرت حتى أنتهت في العدد 2177 الصادر في 12 ربيع الأول 1386 (1/ 7/1966 م) لكفاها خزيًا وذلاً وعارًا، فما بالك بحديثها الدءوب المناقض لكل ما يمت إلى الإسلام بصلة.
                  __________

                  (1/441)
                  __________
                  - تقول أمينة السعيد: (في مجلة حواء 18 نوفمبر 1972) عن الحجاب والنقاب:
                  "إن هذه الثياب الممجوجة قشرة سطحية لا تكفي وحدها لفتح أبواب الجنة أو اكتساب رضا الله. فتيات يخرجن إلى الشارع والجامعات بملابس قبيحة المنظر يزعمن أنها (زي إسلامي) لم أجد ما يعطيني مبررًا منطقيًا معقولاً لالتجاء فتيات على قدر مذكور من التعليم إلى لف أجسادهن من الرأس إلى القدمين بزي هو والكفن سواء".
                  وتستطرد الكاتبة في امتهان هذا الاتجاه الكريم فتقول:
                  "بعضهم قال: أنه تقليعة جديدة تلجأ إليها الفتيات من أجل لفت الأنظار بعد أن استنفد الميني جيب أغراضها، والبعض قال: إنها الرغبة في الظهور بمظهر التدين سعيًا وراء الزواج والتحايل على أزمة الزواج" (1).
                  - وتقول أمينة السعيد أن التدين ليس بالتدثر بالأكفان وإنما التدين بالإيمان والعقيدة وطهارة النفس والعفة في السلوك.
                  وتثرثر أمينة السعيد بنظريتها الباطلة فتقول: "إن خروج المرأة إلى مجال العمل يعني زيادة دخلها ودخل أسرتها وبهذا تستطيع أن تمنح أولادها وزوجها معًا فرصة أكبر للعيش في مستوى لائق" (2).
                  - وتقول: "إن الخروج إلى العمل يكشف للمرأة الحياة كلها ويعطيها فرصة التعامل مع الناس ودراسة الحياة، وهذا كله ينعكس على شخصيتها وعلى أسرتها بشكل إيجابي يرفع من مستوى المجتمع" (3).
                  __________
                  (1) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 44).
                  (2) المصدر السابق (ص 46).
                  (3) المصدر السابق (ص 47)
                  .
                  (1/442)
                  ________________________________________
                  وتمضي أمينة السعيد في بث سمومها في كل الآفاق، فهي تعارض عودة المرأة إلى الزي الإسلامي، وترى فيه هوسًا دينيًا، وهي تعترف بأن قوامة الرجل على المرأة شيء مقرر في الإسلام، ولكنها في نفس الوقت تعتبر القوامة اليوم لا مبرر لها؛ لأن هذه القوامة مبنية على المزايا التي كان الرجل يتمتع بها في الماضي في مجال الثقافة والمال، وما دامت المرأة استطاعت اليوم أن تتساوى مع الرجل في كل المجالات فلا مبرر للقوامة" ولا ريب أن هذه الآراء المسمومة التي ترددها أمينة السعيد هي التي طرحتها سيمون دي بوفوار ومجمع المؤامرات المنعقدة على المرأة المسلمة (1).
                  وتنصح أمينة السعيد في إحدى المشكلات الواردة لها باللجوء إلى الزواج العرفي!! تخلصًا من حكم القانون بسقوط حق الحضانة من المرأة عندما تتزوج مرة ثانية (المصور 3/ 12/1965) هذه النصيحة على ما تتضمنه من احتجاج خفي على موقف الشرع من أحكام الحضانة فإنها دعوة إلى الهروب من القوانين (2).
                  وتدعو أمينة السعيد إلى تحديد النسل وترمي المسلمين بالجهل في قولها في كلمة لها في (المصور 20/ 10/1966) إن ملايين الجهال في بلادنا هم الذين يرددون أن الله يرسل لكل طفل رزقه.
                  - يقول الدكتور يحيى هاشم: إن هذا القذف يتعدّى الأشخاص إلى العقيدة التي يؤمنون بها (3).
                  ***
                  __________
                  (1) المصدر السابق (ص 48)
                  (2) المصدر السابق (ص 50).
                  (3) المصدر السابق (ص 51).


                  ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                  تعليق


                  • #39
                    (1/443)
                    ________________________________________
                    * نوال السعداوي مؤسسة بالكامل لإِعلان الحرب على ثوابت الإِسلام .. وكلامها عن الإِله .. هل هو ذكر أم أنثى تعالى الله عما يقول الزنادقة علوًا كبيرًا.
                    أسست د. نوال السعداوي جمعية "تضامن المرأة العربية" وكان شعار "رفع الحجاب عن العقل" يكتب على أغلفة مطبوعاتها، وكانت معركة الخطاب النسوي مع الحجاب شرسة باعتباره رمز القهر الذكوري الديني الرجعي .. إلخ (1).
                    - وكثير من هذه التجمعات النسوية في مصر، انفضح أمرها في غمرة جهادها التحرري! وتكشف أبعاد دورها عندما كشف النقاب عن "نفق الدولارات" الذي ينساب في جيوب المتنفذات من زعماء تحرير المرأة، على النحو الذي تكشّفت فيه فضيحة نوال السعداوي وتلقيها أموالاً "سرية من مؤسسة فورد فونديشن الأمريكية وغيرها من المؤسسات الإنجليزية والهولندية" (2).
                    ولنوال السعداوي عدد من المؤلفات تكشف عن هويتها، من هذه المؤلفات: "المرأة والجنس" و"الأنثى هي الأصل"، و"الوجه العاري"، و"معركة جديدة في قضية المرأة"، و"المرأة والصراع النفسي" و"مذكرات طبيبة"، و"سقوط الإمام".
                    - تقول الدكتورة هبة رؤوف عزت في تعقيبها على كلام د. نوال
                    __________
                    (1) تعقيب على بحث الدكتورة نوال السعداوي للدكتورة هبة رؤوف عزت (ص 263) من كتاب "المرأة والدين والأخلاق" للدكتورة نوال السعداوي، والدكتورة هبة رؤوف عزت - دار الفكر - دمشق، ودار الفكر المعاصر - بيروت.
                    (2) "ثقافة الضرار" لجمال سلطان (ص 72 - 73) دار الوطن العربي للنشر.

                    (1/444)
                    ________________________________________
                    السعداوي في كتاب "المرأة والدين والأخلاق".
                    أما د. نوال السعداوي فإن عداءها للدين واضح، وهي لا تُخفيه بل يظهر جليًا في نصها، وهو عداء يقوم على الأسس التالية كما أوردتها في صفحات النص المختلفة:
                    1 - أن الدين صناعة إنسانية، ومنتج تاريخي، وهي رؤية علم الاجتماع الغربي بمدارسه الكلاسيكية واليسارية على حد سواء، لذا نجدها تتحدث عن أن الأديان نشأت في عصور قديمة يحكمها النظام العبودي (1) (ص 7)، وهي تتبنى التقسيم الماركسي للتاريخ لمراحل تصاعدية، والدين ينتمي للماضي وليس للحاضر أو المستقبل وهو بالضرورة أداة قهر.
                    2 - أن أي محاولة للحديث عن الدين بشكل إيجابي يجب أن تحول الدين إلى منحى (ذاتي/إنساني/جواني)، فجدتها كان تقول: "إن الله عرفوه بالعقل" (فلا حاجة للوحي ألبتة إذن)، ووالدها يقول: أنا أعرف الله في أعماقي وهو العدل، الله يخرج من أعماقنا وليس من المطبعة أو من فوق المآذن والجوامع، وهي أقوال كلة حين تستشهد بها الكاتبة أن هذه أول خطوة لفصل الدين عن الحياة وأن هذا هو عين سبب فقدان الدين لآفاقه التحررية كمصدر للعدل الاجتماعي وليس العكس.
                    3 - أن الدين يجب أن يخضع للهوى، فيتغير بتغير الظروف، لا بالتجديد والاجتهاد وضبط التوازن بين المطلق (الوحي) والنسبي (الواقع) بل بإخضاع المطلق للنسبي، الوحي للمادة، وإلا كان الدين ظلاميًا رجعيًا وأداة
                    __________
                    (1) كلامها بالنص (ص 27) من كتاب "المرأة والدين والأخلاق" نشأت الأديان في عصور قديمة يحكمها النظام العبودي، وانعكست الفلسفة والقيم العبودية على هذه الأديان بشكل واضح، لهذا السبب نجد بعض المفاهيم التي تشير إلى "الرق" في بعض الآيات الدينية كما نجد أيضًا التي تشير إلى أن جنس الذكور أعلى درجة أو درجات من جنس الإناث".
                    (1/445)
                    ________________________________________
                    للظلم والقهر، فهي تقول: "الأخلاق والأديان والقيم كلها تتغير مع تغير القوى المسيطرة سياسيًا على وسائل التعليم والإعلام والتفسير للكتب الدينية، والدين جزء من المجتمع وهو نتاج من نتاجات المجتمع البشري فكرًا وممارسة" (ص 45)، وكأنه لا ثوابت ولا قيم ثابتة بل أديان صناعة محلية .. وحسب!!.
                    4 - أن الدين هو خادم السياسة يتم فقط توظيفه (ص 46) وهو حليف الرأسمالية البغيضة المستغلة وأداة لاستغلالها، والاقتصاد هو الذي يحدد مسار التاريخ وليس الدين أو حتى الثقافة (ص 62، 69) وببساطة يلتقي الشرق والغرب، والإسلام والمسيحية واليهودية في إصدار القوانين والقيم الأخلاقية والسياسية التي تجعل مفهوم الحرية أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان قاصرة على الرجل وعلاقتهم بالدولة والحكم (ص 72).
                    5 - أن رجال الدين خضعوا للسلطة السياسية والاقتصادية على مرّ العصور، وإن عليهم أن يعتذروا عن الجرائم التي اقترفوها في حق الناس والنساء كما اعتذرت الكنيسة الكاثوليكية (ص 84).
                    6 - أن هناك تحالفًا بين الأديان الآن ضد المرأة في المؤتمرات الدولية، والدين حليف الرجعية، ويجب فصله عن حياة النساء ليتحقق التقدم.
                    والطريف أنها حين تشير إلى الإسلام تشير إليه إشارات أقل ما توصف به أنها مقتضبة، والطريف أنها جلها مغلوطة، ومليئة بالأخطاء المضحكة فهي لا تعرف الفرق بين الآية القرآنية والحديث النبوي الشريف، فتقول: "يقول الله في القرآن لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" (ص 37) وهو حديث وليس آية، وهي لم يصل لها سوى آية واحدة من قصة آدم هي الآية (121 - 122) من سورة طه؛ فتقول: إن القرآن يعلن العفو عن آدم فقط لتحمل حواء وحدها ذنب الخروج من الجنة، ولم يخبرها أحد أن الآية
                    (1/446)
                    ________________________________________
                    المكملة هي في سورة الأعراف الآيات (22، 23) حيث اعترف الاثنان بالاشتراك في الخطأ وطلبا العفو والمغفرة من الله.

                    * الإِبداع السعداوي .. المشكلة في الإِله كونه الإِله الذكر الواحد أصل الوجود:
                    انظر إلى التشوش في تصورها للإله، وهو تشوش قد يكون مقبولاً من ماركس أو إنجلز لأنهما لم يعرفا عن الإسلام شيئًا، أما أن تضع د. نوال السعداوي كل العقائد في سلة واحدة سواء كانت عقائد عن (إله) أو (آلهة)، وترى أن المشكلة في الإله كونه الإله الذكر الواحد أصل الوجود؛ لأن الإلهة الأنثى هي الأصل!!، لذا فهي تحتفي بالعقائد الفرعونية؛ لأنها كان بها آلهة إناث و"كانت لهن مكانة عالية، تعلو أحيانا على الآلهة الذكور" (ص 6)، فالأمر ولا شك سيُغضب الدارسين في مجال الأديان المقارنة، فالمشكلة الحقيقية بين د. نوال السعداوي والله أنه ذكر!!! في حين أنها تريد الله الأنثى؟؟ وحين تجد أنثاها تنفق وقتها في قراءة كتب الأساطير الفرعونية وكتب التاريخ الفرعوني وتخلط بينهما وتتحمل عناء البحث .. أما قراءة القرآن الذي تشير له لمامًا أو أحاديث (محمد) فلا ...
                    - تقول الزنديقة نوال السعداوي بالحرف الواحد (1): "وهناك من يحاولون تجاهل الحضارات القديمة في بحوثهم العلمية من أجل إثبات أن الإله الذكر الواحد هو أصل الوجود، وليس الإلهة الأنثى، الأم القديمة، أو الأمهات الإلهات، ويثبت التاريخ المصري القديم أن تعدد الإلهات الإناث والآلهة الذكور كان هو السائد، وأن الإلهات كانت لهن مكانة عالية تعلو أحيانًا على الآلهة الذكور، مثال إلهة العدل (معات) وإلهة الطب والصحة والموت (سخمت)، والإلهة "إيزيس" إلهة الحكمة والمعرفة.
                    __________
                    (1) " المرأة والدين والأخلاق " (ص 20، 21).
                    (1/447)
                    ________________________________________
                    وفي هذا المجال يمكن أن يجتهد الباحثون والباحثات، وهناك من يقول: إن (إيزيس) وليس (أوزوريس) هي الأولى في التاريخ التي قامت فلسفتها على التوحيد مثل أمهات (نون) إلهة السماء، وجدتها الكبرى (نون) التي كانت إلهة الكون الموحد دون انفصال السماء عن الأرض، ولقد بدأت الديانات الانفصالية في التاريخ بانفصال السماء عن الأرض، وكانتا وحدة واحدة بقيادة واحدة هي الإلهة الأم الكبرى (نون)، وقد ساعدت هذه الوحدانية على ازدهار الكون ونمو الخير وتوزيعه على الناس بالعدل دون أسياد وعبيد، إلا أن نشوء العبودية أدى إلى ظهور فلسفة جديدة تقوم على الانقسام والتفرقة (فرق تسد) إن هذه الفترة من التاريخ القديم بحاجة إلى دراسات متعمقة بعيدة عن التنافس السياسي والحزبي الذي يقسّم الناس إلى فرق تتنازع الحكم فوق الأرض وفي السماء أيضًا.
                    إن النبي موسى (الذي نُسبت إليه التوراة) قد قرأ فلسفة إخناتون ونفرتيتي وتأثر بهما ونقل عنهما، وهو أمر طبيعي؛ لأن كل نبي أو زعيم سياسي لا يبدأ من فراغ أو من الصفر، ولكنه يبني أفكاره على أفكار من سبقوه ويزيد عليها، أو يطوّرها إلى الأفضل أو إلى الأسوأ حسب المرحلة التاريخية التي يمر بها الشعب في ذلك الوقت.
                    - ولعل أكبر تحول من النظام الأمِّي إلى النظام الأبوي في التاريخ البشري هو أن الإله (أوزوريس) أصبح أول الآلهة الذكور الموحدين، الذي ولد نفسه بنفسه، ولم تلده أمه، وهي الإلهة (نوت) "، وكانت إلهة السماء وزوجها (جب) إله الأرض بعد انفصال السماء عن الأرض ... ".

                    * نوال السعداوي وإِبداع الأساطير:
                    - تقول الدكتورة هبة رؤوف عزت: "أنا لا أدري كيف تجهل د. نوال السعداوي رغم سنوات العمر الطويلة هذه أن الله في الإسلام {لَيْسَ كَمِثْلِهِ
                    (1/448)
                    ________________________________________
                    شَيْءٌ} وأنه ليس ذكرًا ولا أنثى وأن هذا هو جوهر التوحيد في الإسلام، والذي يميزه عن أية عقيدة أخرى، يميزه عن تجسد الإله في المسيح الذكر في التراث المسيحي (1)، ويميزه عن الإله في التصور اليهودي، ويميزه عن الإله بالمرة في بعض مذاهب البوذية، وكذا غياب اليوم الآخر.
                    وفي كتب مقارنة الأديان كلام طويل حول اختلاف تصورات الإله في الأديان والملل المختلفة، لكن آثار الماركسية من إنكار الألوهية، ونزعة التمركز حول الأنثى التي تمثل د. نوال السعداوي نموذجًا مثاليًا لها تحجب كل هذا عن عقل د. نوال السعداوي؛ لأن الدين ليس فقط منفي من عقلها كمصدر للمعرفة بل كموضوع لمجرد المعرفة.

                    * الإِسلام بشموليته يشمل سعادة الروح والجسد ولا يفصل بينهما خلاف ما تقوله نوال السعداوي:
                    - تقول الدكتورة هبة رؤوف عزت:
                    "في حين كان الإسلام بالتوحيد توحيدًا للروح والجسد، ومسئولية بالاستخلاف والأمانة، والعمارة للكون وفاعلية اجتماعية بنظام الحقوق والواجبات التي تغذيه علاقات الفضل والعفو والصفح، ترى د. نوال السعداوي من خلال حجاب المرجعية المادية أن "الموروث المقدس الذي يتغلغل إلى أعماق العقل والجسد والروح فيفصل بين الثلاثة فيمزق الإنسان المتكامل والكيان الواحد إلى ثلاثة أجزاء متنافرة متصارعة تحت اسم الجسد والعقل والروح، يندرج منها تحت فرع من العلوم فينفصل عن الفرع الآخر، تدخل الروح تحت علم الدين أو اللاهوت أو الروحانيات، أو الأخلاقيات، ويدخل الجسد تحت علم الطب أو البيولوجي أو الفسيولوجي أو التشريح، وعلم الأمراض، ويدخل العقل تحت تخصص
                    __________
                    (1) المُحرف.
                    (1/449)
                    ________________________________________
                    آخر وهو الطب النفسي أو الأمراض النفسية والعقلية، وينفصل كل ذلك عن الأمراض الاجتماعية أو السياسية التي ينتج عنها الفقر أو البطالة أو الحروب الاقتصادية والعسكرية وغيرها مما يشكل أهم الأسباب التي تعرض أجسام الناس وعقولهم وأرواحهم للأمراض والمشاكل على اختلاف أنواعها.
                    وأنا لن أتوقف كثيراً أمام لغة الكاتبة المستقاة من الخطاب الماركسي أو الأدبيات الغربية النسوية، من قبيل (المقدس)، و (الموروث) أو (اللاهوت) والتي هي كلمات غريبة عن قاموسنا الإسلامي، غربية لفظًا وغريبة مضمونًا، فقد سبق أن أدركت أن د. نوال تقرأ "عن" الإسلام، ولا تقرأ "في" الإسلام، لكنني فقط أتأمل في هذا الخلط البالغ والمذهل حقًا، ففي حين قامت الأيدلوجية الماركسية ثم الأيدلوجية النسوية على فصل الجسد عن الروح، وانشغلت بالجسد والمادة والاقتصاد والجنس والذات المادية، وبدأت عقلانية، ثم تحولت العقلانية في بعض تيارات ما بعد الحداثة إلى رفض للعقل المحض كمطلق، وإعلاء العقل النسبي، وتم رفض (شمول) الدين، تتجاوز الكاتبة كل هذا بقفزة واحدة، وما أكثر قفزاتها في النص ليصبح الدين هو مصدر هذا الفصل (1)، وهذا كذب ودجل صريح.

                    * نوال السعداوي والتمركز حول الأنثى:
                    تنطلق نوال السعداوي في تفكيرها من فكرة المرأة الفرد لا من فكرة الإنسان في إطار جماعة اجتماعية بينها ترابطات من الحقوق والواجبات المتبادلة، وهي تصوغ حقوق المرأة بشكل بالغ التطرف ومثير للسخرية ومسلمات أسطورية مفزعة وصار الأمر عندها محاربة كل المحاربة لأنصار الأبوية الذكورية المستبدة المعادية ... إلخ.
                    __________
                    (1) تعقيب الدكتورة هبة رؤوف عزت على بحث د. نوال السعداوي (ص 257 - 259).
                    (1/450)
                    ________________________________________
                    وهي تريد الاستغناء النسوي عن الرجال جنسًا واجتماعًا وإنجابًا وهي تريد أن نحمل نسب أمهاتنا لا آبائنا "مساواة! " (ص 52)، ثم لماذا لا نجمع بين زوجين؟ (ص 78)، ولماذا لا يحق لنا السفر منفردات دون محارم.
                    وهي تعلن أن الأسرة غير مقدسة وأن المرأة لن تعود بعد أن تحررت بالاستقلال الاقتصادي "لحيرة" الأمومة والدين والأخلاق (61) ولا لحظيرة البيت (ص 60) فهي في بيت زوجها أجيرة، وفي بيت أبيها عالة .. والأسرة مؤسسة قهر ... إلخ إلخ.

                    * من فمها أُدينها:
                    يكفي أن نأتي بمجموعة من عبارات نوال السعداوي لنرى أيَّ شيطانة من شياطين الإنس هذه المخلوقة الغريبة العجيبة؛ وذلك من كتاب " المرأة والدين والأخلاق " تقول الشيطانة نوال: "بدأت أحلم بعالم آخر لا يشطب فيه أحد على أسماء الأمهات، ولا أحد يسألني من أبوك؟ وما دينك؟ وما جنسك؟ أو جنسيتك؟ (ص 12).
                    - وتقول عن الحجاب: تغيّر شكل الحجاب ونوعه حسب تطور المجتمعات، قد يكون حجابًا ماديًا بالكامل يخفي جسد المرأة وعقلها وروحها وشخصيتها كما يحدث في بعض البلاد حتى اليوم تحت اسم الدين أو الاخلاق، وقد يكون حجابًا من نوع آخر لا تراه العين، تفرضه التربية في البيوت والمدارس والاحزاب السياسية التي يسيطر عليها الفكر السائد الذي يميز الرجال عن النساء (ص 28).
                    "كان أبي ضد تعدد الزوجات مثل الشيخ محمد عبده .. كان يؤمن أن الله ليس نصًا أو كتابًا يخرج من المطبعة بأموال الحكومة، لكن الله هو العدل والحرية والمساواة بين البشر، لا فرق بين ذكر أو أنثى أو حاكم ومحكوم " (ص 50).
                    (1/451)
                    ________________________________________
                    وقالت: "بينما كان يرى عمي الشيخ أن النص ثابت ومقدس، كان أبي يرى أن عبادة النص مناقضة للإيمان، وليس ذلك إلا أحد موروثات الوثنية".
                    ولا زلت أذكر صوت أبي يجادل عمي الشيخ ويقول له: "يا شيخ محمد أنا أعرف الله في أعماقي وهو العدل، الله يا شيخ محمد يخرج من أعماقنا وليس من المطبعة أو من فوق المآذن والجوامع" (ص 50 - 51).
                    وقالت: إن القانون في بلادنا لا يعطي المرأة إلا حق الوصاية فقط، أما الولاية فهي حق الرجل فقط، لم أعرف هذا إلا بعد موت أبي، حين بدأت أقرأ في القانون والدين لأعرف لماذا حُرِمت من الولاية على أخواتي القاصرات لكوني امرأة على الرغم من أني كنت طبيبة في ذلك الوقت يضع الناس أرواحهم في يدي، وقادني البحث إلى قانون الاحتباس، وقوامة الرجل أو سيادته على المرأة، وهذه هي المدرسة الشائعة في الدين الإسلامي، والتي لا تأخذ من النصوص الدينية إلا ما يؤكد التفرقة بين البشر على أساس الجنس أو العقيدة أو العرق، هذه المدرسة ترى أن حق الولاية لا يجوز أن يُعطى للمرأة أو للرجل غير المسلم، لقد سادت هذه الأفكار في القرون السابقة، في القرن التاسع والثامن، من أجل تأكيد التفرقة بين الناس، وسلب النساء حقوقهم الإنسانية وكذلك سلب الرجال غير المسلمين حقوقهم أيضًا.
                    هذه الأفكار التي تمنع ولاية المرأة أو ولاية الرجل غير المسلم كان نتاج ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة عن الظروف التي نعيشها اليوم .. " (ص 51، 52).
                    - حتى في الجنة تريدها د. نوال السعداوي حربًا فتقول (ص 53، 54): أما حقوق النساء والأمهات في الجنة فتحتاج إلى بحث آخر؛ لأن الرجال الذكور يحظون في الجنة بكل شيء وإشباع رغباتهم الجنسية حتى الثمالة مع الحوريات العذراوات اللاتي لا يفقدن عذريتهن رغم الممارسات
                    (1/452)
                    ________________________________________
                    المتكررة، أما الأمهات والزوجات فإن حقوقهن في الجنة لا تزيد شيئًا عن حقوقهن في الحياة الدنيا وليس لأي واحدة منهن في الجنة إلا زوجها.
                    - والسؤال الذي يبادر إلى الذهن: "إذا كان زوجها مشغولاً ليل نهار بالحوريات العذراوات فماذا تفعل هي؟ " سألت إحدى القارئات للصحف الدينية هذا السؤال في بريد القرّاء، وردّ عليها أحد المشايخ قائلاً: إن الله قد ساوى بين النساء والرجال في الجنة؛ لأن الممارسة الجنسية في الجنة لا ينتج عنها أطفال مثل الدنيا، وليس هناك خلط للأنساب، ويمكن للمرأة أن تحظى بما تشاء من اللذة مثل الرجل عن طريق الغلمان في الجنة الذين ذكرهم الله بمثل الحوريات للرجال، لكن بعض الآراء من رجال الدين تؤكد أن الغلمان في الجنة لم يخلقهم الله للنساء بل للرجال؛ لأن بعض الرجال يفضلون الغلمان على الحوريات العذراوات" (ص 53، 54).

                    * وقفة:

                    هكذا تصبح الجنة أرض الطيبين أرضًا للواط كما تتصورها نوال السعداوي وهؤلاء المخرفون، ولا يستطيع من له أدنى إلمامة بالعلوم الشرعية أن ينطق بمثل هذا (1).
                    - وفي سقطة من سقطات محمد جلال كشك تحدث في كتابه "خواطر مسلم في المسألة الجنسية" بمثل هذا، فقال: "فكما أن "الحور العين" جزاء من اشتهى الزنا ولم يقربه من خشية الله، فكذلك "الولدان" جزاء من اشتهى وعف" (2)، وانبرى الدكتور جمال مصطفى عبد الحميد للرد عليه في كتاب
                    __________
                    (1) انظر "الصاعقة الأزهرية لإبادة الخواطر الشيطانية" والرد على كتاب "خواطر مسلم في المسألة الجنسية" للدكتور جمال مصطفى عبد الحميد.
                    (2) "خواطر مسلم في المسألة الجنسية" لمحمد جلال كشك (ص 214) - مكتبة التراث الإسلامي.

                    (1/453)
                    ________________________________________
                    كامل سماه "الصاعقة الأزهرية لإبادة الخواطر الشيطانية" والرد على كتاب "خواطر مسلم في المسألة الجنسية".
                    - وتقول: "إن الدين جزء من المجتمع، وهو نتاج من نتاجات المجتمع البشري فكرًا وممارسة، وهو نتيجة لتفاعل عوامل اجتماعية وسياسية دولية ومحلية، وله أثر على العقل الواعي واللاواعي للفرد والجماعة، لكنه ليس السبب التاريخي الأول الذي جعل المرأة أقل قيمة من الرجل، لقد انعكست دونية المرأة في النظام العبودي على الأديان وليس العكس" (ص 79، 80).

                    * عمليات الختان للذكور والإِناث:
                    مع أن هذا من سنن الفطرة وأوصت به السنة المطهرة إلا أن هذا لا يرضي د. نوال السعداوي، فتقول: "لماذا تحدث عملية ختان الذكور والإناث؟ هل يمكن أن يأمر الله بقطع عضو هو الذي خلقه في جسم المرأة؟ أيمكن أن يقع الله في هذا التناقض؟ أن يخلق شيئًا ثم يأمر بقطعه؟؟ " (ص 82).
                    - وتقول: "خرجت بكتابي الأول عن قضية تحرير المرأة بعنوان "المرأة والجنس" الذي اشتمل على جزء خاص عن ختان الإناث، تمت مصادرة الكتاب في مصر عام 1969 م، ثم نشر في بيروت بعد ذلك بعامين أو ثلاثة" (ص 83).
                    - وتقول: خلال عام 1999 م نشرت بعض المقالات في مصر عن أضرار ختان الذكور، وطالبت بمنعه، ونشر المعلومات الجديدة عن مضاره إلا أنني تعرضت للهجوم من السلطة الطبية والسلطة الدينية، يكاد يشبه الهجوم الذي تعرضت له منذ ربع قرن حين كشفت عن أضرار ختان الإناث وطالبت بمنعه، (ص 85).
                    (1/454)
                    ________________________________________
                    - وتقول عاملها الله بما تستحق: أما المشكلات النفسية لختان الذكور فهي متعددة، أولها: صدمة الألم أثناء العملية الجراحية (نسيت التخدير يا دكتورة!!! ) يبقى الألم في ذاكرة الطفل طوال حياته.
                    كما أن غياب الغرلة يؤدي إلى عدم الإشباع الجنسي عند الرجل، مما يؤدي إلى أنواع من التوتر والعنف والرغبة في الانتقام من الذين أساءوا إليه في طفولته، ومنهم الأب والأم، وقد لا يستطيع الرجل الانتقام منهما، ولا يجد أمامه إلا زوجته أو فتاة أخرى يغتصبها أو يقهرها" (ص 86).
                    فلم عدّه النبي - صلى الله عليه وسلم - من سنن الفطرة إذا كان سيؤدي إلى التوتر والعنف والرغبة في الانتقام من الذين أساءوا إليه في طفولته، ومنهم الأب والأم، وختان النساء في أقل حالاته مستحب وجاء فيه حديث أم عطية الصحيح، وأين قول الطب وهو لا يعارض دين الله .. والأبحاث الطبية التي تؤكد فوائد عملية الختان من الناحية الطبية في الوقاية من الإيدز وسرطان العضو التناسلي للرجل.
                    - وتقول: "في بداية هذا القرن العشرين كان الشيخ محمد عبده ضد ختان الذكور (!! ) واعتبره عادة يهودية لا علاقة لها بالإسلام؛ إلا أن المشايخ عارضوه، وفي بداية الستينيات من هذا القرن ردد الشيخ شلتوت رأي الشيخ محمد عبده، وقال عن ختان الذكور إنه إسراف في الاستدلال، ولم يأمر به الله إلا اليهود" (ص 94).
                    - وتقول: "إن لقمة العيش تأتي قبل الدين في الحياة البشرية في أي مكان وزمان، ولا يمكن أن يفكر الإنسان في الدين إلا بعد أن يأكل" (ص 107).
                    ***
                    (1/455)
                    ________________________________________
                    * نوال السعداوي تطالب بتعدد الأزواج مساواة للرجال في تعدد الزوجات:
                    - وتقول: كنت أتوقع سؤالاً تسأله ملايين النساء في بلادنا اليوم، وهو: إذا تولت المرأة الإنفاق على الأسرة وعلى زوجها وأطفالها هل تصبح لها القوامة؟ هل تحق لها الولاية؟ هل يصبح من حق الأم أن تنسب أطفالها إليها في حالة عدم وجود الأب، في حالة اختفائه وتهربه من المسئولية؟! وإذا كان الرجل عقيمًا لا ينجب الأطفال، وضعيفًا صحيًا وعاطلا بلا مورد رزق والزوجة هي التي تتولى كل شيء وترعى زوجها المريض بمثل ما ترعى أباها العجوز، وهي زوجة شابة في ربيع شبابها وتريد أن يكون لها طفل، فأيهما أكثر إنسانية ورحمة أن تطلق زوجها العقيم الضعيف المريض وتلقي به في الشارع، أم ترعاه في بيتها ثم تتزوج رجلا آخر يمنحها الطفل الذي تريده؟ "ولا أقول الجنس أو اللذة".
                    ستكون هذه الزوجة في نظر القانون والدين مجرمة تستحق السجن؛ لأنها تجمع بين زوْجين، رغم أن المسألة هنا ليس فيها خلط للأنساب (لأن الزوج الأول عقيم ومريض) فما المسألة هنا؟ ألا يمكن أن تتغير الأحكام القانونية والشرعية والأخلاقية مع تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية ودواعي الرحمة بالإنسان المريض الضعيف؟ " (ص 214).
                    وقالت: وقد جادلت مرة إحدى النساء المسلمات حول حق الرجل في تعدد الزوجات، فقالت: لقد شرع الله هذا الحق للرجل رحمة بالنساء اللائي بلا مورد رزق إلا زوجها. أليس الأفضل لها أن يكون لها زوج آخر عن أن يطردها زوجها إلى الشارع؟.
                    - المسألة إذن في تعدد الزوجات هو توفير المأوى والرزق للزوجة
                    (1/456)
                    ________________________________________
                    الأولى، فلماذا لا يسري المنطق ذاته لتوفير المأوى والرزق للزوج الأول العقيم المريض؟! إذا كانت الرحمة هي المقياس، فلماذا لا تشمل الرحمة الرجل العاطل العقيم، كما تشمل المرأة العاطلة العقيمة؟!
                    إن عامل العقم هذا عند الزوج يخرجنا من مأزق اختلاط النسب الأبوي، حين يُنسب الطفل إلى الأب فقط، حيث إن مناقشة هذا النسب الأبوي ونقده أكبر من هذا البحث" (ص 214).
                    - وتقول: "إن مشكلة الأديان بما فيها الأديان السماوية الثلاثة أنها نشأت في ظل مجتمعات عبودية، ولهذا انعكست هذه الفلسفة العبودية الفردية في الأديان، كما دخلت هذه الثنائيات إلى الأديان ومنها ثنائية: (الأنا) الخير أو الصواب، والآخر (الشيطان) الشر أو الخطيئة" (ص 217).
                    - وتقول (ص 227، 228): "المشكلة الحقيقية في رأيي هو (مفهوم الألوهية) وليس وجودها أو عدم وجودها، وإذا كان الله هو العدل والحرية والمساواة والكرامة والحق والجمال فهو موجود؛ بل لا بد أن يقف مع المظلومين من النساء والرجال، ولا يقف مع الظالمين والحكام الأقوياء عالميًا ومحليًا وداخل العائلة، إن الذي يسلب الطمأنينة من النساء والفقراء والشباب (وليس الأطفال فقط داخل البيت) هو أن مفهوم الله أو مفهوم العدل والحرية والاستقلال لا يسري على جميع البشر بالتساوى والحق، لكن القوة هي التي تسود ويختفي الحق والمنطق والعقل" (ص 228).
                    - نقول لنوال السعداوي زعيمة المستنيرات: تطلقين مفهوم الألوهية والله على مجموعة من القيم والمثل .. هل تجهلين وأنت على مشارف الثمانين أن لله ذاتًا لها صفات تليق بجلالها وأن الله ليس كمثله شيء.
                    - وتقول هذه الآثمة عن قول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
                    (1/457)
                    ________________________________________
                    النِّسَاءِ} [النساء: 34]. هنا يدخل الله كقوة مقدسة في صف الأزواج فماذا تقول الزوجات الضعيفات الأميات اللاتي لم يقرأن كتاب الله (ص 228)، أين هذه الآثمة من قول الله تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.
                    - وتقول عن تعدد الزوجات أيضًا (ص 230): "وإذا كانت الأم نفسها مهددة في أي لحظة بالطلاق أو بالضرة (الزوجة الأخرى) فهل يمكن أن توفر الطمأنينة لأطفالها؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه! " (ص 230).
                    - وتقول: "يحاول المفكرون الإسلاميون إثبات أن التاريخ البشري بدأ بالإسلام، وأن آدم أول البشر كان مسلمًا، بالطبع لا يقولون إن حواء كانت أول المسلمات أو امرأة مسلمة، وإلا حدثت مشكلة؛ لأن حواء ليست مثل آدم، ولم تتلق من ربها كلمات فتاب عليها" (ص 237).
                    - وتقول عن ظواهر المشكلة في نظرها: اعتبار النصوص الدينية المكتوبة أو النظريات السائدة من الثوابت أو المطلقات أو المقدسات التي لا يمكن الجدل حولها، إلا فيما يوافق عليها رجال الدين أو رجال الدولة من ذوي السلطة والنفوذ، كذلك التمسك الحرفي بتأويل أو تفسير وحيد للنص الديني أو النص السياسي والاعتماد على مرجعية واحدة مطلقة وثابتة خارج اكتساب النصوص الدينية وتوجيهات الملوك والرؤساء قداسة ترتفع فوق القانون الاجتماعي لتصبح صالحة لكل زمان ومكان لا تقبل المساءلة أو المراجعة إلا بشروط القوة الدينية والسياسية التي تتبناها.
                    ومن هنا يظهر التناقض بين النصوص والنظريات المجردة الثابتة وبين الحياة اليومية المتغيرة على الدوام (ص 237، 238).
                    - وتقول (ص 239): "أيهما أكثر أخلاقًا الرجل الذي يخلص لزوجته وأطفاله (ولا يشردهم ليتزوج أربع زوجات) أم الرجل الذي يوثق عقد الزواج
                    (1/458)
                    ________________________________________
                    ويدفع المهر ويستوفى الشروط القانونية، ثم يخون زوجته وأطفاله وينطلق وراء الشهوة الجنسية، ويتزوج بامرأة أخرى؟! " (ص 239) (1) فتعدد الزوجات يبيحه الله وتعتبره نوال السعداوي خيانة.
                    - هذه كلمات من فكر الزندقة .. ستذهب هذه الكلمات وصاحبتها إلى مزابل التاريخ ويبقى الإسلام ما بقيت السموات والأرض، وتبقى كلمات الله تضيء الطريق للناس كافة ومن أصدق من الله قيلاً، ومن أصدق من الله حديثًا.
                    ***
                    __________
                    (1) نوال السعداوي في تعقيبها على بحث الدكتورة هبة رؤوف عزت - 8 أغسطس سنة 2000 من كتاب "حوارات لقرن جديد"، "المرأة والدين والأخلاق" الدكتورة نوال السعداوي - الدكتررة هبة رؤوف عزت.

                    ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                    تعليق


                    • #40
                      (1/459)
                      ________________________________________
                      جبران خليل جبران
                      * أسلوب جبران: "إِباحي .. إقليمي .. فوضوي .. ملحد .. متطرف .. وفي كتابه "النبي" يصور نفسه على أنه المصطفى المختار الحبيب"

                      - الكتابات المهجرية قائمة على الإباحية والتشكيك والتحلل.
                      - المدارس المهجرية الشمالية ثمرة للإرساليات التبشيرية.
                      استشرى هذا اللون من الكتابات المهجرية وعرف بأدب الظلال والرموز والأضواء وجرت محاولات ضخمة لإذاعته وإعلاء أمره؛ لأنه يقوم على (الجملة التوراتية) وذلك في مواجهة (الحملة القرآنية) التي كان يحمل لواءها مصطفى لطفي المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي، كما كان في مضمونه قائمًا على الإباحية والتحلل والتشكيك في العقائد والنبوات، ظهر ذلك في كتابات جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمه وأمين الريحاني.
                      ولقد اعتمد الأدب المهجري على عناصر ستة:
                      أولاً: الحملة العنيفة على اللغة والدين ومقومات المجتمع الإسلامي.
                      ثانيًا: استمد المهجريون أسلوبهم في الشعر والكتابة النثرية من مذهب ويتمان، واستمدوا مفاهيمهم من نيتشه ومذهب وحدة الوجود واللاأدرية.
                      ثالثًا: الثورة على الألوهية والإفراط في الإباحية وإدخالها مرحلة التصوف ومهاجمة القيم الأخلاقية في الحب والزواج.
                      رابعًا: حاولوا تغيير قيم الأدب العربي بإدخال أسلوب جديد مستغرب يصادم مفاهيم البلاغة ويعلي عليها صيغة التوراة والمجاز الغربي.
                      خامسًا: تغلبت عندهم النظرة العالمية المفرقة في الأممية والتبعية على النزعة الوطنية المناضلة في سبيل الحرية والقوة.
                      (1/460)
                      ________________________________________
                      سادسًا: الإسراف في الجانب الرومانسي المليء بالظلال والحالم، والمفهوم الرمزي المغرق في العاطفة والخيال المضاد لطابع النفس العربية المسلمة.
                      ويمكن القول بأن المدرسة المهجرية الشمالية، كانت ثمرة من ثمار الإرساليات التبشيرية التي وردت لبنان وسيطرت على وجود التعليم والثقافة فيه، ثم كان لهذه الثمار اتصالها بالمدارس الغربية وخاصة مدرسة بوسطن التي اتخذها المهجريون مقرًا لهم، وهي من قديم مقر الإرساليات التبشيرية في الولايات المتحدة، فلما صدرت عن أدبها الجديد تلقفته أيدي دعاة الغزو الثقافي وعملت على إذاعته والدعوة إليه بوصفه لونًا جديدًا من ألوان الأدب العربي المتسم بالعنصرية والجرأة على القيم وذلك في مواجهة المدرسة العربية الإسلامية.
                      ولعل أصدق ما يمثله الأدب المهجري ما كتبه جبران خليل جبران نفسه عام 1919 بعد أربعة عشر عامًا من بدء كتاباته عام 1905، قال في خطاب له إلى (إميل زيدان) إن فكرى لم يثمر غير الحصرم وشبكتي ما برحت مغمورة بالماء، ومن الحق أن أسلوب جبران قد بهر كثيرًا من الشباب وسرى سريان النار في الهشيم، ولكن سرعان ما انطفأ وفقد أثره، وذلك لمصادمته للنفس العربية الإسلامية، ومعارضته لمنهجها، وتضاربه مع مزاجها النفسي الاجتماعي، ذلك أن جبران كان إقليميًا مغرقًا في الإقليمية إباحيًا مسرفًا في الإباحية، وقد حاول في الكثير من نبراته محاكاه (مزامير داود) ونشيد سليمان وسفر أيوب، ومراثى أرميا، وتخيلات أشعيا، حيث كان أسلوب التوراة هو المثال الأدبي الأول الذي تأثر به، فقد حفلت كتاباته بمجموعة من الصور والتعبيرات التي استقاها من الأسفار، فهو يقدم أشباه الجمل والظروف والأحوال، ثم يمزج ذلك بعين وافد هو أسلوب (ولت ويتمان) الشاعر الأمريكي.
                      (1/461)
                      ________________________________________
                      كما أشار كثير من مترجمي سيرته إلى حرمان الكنيسة له وهو في العشرين من عمره، على أثر قصيدته التي هاجم فيها الأديان، اندفع في طريق إحياء أمجاد فينيقية وحضارة الكلدانيين، وقد أشار في خطاب له من بوسطن 1920 إلى صديقه نخلة إلى هذا المعنى، فقال: إن القوم في سوريا يدعونني كافرا والأدباء في مصر ينتقدونني قائلين: هذا عدو الشرائع القديمة، والروابط القديمة والتقاليد القديمة وهؤلاء الكتاب يا نخلة يقولون الحقيقة لأني بعد استفسار نفسي وجدتها تكره الشرائع.
                      بل لقد صور جبران مفاهيمه وانحرافاته في مقال مطول استهله على هذا النحو: "هو متطرف بمبادئه حتى الجنون، هو خيالي يكتب ليفسد أخلاق الناشئة، لو اتبع الرجال والنساء المتزوجون وغير المتزوجين آراء جبران في الزواج لتقوضت أركان العائلة وانهدمت مباني الجامعة البشرية وأصبح هذا العالم جحيمًا وسكانه شياطين، قهرًا عما في أسلوبه في الكتابة من الجمال فهو من أعداء الإنسانية، هو فوضوي كافر ملحد، ونحن ننصح لسكان هذا الجيل المبارك بأن ينبذوا تعاليمه ويحرقوا مؤلفاته لئلا يعلق منها شيء في نفوسهم، وقد قرأنا له الأجنحة المتكسرة، فوجدناها سما في الدسم".
                      - هذا ما يقوله الناس عني وهم مصيبون فأنا متطرف حتى الجنون، أميل إلى الهدم ميلي إلى البناء، وفي قلبي كره لما يقدسه الناس، وحب لما يأبونه ولو كان بإمكاني استئصال عوائد البشر وعقائدهم وتقاليدهم لما ترددت دقيقة، أما قول بعضهم أن كتاباتي (سم في دسم) فكلام يبين الحقيقة من وراء نقاب كثيف، فالحقيقة العارية هي أنني لا أمزج السم بالدسم، بل أسكبه صرفًا غير أني أسكبه في كئوس نظيفة شفافة.
                      أما الذين يعتذرون عني أمام أنفسهم قائلين: هو خيالي يسبح مرفرفًا
                      (1/462)
                      ________________________________________
                      بين الغيوم، فهم الذين يحدقون بلمعان تلك الكئوس الشفافة، منصرفين عما في داخلها من الشراب الذي يدعونه (سمًّا) لأن معدهم الضعيفة لا تهضمه، قد تدل هذه المواطأة على الوقاحة الخشنة، ولكن ليست الوقاحة بخشونتها أفضل من الخيانة بنعومتها، إن الوقاحة تظهر نفسها بنفسها، أما الخيانة فترتدي ملابس فصلت لغيرها. اهـ.
                      هذه الاعترافات الجبرانية تكشف بوضوح عن طابع غريب عن الأدب العربي وقيمه، ومزاجه النفسي وانتمائه الإسلامي، هو طابع دخيل مسرف في التحدي والتشويه وهو ليس في الأغلب طابع النفس المنحرفة التي حملها جبران، ولكنه طابع الغزو الثقافي الذي يدفع جبران ويرسم من وراء ذلك أهدافًا وغايات، ومع ذلك فقد سقط (أدب جبران) ولم يحقق النتائج التي عول عليها دعاة التغريب.
                      - وإذا رجعنا إلى حياة جبران نفسه، وجدنا تفسيرًا واضحًا لاتجاهاته الأدبية، وقد عرض لهذه الحياة أصدق أصدقائه -ميخائيل نعيمه- في كتابه عنه، كما أفاض في ذلك كل الذين أرخوا لحياته، فقد كان أبوه ميالاً إلى حياة اللهو والشراب، سكيرًا مرحًا، وكانت أمه مريضة وأخواته كن مرضى بنفس المرض الخبيث، وأنه بدأ حياته بقراءات بسيطة فحفظ (مزامير داود) ولم يستطب قواعد اللغة العربية من صرف ونحو، ثم قصد إلى بوسطن 1895 دفعا لشقاء العيش وضيق ذات اليد مع أخيه وأختيه (بطرس ومريانا وسلطانة) حيث تعلم اللغة الإنجليزية واحتضنته الأيدي المتطلعة إلى المشارقة الأغرار، ولم يكن يعرف من العربية إلا حروف الهجاء، ولم يلبث أن عاد إلى بيروت للتزود من اللغة، قال جبران: "فأنا لا أكاد أعرف من لغة أجدادي إلا ألفها وباءها، ولا أعرف من بلادي غير مسقط رأسي، ومن الضروري لي أن أدخل مدرسة في بيروت لأتعلم لغتي على الأقل"، ثم
                      (1/463)
                      ________________________________________
                      توجه جبران إلى الأساطير والميثولوجيا، وكانت التوراة في ترجمتها العربية هي المكون الأول لأسلوبه الكتابي، وكانت التوراة قد ترجمت باللغة العامية، فلما التزم بها المهجريون لم يستطيعوا إعطاء الأسلوب العربي حقه من البلاغة، ومن أجل قصورهم هذا هاجموا الأسلوب البليغ، وماتت الأم وسلطانة وبطرس بنفس الداء، وبقيت مريانا تخيط الثياب لتطعمه، وكان جبران مريضًا فقد تزاحمت عليه الأمراض وحملت رسائله صراخًا عاليًا منذ وقت مبكر في حسابه بما داهمه من الأمراض، القلب يسارع في الوجيب، تسمم في المعدة، داء النقرس، الأنفاس تتفتق بها الرئتان ومثل هذه الشخصية بتلك الوراثيات والتكوين الاجتماعي، هي شخصية مهزوزة مريضه عقليًا واجتماعيًا وجسديًا، ولا تصلح بتكوينها ولا بعقائدها؛ لأن تأخذ مكان الصدارة أو التوجيه فيه، وإنما هو الغرور الذي صور له عندما كتب كتابه "النبي" أنه هو النبي نفسه وقد استنكر ميخائيل نعيمه، أن يصور جبران نفسه نبيًا ولو تحت نقاب من التمويه الفني، وليس يسع أحدًا إلا أن يستكثر هذا الشطط، غير أن حياة جبران تفسره وتجعله غير مستغرب من مثله وإن كان في ذاته مما يستهين على حد تعبير المازني الذي يقول: "إن جبران كان يشعر في سريرته بنقص ويتمرد عليه".
                      - ومن اهتزاز شخصية جبران، أنه كان يدعي أنه حاز شهادة الأمتياز من كليه الفنون الفرنسية، وسُمي عضوًا في جمعية الفنون الفرنسية، ونال عضوية الشرف في جمعية المصورين الإنجليزية، بينما لم ينل شيئًا من كل هذا، ويرى ناقدوه أنه يناقض نفسه في الإعلان بهذه الأكاذيب، بينما يدعي أنه يكره التقاليد التي يحرص عليها الناس؛ فإذا هو أشد منهم تهالكًا ولما فتن بالفليسوف (نيتشه) ظهر هذا الأفتتان في كتابه "النبي" الذي قلد فيه أسلوب (نيتشه) في كتابه "هكذا تكلم زرادشت" وقد بلغ أثر نيتشه في نفسه أنه صار يخجل من أن يكون مسقط رأسه بلدة صغيرة (بشرى) في بلد صغير (لبنان)،
                      (1/464)
                      ________________________________________
                      وكان يقول إن مثله يجب أن يكون قد ولد في بلد عظيم كالهند مثلاً، ولذلك فإنه عندما طلب إليه (نسيب عريضة) بعض معلومات عن حياته لنشرها في مجلة "الفنون" قال إنه ولد في (بومباى) بالهند.
                      - ويجمع الكتاب على أن أثر نيتشه في أدبه كان بعيد السوء، وأن كتاب نيتشه "هكذا تكلم زرادشت"، قد أعطى جبران تلك المفاهيم المنحرفة التي أذاعها، وزرادشت مؤسس المجوسية، يقول نعيمه: "وما عرف جبران (نيتشه) حتى كاد ينسى كل من عرفهم قبله من كبار الكتاب والشعراء، وعلى قدر ما كان يطيب له أن يختلي به، كان يلذ له في البدء أن يحدث غيره عنه وأن يهدي أصحابه ومعارفه إليه، حتى أنه قال، إن كتاب "هكذا تكلم زرادشت" في نظري أعظم ما عرفته كل العصور، وما استأنس جبران بزرادشت ونيتشه حتى أحس بوحدة أقسى من ذي قبل تكتنفه أينما سار وبغربة تفصله عن ماضيه إلى حد أنه صار يخجل أمام نفسه من كل ما كتبه وصوره في ذلك الحين.
                      وأشار نعيمة إلى أنه افتتح عهده الجديد بمقال أطلق عليه اسم "حفر القبور" جرى فيها على نهج الزرادشتيه، وبدأ جبران المتقمص في جسد رجل يحب العزم والقوة، لقد سكر جبران بزرادشت وسكر أكثر من ذلك بما قاله فازداد به شهرة في العالم العربي.
                      - وأخطر ما دعا إليه نزعة جبران المهجرية الوافدة على الأدب العربي محاولة تحويل (الجنس) إلى نوع من القداسة وتحويل الشهوة إلى صوفية، فقد قام أدب جبران زعيم المدرسة على ثلاث دعاثم: (لذة الجنس، الحب الشهواني، المرأة العارية) وقد تأثر في ذلك على حد قول النقاد بمزامير داود والحياة في باريس، ومن ثم أعلن سخريته بكل القيم والمثل، ودعا إلى الاستسلام لسلطان الغريزة والعاطفة الجنسية، وقد راجع كثير من الأدباء آثار
                      (1/465)
                      ________________________________________
                      جبران، وأجمعوا على أنه يتميز بعدم الاكتراث (1) للأخلاق في بحثه عن لذة الجسد والخروج عن قواعد الدين، وقال عنه الأب الزغبي: إنه يهدم صرح الديانة المسيحية وينبذ جميع الأديان، وإنه كثير الآلهة، ولكن ليس (الله) بينها، وأنه يدين بمذهب عبودية العقل والآراء للشهوة الحيوانية، وأنه هادم للسلطة الدينية والأسرة، وأنه دعا في كل كتاباته إلى (الحب المحرم، والعشق السري، والفحش).
                      - يقول: أجل، جبران ينادي بحلاوة المرأة العارية ولذة طعمها، وما هذا سوى الشهوة الجسدية المتجسمة، ويصرح بأن الجنة قائمة بهذا الحب، وإنه يدعو إلى إحياء الغرائز، وتغليب الحب الجنسي، ويرى الباحثون أن هذا الأدب لا يستأهل الخلود لعدم ترفعه عن الاستسلام للشهوة المحرمة.
                      - ويقول الأب الزغبي: إن جبران مصور الأجسام العارية وكاتب الشهوة المطلقة من كل قيد، ولا عبرة عنده بالعقل ولا بالواجب حتى يصطدم الهوى بذلك الواجب، وليس في موسيقى الأدب الجبراني سوى طبول تدوي عن فرع أصواتها وتذيع ضجة البلاغة اللفظية، والكلام الطنان الذي يؤثر بالأذن تأثيرًا قويًا ويصل بالإنسان إلى عالم الدوخة والانذهال، ولا وجود فيه للأنغام العميقة المركبة من كثرة النفسيات المتشاحنة حيث تبرز واحدة من هذه النفسيات وتتغلب على غيرها تغلبًا أخلاقيًا فهو معجب بالزوجة التي تركت زوجها، واتبعت قلب حبيبها، طروب بالاتصال الجنسي شغوف بالمرأة المستسلمة، إلى خادمها المفتري، هذا جبران الذي يسكب السم الأخلاقي في كئوس نظيفة شفافة على حد تعبيره، إن معظم كتاب الغرب في موضوع الميول القلبية والشهوة الإنسانية وتكريسها لم يبلغوا من الفساد الأخلاقي والإباحية ما بلغه الأدب الجبراني فهو قد حول مزامير التوراة من دعاة
                      __________
                      (1) الاكتراث: الاهتمام.
                      (1/466)
                      ________________________________________
                      الفضيلة إلى دعاة الرذيلة، وفي كتاب "النبي" يصور نفسه على أنه المصطفى المختار الحبيب.
                      ولقد حاول الجبرانيون شن حملة عاصفة على المنفلوطي في حقد وشراسة لأنه هدم الأسلوب المهجري وأسقط جبران، ومن ذلك ما يسوقه مارون عبود في كتابه "جدد وقدماء" من هجوم على المنفلوطي ونسي مارون عبود وغيره، أن المنفلوطي حين أشرق قد كسف شموسًا كثيرة ودخل تحت جناحه كثير من الذين أعجبهم بريق جبران الخاطف من الذين أنفضوا عنه حين اكتشفوا معارضته للنفس العربية الإسلامية ومضادته للمزاج الإسلامي (1). اهـ.

                      ________________________________
                      (1) "أصالة الفكر الإسلامي في مواجهة التغريب" لأنور الجندي (ص 378 - 384).

                      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                      تعليق


                      • #41
                        * الدكتور فؤاد زكريا والدعوة بكل قوة إلى العلمانية:
                        الدكتور فؤاد زكريا الحاصل على درجة الماجستير والدكتوراه في الفلسفة من جامعة عين شمس عام 1956 م عمل أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة حتى 1974، وعمل مستشارًا للعديد من الجهات ومنها الشئون الثقافية والعلوم الإنسانية لليونسكو بالقاهرة، ونائبًا لرئيس الهيئة الاستشارية لدراسة الثقافة العربية، وله العديد من الدراسات والمقالات منها: "اسبينوزا ونظرية المعرفة"، "الإنسان والحضارة"، ترجمة ودراسة جمهورية أفلاطون وغيرها، يدعو إلى العلمنة بقوة، ويطالب بحصر الدين في المسجد أو بإبعاده، وله مناظرة شهيرة أجراها مع الشيخين القرضاوي والغزالي.
                        - يقول الدكتور فؤاد زكريا في حوار له مع جريدة الثورة الدمشقية - العدد 6775: "إن أوربا قد وجدت الحل الأمثل لمشكلة الدين في حياتها -بإزالته وإقصائه عن ميادين الحياة كلها- أما نحن فلا نزال ننتظر من يتمتع
                        __________
                        (1/467)
                        __________
                        بالجرأة الكافية، ويقدم على حلها.
                        - ويقول في موضع آخر: "إن الدين يأبى إلا أن يخوض على غير بينة (!!! ) في مسائل الطبيعة والكونيات، وهو ينتظر مصلحين جرآء يقدمون دون مخافة ولا وجل على إصلاح هذا الفساد وعلى إبعاد الدين عما ليس من اختصاصه" وهو هنا يُسقط الموقف الكنسي على المنهج الإسلامي، ومحاولته الوصول بالإسلام إلى ما آلت إليه النصرانية، على ما بين المنهج المحرف وكتاب الله المحفوظ من تضاد" (1).

                        _____________________________________
                        * إبراهيم مصطفى وكتابة "إِحياء النحو":
                        دعا طه حسين دعوة خبيثة إلى ما يسميه تيسير النحو فقال: "إن أبينا إلا أن نمضي كما كان النحو وكما كانت الكتابة، فلا بد أن ينشأ عن هذه اللغة العربية الفصحى القديمة لغات مختلفة كما نشأت الإيطالية والبرتغالية عن اللغة اللاتينية القديمة". وهي دعوة إلى تبديل قواعد النحو والصرف.
                        - يقول الدكتور محمد محمد حسين: إن أصحاب النحو الجديد أو ما يسمونه (تيسير النحو) شعبة من تلك الفرقة الموكلة بهدم تراثنا وقطع كل صلة تربطنا به، فهم لا يهدمون لأن الهدم هو وسيلتهم إلى البناء من جديد، كما يزعمون، ولكنهم يهدمون في حقيقة الأمر لأن الهدم هو هدفهم وغايتهم، وهم بهذا الهدم يمهدون الأرض ويسوونها لبناء جديد ولكنه للأجنبي لا لنا، يسيطر فيها الذين يسخرونهم لما يعملون من بعد ما يشاءون.
                        زعم أصحاب القواعد الجديدة أن قواعد النحو التي صنعتها اثنا عشر قرنًا سخيفة معقدة.
                        __________
                        (1) "اليسار الإسلامي خنجر في ظهر الإسلام" للأستاذ عبد السلام البسيوني - ص (29) - مكتبة الأقصى - الدوحة - قطر.
                        (1/468)
                        ________________________________________
                        وبقي أن نسأل أصحاب التيسير: كيف يصنع الناس بكتب التفسير والحديث والفقه وشروح دواوين الشعر التي تمتلئ صفحاتها باصطلاحات النحو المتبادلة والتي حكموا عليها بالإعدام، وبقي أن نسألهم: هل استشرتم العرب جميعًا فيما صنعتموه بل وهل استشرتم المسلمين الذين لا يستغني فقهاؤهم عن هذه اللغة التي لا تستعمل غير اصطلاحات النحو الذي يريدون أن يلحقوه بكل ما يريدون إعدامه والقضاء عليه من قديم، أم أنهم لا يعرفون أن هذه اللغة ليست ملكًا لطه حسين وإبراهيم مصطفى والقوصي ومن شايعهم ممن يخافهم أو يرجوهم أو يضله شيطانهم؛ بل هي ليست ملكًا للمصريين وحدهم، بل هي ليست ملكًا للعرب وحدهم ولا للمسلمين وحدهم من أهل هذا الجيل، وإنما هي أمانة يتحتم علينا أن نحفظها للأجيال من بعدنا كما تلقيناها عمن قبلنا، زعم طه حسين في تقريره الذي قدمه إلى وزير المعارف عام 1935 فألقاه في سلة المهملات أن الناس مجمعون على أن تعلم اللغة العربية وآدابها في مصر في حاجة شديدة إلى الإصلاح، ورد نفور الطلبة من الدراسات العربية إلى اللغة العربية وما يتصل بها من العلوم والفنون ما زال قديمًا في جوهره بأدق معاني الكلمة، فالنحو والصرف والأدب تعلم الآن كما كانت تعلم منذ ألف سنة.
                        ولم يمض على هذا التقرير سوى سنتين حتى صدر كتاب في النحو نسقه إبراهيم مصطفى على ما تخيله طه حسين في تقريره ذاك، وقدم له طه حسين واقترح له اسمًا ضخمًا عريضًا فيه كثير من التبجح والادعاء فسماه "إحياء النحو" والمقول بأن إحياء النحو هو الحلقة الثانية من سلسلة تيسير النحو وهو الصورة التنفيذية لمذكرة طه حسين، ومذكرة طه حسين صريحة في أن الخطوط الأولى ليست إلا تمهيدًا لما يجيء بعد من التطور الذي سيأتي وسيتحقق شيئًا فشيئًا.
                        (1/469)
                        ________________________________________
                        فهي صريحة في الكشف عن نية صاحبها وعن أسلوبه في استدراج الناس والبدء بالهين اليسير؛ ولأنه لا يسقيهم السم الزعاف القاتل لساعته؛ لأنه يلفت النظر ويثير الشكوك، ولكنه يسقيهم سمًّا بطيئًا يصل إلى غرضه دون أن يكشف عن الجريمة، فليعرف الناس إذن أن "تيسير النحو" ليس هو منتهى ما يريدون ولكنه أول طريق طويل يدفعون الناس فيه إلى قرار سحيق.
                        - إن الغرض الذي يرمي إليه طه حسين ومن على شاكلته كإبراهيم مصطفى يستهدف إلى إخراج اللغة العربية من أيدي حملتها إلى أيدي خصومها، وأن هذا نحو من أنحاء العمل الذي يقوم به الشعوبيون الذين يروجون اللهجات السوقية المحلية ويسمونها العامية بمختلف الأساليب يرمي إلى أنتزاع الدراسات العربية من حصانة الدين والقرآن وقطع الصلات التي تربطها الدراسات العربية بالدراسات الإسلامية أو على حد تعبير الدكتور محمد محمد حسين بما ينزع عن العربية قداستها ويحرمها من حصانة الدين ليكشفها أمام أعدائها ويعينهم على الإجهاز عليها بعد أن يفردها من كل نصير أو معين.

                        ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                        تعليق


                        • #42
                          * الخوري مارون غصن ودعوته إِلى العامية في سوريا:
                          دعا الخوري غصن إلى العامية، نشر في بيروت 1911 كتابه "بستان السلوى" وفي عام 1924 م نشر كتابه "درس ومطالعة" تحدث فيه عن حياة اللغة وموتها وعن اللغة العامية وعن تحسين اللغة العربية بإدخال علامات الوقف عليها، ثم توسّع في البحث فأصدر كتابًا عنوانه "حياة اللغة وموتها" اللغة العامية، عام 1926، ينطلق الكاتب من افتراض أن كل لغة سائرة إلى الفناء قياسًا على ما عرفه تاريخ اللغتين اليونانية واللاتينية، وأشار إلى تعلق الشعب باللغة العامية، ودعا إلى قاعدة العامية، وهي اللهجة العامية السورية، ودعا إلى إحلال العامية محل الفصحى، وقال: نعم؛ إن العربية
                          (1/470)
                          ________________________________________
                          الفصحى يحتمل بل يرجح بقاؤها في القرآن إلى منتهى الأزمان، ولكن لا ينتج عن ذلك بقاء اللهجة في البلاد العربية كما هي الآن، ورد عليه الأب لويس شيخو اليسوعي والأب صالحاني.

                          * جميل صدقي الزهاوي مرة أخرى ورد الشيخ علي يوسف عليه:
                          كتب الشاعر جميل صدقي الزهاوي مقالا في 9 أغسطس 1910 في جريدة المؤيد بعث به من بغداد عن ما أسماه "لغة الكتابة ووجوب اتخاذها باللغة المحكية" يقول: إني فتشت طويلاً عن انحطاط المسلمين فلم أجد غير سببين، أولهما الحجاب الذي عددت في مقالاتي الأولى مضاره لو كانت هناك آذان واعية، والثاني: هو كون المسلمين ولا سيما العرب منهم يكتبون غير اللغة التي يحكونها، وواضح أن الزهاوي قد تابع في هذه الدعوة كتابات المقتطف وولمور وويلكوكس ومن لف لفهما وأنه لم يكن يصدر عن الأصالة بل كان يصدر عن التبعية التي عرفت عنه في كثير مما اتجه إليه، وقد صفق له دعاة التغريب وأعجبوا به وأطلقوا عليه لقب المجدد والمحقق والعالم الكبير، ورد الشيخ علي يوسف على الزهاوي، فقال: إن مسألة اللغة الكتابية في العربية ذات وجهين: لكل أصحاب وجهة منهما براهين وأدلة على صحة مذاهبهم وبطلان مذهب مخالفيهم وأكبر الاعتراضات التي ترد على حضرة الفاضل الزهاوي أن لغة التخاطب ليست واحدة عند الأمم العربية بل هي تكاد تكون لغات متعددة، وبين لغة كل أمة من هاته الأمم دخائل مجهولة عند الأمم الأخرى، فأهل الغرب الأقصى يختلفون في النحت والمزج اختلافًا كثيرًا عن أهل العراق مثلاً في تخاطبهم ويكثر في كلامهم الدخيل من لغة البربر، وأهل الجزائر في الغرب يختلفون كثيرًا عن أهل اليمن في تخاطبهم مزجًا ونحتًا ودخيلاً كذلك يوجد بعض الاختلاف بين أهل الشام ومصر وهي أهل الوسط في اللسان العربي كما يوجد اختلاف بين كثير بين بعضهم والأمم
                          (1/471)
                          ________________________________________
                          العربية الأخرى بحيث لو صيرت لغة التخاطب، لغة كتابة لجهل قارئو العربية بين الأمم ما لا يجهلون الآن، وعسير أن توحد لغة الكتابة لسان الأمم العربية من هاته الألسن البابلية، أما اللغة الفصحى التي يتحف بها السيد الزهاوي كل كاتب عربي فهي مقروءة مفهومة عند كل قراء العربية ليس الخاصة فقط، بل الذين ارتفعت عنهم الأمية وكلما ارتفع إحصاء القارئين الكاتبين في الأمم العربية اتسع ميدان اللغة الفصحى لأهلها، وهي لا تأبى الدخيل الجديد من أسماء المخترعات والمكتشفات ولعل السيد الزهاوي يراجع مذهبه ثانيًا ليرى أن ما يسميه معطلاً للعرب ليس هو بالقدر الذي يعبر عنه بيانه، وهناك محاذير أخرى يجرها على الأمم العربية اتخاذ لسان التخاطب لسانًا كتابيا منها جعل لغة القرآن بمعزل عن القارئين والكاتبين الذين سيذهب بهم التجدد بعد ذلك كل مذهب ومنها أن تجعل بيننا وبين الكتب العربية المرموقة باللغة الفصحى من فقه وحديث وسيرة وتاريخ، وعلوم حاجزًا كلما تقدم الزمان وصار صفيقًا حتى تعود اللغة العربية الفصحى كاللغة اللاتينية عند الأمم الإفرنجية.

                          * أنيس فريحة أستاذ اللغات السامية بالجامعة الأمريكية بلبنان ودعوته إِلى العامية مكتوبة بالحرف اللاتيني:
                          انصب اهتمام أنيس الخوري فريحة أستاذ اللغات السامية بالجامعة الأمريكية على دراسة اللهجة العامية والدعوة إليها مكتوبة بالحرف اللاتيني، وقد بدأ نشاطه الجدي في اللهجة العامية بكتابه "معجم الألفاظ العامية في اللهجة اللبنانية" عام 1947، وفي عام 1959 كتب الأمثال العامية (مجلة الأبحاث م 3)، وفي عام 1952 نشر كتابه "تبسيط قواعد اللغة العربية" وتبويبها على أساس منطقي جديد، وفي 1955 كتب موضوعه المشهور "هذا الصرف وهذا النحو، أما لهذا الليل من آخر" تمنى فيه أن يرى حاكمًا عسكريًا
                          (1/472)
                          ________________________________________
                          سياسيًا يفرض العامية على العرب، ثم ألقى عام 1955 محاضرات في معهد الدراسات العربية عن اللهجات وأسلوب دراستها، وأتبع ذلك محاضرة عن اللهجة اللبنانية، وكتابه "نحو عربية ميسرة" حملة مركزة على اللغة العربية الفصحى وعلى الأدب العربي، وتحدث بصفة خاصة عن صلة اللغة العربية بالقرآن الكريم.
                          - وزعم أن "مسألة توحيد اللهجات في الجاهلية إنما هي خرافة إسلامية" وقد تولى الرد عليه الدكتور عمر فروخ (1) جزاه الله خيرًا.
                          _________
                          (1) انظر الدكتور عمر فروخ في "محاولة لبناء منهج إسلامي متكامل" (4/ 92 - 95).

                          ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                          تعليق


                          • #43
                            * دعاة الانفصال عن تركيا الخلافة ورافعي شعار القومية العربية كنعرة شعوبية تفت في عضد المسلمين:
                            يقول الدكتور محمد محمد حسين في كتابه "الإسلام والحضارة الغربية" حين نشأت الدعوة المعاصرة إلى القومية العربية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، أو ما كان يسمى وقتذاك بالجامعة العربية - كانت كثرة كبيرة من رجال الرعيل الأول في هذه الحركة وفي هذا البعث من مسيحي لبنان، مثل البستاني واليازجي والشدياق وأديب إسحاق ونقاش وشميل وتقلا ومشاقة وزيدان ونمر وصروف، وأغلبهم ممن اتصلوا بالإرساليات الإنجيلية الأمريكية التي بدأت تتوارد على بيروت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لنشر مذهبهم البروتستنتى، وأكثرهم في الوقت نفسه ينتمي إلى الماسونية" (2).

                            * ناصيف اليازجي وابنه إِبراهيم اليازجي:

                            إبراهيم اليازجي (1847 - 1906) وأبوه ناصيف اليازجي (1800 -
                            __________
                            (2) "الإسلام والحضارة الغربية" (ص 233).
                            (1/473)
                            ________________________________________
                            1871 م) كانا على صلة بالإرساليات الأمريكية الإنجيلية، وكان يترددان على مطبعتها في بيروت التي كان يُشرف عليها وقتذاك الدكتور فانْديك وقد علم اليازجي الكبير في مدارسهم، وأعان ابنه في ترجمته التوراة إلى العربية، ثم قدم بعد ذلك إلى مصر ومات بها، واحتفلت المحافل الماسونية في القاهرة والإسكندرية بتأبينه، وله قصيدة سينية دعا فيها العرب إلى الثورة على الترك كما فعلت شعوب البلقان، وفي هذه القصيدة يبدو وجه الدعوة العلماني واضحًا حين يهاجم الشاعر القائمين بأمر الدين من المسلمين والمسيحيين على السواء حيث تقول:
                            ودَعوا مقال ذوي الشِّقا ... ق من المشايخ والقساقسْ
                            ما هم رجال الله فيـ ... كم بل هم القوم الأبالسْ
                            يمشون بين ظهوركم ... تحت الطيالس والأطالِسْ
                            فالشر كل الشر ما ... بين العمائم والقلانِسْ
                            دبَّت عقاربهم إِليـ ... كم بالمفاسد والدسائس
                            وإبراهيم اليازجي صاحب هذه القصيدة السينية هو صاحب مجلة الضياء.

                            - بطرس البستاني:

                            ومن مؤسسي هذه الدعوة بطرس البستاني (1819 م-1883 م)، وقد كان أيضًا على صلة بدعاة المذهب الإنجيلي البروتستانتي من الأمريكان، وتولى منصب الترجمة في قنصلية أمريكا ببيروت، وأعان الدكتور سمث المبشر الأمريكي، ثم الدكتور فانديك من بعده في الترجمة البروتستانتية للتوراة التي تمت في سنة 1864 م، ثم طُبعت في أمريكا سنة 1866 م، وأعان الدكتور فانديك أيضًا في إحياء مدرسة عبية الأمريكية، وهو صاحب
                            (1/474)
                            ________________________________________
                            القاموس العربي "محيط المحيط"، وهو صاحب دائرة المعارف المعروفة باسمه أتم منها سته مجلدات، وتوفي وهو في بدء السابع، فأتمه هو والثامن ابنه سليم، ثم توفي ابنه قبل أن يتم التاسع، فأصدر أبناؤه الباقون بمعاونة ابن عمه سليمان البستاني -مترجم الإلياذة إلى العربية- الأجزاء الباقية (التاسع والعاشر والحادي عشر).

                            * سليم تقلا مؤسس صحيفة الأهرام ودورها المشبوه:
                            ومن دعائم هذه الدعوة أيضًا سليم تقلا مؤسمس صحيفة الأهرام المصرية (1849 - 1892 م) تلقى علومه في مدرسة عبية التي أنشأها المبشر الأمريكي الدكتور فانديك أحد مؤسسي الجامعة الأمريكية التي بدأت سنة 1866 م باسم "الكلية السورية الإنجيلية" ومنهم جرجي زيدان الذي سنفصل الكلام عنه، واتخذ سليم تقلا وأهرامه الموقف المعادي لكل ما هو إسلامي، ومنذ ذلك الوقت نشأت التفرقة بين العروبة والإسلام على يد هذه الطائفة من المفكرين والكتاب من نصارى الشام ولم يعد اسم الجامعة العربية مرادفًا لاسم الجامعة الإسلامية.

                            * جورجي زيدان صاحب مجلة الهلال شعوبي كاره للإسلام يحرف الكلم ويخون في النقل ويتعمد الكذب:

                            جورجي زيدان (1861 - 1914 م) مؤسسة مجلة الهلال، كان على صلة بالمبعوثين الأمريكان، وكان يُدعى إلى احتفالات الخريجين بكليتهم وعلى يده ويد نصارى الشام كانت التفرقة بين العروبة والإسلام والوقوف على طول الخط ضد تركيا.
                            ***
                            (1/475)
                            ________________________________________
                            * جرجي زيدان وكتابه "تاريخ التمدن الإِسلامي" ورد العلاّمة شبلي النعماني عليه:
                            - يقول العلامة شبلي النعماني، المصلح الشهير مؤسس جمعية ندوة العلماء في لكهنو بالهند في مقاله ونشر هذا النقد مجلة المنار والتي كان يصدرها الشيخ رشيد رضا -رحمه الله- على حلقات المجلد 15 (1330 هـ-1912 م):
                            إن الدهر دار العجائب ومن إحدى عجائبه أن رجلاً من رجال العصر جرجي زيدان صاحب الهلال يؤلف فى "تاريخ تمدن الإسلام" كتابًا يرتكب فيه تحريف الكلم، وتمويه الباطل وقلب الحكاية والخيانة في النقل وتعمد الكذب، ما يفوق الحد ويتجاوز النهاية.
                            وينشر هذا الكتاب في مصر وهي غرة البلاد وقبة الإسلام ومغرس العلوم ثم يزداد انتشارًا في بلاد العرب والعجم، مع هذا كله فلا يتفطن أحد لدسائسه، ولم يكن ليجترئ على مثل هذه الفظيعة في مبتدأ الأمر، ولكنه تدرج إلى ذلك شيئًا فشيئًا؛ فإنه أصدر الجزء الأول من هذا الكتاب، وذكر في مثالب العرب دسيسة يتطلع بها على إحساس الأمة وعواطفها، ولما لم يتنبه لذلك أحد، ولم ينبض لأحد عرق، ووجد الجو صافيًا أرخى العنان وتمادى في الغي، وأسرف في النكاية على العرب عمومًا، وخلفاء بني أمية خصوصًا.
                            - إن الغاية التي توخاها المؤلف ليست إلا تحقير الأمة العربية وإبداء مساويها، ولكن لما كان يخاف ثورة الفتنة، غير مجرى القول ولبس الباطل بالحق"، بيان ذلك أنه جعل لعصر الإسلام ثلاثة أدوار: دور الخلفاء الراشدين، ودور بني أمية، ودور بني العباس، فمدح الدور الأول، وكذلك الثالث ولما غر الناس بمدحه الخلفاء الراشدين، وهم سادتنا وقدوتنا في الدين
                            (1/476)
                            ________________________________________
                            وبمدحه لبني العباس وهم أبناء عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وبهم فخارنا في ثبت التمدن وأبهة الملك، ورأى أن بني أمية ليست لهم وجهة دينية فلا ناصر لهم، ولا مدافع عنهم تفرع لها وحمل عليهم حملة شنعاء، فما توك سيئة إلا وعزاها إليهم وما خلى حسنة إلا وابتزها منهم.
                            ثم لو كان هذا لأجل أنهم من آل مروان أو لكونهم من سلالة أمية لكنا في غنى عن الذب عنهم والحماية لهم ولكن ذنبهم أنهم من (العرب) على صرافتهم ما شابتهم العجمة مطلقًا، وقد حصر الباحث أخطاءه في عدد من الأصول العامة:
                            أولاً: عصبية العرب على العجم:
                            أطال المؤلف وأطنب في إثبات هذه الدعوى، وقال: إن العرب يعاملونهم معاملة العبيد في عديد من المواضع (العنوان العام في الجزء الرابع ص 58)، واعلم أن المؤلف في إتقان باطله فعل أطوارًا شتى منها:
                            تعمد الكذب، ومنها تعميمه لواقعة جزئية، ومنها الخيانة في النقل وتحريف الكلم عن مواضعه، ومنها الاستشهاد بمصادر غير موثوقة، مثل كتب المحاضرات والفكاهات، وغير خافٍ على من له إلمام بتاريخ الفرس والعرب، أن الفرس كانت قبل الإسلام تحتقرًا لعرب وتزدريهم، ولما أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابه إلى كسرى العجم، اشمأز وقال: عبدي يكتب لي؟ وكتب يزدجرد إلى سعد بن أبي وقاص فاتح القادسية أن العرب على شرب ألبان الإبل وأكل الضب بلغ بهم الحال إلى أن تمنوا دولة العجم فأف لك أيها الدهر الدائر.
                            ثم لما شرف الله العرب بالإسلام، أنتصفت العرب من العجم، واستنكفوا من سيادتهم عليهم وجاءت الشريعة الإسلامية ماحية لكل فخر ونخوة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته الأخيرة في حجة الوداع: "أن لا
                            (1/477)
                            ________________________________________
                            فضل للعربي على العجمي ولا للعجمي على العربي، كلكم أبناء آدم"، حينئذ ارتفع التمايز وتساوى الناس، ولكن مع ذلك بقيت في بعض الناس من كلا الطرفين حزازات كامنة في صدورهم، كانت سببًا لحدوث حزبين متكاملين يسمى أحدهما: الشعوبية: وهي التي تحتقر العرب وترميهم بكل معيبة، والثاني "المتعصبون" للعرب وقد عقد ابن عبد ربه في كتابه "العقد الفريد" بابًا في حجج كل من الطرفين وصدر هذه الأقوال بقوله: (قال أصحاب العصبية من العرب) وأنت تعلم أن هذه العصبية ليست كل العرب ولا أكثرها ولا عشر معشارها، فهؤلاء شرذمة مغمورون في الناس، ولكن المؤلف ما اقتنع بذلك، بل ربما نسب قول رجل معين معلوم الاسم إلى العرب عامة.
                            - وقد مضى جرجي زيدان في دعواه متابعًا كتابات المستشرقين في اتهام العرب بانتقاص الموالي، فقال: إنهم منعوهم من المناصب الدينية المهمة (الجزء الرابع ص 6).
                            - فقال الشيخ النعماني: إن البلاد التي كانت عواصم الأقاليم وقواعدها في عصر بني أمية كان كل أئمتها من الموالي ففي مكة عطاء، وفي اليمن طاووس، وفي الشام مكحول، وفي مصر يزيد بن أبي حبيب، وفي خراسان ضحاك بن مزاحم، وفي البصرة الحسن البصري، ومع كونهم أعجامًا وكونهم أولاد الإماء، كانوا سادة الناس وقادتهم تذعن لهم العرب ويحترمهم خلفاء بني أمية وولاة الأمور، وقد عالج هذه النقطة بما عرض مطولاً بما يؤكد أن الموالي كانوا في أيام بني أمية بأعلى محل الشرف والمكانة وأن كل ما أورده جرجي زيدان وسابقوه من المستشرقين افتئات ظاهر وتجن وظلم.
                            استند جرجي زيدان على نص حاول فيه الادعاء بأن عمال بني أمية كانوا يفرضون نوعًا من الجور والشدة، يقول: وإذا أتى أحدهم بالدراهم ليؤديها في خراجه يقطع الجابي منها طائفة، ويقول: هذا رواجها وصرفها
                            (1/478)
                            ________________________________________
                            واستند في هذا على كتاب "الخراج" لأبي يوسف.
                            - ويقول الشيخ النعماني: أيها المؤلف الفاضل: أليس لك وازع من نفسك؟ أليس لك رادع من ديانتك؟ أتجرؤ على مثل هذا الكذب الظاهر، والمين الفاحش جهرة؛ فإن أبا يوسف ما تكلم في شأن عمال بني أمية ببنت شفة، وإنما ذكر عمال هارون الرشيد واساءتهم العمل في جباية الخراج.
                            وكتاب "الخراج" لأبي يوسف بين أيدينا، وأن ما استند إليه من عمال هارون الرشيد، فكيف يأخذ المؤلف أقواله وينقلها من حيث إنها هي الطرق التي كان عمال بني أمية يجمعون الأموال بها.
                            ثانيا: مساوئ بني أمية:
                            - ويقول الشيخ النعماني: إن موضوع الكتاب ليس إلا بيان تمدن الإسلام؟ فأي متعلق في ذلك لإبداء مساوئ بني أمية.
                            ولعلك تقول: لا بد في تاريخ تمدن الإسلام من بيان منهج السياسة، هل كانت مؤسسة على الاستبداد والجور أو العدل والنصفة، فجر ذلك إلى كشف عوار بني أمية عرضًا، أناشدك الله أما كان لأحد منهم مأثرة تذكر ومنقبة تنقل، وسياسة تنفع البلاد، وعدل يعم الناس، نعم إن خلفاء بني أمية لا يوزنون بالخلفاء الراشدين، وليس هذا عار عليهم، ولا فيه حط لمنزلتهم؛ فإن إدراك شأن الراشدين واللحوق بهم أمر خارج على طوق البشر، وليس فيه مطمع لأحد، ولا موضع رجاء لمجتهد.
                            ولكن التوازن والتطابق بين الأموية والعباسية، وإنما هم ملوك فيهم المحسن والمسيء والعادل والجائر بل الذي أعدلهم سيرة وأوفاهم ذممًا لا يخلو من عثرات لا تقال وهنات لا تذكر.
                            فلو لزم المؤلف جادة الصواب، ووفى لكل أحد قسطه وأعطى كل ذي
                            (1/479)
                            ________________________________________
                            حق حقه، لاستراح واسترحنا، ولكنه مال إلى واحد فأطرى في مدحه العباسي ونال من الآخر فأسرف في تهجينه وذمه الأموي، ثم إنه لم يفارق في مدحه وذمه عمود الكتاب أي: ذم العرب، والحط من شأنهم فإنه ذم بني أمية لأنهم العرب، ومدح العباسيين لا لأنهم العرب، ولا لأنهم من سلالة بني هاشم أو من أقرباء النبي - صلى الله عليه وسلم - بل لأمر واحد: لأن دولتهم دولة أعجمية.
                            ثالثًا: حريق خزانة الإِسكندرية:
                            عقد المؤلف بابًا لإثبات أن حريق خزانة الإسكندرية كان بأمر عمر بن الخطاب وأطال وأطنب في ذلك واستدل عليه بستة دلائل (الجزء الثالث) أهمها رغبة العرب في صدر الإسلام في محو كل كتاب غير القرآن.
                            وقد كشف الشيخ النعماني أن هذا غير صحيح، وأن المسلمين نظروا في كل الكتب، ونقلوا في تفاسيرهم روايات مختلفة فيها الغث والسمين مما نقل إليها من الأديان الأخرى، فلو كان أهل القرون الأولى يبغضون ما سوى القرآن ويمحون ما كان قبله من العلم -كما يدعي المؤلف- فمن روى الإسرائيليات وأقاصيص التلمود والتوراة وحشاها في التفسير؟
                            ثانيًا: أورد ما جاء في تاريخ مختصر الدول لأبي الفرج ثم نقل رواية الإحراق برمتها وأطال في إثبات أن أبا الفرج ليس بأول من روى هذه الرواية، بل ذكرها عبد اللطيف البغدادي عرضا في ذكره عمود السواري وذكرها القفطي في تاريخ الحكماء.
                            ولا ننازع المؤلف في أن أبا الفرج مسبوق في ذكر هذه الرواية بالقفطي والبغدادي، ولكن ماذا ينفعه ذلك؛ فإن البغدادي وهو أقدمهما من أهل القرن السادس للهجرة، قد ذكر الرواية من غير إسناد ومن غير إحالة على كتاب.
                            (1/480)
                            ________________________________________
                            - ويقول: لقد تعود المؤلف من صباه قبول مختلقات أهل الكتاب وأوهامهم وسبب ذلك أنه يزن التاريخ الإسلامي بميزان غير ميزاننا، ولذلك يصغي إلى كل صوت ويستمع لكل قائل، ولكل فن أصول وقواعد وما لم تكن الرواية مطابقة لهذه الأصول اليقينية لا يلتفت إليها أصلاً.
                            ومنها أن الناقل للرواية لا بد أن يكون شهد الواقعة؛ فإن لم يشهد فليبين الرواية ومصدرها، حتى تتصل الرواية إلى من شهدها بنفسه.
                            ومنها أن يكون رجال السند معروفين بصدقهم وديانتهم، وأنت تعلم أن البغدادي والقفطي من رجال القرن السادس والسابع، فأي عبرة برواية تتعلق بالقرن الأول يذكر أنها من غير سند ولا رواية ولا إحاله إلى كتاب.
                            أما كتب القدماء الموثوق بها، فليس لهذه الرواية فيها أثر ولا عين، وهذا تاريخ الطبري واليعقوبي و"المعارف" لابن قتيبة، و"الأخبار الطوال" للدينوري، و"فتوح البلدان" للبلاذري، و"التاريخ الصغير" للبخاري، وثقات ابن حبان و"الطبقات" لابن سعد، قد تصفحناها وكررنا النظر فيها، مع أن فتح الإسكندرية مذكور فيها بقضها وقضيضها فليس لحريق الخزانة ذكر.
                            والحاصل أن محققي أهل أوربة قضوا بأن الواقعة غير ثابته أصلاً، منهم (جيبون) المؤرخ الشهير الإنجليزي، و (درببر) الأمريكاني، و (سيديو) الفرنسي، و (كارليل) الألماني، والمعلم (رينان) الفرنسي وعمدتهم في أفكار ذلك أمران:
                            الأول: أن الواقعة ليس لها عين ولا أثر في كتب التاريخ الموثوق بها كالطبري وابن الأثير، والبلاذري وغيرها مما ذكرنا.
                            والثاني: أن الخزانة كانت قد ضاعت قبل الإسلام، اثبتوا ذلك بدلائل لا يمكن إنكارها.
                            (1/481)
                            ________________________________________
                            رابعًا: الضغوط على أهل الذمة:
                            ادعى المؤلف أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب عهدًا لنصارى الشام، وذكر نصه منقولاً عن سراج الملوك للطرطوشي، واعترف بأن فيه ضغطًا على النصارى، ثم اعتذر لعمر بأن نصارى الشام كانوا يميلون إلى قيصر الروم، وكانوا من بطانته يتجسسون له، فلذلك احتيج إلى الشدة بهم والتضييق عليهم.
                            - يقول الشيخ النعماني: كل من له أدنى مسكة في التاريخ يعرف أن الطرطوشي ليس من رجال التاريخ، وكتابه كتاب أدب وسياسة، وهو من رجال القرن السادس، وإنما المعول على المصادر القديمة الموثوق بها، كتاريخ الطبري والبلاذري، واليعقوبي وابن الأثير وغيرها، وهذا ما كان يخفى على المؤلف ولكن لأجل هوى في نفسه أعرض عن كل هذا، وتشبث برواية واهية تخالف الروايات الصحيحة المذكورة بإسنادها ورجالها، وقدم الشيخ النعماني رواية القاضي (أبو يوسف) في كتابه "الخراج"، وهي تكشف عن اعتراف أهل الذمة بوفاء المسلمين لهم وحسن السيرة فيهم.

                            * خاتمة:

                            وقد أشار السيد رشيد رضا -رحمه الله- في دراسة له عن جرجي زيدان "صاحب الهلال" بعد وفاته كشف فيها وجه هذا الشعوبي، فقال: أنه أظهر بعد الانقلاب العثماني (1909) نزعة جديدة، هي إحياء لمذهب الشعوبية، ذلك أنه زار الأستانة ولقى فيها بعض زعماء الاتحاد والترقي ثم عاد متشبعًا بالنهضة التركية الزائفة مستنكرًا عدم مجاراة العرب لإخوانهم الترك في الانضمام على خطة الاتحاديين والترقي إلى تتريك العناصر وادغام العرب في الترك.
                            (1/482)
                            ________________________________________
                            وقد كتب في الهلال ما يشعر بهذه النزعة من مطاعن في العرب، أودعها بعد ذلك في كتاب "تاريخ التمدن الإسلامي"، وفطن لها أخيرًا من لم يكن يحفل بها، وزادهم التفاتًا إليها ترجمة جريدة (أقدام) التركية لتاريخ التمدن الإسلامي ونشره بالتتابع، وهذا ما حفز الشيخ شبلي النعماني إلى الرد عليه وأخفى شبهاته.
                            - الأستاذ والتلميذ: "وكان الأب لامنس اليسوعي قدوته في نقد العرب وبني أمية، كما كان سوفان فلهوزن دليله في الحديث عن ما أسماه الحملة على الموالي وهو أكبر متعصبي المستشرقين، ولجرجي زيدان سموم أخرى في كتابه عن أدب العرب" (1).

                            * كتاب "تاريخ آداب اللغة العربية" وردّ الشيخ السكندري عليه:
                            هذا هو الكتاب الثاني لجورجي زيدان الماروني الفرنسي الثقافة الذي تربى في مدارس الشيوعيين، وعلمه باللغة وأدابها لا يؤهله لفهم مؤلفاتها، ولذلك تصدى له الشيخ السكندري وبين عواره.
                            - قال الشيخ السكندري: الأمور التي تؤخذ على الكتاب كثيرة:
                            أولاً: الخطأ في الحكم الفني، أي تقرير غير الحقيقة العلمية سواء أكان ذلك بقصد من المؤلف أم بغير قصد.
                            ثانيًا: الخطأ في الاستنتاج، وهو ما يعذر فيه المؤلف لأنه اجتهاد من عند نفسه.
                            ثالثًا: الدعوى بغير دليل، وهو ما يقرره المؤلف من غير دليل عليه، وقد يكون في ذاته صحيحًا ولكن سوقه ساذجًا يتيح مجالاً للشك.
                            __________
                            (1) "جيل العمالقة" (ص 70 - 76).
                            (1/483)
                            ________________________________________
                            رابعًا: الخطأ في النقل وهو آت من تصرف المؤلف في عبارات المؤلفين بقصد اختصارها، أو من تسرعه في الجمع وقلة مراجعة الأصول.
                            خامسًا: قلة تحري الحقيقة بمراجعة الكتب المعتمدة والتواريخ الصادقة ووزن كل عبارة بميزان العقل والإنصاف وقياس الأمور بأشباهها، بل كثيرًا ما تروج عند المؤلف أقوال الخصوم في خصومهم، وأقوال الكتب الموضوعة لأخبار المجان أو لذكر عجائب الأمور وغرائبها.
                            سادسًا: تناقض بعض أقوال الكتاب.
                            سابعًا: الاختصار في كثير من التراجم والمباحث، وإهمال ما ليس من شأنه أن يهمل.
                            ثامنًا: إدخال ما ليس من موضوع الفن فيه، لغير مناسبة أو لمناسبة ضعيفة جدًا.
                            تاسعًا: الاستدلال بجزئية واحدة على الأمر الكلي، وهو كثير الحصول في جميع كتب المؤلف وفي أكثر استنتاجاته ودعاواه.
                            عاشراً: تقليد المستشرقين في مزاعمهم أو نقلها من غير تمحيص.
                            حادي عشر: اضطراب المباحث وصعوبة استخراج فائدة منها لاختلال عبارتها، أو لعدم صفاء الموضوع للمؤلف.
                            ثاني عشر: اضطراب التقسيم والتبويب إما بذكر المباحث في غير موضعها، ويعد رجال عصر في عداد رجال عصر آخر.
                            ثالث عشر: التحريف واللحن وهمًا كثيرًا الشيوع في جميع كتب المؤلف.
                            رابع عشر: تهافت المؤلف على تطبيق قانون النشوء والارتقاء حتى على الأمور التي فيها تدنٍ وانحطاط لا نشوء ولا ارتقاء.
                            (1/484)
                            ________________________________________
                            * أولاً: الخطأ في الحكم الفني:
                            1 - قول المؤلف: (وكان أبو حنيفة لا يحب العرب ولا العربية حتى أنه لم يكن يحسن الإعراب ولا يبالي به).
                            وقد عزا هذه العبارة إلى (ابن خلكان - وفيات الأعيان ج 2) فالذي يثق بالمؤلف يصدق عبارته بعد أن تبرأ من تبعتها ونسبها إلى مؤرخ عظيم، ولكنه إذا آخرها ابن خلكان في هذه الصفحة بل إذا قرأ ترجمة أبي حنيفة من أولها إلى آخرها لم يشم منها رائحة هذه الألفاظ بل المعاني.
                            2 - فقول المؤلف (وكان أئمة الفقه في المدينة، فأراد المنصور تصغير أمر العرب وإعظام أهل الفرس لأنهم أنصارهم -أي: العباسيين- وأهل دولتهم، فكان من جملة مساعيه في ذلك تحويل أنظار المسلمين عن الحرمين، فبنى بناء سماه القبة الخضراء محجًا للناس (كذا) وقطع المسيرة عن المدينة، وفقيه المدينة يومئذ الإمام مالك الشهير فاستفتاه أهلها في أمر المنصور، فأفتى بخلع بيعته فخلعوها، وبايعوا محمد بن عبد الله من آل علي .. إلخ.
                            ومن عبارته يفهم أن جمهرة أئمة الفقه كانت بالمدينة فقط، وأن المنصور كان يكره العرب كراهية حملته أن يرتد عن الإسلام ويحاول صرف المسلمين عن تولية وجوههم شطر قبلتهم، وأن أهل المدينة استفتوا مالكًا في خلع المنصور فأفتاهم.
                            وكل هذه اللوازم باطلة فلم تكن جمهرة الفقه بالمدينة بل كانت في كل الأقطار ثم كيف يكره المنصور العرب بهذه الكراهية وهو عربي، وابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وخليفته في أمته وشريعته.
                            أما عن الثالث فينافيه ما تقدم، واعتذر المنصور بعد ذلك لمالك عما وقع، كذلك فإن المنصور لم يقطع عن أهل المدينة إلا بعد مبايعتهم محمدًا ابن عبد الله، ومن خطئه في الحكم عده طاهر بن الحسين -فاتح بغداد وقاتل
                            (1/485)
                            ________________________________________
                            الأمين- في عداد المنشئين كتاب الرسائل، مع أن هذا الاسم لا ينطبق عند علماء الأدب إلا على الكاتب في ديوان الرسائل، ولم نجد فيه طاهر بن الحسين منشئًا قط.
                            - ومن الخطأ في الحكم زعم المؤلف أن علم الكلام ومذهب الاعتزال نشأ في العصر الثاني من حكم بني العباس أي بعد 132 هـ، مع أن المشهور في التاريخ أنه لما كثرت الزنادقة والملاحدة في زمن المهدي، أوعز إلى العلماء أن يحاجوهم بالأدلة العقلية ويدون ذلك في الكتب ففعلوا وسموا المتكلمين.
                            ومن الخطأ فى الحكم جعله أبا منصور عبد الملك الثعالبي صاحب يتيمة الدهر، هو صاحب التفسير الكبير المعروف بتفسير الثعلبي، والثعلبي هو الإمام الحجة الثبت (أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي) فهو شخص آخر غير أبي منصور الثعالبي.
                            - ومن أخطائه قوله أن القصائد طالت في العصر الثالث من حكم بني العباس وطول القصائد لم يختص في عصر دون عصر، وقوله: أن العرب لم يدركوا شأو اليونان والفرس في تطويل القصائد؛ فإن المؤلف لم يفطن إلى الفرق بين الشعر العربي والأعجمي؛ فإن الشعر العربي تنظم القصيدة فيه من بحر واحد وقافية واحدة وروي واحد، وشعر الأمم الأعجمية ليس فيه قافية.
                            - ومن الخطأ في الاستنتاج، زعم المؤلف أن التصوف لم ينشأ إلا في العصر الثالث أي بعد 324 هـ، وينعى على ابن خلدون وغيره ممن يرى أن اشتقاقه من الصوف، ويرى أن اشتقاقه من كلمة سوفيا اليونانية (بمعنى الحكمة).
                            - وأقول أن طريقة القوم قد اشتهرت بهذا الاسم قبل شيوع ترجمة الكتب اليونانية وانتشار الفلسفة.
                            (1/486)
                            ________________________________________
                            ومن خطأ الاستنتاج واضطراب الكلام واختلاطه: الفصل الذي كتبه المؤلف عن السيرة النبوية، فقد جعل سيرة ابن اسحاق وابن هشام واحدة، وابن هشام لم يكن راويًا، والحقيقة أن سيرة ابن اسحاق سيرة كبيرة مستقلة عن سيرة ابن هشام، وهي التي يطعن في شعرها ولم يتفق على صحتها وأن ابن هشام لم يكن هو الراوي لهذه السيرة بل لخص سيرته النبوية عن سيرة ابن اسحاق وغيرها من كتب المغازي.

                            * ثانيًا: دعاوى المؤلف:

                            - ومن دعاوى المؤلف بغير دليل دعواه أن ابن قتيبة أول من تجرأ على النقد الأدبي فألف في أكثر فنون الأدب المعروفة.
                            فإن أراد المؤلف أنه أول من كتب في نقد الشعر، فليس بصحيح إذ سبقه إلى ذلك كثير منهم محمد بن سلام الجمحى، في كتابه "طبقات الشعراء" وقبله ألف أبو عبيدة كتاب "نقائض جرير والفرزدق".
                            - ومن دعاوى المؤلف قوله أن الشعر في العصر الأول من بني العباس قد بطل استعماله في العصبية، كما بطل استناد الخلفاء للشعراء بسبب انتصارهم لفريق على فريق.
                            والحقيقة أن الشعر بقى يستعمل في العصبية طوال العصر العباسي الأول وبعض العصر الثاني، بل لقد فتح الخلفاء العباسيون في العصبية بابًا شرًا من عصبية القبائل وهو تفضيل العباسيين على الطالبيين.
                            - ومن دعاوى المؤلف قوله: ولم يكن للشاعر العربي بد من الرحلة إلى بلاد العرب لاقتباس أساليبهم، فليقل لنا المؤلف ما هي رحلات أبي نواس ومسلم والحسين بن الضحاك، ومطيع بن إياس وحماد عجرد وأبان اللاحقي إلى بادية العرب، إن الرحلة إلى بلاد العرب كانت خاصة بالعلماء
                            (1/487)
                            ________________________________________
                            ورواة الأدب واللغة أمثِّال الخليل والأصمعي وأبي عبيدة والكسائي.
                            ومن دعاوى المؤلف: أن ابن المقفع كان يعرف اليونانية جيدًا، ولم نر في كتب الأدب والتاريخ من ذكر هذا.
                            ومن دعاوى المؤلف في الكلام على طريقة أبي الحسن الأشعري في علم الكلام: أن الناس عولوا على رأيه لما فيه من التسوية بين الآراء، فكيف يعقل أن مذهبًا يسوي بين آراء كل الطوائف، وفيهم من يناقض مذهبه مذهب الآخر، وغاية الأمر أنه اعتدل بين مذهبي المعتزلة والسلفية من أهل السنة.
                            ومن دعاوى المؤلف: عن المتوكل الخليفة العباسي أنه أهلك جماعة من العلماء، وحط مراتبهم وعادى العلم وأهله.
                            فمن أين للمؤلف هذا الكلام وكل هذه الغارة على المتوكل من جراء أنه رفع الفتنة بخلق القرآن، ونهى الناس عن الجدل فيها بعد أن أنهكت دينهم وأخلاقهم وأنه أمر أهل الذمة بلبس شارات تميز زيهم وأنه صادر بختيشوع الطبيب وبعض الكتاب لخيانة ظهرت له منهم.
                            ومن دعاوى المؤلف: أن الإنشاء في العصر الثالث العباسي قد صار له طريقة خاصة سماها (كلاسيك) أخذ من اصطلاح الافرنج، ثم أخذ يسرد شروطًا للإنشاء المدرسي، والمتتبع لها يجد أن أكثرها لا يختص بعصر دون عصر، وأن أغلبها أمور طبيعية وعادية في كل زمان.
                            ومن دعاوى المؤلف: زعمه أن العرب نقلت محاضراتها عن اليونان، وما نقله المؤلف من تعريف المحاضرات إنما يؤكد أنها فن عربي بحت كان يطلق قديمًا على عدة علوم من أنواع التاريخ والأخبار والنوادر والشعر ومنه كامل المبرد وأمالي القالي وكثير من كتب الجاحظ والدينوري.
                            ومن دعاوى المؤلف أن كتب (السيرافي) لم يصلنا منها شيء وعد
                            (1/488)
                            ________________________________________
                            منها كتاب "النحويين البصريين"، والكتاب في دار الكتب المصرية في نسخة قديمة وأظنها من كتب الشنقيطي.

                            * ثالثًا: الخطأ في النقل:
                            أخطأ المؤلف في نقل عبارات المؤلفين إما بتصرف فيها تصرفًا أفسد معناها، وإما بتحريف الكلم وإما بنقلها من نسخة معرفة من غير تمحيص، وهو كثير.
                            ومنها خطأه في تسميه اسم رجل واحد على مسميين (أحمد بن يوسف ابن صبيح) فقال: أحمد بن يوسف وزير المأمون، وابن صبيح.
                            ومن تقصير المؤلف في توضيح ما نقله عن السيوطي، ناقلاً عن كتاب "العين ومختصر الزبيدي"، إحصاء المستعمل من الألفاظ العربية والمهمل منها، فاستخرج المؤلف من كتاب "الزبيدي" إحصاء المستعمل من الألفاظ العربية 6520 لفظًا مع أن كتاب القاموس (وهو ليس إلا قطرة من بحر اللغة العربية) يشتمل على ستين ألف مادة، متوسط ما في كل منها من المزيد والمشترك عشرون كلمة على الأقل أي نحو مئتي ألف كلمة فكيف ولسان العرب به ثمانون ألف مادة متوسط ما في كل منها ثلاثون كلمة على الأقل.

                            * رابعًا: عدم تحري الحقيقة والصواب:
                            اعتاد المؤلف أن ينقل إلى كتبه ما يعتقده بذاته، أو ما يكون دائمًا على ألسنة عامة القراء والوراقين من غير تمحيص لحقيقتها، لكل من تعرض لتدوين التاريخ في السياسة أو الأدب ألا يكتفي برواية كتاب واحد أو كتابين أو بما يذيع على ألسنة الناس؛ بل يجب عليه تحقيق الخبر وتمحيصه والأخذ بالرواية القريبة من العقل.
                            ومن ذلك نقله عبارة ابن خلكان عن أن الأمين جمع بين سيبويه والكسائي في مجلس المناظرة، وأن الكسائي زعم أن العرب تقول كنت أظن الزنبور أشد لسعًا من النحلة فإذا هو إياها .. والمشهور أن المناظرة جرت في
                            (1/489)
                            ________________________________________
                            مجلس يحيى بن خالد البرمكي، ومن ذلك أنه لم يتحر الحقيقة والصواب في تعداد كتب الواقدي.

                            * خامسًا: التناقض:
                            فمن ذلك ما ذكره عن ابن الرومي والمتنبي وما شكك من نسبة كتاب "العين" إلى الخليل، وناقض المؤلف نفسه في نشأة علم الجغرافيا في العصر العباسي الثاني.
                            - ومن تناقض المؤلف قوله: نشأ علم الجغرافيا في هذا العصر (العصر الثاني العباسي) بعد نقل علوم القدماء إلى العربية وفي جملتها كتاب بطليموس، وعليه معولهم في تقويم البلدان.
                            على أن المسلمين بدءوا بوضع الجغرافيا قبل اطلاعهم على هذا الكتاب، لأسباب غير التي دعت اليونان إلى وضعها إلخ ..
                            - وهذا تناقض من المؤلف إذ ذكر الجغرافية أولاً بمعنى الجغرافيا الرياضية، وأعادها ثانيًا باسم الجغرافيا التخطيطية، التي كانت تسمى علم المسالك والممالك، والمعروف أن العرب اشتغلوا بالجغرافية اليونانية قبل العصر الثاني، والمأمون وعلماؤه ممن صحح أغلاط بطليموس وغيره، في محيط الأرض وقطرها ومنياس الدرجة الأرضية.
                            ومن تناقض المؤلف وتحيره في قول أبي العتاهية: قد نظم في كل أبواب الشعر وامتاز منها بالزهد ويؤخذ من سيرة حياته أنه كان مترددًا متقلبًا على أن تمنع أبي العتاهية عن قول الغزل بعد أن أمره به الرشيد يخالف هذه القاعدة.
                            والرأي أن هذه العلل لو صدقت على كل شاعر يتكسب بالشعر لتبرمت الدنيا بكثرة المحرورين والموسوسين.

                            * سادسًا: الاختصار فيما يجب الإِطناب فيه:
                            ومن أعجب أمور المؤلف أنه يعلم، ويعلم أن الناس تعلم، أنه يؤلف كتاب في آداب اللغة العربية لا آداب اللغة اليونانية القديمة ولا الفارسية ولا
                            (1/490)
                            ________________________________________
                            اللغات الأوربية، ثم تراه إذا خاض في ذكر بحث من مباحث الآداب العربية، أو عدد النبغاء أو ذكر ترجمة شاعر أو كاتب، أقتصر على ذكر نتف قليلة أو اقتصر على العدد القليل من مشهوري النبغاء واختصر تراجمهم مكتفيًا بذكر ما لا يلزم الناقد الأديب ويذكر الكتب التي يراجعها من شاء التوسع.
                            - وأشار إلى تقصير المؤلف بإهماله ذكر الجرمي من نحاة العصر الثاني مع ترجمته لابن ولاء وأبي جعفر النحاس، وإهماله ذكر الأوزان والقوافي التي طرأت على الشعر في جميع العصور التي ذكرها كالمواليا والدوبيت، وتخصيصه إثنى عشر صفحة من كتابه لموضوع أجنبي عن موضوع آداب اللغة العربية بالمرة، وهو آداب اللغة اليونانية وأطوارها وتراجم فلاسفة اليونان.
                            ومن ذلك إسهاب المؤلف في شرح الأدب والانشاء عند الأفرنج وذكره لبعض قصص الأفرنج الخرافية، ومن التطويل المخل بالنظام وضع الكلام في مبحث تأثير القرآن الكريم في اللغة العربية في هذا الجزء ومن حقه أن يدرج في الجزء الأول ومن التطويل تكرار الكلام في موضعين أو ثلاثة لغير موجب مثل وصف التهتك والخلاعة عند الشعراء.

                            * سابعًا: الاستدلال بحادثة جزئية على أمر كلي:
                            اعتاد المؤلف في كتبه أن يستنتج من حادثة جزئية أمرًا كليًا وهذه الخصلة من أكثر ما ينعاه عليه النقاد وقد عمل بها في كتابه هذا غير مرة (وقدم الباحث في ذلك نماذج متعددة)

                            * ثامنًا: تقليد مستعربي الفرنجة حتى في الخطأ:
                            للمصنف ولع بنقل ما يكتبه المستعربون عن العرب وآدابهم ولو خالف الواقع، ومن ذلك نقله فصولاً برمتها مشوبة بالخطأ من كتاب نيكلسن الإنجليزي وبركلمان الألماني مثل مقالة الشعر في العصر الأول وغيرها.
                            من ذلك أن وضع ما يصلح أن يذكر في آداب الفرنجة في آداب
                            (1/491)

                            ________________________________________
                            العرب، وما ينبغي أن يجعل في عصر ظهور الإسلام جعله في عصر بني العباس، ومن يجب أن يترجم له في عصر معين أو في طائفة بعينها ترجم له في عصر غير عصره وطائفة غير طائفته، بحيث تضطرب المباحث وتتداخل العصور.
                            من ذلك ذكره أن الخلاف بين النحويين الكوفيين والبصريين حصل في العصر الثاني وما بعده من عصور الدولة العباسية، والحقيقة أنه حصل في العصر الأول، ومن ذلك تأخيره الكلام عن نشأة علم الفرائض إلى العصر الثالث مع أنه قديم دُوِّن منذ دون الفقه في العصر الأول.

                            * تاسعًا تهافت المؤلف:
                            للمؤلف تهافت وولع بالشيء لا يؤبه له، أو بالأمر يناسب مقامًا خاصًا فيقحمه في كل مقام، كما فعل هذا في كتابه في مواضيع شتى.
                            من ذلك حالة النشوء والارتقاء يقيس بها كل أمر حتى خرج به القياس إلى عكس ما يراد بها وذكر أن اضطراب العلاقة الإسلامية وانحلالها إلى إمارات وممالك صغيرة متنافسة متشاكسه من دواعي النشوء والارتقاء في حين يعده المؤرخون من دواعي الانقراض والفناء.

                            * عاشرًا: اللحن والأغلاط اللغوية:
                            لا تكاد تمر بالقارئ صفحة إلا وهي مشتملة على خطأ لفظي، إما في النحو أو الصرف أو اللغة، وإذ كانت هذه الاغلاط تعد بالعشرات بل بالمئات فإننا لا نستطيع تعدادها.
                            - وفي النهاية يختم الشيخ السكندري -رحمه الله- نقده ختامًا مؤدبًا حيث يقول: والنتيجة أن الكاتب على ما فيه من مواضع النقد لا يخلو من منافع في موضوعه وغير موضوعه، وهي عبارة مؤدبة تعني أن المؤلف لم يكن منضبط المنهاج فكان كلامه أحيانًا يخرج عن موضوع الكتاب

                            ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                            تعليق


                            • #44
                              (1/492)
                              * روايات جورجي زيدان لا روايات الإسلام تهدف إلى إِفساد مفهوم الشخصية الإِسلامية والبطولة:
                              كتب جورجي زيدان "فتاة غسان"، و"عذراء قريش"، و"17 رمضان"، و"غادة كربلاء"، و"الحجاج بن يوسف"، و"فتح الأندلس"، و"شارل وعبد الرحمن"، و"أبو مسلم الخراساني"، و"العباسة أخت الرشيد"، و"الأمين والمأمون"، و"فتاة القيروان"، و"صلاح الدين ومكايد الحشاشين"، و"شجرة الدر".
                              - إن إعادة النظر في كتابات جورجي زيدان تكشف بوضوح أنه يمثل اتجاه الاستشراق والتبشير والتغريب حاملاً شبهاته وسمومه وعاملاً على غرسها في أبحاث التاريخ الإسلامي، وقد كانت هذه الكتابات مجهولة المصدر إلى أن ترجمت دائرة المعارف الإسلامية، التي كتبها متعصبو المستشرقين، وتبين أنها تضاهيها من حيث وحدة المصدر.
                              - ثم جاء بعد ذلك طه حسين وأحمد أمين وأمين الخولي وغيرهم، فأدخلوا التاريخ الإسلامي في مراحل جديدة أشد خطورة ثم جاءت بعد ذلك محاولات التفسير المادي للتاريخ الإسلامي التي حمل لواءها عبد الرحمن الشرقاوي وغيره.





                              * روايات جورجي زيدان:
                              أما المجال الذي استطاع جورجي زيدان أن يبث فيه سمومه، فهو مجال القصص فقد ألف عددًا من القصص تحت اسم روايات الإسلام، دس فيها كثيرًا من الدسائس والمؤامرات والأهواء، وحاول إفساد مفهوم الشخصية والبطولة الإسلامية حيث أساء إساءة بالغة إلى الأعلام من أمثال صلاح الدين الأيوبي، وهارون الرشيد، والسلطان عبد الحميد، وعبد الرحمن الناصر،
                              (1/493)
                              وعبد الرحمن الغافقي، وأحمد بن طولون، والأمين والمأمون، وعبد الرحمن الداخل، وشجرة الدر .. إلخ.
                              - وما زالت هذه الروايات تظهر بين وقت وآخر مطبوعة طباعة فاخرة لتخدع الشباب بذلك الأسلوب القصصي المسموم، وقد أقام جورجي زيدان تصوره على أساس خطير:
                              أولاً: تصويره للخلفاء والصحابة والتابعين بصورة الوصوليين الذين يريدون الوصول إلى الحكم بأية وسيلة، ولو كان على حساب الدين والخلق القويم مع تجريحهم واتهام بعضهم بالحقد وتدبير المؤامرات.
                              ثانيا: تزييف النصوص التي نقلها عن المؤرخين القدامى وحولها عن هدفها تحويلاً أراد به السخرية والاستخفاف بالمسلمين وبني عليها قصصًا غرامية باطلة.
                              ثالثا: استهدف من حشد العلاقات الغرامية، ذات المواقف المنبثة داخل روايات تاريخ الإسلام إثارة غريزة الشباب وتحريك شهوة المراهقين، مستغلاً ضعف ثقافة الكثيرين منهم، وجهلهم بالغاية التي يرمي إليها في رواياته مع الاستشهاد بالأبيات الشعرية المكشوفة الساقطة، التي تحرك الغرائز الدنيا.
                              رابعًا: تبين من البحث الذي قدمه عالم أزهري درس باستفاضة روايات جرجي زيدان أن معظم الأحداث التاريخية في رواياته قد حُرفت وبنيت على أساس فاسد فقد ظل جرجي زيدان -على حد تعبير الباحث- ينقب وينقر ويجهد نفسه في مزج الحق بالباطل وتقديمه في أسلوب براق جذاب معتمدًا على فن أدبي ذي أثر بالغ، وذلك هو فن القصة والرواية، حيث لم يكن حريصًا على تحري الحقائق التاريخية قدر حرصه على الحبكة القصصية وخلق الحوادث المثيرة خلقًا، وقد عمل جاهدًا على طمس التاريخ الإسلامي وتشويه
                              (1/494)
                              معالمة بغية تنفير أبناء العرب والمسلمين من ماضي آبائهم المجيد.
                              خامسًا: من أخطر شبهاته أنه قال ببشرية القرآن، وشكك في مصادر العربية الأول، ومدح بني العباس لأنهم أنزلوا العرب منزلة الكلب (على حد قوله) ونسب إحراق مكتبة الإسكندرية إلى عمر بن الخطاب.
                              - وقد طبع اللبنانيون -ودار الهلال في مصر- روايات جرجي زيدان مزدانة بالصور الملونة والألوان الصارخة بقصد استهواء الشباب وحثهم على قراءة هذه الكتب التي لا تعطيهم إلا صورًا مشوهة لتاريخ أمتهم وأخبارًا ملفقة بغية التشكيك في ذلك التاريخ.
                              سادسًا: أعطى نفسه الحرية المطلقة في تفسير أحداث التاريخ في معظم رواياته، استنادًا إلى ما يسمى موقف الأديب من التاريخ، وكانت تفسيراته متعسفه متكلفة، تخفي محاولة لإثارة مشاعر السخط في نفوس المسلمين.
                              سابعًا: تفسيره لتصرفات هارون الرشيد مع أخته العباسة وجعفر البرمكي وما أثير حولهما من أخبار، بما لا يتفق مع ما عرف عن الرشيد من أنه كان يحج عامًا ويغزو عامًا، بل وبما لا يتفق مع أيسر قواعد التفكير والمنطق السليم وفي رواية (أرمانوسة المصرية) - والتي تحكي قصة فتح عمرو ابن العاص لمصر حاول أن يقول أن الحب بين أرمانوسة وأركاديوس قائد حصن الروم، هو السبب في هزيمة الروم وانتصار المسلمين، واتهم المسلمين بأنهم دخلوا البيوت ينهبون ويسلبون عندما فتحوا بلبيس، وهو مناقض تمامًا لما أورده المؤرخون المنصفون من المسلمين وغير المسلمين.

                              * فتاة غسان:
                              ثامنًا: في رواية "فتاة غسان" والتي تحكي فتوح الشام وبدء ظهور الإسلام أورد شبهة بأن النبي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أخذ تعاليمه من الرهبان، وتأثر
                              (1/495)
                              بتوجيهات الراهب بحيرا واتسمت كتابته بالسخرية والاستخفاف بوثائق العهد النبوي ووصف حادثة شق صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغرابة، وادعى أن هناك خصومة بين خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - وأخذ مصادره في هذا من كتب المستشرقين.
                              تاسعًا: في رواية "عذراء قريش" والتي تناولت عصر الخلفاء الراشدين، أقام منطقه على تجريح الصحابة - رضي الله عنه - واتهام بعضهم بالحقد وتدبير المؤامرات، واتهم السيدة عائشة - رضي الله عنه - بالميل إلى سفك الدماء والنزوع إلى الشر.
                              ووصف الخليفة عثمان - رضي الله عنه - بأنه رجل إمعة وذليل ومستسلم لابن عمه، وافترى على (علي بن أبي طالب كرم الله وجهه) وفسر الفتنة تفسيرًا مغرضًا واتهم عليًّا - رضي الله عنه - بالتهاون في المطالبة بدم عثمان.
                              عاشراً: وفي رواية العباسة، التي تحكى قصة نكبة البرامكة - اتهم الرشيد بالاستهتار والمجون والاستبداد والظلم، وقدم تفسيرًا خاطئًا ومغرضًا لقتل بني برمك، وشوه شخصية العباسة أخت الرشيد.
                              الحادي عشر: في رواية "شارل وعبد الرحمن" -والتي تحكي جزءًا من عصر الولاة بالأندلس- زعم بأن القواد وأمراء الجند من المسلمين كانوا مشغولين بحب فتيات النصارى وقد فتنوا بجمالهن، وأن هذا الحب قد صرفهم عن أمر الفتح، فتركوا جنودهم في ساحة القتال وادعى أنهم كانوا يهتمون بالغناثم أكثر من اهتمامهم بما عداها، وجرى على تصوير حروب الإسلام عن أنها حروب غنائم.
                              الثاني عشر: أجرى على لسان أبي مسلم الخراساني من الافتراء، ما قال من أن العرب كانوا يحتقرون غير العرب، ويسومونهم سوء العذاب ثم يفتخرون عليهم بالنبوة، وطمس معالم التاريخ الإسلامي في هذه الرواية
                              (1/496)
                              بالدس والافتراء، وقدم صورًا باهرة للكنيسة ورهبانها، وأشاد بالأديرة والرهبان حيث جعلها ملجأ الضعفاء وملاذ التائهين والخائفين.
                              - وفي رواية الأمين والمأمون كان واضح التحامل على العرب، واصفًا إياهم بالاستبداد وسوء التصرف مع الأجناس الأخرى التي تربطهم رابطة الإسلام قبل كل شيء.

                              * وفتاة القيروان:
                              الثالثّ عشر: في رواية، "فتاة القيروان" التي تحكي أخبار الفاطميين ومن عاصرهم - حاول التشكيك في أنساب الكثيرين من حكام المسلمين، وكذلك عمد إلى التشكيك في نسب الخليفة المعز لدين الله واعتمد في قصصه الغرامية على الخيال إذ لا يوجد ذكر لكل هذه المواقف في جميع كتب التاريخ وخاصة حاكم سلجماسة الأمير حمدون، بل إن صاحب سلجماسة في كتب التاريخ يختلف تمامًا عما جاء في رواية زيدان، مما يؤكد ميل زيدان إلى التزوير والتحريف.
                              - بل إن صاحب سلجماسة هو محمد بن داسول، وليس الأمير حمدون، ولم يقل ابن الأثير أن له بنتًا شغلت القائد جوهر فخطبها لابنه، وقد أعطى زيدان لليهود في روايته دورًا إيجابيًا، وجعلهم أصحاب الفضل الأول في إزالة الدولة الإخشيدية، وإقامة دولة الفاطميين مقامها.
                              الرابع عشر: في رواية صلاح الدين تلفيق وتزوير وإفساد للتاريخ فقد ذهب إلى أن الخليفة العاضد لما ضعف أمره استدعى صلاح الدين، وأوصاه بأهله خيرًا وأن صلاح الدين نقض هذا العهد بعد سويعات، وحاصر قصر الخليفة وأخذ كل ما فيه ومن فيه.
                              ولا ذكر في كتب التاريخ لتلك الوصية والإشارة في كتب التاريخ إلى
                              (1/497)
                              سيرة الملك هذه.
                              - وهذه الوصية التي ذكرها زيدان لم ترد في الكامل لابن الأثير ولا غيره فهي ملفقة مزورة، كذلك فقد زيف زيدان النصوص التي نقلها من ابن الأثير، وحولها تحويلاً أراد به السخرية والاستخفاف بالمسلمين وبنى عليها قصصا غرامية باطلة.
                              ولم يعن المؤلف بالتصوير الحي لشخصية صلاح الدين، ولم يسجل مواقفه الحاسمة، وصرف الشباب عن الحديث عن الدور المهم الذي قام به صلاح الدين، بالحديث عن مكائد الحشاشين -الإسماعيلية- وتهديدهم لصلاح الدين، واعتمد على روايات طائفة الحشاشين، تلك الجماعة الضالة المنحرفة، وحاول أن ينسب إلى صلاح الدين قصصًا غرامية كاذبة.
                              الخامس عشر: وفي رواية "شجرة الدر" والتي تحكي أحداث نهاية العصر الأيوبي وبداية المماليك في مصر - حاول أن يصور نساء السلطان الصالح نجم الدين أيوب بصورة النساء اللاتي يتاجرن بأعراضهن، في سبيل الحصول على ما يتطلعن إليه وليس معه أي دليل من التاريخ وهذه الدعاوى التي أوردها حول شجرة الدر تختلف عن الحقائق الواردة في الكتب التي أرخت لهذه الفترة من أمثال النجوم الزاهرة لأبي المحاسن والمواعظ والاعتبار في الخطط والآثار، وصبح الأعشى للقلقشندي.

                              * التلاعب بالمراجع:
                              السادس عشر: وخلاصة ما يصل إليه البحث حول روايات جرجي زيدان:
                              1 - تحوير مواقف الشخصيات التاريخية.
                              (1/498)
                              2 - إثارة الشكوك حول البطولات الإسلامية.
                              3 - تعمد إغفال الحوادث التاريخية المهمة.
                              4 - إضفاء حالات مثالية على الأديرة والرهبان ودور النصارى واليهود في التاريخ الإسلامي.
                              5 - التلاعب بالمصادر والمراجع.

                              * رأي مجلة الموسوعات:
                              قالت مجلة الموسوعات 1899: لم يلتزم جرجي زيدان بتمحيص الحوادث التاريخية، فاختلق شخوصًا ونسب إلى بعض الشخصيات الإسلامية البارزة ما ليس فيها مما أثار جمهور المسلمين.
                              - فعذراء قريش (أسماء) بطلة الرواية لا وجود لها، إلا في ذهن المؤلف، وقد يكون له بعض العذر التأليفي كقاص، ولكن الباطل أنه نسب لمحمد بن أبي بكر، المعروف عنه الزهد عشق هذه العذراء، بل إن صاحب الهلال بنى على هذا الباطل باطلاً، فاختلق سببًا من عنده ليس له أسانيد تاريخية في تفسيره بعض الأحداث وزعم أن عشق محمد بن أبي بكر (كان سببًا) في ازدياد هياجه على عثمان - رضي الله عنه -، ونسب إلى الحسين بن علي - رضي الله عنهما - عشقه لهذه العذراء الوهمية وغيرة محمد بن أبي بكر منه.
                              وادعى أن الإمام عليًّا - رضي الله عنه - أعجب بعذراء قريش، عندما أدخلت عليه في زي رجل مع أن الدين كان يحث على عدم تشبه النساء بالرجال وقد عرف عن علي كرم الله وجهه تمسكه بالدين مما ينفي عنه أنه يعجب بمثل هذا.
                              - وقد أقر جرجي زيدان بخطئه في هذه الوقائع (هلال مايو 1899) وحاول أن يدافع عن نفسه ولكن دفاع الطائر الذي وقع في شبكة الصياد.
                              (1/499)
                              - ونقول: إن المجلة انطوت وبقيت القصة في أيدي القراء، يعاد طبعها دون التفات إلى هذه الملاحظات وقد أرسل العلامة رفيق العظم إلى جرجي زيدان 1899، يؤاخذه على إغفاله الاعتبارات التاريخية ويستنكر تأليف التاريخ الإسلامي برمته في قالب قصصي.
                              - وهذه الملاحظة قد تكررت من الناقدين، وقد انتقدوه في شأن هذه القصص وما أورد فيها من أخباره الكاذبة، وثانيًا: بسبب نسبة العشق والغرام إلى رجال سلفنا الكرام، وقد أشارت جريدة المؤيد إلى ذلك في التعليق على قصة (الحجاج بن يوسف)، فقالت: الحوادث الغرامية لم تسند إلى أحد من رجال السلف العظام والأئمة الذين يجلون عن هذه الانحرفات، هذا فضلاً عن الأخطاء في الأمور التاريخية المشهورة.


                              ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                              تعليق


                              • #45
                                * صحافة الضرار والأقلام المسمومة:
                                - من فمك أدينك:

                                وصف محمد التابعي -الذي كانوا يعدونه أستاذ الجيل كله من الصحفيين الذين خرجتهم مجلة روزاليوسف- الصحافة بأنها ذات تبعية خارجية متعددة الألوان، فقال بالنص:
                                "هذه الصحيفة صنيعة أمريكا، وهذه الصحيفة مأجورة للإنجليز، وهذه المجلة تصدر بأموال شيوعية، وهذا الصحفي يتلقى أوامره ومرتبه الشهري من موسكو أو وارسو أو براج. وهكذا أصبحنا جميعًا نحن الصحفيين بين فاسدين ومفسدين ومنافقين وخونة، مأجورين للكتلة الغربية والكتلة الشرقية، وأصبح الشعب في حيرة من لسانه المسموم، الصحف التي أيدت الطغيان ودافعت عن الفساد، الصحفيون الذين مرّغوا جباههم تحت أقدام الطغيان بعد
                                (1/500)
                                ________________________________________
                                أن أسفر الطغيان" (1).
                                - يقول الدكتور محمد عباس.
                                "منتهى الخسة - ذهلت والله يا قراء .. ذهلت .. ذهلت رغم أن ما نمرّ به أوحى إلي أنني لن أذهل بعد ذلك أبدًا .. لكن ما رأيته كان يفوق أبشع خيال ممكن، كانت إحدى القنوات الفضائية الليبرالية أعنى غير الإسلامية تعرض برنامجًا عن الحداثة والثقافة، وكانت المناسبة اكتشافهم المتأخر جدًا لكتاب المؤلفة البريطانية فرانسيس ستونز "من يدفع أجر العازف" والذي تفضح فيه بالأسماء عملاء المخابرات الأمريكية من كبار الفلاسفة والكتاب والمفكرين ومجلات عربية تطرق الحديث إلى مجلة الكاتب (2) التي رأس طه حسين تحريرها في الأربيعنيات بعد أن أعطوه شيكًا على بياض بما يحدده لنفسه من راتب ودون الالتزام حتى بالكتابة .. وأن المشرف المالي على المجلة كان .. كان .. كان أبا إيبان!! .. نعم .. أبا إيبان وزير الخارجية الإسرائيلي بعد ذلك (3).
                                __________
                                (1) أخبار اليوم 25/ 10/1952 م.
                                (2) وهي يهودية.
                                (3) في كتاب "طه حسين في ميزان العلماء والأدباء" لمحمود مهدي استانبولي (385 - 388).
                                قال الدكتور سعدي الهاشمي: "إن طه حسين هو الذي تبنى إصدار قرار بتعيين الحاخام اليهودي "حاييم ناحوم" عضوًا في مجمع اللغة العربية في القاهرة؛ ليكون عينًا على المفكرين ورجال اللغة".

                                ويقول "فريد شحاتة" كاتب طه حسين، وقد كان موضع أسراره العشرات من السنين، وكان لصيقًا بقلب طه حسين، وكان نصرانيًا، كتب مقالاً جاء فيه: "إن طه حسين قد تعمد لاعتناق النصرانية في شبابه عند زواجه من زوجته الفرنسية، وكان ذلك في كنيسة إحدى القرى الفرنسية" انظر مجلة الثقافة، العدد (74 لسنة 1979) (ص 4)، من مقالة لأحمد حسين، ومعركة الشعر الجاهلي بين الرافعي وطه حسين للدكتور إبراهيم عوض (ص 27) مكتبة الفجر الجديد - مصر.
                                (1/501)
                                ________________________________________
                                - تطرق الحديث إلى ما كشفته وثائق المخابرات السوفيتية عن الشيوعيين في العالم العربي وقدر ما كان يمنح لهم من رواتب ومصروفات سرية، توقعت أن يسقط الشيوعي من الخجل، وتوقعت أن يصرح الحداثى أنه اكتشف أنه كان غبيًا وقد خدع، لكن ذلك لم يحدث .. فعلى الفور .. ركبوا الموجة .. وراحوا يؤكدون على أن الثقافة منذ ستين سنة صناعة أجهزة المخابرات الأمريكية والسوفيتية وكأنهم لم يكونوا هم بالذات عملاءها ومفاتيحها إلى التسلل إلى الوطن لتخريبه (1).

                                - رحم الله مصطفى صادق الرافعي حين وصف الصحافة فقال: "لو عرفت الصحافة وأهلها لرأيت أن العمل فيها أشق الأعمال على النفوس الكريمة فهذه ليست صحفًا وإنما هي حوانيت تجارة".
                                ولقد سقطت الصحافة في تلك السنوات في أيدي اليساريين فانحرفت انحرافًا شديدًا وهزمت فيها القيم هزيمة منكرة، وعورضت كل مفاهيم الدين والأخلاق، ولم يكن الشيوعيون وحدهم ولكن كان معهم الماسون والتلموديون والبعثيون، وكل أعداء الإسلام والعرب وقد تجمعوا في صعيد واحد.
                                ولقد سحق تيار الشيوعيين في هذه الفترة كثيرًا من أهل الأصالة وأهملهم ووضعهم في الظل ولم تستطع الصحف أن تجد مجالاً لكلمة واحدة عن الأخلاق والدين إلا ما كان ينشر تحت رقابة شديدة في مجلة منبر الإسلام يحمل توجيهات الخصوم للدعوة الإسلامية ورجالها وإلى دعوة التضامن الإسلامي.
                                __________
                                (1) من مقال "ظلمات فوقها ظلمات .. فاخرجي يا أمة .. تنكشف الغمة" مجلة المختار الإسلامي العدد 248 - السنة 24 غرة ربيع الثاني 1424 هـ- 1 يونيو 2003 م (59 - 60).
                                (1/502)
                                ________________________________________
                                وفاجأ الناس الدكتور صفي الدين أبو العز وزير الشباب بكلمته المسمومة حين هاجم التراث الإسلامي ووصفه بالجمود والرجعية وتبعه الدكتور يوسف إدريس فدعا إلى حرق التراث.
                                - وجاءت كتابات لطفي الخولي وأحمد عباس صالح وأحمد عبد المعطي حجازي، وعبد الرحمن الشرقاوي لترسم محاولة ماكرة في أن تجعل للشيوعية والاشتراكية والماركسية جذورًا في الفكر الإسلامي، وفي محاولة لتفسير تاريخ الرسول والصحابة على نحو تقسيمهم بين اليمين واليسار، وجرت محاولات لجمع خيوط والتقاط كلمات وعبارات وإخراجها عن سياقها وواقعها من كتابات عبد الله النديم، وجمال الدين، ومحمد عبده ورفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الكواكبي لمركسة مفاهيم الإسلام، كما جرى الاتكاء على تيارات مشبوهة كان أصحابها أولياء للنفوذ الأجنبي والاحتلال والاستعمار أمثال شبلى شميل وأديب إسحق ويعقوب صنوع وفرح أنطون وأمين الريحاني وجبران، وهو تيار مشبوه يجب الكشف عن زيفه وانحرافه وجرت المحاولة لجعل كلمة الاشتراكية من مفاهيم الإسلام كما حاول الاستعمار من قبل في كلمة الديمقراطية. اقرأ كتاب العقاد.
                                كانت الغاية هي تقديم اليسار على طبق إسلامي وهي محاولة ضالة ثبت فشلها وسرعان ما هزمت بالرغم من نفوذ الصحافة الماركسية.
                                أفسحت الصحافة العربية في هذه الفترة صفحاتها للدفاع والدعوة لعدة قضايا مسمومة:
                                أولاً: مفهوم القومية الوافد المفرغ من القيم العربية والإسلامية.
                                ثانيًا: مفهوم الماركسية والتفسير المادي للتاريخ.
                                ثالثًا: مفهوم الإباحية والجنس والكشف والإلحاد.
                                (1/503)
                                ________________________________________
                                - وهكذا صبت صحافة النكسة السموم عن طريق الأقلام الشيوعية والمادية والوجودية، ولا ريب أنه كان لهذه الكتابات مسئوليتها الخطيرة في الهزيمة والنكبة والنكسة، وفي الوصول إلى مرحلة التسليم والتقبل والاحتواء للنفوذ الأجنبي ممثلاً في الشيوعية والصهيونية (هذه المرحلة التي عاشتها البلاد العربية قبل العاشر من رمضان).
                                ولقد دحرت بشدة تلك الأقلام التي حاولت أن تكشف هذه الأخطار ممثلة فيما نشرته مجلة الرسالة عن لويس عوض ودور جريدة الأهرام، وأغلقت تلك المجلات الثقافية؛ لأنها كانت تعمل على طريق الأصالة، وجرت إلى ذلك محاولة إحياء الماضي الفرعوني والإغريقي والجاهلي العربي وتمجيده وبعث الأساطير وإعادة صياغة الوثنيات والفلسفات السريانية والمجوسية، والباطنية وإحياء عشتروت وزيوس وباخوس، والهدف هو هدم التصورات الإسلامية وإخراجها من مفاهيمها الأصيلة والتشكيك في هذه النقولات وإخضاعها للمفهوم الماسوني الوثني القديم والحديث الذي يختلف بل ويتعارض مع مفهوم التوحيد الإسلامي.
                                واستغل الماركسيون رفاعة الطهطاوي كما استغله الليبراليون لأنه تأثر بالفكر الغربي وبالدعوة إلى الوطنية وأعجب بمظاهر الحضارة الغربية وخاصة الرقص الغربي، وتنافس عليه خصوم الإسلام ودعاة الشيوعية جميعًا.
                                وهوجم عزيز أباظة عندما أثار في حفل توزيع جوائز الدولة مسألة الفصحى، هاجمه الشيوعيون بقوة وشراسة، هاجمه صلاح جاهين وصلاح عبد الصبور، وقال صلاح عبد الصبور: "إنه رجل سلفي يؤمن بالجمود ويتحدث عن التطور كارهًا، وقد فاته أن التعبير بالعامية لا يعادي اللغة العربية، وقد نسي أو تناسى أوسمة منحت لصلاح جاهين وسعد وهبه ومرسي جميل عزيز، وهم من كتاب العامية، والقضية ليست قضية إطار
                                (1/504)
                                ________________________________________
                                لغوي ولكنها قضية تعبير عن العصر، وفي هذا يتساوى من يعبر بالفصحى وأنا منهم ومن يعبر بالعامية مثل كتاب المسرح والأغنية، واللغة العامية لغة تعبير موفقة في كثير من الأحيان ومكملة للعربية في كثير من الحالات.
                                - وهكذا أفسحت الصحافة لمهاجمة الفصحى والدفاع عن العامية ووصفها بأنها لغة، ولم يظهر رجل رشيد يدحض هذه الكلمات المليئة بالمغالطة والانحراف حين يرى أن كل مدافع عن الفصحى سلفي مؤمن بالجمود، أو دعواه الباطلة بأن التعبير بالعامية لا يعادي الفصحى.
                                وهكذا كانت الصحافة وعاء لكل تلك السموم، وهددت الصحافة البشرية بالمجاعة موالية بذلك دعوى الرأسماليين وأصحاب الملايين اليهود، وعارضت تطبيق الشريعة الإسلامية وغضت من شأنها وفتحت صفحاتها لكل من يستطيع أن يثير الخلاف أو يقدم الرأي الذي ينتقص من الشريعة، وحملت ترجمات القصص الأجنبية المكشوفة أمثال أزهار الشر، وصورة دون جراي، وهكذا تكلم زرادشت، وعشيقة اللورد شترلي، وفتحت صفحاتها أسبوعًا وراء أسبوع لترويج هذه السموم المكشوفة والصور الفاضحة.
                                وبالجملة فإن الصحافة العربية في فترة (الهزيمة والنكبة والنكسة) (1948 - 1967) التي نؤرخ لها قد حملت كل الأفكار التي طرحها الاستعمار والتغريب وروجت لها وأشادت بها وقطعت أشواطًا طويلة في الدعوة لها والدفاع عنها والإلحاح بها والبث يومًا بعد يوم، وفي مقدمتها الاشتراكية الديمقراطية، القومية الوطنية، وكلها مستمدة من مفهوم غربي من شأنه أن يمزق الوحدة الإسلامية الجامعة، وكان أغلب زعماء الصحافة في هذه الفترة ماسونًا ومن غير دين الأغلبية يهودًا وكاثوليك وموارنة، ثم جاء من بعدهم أتباع الروتاري والليونز وحملة لواء الوجودية والبهائية والقاديانية، وقد دافع هؤلاء وأولئك عن التفرقة بين الاشتراكية والشيوعية وبين الصهيونية واليهودية.
                                (1/505)
                                ________________________________________
                                - وهي التي والت النفوذ الأجنبي على مختلف جبهاته: فرنسيين مع فرنسا، وإنجليز مع بريطانيا وأمريكيين مع الولايات المتحدة وروسًا مع الاتحاد السوفيتي، وهم من وراء ذلك موالون لما هو أشد خطورة، للماسونية العالمية والتي تربط بين الرأسمالية والشيوعية والصهيونية برباط خفي، وهي التي حملت على رجال الدين وعلى الأزهر وعلى كل صيحة إسلامية، وشوهت الأسماء اللامعة بالسخرية منها بالنكتة الفاضحة والكاريكاتير السخيف.
                                وهي التي أخفت كل الحقائق حتى يظل النفوذ الأجنبي قادرًا على العمل خادعًا للمسلمين، وكم من وثائق وتصريحات لقادة عالميين كبار ويهود وغيرهم تكشف عن مخططات يراد بها هدم الإسلام أو تدمير المسلمين، عملت الصحافة على تجاهلها ثم كشفت عنها الحقائق من بعد.
                                - وقد كانت الشخصيات التي حاربت الإسلام وخدعت العرب والمسلمين موضع تقدير الصحافة العربية من أمثال لطفي السيد وسعد زغلول، وساطع الحصري وطه حسين وقاسم أمين، وعلى العكس من ذلك كان كل المجاهدين العاملين من أجل إعلاء كلمة الله موضع تجاهلها والإغضاء والإنكار.

                                * نموذج من فساد الأقلام المسمومة وإِفسادها:
                                لعلك تعجب حين ترى جريدة الأهرام تتهم السيدة خديجة - رضي الله عنه - بأنها حوّلت دارها إلى حزب نسائي (الأهرام 21/ 9/1975) ووصفتها بأنها كانت تدعو إلى تحرير المرأة.
                                - وصبري أبو المجد يكتب كتابًا يسميه "أم الأشتراكية - خديجة بنت خويلد" (1).
                                __________
                                (1) كلهم سلمان رشدي (ص 27).

                                ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
                                ردود 0
                                24 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
                                ردود 112
                                158 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
                                ردود 3
                                32 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عاشق طيبة
                                بواسطة عاشق طيبة
                                 
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
                                ردود 0
                                114 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
                                ردود 3
                                58 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                يعمل...
                                X