كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام

تقليص

عن الكاتب

تقليص

نور الهداية مسلمة ولله الحمد اكتشف المزيد حول نور الهداية
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    (1/506)
    ________________________________________
    * الصحفي محمد التابعي أستاذ الجيل لصحفي روزاليوسف ورائد المدرسة الروزيوسفية وعرّاب الإِثارة:
    محمد التابعي هو رأس مدرسة الإثارة بدأها عام 1926 م في مجلة روزاليوسف ثم بعد أن خرّجت روزاليوسف أجيالاً من الصحفيين تبلورت المدرسة في دار أخبار اليوم التي صدرت عام 1943 واتسعت من بعد ووضعت اسم محمد التابعي على رأس جريدتها اليومية باعتباره الأستاذ الأعظم حتى قريبًا من وفاته سنة 1976.

    * رأس مدرسة الإِثارة محمد التابعي:
    لا ريب أن محمد التابعي هو رأس هذه المدرسة الروزيوسفية التي خرجت مصطفى أمين وإحسان عبد القدوس، وهيكل وأنه هو الذي أسس لصحافة ساخرة خليعة تعتمد على الإثارة والجنس وتعقب الناس ومعرفة أسرار البيوت وكشف العورات.
    وأن هذا اللون في الصحافة العربية لم يكن معروفًا على هذا النحو قبل صدور مجلة روزاليوسف عام 1926، وقد عاش التابعي يرعى هذا العمل حتى نما واستحصد في آخر ساعة ثم في أخبار اليوم وهو الذي وسع نطاق الكاريكاتير الذي كان سياسيًا في مجلة الكشكول فأصبح اجتماعيًا وسياسيًا في روزاليوسف وآخر ساعة وأخبار اليوم.
    - وكان على الجناح الآخر فكري أباظة في صحف دار الهلال، وقد أشار مصطفى أمين في السنوات الأخيرة إلى أنه كلف أمينة السعيد وهي طالبة في الجامعة بأن تكون مندوبة آخر ساعة وأن تجمع له ما يدور على ألسنة السيدات في البلاج وفي سهرات سان استيفانو، وهذا يؤكد تلك الظاهرة الواضحة التي سجلها تاريخ الصحافة؛ فإن مجلة آخر ساعة كانت تنشر من
    (1/507)
    ________________________________________
    أسرار البيوت والبيوتات ما عجزت الصحف كلها عن الوصول إليه لسبب سري جدًا هو أن مندوبي مجلته في هذا الباب كن من الصديقات اللائي لا يعرف أحد صلتهن بالتابعي.
    ولقد عمل التابعي في مجلة المسرح (عبد الحميد حلمي) ثم في الأهرام بتوقيع حندس، وكان عمله قاصرًا على النقد المسرحي وكذلك بدأ عمله في (روزاليوسف) ولكن حزب الوفد الذي كان قد أزعجته حملات الكشكول المعارضة أراد أن يواجه العمل بمثله، فاتفق مع صاحبة المجلة على تحويلها سياسيًا وقام مكرم عبيد بتدريب التابعي على هذا الفن الملعون (فن الكاريكاتير) والسخرية بالناس والبحث عن أسرار بيوت خصومهم للكشف عنها، وكان التابعي من أشد دعاة الوفد المتحمسين والمدافعين عنه، ولكن صداقته لأحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي لم تلبث أن حولته إلى خصم عنيد للوفد حين شكلت تلك الجماعة المؤيدة للملك فاروق بعد حادث 4 فبراير عندما اقتحم المحتلون الإنجليز قصر عابدين وفرضوا على الملك حكومة برئاسة مصطفى النحاس باشا.
    - وتشكلت هذه الجماعة من محمد التابعي ومصطفى أمين، وكامل الشناوي وكثير من نواة جريدة أخبار اليوم عام 1944 التي أنشئت بواسطة السعديين المنشقين عن الوفد (شيك بمبلغ خمسه آلاف جنيه ورخصة جريدة) ودخلت أم كلثوم وساهمت بإغراء أن يكون لها دفاع وكانت تنوشها الصحف كل يوم (20 ألف جنيه).
    وكانت هذه العصبة تلبس قفازًا من حرير، وتحتمي وراء مظهر الوطنية لتعمل عملها وتدفع المرأة خارج حياة الأسرة على النحو الذي عرفته الصحافة العربية تحت اسم صحافة الإثارة.
    - يقول التابعي: اعتدت أن أمضي كل سنة سبعة شهور أو ثمانية
    (1/508)
    ________________________________________
    خارج مصر بين باريس والريفيرا وسان موريتز، وشبعت من كل مفاتن الحياة، ولم يعد هناك جديد يستهويني، وأذكر أنني كنت آخذ معي إلى الكباريهات علي ومصطفى أمين الذي كان يأتي مرغمًا؛ لأنه ليس له مزاج في شيء من الحياة إلا الجري وراء الأخبار والأحاديث، وكان الناس يطلقون عليهم الحزب الخاص للتابعي.
    وقد وصف الصحفي الذي أجرى معه الحديث (8 - 10 - 1960) بأن غرفة مكتبه كانت غرفة بار متصلة بغرفة المائدة.
    - ويصور التابعي حياته الصحفية في عديد من المقالات (كيف كنا نعيش في رأس البر) (21 - 4 - 1956) أخبار اليوم، على الشاطئ الرملي البدائي الساذج خطرت الغزلان الغواني والغانيات يرتدين ثياب الاستحمام وأحدث أزياء الصيف التي كن اشترينها من دورفيل ونيس وكان وروما وباريس، وكانت لي عشة صغيرة على شاطئ البحر مباشرة، كانت أشبه بدار ضيافة للأصدقاء فقد كنت أرجوهم أن يقيموا معي ويؤنسوا وحدتي (أم كلثوم وتوفيق الحكيم والصاوي، وحفني محمود، ونجيب الريحاني، وسليمان نجيب، وفكري أباظة، ومحمد عبد الوهاب، وسعيد عبده) وقد رووا قصصًا مثيرة أو قصصًا غامضة، وكلهم يؤكد أن قصته حقيقية وأن حوادثها وقعت وأبطالها عاشوا.
    - هذه هي الخلفية لصحافة الإثارة، يقول حافظ محمود: بدأ محمد التابعي من المسرح وجو المغنيات والممثلات ثم جاءت السياسة فأداها بنفس مفهوم السخرية والبحث عما وراء حجرات النوم، وفي مجلة روزاليوسف استعار أسلوب النقد المسرحي وحوله إلى نقد سياسي وأنشأ بأسلوبه مدرسة من ناشئة الصحافة، وكبر تلاميذه وتفوقوا عليه، وترك روزاليوسف وأنشأ آخر ساعة.
    (1/509)
    ________________________________________
    سفره إلى أوربا في الصيف والأقصر في الشتاء، أول من اختاره أحمد حسنين لدعم الملك فاروق وجمع حوله المجموعة، هاجم مصطفى النحاس لحساب القصر بعد أن كان أكبر نصراء الوفد وكان أصدق صديق لأحمد حسنين رئيس الديوان الملكي الذي كان يستخدم كل أسلحته لطعن الوافدين.
    وكان يتقاضى أعلى مرتب وصل إليه صحفي (700 جنيه في الشهر) في الخمسينات وقد أشار كاتبون كثيرون إلى أنه عرف بإسرافه في الحديث عن المرأة أثناء نزوله في فنادق سويسرا وباريس، يبحث عن النبيلات من الأسر المالكة التي قوضت الحرب والثورات عروشهن في أوربا والعصابات والجاسوسيات الدوليات والفنانات والهاويات من أنصاف الفنانات، بوصفهن مخلوقات عجيبة، يشتركن في مأساة الانهيار السياسي والاجتماعي الذي أصاب العالم بعد حربين عالميتين خرجت منها هذه النساء كحطام يبحث عن الحب أو الأمل في كأس أو مغامرة، وكما فعل التابعي حين هاجم النحاس باشا والوفد لحساب الملك فاروق وصاحبهم في رحلة الحياة كشف سوءاتهم بعد حركة الجيش 1952، كذلك فعل مصطفى أمين.
    - كان الهدف الاجتماعي يختفي وراء الهدف السياسي: إشاعة روح السخرية والاستخفاف بكل القيم الاجتماعية، وخلق أسلوب جديد تجتمع فيه العامية مع تفاهة المعنى، تمييع الحياة السياسية بإطلاق عبارات نازلة على السياسيين كوزير المصارين ومأذون القرية، ويتفاخرون بأمانة التابعي الصحفية وأنه قدم للمحاكمة، أما أمانته الصحفية فيكشف عنها موقفه في كشف أسرار الجهات التي ائتمنته عليها.
    - أما بالنسبة للمحاكمات فإنها لم تكن من أجل الوطن ولا من أجل كلمة الحق فالمقال الذي حوكم عنه التابعي يكفي ذكر عنوانه: "ملوك وملكات أوربا تحت جنح الظلام" ندد فيه بملوك أوربا وفضائحهم، ولم يقتصر على
    (1/510)
    ________________________________________
    الفضائح المترجمة بل أضاف إليها مما أبدع خياله، وإن القضية الآخرى كانت ولاء حزبيًا، وقد وصف التابعي بأنه عاش معتزًا بكبريائه وكرامته فأين هي هذه الكرامة وهذا الكبرياء؟ في البحث عن عورات البيوت والأسر والمشاهير أم في تعقب الأميرات اللواتي سقطت عروشهن في أوربا، هل عرف عن التابعي مقالاً في مواجهة الأخطار التي تعرضت لها مصر أو البلاد العربيهّ، إن مقاله عن اليهود كان دعوة لزعماء العرب إلى التصييف في إسرائيل.
    وكانت دعوته إلى إلغاء الأحزاب وإنشاء الحزب الواحد إبان دكتاتورية عبد الناصر من الصفحات السوداء في تاريخه، وكانت حملاته على بعض ملوك العرب وزعمائهم متابعة للولاء الدائم للحاكم المستبد، هذا فضلاً عن عمله الخطير في تدمير القيم الإسلامية والخلقية بكتاباته الساخرة من الإسلام والشريعة والحدود ورجال الدين، وبدعوته إلى كتابة قصص الجنس المكشوفة وأخبار الأسر بأسلوب غير كريم.
    - كان التابعي على مدى حياته رجلاً مترفًا منحلاً يريد أن يذيع فلسفة الانحلال من خلال كتاباته الصحفية ليرضى عنه كل حاكم، وهو لا يبالي أن يكون مع الحاكم إبان حكمه ثم يكون ضده من بعده فيكشف عوراته ويصمه بأسوأ صور الفساد مع أنه كان مؤيدًا له، وذلك موقفه من فاروق قبل وبعد، وكان حريصًا على نشر قصص الفساد العالمي والتحدث عن سوءات البيوتات وتلخيص قصص الجنس العالمية، من مثل هذا: (كانت اللادي ديانا قد عرفت وهي لا تزال بعد دون العشرين من عمرها خادمًا في قصرها مفتول الذراعين قوي الساقين وأسلمته الفتاة نفسها، سليلة الشرف والمجد المؤثل ثم تزوجت رجلاً خامل الذكر بليد الفهم وعرف زوجها وأدمن الشراب .. )
    هذه هي القصص التي كان يقدمها التابعي ويوليها اهتمامه الكبير، بالإضافة إلى قصص عصبة المجان في رأس البر، ويقول: (أعطيت أحد
    (1/511)
    ________________________________________
    الزملاء ممن كانوا يتعاونون معي في تحرير آخر ساعة فكرة قصة وأمسك اليوم عن ذكر اسمه لأنه أصبح قصصيًا ناجحًا معروفًا) والقصة قصة فتاة من بنات البيوتات الكبيرة والأسر الراقية، وتزوجت الفتاة من فتى أحبها وأحبته واكتشفت ذات يوم أن زوجها هو عشيق أمها، وهكذا نقل التابعي وقائع المجتمع التي تتعلق بخصوم سياسيين إلى مجال القصة حتى يفلت من العقوبة، وكذلك تعلمت عصبة المجان هذا الأسلوب وهذه هي القصة التي حققت من أجلها النيابة معه وكان يدعي أنه سجن من أجل كرامة المهنة وشرف الكلمة.
    - وكان التابعي قد نشر ذلك في جريدة أخبار اليوم من بعد، ويكتب محمد التابعي قصة عام 1960 يتحدث فيها عن رجل يخدع ويضحك عليه ويدبر له أمرًا بادعاء من سيدة تعطلت سيارتها ولاحقتها الأمطار وتريد أن تجفف ثيابها، ثم عرف بعد أنها راهنت عليه وكسبت الرهان وكيف أن المرأة ضحكت علية وسخرت منه وبعبارة التابعي (وكيف أنه حمار ومغفل وقد طب أمام سحرها زي المقطف)، لحساب من هذه القصص الصارخة التي تريد أن تعلم فتياتنا أساليب ماكرة من الغواية والاغتصاب، هذه هي قصصهم التي تجددت من بعد تحويل حادثة معينة إلى قصة، وتحويل قصة إلى ظاهرة اجتماعية، ويدخل التابعي في مناقشات مع علماء الدين ليسخر منهم وليؤكد هدفه في إذاعة الفحش والفساد.
    - ويتساءل التابعي في بعض مقالاته: كان بعض أصحاب الفضيلة من رجال الدين قد أثار في وقت ما ضجة حول الصور العارية التي تنشرها الصحف والمجلات، ولم يقل لنا أحد يومئذ هل الاعتراض مقصور على الصور العارية لكواكب السينما الأجنبيات، ومن في حكمهن والصور العارية لنساء وفتيات غير معروفات بالاسم واللقب والصور العارية المرسومة من
    (1/512)
    ________________________________________
    الخيال أم بعض صور سيدات وآنسات المجتمع المصري كما يظهرن في الحفلات والمآدب والليالي الساهرة، التي تقام في أندية عامة أو في بعض الفنادق.
    ثم ما هو المقصود تمامًا وعلى وجه التحديد من كلمة الصور العارية، هل يكفي مثلا أن تكون الصور لسيدة قد عرت ظهرها وصدرها ونحرها ْنزولا على أحكام آخر موضة جاءتنا من باريس أو روما أو لندن. إن الأجساد العارية في الأفلام وإعلانات الجدران خاضعة لرقابة الأفلام ولكن لأي رقابة تخضع الأجساد العارية في حفلات مواسم الأوبرا.
    - هذا هو أسلوب التضليل والخداع والنفاق وإثارة الشبهات والفتنة الذي كان يتبعه التابعي الذي عمل تابعًا للسيدة روزاليوسف في مجلتها ثم انفصل عنها والذي عاش قلمًا مدافعًا عن كل الفنانين والراقصات.
    كتب التابعي عن إحدى الممثلات: "إنها فقدت كل شيء، مالها وشبابها وجمالها ولكن شيئًا واحدًا لا تزال تحتفظ به وتعتز، هو كبرياؤها وعزة نفسها، لقد كسبت عشرات الألوف من الجنيهات وأنفقتها كلها في سبيل التمثيل، وسمعت من ثقة أنها باعت أدوات المطبخ واليوم قبلت أن تظهر على المسرح كذا، لا لتمثل ولكن لترقص وتغني، إنها مأساة".
    وهذه هي المأساة في نظر التابعي امرأة راقصة أو ممثلة أو مغنية فقدت المال الذي جمعته لأنه حرام ثم أخذت تتسول، والتابعي هو محامي هذا الصنف من الناس، والتابعي هو الذي قدم قصة مرغريت فهمي التي قتلت علي فهمي كامل، وقصة أسمهان تلك الفاجرة التي كانت جاسوسة للاستعمار البريطاني والصهيونية، والتي قيل أن التابعي إبان الحرب العالمية الثانية كان يسافر إلى القدس ليجتمع بها والتي كانت بحكم زواجها من أحد أمراء الدروز الموالين للحلفاء، كانت تطلعه على كثير من الأسرار.
    (1/513)
    ________________________________________
    - هذه هي صحافتهم التي ابتدعوها: تذليل العقبات أمام كل صور الفساد والإباحية والاغتصاب، ويتساءل محمد التابعي: هل هناك حياة بعد الموت، ويحيل الإجابة على السؤال إلى يوسف وهبي الذي ليس إلا عمودًا خطيرًا من أعمدة التغريب والغزو الثقافي، وهو ثالوث طه حسين وأم كلثوم.
    لقد كان التابعي على رأس مدرسة الدفاع عن كل باطل ما دام في خدمة المخططات الأممية تحت لواء الليبرالية ظاهرًا وهدم المرأة والأسرة هو العمل الأول، وله كتاب "نساء في حياتي" يصور فيه مغامراته الدنسة، ويقول أنه لا يؤمن بالحب العذري، ولكن التابعي لم يفلت من ضربة القدر فقد قاسى المرض العضال في آخر أيامه دون أن يرعوي أو يعود إلى الله، يقول: لقد عشت حياتي بالطول وبالعرض، ونقول: نعم، ولكن في مجال الاستمتاع الذاتي بالحرام وإشاعة الحرام وتبريره ومحاربه كل كلمة شريفة (1).
    - "وقد كتب مصطفى أمين عما أسماه مدرسة التابعي التي تعلم منها هو وعلي أمين، كانت المدرسة هي مجلة روزاليوسف مدرسة السخرية والتقريع واللمز والغمز للممثلين والممثلات قال (13 - 11 - 1954)، مدرسة التابعي الصحفية لها أثرها في تاريخ الصحافة، لقد قرر أسلوب الصحافة الساخرة من الأسجاع والمترادفات، فهو الذي أدخل اللغة الكاريكاتورية في الصحافة، بضعة خطوط سريعة تعبر كأنها لوحة فنية، كلمة واحدة تلتصق بشخصيهّ السياسي وتحوله من رجل وقور إلى مسخرة، لقد كانت لغة الصحافة قبل ذلك أشبه بفساتين السيدات في الماضي مليئة بالذيول والكشكشة والكلف، فجعل لغة الصحافة بسيطة كأثواب السيدات الآن، وقد وصف التابعي بأنه ضعيف أمام النساء، متلاف في النفقات
    __________
    (1) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 89، 96).
    (1/514)
    ________________________________________
    الضخمة، وكان قبل زواجه يعيش كما يعيش هارون الرشيد" (1) ا. هـ.
    - "هذه هي الصحافة التي صنعها أحمد حسنين لحساب الملك فاروق وجند لها التابعي ومصطفى أمين وآخرين عندما اهتزت مكانته بعد حادث 4 فبراير، وحاول أحمد حسنين أن يجمع حوله أكبر عدد من الصحفيين للدفاع عنه، وبدأ العمل أولاً من خلال آخر ساعة ومجلة الإثنين، ثم بإنشاء أخبار اليوم ثم صدرت المصري (التابعي، كريم ثابت، محمود أبو الفتح) وكتبت في مدح الملك فاروق مثل ما كتبه التابعي ومصطفى أمين".
    - وأخيرًا: "يتحدث التابعي عن تحضير الأرواح، ويتساءل هل هناك حقًا حياة بعد الموت، ويتساءل عن خلود الروح، وكل هذه عناوين مضللة تهدف إلى نقل التشكيك من دائرة ضيقة هي تحضير الأرواح إلى دائرة أوسع .. تهدف إلى التشكيك في الحياة الأخرى، ولو كانت الصحافة تحمل الأصالة لقالت أن الروح من أمر الله، وأن البعث حق والجزاء حق" (2).


    __________
    (1) المصدر السابق (ص 99).
    (2) المصدر السابق (ص 230).

    ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

    تعليق


    • #47
      * فكري أباظة البطل الثاني في مدرسة الإِثارة:

      كان فكري أباظة على رأس صحف دار الهلال فهو في مقدمة الذين عملوا مع أبناء زيدان (إميل وشكري) منذ عام 1926 أيضًا، إلى أن توفي عام 1979 وكان هو حامل لواء الصفحات المثيرة عن أخبار الناس وأخبار البلاج وملكات الجمال والسخرية بكل القيم الإجتماعية في مجلات المصور والكواكب وحواء (وما تزال تصدر) والدنيا الجديدة والفكاهة وكل شيء والإثنين (وقد توقفت).
      - يقول الأستاذ أنور الجندي في كتابه "الصحافة والأقلام المسمومة"
      __________
      (1/515)
      ________
      (ص 97، 98): أما البطل الثاني في مدرسة الإثارة فهو فكري أباظة الذي عاش أغلب حياته في أوربا بحثًا عن الجنس والمرأة والحب، وهو رجل ساخر بكل شيء لا يكف عن الحديث عن غرامياته ومغامراته واهتمامه بالرياضة، والتمثيل وقد دافع عن المسرح في مجلس النواب عندما حاول بعض المخلصين أن يصور فساد هذه المؤسسة، وساير كل أجيال المسرح والغناء والرقص وآزرها بقلمه: روزاليوسف، وأم كلثوم والريحاني، وكل المغنيات والراقصات، وله رسائل متبادلة مع التابعي، ولقد كان كالتابعي يتخذ من كتابات السياسة والوطنية غلافًا للكتابات الاجتماعية المكشوفة والقصص، ولقد ابتدع لأول مرة ما أطلق عليه (أخبار البلاج) وهي صفحات خطيرة كانت تنشر خلال الصيف كل أسبوع عن النساء العاريات على شاطئ البحر، وفلان وفلانة في الكازينو وبعد الغروب .. إلخ وهو يدافع عن الصور العارية تحت كلمة (اشمعنى).
      "لماذا الصحافة وحدها يطلب إليها ذلك ولا يطلب من السينما، يقول لك الناقدون أن الصحافة تنشر القصص المغرية المثيرة للغرائز، وقد يصح أن بعض المجلات تنشر هذه القصص ولكن أين عدالة الناقدين والطاعنين على الصحافة المصرية وأين شجاعتهم وهم يسمعون في الإذاعة وغيرها من الإذاعات الخارجية الأَنَّات والتأوهات والنغمات والمغريات الصوتية التي ترن قي آذان الملايين ومن بينهم أطفال لا يقرأون الجرائد ونساء وأميون، واشتدت الحملة ولا تزال مشتدة على الصور العارية التي تنشرها بعض المجلات، ويا سبحان الله ألا يلمح الناقدون الطاعنون هذه الصور متحركة ناطقة لاعبة بالألباب أمام أولادهم وبناتهم على شاشة السينما، ألم يلمحوها في موسم الصيف على البلاجات متحركة سابحة فاتنة، لاعبة بالألباب، ألم يلمحوها في الحفلات والأفراح والمراقص راقصة متحركة لاعبة بالألباب، الصحافة
      (1/516)
      ________________________________________
      وحدها، الصحافة وحدها".
      - هذا هو منطق دعاة الإثارة والكشف من زعماء الصحافة العربية لماذا نحن وحدنا الذين يطلب منا الالتزام بالأخلاق؟ وهذا هو نفس منطق التابعي المدرسة كلها على طريق الفساد، ولعلك تدهش حين ترى بعض المغرر بهم الذين كتبوا عن فكري أباظة يكرمونه بعد موته، وهو دعامة خطيرة من دعامات صحافة الإثارة، الحقيقة أن الوطنية المدعاة لم تكن إلا غلافًا رقيقًا لتغطية هذا العمل الخطير، ومع ذلك فمن الذي يستطيع أن يقول أن التابعي وفكري أباظة كانا وطنيين مخلصين وهما دعاة التسوية مع الاستعمار والصهيونية؟
      ولم تكن الحياة عندهم إلا كأسًا من الخمر أو راقصة أو مغنية سواء هنا في مصر أم في أوربا، ويحفل المصور خلال خمسين عامًا بمذكرات فكري أباظة وتعقباته للنساء في أوربا، وكلماته التي يؤيد بها انطلاق المرأة إلى كل ما يطمح إليه أصحاب الأهواء، دعوة ملحة مستمرة متخفية تحت قناع كاذب من ادعاء الأخلاق والفضيلة" ا. هـ.

      * سارتر دجّال الوجودية:

      والواقع أن نظرية الوجودية قد نفقت قبل هلاك سارتر بوقت طويل، وإن حاول هذا الشقي أن يمد من عمرها بانتمائه في السنوات الأخيرة إلى الشيوعية واحتضانه لقضايا الصهيونية إذ هو نصف يهودي كما كان يطلق عليه عباس العقاد لأن أمه يهودية، وقد خدع بعض البلهاء من المصريين حتى أعدوا له زيارة ليحصلوا منه على تصريح يخدم القضية الفلسطينية بعد أن نقلوه إلى خيام اللاجئين في غزة، فما أن غادرها حتى كشف عن هويته الصهيونية وأعطى الماركسيين الذين احتفلوا به درسًا كشف عن عمالتهم هم، ومكره هو والذين رافقوه ومع هذه اللطمة القاسية فإن كتابًا مصريين وعربًا ما
      (1/517)
      ________________________________________
      زالوا يذكرون سارتر ويتحدثون بمذهبه وبما يسمونه الوجودية العربية التي قادها عبد الرحمن بدوي وكان لها على فترة طويلة أعوان، وكانت كتب سارتر تظهر في باريس بالفرنسية وفي بيروت بالعربية في وقت واحد، وربما ندم بعض الكتاب عن تبعيتهم لسارتر، وأحسوا أنهم أخطاوا الطريق بعد أن قرأوا ما كتبه "جاك بيرك" مثلاً حين قال:
      "إن سارتر عقل كبير ولكنه مع الأسف يفتقر إلى الذكاء السياسي وليس من الضروري أن يكون العقل الكبير عقلاً سياسيًا، ولكن المشكلة عند سارتر أنه يريد أن يكون سياسياً فيما يجابه من التيارات اليسارية ومنها الشيوعية بنوع من العقد النفسية، ومن المؤسف أن سارتر الذي يبني معظم فلسفته على فهم الآخر لا يفهم الآخر ولا يحس به، لم يستطع سارتر أن يتغلب على ما أحيط به من الدعاية والتضليل الصهيوني، فاعتبر إسرائيل (صيحة) وقلب القصة فاعتبر إسرائيل (مدعى عليها) وقد بلغت الدعاية الصهيونية به أن يقلب الحقيقة التاريخية في أوربا كلها، إنهم ينفون أن يكون الوجود الصهيوني استعمارًا".
      ويردد كثير من أنصار سارتر فشل سارتر، وكيف تبخرت مفاهيمه التي ضللت الشباب العربي ردحًا من الزمن، وكيف أنقشع بريق اسمه فظهرت الوجودية فلسفة للفوضى والانحلال، وكيف هوجمت فلسفة سارتر من كلتا النزعتين، الرأسمالية والشيوعية ورفضوا مفهومه عن الحرية ووصفوها بأنها حرية فوضوية ومن ثم حاول سارتر أن يتقرب إلى الشيوعيين وتراجع عن كثير من آرائه السابقة.
      - يقول أنيس منصور تلميذ عبد الرحمن بدوي أول فليسوف وجودي مصري: "سارتر الفيلسوف الوجودي الملحد كانت آخر كلماته لا شيء، أي لا فائدة من أي شيء .. فهو يرى أن الوجود والعدم لهما نفس المعنى كالليل
      (1/518)
      ________________________________________
      والنهار لا ينفصلان، ولا تعرف على أي شيء أجاب سارتر لآخر مرة بكلمة لا شيء لا فائدة لا معنى، لا هدف، كل شيء عدم أو كل وجود عدم، أو كل موجود معدوم".
      - وهكذا يندم أنيس منصور على أنه تابع هذا الفكر الضال أكثر من عشرين عاماً من عمره قضاها في تحسين هذا الفكر وزخرفته وتقديمه إلى الشباب في عشرات من الكتب التي طبع منها مئات الألوف ليخدعهم عن الحقيقة وليزيف لهم الواقع وليردهم عن الفهم الأصيل، عندما كتب مقالاته عن رحلته إلى الأراضي المقدسة، وكان عليه أن يعلن انسحابه من كل هذه المفاهيم والعقائد، وأن يصحح موقفه أمام قرائه خلال هذه السنوات الطويلة، واليوم يصف فلسفة الوجودية بأنها فلسفة المقابر؛ لأن سارتر تحدث عن الموت والدمار والخراب، والوحدة والقلق والفزع، والخوف والغثيان والعدم، والتقت كل هذه المعاني السوداء في قلبه وفي خياله، هناك وجودية ملحدة عند سارتر وكامي وهيدجر واسيرز وأونامونو، ووجودية مؤمنه عند جابريل مارسيل، وبرديانف وجاك مارتيان.
      - إيمان بمفهوم المسيحية المثلثة، وكان حقًّا على أنيس منصور أن يقرأ الفكر الإسلامي الأصيل ويعرف زيف الوجودية جملة بمفهوم الانطلاق من الضوابط والحدود والقيم التي رسمها الدين الحق، وأن يعلم أن نظرية الوجودية كما جاء بها سارتر إنما تمثل تحديًا خاصًا مر بالشعب الفرنسي بعد سقوطه في قبضة ألمانيا إبان الحرب، هذا السقوط الذي كشف كما قال زعيمه "بيتان" عن انهياره الأخلاقي العاطف، ولما كانت الصهيونية العالمية هي التي صنعت هذا بالأمة الفرنسية فإذا قدمت سارتر على جميع أجهزة الإعلام والدعاية لتفتح صفحة أشد عنفًا من الأنهيار الخلقي والاجتماعي، تلك التي صنعتها فلسفة سارتر بظهور جماعات الوجوديين الذين تشكلوا في الغرف المظلمة والحواري الضيقة وتحت أسطح العمارات ليمارسوا أسوأ صور الجنس
      (1/519)
      ________________________________________
      ويعلنوا احتقارهم للمجتمع، ومنهم نشأت بذرة (الهيبية) التي تعم الآن العالم كله.
      كان أخطر ما في الدعوة الوجودية إنكار الله تبارك وتعالى والسخرية بالأديان واعتبار الإيمان بالله عائقًا كبيرًا عن حرية الإنسان وأن أثر التعاليم الربانية على الإنسان جد خطير؛ لأنه يضيع عليه فرصة التمتع بالأهواء والتمرغ في الشهوات، فالوجودي لا يؤمن بوجود الله (تبارك وتعالى) ولا يؤمن بنظام خلقي يسود على الإنسانية، الإنسان عندهم حر ومسئول أمام نفسه فحسب، لا أمام الله، وهكذا نجد سارتر يدعو إلى الحرية المطلقة من كل قيد!!!.
      - ولقد جاء سارتر إلى مصر ترفقه سيمون دي بوفوار التي قالت لنساء مصر في صراحة تامة: نحن نريد أن نحطم (قوامة) الرجل ودعت إلى حياة زوجية محررة من (العقد الشرعي) كحياتها هي مع سارتر، ولقد كشفت إحدى المرافقات لسارتر خلال رحلته إلى مصر في الفترة الأخيرة خفايا كثيرة في هذه الزيارة اللعينة، فأشارت إلى أن (رفيق) سارتر وسيمون كان رجلاً يهوديًا (كلود لانزمان) وهو الذي وجه الزيارة على النحو الذي أرادته الصهيونية، وقد أشارت إلى أن كتاب اليسار استقبلوا سارتر بتقدير بالغ كان موضع دهشته هو أساسًا، وذلك مثلاً حين كتب أحد الشيوعيين مقالاً عنوانه "سارتر ضمير العصر" وكان سارتر يتساءل بعدها (أنا ضمير العصر كله؟! أنا لست حتى ضمير نفسي)، ثم يطلب ضاحكًا من لانزمان أن يتحمل عنه بعض هذه الألقاب (1).
      - وتقول الكاتبة: "لقد سمع ورأى، ولكنه لم يتأثر قيد أنملة بما سمع
      __________
      (1) هل يتصور أحد أن يُجبر الأزهر في العهد الناصري على استقبال سارتر الملحد وعشيقته سيمون دي بوفوار .. وا إسلاماه .. وا إسلاماه.
      (1/520)
      ________________________________________
      ورأى، لقد كان استقبالنا لسارتر أشبه بمظاهرة، وكان كلامنا معه أشبه بالصدى في وادي مهجور، إلا أن الصهيونية كانت أذكى منا وأكثر دقة في قيادته إلى أهدافها، فقد دست (كلود لانزمان) بفكرة الصهيوني المغلف بطبقة مزيفة من الفكر التقدمي للتضليل دسته على سيمون دي وقت كان فيه سارتر يتأرجح بين وجوديته والشيوعية فاستطاعت سيمون بتأثير من (لانزمان) أن تسوق سارتر إلى أن يخرج عن قاعدته ويسير وراءها منومًا أو كالمنوم، فانبهر بما قدم إليه فترة قبل أن يعود إلى قواعده سالمًا، وقد رأينا كيف كان لانزمان يقف في الظل وراء سارتر في كل زياراته ليسمعه صوت (هرتزل) واضحاً مجلجلاً وهو يهمس به إليه".
      كان في مارس 1967 وفي نوفمبر من نفس العام اكتملت الصورة، فقد منحت إسرائيل شهادة الدكتوراه الفخرية لسارتر في سفارة إسرائيل بباريس بحضور عدد من المثقفين الفرنسيين على رأسهم سيمون وفرانسواز جيرو وزيرة الثقافة الفرنسية، وأذاع التلفزيون الفرنسي كلمة سارتر التي قال فيها: "إن قبولي لهذه الدرجة العلمية التي أتشرف بها له مدلول سياسي فهذا القبول يعبر عن الصداقة التي أحملها لإسرائيل منذ نشأتها"
      - هذا سارتر الذي كتب "المسألة اليهودية" وهو الذي زار إسرائيل وأشاد بها، وهو الذي شارك في المظاهرات، ووقع البيانات المؤيدة لإسرائيل، وقد قبل سارتر الدكتوراه الفخرية من الجامعة العبرية بينما رفض من قبل كل الجوائز التي أهديت له بما فيها جائزة نوبل.
      كان سارتر قد قام بزيارته لإسرائيل قبل حرب 1967 ببضعة شهور، وما لبثت نذر الحرب بعد عودته إلى فرنسا أن بدت في الأفق في مايو 1967 فسارع سارتر ومجموعة من المثقفين الفرنسيين الآخرين إلى إصدار بيان في تأييد إسرائيل التي سيدمرها العرب، ولكن إسرائيل بدأت بالهجوم، واحتلت
      (1/521)
      ________________________________________
      من الأرض وقتلت من العرب، ودمرت فلم يراجع سارتر نفسه ولم يعدل موقفه إلا بعد أن اشتعل النضال الفلسطيني بعد الهزيمة، وامتدت نيرانه إلى بعض العواصم الأوربية.
      وبعد، فلقد سقط فكر سارتر قبل أن يذهب لأن دعوته هي نوع من هوى النفس، وهي مواجهة لتحد عاشه في عصره .. ولكن الزمن يتحول، والفكرة التي تكون اليوم استجابة لوضع معين .. فإنها سرعان ما تسقط مع تحولات الزمن والبيئات، ولذلك فإن الوجودية لم تستطع أن تكون مذهبًا قائمًا أو مستمرًا، وهكذا كل الأيدلوجيات البشرية التي صنعها الفلاسفة وظنوا أنهم قد استطاعوا بها حل مشاكل عصرهم ذلك أن هناك منهجًا واحدًا: هو الذي يستطيع أن يحل مشاكل الإنسان في كل العصور والبيئات؛ ذلك هو منهج الله الحق (لا إله إلا الله).


      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

      تعليق


      • #48
        * الدكتور عبد الرحمن بدوي أول فليسوف وجودي مصري:

        وفي مصر تقدم عبد الرحمن بدوي برسالة دكتوراه عن "الزمان الوجودي" ورأس الحفل الدكتور طه حسين واشترك مع المستشرقين بول كراوس وأعلن طه حسين أن عبد الرحمن بدوي أول فليسوف وجودي مصري، وقد قدم بدوي الفكر الوجودي وترجم كل المصطلحات الوجودية الشاقة وترجم كتاب سارتر الضخم (الوجود والعدم)، ولم يلبث عبد الرحمن بدوي أن اختفى وطوته الموجة التي تطوي كل المذاهب الضالة والمنحرفة، وكشف الفكر الإسلامي عن أصالته في أنه يرفض كل ما ليس متصلاً بقيمه الأصيلة مهما بدأ يومًا وله بريق أخاذ، لقد كانت فلسفة سارتر شؤمًا عليه، فقد أضفت عليه ظلاً مظلمًا ما زال يلاحقه.
        - وقد كان عبد الرحمن بدوي قبل سارتر تابعًا للفلسفات الباطنية والمجوسية يحييها ويرد إليها الروح، ويقدم شخصيات قلقة في تاريخ الإسلام
        (1/522)
        ________________________________________
        ويشيد بأمثال الراوندي والحلاج وغيرهما من الزنادقة، وإلى جانب ذلك فقد قدم في الفلسفة الإسلامية الجانب الصوفي المتصل بوحدة الوجود والحلول وأشاد بالسهروردي وابن عربي وابن سبعين، تلك الشخصيات الضالة التي عمل أستاذه الأول (ماسينون) على إحيائها، وكان طه حسين هو صاحب الدعوة إليها في الأدب العربي منذ أعاد انبعاث (إخوان الصفا) وكما سقط الفكر الباطني سقط الفكر الوجودي وانهارت تلك الصروح على رءوس أصحابها {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}.

        وإذا كان الأدب الغربي قد عرف وجودية كير كجارد، وكافي وسارتر؛ فإن ذلك كله مستمد من أصول أصيلة فيه تقوم على فكرة الخطيئة المسيحية، أما الفكر الإسلامي فإن محاولة زكي نجيب محمود عن الوضعية المنطقية، وفؤاد زكريا عن الفلسفة الماركسية، وعبد الرحمن بدوي عن الفلسفة الوجودية هي محاولات ضالة باطلة سرعان ما لفظها الفكر الإسلامي صاحب الصرح الشامخ القائم على فكرة التوحيد الخالص والإخاء الإنساني والعدل والرحمة.
        وقد ذابت محاولات إحياء الفلسفة الصوفية التي قادها (ماسينون) أربعين عامًا بإحياء الحلاج لأن المسلمين عرفوا طريقهم إلى التوحيد الخالص، فقد أسقطت حركة اليقظة محاولات إحياء الفلسفة والتصوف الفلسفي، والكلام والاعتزال، وجعلته ركامًا حين أحيت (المنهج القرآني) الأصيل حيث بدت كل محاولات الفلاسفة الإسلاميين المعاصرين وكأنها مقدمات موقوفة انطوت صفحتها حين برز نور المفهوم القرآني، مفهوم أهل السنة والجماعة على نفس النسق الذي واجه المشائين القدامى أمثال ابن سينا والفارابي، وقد تكشفت نزعتهما إلى الباطنية الإسماعيلية في الأخير بعد أن خدع بهما الكثيرون، وحين يتنادى باسمه غلمان المستشرقين فإن الأمر لا يخدع أحدًا، ذلك أن
        (1/523)
        ________________________________________
        الحقائق التي تكشفت قد ردت كبار الكتاب عما خدعهم به البريق الخاطف.
        - يقول أنيس منصور:
        من الضروري أن تفلت من جاذبية شخص كبير لتجد نفسك ومعك حريتك، لقد وقعنا في غلطة حين تأثرنا بأستاذنا عبد الرحمن بدوي ذلك أن كثيرًا مما رآه كان رؤيته هو والذي وجده شاقًّا كان مشكلته هو، والذي أحبه كان مزاجه هو ولكن في السنوات الأخيرة عاودت قراءة الفلسفة من ينابيعها التي أفزعنا منها عبد الرحمن بدوي فلم أجدها كذلك.
        وهكذا تبين أن هذه الهالة كانت باطلة؛ بل إن أنيس منصور يبشرنا بأن سارتر عندما مات قال على فراش الموت: لا شيء كل شيء عدم.


        ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

        تعليق


        • #49
          * أنيس منصور ومتابعته للفكر التلمودي ودفاعه عن بيع الخمور، والرقص، وقوله عن اللباس الإسلامي أنه خيمة:

          قدمت الصحافة العربية لأنيس منصور ركامًا ضخمًا من الكتابات المترجمة عن الغرب تتميز على كثرتها وتنوعها بأنها تمثل ذلك الهدف الخطير الذي عمدت إليه الصحافة في موقفها من الأدب والفكر والترجمة والنقل من الفكر الأجنبي: وهو الإثارة ولقد كانت دراسة أنيس منصور متصلة بالفلسفة أول الأمر، وكان أكبر أمانته للفلسفة الوجودية ومن هنا فقد اتسمت كل كتاباته بهذا اللون حتى بعد أن سقطت الفلسفة الوجودية وتكشف زيفها وفسادها وانطفأت تلك الشمعة التي أوقدها سارتر وسيمون دي بوفوار وكامي، وحل محلها ذلك اللون من العبث الذي عرف عن بكيت وكافكا والهيبيين.
          ولقد ظهر في فترة من الفترات أن أنيس منصور قد استجاب للفكر الإسلامي واتصل بمفاهيمه وقيمه في محاولة إعلانية صحفية خطيرة تمثلت في
          (1/524)
          ________________________________________
          زيارته للكعبة والمشاهد المقدسة وفي خلال ذلك كتب صفحات حاول فيها أن يسترد إيمانه بالله، ولكنه لم يلبث بعد ذلك أن عاود كتاباته المثيرة عن الراقصات والأزياء العارية وكل ما يتصل بالوثنيات الغربية التي تتمثل في الأفكار المثيرة التي تتصل بالثورة الجنسية والمسرح والرقص، ولم تعد أمانته للمفاهيم الإسلامية إلا أثرًا بعد عين، ذلك أن محاولته لم تكن في الحقيقة رغبة صحيحة في التماس المفهوم الأصيل، ولكنها كانت مظاهرة صحفية بعد تقلص ظل النفوذ الماركسي من الفكر الإسلامي، وهي أشبه بالمظاهرة الصحفية الخطيرة التي بدأ بها حياته الصحفية حين نقل إلى الصحافة العربية فكرة السلة والقلم الذي يكتب بغير كاتب وهذه العملية الساخرة التي نقلها من بلاد الوثنية الشرقية، وكافأه عليها أصحاب أخبار اليوم بمنصب رئيس تحرير مجلة "الجيل الجديد".
          ولقد أمضى أنيس منصور سنوات طويلة يكتب الصفحة الأخيرة من أخبار اليوم، وينقل فيها خليطًا من تلك الفلسفات الوثنية والأساطير والخرافات، وكتابات متضاربة عاصفة، تعصف بنفوس الشباب حين تقتلع من الجذور أسباب الإيمان وتبث الشكوك في القلوب حتى كان الباحثون يتساءلون: ما هي الفلسفة التي يحاول مثل هذا الكاتب أن يغرسها في القلوب والعقول؟ وكيف يفهم الشباب الطرير الذي ليس له خلفية كافية من الإيمان بالله، أبعاد الحياة وأمور الدنيا وشئون المجتمع، وهل هذا العمل هو هدف صحفي قاصر يراد به كسب القراء بالإثارة أم أنه جزء من خطة التغريب الضخمة التي يراد إغراق الثقافة والفكر الإسلامي فيها بترجمة فلسفات وسموم لم يكن المسلمون والعرب يومًا في حاجة إلى نقلها.
          لقد لخص عشرات الكتب الغربية التي لا تهدف بعرضها دون مقدمات أو تعليقات تلقي الضوء على مضامينها أو تكشف عن سلامة هذه المضامين
          (1/525)
          ________________________________________
          أو زيفها، إلا إفساد العقل الإسلامي والذوق الإسلامي والمزاج الإسلامي وتحويله إلى مفاهيم غربية صارخة تستمد أساسها الأول من نفس قلقة ومزاج مريض ورجل قد تحوطته الأمراض والأهواء جميعًا فضلاً عن علامة البدء في حياته الفكرية والثقافية الأساسية وهي الوجودية المستمدة من مفهوم الفلسفة المادية والتي تستهين بكل القيم وتحتقر كل المفاهيم الأخلاقية أو الدينية.

          - ولقد كانت كتابات أنيس منصور يومًا ما -كتابات لويس عوض- لا يعرف هل هي ماركسية أو ليبرالية أم أنها من مدرسة معروفة هي مدرسة العلوم الأجتماعية التي تنكر كل القيم وتحتقر الفطرة وتعلي شأن الماديات، ولقد عرف أنيس منصور نفسه ذات يوم، فقال: أنا أول من قدم (يائل) ديان إلى القارئ، أنا أول من قدم الكاتب اليهودي العظيم ألبرتومورافيا إلى المصريين والعرب عام 1947 وترجم له أكثر من مائة قصة قصيرة، وقابلته هنا وفي بلاده وفي أمريكا عشر مرات.
          وعندما ترجمت صحيفة جيوش أوبزرفر صفحات من كتابه "وداعًا أيها الملل" قالت: إن المؤلف ينتسب إلى قبائل الغجر الفلسفية التي تضم الكاتب اليهودي كافكا وغيره من الضائعين والتائهين، يقول إني لم أغضب لأن هذا ليس رأي المجلة وحدها، ولكنه رأي أنا أيضًا، ولكني غضبت لأنها ساقت المقال على هيئة اكتشاف ونسيت أنني اعترفت بذلك دون أن أدين بهذا القلق لكافكا أو لغيره (الأخبار 5 يونيه 1974).

          - والحقيقة أن أنيس منصور قدم في هذا الميدان "ركامًا" كثيرًا بلبل به الأذهان وحطم به النفوس وأدخل إلى قلوب كثير من الشباب شكًا وقلقًا ويأسًا، وما تزال كتبه التي تحمل هذه السموم تطبع ويقرؤها الكثيرون على أنها فاكهة محرمة وتسلية ومتعة للغرائز والأهواء، ولكنها في الحقيقة ليست إلا أهواء البشرية الضالة الممزقة، وهو خلاصة ما قدمه الكتاب التلموديون
          (1/526)
          ________________________________________
          لتمزيق النفس الإنسانية وهدمها وتحطيم قيمها منذ ظهرت هذه الكتابات على أيدي فرويد ونيتشه وميكافيلي ورينان وأوجست كونت وبودلير وسارتر وعشرات الهدامين.
          بل إن أنيس منصور قد ذهب إلى أبعد من هذا فعُني بترجمة كلمات الممثلات صوفيا لورين وبرجيت بردو، ومارلين دتريش وغيرهن، وعُني بالكتابة عن الشقراوات المتوحشات، بالإضافة إلى الأفلام العارية والأدوار الشاذة، وكتابات الإباحيين ومحاولة تصوير هؤلاء الممثلات على أنهن "الآلهات الرومانيات" وذهب في الإغراء بالكلمة إلى أبعد حد في الحديث عن الأجساد العارية وما يتصل بالفنانين من تماثيل وطوابع بريد وعملات ذهبية، وعمد إلى استغلال الجنس إلى أبعد حد في إفساد مفاهيم العلاقة بين الرجل والمرأة، وكان في كتاباته حريصًا على الاستشهاد بالتوراة وبسفر خاص فيها يتحدث عن الجنس فضلاً عن فكر أرسطو وأفلاطون.
          - وحرص أنيس منصور على هدم الصلة بين الآباء والأبناء وإثارة الأبناء على الآباء، حين وصف هذه العلاقة كما وصفها فرويد والتلموديون بأنها "سيطرة" في حين أنها ليست إلا رعاية وتوجيهًا وحماية من الكبير للصغير في مرحلة من أخطر مراحل الحياة، وهو يرى أن الصحافة قد أخضعت الشباب لنفوذ آخر غير نفوذ الآباء، وأن الصحف شجعت الشبان على الثورة والتمرد على البيت والأسرة والكنيسة، ويرى أن انتشار مرقص (الروك آند رول) دليل على اهتمام الشباب بإزعاج الآباء وتحديهم، وكذلك انتشار التدخين والخمور يؤكد أن الشبان حريصون على هدم الرأي العام، ولا ريب أن ترديد هذا الكلام مرات متعددة إنما يرمي إلى الإيحاء والتوجيه وإفساد من لم يفسد، ودعوة إلى خلق جو من التمرد للقضاء على روح الإيمان والخلق بين الأجيال الجديدة.
          (1/527)
          ________________________________________
          - ويتحدث أنيس منصور عن الفتاة الجامعية في الغرب التي تجد حبوب منع الحمل في أجزخانة الكلية، ولا أحد يسألها عن سبب شرائها للحبوب.

          ويرى أن العري لم يعد كافيًا لإثارة الجنس، وأن هناك الإثارة العنيفة بالكلام والحركة، وأن الأغاني أكثر إثارة من الأفلام، وكذلك يرى أن الرقص الجديد يقضي على خجل الشباب، وحين يتحدث عن الزواج يقول أنه هو وحده الذي أنفرد بالملل؛ لأن كل شىء فيه يتكرر بانتظام، وينسى أن الزواج هو الطريق الكريم للعلاقة بين الرجل والمرأة، وهكذا لا يتوقف أنيس منصور عن ترديد آراء فلاسفة الجنس والمادية والإباحية الذين يصدرون عن بروتوكلات صهيون لهدم المجتمع الغربي، ثم هو ينقل ذلك إلى المجتمع المسلم بقوة وحماسة واستمرار وعمل لا يتوقف، وعندما يتحدث (محمد أنيس منصور) عن السيد المسيح يردد مسألة الصلب، والصلب غير وارد في مفهوم الإسلام.
          - ويدافع أنيس منصور بعد كتاباته عن الكعبة والأراضي المقدسة عن الخمر ويهاجم قرار شركة مصر للطيران بمنع توزيع وبيع الخمور على طائراتها ويتهجم على التعليم الديني في المدارس، ويتحدث بإعجاب عن الأدب المكشوف والقصص الجنسي الأوربي، ويكشف عن خلاصة تجربته في (27/ 1/1973) أخبار اليوم، فيقول: إن كل ما قرأت وتعلمت لم يكن ينفعني في الإجابة عن شيء، ولم أجد من كل ألوف الكتب التي أمضيت فيها عمري وأطفأت فيها نور عيني وأوجعت فوقها رأسي وظهري، ولم أجد واحدًا يقول لي شيئًا يريحني أو يجعل أيامي أسهل لا شيء، إنني لم أكن قريبًا إلى نفسي أو إلى أحد وإلى هذا الحكيم المجهول القوي الذي لا نعرفه والذي هو هناك، هو هنا في كل واحد وفي كل شيء، إنك قطعت عمرك كله مسحوبًا من عقلك وقلبك وغرائزك وأنك في ساقية تدور وتدوخ وأنك
          (1/528)
          ________________________________________
          أسلمت نفسك لجلاد هو الليل والنهار، هو المال والجاه والأولاد واللذة والخوف والطمع واليأس والشك.

          والحق أن هذا أمر يرثى له، أن يكون قارئ هذه المجلدات الضخمة على حافة الشك وعلى حدود الهاوية مع أنه لو اتجه نحو كتاب واحد من الكتب الأصيلة لوجد نفسه ولفهم نفسه، ولفهم مهمته في الحياة ولعرف رسالته الحقة ومسئوليته وأمانة القلم والجزاء الأخروي ولاستطاع أن يقدم خيراً كثيرًا لعل الله يغفر به تلك الصفحات السوداء التي قدمها لإثارة الشكوك في العقيدة والتمزق النفسي خلال أكثر من عشرين عامًا.
          لقد صدق أنيس منصور حين طلب حرق كتبه، وقال: إن حرصي على احتراق كتبي فلأنها لا تساوي شيئًا، فلا هي أشبعتني ولا هي روتني ولا أراحتني، ولذلك يجب أن تكون ترابًا أدوسها بترابي.
          - وكان أنيس منصور قد تمنى أن يحرق جسده بعد موته مع هذه الكتب، وهذه نفحة بوذية خطيرة لا يمكن أن يقولها رجل يؤمن بالله واليوم الآخر، ولعل من أبرز أخطاء أنيس منصور متابعة الفكر التلمودي في القول بأن (الرب قد خلق العالم في ستة أيام واستراح في السابع) مع أن هذا المعنى يتعارض مع مفهوم أقل المسلمين ثقافة وفهمًا للإسلام وهو في هذا متابع لليهود (أعرف عدوك) كما أنه تابع المستشرقين في القول بأن فرعون هو الذي أخرج اليهود من مصر أيام موسى -عليه السلام- والعكس هو الصحيح؛ فإن اليهود بقيادة موسى خرجوا فارين بدينهم من ظلم فرعون، وأن فرعون هو الذي تابعهم ليقضي عليهم فنجوا وغرق فرعون، وأغرق الله قومه.
          ***

          ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

          تعليق


          • #50
            (1/529)
            ________________________________________
            * مواقف مخزية لأنيس منصور:
            في الأهرام (10/ 1/1977)، علّق أنيس منصور على قرار شركة مصر
            للطيران بمنع توزيع وبيع الخمور على متن طائراتها بأنه قرار ضار سيسيء إلى سمعة شركة مصر للطيران في منافستها مع شركات الطيران العالمية.
            - ويهدي فتياتنا إلى الرقص!!!
            ورقص الشرق ذا فن تجلّى ... وذا تسبيح عين الشاكرينا

            - ويتكلم عن الموضة وفساتين النساء،

            فيقول: "سوف تكون خيوط الموضة هذا الشتاء محتشمة جدًا وسخيفة جدًا؛ لأن الفساتين سوف تكون طويلة وواسعة وسوف تبدو المرأة وكأنها شماعة تحمل هذه الفساتين، وأن ما بينها وبين هذه الفساتين خصام، فلا الفستان يحتضنها برفق على الصدر أو على الخصر أو على الأرداف، ثم إن الفساتين تبدو وكأنها إهانة للمرأة، فلا الساقان ظاهرتان ولا النهدان أو الردفان ولا الذراعان ولا العنق، كأنها أنواع مختلفة من الخيام، وإن المرأة قد ضربت حولها وأمامها ووراءها الخيام فلا يراها أحد.
            - أرأيت ما يقال للمرأة المسلمة تحريضًا لها على العري والفساد؟
            - ثم يقول الكاتب واسمه (محمد أنيس منصور):
            "إن ملوك الأناقة عوضوا المرأة عن هذه الخيمة بأشكال جميلة من قمصان النوم، ومعنى ذلك أن الموضة ستجعل المرأة جميلة في البيت وغير ذلك في الشارع، على الرغم من أن المرأة حريصة على أن تبدو جميلة لكل الناس؛ فإنها تفضل أن تكون جميلة لشخص واحد، والمرأة التي لا تسعد برجل واحد؛ فإنها تحاول أن تلفت عيون الآخرين، ولذلك فإن المرأة تسارع إلى الشارع وتتمتع بنظرات الناس إليها؛ لأنها لا تجد هذه المتعة في البيت".
            (1/530)
            ________________________________________
            وهذا هو التحريض على هدم كل القيم التي جاء بها الدين الحق للمرأة المسلمة من أن تكون زينتها قاصرة على بيتها وزوجها وألا تخرج إلا بالملابس الواسعة المحتشمة.
            ويصل أنيس منصور إلى مفاهيم مسمومة تدعو إلى الفساد والشر وتقلب كل المفاهيم الأصيلة: فالمرأة في الموضة تقف في حالة تلهف والرجال يكرهون الحشمة؛ لأنهم يتطلعون إلى السيقان العارية والصدور البارزة والظهور المكشوفة.
            ويكتب أنيس منصور عن مؤتمر الأدباء في بغداد فيقول: أن الأدباء كانوا يجلسون في عشرات المطاعم في شارع أبي نواس يأكلون ويشربون ويضحكون ويحبون وينظرون بعين واسعة جريئة إلى الميني جب تحت العباءة السوداء، ثم يقول هذه العبارة الشريرة: (ويبدو أن هناك اتفاقًا سريًا بين النساء والرجال أن تكشف المرأة، وبسرعة صدرها وساقيها بشرط أن ينظر الرجل) (1).
            إن هؤلاء الكتاب متهمون بأنهم مثيرون للسموم، مجددون لعناصر الإفساد؛ فإن كانوا لا يعلمون مدى خطر الدور الذي يقومون به والأثر الذي يتركونه في نفوس الشباب والفتيات، وعقولهم فتلك مصيبة، وإن كانوا يعلمون الدور الذي يقومون به ويعرفون أبعاده فإن حسابهم عند الله جد عسير.
            وتعجب حين تقرأ لأنيس منصور مثلاً قوله: نحن نعيش في عصر الإثارة الجنسية، وليس في عصر الجنس، فالجنس من ألف سنة كان أعنف وأقوى وأكثر تنوعًا من الجنس الآن، وفي استطاعتك أن ترجع إلى ألف ليلة
            __________
            (1) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 71).
            (1/531)
            ________________________________________
            وإلى شعر أبي نواس وإلى مقامات الوهراني، وإلى كتاب "الروضة العطرة" وإلى قصور الملوك في فرنسا، إنها مليئة بأشكال وألوان من الجنس أكثر بكثير مما جاء في مؤلفات المركيز دي صاد، أما العصر الذي نعيش فيه فإنه عصر الإثارة الجنسية، عصر بلبلة العواطف وتقليب المشاعر وتضليلها، الأغاني المثيرة، والمجلات والأفلام كذلك، والرقص والانفجار.
            ويحرص هؤلاء الكتاب أن يقدموا في الصحافة العربية نماذج مظلمة، لماذا يحرصون على تقديم هذه الوجوه الكالحة، والنفوس الشريرة المفعمة بالسوء والإثم، إن أحد هذه النماذج التي يقدمها أنيس منصور آندريه مالرو يقول: لقد انتحر جده، وأبوه أيضًا انتحر، وكان مالرو في الرابعة عشرة من عمره ولا يعرف ماذا جرى لأبيه كل ما عرفه أنه ابتلع كمية من السم، وخشي الأب وهو يترنح أن يظل في غيبوبة دون أن يموت فأطلق على نفسه الرصاص، وحزن مالرو على والده ولم يحزن على ما صار إليه أمر الأسرة، فالأسرة لا تهمه ولا هي رباط متين ولا هي علاقة إرادية، ولا هي أي شيء، وكل ما يربطه بالأب هو أنه نسخة من أبيه، وصورة هذا الأب تطارده في أخلاقه على شكل قط أسود مخيف، فهو هارب من أحلامه هارب من شعوره.
            - هذه هي النماذج التي تقدمها الصحافة العربية في فترة النكبة والنكسة والهزيمة لأبناء الأمة العربية، ما قيمة هذا كله في أن يقدم للقارئ العربي، ألا يوجد لدى مالرو فكرة أو فكرتان إنسانيتان يمكن أن ينتفع بهما الناس، ولكن الهدف من الترجمة هو تقديم سموم الناس، لقد كان مالرو ملحدًا وكان فاسقًا فلأي شيء ننقل عنه إذا لم يكن لنا هدف (1).
            __________
            (1) المصدر السابق (ص 81، 82).

            ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

            تعليق


            • #51
              (1/532)
              ________________________________________
              * أنيس منصور ويوسف السباعي والدعوة إلى إعادة البغاء:

              "طالب يوسف السباعي وأنيس منصور بالعودة إلى الدعارة العلنية بدعوى أن ذلك يقضي على القلق الذي يساور الشباب في المجتمعات، ولو كانوا صادقين مخلصين في النصح لطالبوا بأسلوب من التربية الدينية والخلقية، فهذا وحده هو الأسلوب الذي يؤدي إلى إنقاذ هذه الأجيال، أما هذه الدعوى المسمومة فإنها لا تحقق إلا مزيدًا من الفساد، وما تزال تجربة البغاء التي عرفتها البلاد العربية في ظل النفوذ الأسمتعماري معروفة، وقد ظل معسكر العاهرات أكبر مصدر لنشر الأمراض السرية التي فتكت بأجسام وعقول الآلاف من الرجال، والتي دمرت الآلاف من العائلات وأشاعت البؤس والشقاء بين آلاف الأسر" (1).

              * أنيس منصور على رأس الذين نقلوا ركام الفكر الغربي الحديث:

              "لقد كان الأدب هو أوسع الأبواب مدخلاً لتقديم السموم المختلفة، وأيسرها لتقديم الأساطير والخرافات التي تزخر بها الآداب الغربية عن اليونان والفرس والمجوس القديمة، ولقد كان للقصة الغربية المترجمة مكان واسع، واحتلت كتابات كل دعاة الجنس وتدمير القيم من سارتر إلى بكيت إلى دور كاديم إلى كافي إلى كفكا مكانًا بارزًا فنقلت إلى أفق الفكر الإسلامي عن طريق الصحافة مترجمات مسمومة وأفكارًا مضللة، ولم يتوقف الأمر كما كانوا يقولون عن الروائع - بل إنهم لم يتركوا شيئًا على مختلف المستويات والمذاهب حتى أشدها ضلالاً إلا قدموه، وهم يهدفون بذلك إلى إثارة موجة من الاضطرابات والبلبلة نتيجة هذا التضارب الشديد.
              وكان أنيس منصور على رأس هؤلاء الذين نقلوا ركام الفكر الغربي
              __________
              (1) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 85).
              (1/533)
              __________
              الحديث، وكان لويس عوض وغيره من ناقلي ركام الفكر الوثني الغربي وكلها أفكار تدور حول الجنس والمرأة والأهواء.
              وهم حين يترجمون لا يؤصلون الأشياء ولا يعرفون القارئ العربي بالمترجم لهم ولا يذكرون مثلاً أنه كان مجنونًا أو مصابًا بأشد أنواع انفصام الشخصية كنيتشه أو فرويد، ولكنهم يقدمون كل ذلك كأنه علم وكأنه حقيقة، بينما هو في الحقيقة من أهواء النفوس الضالة المغموسة في أشد ألوان الفساد والانحراف ويتركون التساؤلات دون إجابة زيادة في التعمية، وكل الأسئلة المحيرة التي يوردها الباحثون والعلماء إجابتها واضحة أمام المسلم؛ فلماذا لا يجيبون ولا يهدون القارئ الحائر إلى الحقيقة التي يعلمها، لماذا يتركونه في متاهات ومجاهل وتساؤلات والإجابة يسيرة؟ لماذا يخلقون هذا الجو من الحيرة والشك؟ إن القارئ المسلم يعرف أنه ليس في حاجة إلى كل هذا الركام، ويفهم أن هذا الركام من حثالة أقوام ضلوا وانحرفوا فهو لا يستطيع أن يهديهم أو يقدم لهم شيئًا نافعًا وأنه من صنع بيئة أخرى؛ فلماذا يترجمونه ويقدمونه ويملأون به الصفحات إلا إن كانوا يريدون خداع الذين لا خلفية لهم وتضليلهم.
              - إن الأمانة تقتضي من الصحافة العربية حين تقدم قصة أو كتابًا أو موضوعًا غربيًا أن تقدم كاتبه بأمانة وتقدم ظروف البحث بأمانة وأن توازن بين مفهومنا الإسلامي وبين مفهومهم وبين حاجتنا إلى ذلك أم العكس.
              أما أن تغرقنا الصحافة العربية في باب الأدب بكل هذا الركام من المترجمات التي تزيد من حيرة الشباب الصغير الذي يكون في هذه المرحلة في حاجة إلى إضاءة الطريق أمام نفسه القلقة إلى معرفة الخير والنور والهدى والرشاد؛ فإن أصحابنا مسئولون أمام الله عن هذه الجرائم؛ لماذا لا يضعون الإجابات عن تلك الشبهات والتساؤلات؟ لماذا لا يضعون أبحاثهم المترجمة
              (1/534)
              ________________________________________
              في إطارها الصحيح؟ لماذا لا يقدمون الطيب والكريم والنافع ويؤثرون عليه الخبيث والفاسد والمنحرف منذ أن اصطنع لهم طه حسين ترجمة القصة الفرنسية المكشوفة (ومن سَنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها) وفي مجال التراث تفسح الصحافة العربية أعمدة كثيرة، وموضوعات متعددة، وترمي تراثنا بأنه صحائف صفراء كما يقول يوسف إدريس وغيره، وهو قول باطل؛ فإن تراثنا تشهد له الدنيا كلها، وعلماء الغرب المنصفون يعرفون قدره، ولا يماري في هذا إلا عدو أو جاهل أو مضلل.

              * محمد أنيس منصور ودوره الكبير في إحياء الأساطير الفرعونية:

              ولقد قام محمد أنيس منصور بدور كبير في إحياء الأساطير الفرعونية في مقالات متصلة، وقدم ركامًا كثيرًا عن الفكر الفلسفي والديني عن الفراعنة وهو من نافلة القول التي لا تقدم ولا تؤخر، فلم يعد هناك من يؤمن بهذه الأساطير، كذلك فقد كانت من خداعات الكتاب ذلك الحديث المكرر المعاد عن ديانة التوحيد عند إخناتون ولم يكن إخناتون إلا أحد مؤلهي الشمس، أما ما عرفه الفراعنة من النظريات الطبية والفلكية وما بلغوه في مجال الهندسة والعمارة والزراعة، فذلك تراث الأجيال الذي قدمته لهم الأديان السماوية أساسًا، ولكن الفراعنة لم يكونوا إلا مسخرين للأساطير والأشباح والأرواح والسحر وما يسمونه سر الأرقام وقوى الحروف وهي من الخدع الباطلة، أما إيمان الفراعنة بالحياة بعد الموت فهو مستمد من أديان السماء، والهدف معروف لتقديم كل هذه الأساطير، وهو بلبلة الأذهان وصرفها عن مفهوم الدين الحق والتوحيد الأصيل.

              * أنيس منصور والوجودية:

              ويُعنىَ أنيس منصور بالوجودية وكتابات فرانسوا ساجان ويملأ الصفحات
              (1/535)
              ________________________________________
              على امتداد الأسابيع والشهور بهذه الأفكار المسمومة، عندما تعالت صيحة الوجودية وحاولت احتواء الفكر البشري، ثم لم يلبث أن سقطت؛ لأنها لم تستطع أن تستجيب للفطرة الإنسانية، وإنما كانت تمثل الأوهام والمطامع والشهوات والصرخات الصاخبة، ولذلك سرعان ما انطفأت الوجودية وسارتر وفرانسوا ساجان.
              ويُعنَى أنيس منصور بأن يترجم سموم ساجان ليطلع شبابنا وبناتنا على ما لم يقرأوه، فيقول أنها فتاة كافرة تقول الصدفة أرادت، الصدفة شاءت، ونعرف أن وراء هذه التفاهات قوى تنشرها وتملأ بها الدنيا وتجند لها أسباب الشهرة والمال؛ لأنها سموم يتلقفها الشباب فيزداد رخاوة ومرضًا.
              - لقد عاش أنيس منصور سنوات عمره كلها يترجم السموم ويقدم الكتابات الجنسية والأساطير والقصص والصور الفاسدة، يقرؤها الشباب في طول البلاد وعرضها عن طريق أخبار اليوم على أوسع نطاق وفي خلال سبعة عشر عامًا يتصدر الصفحة الأخيرة من الأخبار لينقل سمومه دون توقف.

              * أنيس منصور يبث السم في العسل:

              لما تحدث عزيز أباظة عن اللغة الفصحى، وهاجم اللهجة العامية وكتابها شنت عليه الحرب من الماركسيين والوجوديين على السواء، كأنما هناك اتفاق مشترك بين القوى المضادة على محاربة الفصحى، وبالرغم من أن أنيس منصور يتحذلق أحيانًا في الدعوة إلى الفصحى إلا أنه هاجم عزيز أباظة، يقول: أخطأ عزيز أباظة مرتين:
              أولاً: عندما جعل مشكلة الفصحى والعامية نوعًا من الشكوى وكان في استطاعته أيضًا أن يشكو من الشعر الحر ومن الفنون التجريدية في الرسوم.
              ثانيًا: جعل القصة شكوى أو بلاغًا أو تهمة في حين أن مشاكل اللغة
              (1/536)
              ________________________________________
              والفن هي وجهات نظر وتجارب يقوم بها الأدباء والفنانون في مجالات مختلفة في الشكل والمضمون والأداء ولا بد أن يكون هناك تطوير لأدوات التعبير.
              وهذا الكلام المسموم الذي يقوله أنيس منصور هو ذلك النص المكتوب الذي قدمه الاستشراق والتبشير لطه حسين وسلامة موسى وكل أعداء الفصحى ليقولوا به خداعًا؛ وإلا فمن قال أن اللغة العربية الفصحى تخضع لمثل هذه المفاهيم، وهي لغة القرآن الكريم ولغة ألف مليون من البشر من حيث العقيدة والفكر، ولغة مائة مليون من العرب وكل محاولة ترمي إلى ما تسمى بتطوير أدوات التعبير إنما تستهدف إيجاد فاصل عميق بين بلاغة القرآن وبيانه وبين أسلوب الأداء العربي، ولا ريب أن كل ما يُدعَى بالتقريب بين العامية والفصحى أو اللغة الوسطى أو غير ذلك، إنما هو من محاولات التغريب والغزو الثقافي التي يراد بها فصل الأجيال الجديدة عن أسلوب القرآن وعن التراث الإسلامي، ويكذب أنيس منصور حين يقول أن اللغة وسيلة من وسائل المواصلات بين الناس، وأنها تتطور فإن هذا القول إن كان معروفًا ما وراءه فإنه يمثل دعوة خطيرة، وإن كان لا يعرف ما وراءه فإنه يمثل جهلاً بأبعاد قضية مرتبطة بالعقيدة والفكر والثقافة إلى أبعد حد.

              ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

              تعليق


              • #52
                * الدكتور إِبراهيم بيومي مدكور وتصوّره الزائف لحركة اليقظة الإِسلامية:

                هناك محاولة جديدة لاتهام حركة اليقظة الإسلامية التي تمضي اليوم على مفهوم الإسلام الأصيل، الذي يستمد وجهته من المنابع الصحيحة، القرآن الكريم والسنة المطهرة بأن هذه الحركة قد خرجت عن الخط الذي رسمه لها الشيخ محمد عبده، والذي يدعي بأن لطفي السيد وقاسم أمين وطه حسين قد ساروا فيه، وتخلف عنه الذين نقلوا اليقظة الإسلامية من مرحلة الفكرة إلى مرحلة الدعوة، وهي دعوى مبطلة تمامًا لأن المستقرئ لتاريخ
                (1/537)
                ________________________________________
                اليقظة الإسلامية منذ ظهور دعوة التوحيد التي دعا بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية ودعا بها كثير من تلاميذ فكر التوحيد الخالص الذي قدمه ابن تيمية وابن القيم وأتباعهما يؤمن بأن الأمة الإسلامية كانت قادرة على الانبعاث من داخلها عندما تنحرف بها الطريق أو تتجمد الخطوات، ولا ريب أن هناك مرحلة غلبت فيها جبرية الصوفية على المفاهيم الإسلامية بعد أن مرت مرحلة الجهاد في مقاومة حملات الصليبيين والتتار وتَوقَّفَ المسلمون عن فتح باب الأجتهاد خوفًا من دخول الفكر الوافد وحرصًا على سلامه مفاهيم الإسلام، وقد كسر هذا الجمود انطلاقة المصلحين الإسلاميين أمثال محمد بن عبد الوهاب والشوكاني وخطيب مسجد المؤيد في القاهرة بالدعوة إلى التوحيد الخالص.
                - ومنذ ذلك الوقت سارت حركة اليقظة الإسلامية في طريقها مرحلة بعد مرحلة، فسرعان ما دخلت مرحلة الجهاد بالسيف في مواجهة الغاصب، ثم انتقلت حركة اليقظة الإسلامية إلى مقاومة حملات الهجوم على الإسلام التي بدأها التبشير والاستشراق وهي مرحلة خصبة انتقلت فيها حركة اليقظة الإسلامية إلى منطلقات واسعة في سبيل رسم التصور الإسلامي الصحيح عقيدة وفكرًا، وكان من أبرز ما قامت به إعادة مفهوم الإسلام إلى منطلقه الأصيل من التوحيد الخالص وتحرير إرادة المسلم والخضوع وكسر قيود الجبرية الصوفية وإنكار الأنسحاب من الحياة ودفع المسلم إلى إصلاح المجتمع، غير أن هذه المرحلة لم تصل إلى جوهر المفهوم الإسلامي الأصيل بل شابها بعض القصور؛ لأنها صدرت من منطق مفاهيم المعتزلة، وعلماء الكلام فمضت بها ثمة وكان اهتمامها بإعلاء العقل على النقل، واعتمادها على المنطق، هنالك كان لا بد لحركة اليقظة الإسلامية أن تصحح نفسها وأن تدخل مدرسة التفسير القرآني للإسلام وأن تتحرر تمامًا من أسلوب الاعتزال والتأويل،
                (1/538)
                ________________________________________
                كذلك فقد خرجت حركة اليقظة الإسلامية من الفكرة إلى الدعوة حيث بدأت تربي جيلاً جديدًا تربية إسلامية على النحو الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة قبل الهجرة، ومن ناحية ثالثة فقد استعلنت اليقظة مفهومها الصحيح للإسلام بوصفة منهج حياة ونظام المجتمع، وأعلنت لأول مرة وقوفها في وجه الحضارة الغربية وأساليب الغزو الثقافي والتغريب وإعادة الفكر الإسلامي إلى مجرى الأصالة والمنابع، وتحريره من التبعية والإذابة التي جرت خطة العمل بها عن طريق الصحافة والجامعة وقبول مفاهيم المستشرقين الذين جاءت بهم الجامعة ليسيطيروا على علوم الفلسفة والنفس والاجتماع، والاقتصاد والأدب ومن ثم فرضوا مناهجهم الغربية عليها وأصبح الفكر الإسلامي محجوبًا تمامًا عن أهله.
                هذا هو الخط الذي سارت فيه حركة اليقظة وهو خط طبيعي وتصور صحيح، وانتقال من المرحلة التي قام بها محمد عبده ورشيد رضا إلى المرحلة التالية تمامًا فهل يمكن أن يوصف هذا بأنه تراجع، أو انحدار أو تحول عن الطريق الصحيح، لقد بدأت الفكرة الإسلامية طريقها واستعلنت ثم مضت في نفس الوقت تبنى جيلاً على مفاهيمها.
                - أما جماعة المجددين الذين ادعوا كذبًا وضلالاً أنهم تلاميذ جمال الدين، ومحمد عبده أمثال لطفي السيد وقاسم أمين وطه حسين وغيرهم فهؤلاء هم الذين خانوا أمانة اليقظة الإسلامية، أو أمانة حركة الإصلاح بانحرافهم إلى التبعية وقبولهم مفاهيم الغرب وانزلاقهم إلى خدمة أهداف التغريب.
                لقد أصبحت هذه المجموعة السائرة في فلك النفوذ الغربي والقابلة لفكرة التأويل والعمل لتحقيق أهداف الحاكمين سواء في قبول الربا والفتوى به، أو صنع القانون المدني استمدادًا من القانون الوضعي حيث لا يذكر فيه
                (1/539)
                ________________________________________
                التشريع الإسلامي إلا في المرحلة الثالثة حيث لا يوجد نص غربي أو عرف أقليمي، وكذلك الفتوى بالتأمين وشهادات الاستثمار.
                كذلك فقد تكشف انحراف المجموعة التي عملت في ميدان كتابة التاريخ الإسلامي والسيرة: هيكل والعقاد وطه حسين وأحمد أمين وغيرهم.
                ولولا يقظة حركة اليقظة الإسلامية لذلك كله لما انكشف أمره ولمضى التغريب بأيدي علماء لهم أسماء إسلامية.
                لقد نعى الدكتور إبراهيم بيومي مدكور على حركة اليقظة انطلاقتها ووصفها بأنها نكسة تهدم ولا تبني؛ لأنها وقفت أمام ذلك الخط الذي رسمه النفوذ الأجنبي واستخدم له الذين تسموا كذبًا بخلفاء الشيخ محمد عبده من أمثال لطفي السيد وقاسم أمين وطه حسين، ومن بعدهم كل الذين حاولوا التأويل لخدمة الربا وتحرير المرأة وتبرير القانون الوضعي.
                - إن الدكتور إبراهيم بيومي مدكور يرى في ارتباط الدين بالسياسة خلطًا وضلالاً ويتابعه في هذا كل أعداء حركة اليقظة الإسلامية، الذين يرثون انزواء مدرسة تجديد الفكر الديني، هذه المدرسة التي كان يطمع النفوذ الغربي بأن تحقق أهدافه من خلال مجموعة من علماء الإسلام يفتون بإباحة الربا، وبتحرير المرأة، والقانون المدني والتبعية للفكر الغربي، والذين لا يقفون أي موقف بالنسبة لفساد المجتمعات وانهيارها ولا يطالبون بتطبيق الحدود الإسلامية لأنها تتنافى مع المدنية.
                ومن العجيب أن ترى رجلاً مثل الدكتور إبراهيم بيومي مدكور يحاول أن يؤرخ للحياة الفكرية على هذا النحو المضطرب الزائف ونراه يدافع عن انحدار المرأة في المجتمعات تحت اسم تحريرها يقول: لا رجعة في هذا المضمار بحال، ولن تنزل المرأة عن حق اكتسبته وهي جادة في كسب حقوق أخرى، لعلك تدهش يا سيدي الدكتور بأن المرأة قبلت بإرادتها العودة
                (1/540)
                ________________________________________
                إلى الله والعودة إلى بيتها وعرفت أن مثل دعوتكم هذه ضالة. مستقاة من بروتوكولات حكماء صهيون.
                نحن نؤمن بأن حركة اليقظة قد تطورت تطورًا طبيعيًّا وأن محمد عبده وفتاواه وأفكاره هي مرحلة من هذه المراحل جاءت بعدها مرحلة أخرى أكثر صلة بالقرآن والأصول الأصيلة للإسلام بعيدًا عن التبريرات التي كان يدافع بها المسلمون عن أنفسهم إزاء الغزاة، أما لطفي السيد وقاسم أمين وطه حسين ومن برروا الربا والقانون المدني فهم خارجون عن هذه الحركة ودخلاء عليها وأن دعواهم في الإصلاح الإسلامي كاذبة وأشدهم كذبًا مؤرخ هذه الحركة الدكتور إبراهيم بيومي مدكور.


                ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                تعليق


                • #53
                  * إِحسان عبد القدوس عرّاب أدب الفراش والداعي بلا حدود إِلى حرية المرأة المزعومة:
                  لسنا نعجب حين نرى مصطفى أمين وزكي عبد القادر وإحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ ومن وراءهم يشكلون مفهومًا خطيرًا يبثونه يومًا بعد يوم:
                  أولاً: نظرية تحديد النسل والتهويل من شأن التفوق البشري في العالم الإسلامي وهي نظرية صهيونية.
                  ثانيًا: إطلاق حرية المرأة وهي نظرية صهيونية أيضًا.
                  ثالثًا: الكتابة عن الجنس والإباحية وتحويل القصة إلى مفهوم عام (وتدهش حين ترى بعضهم وقد بلغ السبعين أو قاربها يكتب قصصًا جنسية مثيرة ويتطرق إلى جوانب من وحي شيطان الإغراء والفساد).
                  رابعًا: تكريم الراقصات والمغنيات والممثلات وإعلاء شأنهن.
                  (1/541)
                  __________________
                  خامسًا: تقديس المسرح تحت اسم الفن.
                  سادسًا: تشجيع الكرة.
                  أفسحت الصحافة العربية لإحسان عبد القدوس مكانًا واسعًا عريضًا على مدى أكثر من ثلاثين سنة كسب خلالها شهرة واسعة ومالاً وفيرًا وصفه في فتره قريبة (600 قصة قصيرة أو طويلة، 19 رواية، 4 قصص للسينما، 46 فيلمًا، بستان عشرون فدانًا في الهرم فواكه، خمسة آلاف جنيه في العام من الصحافة) هذا غير ما كسبه من الأفلام والقصص وهو كثير جدًا فوق ما يتصور الجميع.
                  وبالرغم من أن إحسان عبد القدوس الآن (1980) على أبواب الستين من العمر؛ فإنه ما زال ممعنًا في ذلك الطريق المظلم الأسود الذي شقه لنفسه منذ مطالع شبابه، وما زال مدافعًا عن أدب الفراش الذي يكتبه بدعوى أنه أدب واقعي، وبأنه محب لحرية المرأة مدافع عن حقها في الجنس والانطلاق وراء الأهواء، ولقد كانت قصصه مصدر فساد كبير واضطراب عميق في نفوس جيل كامل من الفتيات اللاتي انسقن وراء الصور التي ساقها عن المرأة المنحرفة والتي حاول فيها أن يجعل المرأة المنحرفة ظاهرة طبيعية في المجتمع أو أن يصبح المجتمع متقبلاً لهذا الانحراف نتيجة إقناعه بهذا المفهوم المسموم في محاولة خطيرة لتغيير أعراف هذا المجتمع الإسلامي الأصيل الفهم لمعنى العرض والبكارة، والعفاف مهما طغت مظاهر الحياة المادية عليه، وآية هزيمة فلسفة إحسان عبد القدوس هذا التيار الإسلامي الجديد للمرأة الذي يرفض هذه المفاهيم المنحرفة التي نقلها إحسان عبد القدوس لا عن سارتر وألبيرتو مورافيا وكامي وحدهم لكن عن طريق فرانسوا ساجان وسيمون دي بوفوار حينما تقمص شخصية المرأة في كتاباته، ولعله مما يزعج حقيقة أن يؤلف كاتب رجل قصة يطلق عليها (ونسيت أني امرأة).
                  (1/542)
                  ________________________________________
                  - ويرجع اتجاه إحسان عبد القدوس في هذه الجرأة على الحرمات والقيم وتصوير ما وراء غرف النوم، وكتابة ذلك اللون الذي عرف به والذي وصمه الأستاذ العقاد بذلك الأسم الشهير بأنه أدب الفراش، بالرغم من علاقة مدعاة بين إحسان عبد القدوس والعقاد،

                  وقد وصفه يحيى حقي بحق حين قال: "لا عجب إن كانت ألفاظه كبالونات المراقص المتواثبة أمام عينك فكيف تريد منها أن تستقر على الورق، الويل له إن كان فتى يافعًا أو فتاة في مقتبل الصبا؛ فإن السحر يصبح نوعًا من التخدير كبقية المكيفات لا يخلو من خطر".
                  ولعل أبلغ وصف ما وصفه به أحد المسئولين حين قال له في مؤتمر صحفي: إنني لا أدخل (صباح الخير) إلى بيتي وأمنع بناتي من قراءتها.
                  - قال إحسان عبد القدوس في حديث إلى راجي عنايت كاشفًا عن خلفيات قصصه: أنا (أمينة) في قصة (أنا حرة).
                  وقد أدهشني دهشة الناس من تصوري لعواطف النساء بدقة وتنوع، وسؤالهم لي عن وسيلتي لدراسة هذه العواطف، وقد فكرت في هذا الموضوع طويلاً ووصلت إلى نظرية وهي أن عواطف الرجل هي عواطف المرأة، ولكن الاختلاف فقط يكون في التصرف والنزوع، وهذا المفهوم الذي يقوله إحسان عبد القدوس لا يصدق على مفاهيم التحليل النفسي الصحيح للمرأة وللرجل، وللفوارق العميقة بينهما والتي تتصل بالتركيب الببيولوجي المختلف والعميق الاختلاف بينهما إلا أن يكون للرجل الذي عاش في بيئة النساء زمنًا طويلاً من القدرة على تصوير عواطف المرأة، ونحن إذا راجعنا قصص إحسان عبد القدوس لم نجد تحليلاً لمشاعر المرأة وإنما وجدنا تصويراً جنسيًا صارخًا أشبه بصيحات مراهق كبير محروم، ونماذج المرأة في قصصه لا تعطي صورة المجتمع الإسلامي العربي المصري أبدًا، فالبطلة في النظارة السوداء من سلالة أجنبية، وفي (راقصة في أجازة) نموذج لراقصة أجنبية
                  (1/543)
                  ________________________________________
                  حلت بمصر، وهناك فتاة نشأت شاذة منحرفة، وامرأة خلابة لعوب صاحبها يمسك في يده كأس خمر طول مدة السير متهورًا إلى حد الوقاحة متحللاً من كل قيد.
                  - يقول أحمد حسين الطماوي: من يتأمل معظم قصص إحسان التي أدارها على لسان أبطاله يجد أنها جاءت مناسبة لتفكير المراهقين، محركة لغرائزهم يقبلون عليها إذ فيها ما يثير حواسهم وما يجعل شهواتهم تتراكض مستعرة في نفوسهم، والصور الوصفية التي يعرضها لا يمكن أن تكون تصويرًا اجتماعيًا. فهل هذه الأوصاف تعبر عن الحياة الاجتماعية وهل من الحكمة أن يكون الانحلال واستطلاع أخبار الناس ورصد الشذوذ هي أفضل الموضوعات لدراسة المجتمع، إننا لا نطلب من الكاتب أن يلغي مفعول الغرائز ولكنه يجب أن يعمل على تهذيبها، ويعبر عنها بطريقة لا ينفعل القارئ بها أنفعالاً شهوانيًّا، بل يحس بتأثيرها الوبيل عليه ولو انغمس فيها، وفي هذه الحالة نجا منها وهو يعرفها ويتجنب الوقوع في حمأتها ما استطاع، كذلك فإن تصويره للشخصيات فيه مغالطة كبيرة وافتراء على الواقع فالأم تأخذ بيد بنتها لتسلمها للضياع وتساوم الرجل وكأنها قوادة (قصة أنف وثلاث عيون)، وهذا أبشع تصوير للأم والزوجة تقف في جنازة زوجها وتمسك بعلبة البودرة (الطريق المسدود) والطبيب يدمن المخدرات ويقنع الناس بفائدتها وكأنها روشتة من الطبيب إلى المريض لكي (يروق دماغه).
                  - وهذه هي شخوص إحسان عبد القدوس وهي شخصيات منحرفة عن الواقع.
                  إن شخصيات الرواية لا تريد ولكنها منقادة تعمل لإرادة المؤلف فيها، والقصاص هو المتحكم في سلوك أبطاله ومصائرهم وأنه من مهام الكاتب تحليل المشاعر ومعرفة أعماق الوجدان وتصوير النفس وتحري أسرارها وإماطة
                  (1/544)
                  ________________________________________
                  اللثام عن مستدق أحوالها ووزن أفعالها، فتكون القصة بعد ذلك دراسة للنفس ونزاعها مع ما يحيط بها ونزوعها إلى ما تريد من خير وضير، وعندما لا يستطيع ذلك يترك عالم النفس والخاطر إلى دنيا الشهوة والغرائز ومواخير البغاء حيث الحياة الملوثة المريعة.
                  ويشهد إحسان في رسالة عن بلزاك الذي كان يكتب قصصًا أشد صراحة من قصصه، هذا أحد كتاب الغرب، إن قصص إحسان بما فيها من إثارة جنسية تصبح والحالة هذه لا عمل لها إلا إلانة الهمم الغلابة والنيل من أخلاق المجتمع، هذه الحرية الجنسية التي منحها إحسان لأبطاله قد وجدت من يعتنقها من نساء المجتمع ورجاله، ومن ذلك ما نشرته نوال السعداوي التي تطالب بالتحرر الجنسي.

                  ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                  تعليق


                  • #54
                    ولكن ما هو موقف إحسان من الاتهامات التي توجه إليه:
                    - يقول: إن إيماني بحرية المرأة ليس له حدود، وربما كان أحد دوافعه الأساسية في البداية مستمدًا من إيماني بتفرد تجربة أمي (فاطمة اليوسف) هذه السيدة التي أثبتت وجودها في عالم الرجال ونجحت في فرض نفسها عليهم وحققت ما لم يستطع كثير من الرجال أن يحققوه.
                    ولا شك أن الأستاذ إحسان ليس مستوعبًا لأبعاد هذا المعنى وحقيقته، فالسيدة فاطمة اليوسف كانت ممثلة شهيرة كان لها في مجال المسرح خصوم وصداقات، وقد رأت يومًا أن تحارب خصومها بأن تخرج مجلة تهاجم فيها هؤلاء الأعداء بسلاح الصحافة، هذا كان هو الهدف الأول، ولكن المجلة تغير اتجاهها بعد أن رغب حزب الوفد في أن يتخذ منها منبرًا سياسيًا عن طريق أسلوب الكاريكاتير في مواجهه مجلة الكشكول التي كانت تُصْلي حزب الوفد نقدًا شديدًا، ولم تكن السيدة روزاليوسف كاتبة أو صحفية في الحقيقة، وما نسب إليها من مقالات أو مذكرات فإنما هو بقلم بعض أتباعها
                    (1/545)
                    ________________________________________
                    وتلاميذها، وهو يحوي وجهة نظرها إلى الأمور ولكنه ليس بقلمها.
                    ولذلك فإن ما يذكره إحسان عبد القدوس في هذا المجال في حاجة إلى مراجعة، ولا بد أنه كان للسيدة فاطمة اليوسف دور ودور خطير في حياة ابنها إحسان، يقول تحت عنوان "أمي":
                    "إن أمي لا تريد أن تنسى أنها تعبت في حملي تسعة أشهر فتطالبني بالتكفير عن هذه الشهور التسعة طوال حياتي، كنت مقتنعًا بأن أمي تعاملني معاملة فراخ التقفيصة تطعمني ما شاءت وتذبحني إذا أرادت مع اعتقادها أن (لكي) الكلب أشد إخلاصًا لها مني".
                    ومع اعتقادي هذا نتيجة وقائع وظروف أحاطت بي فقد تفتح وعيي فإذا بي بين يدي أم ليست ككل الأمهات، أم ليس لها نعومة السيدات ولا ضعفهن نحو أبنائهن ولا يستقيم مع أخلاقها تدليل الأطفال ومناغاتهم، بل كانت أمًا طاغية طغيان مارد، عنيدة عناد جبار، ولا شك أنها سهرت بي الليالي كما سهرت كل أم، ولكن كل ذلك حدث قبل أن أعيي وقبل أن يتنبه إحساسي، وإنما تفتح وعيي وتنبه إحساسي؛ فإذا بأمي هي السيدة فاطمة اليوسف صاحبة مجلة روزاليوسف الأسبوعية ثم اليومية، وإذا بها تخاصم حكومات وتناضل زعماء وأحزابًا وإذا بها تستدعى إلى النيابات ويحقق معها كل يوم ثم تسجن في إحدى المرات.
                    وأحسست بالجفاف الروحي وسط هذا الجو الذي أعيش فيه، ولم أكن أرى أمي إلا ساعة الغداء، وكان يحز في قلبي أن أرى طفلاً تلاعبه أمه في حديقة أو تسحبه من يده أو تضمه إلى صدرها، ومن حق أمي عليّ أن أذكر أن عملها لم يفقدها حنان الأم، فقد كانت تعود في المساء فتجلس إلى جانب سريري لتطمئن إلي، وربما كانت ساعتها تناغيني وتقبلني ولكني في هذه الساعة أكون نائمًا، وقد أرادت أمي أن تخلق مني صحفيًا بنفس الطريقة التي
                    (1/546)
                    ________________________________________
                    خلقت بها صحيفتها، فعينتني محررًا في مجلتها وخصصت لي راتبًا شهريًا ينقطع إذا انقطعت عن التحرير؛ فإذا حاولت أن أعاملها كأم ناسيًا أنه رئيسة تحرير، أوقفتني نظراتها الغاضبة عند حدي، وأخيرًا تغلب ما أرادته وأصبحت علاقتي معها لا تتعدى علاقة رئيسة تحرير بأحد المحررين.
                    والسيدة والدتي عنيدة في عملها عنادًا أحس به كل من عمل معها أو اتصل بها، وكان عليَّ أن أنفذ أوامرها بلا مناقشة وأعتنق آراءها بلا محاولة ولكن من سوء حظي أنني ورثت عنها كل هذا العناد فكنا إذا اختلفنا في الرأي اصطدمنا، لم تكن تلين أبدًا أو ترحم أعصاب ابنها البكر الوحيد، بل كانت دائمًا طاغية جبارة ولم تقابلني أبدًا كأم إلا مرة واحدة عندما تذكرت أن من حقوق الأم أن تضرب ابنها علقة فضربتني علقة، وبلغت مصادماتنا حدًا وصل إلى طردي من تحرير المجلة عدة مرات.
                    هكذا يصور إحسان عبد القدوس علاقته بأمه، وهي علاقة مضطربة غريبة ولا شك أن اتجاه إحسان إلى هذه الكتابات المثيرة التي يريد بها أن تحدث الدوي هي نتيجة "الاضطهاد" الذي عاشه في حياته الأولى، التي شكلت عواطفه ومشاعره واتجاهاته كلها ولقد كانت الصحافة لإحسان عبد القدوس حرفة ومورد رزق ولم يكن مورد الرزق الصحفي في هذه الفترة إلا أحد عملين: الكتابة السياسية الحزبية التي تؤيد بها حزب ضد حزب وهذا ما كانت تقوم عليه مجلة روزاليوسف وكان صراعها أنها كانت في صف أحزاب الأقلية التي كانت لا تصل إلى الحكم إلا عن طريق الدكتاتورية التي يشكلها القصر مع الاستعمار، وهناك كتابة القصة وهي مصدر توزيع خطير وقد كتب (محمد إحسان عبد القدوس) في أول أيامه في السياسة ثم فضل أخيرًا أن يقدم لمجلة روزاليوسف مصدرًا ضخمًا من التوزيع وهو القصة الجنسية المكشوفة التي رفعت من توزيع المجلة أضعافًا مضاعفة، ولم يكن
                    (1/547)
                    ________________________________________
                    إحسان عبد القدوس يقدم قصصه في غلاف سياسي أو وطني إلا ليخدع الناس وليفتح الطريق للفكرة المسمومة في مجال القصة وهي الكشف والإباحية ولذلك فإن إحسان عبد القدوس يكذب حين يقول: أنا لست محترفًا، أنا من الهواة.
                    - ذلك أن كتابات إحسان عبد القدوس كلها توحي بإشاعة روح الفن كما يفهمه دعاة التغريب، جنسًا خالصًا، وهو متبعًا مما جعل كاتبًا مثل صبري حافظ" يقول: "هذا ( ... ) الذي أغرق كتاباته في طوفان اللحظة الشبقية مما جعله ينجح تمامًا في دس أغلب كتبه تحت وسائد المراهقات رغم ضخامة حجم هذه الكتب وغلاء ثمنها غير المبررين، ولقد حرص إحسان عبد القدوس فترة طويلة على كتابة خواطر فنية يوجه فيها الراقصات والمغنيات ليصور لهم أصول الفن وقداسته، ويقول لهم: هذا عيب وهذا واجب وعلى الفتاة فلانة أن تخس كذا كيلو حتى يتلاءم جسدها مع دورها. الذي تمثله، ولا يعقل أن تظهر البطلة بثلاثة فساتين فقط في مسرحية ولا تبدو في الصباح بثوب نسائي مجرجر .. إلى مثل هذه الكتابات التي تدل على استبطان عجيب لأساليب المخرجين.
                    ولا ريب أن إحسان عبد القدوس قد دخل في السنوات الأخيرة مرحلة أشد خطورة بقصصه في جريدة الأهرام منذ سنة 1974 ذلك أنه كان في الماضي يعايش القصة ويحاول أن يجعل من الخطيئة ظاهرة أساسية في مجتمع أبطاله، فهم جميعًا منحرفون تدفعهم أهواؤهم وشهواتهم وملاذهم ولم يكن المجتمع في حقيقته كذلك ولكنه كان يريد أن يقرض حالة (خاصة) ليجعلها ظاهرة عامة وأن يجعل من التجربة والظروف والخلفيات الفردية منطلقًا لصورة عامة، ولم يكن في هذا الأمر إلا جريئًا على أصول الدراسات الاجتماعية وسنن الأمم والجماعات منكرًا لأصالة المجتمع الإسلامي الذي
                    (1/548)
                    ________________________________________
                    يتميز في مجموعه بالعفة والطهر والخلق والحرص على العرض والبكارة والبعد عن الاغتصاب، ما عدا بعض حالات ليست أصيلة وليست من شيم المسلمين وأخلاق العرب، وإنما دخلت عليهم من الأمم الأخرى والنحل التي حاولت أن تنصهر في مجتمع الإسلام فحملت معها أوشابها وخطاياها وتواريثها إذ لم يستطع الإسلام بعد أن يطهرها وينقيها ويدفعها إلى البحر الواسع بأمواجه الطاهرة فبقيت على حفافي الجداول، أما الموجة الجديدة في قصص وكتابات إحسان عبد القدوس فهو يحاول أن ينقل من الحياة صورة حية للخطيئة، فهي لم تعد قصة في مجال الخيال والبناء الفني وإنما هي أشبه بواقع منتزع من الحياة نفسها، فكل الذين يكتب عنهم يدعي أنه قابلهما فعلاً ودخل معهم في تجربة "المطاردة والاغتصاب" هذه الطبيبة الإنجليزية التي قدمت جسدها للعبد الأسود الأفريقي، أو تلك المهاجرة من بورسعيد إلى القاهرة أو تلك الفتاة البدوية التي كانت طالبة داخلية في أحد معاهد العاصمة العربية.
                    كل هؤلاء نماذج جديدة حية من الرجال والنساء يلغون في الخطيئة، تلك الظاهرة التي يراها إحسان عبد القدوس طبيعية في المجتمع العربي وفي كل المجتمعات البشرية ويعجب كيف يدسونها أو يكتمونها، وأن ظاهرة المرأة الخاطئة وظاهرة الخمر، وظاهرة تقديم الجسد عن رضا لأي رجل لم تعد في تقدير إحسان عبد القدوس بالأمر الذي يستلفت النظر، وكأنه يريد أن يقرره ظاهرة جديدة في المجتمع العربي هو انتهاء طابع الغيرة والحفاظ على العرض من هذا المجتمع الإسلامي الأصيل وبروز بادرة الرغبة والشهوة من المرأة إلى الرجل، ونحن نرى أن هذا ليس طابع المجتمع العربي والإسلامي في الحقيقة، فما تزال المرأة متصونة ومتعززة ومطلوبة ولم تصل إلى مثل هذا الانحراف الذي يعرفه المجتمع الغربي الذي ينقل منه هذه القصص بعواطفها وأحداثها وتحدياتها، وما يوجد لدينا من انحراف إنما يتمثل في نماذج قليلة
                    (1/549)
                    ________________________________________
                    من نبت نبت من أمهات منحرفات أو لسن مسلمات على الأصح، إنما يحاول إحسان عبد القدوس وطائفة من الكتاب اليوم في إصرار عجيب على تقديم صور الجنس وقصصه وأحاديثه ومع كوكبة من أمثال لويس عوض ونجيب محفوظ ومصطفى أمين ويوسف إدريس في نفس الوقت الذي أخذت فيه ظاهرة المرأة المسلمة المحتشمة تبدو واضحة في كل مكان على أنها واقع أصيل يصفع الدعاة إلى الشهوات والآثام، وقد علقت مجلة المجتمع الكويتية في عددها (18/ 1/1977) على قصة إحسان عبد القدوس "خذني من هذا البرميل" فقالت:
                    إحسان عبد القدوس أحد المسئولين عن إفساد هذا الجيل بما كتبه من روايات تجر الشباب جرًا إلى القاع، وتقتل فيهم نوازع السمو والسعي نحو مستوى خلقي أفضل، إنه يرضي مظاهر واتجاهات الانحراف فيشجعها ويمجدها ويفلسفها ويرصد اتجاهات الاستقامة والفضيلة فيخذلها ويصد عنها ويحاربها، ولقد فسر بعض المفكرين هذا السلوك الذي يضيق بالطهر ويفرح بالانحطاط فاكتشف أن هذا الشخص ينطلق من عقدة خاصة تدفعه إلى تلويث المجتمع كله بالرذيلة وأنه يمضي في طريقه تحت شعار (لنسقط متحدين)، وفي جريدة الأهرام نشر كاتب الرذيلة قصة من ثلاث حلقات عنوانها (أرجوك خذني من هذا البرميل):
                    - والقصة عن امرأة من الكويت صوّرها مختنقة في برميل من البترول وتريد الخروج منه، وفي الحوار الجاهلي الطويل حول الخروج من البرميل والبحث عن حواجز، بث ما يريد بثه من أفكار السقوط والجرائم الأخلاقية، وفي الحوار أيضًا لجأ إلى أسلوب التعميم فجعل الكل يبحث عن حواجز ويعمم الأحكام حين يقول عن بطل القصة على لسانها: إنه كان رجلاً من الكويت يستأجر كل ليلة امرأة دون أن يحس بأنه يخون زوجته.
                    (1/550)
                    ________________________________________
                    وفي ثنايا الحوار نقمة على الكويت كله، ونحن كما ندين كتابات هذا الشخص الرامية إلى إفساد الجتمع المصري ندين قصته هذه ولا ننكر أن في المجتمعات انحرافات لكن هذا شيء والرغبة في الإفساد تعبيرًا عن عقد مرضية وأحقاد مهتاجة شيء آخر، إن القصة هجوم سياسي صيغ في أسلوب فني".
                    وكذلك هناك قصة إحسان عبد القدوس التي يقول على لسان بطلها عندما أراد أن يتزوج عشيقته اليهودية: "أنت تستطيع أن تتزوج دون أن تغير دينك، إنها أنانية الإسلام، البنت المسلمة لا تستطيع أن تتزوج غير المسلم ولكن الرجل المسلم يستطيع أن يتزوج من كل الأديان.
                    - والحقيقة أن هذا الكلام تشوية للإسلام؛ لأن الشريعة الإسلامية هي خير الشرائع عامة وفي النواحي الاجتماعية خاصة وقد أسلم كثيرون لفك قيدهم الاجتماعي من الأديان الأخرى.
                    - والإسلام حينما ينادي بأنه لا زواج للمسلمة من غير المسلم فلذلك حكمة عظيمه وهي ألا تمتهن المرأة المسلمة ولا يكون لغير المسلم عليها ولاية وحتى لا ترتد يومًا عن دينها، وحتى لا يخرج أبناؤها على دين أبيهم اليهودي أو المسيحي، أما أن يتزوج الرجل من الكتابية؛ فإن الرجال قوامون على النساء وباستطاعة الرجل أن يؤثر على زوجته فتتبع الإسلام مثله، أو على الأقل ينضم الأبناء لدين أبيهم وهو الإسلام والواجب أن نظهر للناس هذه المعاني لخير الأديان بدلاً من تشويه صورته التي يحولها بعض ذوي الأغراض إلى طعنات قاتلة للنيل من ديننا.

                    * وفي ضوء مفاهيم إحسان عبد القدوس المنقولة من كتب جنس الغربيين:
                    والتي تعتمد أساسًا على مفاهيم فرويد الزائفة التي كشفت الأبحاث
                    (1/551)
                    ________________________________________
                    الميدانية والعلمية عن ضلالها ينطلق إلى مفاهيم غاية في الفساد والاضطراب ومن ذلك أن الموت راحة وأن الانتحار ليس جبنًا أو هروبًا، أو كما يقول: إنه عندي إقرار بالشبع وبأنك لم تعد تحتاج من الدنيا أكثر من ذلك ولا أطول، وليس أدل على فساد عقلية إحسان عبد القدوس من مثل هذا القول الذي يضاف إلى دعواه العريضة بأنه بقصصه يعلم الفتاة ويجعلها أكثر قوة على مواجهة الحياء، ومتى كان تضليل المرأة عن مهمتها وعن حق الله عليها وعن الطهارة والعفة هو توجيه لها لتكون أكثر قدرة على مواجهة الحياة؛ فإذا أضفنا إلى هذا أن مجلة روزاليوسف في خلال رئاسة إحسان عبد القدوس قد روجت لكثير من الدعوات الهدامة ومنها العلمانية والبهائية والإباحية، وآية ذلك ما نشرته روزاليوسف (17 ديسمبر 1956) يتحدث عن أن عددًا كبيرًا من المؤمنين بالدين البهائي ولكنهم لا يعلنون عن إيمانهم مكتبين باتباع التعاليم في السر، وكل ما نعرفه أن بمصر والسودان خمسة عشر محفلاً، ويقول المقال: لكي تكون بهائيًا يجب أن تؤمن بموسى وعيسى ومحمد، وبالتوراة والإنجيل والقرآن ثم ببهاء الله وكتابه الأقدس ... إلخ.
                    - بل إن إحسان عبد القدوس عندما "يسرق" من استيفان دي فايج يصل إلى أبعد منه جرأة وإباحية، يقول الدكتور مندور: إن زفايج قصد في قصته السر المحرم إلى إظهار هذه الغيرة الاجتماعية على الشرف ولا أدل على ذلك من أن زفايج قد جعل الطفل يرفض أن يبوح لأبيه بسقوط أمه وجريمتها المخلة بالشرف، أما إحسان فقد اكتفى باستيحاء الإطار العام للقصة والذي راقه كان فيما يبدو هو استسلام الزوجة للذة الآثمة أكثر من معنى الشرف عند الطفل الصغير، وذلك بدليل أن الطفل في قصة إحسان قد اكتشف بسرعة سقوط أمه وهنا كان الواجب أن تثوب الأم إلى رشدها، ولكنا نراها مع ذلك -على يد إحسان- تعود فتلتقي بعشيقها في الأحراش وتستسلم له
                    (1/552)
                    ________________________________________
                    مرة ثانية، وهذا هو أسلوب التوغل في المسائل الجنسية.

                    - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].


                    ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                    تعليق


                    • #55
                      * يوسف إدريس الماركسي يدعو إلى حرق كتب التراث كلها:

                      ويكشف يوسف إدريس عن هويته واضحة تجاه الأدب العربي كله حتى يدعو إلى نبذ التراث العربي كله وإلقائه في البحر أو إحراقه حيث يقول في مجلة البلاغ الأردنية: إن تراثنا تحريفات وزخرفات لغوية وإن التراث سخيف وليس فيه شيء للقراءة.

                      - ويقول: أنا قرأت عشرات من كتب التراث ولم أع منها فكرة واحدة باستثناء بعض الكتاب أمثال الغزالي وابن رشد، ولذلك يجب أن تحرق كتب التراث كلها. والواقع أن أكثر الناس جهلاً هم أجرأ الناس على الاتهام، ومن جهل شيئًا عاداه، والواقع أن يوسف إدريس لم يقرأ شيئًا من التراث لأنه ليس له أرضية أساسية لمثل هذا، فهو قد شكل نفسه على قراءة بعض القصص الأدبية الماجنة والإباحية ومنها استمد مفاهيمه ثم عرف الفكر الماركسي فخلق ذلك كله في نفسه العداء للفكر الإسلامي الذي لم يعرفه وإن كان قد ذكر اسم الغزالي وابن رشد فلكي يعلي من شأن نفسه، وإلا فأين ابن تيمية وابن حزم، وابن القيم والشافعي ومالك وأبو حنيفة والجاحظ وعشرات من رواد التراث الأعلام، الواقع أن هذه صيحة عداء وخصومة للفكر الإسلامي يحملها كاتب ماركسي يسارى لم يكن شيئًا حتى أعطاه الدكتور طه حسين صك الشهرة والظهور هو وأصحاب الأفكار الإباحية التي يروجها سارتر وكامي وكافكا وكل من المنحرفين وليس إلا واحدًا من هؤلاء الذين ظهروا خلال فترة المد الماركسي في العالم العربي وهو نبت هش لا
                      (1/553)
                      ________________________________________
                      جذور له، ولا قيمة له، ولا وزن له في ميزان القصة أو النقد، وما نعرف كاتبًا يحترم نفسه يهاجم تراث أمته على هذا النحو إلا إذا كان متعصبًا ضد هذه الأمة، كارهًا لفكرها، خادمًا لأهداف أعدائها؛ بل إنه لا يمكن لكاتب يقدر مكانته في أمته ويكتب بلغتها يقول مثل هذا القول؛ بل إن أعتى المستشرقين غلوًا وأكثرهم تعصبًا وأشدهم كراهة للإسلام والقرآن واللغة العربية لم يصرح بمثل هذه العبارة وإن كان يستبطنها في أعماقه، وهذا يدل على الحمق، وعلى أن الكاتب قد باع نفسه ولم يعد له سهم واحد من المكانة في أمته، ذلك لأن التراث الإسلامي قد اعترف بمكانته أشد أعدائه عداوة له، بعد أن تكشف مدى الأثر الضخم الذي تركه في الفكر الغربي والفكر العالمي سواء في مجال التقنية والعلم أم في مجال العلوم الاجتماعية أم في مجال القانون والتشريع باعتراف عشرات من أعلام الغرب المتخصصين، مما يصفع يوسف إدريس ويثبت تبعيته وتعصبه وحقده على الفكر الإسلامي الأصيل.
                      وهكذا يكشف كتاب القصة عن حقيقة واضحة هي أنهم أعجز الناس عن التفكير في أفق المجتمع الإسلامي أو دراسة قضاياه لأنهم يعيشون في أعماق القصص الغربي وقضاياه كما تعيش الأسماك في أعماق المحيطات.
                      - وينصح يوسف إدريس في جريدة الجمهورية (21/ 5/1966) فتاةً تشكو من حبها المصحوب بالحرمان، إلى أن تخفف من حرمانها كوسيلة للتخلص من شدة عاطفتها، أي أنه يدعوها إلى اقتراف المنكر، وهو يسخر منها لأنها رفضت قبلة صديقها وفتاها، يقول أنها لو قبلت لاستراحت، وبقي عليها مقاومة الحياة.
                      ولا ريب أن هذه النصيحة المسمومة سترتد إلى نحر يوسف إدريس بالجزاء الأوفى وبالنقمة والمثلة؛ فإنه بذلك قد أفسد عقلية فتاة مسلمة وعاطفتها وكشف لمئات من القارئات عن الاستهانة بهذه الأمور، وحرضهم
                      (1/554)
                      ________________________________________
                      على الاندفاع وراء الأهواء وتحمل وزر ذلك كله وجرمه عند الله تبارك وتعالى، ونجد في الصحافة النسوية عشرات الأمثلة من هذه الإجابات قدمها أنيس منصور وإحسان عبد القدوس وأمينة السعيد وغيرهم.

                      * فساد مفهوم يوسف إِدريس عن الموت:
                      - يقول يوسف إدريس في ظروف وفاة كامل الشناوي عن الموت: "ولكن الغادر -أي الموت- لم ينتظر لكي يريه الفجر، ضن عليه ببضع ساعات، يا موت رفقًا بكامل الشناوي يا موت دعه يرى الشروق وهو يقبل على القاهرة كما كان يريد، يا موت حين تحين النهاية اجعله ينام في سلام كما ينام الأطفال، بربك خذه، وهدهد عليه، ضمه بحب كما كنا نضمه، كم كان شفافًا أيها المعتم، كم كان ذهبًا متوهجًا يا أيها الغبي المغلق، كم كان إنسانًا، كم كان يخافك يا ملعون، يا حق، يا من لا مهرب منك، ولكن الموت ذلك الصديق الغادر، في غل بارد، وبإرادة حديدية متجمدة، كان يضمر له النهاية، فاجأة مرة بأن انقض عليه وحيدًا، من فرط ثقتي قد خلت أنه أقوى من الموت حتى لو ربط الموت في فراشه، كنت متأكدًا أنه خالد، يا كامل لا تمت، تلك اللحظة التي تلقى فيها عدوًا ظالمًا خشيته النهاية التي ليس بها إلا رفيق كئيب مستمر لا يأخذ ولا يعطي ولا يتكلم".
                      هذه هي مفاهيمهم عن الموت وحديثهم معه، وهو حديث ضال مظلم يدل على أن صاحبه لم يعرف كلمة واحدة من المفاهيم التي قال بها الدين، أي دين - عن الموت، ولقد كان أولى به أن يخشع وينتظر نفس المصير، ضربة القدر قبل الموت، التي تلحق بكل هؤلاء الضالين المبطلين الذين لا يعرفون الله ولا يلتمسون طريقه الحق.
                      - ولا ريب أن إذاعة هذا المفهوم الفاسد عن الموت، كما يصوره دعاة
                      (1/555)
                      ________________________________________
                      الفكر المادي وكتاب الوجودية والماركسية حين يتردد في مقالات تنشرها الصحف كل حين إنما يوحي للقارئين بأنه مفهوم الموت بينما هو مفهوم زائف مضلل، وأن المفهوم الإسلامي الأصيل يختلف عن هذا اختلافًا كبيرًا، فنحن نؤمن بالموت كحقيقة أساسية يقوم عليها مفهوم العمل كله في الدنيا، ونؤمن بأن بعد الموت بعثًا ونشورًا وجزاءً وحسابًا وعقابًا، وجنةً ونارًا، وأن الدنيا مزرعة للآخرة، ولذلك فنحن لا نخاف الموت ونؤمن بأنه يحمل للمؤمنين الرضوان والخير، وأنه نهاية كل حي وأنه حين يأتي فتلك نهاية عمل الإنسان في الحياة يتقبلها في رضا واستبشار، وليس في جزع وخوف، ذلك أنه لا يخاف الموت إلا أصحاب الأعمال الشريرة الفاسدة أولئك الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، فهم يرهبون لقاء الموت؛ لأنه يضعهم على حافة الحساب والعقاب.


                      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                      تعليق


                      • #56
                        كامل الشناوي الغارق في أهوائه:
                        وماذا كان يفعل كامل الشناوي بالصباح إذا أشرق، إلا أن يلقاه كما كان يلقاه دائمًا غارقًا في أهوائه، هل كان ينادي الله إذا أشرق الصباح أو يتذكر أن يومًا جديدًا قد أقبل من عمره وأن عليه أن يعمل فيه خيرًا أم أنه كان يستقبل الصباح بالنوم، ويستقبل الليل بالسهر، دون أن يستجيب لحق واحد من حقوق الله عليه، أي رفق يتوقع يوسف إدريس من الموت لهؤلاء الضالين الذين لم يضعوا جباههم على الأرض لله يومًا، وكيف يمكن أن يخاطب الموت بمثل هذه اللغة، والموت حق نعلم جميعًا أنه ينتظرنا وأنه ينقلنا إلى عالم جديد، وأن الموت ليس هو النهاية التي يتصورها يوسف إدريس حين لا يؤمن بالبعث من جديد والوقوف بين يدي الله والحساب والجزاء، فما الموت إلا نقلة من حياة إلى حياة أخرى وهي لا تخيف إلا الضالين والظالمين الذين لم يقدموا شيئًا والذين عاشوا حياتهم في أهواء التيه والضلال.
                        (1/556)
                        ________________________________________
                        - أما كامل الشناوي فحسابه أشد عسرًا؛ لأنه حفظ القرآن وتعلم في الأزهر ونشأ في بيئة الدين ثم خرج على كل هذه القيم وهجرها، وفضل حياة الضلال والهوى.
                        [/color][/size]

                        ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                        تعليق


                        • #57
                          * يوسف السباعي الداعي إِلى إِعادة البغاء والدعارة العلنية، يتهم العربية بأنها سخيفة، ويجهل مفهوم الموت في الإسلام، وآية ذلك روايته "نائب عزرائيل"
                          (1):
                          - قال الأستاذ أنور الجندي في كتابه "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 75): "طالب يوسف السباعي وأنيس منصور، بالعودة إلى الدعارة العلنية، بدعوى أن ذلك يقضي على القلق الذي يساور الشباب في المجتمعات".
                          فهل يرضى ذلك لأمه أو لأخته أو لابنته أو لزوجته أم هي الدياثة الفكرية ومحبة إشاعة الفاحشة في الجتمعات المسلمة، وهل ينتظر أمثال هؤلاء إلا العذاب من الله في الدنيا والآخرة.
                          قد كان يوسف السباعي لا يجيد الكتابة بالعربية إلا بصعوبة شديدة ويفضل العامية ويتحدى في وقاحة شديدة ويسخر من الفصحى، ومن سلامة الكتابة على أصول اللغة وقد هوجمت قصص يوسف السباعي (وخاصة قصة إني راحلة) لأنها عافية اللغة، وأن الكاتب العربي الذي يكتب لمائة مليون عربي يجب أن يجيد الفصحى ولا يحصر نفسه في دائرة العامية المصرية.
                          ولا يبالي يوسف السباعي أن يقول: إني لا أهتم مطلقًا بمبادئ اللغة واعتبر أن أسلوبي (كويس كده) وليس في حاجة إلى المحسنات اللفظية،
                          __________
                          (1) الأحاديث في تسمية ملك الموت بعزرائيل لا تصح.
                          (1/557)
                          ___________
                          والواقع أن لغتنا العربية سخيفة وفيها حاجات (مش معقولة) واحد مجنون مثلاً قال لنا (خلي الكلمة دي تبقى كده) وخلاص هي عملية مجهدة لا معنى لها ولا نهتم بها الآن أو يحافظ عليها المصححون في الجرائد، وأنا على كل حال أعتبر اللغة وسيلة وليست غاية.
                          إن مثل هذا الهراء لو وضع موضع النقد الحقيقي لكان حقًا بأن يطرد كاتبه من ساحة الكتابة الأدبية ونأسف لأن جريدة تنشر مثل هذا الكلام (جريدة المساء).
                          وإذا كان هذا هو موقف يوسف السباعي من اللغة فلا ريب أن موقفه من القيم الأساسية أخلاقية ودينية أشد عنفًا، وذلك واضح في قصصه التي تقوم على ظاهرة الكشف، والتي تقوم العلاقة فيها بين الرجل والمرأة على أساس المطاردة والخداع والاغتصاب.
                          - هذه القصص التي كان يقال أنه يكتبها في كابينة على البلاج يذهب إليها ومعه كراسة بيضاء وزجاجة ماء ملون، ويعود بها لتنشر في الصحف مع الاحتفال بها ثم تنشر في مجلد ضخم تقوم مكتبة الخانجى بنشره ثم يتحول إلى سيناريو سينمائي، وكان يوسف السباعي عضوًا في لجنة اختيار الكتب لكتبات وزارة المعارف ومدارسها، وكان يوسف يدخل اللجنة ومعه قائمة الخانجي فيعرضها على اللجنة بمعدل 3 آلاف أو ألفي نسخة من كل قصة يحصل من ورائها على ألوف الجنيهات، يحصل على ثلاثة آلاف طالب وطالبة على سموم الإباحة والجنس والإنحراف الخلقي.
                          ثم يحصل على أجور مضاعفة من الأفلام السينمائية بعد أن تكون هذه القصص الجنسية المسرفة في تصوير الغرائز وإفساد الشباب قد وصلت إلى كل بيت، ولقد وضع نفسه في أحضان طه حسين الذي كان يعرف أنه حين يقدم يوسف السباعي ونجيب محفوظ وأمين يوسف غراب وغيرهم، إنما يقدم سمًا
                          (1/558)
                          ________________________________________
                          من نوع خطير إلى الأجيال الجديدة فيخدم به دعوته، ويكون جيلاً يحمل أفكاره (كل ما هنالك أن طه حسين كان يخدع الناس حين يدعو هؤلاء إلى الكتابة باللغة الفصحى التي لا يعرفونها) فقد أعلن طه حسين أكثر من مرة أن يوسف السباعي يجهل اللغة والنحو ومع ذلك فقد مضى طه حسين يشجع هذه العناصر ويحميها ويدفعها إلى الأمام في صحافة لها هوى مع كل منهج مضاد للأصالة.
                          ولقد كشف النقاد أمر يوسف السباعي منذ وقت بعيد فقد نشرت مجلة الآداب (أغسطس 1955) رأي خصومه فيه حيث قال أحدهم: "إن يوسف السباعي لا يمثل إلا الوجه المرفوض غير الأصيل في الثقافة المصرية، ولكنه مع ذلك استطاع أن يصل إلى هذا المستوى الذي لمع فيه" وأن كثيرًا من الشباب المتفتح الواعي يميلون إلى اعتبار أدبه غذاء سوقيًا تجد فيه الطبيعة البرجوازية المترفة موضوعًا لغرائزها، وهو يؤدي نفس الدور الذي تؤديه الأقلام المصرية السخيفة ويهدف إلى افتعال حياة غير حقيقية للمستمع المصري حتى يظل بعيدًا عن واقعه الصحيح بما فيه من مشكلات.
                          لقد لمع يوسف السباعي حقًا في جو ثقافي أثقلته القيود والأغلال، ولقد كانت مفاهيم يوسف السباعي منحرفة حقًا ضئيلة تدل على فقر شديد في الثقافة، إنها ثقافة الحي الذي عاش فيه ثقافة الأحياء البلدية والزجل والمواويل وكلام المناهي، وذلك فهمه للعلاقات بين الرجل والمرأة ولذلك غلب عليه طابع اللامبالاة بالقيم ومن أجل انتشار قصصه غلب طابع الجنس.
                          بل إن يوسف السباعي ذهب إلى أبعد من هذا حين جعل "السخرية" طابع كتاباته فهو يسخر من كل شيء، حتى من القيم المقدسة، وآية ذلك رواية (نائب عزرائيل) وتدهش حين ترى يوسف السباعي يوجه كلامه إلى الملك المكرم سيدنا عزرائيل ملك الموت، فيقول: "ستلمس لي العذر إذا
                          (1/559)
                          ________________________________________
                          علمت أني رجل، أحب المزاح، أو أنني أرى أن المرء لا يربح في حياته إلا ساعات الضحك وإذا علمت أيضًا أن الإنسان بطبيعته مخلوق مهرج إنه لا يغريه شيء كالهزل والتهريج وإنك إذا ما أردت منه أن يستمع إليك فاضحك أولاً ثم قل له ما تريد قوله، لا تظن بقولي هذا تزلفًا فالتزلف لا يكون إلا لخشية أو حاجة وما كان بي من خشية منك ولا حاجة إليك".
                          - ويقول: (ولا يمكن أن يكتب هذا عاقل في وعيه الكامل) لن أكف عن الغرور إلا في نهاية العمر عندما أقف على شفا الموت وأتلفت ورائي فأكتشف مبلغ حمقي وإضاعتي عمري هباء وجهدي سدى في سبيل شهرة أو خلود، وهذا الكتاب يا سيد عزرائيل أنت بطله فهو منك وإليك حاولت أن أظهرك للبشر على حقيقتك وأن أزيل من أذهانهم تلك الصورة الشوهاء التي يتخيلونك بها.
                          بهذه اللغة الردئية يتحدث مثل يوسف السباعي إلى الملك المكرم كيف يستطيع يوسف السباعي الذي لم يقرأ شيئًا من الفقه أو السنة أن يصور ذلك الملك الكريم ملك الموت الذي يقبض أرواح البشر؟ وكيف يتصور يوسف السباعي أنه يستطيع أن يصور هذا الملك الكريم على حقيقته من خلال رواية هزيلة ومن خلال سخريات خليعة، إن جهل يوسف السباعي بمفهوم الموت في الإسلام وموقف الإسلام من الملائكة هو الذي أورده هذا المورد الخطير، فهو يحاول أن يصور أمر الموت على أنه خبط عشواء وإن مع عزرائيل قائمة وأن فيها طبيبًا يموت قبل مريضه، وعروسًا قبل زواجها بينما يجد الشحاذ الضرير لا يزال حيًا بلا خوف.
                          والواقع أن حكمة ذلك كله لها مفهوم في تقدير الله تبارك وتعالى عز وجل لا يصل إليه يوسف السباعي إلا إذا فهم حكمة الخلق والوجود والموت، أما سيدنا عزرائيل فإنه ملك مكلف من قبل ربه تبارك وتعالى وما
                          (1/560)
                          ________________________________________
                          هكذا يتناول الكتاب أو القصاص مثل هذه الأمور.
                          وهكذا يمضي يوسف السباعي في جرأة وسخرية وفساد رأي وعجز عن فهم الأمور ليكتب، وليكتب بعد ذلك عن كل شيء فيفتي في اللغة وهو يجهل كل شيء عنها كما يفتي في أمور الخلق والموت دون أن يجد من يقول له: قف عند حدك؛ ذلك لأن ظروفًا أخرى جعلت يوسف السباعي في موضع من صحافة ضعيفة عاجزة عن أن تضع كل كاتب في موضعه الصحيح (1)
                          ________________________________________

                          (1) "الصحافة والأقلام السمومة" (ص 185 - 188).



                          ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                          تعليق


                          • #58
                            * مصطفى أمين وإِشاعة روح تحرير المرأة قلبيًا، وإِشاعة الحب بين الرجل والمرأة حتى يكون في حياة كل شاب امرأة ويُسفّه مطلب تطبيق الشريعة ويسقط عمدًا من مذكوات سعد زغلول 150 صفحة عن تجربة سعد زغلول مع القمار:
                            - يقول مصطفى أمين:
                            حارب الأحرار في هذا البلد سنوات طويلة لتحصل المرأة على بعض حقها ويظهر أن بعض الناس يريدون العودة بنا إلى الوراء، وقد يحدث هذا في أي مكان ولكن لا نفهم أن يحدث في الجامعة مهد التقدم والفكر الحر (أخبار اليوم 5 نوفمبر 1977).
                            وهكذا يشهد مصطفى أمين على نفسه وعلى تلك المجموعة التي شكلها محمد التابعي في مجلة روزاليوسف لتحمل لواء هذه الدعوة وتتزعم تلك الصحافة التي تحرض المرأة على الخروج من القيم الدينية والأخلاقية وتدافع عن أمثال أم كلثوم وفاطمة رشدي وتحتفظ بأسماء أولئك الذين كشفت التحقيقات عن إدارتهن لبيوت الفساد، في مخطط واضح دقيق
                            __________
                            (1) "الصحافة والأقلام السمومة" (ص 185 - 188).
                            (1/561)
                            __________
                            مستمر، وقد أشار بعضهم أكثر من مرة أن المرأة هي التي تشتري الجريدة من مصروف المنزل ولذلك فهم يؤيدونها، ولكن المرأة الرشيدة تعلم أن ما يدعونها إليه ليس هو في مصلحتها أو من أجل إسعادها، وما ترى المرأة سعادتها في عمل يحرمها من تربية أبنائها أو من سهرات تحول بينها وبين دين الحفاظ على وجودها الذاتي وكيانها وأسرتها.

                            * مصطفى أمين موجِه سياسة أخبار اليوم:

                            أخذ مصطفى أمين الخيط من روزاليوسف وآخر ساعة وجند التابعي عنده أما هو فكان صانع الإخراج والكاريكاتير وتوجيه سياسة الصحيفة وكانت أبرز قدرات مصطفى أمين:
                            أولاً: القدرة على تقديم الرأي وضده يهاجم حزبًا معينًا ولا مانع أن يكتب كاتب في نفس العدد يدافع عنه.
                            تانيًا: القدرة على وضع السموم في علب ملونة حلوة المظهر تخدع القراء.
                            ثالثًا: الاختباء وراء النغمة الوطنية أو نغمة مناجاة الله في سبيل تنفيذ الغرض الأكبر: الدفاع عن قيم الغرب وحضارته ودفع المرأة المسلمة إلى ما يسمونه آفاق المجد والعمل خروجًا عن الأسرة وتربية الأبناء.
                            رابعًا: القدرة على الدفاع عن الحاكم ثم القدرة على تدميره بعد سقوطه، وقد كتب مصطفى أمين ألوف المقالات عن فاروق تمجيدًا وتشريفًا وإعلاءً، ثم هدمه بعد ذلك وكشف عوراته، وكذلك فعل مع عبد الناصر، ولم يكن الهدف إلا أداء الرسالة الخاصة بتسميم قيم المجتمع في مسائل المرأة والأسرة، وفي ظاهر العمل الصحفي السياسي أن مصطفى أمين عمل مع أحزاب الأقليات ومع الملك ضد حزب الوفد لتحطيمه.
                            (1/562)
                            ________________________________________
                            - وقد وصف مصطفى أمين (مجلة النداء إحدى صحف الوفد 26/ 2/1952) بأنه كان يرأس تحرير مجلة أسبوعية مصورة وكان يوقع مقالات خفيفة مضحكة بإمضاء مستعار (مصمص) وعرف القراء مصمص الذي يضحكهم بالحديث عن البنت التي خربشته من تحت المائدة أمام الضيوف، ويضحكهم بالحديث عن بدانته التي تضايقه أثناء الرقص، ودفعه الطموح -على حد تعبير مجلة النداء- أن يرأس تحرير مجلة يكون هو صاحبها، والذين يشتغلون بالصحافة يعلمون أن إصدار جريدة ليس أمراً سهلاً، إن المال الكثير لا بد أن يتوفر ولم يكن مصطفى أمين يملك سوى قلمه وقلم شقيقه علي أمين، ولم يكن يملك مالاً عندما جمع أوراقه وغادر دار الهلال، اختلف مع أصحاب دار الهلال لأنه أراد أن يجعل من مجلة الإثنين مجلة تنطق بلسان حكومة السعديين.
                            وتحدثت الصحيفة عن الاجتماع الذي تم بين مصطفى وعلي والباشا حيث رسمت سياسة أخبار اليوم فيه وفي سرعة تم كل شيء، وبعد أيام صدرت أخبار اليوم واختاروا المادة الصحفية التي تثير انتباه الشعب، لماذا ساءت العلاقات بين القصر والنحاس باشا.
                            ومضت أخبار اليوم تلعب دورها، العمل على تحطيم الوفد، وإعطاء الفرصة لأحزاب الأقلية لكي تحكم مصر، كانت الأحاديث تدور وراء الكواليس تتضمن تفاصيل المؤامرة الكبرى، كان مصطفى أمين يصنع الأصنام ويعبدها ويحاول أن يجر الشعب معه ليسجد لتلك الأصنام، وأشارت النداء إلى تلك الأعداد التي صدرت بعد 8 أكتوبر 1951 تلك الأحداث الوطنية، عدد آخر ساعة وصورة الغلاف هي لاستر وليامز لينسى الناس الاستعمار وهم يشاهدون غلاف آخر ساعة والأفخاذ العارية، وكان موقفه مع الاستعمار البريطاني واضحًا.
                            (1/563)
                            ________________________________________
                            وهاجموا ما نشرته الصحف الوطنية حتى لقد قالت آخر ساعة العدد 897 أن كثيرًا من الصحف جرفها التيار إلى نشر هذه القصص الخيالية والصحف حتى الآن ما تزال تبالغ، إن الأكاذيب والمبالغات لها نتيجة واحدة أنها تخدعنا نحن ولا تخدع أحدًا سوانا، وتعطي الناس فرصة للسخرية منها، هذه هي الصورة من وجهه نظر أخرى، وإذا كانت الأحزاب السياسية كلها شر ولها تاريخ أسود فإن مناصرة أحزاب الأقليات ومناصرة الملك فاروق تكون أشد سوءًا وشرًا، ولقد حاول مصطفى أمين أن يقلل من الحركة الوطنية التي قامت في الإسماعيلية لمقاومة الإنجليز، ولم يلبث النظام الملكي أن سقط وسرعان ما اندمج مصطفى أمين مع حركة الجيش وبدأ يكتشف سوءات العهد الملكي، وسرعان ما أودعته حركة الجيش السجن في يوليو 1965، فقد اتهم مصطفى أمين وجاء في قرار الاتهام بأنه تخابر مع أشخاص يعملون لمصلحة دولة أجنبية بقصد الإضرار بالمركز الحربي والسياسي والاقتصادي للدولة، وذلك بأن اتفق مع أشخاص فيعملون لصالح دولة أجنبية على أن يمدهم بمعلومات وأخبار عن القوات المسلحة العربية والأوضاع السياسية والاقتصادية للدولة في الداخل والخارج، وسلم لشخص يعمل لمصلحة دولة أجنبية أسرارًا خاصة بالدفاع عن البلاد واشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع أجنبي مقيم في مصر في التعامل بالنقد المصري.
                            ومهما قيل من بعد أن الاتهام جاء بعد أن وقع الخلاف بين عبد الناصر ومصطفى أمين حول أسلوب العمل السياسي الذي كان يقوم به الأخير بتكليف من الأول، وقد جاء ذلك بعد أن اختلف عبد الناصر مع الأمريكيين وإن كان مثل هذا الاتهام قد وجه أيضًا إلى محمد حسنين هيكل، وإن كان مصطفى أمين لم يكشف أهدافه في وضوح غير مرة واحدة فإن ما قاله إذ ذاك يكفي لكي يضيء لنا طريق حياته ووقائعها كاتب مصطفى أمين في مجلة
                            (1/564)
                            ________________________________________
                            الإثنين (15 مارس 1943) تحت عنوان الأهداف التي ستعمل مصر لها بعد الاستقلال.
                            - وقد جعل من أهدافه التي سيعنى بها ويقود لها الرأي العام بعد الحرب أن يحارب التعصب الديني وأن يجدد الأزهر وأن ينادي بتحرير المرأة قلبيًا؛ لأن الحب الطاهر لا يزال جريمة يعاقب عليها المجتمع، والمجتمع المصري إلى اليوم مجتمع لا روح فيه؛ لأنه خال من المرأة، والشباب المصري لا شخصية له؛ لأنه ليس في حياته امرأة ومن أهدافه أن يشجع المرأة على المطالبة بحقوقها السياسية وتولى الوظائف وأن ترث كما يرث الرجل تمامًا وأن يدعوا إلى اتحاد شرقي (لا اتحاد إسلامي بهذا النص) على نظام الولايات المتحدة الأمريكية.
                            هذه الصورة التي كانت تجول في ذهن مصطفى أمين تكشف الأهداف التي ظلت كامنة وراء عمله الصحفي كله، إشاعة روح تحرير المرأة قلبيًا، وإشاعة الحب بين الرجل والمرأة حتى يكون في حياة كل شاب امرأة، ومن وراء هذا المعنى يقف هدف الصحافة الأكبر الإثارة والجنس.
                            كما تحدث الكثيرون عن السر في انتشار أخبار اليوم، فقد أشار أحد كتابها إلى هذا المعنى حين قال: (كان لنفوذها في الدوائر البريطانية، والأمريكية أثره في تقديم أخبار جديدة لفتت الأنظار وشدت القراء إليها واستطاعت هي في هذا الوقت ومن خلال هذا الولاء السياسي - خدمة الأهداف الكبرى).
                            - نعم: لقد استطاع مصطفى أمين بنفوذه الضخم في الدوائر السياسية الأجنبية والداخلية أن يحقق أهدافًا سنة 1943 على رأسها تحوير المرأة قلبيًا حين كانت ترسم الخطط خلال الحرب العالية لرسم خريطة جديدة للمجتمع العربي والإسلامي.
                            (1/565)
                            ________________________________________
                            ولقد كان المدى بعيدًا عام 1943 حين رسم مصطفى أمين مخططه هذا وبين ما كتبه عام 1979، يطالب برد الإيمان إلى قلوب أبناء الجيل الجديد؛ فإن موجة الكفر والإلحاد هي المسئولة عن استهتار بعض شباب العالم بالمثل العليا وضعف المستوى الخلقي وانتشار الجرائم والمخدرات بين الذين سيتسلمون مصير العالم بعد سنوات.
                            وليست هذه الدعوة الجديدة نتيجة لتغيير في الخطط وإن كانت نتيجة لتغيير في الأسلوب، فما زال مصطفى أمين بالرغم من كتاباته المملوءة بعبارات الحنان مؤمنًا بكل الأهداف وما زال ينتفض إذا جاء خبر بأن امرأة ما تولت عملاً جديدًا حتى لو كانت كناسة في شوارع موسكو، وما زال مصطفى أمين يضرب أمثلة البطولة والنجاح واحتمال الجهد في سبيل الشهرة بأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وما زال يؤكد أنه حضر ثورة 1919 مع أنه ولد عام 1916، ولقد كان خليقًا بالسجن الذي آوى إليه تسعة أعوام أن يدفعه لأن يغير خطته إلى خدمة القيم العليا للحياة الإنسانية ولكنه لم يفعل بل خرج من السجن ليكتب قصصًا جنسية أشد عنفًا مما كان يكتب من قبل ويؤكد مفاهيمه السابقة ويصر عليها، إن كتابات مصطفى أمين تقف في قوة في وجه الشيوعية ولكنها تخدم الديمقراطية الغربية، والكتابات الأخيرة بعد السجن تكشف عن ظاهرة عميقة الدلالة هي "الجنس الصارخ" ونحن ندهش كيف يمكن أن يحدث ذلك بعد ارتفاع السن وكيف يجمع المتناقضات بين قصة جنسية وعمود (فكرة) بما يحمل من اتجاه إلى الله أحيانًا ودعوة إلى الخير (وفي عدد 6 يوليو 1974 يكتب علي أمين أيضًا عن الجنس والرقص) وكيف يمكن إقناع القارئ بهذا التناقض ولكن الذي يفهمه الناس جميعًا أن كلمات (فكرة) خدعة ومصيدة لتضليل القارئ عن مؤازرة الكاتب لهذا الاتجاه الواضح الظهور اليوم في الصحافة الأمريكية والذي تدفع إليه الصهيونية وهو
                            (1/566)
                            ________________________________________
                            الإباحية، ونحن نأسف لأن الصحافة الأمريكية تصدر الإباحية والصحافة السوفيتية تصدر الإلحاد ونحن بينهما في طاحونة شديدة؛ لماذا لا تعطي هذه التجربة الخطيرة بالسجن تسع سنوات فوصة لمراجعة العمل والحياة، ولماذا لا تعطي إحساسًا حقيقيًا بالعودة إلى الله يتمثل لا في جمع القروش لليلة القدر ولا في الكلمات البراقة، ولكن في التوجه الحقيقي لشخصية لها وزنها وثقلها في عالم الصحافة إلى العمل الخالص، وكفى ذلك التاريخ الطويل السابق، وتلك المحاولة الخطيرة المتصلة التي حملت لواءها الصحافة العربية في العصر الحديث للعمل على إفساد القيم الأخلاقية والدينية، لقد جاء السجن ضربة قوية لإيقاظ النفس، ثم جاءت العودة إلى المكانة الصحفية حجة عليكم من الله تبارك وتعالى حتى يعلم الناس العبرة، والواقع أن الله تبارك وتعالى سبحانه وليس أحد غيره هو الذي وضعكم موضع العقوبة ثم هو الذي عفا عنكم وأعادكم إلى العمل ورد لكم اعتباركم وهو قادر على أن يعيدكم إلى عقاب أشد "ولعذاب الآخرة أشق" فليعلم مصطفى أمين أنه موضع رقابة شديدة من الله وأنه على حافة خطر عظيم.
                            - ولقد كتب مصطفى أمين يطالب برد الإيمان إلى قلوب أبناء الجيل الجديد فما هو العمل الذي قدمه حقيقة في هذا الميدان، هل حاول أن يقدم القصة الأخلاقية والكلمة الكريمة، هل حاول أن يخفف من هذه السموم المبثوثة في صفحات الجريمة والرياضة والمرأة، هل فتح بابًا جديدًا لزرع الإيمان في النفوس وإعادة الإيمان إلى الصدور، أم هي ألفاظ وكلمات خادعة مضللة يحملها عمود لتكون "تغطية" على ذلك الركام الشديد السواد الذي ما تزال تقدمه الصحافة.
                            إن اللمسة الإنسانية في تبنى قضايا المظلومين وتحقيق رغبات المحرومين في ليلة القدر لا تكفي، إذ أن التغيير يتطلب الوصول إلى أعماق النفس، إن
                            (1/567)
                            ________________________________________
                            الدور الذي يشيدون به له في الصحافة هو دور مادي: رفع المرتبات، إدخال فنون جديدة للإخراج، إغراء القراء بالصحيفة عن طريق دغدغة أهوائهم وتقديم مزيد من المرغبات والمثيرات للقارئ، هذا شيء لا يمكن أن يتم إلا على حساب القيم الأساسية للدين والخلق لهذه الأمة.

                            - وقد علق أحد الكتاب على مدرسة مصطفى أمين، فقال (1):
                            أولاً: إن مقياس النجاح عند مصطفى أمين هو الإيراد الذي تحققه الجريدة من الإعلانات والتوزيع، وإيراد الإعلانات يضع صاحبه في الخدمة المباشرة للشركات الأجنبية والرأسمالية، وبذلك ظلت صحافة مصطفى أمين قبل يوليو 1952 مخلصة للاستعمار والرأي وأحزاب الأقلية وكبار الرأسماليين.
                            ثانيًا: صفحات أخبار اليوم تطفح بالإثارة المفتعلة والأخبار الكاذبة والصور العارية والتحقيقات التي تهدف إلى جذب أنظار الناس عن الأحداث الجارية.
                            ثالثًا: كثيرًا ما صدرت أخبار اليوم بمانشيتات مبتذلة في وقت كانت تتفجر فيه أحداث وطنية وأحداث عامة، وكثيرًا ما أسدلت الصورة العارية والفضائح الشخصية ستارًا من الإثارة على موضوعات هامة وحيوية.
                            ولا ريب أن تحكيم الإعلان في الصحافة من أكبر أخطار الصحافة ومن أشدها خطرًا الإعلانات المكتوبة على هيئة مقالات.
                            غير أن أسلوب تقديم الأخبار على النحو الذي ابتكره مصطفى أمين يعمل على: تفتيت الأحداث بدلاً من إعطاء الظاهرة الأساسية الكبرى وراء تجميعها في منطلق واحد، وضآلة القدر المعطى للأصالة والإسلاميات وضياع هذا
                            __________
                            (1) روزاليوسف (12/ 9).
                            (1/568)
                            ________________________________________
                            القدر وسط البرامج المختلفة، بل وفساد مضمونه الأساسي، وقد وصف أحدهم مدرسة مصطفى أمين بأنها مدرسة الرجل الذي عض كلبًا، أي أنها تقدم الإثارة الحقيقية ولا سيما في توافه الأمور التي تروق للبسطاء.
                            ومن الناحية التاريخية فلحساب الولاء لسعد زغلول غيرت أخبار اليوم حقائق كثيرة وفي مقدمتها تشويه مذكرات محمد فريد بالإضافة إليها والحذف منها (عام 1964) وقد نقلت من مذكرات سعد زغلول ما تحاول تكذيب وقائع محمد فريد، فهي تؤيد سعد زغلول على طول الخط، وسعد عدو ومخالف لمحمد فريد، وقد حاول فريد كشف خططه، بل إن مصطفى أمين أخفى أخطر ما في مذكرات سعد زغلول عندما نشرها في الأخبار، أخفى 150 صفحة منها عن تجربة سعد زغلول مع القمار.
                            - ولعل أسمى ما تطمح إليه الأمة في هذا العصر هو تطبيق الشريعة الإسلامية، ومع ذلك فإننا نجد مصطفى أمين يسفه هذا المطلب ويقول أن حضارة مصر عمرها سبعة آلاف سنة، ولا يمكن أن تعود القهقرى إلى الخلف وهو يعرف أن تطبيق الشريعة هو المنطلق الوحيد لهزيمة صحافة الإثارة وهو الخطر المترصد بهذه الكوكبة الضالة.


                            ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                            تعليق


                            • #59

                              * التابعي ومصطفى أمين وتلاميذهم يحملون لواء الدفاع عن الراقصات والمغنيات والممثلات:

                              حمل التابعي ومصطفى أمين وتلاميذهما لواء الدفاع عن هذا الصنف من الناس، وأغروا كثيرًا من المخرجين والعاملين في حقل السينما بتصوير حياة الراقصات وتقديمها على أنها بطولات تاريخية وصفحات من حياة أولئك الذين قدموا تلك الصفحات المظلمة من العلاقات غير المشروعة بين العاشقين والسكارى والندامى، وحفلت الصحف بالدعاية لهذا اللون من الأفلام،
                              (1/569)
                              ________________________________________
                              وجاءت أفلام خطيرة الأسم وخطيرة المضمون: امرأة لكل رجل، المرأة الخائنة.
                              وكان حقًا علينا أن نتساءل: لماذا هذا الاهتمام بتصوير حياة الراقصات وما يعشن فيه من ابتذال وفحش بين النوادي الليلية والصالونات، ولا ريب أن تصوير هذه الحياة يؤذي النظر ويخدش الأذن ويعطى مثلاً بالغًا غاية السوء للشباب والفتيات ولا يشفع في هذا أنه تاريخ وأنه تصوير حادثة حقيقية فليس كل التاريخ مما يكتب ويروى ويجسد، وليست كل الحقائق تقال، وإلا فهل يجوز مثلاً تصوير ما يجرى في البيوت سيئة السمعة من عبارات وألفاظ وحركات ويعتذر عنها بأنها حقيقة واقعة من الحقائق الواقعة في المجتمع وفي الحياة.
                              وكان حقًّا على الصحافة العربية التي تحمل أمانة الأداء للعرب والمسلمين أن تتساءل: لماذا هذه الأفلام وما مدى خطورة الجانب الأخلاقي وجانب القدوة السيئة للشباب، وهل بمثل هذه الأفلام يمكن تدعيم المجتمع، ثم كيف تفتح أمام الشباب أبواب الضياع والسلبية وهي تقدم لهم زادًا أقل ما يقال فيه أنه دعوة صريحة إلى الفساد.
                              وهل ترى لا بد أن نعيد للأذهان أسوأ ما كان يجرى منذ الثلاثينيات والأربعينات مع أنه كان في هذه الفترة صور حقيقية من البطولة والكفاح والنضال في سبيل نيل الحرية ومناومة الغاصب.
                              ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك محاولة تحويل الرقص بخلفياته المعروفة، ووجوهه الكريهة، وطوابعه الإباحية والمخمورة، والفاسدة إلى مثل عليا وقيم مع اللعب بالألفاظ وخداع السذج على النحو الذي يكتبه دكتور وعميد كلية عن ابنته الراقصة (1) حيث يقول تلك العبارات الضالة: "كلنا
                              __________
                              (1) هي الراقصة فريدة فهمي عضوة فرقة رضا للفنون الشعبية.
                              (1/570)
                              ________________________________________
                              نرقص بشكل أو بآخر، ولكنها وحدها تتخطى الجسد وتتجاوز الإيقاع لتصبح وحدها إيقاعًا مميزًا".
                              وهذه هي محاولات الخداع في اتخاذ الأسلوب الأدبي والعبارات البراقة مدخلاً إلى إغراء الشباب الصغير قليل الثقافة، ولقد كان حقًا على هؤلاء المضللين أن يسموا هذه العائلة بالعائلة (المقدسة) وأن يسموا الرقص (ثقافة) وأن يسموا الفن (خالدًا)، وأن يؤلف عن ذلك الكتب وتدبج الصفحات وتقدم الصحافة العربية ذلك كله في إعجاب وتقدير.

                              * أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر:
                              دخل مصطفى أمين في الحلقة السابعة من العمر ومع ذلك يتخذ أسلوب القصة الجنسية المكشوفة إطارًا لوضع سمومه وأهوائه؛ وأبرز ذلك كتاباته بعد خروجه من السجن "سنة أولى حب" وغيرها.
                              ولما توفي سيد كراوية أشهر عازف طبلة في مصر، والذي عمل مع جميع راقصات مصر الشهيرات، أعلن مصطفى أمين أنه لو كان له ولد لعلّمه ليكون عازف طبلة تقديرًا للدخل الكبير، والمقاييس عنده مادية، هذا عرّاب صحيفة أخبار اليوم.
                              إِذا كان الغراب دليل قوم ... يمرّ بهم على جيف الكلاب

                              ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                              تعليق


                              • #60
                                * زكي عبد القادر على درب مصطفى أمين والتابعي من قبله:
                                دعا زكي عبد القادر إلى نظرية تحديد النسل، وكتب الكثير عن الجنس والإباحية وعن تكريم الراقصات والمغنيات والممثلات وإعلاء شأنهن وتقديس المسرح، جسّم الجنس وكتب القصص الغريبة وهو فوق الستين من عمره بلا أدنى وازع من حياء، وقدّم نماذج مضطربة لا يجوز لرجل مثله أن يطرحها بهذه الصورة العارية؛ لأنها تؤدي إلى إحداث آثار خطيرة في نفوس الفتيات،
                                (1/571)
                                ________________________________________
                                وكان الأولى ألا يتوسع في تصوير الإثم والخطأ والفساد، وأن يتوسع في التحليل وبيان الأخطاء التي ترجع في مصدرها إلى سوء التربية وغيرها.
                                - ومن ذلك قصة فتاة يصورها على أنها متطلعة دائمًا إلى الرجال وأنها مغرمة بالعبث بهم وإيقاعهم في حبائلها؛ وأنها لا تعرف الحب مع ذلك، وهي تصلي وتفعل الخير، ولكنها تعمل دائمًا على اقتحام عالم جديد للبحث عن اللهو والتسلية والعبث بالناس، ويمضي زكي عبد القادر في التوسع على أعمدة أربعة في تصوير خواطرها المسمومة، وهو يعنى بأن يقدم هذه الخواطر دون أن يعلق عليها ولو كان يريد حقيقة أن يهدي إلى الرشاد؛ ولكنه لا يفعل شيئًا تجاه ذلك، ولا يصور خطأها وانحرافها، وكأنما هو معجب به راض عنه وهو في السبعين من العمر يهدهد هذه الغرائز ويزيدها اشتعالاً في نفوس أناس ربما كانوا يثقون في كتاباته، ويضعونه في قائمة أخرى غير قائمة أنيس منصور ويوسف إدريس وغيرهم، وفي أكثر من كلمة يتكشف اهتزاز القيم الإسلامية الأصيلة في نفس الكاتب، ولو كان مؤمنًا بها لكان حاسمًا في معالجة القضايا التي يتعرض لها ولما شغف بين آن وآخر بتقديم هذه القصص الإباحية، ولست أدري لماذا يهتم بأن يقول أنها فتاة لها أنوثة طاغية، وأنها نشأت دون رعاية أو رقابة وأنها فتاة مغرورة ليس لها قدر من ثقافة وإيمان تجري مع الأهواء، لماذا الاهتمام بمثل هذه الرسائل وقد نشر منها العشرات في سياق ما كان ينشره من كلمات يتحدث فيها عن الخلق والفضيلة.
                                هل هذا هو واجب الصحفي صاحب القلم، وهل هذه هي رسالته، الإلحاح على صور الفساد دون أن يقدم العلاج والتوسع في رسم صور الإباحة والوقوف عند ذلك دون أن يحلله أو يظهر خطأه أو يوجه أهله إلى الخير، لماذا الاهتمام بمثل هذه التي وصفها بأنها شيطانة تضج منها الشياطين (أخبار 12/ 3/1978)، وهي تكذب حين تقول أنها تصلي أو تعرف الإيمان
                                (1/572)
                                ________________________________________
                                أو الصحف الذي في حقيبتها أو أنها حجت وطافت بالكعبة، ثم هي تخاف أن يقع ابنها أو زوجها على هفواتها ومن التبجح أن يقول أنها تعتقد أن السماء تحفظها ولن تتخلى عنها وأن الله يغفر لها ويحفظ سرها، مع أنها لم تزمع التوبة.
                                - هذا الكلام يراد به تخفيف الجريمة في نظر أصحابها، والتهوين من شأنها وهي محاولة خطيرة في نشر الفساد؛ فإن للتوبة شروطها فإن ستر الله ورحمته لا يكون مع الضالين المفسدين، ولكن مع المؤمنين أو التائبين الذين يستنكرون صفحاتهم السوداء المظلمة ولا يعلنون بها، إن هذه هي محاولة خطيرة في وضع وقائع زائفة في صورة القصة وهي أسوأ ما تقوم به الصحافة في العصر الحديث.

                                * دعوة زكي عبد القادر إِلى ترك كل القيم والحدود التي رسمها الدين في سبيل الخضوع للعصر:

                                - قال الأستاذ أنور الجندي في كتابه "الصحافة والأقلام المسمومة":
                                - يقول زكي عبد القادر (1/ 11/1978): "العالم كله مضطرب ومتلعثم في الأدب والسياسة والاقتصاد والاجتماع وهو مضطرب في العلاقات بين الأفراد والعلاقات بين الطبقات، أنظر إلى الصداقة والحب والكراهية، أنظر إلى الزواج والعلاقات الأسرية بين الزوج وزوجه، بين الآباء والأمهات، أنظر إلى مفهوم الأخلاق والسلوك، ألا ترى أنه يتميع ويتداخل، انظر إلى الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية، وانظر إلى علاقة الفرد بالدولة بالمجتمع، وأنظر إلى مفهوم الحرية ألا ترى أنه متميع ومتداخل ومتشابك ... ".
                                - هذا الكلام ماذا يخدم، لماذا إثارة الشكوك حول كل شيء؟ وما هو
                                (1/573)
                                ________________________________________
                                العلاج؟، لماذا لم يقدم الكاتب للناس العلاج، إن هذا الأسلوب هو أسلوب الماسونية التي تتقنع الآن تحت اسم (الروتاري) وهو مفهوم الصهيونية التلمودية، هذه الدعوة المدمرة إلى إثارة الشبهات وترك الناس بدون حلول.
                                - ومن أخطاء زكي عبد القادر قوله بأن تربية الأبناء الصحيحة وإعدادهم الإعداد الكامل، هو محاولة لصب هؤلاء الأبناء في قوالب الآباء وإلزام لهم بمنهج التفكير والتصور الذي نشأوا عليه وأنهم بذلك يقضون على شخصياتهم ويطعنون الإلهام والفتوة والقدرة فيهم من قال هذا! إن زكي عبد القادر يريد أن يتابع ذلك اليهودي الذي استشهد به والذي قال أن ابنه له الحق في أن يعرب عن رأية بحرية ولو خالف وجهة نظره هو.
                                والحق أن هذه محاولة للاتهام بأن هذا الأسلوب صحيح والواقع أنها محاولة لإقرار مفهوم مضلل وافد، ولا ريب أن إثارة مثل هذه الملاحظات وترديدها إنما يوحي بالهدف الذي يرمى إليه زكي عبد القادر وهو متابعة منهج الماسونية الذي يقول مثل هذا.
                                - ويكتب زكي عبد القادر تحت عنوان "الانفصال عن العصر" في دعوة مسمومة لترك كل القيم والحدود والضوابط التي رسمتها الأديان في سبيل الخضوع للعصر، وهذا ليس إلا مغالطة واضحة للحقائق الأساسية التي يقوم عليها بناء الأمم من أخلاق وقيم وعقائد، وأن هذا الكلام يعني ما يقوله الماركسيون والماديون والوثنيون من إخضاع الأخلاق والقيم للمجتمعات والعصر، ويتعرض زكي عبد القادر لعلاقات المرأة بالرجل والزواج والجنس وأزمة الشباب والجريمة وهو يقصد في هذا أن تتحرر هذه العلاقات من ضوابطها الحقيقية، ويقال هذا ويردد في أفق المجتمع الإسلامي وفي الصحافة العربية بهدف واضح هو تدمير المجتمعات خدمة للماسونية، وإن كان يقال في حرص شديد ومكر شديد أيضًا.

                                (1/574)
                                ________________________________________
                                * زكي عبد القادر على درب الباطنية:
                                ْ ويذهب زكي عبد القادر إلى ترديد كلام الباطنية حين يقول أن الله في داخل الإنسان، وأن في كل فرد جزءًا إلهيًا، ولا يعرف الإسلام هذه العبارات بل هي من نتاج الهندوس والفراعنة والمسيحية، أما المسلمون فإنهم ينزهون ذات الله العليا عن التلبس بالمادة سموا بها عن المماثلة وأن الله تبارك وتعالى كما وصف نفسه "ليس كمثله شيء".


                                ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
                                ردود 0
                                24 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
                                ردود 112
                                158 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
                                ردود 3
                                32 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عاشق طيبة
                                بواسطة عاشق طيبة
                                 
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
                                ردود 0
                                114 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
                                ردود 3
                                58 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                يعمل...
                                X