كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام

تقليص

عن الكاتب

تقليص

نور الهداية مسلمة ولله الحمد اكتشف المزيد حول نور الهداية
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة


  • (2/131)
    العصرانيُّون العَقْلانِيُّون

    * العصرانيون:
    العصرانيون قوم قدّسوا العقل وقدموه على نصوص الكتاب والسنة، ودعوا إلى تطوير الشريعة، ومفاهيم الإسلام على طريقة العصرانيين عند الغرب، والعصرانيون يمثلون تيارًا عامًا لم تكتمل ملامحه بعد، ولم تكن اجتهادات رجاله واحدة، وإنما يشتركون في ملامح عامة وخصائص مشتركة عمومًا.
    والعصرانيون ليسوا سواء، في منطلقاتهم وأهدافهم، وقد يلتقي معهم -في بعض المسائل- من ليس منهم ولا يوافقهم على كثير من غلوهم وجموحهم -ومنهم من ينتسب إلى التيار الإسلامي (د. محمد عمارة - فهمي هويدي - عبد العزيز كامل) والكل قد خاض في مسائل شائكة مثل تجديد أصول الفقه، وموقفهم من السنة النبوية- والدعوة إلى وحدة الأديان، والكثيرون منهم دعوا إلى فصل الدين عن الدولة، ودأبوا على تزوير التاريخ الإسلامي، ويرحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال:
    "الشرع يخبر بمحارات العقول لا بمحالات العقول"

    ويرحم الله من قال: "العقل كالدابة يوصلك إلى باب الملك ثم تدخل عليه بمطلق التسليم"، ولكن العصرانيون لم يعوا هذا".

    * محمد عركون يُنكر أصول الإِسلام ويتهم الأئمة ويدعو الماركسية أن تأخذ حظها في تقييم الإِسلام والحكم عليه:
    الدكتور محمد عركون؛ جزائري، من مواليد 1928. أتم دراسته
    (2/133)
    بباريس 1955، وحصل على الدكتوراه من السربون سنة 1969 حول الإنسية العربية في القرن الرابع الهجري، وحاضر بالعديد من الجامعات الفرنسية والعربية، معظم مؤلفاته بالفرنسية.
    وهو علماني يدعو إلى التعامل مع الإسلام - والقرآن والسنة بالمقاييس الغربية، وبالاستفادة من المعطيات التي خلّفها ماركس ونيتشه وغيرهما.
    ويعتبر الدين الذي ينتهجه الناس مجموعة من المعطيات البطريركية التي خلّفها الفقهاء وأسبغوا عليها صبغة القداسة. والرجل أمة وحده في منهجه وحربه الشرسة التي تحتاج إلى حنكة ومتابعة.
    والتسليم بالدين - بل حتى التسليم بالله تعالى نفسه أمر يحتاج إلى دليل عند محمد عركون، لا يملكه "النصوصيون المتخلفون"!! كمالك وابن تيمية وابن عباس - رضي الله عنهم -، بل إن ذلك ينقصه الدليل الذي يحاول أن يأتي به اليساريون "المسلمون" ويقدمه لنا "المجدد" محمد عركون في كتابه "الإسلام - الأمس والغد: (ص 140) وما بعدها".
    "إن الفكر الإسلامي لا يمكنه أن يتهرب طويلاً (!! ) إن فعل الإيمان "الأرثوذكسي" (1) المحتسب دومًا يقوم على التأكيد بأن الدين يرتكز على الوحي الذي أنزله الله للناس بواسطة الأنبياء لكن الواقع العلمي الحديث ينزع إلى فرض فكرة أن الدين كله من المجتمع، الله -سبحانه وتعالى- بذاته بحاجة إلى شهادة الإنسان له (!! ) (2).
    وهكذا فلا قرآن ولا أنبياء ولا مقدسات، بل محاولة تتمسّح بالمنهجية والعقل من أجل إلغاء الدين والقضاء عليه {وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ} (3).
    __________
    (1) يقصد السني الملتزم بالنصوص القرآنية المقدس لها فيما أظن.
    (2) "الإسلام - الأمس والغد" لمحمد عركون (ص 140) وما بعدها.
    (3) "اليسار الإسلامي خنجر في ظهر الإسلام" (ص 38 - 39).
    (2/134)
    * اتهامه للأئمة:
    - يقول "المجدد!! " محمد عركون [القدسي والثقافي والمتغير في مجلة الفكر العربي المعاصر العدد 39]:
    "إن أشكال الإسلام المدعوة مستقيمة أو أرثوذكسية (هكذا والله) كالاتجاه السني والشيعي والخارجي (؟! ) الذي يدّعي كل منها أنه يحتكر الإسلام الصحيح دون غيره، هي عبارة عن انتقاءات اعتباطية (!! ) واستخدامات أيديولوجية لمجموعة من الأفكار والعقائد والممارسات المقدمة والمصورة على أساس أنها دينية محضة".



    - يقول الأستاذ عبد السلام البسيوني معلقًا:
    "فالمسألة عنده ليست اجتهادًا بل اعتباطًا وانتقاء لأيدلوجيات، ثم إضفاء الصبغة الدينية عليها، فأي أمة نحن (؟!! ).
    - ويقول مسيلمة (1) السابق نفسه (الهدى المغربية - وقفات مع محمد عركون):
    "أصبحنا من أجل التفكير في تاريخنا لا نجد في متناول أيدينا سوى (سيدي خليل) عندنا، وابن تيمية عند الحنبليين، وبعض المفكرين القانونيين عند الحنفيين، وبالتالي إطار إسلامي، وتقاليد إسلامية خضعت لعملية كبيرة من التفقير والتخسيس" (2) ..
    - ويلمح عركون إلى أن الماركسية لم تأخذ حظها في تقييم الإسلام والحكم عليه!! وأنها ينبغي أن تكون منطلقًا لعلمنة الإسلام فيقول:
    "نلاحظ أن الماركسية لم تُعرف بصورتها الإيجابية حتى الآن، لا في
    __________
    (1) يعني محمد عركون.
    (2) "اليسار الإسلامي خنجر في ظهر الإسلام" (ص 43).
    (2/135)
    الفكر العربي المعاصر، ولا في الفكر الإسلامي بشكل عام، نفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص نقد القيم الذي قام به "نيتشه" تجاه المسيحية. وهذا النقد قابل للتطبيق على الإسلام (؟! ) وإذا ما نظرنا للتاريخ بكليته ضمن هذا المنظور، فإنه يصبح ممكنًا تعبيد الطريق وتمهيده نحو ممارسة علمانية للإسلام. يمكن للعلمنة عندئد أن تنتشر في المجتمعات التي اتخذت الإسلام دينًا" (1).

    * تصريحه بإنكار أصول الإِسلام:
    - يقول الأستاذ عبد السلام البسيوني: "ومن اللافت للنظر أيضًا إيهامهم للقارئ أن الإسلام سلّم بكثير من التقاليد الجاهلية المتخلّفة وقبلها، لذلك فهم يرفضونها .. وهذا واضح في كلام حسين أحمد أمين وفي كلام محمد عركون في أكثر من موضع حين فسّر بعض القرآن الكريم بطريقته الخاصة، واعتبر وضع المرأة وقضايا الجنس والميراث من الجاهلية، ويطالب بإعادة النظر فيها بمعايير جديدة تخالف المعايير الجاهلية التي أقرّها القرآن (؟!! ). يقول في حديث له بمجلة "لونوفيل أوبزرفاتور 7/ 2/1986":
    "إن التفسير يبقى دائمًا جائزًا، على شرط أن يُعاد التفكير في مسألة التنزيل على ضوء التاريخانية (؟! ) الحجاب مثلاً -ككل ما يمت إلى الجنس، وإلى وضع المرأة في الإسلام- ينتمي إلى قانون عرقي سابق على الإسلام، الإسلام صادَقَ على تقاليد قديمة متعلقة بأسس قبله، وأعطاها بُعدًا مقدسًا (؟! ) ويتعلّق الأمر اليوم بإعادة التفكير في هذه المفاهيم في ضوء التاريخ، وللأسف فإن هذا العمل في بداية الإسلام يحكم سيطرة الأيديولوجيا".
    __________
    (1) "تاريخية الفكر العربي الإسلامي" لمحمد عركون - مركز الإنماء القومي 1986.
    (2/136)
    * محمد عركون وقراءة القرآن قراءة نقدية من خلال منظور نيتشه، وفرويد، وكارل ماركس:
    - يقول هذا الكذّاب الأشر:
    "إن إعادة قراءة القرآن من جديد قراءة نقدية متخصصة، لا قراءة أيديولوجية تقليدية (1) هي الخطوة الأولى التي لا بد منها من أجل فهم المناخ الفكري والنفسي للشخصية العربية الإسلامية. إن هذه القراءة مضطرة لأن نأخذ في الاعتبار كل المسار الفلسفي والنقدي الذي قطعه الفكر الغربي، ابتداءً من نيتشه، وانتهاء بفرويد مرورًا بطبيعة الحال بكارل ماركس" (2).




    * المفكر المستنير الطاعن في الثوابت الدينية الماركسي حسين أحمد أمين مؤلف كتاب "دليل المسلم الحزين":
    - الرسول ليس معصومًا عند حسين أحمد أمين:
    الرسول - صلى الله عليه وسلم - في نظره ليس معصومًا إلا في نقله للقرآن فقط، وبهذا المفهوم يلغي السنة تمامًا.
    - يقول هذا المستنير: "ومع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يدعّ قط أنه معصوم من الخطأ إلا حين يملي أو يتلو آيات ربه (!! ) بل ونبه القرآن إلى أخطاء بدرت منه؛ فقد افترض أنصار الالتزام بالسنة (يقصد جمهور أهل السنة والجماعة ابتداءً من الصحابة حتى أيامنا هذه) أن العناية الإلهية إنما كانت توجه كل عمل أتى به وكل كلمة صدرت عنه، منذ بعثه الله رسولاً إلى قومه، إلى أن مات، ومن ثم فقد رأوا أن أحكام السنة ملزمة في الحالات
    __________
    (1) "اليسار الإسلامي" (ص 39).
    (2) "اليسار الإسلامي" (ص 41 - 42).
    (2/137)
    التي لم يرد بصددها نص قرآني" (1).

    * اتهامه للأئمة:
    "يقول هذا المستنير الماركسي (الدوحة - مارس 83): "كان هؤلاء المجتهدون يفكرون لأنفسهم (!! ) ويُراعون في وضعهم الأحكام مراعاتها للظروف المتغيرة في مجتمعاتهم، غير أنهم سلكوا مسلكًا خاطئًا [لاحظ المصادرة الكاملة للنيات والحكم عليها بتعمد الخطيئة لا الخطأ] إذ صاغوا آراءهم المبتدعة في قالب أحاديث نسبوها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلقوا لها الأسانيد الكاملة حتى تلقى قبولاً من الأمة".
    وهكذا بجرة قلم خاطئة تسقط المدارس الفقهية والحديثية، وعلوم الجرح والتعديل، بل وسائر العلوم التي قامت على أساس الإسناد كفقه اللغة العربية وغيره.
    - ويقول المستنير نفسه في كتابه "دليل المسلم الحزين" (ص 45):
    "لجأ الفقهاء والعلماء إلى تأييد كل رأي يرونه صالحًا، ومرغوبًا فيه؛ فهم يصنعون أو (يفبركون الأحكام ويختلقونها) بحديث يرفعونه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -" (2).

    * إِنكار حسين أحمد أمين لكثير من الأحاديث الصحيحة في كتابه "دليل المسلم الحزين":
    [أنكر حسين أحمد أمين كثيرًا من الأحاديث الصحيحة في كتابه "دليل
    __________
    (1) يقصد قراءة المسلم المسلِّم بالنص ولزوم اتباعه على غرار من فسّر القرآن ابتداءً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عباس وانتهاءً بالمسلم المؤمن بحجية القرآن الكريم.
    (2) انظر "جولة في فكر محمد عركون" (ص 266)، و"اليسار الإسلامي" (ص 33).
    (2/138)
    المسلم الحزين"، وراح يتهم الفقهاء بوضع الأحاديث النبوية، ويهاجم رواة الحديث بشدة، وما سلم من هجومه أحد حتى بعض الصحابة - رضي الله عنهم - (1).
    ومن أقواله في كتابه: "وكيف يمكن لنا انتقاء الصحيح من الحديث؟ إنه لمن السهل علينا تبين كذب الأحاديث التي اختلقها أتباع الفرق السياسية، كالشيعة والخوارج والأمويين ... وكذلك من السهل اكتشاف كذب الأحاديث التي تتنبأ بوصف ليوم القيامة تأباه عقولنا، أو كل ما ناقض المنطق ومجّه التفكير السليم .. " .. وذهب يُنكر بعض الأحاديث الصحيحة، مرددًا أقوال من سبقه من المبتدعة والحاقدين.
    - يقول ساخرًا من حديث رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله". يسخر من الحديث؛ لأنه لا يخضع لعقله فيقول: "كان انتقاء البخاري للأحاديث الصحيحة على أساس صحة السند لا المتن، فالإسناد عنده وعند غيره هو "قوائم الحديث" إن سقط سقط، وإن صحّ السند وجب قبول الحديث مهما كان مضمون المتن" (2)] (3).

    * "البيان في تفسير القرآن تفسيرًا ماركسيًا":
    يقوم المستنير حسين أحمد أمين بتفسير القرآن الكريم تفسيرًا ماركسيًّا على حلقات في مجلة "العربي" تحت عنوان: "البيان في تفسير القرآن"، ومما جاء في العدد (351) في تفسير قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
    __________
    (1) انظر "دليل المسلم الحزين" لحسين أحمد أمين (ص 43 - 63).
    (2) "دليل المسلم الحزين" (ص 60، 59).
    (3) "العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب" (ص 226 - 227).
    (2/139)
    يقرر أن الماركسية مع الإسلام، ويُسقط من روحها عليه ليثبت أنها لا تفارقه كما يهاجم -كعادة الشيوعيين- الرأسمالية فيقول: "لقد تنبأ كارل ماركس في القرن الماضي بأنه من شأن النظام الرأسمالي أن يزيد الفجوة بين مستوي معيشة الأغنياء ومستوى معيشة الفقراء"، إلى أن يقول: "ومع ذلك فإن نبوءة كارل ماركس بدأ يظهر صدقها، واحتمال تحققها في مجال آخر ما كان هو نفسه ليتوقعه أو يحلم به، ألا وهو اتساع الفجوة بين مستوى المعيشة في الدول الغنية والدول الفقيرة .. " إلى آخر التحليل الشيوعي الذي يريد أن يفسر به الآية (!! ) (1).

    * إِنكاره لأصول الإِسلام:
    - "يقول حسين أحمد أمين، نابذًا الاعتقاد بالقدر -ويترتب عليه نبذ القرآن الكريم نفسه- ومحاولاً القول بأن الاعتقاد بالقدر عقيدة بدائية جاءت مع حركة التدرج الإنساني والنمو الحضاري (جريدة الشعب المصرية - ديسمبر 87): "ثمة مواقف عقلية هي نتاج منطقي لطبيعة حياة البدوي، فرضت نفسها على أهل الحضر والريف من شعوب الأقطار التي فتحتها جيوش الإسلام، رغم مخالفتها للمواقف العقلية الأساسية لأفراد المجتمعات الزراعية وسكان المدن، خذ لذلك مثلاً: نزعة الإيمان بالقضاء والقدر. إنه لمن السهل علينا أن نتبيّن جذور هذه النزعة وأسبابها عند البدوي، فحياة البدوي تعتمد اعتمادًا يكاد يكون كليًّا على الماء والكلأ، يجد في الغيث نجاة، وفي الجفاف تهلكة، وكلاهما لا سلطان له عليه ولا حيلة له فيه".
    "فهو يفسر نشأة عقيدة القدر ويردّها إلى أسباب اقتصادية على طريقة ماركس، فهي من نتاج البيئة الصحراوية في الحجاز، ثم هو يقرر أن هذه
    __________
    (1) "اليسار الإسلامي" (48).
    (2/140)
    العقيدة البدوية قد انتقلت إلى الإسلام (؟! ) مع تغير طفيف، "إذ حلت فيه" -كما يقول- (فكرة الله محل الدهر) " (1).
    - ويقرر حسين أحمد أمين أن الحجاب "وهم صنعه الفرس والأتراك، وليس في القرآن نص يُحرِّم سفور المرأة أو يعاقب عليه"، و"أن الرجال يتمسّكون بالحجاب ليستبدوا بالمرأة فينفّسوا عن قهرهم سياسيًّا واجتماعيًّا".
    - ويؤول حسين أحمد أمين آية الحجاب تأويلاً بعيدًا عندما يقول: "بالنسبة للحجاب الذي فُرِض في المدينة حيث كان النساء يلقين من المتسكعين من شباب المدينة كل مضايقة وعبث كلما خرجن وحدهن إلى الخلاء فنزلت آية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59].
    وذلك حتى يميز الشبان بين المحصنات وغير المحصنات" (2).

    * موقفه من الفقه والفقهاء:
    هاجم حسين أحمد أمين الفقهاء وأهل الحديث معًا فقال: "لقد شاءت العارضة، التي بات لها الغلبة في الدولة أن ترجع كافة الأحكام الشرعية إلى سند من القرآن أو السنة، وأبت الأخذ بالرأي والاجتهاد"، وذلك في القرنين الثاني والثالث من الهجرة. ثم يقول: "وإذا كانت الأحاديث المتوفرة آنذاك قليلة ولا تكفي، لجأ القوم إلى الاختلاق، وقد عظم هذا الاختلاق للأحاديث كلما زاد إصرار العلماء على الاستناد إلى الحديث في بيان
    __________
    (1) "اليسار الإسلامي" (ص 31).
    (2) "موقف القرآن في حجاب المرأة" مقال لحسين أحمد أمين - جريدة الأهالي القاهرية 28/ 11/1984 م عن كتاب "غزو من الداخل" (ص 55)، و"العصرانيون" (ص 263).
    (2/141)
    الأحكام، أي أن العرض زاد بزيادة الطلب" (1).
    - وقد اتهم حسين أحمد أمين بني أمية بتشجيع الفقهاء لوضع الأحاديث، ومنها حديث: "لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد" ليصرفوا الناس عن الحج أثناء سيطرة عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - على الحجاز، وذلك بزيارة مسجد الصخرة الذي بناه عبد الملك بن مروان في القدس (2).
    "والاتهامات ساقطة من أساسها، وتافهة لا تنم إلا عن ضحالة فكر وتبعية ذليلة لمستشرق حاقد وهذا الاتهام مسروق من أستاذه جولد زيهر" (3).
    "مع أن الحديث رواه البخاري في صحيحه - كتاب فضل الصلاة فى مكة والمدينة، ومسلم في كتاب الحج".
    - ولحسين أحمد أمين فتوى عجيبة في حد السرقة، عندما يقول: "لقد كان الاعتداء على الساري في الصحراء بسرقة ناقته بما تحمل من ماء وغذاء وخيمة وسلاح في مصاف قتله؛ لذلك كان من المهم للغاية أن تقرر الشريعة عقوبة جازمة رادعة بالغة الشدة لجريمة السرقة في هذا المجتمع" (4).
    - يمجد الحجاج ويُجهِّل عمر بن عبد العزيز.
    - قال حسين أحمد أمين عن الحجاج: "إنه أعظم الإداريين في العالم" (5).
    ومع هذا فإنه يصب جام غضبه على إمام الهدى عمر بن عبد العزيز،
    __________
    (1) "دليل المسلم الحزين" (ص 62).
    (2) المصدر السابق (ص 21 - 22).
    (3) "العصرانيون" (ص 228 - 229).
    (4) "دليل المسلم الحزين" (ص 141) - طبعة مدبولي/نقلاً عن "إسلام آخر زمن" للأستاذ منذر الأسعد (ص 84) - دار المعراج.
    (5) "دليل المسلم الحزين" (ص 269).
    (2/142)
    فيرى أنه ساهم بجهله في الشئون السياسية في تدهور أحوال الدولة الأموية ثم سقوطها، ثم يقول: "ولم تجلب سياسته المالية والإدارية غير خراب الدولة" (1) اللهم إني أشهدك أني أبغض هذا الماركسي الزنديق.



    * حسين أحمد أمين يصف الفتوحات الإِسلامية بأنها استعمار:
    يعتبر حسين أحمد أمين أن الفتوحات الإسلامية هي نوع من الاستعمار كالاستعمار الغربي لبلاد المسلمين فيقول:
    "إن الدول الإسلامية، كانت في عصر من العصور على وشك التهام القارة الأوربية - بعد التهامها أقطار عدة في أفريقيا وآسيا.
    "وقد يحتج بعض المسلمين بأن الاستعمار الإسلامي!!! لدولة أسبانيا كان بناءً وفي خدمة التمدين والعمران، ولم يتخذ شكل النهب والسلب، الذي اتخذه الاستعمار الأوربي لدول آسيوية وأفريقية.
    غير أن الاستعمار الأوربي لأمريكا الشمالية وأستراليا كان هو الآخر بنّاء، وفي خدمة التمدين والعمران، في حين لم يجلب الاستعمار العثماني (!!! ) للبلقان غير الخراب" (2).
    ولست أدري كيف يستوي -عند مسلم- نشر دين الله وإقامة العدل بأروع صورة بين البشر مع غزو الأوربيين الذي قام على النهب والاستنزاف.
    ولذلك فهو يهاجم الكاتب "جوستاف لوبون" الذي قال: "لم يعرف التاريخ فاتحًا أرحم من العرب" (3).
    __________
    (1) "دليل" المسلم الحزين" (ص 203)، و"إسلام آخر زمن" (ص 69 - 70).
    (2) "دليل المسلم الحزين" (ص 172).
    (3) "إسلام آخر زمن" لمنذر الأسعد (ص 66) - نظر مكتبة مدبولي (1987)، نقلاً عن دليل المسلم الحزين.

    ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

    تعليق


    • * محمد فتحي عثمان مؤلف كتاب "الفكر الإِسلامي والتطور" يدعو إِلى تقييد الطلاق وتقييد تعدد الزوجات وإِباحة الاختلاط وترك الحجاب:
      كتاب "الفكر الإسلامي والتطور" كتاب للدكتور محمد فتحي عثمان .. والكتاب كما يقول صاحبه: "محاولة لمناقشة قابلية الإسلام في أصوله للتطور، ورصيد المسلمين التاريخي في التطور، وللواقع المعاصر واحتياجنا للوعي بحقيقة التطور عندنا وعند غيرنا" (1).
      وتظهر خلفية الكتاب الفكرية فيما يورده الكاتب من أمثلة لتطور الفكر الديمقراطي في الغرب، والفكر الاشتراكي، وتعدد مدارسه وآرائه .. ثم يتساءل: "لماذا يكتب على الفكر الإسلامي وحده الجمود؟!! " (2).
      ويرى الكاتب "أن التطور مسألة حتمية في كل شيء، وما دام الدين صالحًا لكل زمان ومكان، فهذا لا يعني أن يكون تطبيقًا واحدًا بعينه للدين، صالح لكل زمان ومكان .. ولا تصح التجربة المثالية للدين في عصر الخلفاء الراشدين .. إنها تجربة مثالية بالنسبة لظروف الخلفاء الراشدين السائدة في وقتهم، بالنسبة لتفكيرهم وزمانهم وأقوامهم"، هكذا يدّعون!


      ويرى الكاتب أيضًا: أنه يستلزم ترجمة جديدة، وإعادة تقدير للحقائق الأساسية للعقيدة، وإذا كان الدين يجب أن ينقح كل مائة سنة، ففتحي عثمان يقول: "إنه يجب أن نصحح منهجنا للدين كل سنة وكل شهر، وكل يوم وكل لحظة؛ لأن المعرفة لا نهاية لآفاقها، ولأن التقدم الإنساني لا توقف لسيره" (3).
      __________
      (1، 2) "الفكر الإسلامي والتطور" للدكتور محمد فتحي عثمان (ص 75، 39) ط 2 الكويت/الدار الكويتية (1969 م).
      (3) السابق (ص 37) وقول فتحي عثمان يذكرنا بقول هولد هايم أحد أحبار اليهود، عندما يتحدث عن ضرورة تطور تعاليم التلمود حسب ما يجد من معارف عصره، وبفكرة النقد التأريخي للأناجيل عند العصرانيين من النصاري.
      (2/144)
      - وقد تأثر مؤلف كتاب "الفكر الإسلامي وتطوره" بما كتبه المستشرقون، حيث تعرض لدراسة تطوير الشريعة الإسلامية وتحديد منزلة الفقه الإسلامي، وما ينبغي أن نفعله تجاه القوانين الوضعية (1).
      لقد بنى المؤلف كتابه على وجوب "الاعتماد على العقل الإنساني في الإقناع والاعتقاد، فالدين يمثل الحكمة الإلهية المحيطة بما فوق إمكان العقل ..
      ولكن كيف أفهم الدين وأميز ما يقال عنه بدون عقل؟! أنا لو خيرت بين ديني وعقلي لآثرت عقلي لأنني قد أصبح به متدينًا، لكني لو فقدته فسأفقد ديني معه؛ لأن الدين قد أسقط الخطاب عن المجانين" (2).
      ويقول: "نحن متخلفون ولا شك عن الفكر العالمي وتجارب الأنظمة العالمية، نحن متخلفون في الفقه الدستوري مثلاً" (3).

      * وفي أقوال الدكتور فتحي عثمان مغالطات نتوقف عند بعضها:
      - فعمل العقل في الفهم والتلقي حسب الشروط التي أوجبها الشرع عليه، سواء اهتدى العقل بها أم تأثر بالثقافات المخالفة للدين فإن الدين لا يضره في كلا الحالين شيء.
      - والعقل الإنساني هو الطريق إلى تلقي وفهم الدين وتطبيقه وهو مقيد بشروط مجمع عليها عند علماء الأمة، كالعلم بالعربية وبمقاصد الشريعة.
      - وقوله: "أنا لو خيرت بين ديني وعقلي لآثرت عقلي؛ لأنني قد أصبح به متدينًا" والسؤال: "كيف يختار ترك دينه ثم يكون متدينًا؟! وأي طريق يمكن أن يصل به إلى الحق إذا ترك الدين؟! " (4).
      __________
      (1) انظر: "المستشرقون" د. عابد السفياني (ص 105) وما بعدها.
      (2، 3) "الفكر الإسلامي والتطور" (ص 37 - 38).
      (4) انظر مناقشة مفصلة له (ص 109 - 113) من كتاب "المستشرقون" للدكتور عابد السفياني.

      (2/145)
      - ويدعو فتحي عثمان إلى تقييد الطلاق وتقييد تعدد الزوجات، وإلى الاختلاط وترك الحجاب، والضابط لذلك كله هو الظروف وواقع العصر والبيئة.
      "ويعتبر أن قضية المرأة وأشباهها وثيقة الارتباط بواقع البيئة الاجتماعية، والمجتمع الواحد يختلف من زمن لآخر .. ولذلك يجب ألا يحمّل (الدين) عبء هذه الفوارق الطبيعية الحتمية، بل أولى للجميع أن ينسبوا هذه الأحكام الاجتهادية لواقع العصر والبيئة" (1).
      وهذه آراء جريئة في تخطي النصوص القطعية في قضايا التعدد والطلاق، وللإسلام هديه فيما شرع.
      ويرى محمد فتحي عثمان أن الخلافة الإسلامية كانت صورة تاريخية، ولم تعش طويلاً، فعلى المسلمين ألا يفكروا فيها مرة أخرى (2).
      ويقول: "واليسار المسلم يتمسك بالديمقراطية، إذ هي حكم الله في المصالح والعلاقات الإنسانية، حيث لا يكون النص الإلهي الملزم القاطع" (3).
      - ويدعو الدكتور فتحي إلى ما يسميه الاختلاط المأمون؛ لأن المجتمع الذي يلتقي فيه الرجال والنساء في ظروف طبيعية هادئة محكمة، لن يغدو مثل هذا اللقاء قارعة تثير الأعصاب، إذ سيألف الرجل رؤية المرأة ومحادثة المرأة، وستألف المرأة بدورها الرجل .. فيضيق مجال الانحراف والشذوذ، وتتجمع لدى الجنسين خبرات وحصانات وتجارب" (4).
      __________
      (1) "الفكر الإسلامي والتطور" (ص 222).
      (2) "مجلة العرب" العدد (267) (ص 18) - محمد فتحى عثمان.
      (3) "مجلة المسلم المعاصر" - محمد فتحي عثمان - العدد الافتتاحي.
      (4) "الفكر الإسلامي والتطور" (ص 204).


      (2/146)
      - وواقع الغرب المزرى في الاختلاط ينقض هذا الرأي.

      ويوافق محمد فتحي عثمان أستاذه عبد الرزاق السنهوري ومن قبله (جولد زيهر) فيقول: "الفقه الإسلامي هو من عمل الفقهاء، صنعوه كما صنع فقهاء الرومان وقضاته القانون المدني، وقد صنعوه فقهًا صحيحًا، فالصياغة الفقهية وأساليب التفكير القانوني واضحة فيه وظاهرة" (1).
      والغاية من كلام السنهوري وإقرار تلميذه له أن يخضع الفقه الإسلامي لإشراف القانون الوضعي ويكيف نفسه حسب ما يقتضيه ذلك الخضوع، وقد حكم عليه السنهوري حكمًا صارمًا بقوله: "وحيث يحتاج الفقه الإسلامي إلى التطور يتطور، وحيث يستطيع أن يجاري مدنية العصر يتبقى على حاله دون تغيير، وهو في الحالتين فقه إسلامي خالص لم تتداخله عوامل أجنبية فتخرجه من أصله"، و"حينئذ يتجدد شباب هذا الفقه وتدب فيه عوامل التطور فيعود كما كان فقهًا صالحًا للتطبيق المباشر مسايرًا لروح العصر" (2).
      وقول السنهوري وتلميذه غير صحيح فالفقه الإسلامي يخالف الفقه الروماني في طبيعته وفي أغراضه.

      * التبعية للغرب:
      التبعية للغرب واضحة في فكر فتحي عثمان فهو يرى تقدم القوانين الأجنبية منذ أقدم العصور.
      - يقول فتحي عثمان: "وعلينا ألا نتطرف في التنكر لأنظمة مرّت بمراحل تقدمية كبرى في الفكر والتطبيق، قبل أن نتطور بثروتنا الفقهية التي تكدس عليها غبار القرون من التعطيل والتجميد" (3).
      __________
      (1) المصدر السابق (ص 39).
      (2) المصدر السابق (ص 30).
      (3) "الفكر الإسلامي والتطور".

      (2/147)
      ولنا أن نسأله عن هذا المراحل التقدمية.
      يقرر البحث العلمي أن مراحل القانون الوضعي تبدأ بقانون "حمورابي" وقانون "مانو" وقانون "أثينا" والقانون "الروماني" والقانون" الكنسي الأوربي" مأخوذ من القانون الروماني، ومما شرعه الرهبان، ثم قانون نابليون، وهذه هي المراحل التقدمية الكبرى في الفكر والتطبيق عند المؤلف" (1).


      * محمد عابد الجابري وإنكار الوحي:
      - "يرى الدكتور محمد عابد الجابري: أن الوحي سلطة مرجعية "تضايق الحاضر، وتنافس المستقبل والجديد". فهو ينكر أن يكون هنالك وحي، وإن آمن به، فهو يعتبره وليد زمانه، أي هو جزء من التاريخ أو تجربة تاريخية" (2).

      * محمود الشرقاوي مؤلف كتاب "التطور وروح الشريعة" يدعو إِلى إِباحة الفوائد وتقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات:
      - "محمود الشرقاوي: الذي جعل عنوان أحد كتبه "التطور وروح الشريعة الإسلامية" قرر فيه أن الإسلام دين لين واسع الأفق، نستطيع أن نوفق بين روحه، وبين كل مظهر من مظاهر الحضارة، ومن ثم يقترح بعض الإصلاحات في مجال المرأة من تقييد للطلاق، ومنع تعدد الزوجات. وفي مجال الاقتصاد يقترح إباحة الفائدة في البنوك .. " (3).
      __________
      (1) "العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب" لمحمد حامد الناصر (ص 235) - مكتبة الكوثر.
      (2) "الخطاب العربي المعاصر" لمحمد عابد الجابري (ص 55 - 56) نقلاً عن ظاهرة اليسار الإسلامي (ص 132).

      (3) "التطور وروح الشريعة" لمحمود الشرقاوي (ص 162، 232، 309) - بيروت - المكتبة العصرية 1965.


      (2/148)
      * الشيخ عبد الله العلايلي مفتي جبل لبنان سابقًا يعدد مجموعة من الأخطاء -بزعمه- مثل: الرجم، وحرمة التعامل المصرفي، وحرمة الزواج المختلط بين المسلمين والكتابيين رجالهم ونسائهم!!!:
      يقدم الشيخ عبد الله العلايلي مفتي جبل لبنان سابقًا في كتابه "أين الخطأ" مجموعة من الأخطاء يريد تصحيحها، مثل إباحة التعامل المصرفي، وأنه لا رجم في الإسلام، ولا قطع ولا جلد إلا بعد معاودة الجريمة وتكرارها، وأن الزواج المختلط بين المسلمين والكتابيين رجالهم ونسائهم حلال شرعًا" (1).
      * ومفتي!!! ألا قاتلك الله من شيخ سوء:
      يرى الشيخ عبد الله العلايلي أن إقامة الحدود لا تتم إلا في حال الإصرار، أي المعاودة تكرارًا ومرارًا، إذ أن آخر الدواء الكي .. وبلغ من استهزائه بالحدود الشرعية أن قال: "إن إنزال الحد لا يتفق مع روح القرآن الذي جعل القصاص صيانة للحياة، وإشاعة للأمن العام، وليس لجعل المجتمع مجموعة مشوهين: هذا مقطوع اليد، والآخر مقطوع الرجل والآخر مفقوء العين، أو مصلوم الأذن، أو مجدوع الأنف" (2).
      أما الرجم: فيقول فيه بمذهب الخوارج: "لا رجم في الإسلام كما هو مذهب الخوارج عامة، ومنهم من يعتد بخلافه فقهيًا .. على أن ما شاع من قول بالرجم يعتمد على طائفة من الأحاديث لم ترتفع عن درجة الحسن، ومنها الحديث المتعلق بماعز بن مالك، والحديث المتعلق بالغامدية الأزدية (3).

      __________

      (1) "أين الخطأ" لعبد الله العلايلي - دار العلم للملايين - بيروت/1978 م.
      (2) المصدر السابق (ص 79 - 80).
      (3) المصدر السابق (ص 87).
      (2/149)
      ثم يقول: "ولا يتسنى لزاعم متزمت اتهامي بأني أنكرت نصًّا من القرآن؛ لأني جعلته أقسى العقوبات الزواجر، وأقصى الروادع، التي يلجأ إليها، وذلك على نحو من التأويل المقبول الذي لا يحمّل النص ما لا يحتمل" (1).
      ثم يقول: "ومهما يكن فالرأي عندي في الحدود مطلقًا أنها في الشريعة العملية ليست مقصودة بأعيانها، بل بغاياتها، ولا يلجأ إليها إلا عند اليأس مما عداها" (2)
      .



      __________
      (1) المصدر السابق (ص 91، 89).
      (2) مجلة العدد (235) كانون الثاني 1978، و"العصرانيون" (ص 178).

      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

      تعليق



      • * فهمي هويدي: "الحق أحب إِلينا منه":
        "كتابه مواطنون لا ذميون"
        مع أن له مواقف مشهورة في الذود عن الإسلام إلاّ أن له سقطات شنيعة لا يجوز بحال من الأحوال السكوت عنها.
        فهو يعتبر أن الرجوع إلى نصوص الكتاب والسنة عبادة لهذه النصوص، ويصف أن العقول التي تتعلق بالنصوص قد تعطلت وأن هذه "وثنية جديدة" ذلك أن الوثنية ليست عبادة الأصنام فقط، ولكن وثنية هذا الزمان صارت تتمثل في عبادة القوالب والرموز، وفي عبادة النصوص والطقوس" (2).
        لقد تجرأ على رفض النصوص الشرعية، واتهم من يرجع إليها بالجمود والوثنية، اللَّهم لطفك وغفرانك.

        * مواطنون لا ذميون:
        أكثر فهمي هويدي من الحديث حول أهل الذمة، وأظهر أن الأحكام المضروبة عليهم والمعروفة باسم "أحكام أهل الذمة" قد كانت لظروف خلت،
        __________
        (1) المصدر السابق (ص 91، 89).
        (2) مجلة العدد (235) كانون الثاني 1978، و"العصرانيون" (ص 178).



        (2/150)
        وأن تطور العصر يرفضها. وممن تصدّى لهذه المسألة وخصص لها كتابًا: فهمي هويدى بعنوان "مواطنون لا ذميون" (1) نقتطف منه بعض الفقرات.
        - يقول في فصل "ذميون .. لا يزالون"؟:
        "إن تعبير أهل الذمة وإن استخدم في أحاديث النبي وعهوده إلا أنه كان جزءًا من لغة الخطاب في تعامل القبائل العربية قبل الإسلام، إذ كانت عقود الذمّة والأمانة هي صيغة التعايش التي تعارف عليها عرب الجاهلية .. ".
        "أي أننا نقف في حقيقة الأمر، في مواجهة صيغة لا تستند إلى نص قرآني، واستخدامها في السنّة النبوية كان من قبيل الوصف لا التعريف، الأمر الذي لا يصنفه في أي من درجات الحكم الشرعي الملزم، بالإضافة إلى ذلك فإن الوصف .. وإن لم يكن الوحيد الذي استخدم في خطاب الآخرين، إلا أنه كان تعبيرًا عن حالة "تعاهدية" تعارف عليها عرب الجاهلية في تنظيم علاقات القبائل والأفراد، استمر إلى ما بعد الإسلام ضمن ما أخذ به من تقاليد وأعراف" (2).

        - وتحت خضوع شديد لضغط الواقع يقول:
        "وبعد هذا وذاك أليس غريبًا أن يجيز الفقهاء، أن يخوض المسلمون الحرب دفاعًا عن "أهل ذمتهم" (3)، ثم يحجب البعض عن هؤلاء حق التصويت في انتخابات مجلس الشورى مثلاً؟ ". ثم يقول: "أما تعبير أهل الذمة، فلا نرى وجهًا للالتزام به، إزاء متغيرات حدثت، .. وإذا كان التعبير قد استخدم في الأحاديث النبوية، فإن استخدامه كان من قبيل الوصف، وليس التعريف، فضلاً عن أنه كان بمثابة استخدام للغة ومفردات وصياغات
        __________
        (1) "مواطنون لا ذميون" لفهمي هويدي/دار الشروق 1405 هـ.
        (2) فصل "ذميون لا يزالون؟ " (ص 110) وما بعدها.
        (3) السابق (ص 124، 125).


        (2/151)
        سادت في جزيرة العرب، قبل الإسلام، ويبقى مع ذلك أن هذا الوصف "تاريخيًّا"، لا يشترط الإصرار عليه دائمًا" (1).
        - فالكاتب يحاول إلغاء الأحكام بلا دليل، إلا زعمه أن ذلك أمر تاريخي فقط، وكأن الاجتهاد في الإسلام تحول إلى لعب أطفال، أو خيال كتاب، وأوهام مبتدعة.

        - وفي فصل "الجزية .. التي كانت" يقول:
        "ومن غرائب ما قيل في هذا الصدد تعريف ابن القيم للجزية بأنها هي الخراج المضروب على رءوس الكفار إذلالاً وصغارًا، وأن هذا يتنافي مع روح الإسلام، ودعوته للمسامحة بين الناس جميعًا" (2) -إن أكرمكم عند الله أتقاكم-.

        - وللأستاذ فهمي هويدي اجتهاد مبتكر في فهمه للأحاديث النبوية والنصوص الأخرى المتعلقة بمعاملة المسلمين لغير المسلمين.
        يقول الكاتب تحت عنوان "شبهات وأباطيل":
        يهمنا ذلك في محاولة لفهم وقراءة هذه النصوص وهي على وجه التحديد.
        1 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها" متفق عليه.
        __________
        (1) السابق (ص 124، 125).
        (2) "مواطنون لا ذميون" (ص 128، 131)، ولابن القيم كتاب قيم بعنوان "أحكام أهل الذمة"؛ بإمكان القارئ الكريم أن يرجع إليه ليرى عدل الإسلام مع هؤلاء الذميين الذين يتباكى عليهم عصرانيو آخر زمن!!.

        (2/152)
        2 - ما أخرجه الإمام مالك في "الموطأ": "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان".
        3 - عهد عمر - رضي الله عنه - في معاملة غير المسلمين .. (1).
        - يقول فهمي هويدي: "لا يؤخذ من الأحاديث عادة إلا ما كان مقصودًا به التشريع العام والاقتداء".
        "والأحاديث السابقة، كانت إجراءًا استثنائيًّا في ظروف استثنائية، فالحديث الأول: يخالف نصوصًا أخرى تدعو إلى رد التحية بأحسن منها، ولكن اليهود كانوا يتظاهرون بالتحية للرسول وأصحابه بعبارة "السام عليكم" أي الموت. أما عهد عمر - رضي الله عنه -، فالكاتب يشكك في صحته تاريخيًّا من حيث السند!! (2).
        - لقد حكمت الشريعة الإسلامية بضعة عشر قرنًا من عمرها، لم يعرف في التاريخ عدلاً وإنصافًا ورحمة بأقليات دينية كما عرفها في تلك القرون تحت مظلة الشريعة، بل كانت الطوائف تفر من بطش أبناء دينها لتنعم بالأمن والاستقرار في ظل عدل الإسلام وإنصاف المسلمين.

        * فهمي هويدي والقتال في سبيل الله والتعايش السلبي بين الشعوب:
        - ويكتب فهمي هويدي كثيرًا عن هذا الموضوع ويردد آراء المستشرقين الحاقدين. ويعتبر أن القتال يعطل رسالة التبلغ، يقول: "ومنذ البداية سلح الله المسلمين بالكلمة، وكان أول ما أنزل الله على نبيه هو: (اقرأ وليس اضرب)، أو (ابطش)، فكان كتاب المسلمين هو "القرآن الكريم".
        "لم يكن سلاح المسلمين سيفًا ولا سوطًا، ولم تكن شريعتهم قانون
        __________
        (1) "مواطنون لا ذميون" (ص 177).
        (2) السابق (ص 181).

        (2/153)

        حرب .. ".
        "إن القتال في التصور الإسلامي ينبغي أن يظل منعطفًا يُكرَه إليه المسلمون، أو نوعًا من "الهبوط الاضطراري"، الذي يعترض المسار الطبيعي لرحلة التبليغ الإسلامية.
        من هنا فإن الإسلام يظل ضرورة لازمة، كي يؤدي المسلمون رسالة التبليغ، ويظل القتال عنصرًا معطلاً لأداء هذا التكليف الإلهي" (1).
        - وفي فصل: "عندما يشهر سيف الإسلام" يقول: "وهكذا تتابعت الفتوح بحكم الضرورات الحربية وحدها .. وجاهد المسلمون أنفسهم والناس جهادًا كبيرًا ليؤمنوا دولتهم" (2).
        وفي تأويله للحديث الشريف "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله" (3). يقول: "وحقيقة الأمر أن المعنى بالناس هنا ليس كل البشر، وإنما هم جماعة من البشر"؟!!.
        وحديث: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق" (4).
        - يقول في هذا الحديث: "الحديث لا يدين كل مسلم لا يقاتل في سبيل الله، الأمر الذي قد تشتم منه رائحة التحريض، التي يحاول البعض اصطيادها من السياق ..
        ولا نرى في الحديث وجهًا لاستثارة المسلمين على غيرهم، ذلك أن
        __________
        (1) السابق (ص 236).
        (2) السابق (ص 249).
        (3) متفق عليه.
        (4) رواه مسلم.

        (2/154)
        الأمر كله كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. " (1).
        أي أن هذه الأحاديث كانت لمناسبات تاريخية انتهى زمنها.

        * أخطر أقواله:
        ومن أخطر أقواله قوله: "إنه ليس صحيحًا أن المسلمين صنف متميز ومتفوق لكونهم مسلمين، وليس صحيحًا أن الإسلام يعطي أفضلية لهم، ويخص غيرهم بالدونية لأنهم كفار" (2).
        وفي ذلك دعوة لمبدأ الإنسانية الماسوني، وهو صورة واضحة من صور الولاء للكفار؛ لأنه يكسر التميز الذى يبنى عليه الولاء والبراء، والحب والبغض حسب المقياس الإسلامي الصحيح (3).

        __________
        (1) "مواطنون لا ذميون" (ص 261 - 262).
        (2) مجلة العربي الكويتية - العدد (267) ربيع الأول/1401 هـ/ (ص 49) من مقال لفهمي هويدي بعنوان "المسلمون والآخرون".
        (3) "الولاء والبراء" للدكتور محمد سعيد القحطاني (ص 421) الهامش - ط 1 دار طيبة.

        ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

        تعليق


        • * د. أحمد كمال أبو المجد يدعو إلى الاجتهاد في الأصول:
          يدعو الدكتور أحمد كمال أبو المجد إلى الاجتهاد في الأصول، إذ كتب يقول: "والاجتهاد الذي نحتاج إليه اليوم، ويحتاج إليه المسلمون، ليس اجتهادًا في الفروع وحدها، وإنما هو اجتهاد في الأصول .. ولا يعني امتناع الاجتهاد في الأصول، إلا التزامًا بما لا يلزم، وتقصيرًا في بذل الجهد بحثًا عما ينفع الناس" (4).

          * ومن أخطر أقواله:
          - ينعي الدكتور أحمد كمال أبو المجد على الذين يسرفون في القول
          __________
          (1) "مواطنون لا ذميون" (ص 261 - 262).
          (2) مجلة العربي الكويتية - العدد (267) ربيع الأول/1401 هـ/ (ص 49) من مقال لفهمي هويدي بعنوان "المسلمون والآخرون".
          (3) "الولاء والبراء" للدكتور محمد سعيد القحطاني (ص 421) الهامش - ط 1 دار طيبة.
          (4) مجلة العربي - العدد (222) - 1977 م - مقال "مواجهة مع عناصر الجمود في الفكر الإسلامي المعاصر" (ص 257)
          .


          (2/155)
          بتميز الإسلام على غيره، كاليهود والنصارى، فذلك مخالف للقرآن الكريم ذاته -كما يزعم-.
          يقول: "والذين يسرفون في الإلحاح على تميز الإسلام والمسلمين تميزًا شاملاً مطلقًا محجوجون بنصوص القرآن الكريم، التي تصف أنبياء الله بوصف الإسلام: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 67].
          وهم محجوجون كذلك بحقيقة وحدة الإنسانية، ووحدة مصدر الأديان السماوية، وبأن العهد الذي أخذ بحمل الأمانة إنما أخذ على آدم أبي البشرية، وعلى بنيه مسلمين وغير مسلمين {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] (1).




          * د. عبد العزيز كامل وزير الأوقاف السابق والقول "بوحدة الأديان":
          لقد تحمّس العصرانيون الجدد إلى القول بوحدة الأديان، وتجاوزوا فيها كل حد.



          - قال الدكتور عبد العزيز كامل: "ونحن في منطقة الشرق الأوسط، نؤمن بالتوحيد بطريقة أو بأخرى، وأقولها واضحة، يستوي في هذا: الإسلام والمسيحية واليهودية، حتى الإيمان بالأقانيم الثلاثة في الفكر المسيحي يختم بإله واحد. هذه منطقة توحيد، والصور تختلف، وتفسيرها الفلسفي يختلف" (2).
          __________
          (1) "حوار لا مواجهة" لأحمد كمال أبو المجد (ص 207).
          (2) ينظر كتابه "الإسلام والعصر" (ص 194) ناقلاً عن "العصريون" ليوسف كمال
          .

          (2/156)
          * الدكتور عبد المنعم ماجد وتزوير التاريخ:
          يعجب الدكتور عبد المنعم ماجد من توهم بعض المستشرقين الذين يرون أن العرب المسلمين فتحوا البلدان بدافع إسلامي ويقول: "لا نوافق بعض المستشرقين في قولهم: إن العرب كانوا مدفوعين نحو الفتوح بالحماس الديني، فمن غير المعقول أن يخرج البدوي وهو الذي لا يهتم بالدين لينشر الإسلام" (1).
          "فلمصلحة من هذا الافتراء؟! لقد أصبح الدكتور مستشرقًا أكثر من آساتذته، يغير ويزوّر لمصلحة أعداء أمته" (2).

          * الدكتور محمد جابر الأنصاري يتهم العثمانيين بأنهم همج متوحشون:
          يحرص الدكتور محمد جابر الأنصاري على تجريد العثمانيين من كل فضيلة حتى غدوا في نظره "جماعة من الهمج المتوحشين الذين دمروا الحضارة العربية الزاهية" (3).
          - "وهو ينزعج بشدة من تلك المحاولات العجيبة التي تحاول إعادة الاعتبار للتاريخ العثماني، ولتاريخ السلاطين الأتراك باعتبارهم رموز للجامعة الإسلامية، وللكيان الإسلامي الواحد" (4).





          * مالك بن نبي "الحق أحب إِلينا منه":
          - يقول الأستاذ محمد العبدة في مجلة البيان العدد 23 (ص 29):
          __________
          (1) "التاريخ الإسلامي للدولة العربية" لعبد المنعم ماجد (1/ 163) - مطبعة الأنجلو المصرية - 1971.
          (2) "العصرانيون" (ص 287 - 288).
          (3) "الدوحة القطرية" العدد (101) شهر رجب 1404 هـ مقال "نظرة في الجذور".
          (4) "الدوحة القطرية" العدد (99) جمادي الأولى 1404 هـ.

          (2/157)
          "إن أفكار الأستاذ مالك بن نبي عن أمراض العالم الإسلامي وشروط النهضة هي أفكار تستحق الدراسة والتأمل، ونتمنى أن يستفيد منها المسلمون في كل مكان، فقد أصاب فيها المحز، ووضع الأصبع على الجرح، ورغم مرور سنين على طرحها، لكن مشكلة المسلمين لا زالت كما حللها وكتب عنها.
          وكل يُؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
          وللأستاذ مالك بن نبي أخطاء أحببنا أن ننبه عليها.
          - يقول الأستاذ محمد العبدة في مجلة البيان:
          "إن الأخطاء التي سنتكلم عنها ليست أخطاء عادية مما يقع لكل كاتب، فكان لا بد من ذكرها والتنبيه عليها.

          * النظرة السطحية للأحداث والشخصيات:
          كان مالك بن نبي عميقًا في فهم غور الاستعمار وأساليبه الخفية للتسلط على العالم الإسلامي، وعميقًا في معالجة (القابلية للاستعمار) عند المسلمين، ولكنه في عالم الواقع والسياسة فيه سذاجة أو طفولة سياسية، وهذا ليس غريبًا فقديمًا تعجب الإمام الجوزي من شخصية أبي حامد الغزالي، كيف يجمع بين الفقه والذكاء من جهة، وبين الصوفية وحكايات العجائب والخرافات من جهة أخرى.
          1 - أعجب مالك بثورة 23 يوليو في مصر، ومدحها ووضح أماله فيها من ناحية الإصلاح الزراعي والصناعة، وإنشاء وزارة الثقافة والإرشاد، والحياد الإيجابي، وكل الدجل والشعارات التي أطلقها مهرج هذه الثورة.
          فثورة يوليو 1952 عند مالك: "من أهم الحوادث بالنسبة للصراع الفكري، وكان لهذا الحدث تأثير شرارة كهربائية انطلقت في وعي البلاد
          (2/158)
          العربية والعالم الإسلامي" (1) "وكل عربي يعلم أن نظرة الرئيس جمال عبد الناصر خطت للنهضة العربية الاتجاه الصحيح الذي يحقق الشرط الأول للانسجام مع القانون العام .. " (2).
          كيف يكون هذا الزعيم بهذه الصفات ونحن لا نعلم أن هناك زعيمًا آخر في العصر الحديث ترك بلاده خرابًا مثل جمال عبد الناصر؟ كيف لا يدري مالك بن نبي وهو من هو في فهم اللعبة الاستعمارية أن عبد الناصر كان ضمن (لعبة الأمم)، وأنهم ساعدوه على صنع هذه البطولة المزيفة، وحتى لو كانت هناك بعض الإصلاحات المادية -وهي لم تتحق فعلاً- فأين الحديث عن الاستبداد السياسي وكرامة الشعب المسحوقة؟ بل أين تطبيق الإسلام؟.
          2 - علق مالك بن نبي آمالاً كبيرة على مؤتمر باندونغ، واعتبره كتلة سلام للعالم، واعتبر هذا التنوع الذي يضم تسعًا وعشرين دولة، تضم تراثًا شكريًا متفاوتًا "يمكن بطبيعة الحال أن يقدم العناصر اللازمة لبناء قاعدة متينة للسلام .. " (3). هذه نظرته لهذا المؤتمر، والحقيقة أنه كان يحب التكتلات الكبيرة لمواجهة الغرب، وقد يكون معه بعض الحق في هذا، ولكن مثل هذا التكتل كان يحمل بذور فشله، وقضية الحياد التي يرفعها لم تكن صحيحة، فكل دولة منحازة، والهند التي كانت من أبرز أعضاء المؤتمر وتدعي السلام والروحانية كانت تحمل بين جوانحها الكره العميق للمسلمين، بل إن صورة الهند العدوانية كانت من البديهيات عند الشباب المسلم في الستينات، ولم ينخدعوا بكلام الدبلوماسي الهندي "ليس لدينا من الخشوع ما يكفينا ونحن
          __________
          (1) "الصراع الفكري" (ص 22).
          (2) "تأملات" (ص 178).
          (3) "فكرة الأفروآسيوية" (ص 98).
          (2/159)
          ذاهبون إلى باندونغ" (1)، ويصدق مالك بن نبي أن نهرو حمل رسالة اللاعنف التي سلمه إياها غاندي، ونهرو هذا يكتب في (المجلة العصرية) مقالتين ينكر فيهما على الجمعيات المسلمة الحركة ضد القاديانية ويؤيد جانب القاديانية" (2)، وهند نهرو هي التي احتلت كشمير وأخذتها بالقوة، فأين المسلم وأين الديمقراطية التي تدعيها؟ وما الفرق بين الهند وباكستان في (القابلية للاستعمار).
          وقد أدرك مالك أخيرًا عدم جدوى أي محاولة تجمع ليست عناصره منسجمة (3)، كما كان يلمح في آخر حياته بأن ثورة 23 يوليو لم تقم بالواجب، ولا شك أن الكبار من أمثال مالك بن نبي يتراجعون إذا عرفوا الحق.
          3 - كانت روسيا بعد الثورة الشيوعية تدعي أنها دولة صديقة للشعوب وللعالم الثالث، وأنها ليست دولة استعمارية، وقد صدق مالك بن نبي هذه المقولة، يقول: "فالمناخ الاستعماري الذي تكون في أوربا وأمريكا على حد سواء، وفي الاتحاد السوفييتي قبل الثورة أيضًا"، ولكن الحقيقة أن روسيا مستعمرة قبل الثورة وبعدها، ولم تتخل عن جشع الدول الكبرى، وهي وجه آخر للحضارة الغربية.
          4 - نقد مالك الانتخابات السياسية التي تطالب بالحقوق فقط وتنسى الواجبات، وتعتمد أسلوب المظاهرات والحفلات، وهو محق في هذا، ولكنه شارك في هذه الوسائل، وساعد (مصالي الحاج) في قيام الحزب الوطني، مع أنه ينتقده هو وحزبه، ولكنه حب الحركة ثم يكتشف الأخطاء بعدئذ.
          __________
          (1) المصدر السابق (ص 7).
          (2) "تاريخ الحركة الإسلامية في الهند" (ص 220).
          (3) "فكرة كومنولث إسلامي" (ص 7).
          (2/160)
          * اللاعنف:
          أعجب مالك بن نبي بقصة (اللاعنف) عند غاندي، فهو يذكرها دائمًا، بل يذكرها بخشوع، ويبني عليها أحلامه الفلسفية في السلام العالمي، واتجاه العالم نحو مناقشة قضاياه بالمسلم والحوار والفكر، يقول عن منطقة جنوب شرقي آسيا: "هي مجال إشعاع الفكر الإسلامي وفكرة اللاعنف، أي مجال إشعاع حضارتين: الحضارة الإسلامية والحضارة الهندوكية، الحضارتان اللتان تختزنان أكبر ذخيرة روحية للإنسان اليوم" (1).
          ويحلق في الخيال والطوباوية عندما يقول: "فكذلك رفات غاندي التي ذروها فإن الأيام ستجمعها في أعماق ضمير الإنسان من حيث سينطلق يومًا انتصار اللاعنف ونشيد السلام العالمي" (2). "هذا الرجل (غاندى) كان يتقمص إلى درجة بليغة الضمير الإنساني في القرن العشرين" (3).
          إن فكرة (السلم العالمي) بمعنى أن يحل السلام في العالم بشكل دائم، أو أن العالم يتجه نحو هذا الهدف، هذه الفكرة غير واقعية وغير شرعية، وهي فكرة خيالية محضة، فهي تنافي مبدأ الصراع الذي ذكره القرآن الكريم {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251]، كما تنافي مبدأ الجهاد في الإسلام، وهي غير واقعية لأن من طبيعة البشر التغالب والعدوان إن لم يردعهم رادع، والدول الكبيرة القوية تأكل الضعيفة إن لم يكن عسكريًّا فاقتصاديًّا. والبشرية لن تبلغ رشدها في عمرها الثالث فتصبح الفكرة ذات قيمة في حد ذاتها كما يتصور مالك بن نبي (4)، بل إنها كثيرًا ما
          __________
          (1) "في مهب المعركة" (ص 87).
          (2) المصدر السابق (ص 208).
          (3) المصدر السابق (ص 207).
          (4) "إنتاج المستشرقين" (ص 35).

          (2/161)
          تتردى من الناحية الإنسانية، والبشرية لا تبلغ رشدها إلا إذا حكمها الإسلام.
          إن فكرة (اللاعنف) و (الإنسانية) من الأفكار الخطيرة التي بدرها مالك ووسعها بعدئذ تلامذته، وحاولوا اللف والدوران كثيرًا حول مبدأ الجهاد الإسلامي.

          * الإِنسانية والعالمية:
          وقريب من مبدأ (السلام العالمي) كان مالك يحلم بأن تتوحد الإنسانية في مجتمع عالمي، ويظن بأن البشرية تسير بهذا الاتجاه، "فالعالم قد دخل إذن في مرحلة لا يمكن أن تحل فيها أغلبية مشكلاته إلا على أساس نظم الأفكار" (1)، "وحين اتجه العالم إلى إنشاء منظمة اليونسكو، كان يهدف إلى (تركيب) ثقافة إنسانية على المدى البعيد" (2) "وما محكمة العدل في لاهاي والقانون الدولي، والقانون البحري إلا مظاهر خاصة لذلك الاتجاه العام الذي لا يفتأ يمهد الطريق لتوحيد العالم" (3).
          هذا المفهوم للإنسانية مفهوم وهمي يراد به محو الشخصية الثقافية الحقيقية لكل مجتمع ولكل أمة، وإذا كان العالم قد تقارب وانتشرت الأفكار في كل مكان، وقد يستفيد المسلمون من ذلك في نشر دينهم الذي يملك عناصر التأثير والقوة، ولكن أن يتوحد العالم في مجتمع واحد فهذا مفهوم ذهني مجرد، وإذا كان هو نفسه شعر بأن فكرة الأفروآسيوية صعبة التحقيق، ولذلك عاد وكتب عن (الكومنولث الإسلامي)؛ فكيف يظن أن العالم يسير نحو الوحدة؟!.
          __________
          (1) "مشكلة الثقافة" (ص 14).
          (2) المصدر السابق (ص 96).

          (3) "وجهة العالم الإسلامي" (ص 154).

          (2/162)
          * ضعف ثقافته الشرعية:
          لم يتصل مالك بن نبي بعلماء عصره ليستفيد منهم، ورغم اعترافه بأهمية جمعية العلماء في الجزائر التي كان على رأسها الشيخ عبد الحميد بن باديس؛ إلا أن علاقته بها كانت فاترة ويعترف هو بعد ذلك أنه كان مخطئًا في هذا (1)، ولذلك كانت دراسته للإسلام نابعة من قراءاته الشخصية وهي قليلة إذا قيست بقراءاته في الفكر الغربي، وهذا ما جعله يخطئ في أمور كثيرة سواء كانت في الفقه والأحكام أو في النظرة لبعض جوانب التاريخ الإسلامي، فمن رموز الثقافة عنده الفارابي، وابن سينا، وابن رشد (2) ..
          "والمجتمع الإسلامي في عصر الفارابي كان يخلق أفكارًا وفي عهد ابن رشد يبلغها إلى أوربا وبعد ابن خلدون لم يعد قادرًا على الخلق ولا على التبليغ" (3).



          وفي العصر الحديث فإن من رموز الثقافة عنده جمال الدين الأفغاني، وهو موقظ الشرق، وهو رجل الفطرة .. إلخ. وإطلاقه هذا القول جزافًا يدل على ضعف ثقافته الشرعية.


          وفي التاريخ يلمز كثيرًا بني أمية دون وضع الضوابط للإنصاف والتقويم الصحيح. وبسبب عدم وضوح توحيد الألوهية ظن أنه من الممكن اتصال العالم الإسلامي بروحانية الهند "وليس بوسعنا أن نغض من قيمة الدور الذي يمكن أن يؤديه اتصال العالم الإسلامي بروحانية الهند" (4).
          ولم يشر في كتبه إلى موضوع تحكيم الشريعة الإسلامية، وكان معجبًا
          __________
          (1) بقي له ملاحظات مهمة على جمعية العلماء سنذكرها في نهاية المقال.
          (2) "شروط النهضة" (ص 71).
          (3) "مشكلة الثقافة" (ص 48).
          (4) "وجهة العالم الإسلامي".
          (2/163)
          بدولة الوحدة عام 1958 مع أنها لا تطبق شرع الله، وهناك أخطاء جزئية لا نريد التفصيل فيها ونعتقد أنه لو نبه عليها لتراجع.
          - وقبل أن ننهي هذه القراءة لفكر مالك بن نبي لا بد من التنبه لأمور:
          1 - هذه السلبيات والأخطاء يجب أن لا تمنعنا من الاستفادة من الإيجابيات، فهذا المفكر خبير في نهضة المجتمعات وأمراض المسلم المعاصر.
          وكأني أسمع بعض المسلمين يقولون: ما دامت هذه آراؤه فما الفائدة من قراءة كتبه؟ وهذا خطأ فادح منهم، فنحن نقرأ لأعداء الإسلام ونستفيد منهم؛ فكيف بمفكر كان يسعى -حسب جهده- لخير المسلمين، وإن أخطأ في مواضع.
          2 - إن مالك بن نبي شخصية كبيرة، فهو يتراجع عن الخطأ إذا تبين له، لقد نصح جمعية العلماء في الجزائر بصدق وقال كلامًا دقيقًا في هذا "لقد كان على الحركة الإسلامية أن تبقى متعالية على أوحال السياسة والمعامع الانتخابية" (1) "وبأي غنيمة أراد العلماء أن يرجعوا من هناك وهم يعلمون أن مفتاح القضية في روح الأمة لا في مكان آخر" (2)، وهو يقصد سير العلماء في القافلة السياسية عام 1936.
          ويقول: "فيما يخصني لقد بذلت شطرًا من حياتي في سبيل الحركة الإصلاحية، وشهدت في مناسبات مختلفة بالفضل لجمعية العلماء" (3)، ويتأسف لأن الجمعية لم تدعه للمساهمة في شئونها الإدارية، ومع ذلك فقد تراجع واعترف أن موقفه من الجمعية لم يكن طبيعيًّا بسبب نظرته الخاصة للشيخ ابن باديس.
          __________
          (1) "شروط النهضة" (ص 38).
          (2) "في مهب المعركة" (ص 190).
          (3) "وجهة العالم الإسلامي" (ص 127).
          (2/164)
          3 - رغم معرفة مالك الدقيقة بالفكر الغربي، وتأثره به في بعض الأحيان إلا أن أمله في التغيير بقي معلقًا في الأصالة الإسلامية، وبالرجوع إلى المنبع الأساسي للمسلمين "فالعالم الإسلامي لا يستطيع أن يجد هداه خارج حدوده بل لا يمكنه في كل حال أن يلتمسه في العالم الغربي الذي اقتربت قيامته، ولكن لا يقطع علاقته بحضارة تمثل أحد التجارب الإنسانية الكبرى، بل المهم أن ينظم العلاقة معها" (1)، "والمسلم لا يزال يحتفظ بالقيمة الخلقية، وهو ما ينقص الفكر الحديث، فالعالم الإسلامي لديه قدر كبير من الشباب الضروري لحمل مسئولياته ماديًّا وروحيًّا".
          فهل يتحمل الشباب هذه المسئوليات؟ نرجو ذلك (2).
          * مالك بن نبي غفر الله له وإعجابه بفكر السلام العالمي الموهوم:
          "ممّن نفّر من العنف، وأعجب بفكرة السلام العالمي الموهوم، الكاتب الإسلامي: مالك بن نبي -رحمه الله-.
          وقد أبرز هذه الفكرة في عدد من كتبه، فهو يرى مثلاً: "أن الإسلام والهندوسية تنفيان سيف العقيدة" (3).
          ولا يخفي مالك بن نبي إعجابه بغاندي العظيم؟! ويخصه بمقال مملوء بالإكبار، فهو بطل السلام، قاوم الإنجليز مقاومة سلبية: "إذ رجعت الدبابات إلى الوراء، وتقهقرت عند تلك الأجسام التي انفرشت على الأرض أمامها، تقهقرت أمام أفواه ترتل بعض الأذكار المقدسة، وأمام أرواح منغمسة في
          __________
          (1) المصدر السابق (ص 158).
          (2) مجلة البيان - العدد الثالث والعشرون جمادي الأولى 1410 مقال "قراءة في فكر مالك ابن نبي" (ص 29 - 35).
          (3) كتاب "الفكرة الأفريقية الآسيوية" لمالك بن نبي (ص 148).
          (2/165)
          صلوات صامتة؟! إن جهاز الاستعمار الضخم وقف عند حدوده وباء بالخسران أمام معزة غاندى وسرباله ومغزله، وصلواته وصيامه مع الجماهير وفي خلواته".
          "إن رفات غاندي التي ذروها في مياه الغانج المقدسة، ستجمعها الأيام في أعماق ضمير الإنسانية، كيما ينطلق يومًا أنتصار اللاعنف ونشيد السلم العالمي" (1).



          "وفي فصل آخر يتحدث عن إعجابه بنهرو وطاغور، لسبب نفسه ثم يتساءل: هل من بين هؤلاء الزراع لفكرة اللاعنف في القرن العشرين .. هل من بينهم مسلمون؟ (ويجيب)، ويؤسفنا أن لا نجد من بينهم .. " (2).
          إن التعلق بالسلام أمر طيب، والتنفير من الحروب شعور نبيل، إلا أنه حلم مثالي شاعري بعيد عن الواقع وطبيعة البشر، وفكرة غير شرعية تنافي مبدأ الصراع الذي ذكره الله في كتابه {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا} [الحج: 40].
          - والإعجاب بالوثنيين ومحبتهم، يناقض ما كان عليه السلف، ويناقض نصوص الشرع الحنيف {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22].

          وقد أثبتت الأيام أن الهنود دعاة السلام من أتباع غاندي قد داست دباباتهم جنود باكستان المسلمة، في اعتداء صارخ على ديار المسلمين، فضاعت الشعارات، وما نفع رفات غاندي الملقى في مياه الغانج المقدسة؟!.
          __________
          (1) "في مهب المعركة" لمالك بن نبي (ص 149 - 152) /فصل تحية إلى دعاة اللاعنف/طبع دار الفكر 1981 م.
          (2) المرجع السابق فصل "رولان وسياسة الهند" (ص 153 - 154).
          (2/166)
          - إن ثقافة مالك الشرعية كانت ضعيفة، إذا قيست بقراءاته الغربية، وهذا ما جعله يخطئ في عدة أمور تتعلق بالأحكام الشرعية.
          ورغم ذلك كله كان مالك -رحمه الله- عميقًا في فهم غدر الاستعمار وأساليبه الخفية، وعميقًا في معالجة القابلية للاستعمار عند المسلمين .. فهو مفكر خبير في نهضة المجتمعات وأمراض المسلم المعاصر، إلا أن هذه الإيجابيات لا تمنعنا من ذكر بعض السلبيات، ولعل آلامه مما كان يعانيه الشعب الجزائري من الاستعمار الفرنسي، جعلته يحن إلى فكرة اللاعنف بهذا المنظور (1).
          - إلا أن أفكار الأستاذ مالك التي بذرها، وسّعها بعض تلامذته المتأثرين به، فانحرفوا بعيدًا عن جادة الصواب في مفهوم الجهاد في سبيل الله.
          من هؤلاء الشيخ جودت سعيد في كتابه: مذهب ابن آدم الأدل، فقد وقع في أخطاء واضطراب في عرضه لمفهوم الجهاد في سبيل الله.

          __________
          (1) انظر مجلة البيان، العدد (23) "قراءة في فكر مالك بن نبي" مقال للأستاذ محمد العبدة.


          ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

          تعليق


          • * الطبيب خالص جلبي وفكرة اللاعنف ومهاجمته لفتوحات بني أمية والفتوحات العثمانية:
            - وممن تعلق بفكرة اللاعنف، وشكك بمبدأ الجهاد، من أتباع هذه المدرسة الطبيب خالص جلبي: فقد هاجم خلافة بني أمية مرددًا في ذلك أحقاد المستشرقين، وفضل عليها خلافة بني العباس.
            إذ أن خلفاء بني أمية حملوا راية الجهاد وفتحوا كثيرًا من البلدان، ودخلت كثير من الشعوب الإسلام على أيديهم وأيدي ولاتهم.

            (2/167)
            - يقول خالص جلبي: "وبفعل الانحراف الأموي، فإن الملكية الاستبدادية نقلت وطعمت وألصقت إلى الجسم الغريب" (1).
            أما الفتوحات العثمانية: فقد هاجمها الكاتب هجومًا عنيفًا مرددًا أقوال المستشرقين من أساتذته، يقول في ذلك: "والعالم الإسلامي، بدأ بالثورة الروحية العقلية، منذ الوحي في غار حراء، وانتهى بالعسكرية التركية، التي أنهت كل دفعة حيوية في العالم الإسلامي .. والعسكرتارية بالبارود والنار دخلت شرق أوروبا، ولكن فرق كبير بين دخول الإسلام إلى الشرق الأوسط والهند مثلاً، وبين دخوله على يد الأتراك إلى شرق أوروبا ومَنْ يتأمل يدرك"!! (2).



            فالعثمانيون لهم أخطاؤهم ولا شك، ولكن الفتوحات تعتبر من مفاخرهم التي لا ينكرها إلا مَنْ حقد على اجتياح شرق أوروبا وسقوط استانبول على يد محمد الفاتح -رحمه الله-.
            لقد شارك الكاتب بقية رجال المدرسة العصرانية، عندما هاجموا الفتوحات العثمانية، متهمين إياها بالهمجية والتوحش.
            - يقول الأستاذ محمد قطب:

            "ويكفي العثمانيين -في ميزان الله- أنهم توغلوا في أوربا الصليبية، وفتحوا للإسلام ما فتحوا من أراض وقلوب .. ويكفيهم أنهم حموا العالم الإسلامي من غارات الصليبيين خمسة قرون متوالية، ويكفيهم أنهم منعوا قيام الدولة اليهودية على أرض الإسلام .. " (3).
            __________
            (1، 2) "النقد الذاتي" لخالص جلبي (ص 112، 231).
            (3) "واقعنا المعاصر" للأستاذ محمد قطب (ص 152، 316).
            (2/168)
            * عبد اللطيف غزالي يدعو إِلى الانفتاح على حضارة الغرب بلا قيود ويعطل مفهوم الجهاد، ويتعجب من قول المسلمين بدخولهم الجنة دون غيرهم:
            - يقول عبد اللطيف غزالي مقارنًا تخلف علوم المسلمين، بتقدم علوم الإغريق، ويدعو إلى الانفتاح على حضارة الغرب بلا قيود. انظر إليه يقول:



            "وما أبعد إحياء تراث الإغريق في العصور الوسطى عن إحياء تراث سلف المسلمين اليوم. إن علوم الإغريق حين أخذ الأوربيون يبعثونها كانت شيئًا متقدمًا غاية التقدم، بالنسبة لما كان لديهم من علوم كلها خرافات، أما علوم السلف اليوم، فهي شيء متخلف غاية التخلف بالنسبة لما لدينا، ولا أقول كما لدى الأوربيين من هذه العلوم، ومع ذلك فإن الآثار الدينية هذه تتضمن محاولة الرجوع للقهقرى إذا لم تتناول بفهم وذوق يضبطان النقل والرأي في ضوء الفكر العصري" (1).

            * أخطر أقواله:
            - يقول عبد اللطيف غزالي: "لمَ يعتقد أتباع كل دين أن الله يختصهم بالجنة، ويذر غيرهم وأكثر الناس في النار؟ إن إلهًا هذا شأنه وإن صح -وحاشا أن يصح- لا يكون إله طائفة قليلة بالنسبة لسائر الناس؛ لأنه ليس ثمة دين يضم أكثر البشر .. إن العمل الصالح لهو اليوم أفضل جهاد في سبيل الله" (2).

            (2/169)
            - ويقول: "إن العمل الصالح هو العمل المنتج مثل أن يكون هو العبادة" (1).
            ويقول: "ولقد صار البديل عن الجهاد هو العمل، ولقد صار البديل عن الحرب هو التعايش السلمي (2).
            __________
            (1) "نظرات في الدين" (ص 37).
            (2) المصدر السابق (ص 36)، و"العصريون معتزلة اليوم" (ص 77).





            ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

            تعليق


            • * القذافي يطعن في السنَّة ويمدح أتاتورك:
              - يقول القذافي:

              "الصحابة كانوا باستمرار يقولون له يا نبي الله، يا رسول الله، وعمره ما قال لهم اتبعوا حديثي أو كلامي؟ أين هذه موجودة؟ هل فيه نص في القرآن كله، ستين حزب، هل فيه ما ينص على النبي قال لكم الكلام الذي أنا قلته لازم تتبعوه؟ طيب .. أربعين عامًا قبل البعثة، أين الكلام الذي كان يقول فيه؟ هل كان لا يتكلم؟ كان يتكلم وأين الكلام الذي قاله؟ لما جاء في إحدى الغزوات وقال لهم خلي نزلوا في هذا المكان، قالوا له هذا وحي واجتهاد أو كلامك أنت؟ قال لهم: كلامي أنا. قالوا له: لا إن الحرب مكيدة، ما ننزل في هذا المكان لكن هو باستمرار، باستمرار يؤكد التمسك بالقرآن فقط، لو كان هو قدّس حديثه، وجعل لحديثه أهمية مثل القرآن أو قريبة منها، معناه هو يخلق كتابًا آخر يحلّ محل القرآن .. الذي أتى لنا وقال حديث النبي هذا لا بد تمشوا به وتقدسوه مثل القرآن، هذا شرك طبعًا، لا تعد تقل لي البخاري ومسلم هو الصحيح؛ لأن البخاري ومسلم فيهما أشياء لا تتفق مع أصول القرآن. إذن لنجمع كل ما قيل أنه حديث، ونقارنه بالقرآن، والذي يتفق معه زين، نقبله، والذي لا يتفق معه نشطبه ولا نعد نقول البخاري ومسلم" (3).
              - ويمدح القذافي أتاتورك قائلاً: "عندما جاء أتاتورك .. وكان على
              __________
              (3) "وثائق خطابات وأحاديث القذافي" (ص 104) نقلاً عن "العصريون معتزلة اليوم" ليوسف كمال (ص 56).


              (2/170)
              الأقل مش كيف هو حاصل الآن، قال والله ما نبقى نفصل الدين عن الدولة، هو مسلم، اسمه مصطفى كمال أتاتورك، اسمه مصطفى على اسم النبي، لم يقل أن تركيا يجب أن تكون ملحدة، قال: تركيا دولة إسلامية، وتبقوا مسلمين. ولكن قال: أنا عندي طلب واحد. قال لهم أريد أن أفصل الدين عن الدولة .. كيف؟ إن الدولة وهي دولة وضعية تعالج مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية وفقًا للعصر التي هي فيه، أما الدين خلّوا كل واحد، يصلي ويحج ويصوم .. يصلي بالمسجد، يبني مسجدًا.
              جاء المتعصبون الذين سموا أنفسهم علماء في ذلك الوقت، وقالوا له مستحيل، هذا كفر إذا فصلت الدين عن الدولة هذا كفر، ناداهم وقال لهم: أرجوكم هاتوا لي فتوى، فقط فتوىَ تجعلني أعلن باسم الإسلام، وإن الإسلام يبيح لي فصل الحكومة عن الدين، اجعلوا الحكومة لوحدها، واتركونا مسلمين كما كنا، قالوا له مستحيل .. هذا كفر .. قال لهم طالما هو كفر، فأنا ذاهب إلى قمة الكفر. وهذا هو القرآن، وهذا هو الإسلام .. وأحضر لي السيف لأقطع رقابهم وهرب من الشبابيك علماء الإسلام كلهم ..
              ومن تلك اللحظة كانت نكبة على الإسلام، أعلن الإلحاد والكفر قال: هذا الدين الذي يكبلني ولم يتركني أتصرف في تركيا لكي تواجه أعداءها وتنهض من جديد. قال: أنا لا أريد هذا الدين وأتاتورك مظلوم" (1).

              وفي هذا من الدجل والكذب وتزييف الحقائق ما فيه، وفي القذافي وأتاتورك يصدق قول القائل:

              ومن جعل الغراب له دليلاً ... يمر بهم على جيف الكلاب

              __________
              (1) المصدر السابق، ونقل عنه يوسف كمال في كتابه "العصريون معتزلة اليوم" (ص 57).


              ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

              تعليق


              • * محمد أسد: نسخة أوربية لرائد العصرانية سيد خان منكر السنة:
                محمد أسد (أو ليوبولد فايس) مستشرق نمسوي الأصل، كان في أول

                (2/171)
                أمره مراسلاً للصحف الأوربية في الشرق الأوسط، وبعد تجوال في ربوعه وبخاصة في جزيرة العرب هداه الله فأعلن إسلامه في عام 1926 م. وبعد فترة من العيش بالمملكة السعودية انتقل للهند، ومكث فيها مدة طويلة، وكانت له صلات قوية بالحركة الفكرية فيها، وبعد إنشاء حكومة باكستان عمل في خدمة حكومتها، حتى استقال من خدمتها عام 1952 م وكان يشغل منصب ممثلها في الأمم المتحدة (1).

                وقد عرفه العالم العربي من خلال أول كتاب ترجم له إلى اللغة العربية بعنوان "الإسلام على مفترق الطرق"، وصدرت الترجمة عام 1946، واشتهر وذاع صيته بسبب هذا الكتاب الذي لاقى انتشارًا واسعًا يتضح من تعدد طبعاته. ومن خلال الكتاب -يبدو فكر المؤلف ناصعًا ورؤيته واضحة، وبخاصة لمعايب الحضارة الغربية ولأخطار تقليدها على المسلمين، ولمزايا الإسلام عليها ولأهمية التمسك بأسسه وأصوله: الكتاب والسنّة. ولمّا كان المؤلف من أبناء الغرب وأهله أحدث نقده للحضارة الغربية، وشهادته للإسلام بغض النظر عن قيمة محتواه، تأثيرًا قويًا ولاقى رواجًا وإعجابًا.
                ولكن كتب المؤلف الأخرى لا تعطي الانطباع الذي يعطيه كتابه السالف، وإذا استبعدنا كتابه "الطريق إلى مكة" الذي هو قصة أدبية رائعة عن الثلاثين سنة الأولى من حياته واعتناقه الإسلام، ولا يعد كتابًا فكريًّا، فإن كتبه الأخرى (2) تنضح بفكر عصراني خالص، حتى أن المرء لا يجانب الصواب كثيرًا إذا وصفه -وبخاصة في ترجمته لمعاني القرآن والحواشي والهوامش التي ضمتها الترجمة- بأنه نسخة أوربية لسيد خان، أعظم مفكري
                __________
                (1) "الطريق إلى مكة" - محمد أسد - ترجمة عفيف البعلبكي (ص 16) والإسلام على مفترق الطرق - محمد أسد ترجمة عمر فروخ (ص 12 - 14).
                (2) له كتاب "منهاج الإسلام في الحكم" وترجمة لمعاني القرآن وترجمة لصحيح البخاري إلى الإنجليزية.
                (2/172)
                العصرانية المسلمين. ولا غرو فإنه لتأثره بالمادية الغربية التي لا تؤمن بما وراء المحسوس المشاهد، لم يستطع أن يتخلص من بقاياه الجاهلية، فأقبل في الإسلام على العصرانية يؤول ويفسر كل شيء في حدود عالم الحس وأذواق الغرب. ويقدم لنا محمد أسد -تمامًا كسيد خان- نموذجًا متكاملاً للفكر العصراني الإسلامي، إذ لم يقتصر فكره في دائرة واحدة من دوائر الإسلام، بل شمل العقائد والتفسير والحديث والفقه. ونقدم هنا أمثلة قليلة من ذلك.
                المفتاح الأساسي لفهم القرآن في نظره هو في الآية السابعة من آل عمران {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}

                يقول: "فهذه الآية هي التي تجعل رسالة القرآن سهلة التناول (لقوم يتفكرون) " وهو يعرف المتشابه بأنه تلك الآيات التي جاء التعبير فيها بطريقة مجازية، والتي تتضمن معنى رمزيًّا لا يمكن الإفصاح عنه مباشرة، ولو في كلمات كثيرة. أما لماذا يحتوي القرآن على المتشابه فيقول؛ لأنه يتحدث عن عالم "الغيب" ذلك العالم الذي هو وراء إدراك البشر الحسي، ولمّا كان العقل البشري لا يدرك الأشياء، ولا تكون عنده معرفة إلا من خلال تجاربه الماضية (هكذا يقول)، فلا يمكن نقل معاني "الغيب" له إلا باستعارة أمثلة وتشبيهات تؤخذ من نفس هذه التجارب، أو كما يقول الزمخشري: "تمثيلاً لما غاب عنا بما نشاهد"، ثم يقفز من ذلك إلى النتيجة التالية "وهكذا يبين لنا القرآن بوضوح أن كثيرًا من تعبيراته وآياته يجب أن تفهم باعتبار أنها متشابهة، لسبب بسيط وهو أنها لتخاطب العقل البشري فلا يمكن أن تخاطبه بغير هذه الطريقة، فإذا أخذنا كل تعبير في القرآن وكل كلمة وكل آية بمعناها الظاهري الحرفي، وغضضنا الطرف عن احتمال أن تكون متشابهة، أو رمزًا أو مثالاً، فإننا نسيء إلى روح النص القرآني ذاته" (1).
                __________
                (1) صلى الله عليه وسلم
                sad, the Message of the Quran P. 66. 989
                (2/173)
                ومن خلال اعتبار كثير من نصوص القرآن رموزًا وأمثلة، يمكن لأي امرئ أن يفسر ما شاء كيف شاء، ولم لا؟ فهل يمكن الادعاء أن للرمز معنى واحدًا بعينه هو المعنى المقصود دون غيره؟ وهذا ما فعله محمد أسد، فقد أوّل ما شاء كيف شاء ضاربًا بقواعد اللغة وبكثير من تفسيرات السلف عرض الحائط، ولم يتقيد بها -كما يقول- أليس من "مزايا القرآن الفذة أنه كلما ازدادت معرفتنا بهذا العالم، وازدادت تجاربنا كلما تكشفت لنا آياته عن معاني كثيرة جديدة لم تخطر من قبل" وهذا في ظاهره صحيح إذا أريد به أن معاني القرآن الأولية، يمكن أن تتسع للفهم بازدياد معرفة البشر، ولكن اتساع الفهم لا يناقض المعنى الأولي الأساسي، فهل هذا الذي يقصده محمد أسد؟ من عباراته التالية يبدو أن الذي يقصد إليه أن النص الواحد يمكن أن تكون له معاني متعددة، بل ومتناقضة حسب ثقافة المفسر المتاحة له في عصره، فهو يستمر ليقول:
                "لقد أدرك أسلافنا العظماء هذه الحقيقة إدراكًا كاملاً، وفي تفسيرهم القرآن اقتربوا من نصوصه من خلال "عقولهم"، أو بعبارة أدق حاولوا شرح معاني القرآن على ضوء اللغة العربية والسنّة جنبًا إلى جنب مع المعارف العامة المتاحة لهم، مما تجمع لدى المجتمع الإنساني حتى عصرهم من تجارب وثقافة، ولهذا كان من الطبيعي أن يختلف في أحيان كثيرة فهم أحد المفسرين لآية من القرآن عن فهم من سبقوه، وقد يكون ذلك الاختلاف -وغالبًا ما يكون- حادًا وواسعًا، ويناقض بعض المفسرين بعضهم بعضًا، ولكن ذلك لم يخلق عداء بينهم، لإدراكهم لعنصر النسبية في التفكير البشري، وأنه لا أحد يبلغ الكمال (1).
                __________
                (1) نفس المصدر
                P. Viii.

                (2/174)
                ولنأخذ مثلاً كيف يفسر محمد أسد صفات الله الواردة في القرآن.
                يقول: "بما أن الله عز وجل كائن لا تحده حدود الزمان والمكان فإن كل ما يمكننا أن ندركه عنه ما يسمى بالصفات السلبية
                What he is not، أما صفاته الثبوتية فلا يمكن أن نكون عنها إلا فكرة ناقصة عن طريق استعارات وأمثلة عامة ومجملة. ولهذا فهو يعتبر هذه الصفات مجازات لا بد من تأويلها، فيقول عندما يوصف الله تعالى بأنه في السماء أو أنه {عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}، فإن هذه ليست إلا أداة لغوية لتقرب لنا معنى فوق إدراك البشر، وهو قدرة الله الواسعة وسلطانه القاهر فوق كل شيء. وكذلك عندما يوصف الله بأنه "السميع" "البصير" فإن ذلك لا يمت بصلة إلى ظاهرة السمع والبصر العضوية، ولكنه فقط يصور بطريقة مفهومة للعقل البشري حضور الله عند كل شيء وكل حدث. وكذلك كثير من الصفات التي يبدو لأول وهلة أنها تعني التجسيم، مثل الغضب والفرح والحب و {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ}، وأمثالها فهي لا تعدو أن تكون "تراجم" في لغة بشرية ورموزًا لأفعال الله (1).

                ونفس الرموز -في رأي أسد- موجودة في وصف القرآن لليوم الآخر والحياة الثانية، والجنة والنار. وكل ما جاء من وصف لهذه ما هو إلا رموز مأخوذة من تجاربنا، فكأن القرآن يقول لنا: "تخيلوا كل ما يمكن لكم تخيله مما ينعم به الإنسان نفسيًّا وبدنيًّا، وتخيلوا نعيمًا فوق ما تتخيلون بأضعاف مضاعفة، ونعيمًا في ذات الوقت مختلفًا عن كل ما تتخيلون، فإنكم فقط حينئذ تكونون قد أدركتم لمحة وإن كانت غامضة عما يسمى "الفردوس".
                ونفس الأمر صادق أيضًا عن وصف القرآن أن للنار (2). وهو بذلك يعني أن وصف القرآن للجنة النار لا ينبغي أن يؤخذ على ظاهره، أو على أنه وصف
                __________
                (1) نفس المصدر
                P. 991
                (2) نفس المصدر
                P. 990. 991
                (2/175)

                لحقائق واقعة، بل هو مجرد تمثيل وتصوير.
                وهو ينظر إلى بقية أمور الغيب والسمعيات الأخرى، مثل الجن والملائكة والمعجزات، بنفس النظرة أي أنها كلها رموز وأمثلة. وبكل "تمحل" يعطيها تفسيرات في حدود عالم الحس وليس له من دليل إلا الحدس والتخمين والخيال الواسع.
                فقصة أهل الكهف -مثلاً- ونومهم لمدة ثلاثمائة عام ثم استيقاظهم يرى أنها ليست إلا "أسطورة"، واعتمادًا على الاكتشاف الحديث لما سمي مخطوطات البحر الميت عز وجل
                ead Sea Scrolls، يرى أن المقصود بأهل الكهف مجموعة من اليهود كانت تعزل نفسها في الكهوف تفرغًا لدراسة ونقل وكتابة الصحف المقدسة. ولمّا كان الناس من حولهم يعظمونهم وينظرون إليهم نظرة قدسية، فمن المحتمل جدًا أن يكونوا قد نسجوا حولهم بسبب عزلتهم التامة عن العالم، أسطورة النوم لمدة طويلة ثم "الاستيقاظ" بعد أن يكونوا قد أكملوا مهمتهم المقدسة. أي أن القرآن يحكي فقط أسطورة شائعة، ولكن لماذا يحكيها القرآن؟
                - يقول: إن القرآن يستخدمها بطريقة رمزية بحته ليوضح أولاً قدرة الله الكاملة على الإماتة - "النوم" - والإحياء - "الاستيقاظ" ويشير ثانيًا من خلالها إلى التضحية التي يمكن أن يدفع إليها الإيمان، فيعتزل قوم أتقياء العالم الفاسد نجاة من شروره (1).
                وكذلك يرى أن قصة سليمان عليه السلام التي يحكيها القرآن والمعجزات التي تصاحبها كلها كانت أساطير شائعة عند العرب وأهل الكتاب من يهود ونصارى حين نزول القرآن، ومن الممكن إعطاؤها تفسيرات "عقلية"
                __________
                (1) نفس المصدر
                P. 438.

                (2/176)

                (هكذا يقول فلديه تفسيرات جاهزة لكل شيء)، ولكن لا فائدة في ذلك؛ لأن القرآن وجد هذه الأساطير في البيئة التي نزل فيها، فحكاها كما هي دون أن يؤكد صحتها أو يدحضها فاستخدمها لأنها كانت ضاربة بجذورها في عقول الناس، ليبث من خلالها بعض مفاهيمه العقدية والأخلاقية (1).
                وإذا كانت هذه أمثلة لواحدة من وسائله لرفض العجزات باعتبارها أساطير فقط، إلا أن في أحيان أخرى يعطيها تأويلات تبعدها أن تكون خارقة للعادة. من ذلك مثلاً قصة إبراهيم، مع الطيور الأربعة، ففي نظره أن إبراهيم لم يقتل الطيور ولم يقطعها أجزاء ثم أحياها الله بعد ذلك، بل كل ما في الأمر أنه علّم الطيور ودرّبها على طاعته وإجابة أوامره، وهذا عنده هو معنى {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ}، ثم إن إبراهيم وضع كل طائر على جبل، ثم حين دعاها أجابته. والمغزى من ذلك أنه إذا كانت الطيور بمثل هذا التعليم والتدريب تطيع الإنسان ولا تعصي أمره، فكذلك الله عز وجل الذي يطيعه كل شيء، فهو قادر على أن يحيي الموتى بأمرهم بكلمة منه "كن" (2).
                - ويقول عن الحوت الذي التقم يونس عليه السلام أن القرآن يذكره بأداة التعريف "الحوت" لأن أسطورته كانت معروفة فهو بذلك حوت معروف معهود. وفي هذه المرة لا يكتفي بالقول أنه أسطورة بل يعطيه تفسيرًا من تفسيراته "العقلانية" من بنات أفكاره، فيقول: مما لا شك فيه أن التقام الحوت هنا ما هو إلا رمز للغم والكرب الذي وقع فيه يونس (3).

                ويفسر حجارة السجيل في سورة الفيل مثل تفسير محمد عبده، الذي صرح في مقدمة الكتاب أنه تأثر به كثيرًا واقتبس منه في عدة
                __________
                (1) نفس المصدر
                P. 498.
                (2) نفس المصدر
                P. 59.
                (3) نفس المصدر
                P. 691
                .
                (2/177)

                مواطن (1)، فسبب هلاك أصحاب الفيل كان وباء الجدري أو الحصبة، والطير الأبابيل في تفسيره هي ناقلات ذلك الوباء (2).
                والأمثلة كثيرة ومتعددة، وبإيجاز يمكن القول أن أيّ معجزة في القرآن ضاق عقل أسد المادي عن إدراكها، راح يؤولها بهذه الجرأة وبهذا الخرص والخبط.

                * الفقه من خلال ذوقه الأوربي:
                وإذا كانت هذه نظرة أسد إلى أمور العقيدة ومنهجه في تفسيرها، فكيف ينظر إلى مسائل الفقه التي لا يستسيغها "ذوقه" الأوربي؟ ويأتي أولاً السؤال ما الذي لا يستسيغه "الذوق" الأوربي من الفقه الإسلامي ثم ننظر ثانيًا في "المنهج العلمي" الذي يقدمه أسد لتأويله ليوافق "ذوق" الغرب المتحضر.
                نختار ثلاث دوائر من التي يكثر اعتراض الغرب عليها في الإسلام: وضع المرأة والحدود والربا والأمثلة عن هذه تكفي.


                أما عن المرأة فنكتفي برأي أسد في الحجاب. يقول عن قوله تعالى في ذلك في سورة النور {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن المقصود بها "اللباس المحتشم وستر الزينة إلا ما يظهره الإنسان في العادة الجارية" (3)، أي العادة الجارية في مجتمعه. ويعيب على المفسرين الأوائل أنهم قصروا ما يظهر على الوجه والكفين فقط وأحيانًا أقل، ويقول أن معنى "إلا ما ظهر
                __________
                (1) نفس المصدر
                P. V.
                (2) نفس المصدر
                P. 976.
                (3) هذه جملة مبتورة نسبها إلى القفال في تفسير الرازي. وعبارة القفال الكاملة هكذا "معنى الآية إلا ما يظهره الإنسان في العادة الجارية وذلك في النساء الوجه والكفان" انظر التفسير الكبير للرازي سورة النور آية 31 ج 23 ص 205 ط أولى المطبعة البهية القاهرة.

                (2/178)
                منها" أوسع من ذلك، ويرى أنه لفظ عام، وأنه بعمومه قصد منه أن يفتح المجال للتغيرات التي تحدث في حياة الإنسان الخلقية والاجتماعية في كل زمان. إن الأمر البالغ الأهمية هو في "غض البصر وحفظ الفرج" وما يحقق هذه الغاية في كل زمان هو الذي يحدد ما يعد من "الحشمة" أو ما لا يعد في مظهر الإنسان الخارجي (1)، أي أن المقياس والمعيار الأساسي هو الحشمة، وليس لذلك حدود إلا ما تحدده عادة المجتمع الجارية وليس بالضرورة أن يكون ذلك ستر ما عدا الوجه والكفين.
                - وفي مجال الحدود نأخذ مثالاً رأيه في عقوبة الحرابة، وخلاصة رأيه أن من يظن أن "العقوبات الوحشية" الواردة في الآية {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} - من يظنها عقوبات شرعية، فقد وقع خطأ بالغ، وأن ما ذهب إليه المفسرون من أن المقصود بهذه الآية فرض عقوبات جنائية رأي مرفوض مطلقًا، مهما كانت الأسماء التي قالت بهذا الرأي كبيرة ومشهورة. ويؤكد أن الآية لا تنشئ أمرًا ولا تقصد تنفيذ طلب بل هي تقرير لحقيقة ويسوق لتأييد رأيه بعض الحجج، ومن ذلك أن الأفعال الواردة في هذه الآية "يقتلوا" "يصلبوا" "تقطع" "ينفوا" واردة بصيغة المضارع، ولا يفهم منها الأمر والطلب (وهذا مثال لأحد المواضع التي يظهر فيها ضعفه في اللغة) ومن الحجج أيضًا أن صيغة هذه الأفعال تدل على المبالغة ويفهم هو من ذلك أن المقصود أن القتل والصلب والقطع هو لأعداد كبيرة، فهل يمكن أن يكون المقصود أن يعاقب عدد كبير من المحاربين ويعفى عن البقية؟ وكيف الحال إذا كان المقصود أن يعاقب عدد كبير من المحاربين
                __________
                (1) المصدر السابق
                P. 538.
                (2/179)
                ويعفى عن البقية؟ وكيف الحال إذا كان المحارب واحدًا أو فئة قليلة؟ ثم ما معنى "ينفوا من الأرض"؟ إذا كان القصد السجن فليس ذلك نفيًا من كل الأرض وإذا كان المقصود النفي من دار الإسلام فدار الإسلام ليست هي كل الأرض. ومن أقوى الأدلة عنده على أن الآية لا تقرر عقوبات شرعية، أن العقوبات الواردة فيها قد ذكرها القرآن على لسان فرعون الذي هو مثال الطغيان والشر والعدوان في القرآن، حين قال: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} فهل يعقل أن يجعل القرآن هذه عقوبات شرعية للمجتمع المسلم، وقد اعتبرها في موضع آخر جريمة نكراء من جرائم عدو الله فرعون؟.
                ويخلص من ذلك إلى أن التفسير الصحيح للآية أنها تقرر حقيقة، وهي أنه لا مهرب لمن يحاربون الله ورسوله من العقاب الذي يجرونه على أنفسهم بأنفسهم وذلك أنه بسبب ما يحدث من الصراع بينهم، فإنهم يقتلون أنفسهم بأعداد كبيرة، ويعذبون ويشوهون بعضهم بعضًا بأعداد كبيرة، إلى الحد الذي يقطعون فيهم دابر بعضهم بعضًا أحيانًا (ينفوا من الأرض) ويرى أن هذا التفسير هو الذي يستقيم مع سياق الآية وتزول به الأعتراضات التي يعترض بها على التفسير الأول (1).


                - وعن الربا يقول أن تعريفه لم يزل أمرًا مشكلاً للفقهاء، وأنهم عرفوه بحسب الظروف الاقتصادية السائدة في عصورهم، وأنه بالنظر إلى الاقتصاد السائد عند العرب عند نزول تحريم الربا يمكن تعريفه في ضوء ذلك عمومًا بأنه الفائدة التي تجنى من الدين استغلالاً لحاجة الفقير المحتاج، من غني قادر، وأنه بالنظر إليه من خلال ذلك يبدو أن مسألة تحديد المعاملات التي
                __________
                (1) نفس المصدر
                P. 148.
                (2/180)
                يمكن أن تعتبر داخلة تحت الربا، هي مسألة أخلاقية في المقام الأول، وتعتمد أساسًا على الدوافع والبواعث التي تقوم عليها العلاقة الاجتماعية والاقتصادية بين الدائن والمدين، وإلى أيّ مدى يتحملان معًا الربح والخسارة. وذلك كما هو واضح يتغير تبعًا لتغير النمو الاقتصادي والاجتماعي والتقني، وعلى هذا فإن كل جيل من المسلمين هو الذي يضع بحسب ظروف عصره المعنى الجديد للربا والدوائر التي يشملها (1) " اهـ (2).
                ***
                __________
                (1) نفس المصدر
                P. 623.
                (2) "مفهوم تجديد الدين" لبسطامي محمد سجد (ص 153 - 161) - دار الدعوة - الكويت.

                ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                تعليق


                • إسلاميون ولكن

                  (2/183)



                  إسلاميون ولكن

                  - ولاؤنا المطلق للإسلام. وكل من قدم خدمة للإسلام أو دافع عنه في جانب من جوانبه فهو حبيب إلينا بقدر تمسكه بالإسلام وقربه منه ..
                  نعم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} وليس من قصد الحق فأخطأه كمن تعمّد قصد الباطل ولكن ننبه على أخطاء المدافعين عن الإسلام نُصحًا لله ولرسوله.


                  الحق أحب إلينا منه ..
                  * هو الدكتور محمد عمارة رأس من رءوس المدرسة العقلية الحديثة .. عصراني يقول بعدم كفر اليهود والنصارى، ويمجِّد المعتزلة، ويثني على المبتدعة، ويمدح ثورة الزنج والفاطميين، ويدعو إِلى التقريب بين الشيعة والسنة، ووحدة الأديان، والوطنية، والقومية وجهاد الدفع فقط دون جهاد الطلب:
                  محمد عمارة مفكر ينتمي إلى المدرسة العقلية الحديثة ومن كبار المدافعين عنها، وهو وريث الشيخ محمد الغزالي يسير على نهجه، قال عنه الشيخ محمد الغزالي: "إن محمد عمارة قلعة من قلاع الإسلام في القاهرة" (1).
                  ونحن لا ننكر أن للرجل مجالات في الدفاع عن الإسلام أوردنا منها رده
                  __________
                  (1) مجلة آفاق عربية - السنة التاسعة - العدد 612 (ص 13) - 26 من ربيع الآخر 1424 هـ - 26 يونية 2003 م.

                  (2/185)



                  على المستشار العشماوي، ولكن الحق أحب إلينا منه .. له كتابات ومواقف سيئة لابد من التنبيه عليها نُصحًا للأمة.


                  * جرعات أولاً قبل الغوص في فكره:
                  - يرفض الدكتور محمد عمارة أن تعود المرأة مكبلة بحجابها ويؤكد: "أن جذور هذه القضية ترتبط بالتمدن والتحضر والاستنارة أكثر مما هي مرتبطة بالدين" (1).


                  - أما ولاية المرأة للقضاء وحتى الولاية العامة: فهي جائزة عند العصرانيين بإطلاق. يقول محمد عمارة: "إن ما لدينا في تراثنا حول قضية ولاية المرأة لمنصب القضاء، هو فكر إسلامي وآراء فقهية .. وليس دينًا وضعه الله، وأوحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام ..
                  وليس هناك إجماع فقهي فيها حتى يكون هنالك إلزام للخلف بإجماع السلف فهي من قضايا الاجتهاد المعاصر، أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" فهو نبوءة سياسية من الرسول بفشل الفرس المجوس، أولئك الذين ملكوا عليهم امرأة، وليس حكمًا بتحريم ولاية المرأة للقضاء، فلا ولايتها العامة ولا الخاصة كانت بالقضية المطروحة، حتى على مجتمع النبوّة، كي تقال فيها الأحاديث" (2).

                  * وانظر إِلى هذه السقطة الكبيرة:
                  فإذا حكمنا (كساسة) بما يحقق مصلحة الأمة، كنا مقتدين بالرسول، حتى ولو خالفت نظمنا وقوانينا ما روي عنه في السياسة من أحاديث؛ لأن
                  __________
                  (1) "الإسلام وقضايا العصر" لمحمد عمارة (ص 9).
                  (2) "الإسلام والمستقبل" لمحمد عمارة (ص 237، 241).




                  (2/186)



                  المصلحة، بطبيعتها متغيرة ومتطورة" (1).

                  بل يعبر عمارة بصراحة أشد عن عدم ملاءمة الشريعة لقضايا العصر، عندما يقول: "فإن أحدًا لن يستطيع الزعم بأن الشريعة يمكن أن تثبت عند، ما يقرره نبي لعصره" (2).

                  ويدعو عمارة كذلك إلى مدنية السلطة، وجعل حق التشريع في يد جمهور الأمة عندما يقول: "فأصحاب السلطة الدينية قد احتقروا جمهور الأمة، عندما سلبوها حقها في التشريع، وسلطاتها في الحكم" على حين قرر القائلون بمدنية السلطة: "أن الثقة كل الثقة بمجموع الأمة، بل جعلوها معصومة من الخطأ والضلال" (3).

                  - ويتابع الدكتور عمارة، فيصف الفتح العثماني بأنه: "طوفان الدمار التركي، وأرجال الجيش العثماني الذي لف العالم العربي بردائه الأسود أكثر من أربعة قرون" (4).
                  حتى السلطان صلاح الدين الأيوبي لم يسلم من أذى هؤلاء القوم فيصفه الدكتور محمد عمارة بأنه "القائد الإقطاعي البارز؟ " (5).
                  ويأسف الدكتور لانتصار المسلمين في الحروب الصليبية لأنها أعادت الحيوية للإقطاع العربي "فلقد كانت الحروب الصليبية مرحلة من الأحداث الكبرى التي أتاحت للإقطاع العربي فترة من استرداد الحيوية والنشاط" (6).
                  - وللدكتور محمد عمارة نظريته في وحدة الأديان، أعلنها تحت شعار
                  __________
                  (1) "الإسلام وقضايا العصر" لمحمد عمارة (ص 25).
                  (2) "المعتزلة وأصول الحكم" (ص 330) لمحمد عمارة سلسلة الهلال العدد/400/ 1984 م.
                  (3) "الإسلام والسلطة الدينية" (ص 7).
                  (4) "فجر اليقظة العربية" لمحمد عمارة (ص 362).
                  (5، 6) المرجع السابق (ص 228).




                  (2/187)



                  "وحدة الدين الإلهي"، فهو يرفض تقسيم الناس على هذا الأساس (المتخلف)، إلى مؤمنين وكفار؛ لأن ذلك التقسيم، قد ارتبط بالعصور الوسطى وعهود الظلام" (1).

                  ويرى أن رفاعة الطهطاوي قدم فكرًا مستنيرًا في هذا الجانب حيث قدم "تقسيمًا جديدًا، لا يقوم على معايير الكفر والإيمان، وإنما يقوم على مقاييس، التحضر والخشونة" (2).
                  "والفروق بين المسلمين وأهل الكتاب، ليست من الخطر، بحيث تخرج الكتابيين من إطار الإيمان والتدين بالدين الإلهي" (3).
                  - ومحمد عمارة يدعو إلى العلمانية الصريحة في كتابه "الإسلام والسلطة الدينية". إذ يقول: "أما إسلامنا فهو علماني ومن ثم فإن مصطلح العلمانية لا يمثل عدوانًا على ديننا بل على العكس، يمثل العودة بديننا إلى موقفه الأصيل" (4).
                  - وقديمًا قال محمد عمارة مثل ما قال محمد أحمد خلف الله "من أن البشرية قد بلغت سن الرشد، وقد آن لها أن تباشر شئونها بنفسها بعيدًا عن وصاية السماء" (5).
                  وسنقول بملء فمنا بعد استقراء كتب عمارة أنه قد "حرّف" و"كذب" و"لبّس" و"هاجم" و"استهزأ" و"تناقض" ودعا إلى بدعته.
                  __________
                  (1، 2) "تيارات اليقظة الإسلامية" لمحمد عمارة (ص 280) - سلسلة الهلال.
                  (3) "تجديد الفكر الإسلامي" لمحمد عمارة (ص 82).
                  (4) "الإسلام والسلطة الدينية" لمحمد عمارة (ص 100 - 101).
                  (5) "الإسلام وقضايا العصر" لمحمد عمارة (ص 15)، و"الأسس القرآنية للتقدم" لمحمد أحمد خلف الله (ص 44)، ومقال له في مجلة "الطليعة" القاهرية 1975 م.

                  (2/188)



                  * نحكم على عمارة من خلال كتبه:

                  - وهذه الكتب هي:

                  1
                  [align=right]

                  1- "القومية العربية ومؤامرات أمريكا ضد وحدة العرب" طبعة أولى، وثانية: القاهرة. دار الفكر 1958 م.
                  2 - "فجر اليقظة القومية" طبعة أولى: دار الكاتب العربي. القاهرة 1967 م. طبعة ثانية: دار القاهرة للثقافة العربية، القاهرة 1975 م طبعة ثالثة: دار الوحدة. بيروت 1981 م. طبعة رابعة. دار الوحدة. بيروت 1984 م.
                  3 - "العروبة في العصر الحديث" طبعة أولى: دار الكاتب العربي.
                  القاهرة 1967 م. طبعة ثانية: دار الوحدة بيروت 1981 م. طبعة ثالثة. دار الوحدة. بيروت 1984 م.
                  4 - "الأمة العربية وقضية الوحدة" طبعة أولى: الدار المصرية للتأليف والترجمة. القاهرة 1966 م. طبعة ثانية: دار الوحدة. بيروت 1981 م طبعة ثالثة: دار الوحدة بيروت 1984 م.
                  5 - "إسرائيل .. هل هي سامية؟ ". طبعة أولى: دار الكاتب العربي القاهرة 1967 م.
                  6 - "مسلمون ثوار" طبعة أولى: دار الهلال 1971 م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1974 م. طبعة ثالثة بيروت.
                  المؤسسة العربية 1979 م.
                  7 - "عمر بن عبد العزيز. خامس الخلفاء الراشدين" طبعة أولى: دار الهلال. القاهرة 1978 م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1979 م. طبعة ثالثة: دار الوحدة. بيروت 1985 م.
                  8 - "الإسلام والوحدة الوطنية". طبعة أولى: دار الهلال. القاهرة
                  [/CENTER]
                  [align=right]

                  (2/189)



                  1979 م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1979 م.

                  9 - "قاسم أمين وتحرير المرأة". طبعة أولى: القاهرة - دار الهلال 1980 م. طبعة ثانية. بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1980 م. طبعة ثالثة. دار الوحدة. بيروت 1985 م.
                  10 - "محمد عبده. مجدد الإسلام". طبعة أولى: دار الهلال. القاهرة 1980 م. طبعة ثانية: المؤسسة العربية بيروت 1981 م. طبعة ثالثة: دار الوحدة. بيروت 1985 م.
                  11 - "جمال الدين الأفغاني، موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة 1984 م. ودار المستقبل العربي. القاهرة 1984 م.
                  12 - "عبد الرحمن الكواكبي: شهيد الحرية ومجدد الإسلام" طبعة أولى: بيروت - دار الوحدة 1984 م، ودار المستقبل العربي. القاهرة 1984 م.
                  13 - "علي مبارك، مؤرخ المجتمع ومهندس العمران". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة 1984 م. ودار المستقبل العربي. القاهرة 1984 م.
                  14 - "رفاعة الطهطاوي. رائد التنوير في العصر الحديث". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة 1984 م. ودار المستقبل العربي. القاهرة 1984.
                  15 - "المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية". طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1972 م.
                  16 - "الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية". طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية 1977 م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية 1979 م.
                  [ضمن مجلد "الإسلام وفلسفة الحكم"]. طبعة ثالثة: القاهرة. دار الهلال 1983 م.
                  17 - "المعتزلة وأصول الحكم". طبعة أولى: بيروت المؤسسة العربية 1977 م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية 1979 م. [ضمن مجموعة "الإسلام وفلسفة الحكم"]. طبعة ثالثة: القاهرة. دار الهلال 1984 م.

                  (2/190)



                  18 - "المعتزلة والثورة". طبعة أولى: بيروت المؤسسة العربية 1977 م.

                  طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية 1979 [ضمن مجموعة "الإسلام وفلسفة الحكم"]. طبعة ثانية: بيروت المؤسسة العربية.
                  19 - "نظرة جديدة إلى التراث" طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية 1974. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية.
                  20 - "عندما أصبحت مصر عربية". طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية 1974 م.
                  21 - "الجامعة الإسلامية والفكرة القومية عند مصطفى كامل". طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية 1976 م.
                  22 - "معارك العرب ضد الغزاة". طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية 1972 م. طبعة ثانية. بيروت. المؤسسة العربية 1975 م.
                  23 - "محمد عبده. سيرته وأعماله". طبعة أولى: بيروت. دار القدس 1978 م.
                  24 - "المادية والمثالية في فلسفة ابن رشد". طبعة أولى: القاهرة. دار المعارف 1971 م.
                  25 - "العرب والتحدي". طبعة أولى: الكويت 1890 م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية 1982 م. طبعة ثالثة: القاهرة. دار الهلال 1982 م.
                  26 - "الفكر الاجتماعي لعلي بن أبي طالب". طبعة أولى: القاهرة. دار الثقافة الجديدة 1977 م.
                  27 - "العدل الاجتماعي لعمر بن الخطاب". طبعة أولى: القاهرة. دار الثقافة الجديدة 1978 م.
                  28 - "نظرية الخلافة الإسلامية". طبعة أولى: القاهرة. دار الثقافة الجديدة 1980 م.
                  29 - "الإسلام والثورة". طبعة أولى. القاهرة. دار الثقافة الجديدة 1979 م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية 1980 م.

                  (2/191)



                  30 - "الإسلام والسلطة الدينية". طبعة أولى: القاهرة. دار الثقافة الجديدة 1979 م. طبعة ثانية: بيروت. المؤسسة العربية 1980 م.

                  31 - "الإسلام والحرب الدينية". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة 1982 م.
                  32 - "ثورة الزنج". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة 1980 م [سبقتها طبعة شعبية في طرابلس - ليبيا].
                  33 - "التراث في ضوء العقل". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة 1980 م. طبعة ثانية. دار الوحدة بيروت 1984 م.
                  34 - "الإسلام وقضايا العصر". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة 1980 م. طبعة ثانية. دار الوحدة. بيروت 1984 م.
                  35 - "الإسلام والعروبة والعلمانية" طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة 1980 م. طبعة ثانية: دار الوحدة. بيروت 1984 م.
                  36 - "دراسات في الوعي بالتاريخ". طبعة أولى: بيروت. دار الوحدة 1981 م. طبعة ثانية. دار الوحدة. بيروت 1984 م.
                  37 - "الإسلام وأصول الحكم". دراسة ووثائق - طبعة أولى: بيروت. المؤسسة العربية 1972 م.
                  38 - "تيارات الفكر الإسلامي". طبعة أولى: القاهرة. دار الهلال 1982 م. طبعة ثانية: القاهرة. دار المستقبل العربي 1984 م. طبعة ثالثة دار الوحدة. بيروت 1985 م.
                  39 - "تيارات اليقظة الإسلامية والتحدي الحضاري". طبعة أولى: القاهرة. دار الهلال 1982 م.
                  40 - "الصحوة الإسلامية والتحدي الحضاري". طبعة أولى: القاهرة. دار المستقبل العربي 1985 م.
                  41 - "الفريضة الغائبة، عرض وحوار وتقييم". طبعة أولى: القاهرة. دار ثابت 1982 م. طبعة ثانية: بيروت. دار الوحدة 1983 م.

                  (2/192)



                  42 - "الفكر القائد للثورة الإيرانية". طبعة أولى: القاهرة دار ثابت 1982 م.

                  43 - "الإسلام بين العلمانية والسلطة الدينية". طبعة أولى: القاهرة. دار ثابت 1982 م.
                  44 - "ماذا يعني الاستقلال الحضاري لأمتنا العربية الإسلامية؟ ". طبعة أولى: القاهرة. دار ثابت 1983 م.
                  45 - "جمال الدين الأفغاني المفترى عليه". طبعة أولى: القاهرة. دار الشروق 1984 م.
                  46 - "الإسلام والمستقبل". طبعة أولى: القاهرة. دار الشروق 1985 م.
                  47 - "العلمانية ونهضتنا الحديثة". طبعة أولى دار الشروق 1985 م.
                  48 - "الإسلام وحقوق الإنسان". طبعة أولى الكويت سنة 1985 م.
                  49 - "الاستقلال الحضاري".
                  50 - "معالم المنهج الإسلامي". طبعة أولى. دار الشروق 1411 هـ. المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
                  51 - "الإسلام والفنون الجميلة". دار الشروق 1411 هـ.
                  52 - "الشيخ محمد الغزالي". الهيئة المصرية 1992.
                  وكتابي الدكتور عمارة "تيارات الفكر الإسلامي" و"الإسلام والمستقبل" وهما حاويان لمعظم ما يدعو إليه الدكتور في كتبه ومقالاته الأخرى.

                  - يقول سُليمان الخراشي مؤلف كتاب "محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة" (ص 69):
                  "وبعد قراءتٍ لي كثيرة في كتب ومقالات الدكتور ... أستطيع أن أحصر القضايا التي تسيطر على ذهن الدكتور والتي نريد أن نحاوره فيها

                  (2/193)



                  في الآتي:

                  1 - العقل والعقلانية.
                  2 - المعتزلة.
                  3 - تيار الأفغاني: ويشمل عددًا من الأفكار الجزئية:
                  1 - وحدة الأديان.
                  2 - الوطنية.
                  3 - القومية.
                  4 - العلمانية.
                  5 - الاشتراكية.
                  6 - التقريب بين السنة والشيعة.
                  7 - تحرير المرأة.
                  8 - الحرب الدفاعية.
                  9 - خبر الآحاد.
                  1 - العقل والعقلانية:
                  [/CENTER]
                  - يقول الدكتور محمد عمارة:
                  "إن مقام العقل -الذي هو أداة العلم في الإسلام- مقام لا تخطئه البصيرة بل ولا البصر .. فمعجزته القرآن تتوجه إلى العقل .. وهو الحاكم بين ظواهر النصوص وبين البراهين العقلية إذا ما لاح التعارض بينهما" "التراث في ضوء العقل" (ص 183).
                  "لا بد من عرض النصوص المروية على البرهان العقلي. فإذا تعارضت معه وجب تأويلها كي تتفق مع برهان العقل" "التراث في ضوء العقل" (ص 270).
                  "لقد بلغ تقديس الإسلام للحرية الإنسانية إلى الحد الذي جعل السبيل

                  (2/194)



                  إلى إدراك وجود الذات الإلهية هو العقل الإنساني فحرر سبيل الإيمان من تأثير الخوارق والمعجزات بل ومن سيطرة الرسل والأنبياء" "الإسلام وحقوق الإنسان" (ص 23).

                  - "إن البشرية قد بلغت عنده وبه (أي الإسلام) مرحلة النضج وسن الرشد ومن ثم فلقد أصبحت أمور دنياها موكولة إلى عقلها ولم تعد أمرًا سماويًّا يأتيها به نبي جديد كلما انحرفت عن الطريق المستقيم" "الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية" (ص 65).
                  - "بالعقل انتصرت العروبة وانتشر الإسلام" "العرب والتحدي" (ص 71).
                  - "حضارتنا العربية الإسلامية متميزه في عقلانيتها عن الحضارة الغربية تميزًا لا سبيل إلى إنكاره أو التشكيك فيه .. " (مقال العقلانية الإسلامية مجلة الهلال مايو 1988).
                  ونصوص أخرى كثيرة مثل هذه لا نثقل الكتاب بنقلها فقد مضى منها ما يغني ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الدكتور عمارة أو مقال من مقالاته العديدة دون الإشارة إلى دور العقل في تراثنا ودون إطراء لأصحابه من المعتزلة وأتباع المدرسة العقلية في الزمن المعاصر" (1).
                  - وقديمًا قال الملحد جميل صدقي الزهاوي:
                  قالوا اترك العقل ولا تعمل به ... حتى يؤيد حكمة المنقول
                  قلت اترك المنقول لا تعمل به ... حتى يؤيد حكمة المعقول (2)
                  __________
                  (1) "محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة" لسليمان الخراشي (ص 73 - 74) - دار الجواب.
                  (2) "الزهاوي وديوانه المفقود" لهلال ناجي (ص 84). وللزهاوي أيضًا كتاب في الرد على (ال*****ة)! حيث زعم أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- مجسّم! ويكفر المسلمين جميعهم. انظر "الزهاوي وديوانه المفقود" لهلال ناجي (56) (33).




                  (2/195)



                  - يقول الدكتور:

                  "إننا نجد القرآن الكريم معجزة عقلية تتوجه إلى العقل وتحتكم إليه وتجعله مناط التكليف بل ومعيار إنسانية الإنسان ثم تقيمه حاكمًا على كل النصوص والمأثورات! وفي السنة النبوية نجد الانحياز إلى العقل حتى لقد جعلت الشك النهجي هو محض الإيمان؛ لأنه هو الطريق إلى اليقين الذي لا يتأتى الإيمان بدونه؟! " "الإسلام والمستقبل" (ص 21). إذن العقل حاكم على (كل) النصوص والمأثورات! لأن القرآن عقلي والسنة انحازت للعقل.
                  - ويقول في موضع آخر عن المعتزلة وهم (فرسان العقلانية) في نظره.
                  مؤيدًا لهم أنهم: "قالوا إن الأدلة أولها دلالة العقل؛ لأن به يميز بين الحسن والقبيح؛ ولأن به يعرف أن الكتاب حجة وكذلك السنة والاجماع" "الطريق" (ص 100). فالعقل أولاً ثم النص. لماذا؟ لأن العقل يميز بين الحسن والقبيح ولأن به يعرف الكتاب والسنة.
                  - ويقول أيضًا: "إن مقام العقل -الذي هو أداة العلم- في الإسلام مقام لا تخطئه البصيرة بل ولا البصر فمعجزته القرآن تتوجه إلى العقل وهو الحاكم بين ظواهر النصوص وبين البراهين العقلية إذا ما لاح التعارض بينهما" "التراث" (ص 183). فإذا ما عارض النص العقل .. قدم العقل.
                  - ويقول أيضًا: "أما عن العلاقة بين العقل وبراهينه ومعطياته وبين ظواهر النصوص فإننا نجد الأفغاني يحتكم إلى معطيات العقل والبرهان ويقطع بوجوب الاحتكام للعلم في كل ما يعرض من شبهات خلافية لأن القرآن قد أتى بالكليات والعموميات فيما يتعلق بهذا الحقل وتفسير هذه الكليات والإشارات إنما يكون على ضوء أحكام العقل ومعجزات العلوم والتأويل فظواهر النصوص هي السبيل إلى هذا التوفيق المنشود فإذا لم نر في القرآن ما يوافق صريح العلم اكتفينا بما جاء فيه من الإشارة ورجعنا إلى

                  (2/196)



                  التأويل إذ لا يمكن أن تأتي العلوم والمخترعات بالقرآن صريحة واضحة وهي في زمن التنزيل مجهولة من الخلق كامنة في الخفاء لم تخرج لحيز الوجود كما أن القرآن يجب أن يجل عن مخالفته العلم الحقيقي خصوصًا في الكليات" "مسلمون ثوار" (412). إذن عندما يوهم نص ما تعارضه مع اكتشاف علمي أو نظرية جديدة يجب أن يؤول ذلك النص بما يوافق ذلك الاكتشاف أو تلك النظرية؛ لأن القرآن جاء بالعموميات فقط.


                  - ويقول: "الإسلام لا يمد نطاق علوم الوحي والشرع إلى كل الميادين الدنيوية التي ترك الفصل فيها والتفسير لعلوم العقل والتجربة الإنسانية "الدولة الإسلامية" (ص 172) فالنصوص الإسلامية الشرعية لا مدخل لها في بعض الميادين المدنيوية .. ما هي هذه الميادين؟ .. لم يحدد الدكتور!.
                  - ويقول أيضًا: "إن الإسلام الدين لم يعترف لبشر بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسلطة دينية فلقد انقضى زمن الوحي وبلغت الإنسانية سن الرشد وأوكلها الله إلى وكيليه عندها الكتاب -وهو القرآن الكريم- والعقل - الذي جعله الله من أجل القوى الإنسانية. بل أجلها على الإطلاق" "الدولة الإسلامية" (ص 177) فمرجعنا إذن القرآن والعقل! (1).

                  * وهذه مواضع يقدم فيها محمد عمارة موقفه من قضية العقل:
                  الأول: أنه يقدم العقل على كل نص يدل على معجزة خارقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من البشر ويكتفي بالمعجزة العقلية الوحيدة للرسول" - صلى الله عليه وسلم - وهي القرآن الكريم. انظر مقال (ماذا تعني بشرية الرسول) (الهلال. ديسمبر 1984) كاملاً.
                  __________
                  (1) "محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة" (ص 137 - 138).




                  (2/197)



                  الثاني: إنكاره مجيء جبريل في صورة دحية الكلبي - رضي الله عنه -. يقول: "هل حقًّا أن بعض الصحابة قد رأى الملك جبريل وهو في صورة دحية الكلجي أثناء لقائه بالرسول - صلى الله عليه وسلم - إن في رواية البخاري عن أبي عثمان ما يدل على أن أم سلمة زوج النبي قد رأته وأنها قد حسبته دحية الكلبي حتى أنبأها النبي أنه جبريل وفي مسند أحمد بن حنبل ما يدل على أن عبد الله بن عباس قد رآه والرسول يناجيه .. لكننا لو عرضنا ذلك على معنى الوحي الذي هو إعلام في خفاء عمن عدا النبي وعلى معنى الناموس الذي سمى به جبريل لاستتاره عن غير النبي ملنا عن التسليم بأن أحدًا غير الرسول قد رأى الوحي والناموس ويدفع عنا الحرج في هذا الميل أن هذين الحديثين ككل أحاديث الوحي هي أحاديث آحاد". (مقال: الوحي الإلهي - الهلال ديسمبر 1985).

                  الثالث: رده حديث افتراق الأمم المشهور عقلاً ولأنه حديث آحاد كما مر معنا في كتاب "تيارات الفكر الإسلامي".
                  الرابع: إنكاره الهدي. قال: "لقد كانت المهدية إبداعًا يستلهم الأسطورية التراثية التي جعلت من المهدي ذلك البطل الأسطوري الذي تُعده السماء لينتشل المجتمع من أزمته ويخلصه من مأزقه فيملأ الأرض عدلاً بعد أن امتلأت بالجور والفساد! " "الطريق" (183). وقد صرح بذلك في كتابه "عمر بن عبد العزيز" (ص 150).
                  الخامس: إنكاره لحديث سحر اليهود للنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ورد في "الصحيح" بدعوى أنه ظني متابعًا في ذلك الغزالي (1) أثناء ندوة عقدتها
                  __________
                  (1) قال عمارة عن مدرسة الأفغاني: "هي بحق مدرسة الجامعة الإسلامية كان روادها الشيخ الغزالي ومن قبله الإمام محمد عبده والكواكبي والمراغي .. ".
                  قلت: وهذا يؤكد ما ألمح إليه الشيخ الفاضل سلمان العودة في كتابه "حوار هادئ" من أن =

                  (2/198)



                  جريدة المسلمون - العدد (276).

                  هذا ما عثرت عليه من أقواله التي عارض فيها العقل بالنقل تفصيلاً.

                  * ثناؤه على المعتزلة (1):
                  لم يصل الدكتور عمارة في تعظيمه للعقل كما رأيت إلا بعد أن تشرب بمبادئ المعتزلة وأُعجب بعقولهم. ويمكن أن يُعكس هذا فيقال إنه محبة عمارة للعقل وإيمانه بقدرته على قيادة الإنسان للهدى ساقه إلى تعظيم المعتزلة وإطرائهم وصرف أبصار قرائه إليهم لأنه وجد فيهم بغيته. وهكذا يقال في تيار الأفغاني كما سيأتي:
                  1 - يقول الدكتور في كتاب "نظرة جديدة إلى التراث" (ص 91): "كان التوحيد بمعناه النقي المبرأ من الشبهات هو الذي دعا المعتزلة لنفي القدم عن القرآن لأنهم ينفون الصفات عن الذات العلية حتى لا يكون هناك إقرار بقدم بهذه الصفات فيكون مع القديم قديم آخر".
                  2 - يخصص الدكتور عمارة كتابًا كاملاً. هو "المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية" لنصرة قولهم بالقدر.
                  3 - يكتب الدكتور فصلاً كاملاً بعنوان (المنزلة بين المنزلتين) في آخر كتاب "الإسلام والمستقبل" (ص 256) لنصر قولهم بهذه البدعة، ويقول في آخره بلهجة داعية: "هل تستحق فكرة المنزلة بين المنزلتين هنا ما لم تظفر به فيما تقدم من التاريخ؟ ".
                  4 - أما رجال المعتزلة (والقدرية قبلهم) فإن الدكتور يثني عليهم ثناءً حارًا وعلى مواقفهم ويعتبرهم من أفذاذ رجال الإسلام، وأصحاب الفكر
                  __________
                  = الغزالي يتبع في أقواله رواد هذ المدرسة.
                  (1) انظر إلى "المعتزلة وأصولهم الخمسة" لعواد المعتق.

                  (2/199)



                  المستنير في تراثنا.

                  - يقول عن غيلان الدمشي: "كانت حياة غيلان نموذجًا فريدًا يجسد الموقف الثوري من سلبيات مجتمعه كذلك كان مماته نموذجًا فريدًا يجسد سلبيات هذا المجتمع ويدين هذه السلبيات" "مسلمون ثوار" (ص 149).
                  - ويقول عن عمرو بن عبيد أحد رءوس المعتزلة أنه: "علامة بارزة على طريق تطور العقل العربي المسلم وعلم من الأعلام الذين صنعوا النشأة الأولى للتيار العقلاني في تراثنا .. " "مسلمون ثوار" (ص 161).
                  - ويقول عن الماوردي: "واحد من مفكري العرب وعلماء الإسلام الذين يمثلون علامة من العلامات البارزة والمتميزة على درب تطورنا الحضاري وتبلور تراثنا .. " "التراث في ضوء العقل" (ص 56).
                  - ويقول عن ابن جني: "الرائد العملاق" (نظرة جديدة 68).
                  - ويقول عن الجاحظ: "من أبرز العلماء والمتكلمين والأدباء ومفكري السياسة والاجتماع في عصره" "التراث" (ص 262).
                  وغير هؤلاء من رجال المعتزلة. لهذا يعد موقف أهل السنة من المعتزلة موقفًا ضد الدكتور عمارة في نفس الوقت؛ لأنه يُعَدُّ رجلاً من رجالهم في العصر الحاضر. برغم أنه لم يكتف بذلك بل أضاف إليه كثيرًا من البدع المعاصرة الأخرى. فازداد بدعة على أخرى!.

                  * يقول الدكتور محمد عمارة في كتابه" تيارات الفكر الإِسلامي":
                  - لقد أصبح الواقع الفكري للحياة العربية الإسلامية يتطلب فرسانًا غير النصوصيين ويستدعي أسلحة غير النقول والمأثورات للدفاع عن الدين الإسلامي وعن حضارة العرب والمسلمين. وغدت الأمة العربية المسلمة تتطلع إلى نمطها الفلسفي المتميز الذي تدافع به عن بنائها الحضاري الخاص .. فلا بد

                  (2/200)



                  من الاستجابة الإيجابية تجاه ما فرض عليها من تحديات" (ص 67)، وكان المعتزلة "هم التجسيد للأسلحة الجديدة التي تسلحت بها الأمة دفاعًا عن حضارتها الوليدة ودينها الجديد أمام خصومها من أهل الملل والنحل والمذاهب والفلسفات الأخرى" (ص 67).

                  - "يسلم الكثيرون بأن المعتزلة هم فرسان العقلانية في حضارتنا".
                  وأن هذه القسمة "قد تدعمت ونمت بترجمة فلسفة اليونان، ولكنها لم تبدأ بهذه الترجمة فالمعتزلة ومن قبلهم أسلافهم أهل العدل والتوحيد قد مثلوا في تطورنا الفكري بمراحله المبكرة عقل هذه الأمة الذي تأمل وتدبر كي يجيب على الأسئلة التي طرحتها الحياة على المجتمع والناس. فمنذ نشأتهم الأولى امتازوا وتميزوا بالنظر الفلسفي في أمور الدين. فهم إذن يمثلون تيارًا عقليًّا في الفكر العربي الإسلامي حتى قبل حركة الترجمة عن اليونان وغيرهم من القدماء" (ص 69).
                  - "رفضوا طريق التقليد لأن التقليد كما يكون في الحق يكون في الباطل وكما يكون في الصحيح يكون في الفاسد، وكما يكون فيما ثبت بالدليل يكون فيما لا دليل عليه .. وهذا معلم هام من المعالم المميزة بينهم وبين أهل السنة وأصحاب الحديث" (ص 72).
                  - "المعتزلة لم يكونوا فقط كما يظن الكثيرون. علماء في الدين وفلاسفة في الإلهيات وإنما كانوا فرسانًا في القتال وثوارًا في السياسة ومتبتلين في العبادة وزهادًا في عرض الدنيا ورجال دولة وأدباء وشعراء ورواة ونقاد" "لقد كانوا أكثر من فرقة دينية كانوا علماء بالمعنى الحضاري بل وصناعًا للحضارة التي نفخر بها اليوم أليس عصرها الذهبي الذي نعتز به ونستدفئ بذكرياته وإنجازاته هو عصر الخلفاء الذين تمذهبوا بمذهب المعتزلة: المأمون والمعتصم والواثق" (ص 72 - 73).

                  (2/201)



                  - إن "المرجئة والجبرية الأموية كانوا أهل حشو يقفون عند ظواهر النصوص ومن ثم فلا جلد لهم ولا قدرة على جدل خصوم الإسلام بمنطق العقل وحكمة الفلسفة. أما المعتزلة فقد كانوا هم الفرقة الإسلامية التي تصدت للدفاع عن الإسلام ضد خصومه بل واتخذت موقع الهجوم على هؤلاء الخصوم" (ص 73).

                  - ثم عقد الدكتور عمارة مبحثًا بعنوان "القوى الإيجابية التي مثلوها" (75 - 79) وخرج منه بأن "خريطة المواطن التي انتشر فيها فكر المعتزلة وسادتها نزعتهم العقلانية القومية كانت هي خريطة التجارة وطرقها ومواطن التجار ومحطاتهم" (ص 79).
                  - ثم ذكر نماذج من مشاركاتهم السياسية وثوراتهم على حكام الجور وبين أن تلك الثورات تجسيد "لرفض القوى الاجتماعية المتقدمة لما أحدثه الأمويون من تغييرات في طبيعة السلطة العليا للدولة -الخلافة- تلك التغيرات التي بدلت فلسفة الحكم فبدلاً من الشورى والبيعة والاختيار أصبحت وراثة وملكًا عضودًا" (ص 79 - 80). ومنها: ثورة ابن الأشعث، ثورة الحارث بن سريج، ثورة زيد بن علي، ثورة يزيد بن الوليد، ثورة النفس الزكية، ثورة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، ثورات الزيدية.
                  - ثم تعرض لأبرز تياراتهم وهما اثنان:
                  1 - تيار المعتزلة البغداديين وهي مدرسة العلويين ومؤسسها (بشر بن المعتمر).
                  2 - تيار المعتزلة البصريين: وهو التيار "الذي توثقت صلاته بالدولة العباسية فأثر فيها وأضفى على مواقفها من فكره وأسهم في صنع الإنجازات الحضارية التي سطرت صفحة العصر الذهبي لحضارتنا وتراثنا في ذلك التاريخ" (83) ومن أبرز رجالها: ابن أبي دؤاد وثمامة بن أشرس.
                  - ثم يذكر الدكتور أنه "بموت الخليفة العباسي الواثق انتهى العصر

                  (2/202)



                  الذهبي للمعتزلة بل العصر الذهبي للدولة العباسية، وبدأت النذر بمرحلة التراجع. ففي عهد المتوكل العباسي حدث الانقلاب ضد المعتزلة ونزعتهم العقلانية فاقتلعوا من مناصبهم في الدولة وأبعدوا عن مراكز التأثير الفكري وزج بالكثير من أعلامهم في السجون وأبيدت آثارهم الفكرية إلا ما ندر منها. فتقلص سلطان العقل العربي الإسلامي على الحياة الفكرية والعامة وعزلت معاييره" (84) "فنفر من أهل الحديث الذين يقدمون الإسناد والنقل على الدراية والعقل. خرجوا من السجون فتولوا أزمة الدولة قضاءً وتدريبًا وإدارة ووضع المعتزلة بدلاً منهم في السجون" (84) واستمر اضطهاد المعتزلة وازداد في عهد القادر الذي وضع "الاعتقاد القادري" ووقع عليه "علماء السنة وأهل الحديث" (85)، "ولقد أدخل هذا الكتاب في الإسلام كهنوتًا اعتقاديًّا مستعارًا من قرارات المجامع الكنسية غريبًا عن روح الإسلام وطبيعته".

                  - وتحت عنوان "صحوة ثانية" يذكر الدكتور عمارة أن الدولة البويهية الشيعية أفسحت للمعتزلة مجال الحرية لاتفاقهم معها في الأصول. ومن أبرز آعلام هذه الصحوة القاضي عبد الجبار. فاستمرت "أصولهم الفكرية قائمة ومؤثرة في الواقع العربي الإسلامي من خلال وجود الزيدية التي لا تختلف وإياهم إلا في بعض المسائل الفرعية المتعلقة بمسألة الإمامة. كما بقيت بعض أصول المعتزلة تعيش في الواقع العربي الإسلامي حتى الآن من خلال تبني الشيعة الإمامية لها أو اقترابها من رأي المعتزلة فيها" (ص 87)، "لقد انقضت المعتزلة كفرقة، ولكنها استمرت نزعة عقلية وفكرًا قوميًّا وأصولاً فكرية من خلال فرق أخرى تأثرت بها ومن خلال البصمات التي طبعتها على المجرى العام الخالد والمتدفق والمتطور لفكر العرب والمسلمين" (ص 87).

                  * ثناؤه على تيار الأفغاني:
                  - يقول سليمان بن صالح الخراشي:
                  "قد اخترت تسميته بهذا الاسم دون أن أسميه كغيري (المدرسة العقلية)

                  (2/203)



                  أو (المدرسة الإصلاحية) أو (مدرسة التجديد الديني) .. لأني أظن أن ظهور هذا التيار بين الرجال الذين آمنوا به إنما كان لمجهود هذا الأفغاني الذي بشر بدعوته بينهم فاعتنقوها. ومن بين هؤلاء الرجال الذين اعتنقوا فكر هذا التيار بعنف ولكنه لم يحظ بمشاهدة رجاله الأوائل أي أنه من تابعيه لا من صحابته الدكتور عمارة الذي ولع قلبه بحب هذا التيار ورجاله وأصبح يلهج بذكرهم في كل محفل وفي كل فرصة تسنح له ومن تتبع كتبه ومقالاته علم أنه لا يحيد قيد شعرة عما قرره في شتّى المسائل: القومية، الوطنية، الاشتراكية، العقلانية .. إلخ. فهو معهم كمن قال في محبوبته السوداء:

                  أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب!
                  فتيارهم عنده هو "التيار السلفي العقلاني المستنير" وهو "الذي كان أبرز تيارات التجديد في حركة اليقظة العربية في العصر الحديث" "العرب والتحدي" (291) " (1).
                  - وفي كتابه "تيارات الفكر الإسلامي" تحت عنوان "الجامعة الإسلامية السلفية .. العقلانية المستنيرة" (ص 285 - 340) قال:
                  "هذا التيار هو الذي بدأه فيلسوف الإسلام وموقظ الشرق جمال الدين الأفغاني وتجسّد فكرة وخاصة ما تعلق بتحرير العقل والإصلاح الديني في الآثار الفكرية والجهود العملية للإمام محمد عبده، وكان جناحه في المشرق العربي المفكر عبد الرحمن الكواكبي وفي المغرب العربي عبد الرحمن ابن باديس ومن حول هؤلاء جميعًا عرفت الأمة أقوى تيارات التجديد واليقظة في عصرها الحديث وأكثرها أصالة ومستقبلية أيضًا! " (ص 285).
                  - بهذه العبارة بدأ الدكتور عمارة حديثه عن هذا التيار ثم أزال شبهة قد تعلق بذهن بعض الناس وهي تساؤله "كيف يكون هذا التيار الفكري سلفيًّا
                  __________
                  (1) "محمد عمارة" (ص 317).

                  (2/204)



                  ومستنيرًا في ذات الوقت؟ والاستنارة تعني ضمن ما تعني المستقبلية وهو ما يبدو نقيضًا للسلفية بل وإياها على طرفي نقيض" (ص 285) ولإزالة هذه الشبهة أخذ الدكتور عمارة يقارن بين سلفية جمال الدين الأفغاني وسلفية محمد بن عبد الوهاب أو الوها بية كالآتي:

                  "كانت السلفية عند الوها بية كما كانت عند تراثها في فكر أحمد بن حنبل وابن تيمية الوقوف عند ظواهر النصوص الدينية، وجعل المعاني المستفادة من هذه الظواهر المرجع في كل من أمور الدين وأمور الدنيا .. فهي قد وقفت عند مفهوم الإسلام كدين كما كان حال هذا المفهوم في عصر البداوة والبساطة للأمة العربية، وقبل التطورات العلمية والإضافات العقلية التي استدعتها صراعات الأمة الفكرية مع الملل والنحل غير الإسلامية بعد عصر الفتوحات ومن ثم فإن السلفية بهذا المعنى تسقط من تراثها العلوم العقلية والتصوف الفلسفي وتعتبر كل ذلك (بدعًا) طرأت على الإسلام كما فهمه السلف الصالح.
                  أما السلفية لدى التيار الذي تزعمه الأفغاني ومحمد عبده فإنها ليست كذلك تمامًا؛ لأنها تأخذ عقائد الدين وأصوله على النحو النقي المبرأ من الخرافات والإضافات وهي هنا سلفية تتفق مع الوها بية وخاصة في إزالة شبهات الشرك والوثنية والتوسل والوسائط عن عقيدة التوحيد لكنها لا تقتصر في فهمها للإسلام كحضارة وتراث على فهم السلف الصالح له لأن الإسلام كحضارة وعلومه العقلية والفلسفية ومذهبه في التصوف الفلسفي كل ذلك قد حدث بعد عصر السلف، وقد حدث لأن ضرورات موضوعية اقتضته ومن ثم فإن هذا التيار لا يسقط هذا التراث من تراث الإسلام ولا يعتبره بدعًا سيئة لأنه يحدد إطار البدع السيئة بما يجعلها خاصة بأصول الدين وعقائده الجوهرية. ففيها لا ابتداع ولا تطوير مهما اختلف الزمان والمكان. أما في الإسلام كحضارة وعلوم فإن التطور دائم والإضافات مستمرة ومن ثم فإن

                  (2/205)



                  الابتداع هنا حسن وليس بالسيء كما هو الحال في أصول الدين" (ص 286).

                  - "سلفية الوها بية التي وقفت عند المأثورات وحدها، وعند فهم السلف وحدهم لهذه المأثورات قد جعلت من المأثورات الكل الذي لا شيء وراءه، ونقطة البدء والمنتهى سواء في عقائد الدين أو في أمور الدنيا، وقد يكون لها العذر؛ لأن بداية مجتمعها لم تكن تطرح من القضايا والمعضلات ما يتجاوز إطار المأثورات .. أما التيار السلفي العقلاني المستنير فلم يكن ذلك حاله ولا موقفه؛ لأنه قد نبت في أكثر البيئات العربية الإسلامية تطورًا، وأشد مجتمعات الأمة تعقدًا، وهو قد استشرف بناء مجتمع عربي مسلم أكثر تطورًا وتحضرًا، ومن ثم أشد في درجات التعقيد" (ص 287).
                  - "والتقليد الذي يفضي إلى الجهود .. لقد عابته سلفية الوها بية ، ولكن غضها من قيمة العقل قد أوقعها في خطر التقليد وحبسها في إطاره على حين وجدنا إعلاء تيار الأفغاني وتلاميذه لشأن العقل قد جعلهم حربًا معلنة وضارية ضد التقليد والمقلدين" (ص 288).
                  - "وسلفية الوها بية وقريب منها أو مثلها - سلفية الشيخ رضا لاعتمادها على النقل دون العقل أو أكثر من العقل ولتعميمها ذلك في شئون الدنيا أيضًا جعلت من التجديد دعوة للعودة إلى مجتمع السلف ونظمه وتشريعاته فضلاً عن فكره فهي عودة إلى السلف وإن تفاوتت صراحتها في هذه الدعوة بين دعاتها في البادية حيث كانت هذه العودة ليست بالأمر المستحيل وبين دعاتها في الحضر كما عند رشيد رضا حيث جعلها الغاية التي تؤدي إليها وسائل مغلقة بالغموض والتعميم! أما سلفية التيار العقلاني المستنير فهي لا تدعو للعودة إلى مجتمع السلف؛ لأنها تدرك استحالة ذلك فضلاً عن خطره وضرره، وإنما هي تدعو إلى استلهام ما هو جوهري ونقي -أي الدين الخالص- في تراثنا ليكون نقطة البدء والطاقة المحركة والنبع المقدس لدفع عجلة التطور إلى الأمام، ولبناء مجتمع جديد جدة الواقع والظروف

                  (2/206)



                  والاحتياجات والملابسات فالسلفية هنا أساس بني عليها البناء الجديد" ص (288).

                  - "على حين كانت السلفية الوها بية تضع التصوف والصوفية في عداد الشرك والمشركين هكذا بإطلاق رأينا الأفغاني ومحمد عبده يتحدثان عن ابن عربي بإجلال كبير فيلقبانه بالشيخ الأكبر ووجدنا الأفغاني يحتل مكان الفيلسوف المتصوف الذي امتزجت فيه حكمة الفيلسوف برياضات الصوفي فهو صوفي خلع الملابس المرقعة وعدل عن حمل المسبحة الطويلة وانخرط في حركة التجديد بالإصلاح وجعل من العقل -كما أراد الله سبحانه- أفضل القوى الإنسانية ومعيار إنسانية الإنسان فكان فيلسوفًا يسلك إلى التجديد والإصلاح والثورة للفرد والأمة مجاهدات ورياضات هي أشبه ما تكون بمراقي الصوفية الحكماء على الطريق" (ص 306) فهو تيار "يتفق مع سلفية الوها بية في رفض البدع والوسائط التي شابهت عقيدة التوحيد عند الطرق الصوفية، ولكنه يختلف معها في تقييمه للتصوف كنمط تربية وسلوك وكحكمة فلسفية" (ص 306).
                  - تيار يرى في السلطة الدينية "عقيدة من عقائد الكاثوليكية الأوربية جعلتها كنيستها أصلاً من أصول المسيحية وأتاحت بذلك للملوك أن يجمعوا السلطتين "المدنية السياسية، والدينية" في نظام واحد وشخص واحد" (ص 310).
                  "وهو يرد على الذين يزعمون أن الإسلام يشبه المسيحية في هذا، ويقول: أن زعمهم هذا ضلال منهم" (ص 310).
                  - على الرغم من أن أعلام هذا التيار التجديدي قد فكروا وعملوا تحت رايات دعوة "الجامعة الإسلامية" وحركتها إلا أنهم قد كانوا من أبرز طلائع الفكر القومي والفكرة العربية في ذلك التاريخ (ص 311)؛ لأن العروبة "ليست عرقًا ولا نسبًا وإنما هي لغة وآداب وتكوين نفسي وحضارة وولاء

                  (2/207)



                  وذلك كله أمر مكتسب وليس وقفًا على التوارث المحكوم بنقاء الدم الجاري من الأصول إلى الفروع. وهذا الأمر المكتسب هو الذي نعبر عنه بالتعرب والتعريب والاستعراب، وهو ما حدث لأبناء الشعوب التي قطنت في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بعد عصر الفتوحات سواء منهم من دان بالإسلام أو بقي على دينه القديم" (ص 314)، "فالرباط القومي ليس هو العرق والجامعة القومية ليست هي الدين وإنما هي العروبة بالمعنى الحضاري" (ص 314).


                  - "ومن الأمور التي تؤكد وعي هذا التيار التجديدي بالطابع القومي والمعنى القومي عند استخدام أعلامه لمصطلح العرب أنهم قد تحدثوا عن الأمة العربية باعتبارها قومًا يتدين أهله بأكثر من دين ويتمذهب بأكثر من مذهب" (ص 323)، وهم في كل هذه الجهود القومية العربية يواجهون تحدي الدولة العثمانية والأتراك الذين "رفضوا أن يتعربوا وآثروا التمسك باللغة التركية وهي لغة لا حضارة لها إذا ما كانت المقارنة بينها وبين كنوز العرب وتراث لغتهم" (ص 316).
                  - وهو تيار "مع الديمقراطية ضد الاستبداد" (ص 327) فتحدى "الاستبداد بالسلطة والتفرد بأمر الأمة" (ص 330) و"دعا الأمة إلى استلهام تراثها في الحرية والشورى والاسترشاد بتجربة أوربا في الديمقراطية تصديًا لتحدي الاستبداد وأخذًا بأسباب الانعتاق من قفص الاستعباد العثماني والاستعمار الأوربي على السواء! " (ص 330).
                  - وهو تيار ضد الاستعمار، ولكن "عداء هذا التيار التجديدي للاستعمار لم تشبه شائبة أي تعصب ديني ضد مسيحية الغرب التي يتدين بها المستعمرون" (ص 335)، بل "واجه هذا التيار التجديدي تحدي الاستعمار الأوربي الذي زحف على أقطار العروبة وبلاد الإسلام" (ص 335).
                  - انطلق هذا التيار لتجديد حضارتنا من عدة منطلقات:
                  1 - أن حضارتنا تتميز "بالموقف المتوازن والموازن بين المتناقضات" مما

                  (2/208)



                  يعطيها "ميزة ويعصمها من مخاطر وأخطار يشكو منها الآخرون" (ص 336).

                  2 - وأمتنا "ليس من السهل تجريدها من ثوبها الحضاري والقذف بها تحت عباءة الآخرين .. ! بل قد يستحيل ذلك حتى لو أراد نفر من بنيها مخلصين كانوا أم مخادعين! " (ص 336).
                  3 - "أن الدعوة إلى حضارة عربية إسلامية متميزة لا يعني تقديس الماضي ولا العودة إليه كي نعيش في نظمه وقوالبه بل ولا الأخذ بجميع أصوله .. وإنما الذي تعنيه هذه الدعوة هي الأخذ ببعض الأصول الثابتة التي تمثل القسمات المميزة للشخصية العربية الإسلامية، وهذه الأصول التي تحمل صلاحيات معاصرة وتمثل قوة دفع وطاقة تحريك للأمة نحو التقدم" (ص 336).
                  4 - "كما خالف هذا التيار السلفية غير العقلانية وغير المستنيرة تلك التي وقفت عند ظواهر النصوص سواء أكانت نصوص العصر الأول أو العصور المملوكية العثمانية اختلف كذلك وخالف التيار الذي انبهر بحضارة الغرب فدعا إلى أن نبدأ من حيث انتهى الغرب" (ص 338).
                  - مما سبق عرضه من كتاب "تيارات الفكر الإسلامي" يتبيّن انحياز الدكتور عمارة الواضح لمنهج هؤلاء العقلانيين لا سيما وهو القائم على إصدار أعمالهم كاملةٌ بعد جمعها من مظانها وهو مجهود لا يفعله إلا محب ولهان.
                  في حبكم يهون ما قد ألقى ... ما يسعد بالنعيم من لا يشقى

                  - يقول الشيخ سليمان الخراشي صاحب كتاب "محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة":
                  "يدعو الدكتور الأمة الإسلامية ويستحثها على السير في ركاب هذا التيار قائلاً -وما بين الأقواس إضافة مني-:

                  (2/209)



                  "الموقف المتميز لمدرسة التجديد الديني هذه يستطيع إذا نحن التزمناه واعين ومطورين له أن يقود هذه الأمة إلى: نهضة تصل غدها الذي نريده مشرقًا بماضيها المشرق! وعقلانية معاصرة تكون الامتداد المتطور للعقلانية التي صنعها أسلافنا (يعني بهم المعتزلة! ) والتي أضاءت أرجاء الأرض منذ قرون ولعدة قرون! وعدلاً اجتماعيًا (يعني الاشتراكية! ) يكون الصورة العصرية الملائمة لحلم الإنسان العربي المسلم بالعدل على امتداد تاريخه الطويل! ووحدة وطنية وقومية راسخة مؤسسة على قواعد تراثنا الديني والحضاري .. وليس على أنقاض هذا التراث. نعم .. إلى هذه النهضة وإلى هذه الغايات السامية تدعونا وتقودنا مدرسة التجديد الديني فهل نجيب ونستجيب؟ أم نظل ممزقين بين التغريب وفقر الفكر (من يعني؟ ستعلم بعد حين! ) وانحطاط التصورات لدى أنصار عصر المماليك والعثمانيين" "التراث" (ص 195).

                  ويقول: "أنا قد حققت من تراثنا القديم نصوصًا في الفكر العقلاني للمعتزلة وابن رشد مثلاً - ومن تراثنا الحديث الأعمال الفكرية لأبرز الأعلام الذين صنعوا عصر اليقظة والتنوير والإحياء لأمتنا العربية في عصرها الحديث وهذا الاختيار ينطبق عليه ما قاله أسلافنا القدماء من أن اختيار المرء قطعة من عقله .. فأنا أريد أن أقول بهذا الاختيار أن حاضرنا ومستقبلنا حضاريًّا يجب أن يكون الامتداد المتطور العصري للصفحات التي مثلت إبداع أمتنا وعطائها الخلاق فيعصر ازدهارها الحضاري .. وإن قسمة العقلانية والعروبة هي من أهم القسمات التي يجب أن نحرص على تميز فكرنا بها وانطباع حضارتنا بطابعها" "التراث" (ص 282).
                  - لقد أُعجب الدكتور عمارة بهذا التيار والأفغاني ومحمد عبده خاصة، ووقف عمره على خدمة تراثهم منذ سنوات الدراسة الجامعية، وكتبه كلها

                  (2/210)



                  ترديد لأفكاره بعد إلباسها الثوب الناسب لهذه المرحلة.


                  لقد أندفع د. عمارة بكل قواه العقلية لنصر هذا المذهب رغبة في أن يعم أرجاء مصر بل أرجاء البلاد العربية، والأفكار الرئيسية لهذا التيار تكررت في كتب الدكتور وهي:

                  1 - وحدة الأديان. 2 - الوطنية. 3 - القومية 4 - العلمانية. 5 - الاشتراكية. 6 - التقريب بين السنة والشيعة. 7 - تحرير المرأة. 8 - خبر الآحاد. 9 - تقديم العقل على النص وقد سبق الحديث عنها.


                  1 - وحدد الأديان: أظن أخي القارئ أنك ستصاب بصدمة كبرى عند قراءتك لكتاب "الإسلام والوحدة القومية" للدكتور عمارة والذي ردد فيه أخطر آرائه. فهو يدعو فيه إلى وحدة الأديان وأن اليهود والنصارى ناجون يوم القيامة، وإن لم يؤمنوا بالإسلام أو برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنك لم تتصور أن تبلغ الجرأة بهذا. الدكتور أو المفكر الإسلامي أن يقول بمثل هذا القول المناقض لآيات القرآن ولأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - المصرّحة بكفرهم بل والمناقضة لإجماع الأمة كلها عالمها وجاهلها (1) فما الذي جر الدكتور إلى هذه الزلة العظيمة والبدعة الشنيعة؟ ستعلم عن قريب أن الذي قاده إلى ذلك هو دعوته إلى الوطنية وإلى القومية، وهاتان الفكرتان اضطرتاه أن يقول بوحدة الأديان ليساوي بين أبناء وطنه أو قومه لا يفخر أحد على أحد! فإنما أكرمهم عند الله ليس أتقاهم بل أكثرهم وطنية وقومية! وهذه الدعوة إلى وحدة الأديان لم يبتدعها الدكتور عمارة من تلقاء نفسه بل هي دعوة قديمة شاذة استخدمها الدكتور لخدمة وطنيته وقوميته.
                  __________
                  (1) انظر في هذا كتاب الدكتور يوسف القرضاوي "موقف الإسلام العَقَدي من كفر اليهود والنصارى" طبع مؤسسة الرسالة.
                  التعديل الأخير تم بواسطة نور الهداية; 5 مار, 2011, 05:02 م.

                  ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                  تعليق


                  • (2/211)
                    * استدلالات الدكتور عمارة:
                    يستدل الدكتور بعدة أدلة:
                    1 - قوله: "دين الله واحد .. وهو الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ} لكن الإسلام الذي هو دين الله الواحد ليس هو فقط كما يظن البعض شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ليسوا فقط أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - ذلك أن فارقًا واضحًا وهامًا بين عقائد الدين وأصوله وهي واحدة -وبين شرائعه ومناهجه- وهي بتعدد الرسالات والمجتمعات التي بشر فيها الرسل عليهم السلام" "الإسلام والوحدة" (ص 60). ثم يستشهد بوصف الله تعالى للأنبياء إبراهيم وذريته بأنهم مسلمون .. وهم قبل الإسلام .. !.


                    2 - قوله: "لم تكن دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى دين جديد، بل كانت إلى ذات الدين الواحد، وإن كان قد جاء بشريعة جديدة، أي نهج جديد .. والقرآن الكريم يحدثنا عن ذلك عندما يعلمنا قول الله سبحانه: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 136، 137] فمن يؤمن، كأتباع محمد، بكل ما نزل الله، قرآنًا فما سبقه، وبكل الرسل، منذ بدأت الرسالة وحتى ختامها بمحمد، عليه الصلاة والسلام، فهو "المهتدي"، ومن يترك الإيمان بشيء مما سوى "التوحيد" و"الطاعة". فهو في "شقاق" وهو "كافر" أي جاحد بهذا الذي لم يؤمن به. ولكنه غير مشرك؛ لأنه متدين. وموحد. بل ومسلم .. ولذلك طلب القرآن إلى الرسول أن يدع أمر هؤلاء إلى الله {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} بينما طلب إليه قتال المشركين كافة كما .. قاتلوا المؤمنين
                    (2/212)
                    كافة! " "الإسلام والوحدة" (ص 625).
                    3 - قوله: "إن توهم إمكان توحد أهل الأديان السماوية أو بالأحرى أهل الشرائع السماوية على شريعة واحدة وملة واحدة وتحولهم من أمم مؤمنة ومتعددة إلى أمة مؤمنة واحدة إن توهم إمكانية ذلك ومن ثم السعي إلى تحقيقه خصوصًا إذا كان هذا السعي بغير المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة هو معاندة لإرادة الله سبحانه، وسعي ضد سنته التي لا سبيل إلى تبديلها أو تغييرها. إرادة الله وسننه مع تعدد الأمم والشرائع وما نسميه تجاوزًا الأديان وليس مع وحدتها وتوحيدها .. إنها مع التعدد والاختلاف لا مع الوحدة والاتحاد! " "الإسلام والوحدة" (ص 70).
                    4 - قوله: "لما تحاكم اليهود إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - طلب الله منه أن يحكم بينهم بشريعتهم ويقضي فيهم بأحكام التوراة، وكذلك طلب أن يكون تحاكم النصارى إلى الإنجيل والحكم بينهم بما فيه تمامًا مثلما طلب أن يكون تحاكم المسلمين إلى القرآن والحكم بينهم وفق آياته .. ونبه في وضوح وحسم على أن لكل أمة وملة من هذه الملل شريعتها ومنهاجها فوحدة الدين حق ومن الحق أيضًا تعدد المناهج والشرائع بتعدد الأمم والرسالات" "الإسلام والوحدة" (ص 71).
                    5 - قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
                    6 - قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى .. } الآية.
                    7 - قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
                    (2/213)
                    لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ .. } الآيات. ثم قال عقبها: "ومن مفسرى القرآن الكريم من يقول إن المراد: ما أنزل إليهم من ربهم: كتب أنبيائهم وليس القرآن" (ص 144).
                    8 - قوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال بعدها: "والقرآن يستخدم هنا فعل المضارعة وهو المعبر عن الفعل الواقع في الحال والمستمر للمستقبل" (ص 144).
                    9 - قوله تعالى: {فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ .. }. قال: "فهم مؤمنون بكتابهم ولذلك ميزهم الله عن الجاحدين الكافرين" (ص 145).
                    10 - قوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ .. } الآيات.
                    - هذه الأدلة السابقة هي في نظري كل ما عند الدكتور حول عدم تكفير اليهود والنصارى. أما أدلة أهل الإسلام على كفرهم فإنه عرض بعضًا منها وأعرض عن بعض! تدليسًا وتلبيسًا على القارئ. فأوهمنا بأن المكفِّرين لهم -وهم جميع الأمة- لا دليل عندهم إلا ما ذكره الدكتور مما يُمكن تأويله والإجابة عنه.
                    فذكر من حجج المكفرين لهم:
                    1 - الجزية.
                    2 - الزي الخاص.
                    3 - وقف بناء الكنائس.
                    4 - قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}.
                    5 - قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}.
                    (2/214)
                    6 - قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ}.
                    7 - قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}.
                    8 - قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}.
                    أما الأحاديث فلم يذكر شيئًا منها؛ لأنها لا حجة فيها عنده إلا كما يُحَجُّ البوذي بها! فلذلك اجتنبها.
                    - فهذا ما ذكره الدكتور من أدلتنا على كفر اليهود والنصارى؛ ولكنه ترك الآيات والأحاديث الصريحة في ذلك، واكتفى بهذه كما قلت؛ لأنه يمكن الإجابة عليها بسهولة، وأما تلك فيعجز عن دفعها، وهذا دليل على تلبيس الرجل لنصره بدعته ويعلم الله أني لم أتوقع أن يأتي اليوم الذى أرد فيه على من يزعم إيمان اليهود والنصارى؛ لأن هذه القضية قد حسمها القرآن عندنا نحن المسلمين واستقر ذلك في أعماق أمتنا لا يزيغ عنه إلا هالك! وكم تأسفت أن يأتي في هذا الزمان من اسمه (محمد) ليزكي أولئك الكفرة أعداء الإسلام ويعطيهم العهد بدخول الجنان، ولكن ما دام الدكتور قد أفصح عن بدعته وأرصد لها المقالات والكتب فلا بد من مناقشته فيها لعله يتعظ ويرجع عنها قبل فوات الأوان، ومناقشتي للدكتور ستكون على هيئة أوجه متتالية تسهيلاً لي وللقارئ وسأكتفي بالأدلة الصريحة التي لا تحتمل التأويل في عدم كفرهم؛ لأن الدكتور قناص ماهر لهذه الثغرات.
                    الوجه الأول: في الأدلة من القرآن على كفر النصارى وهي كثيرة جدًا وسأكتفي بأوضحها دلالة:
                    1 - قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1].
                    (2/215)
                    - قال ابن كثير: أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان، والنيران من العرب (1).
                    ففي هذه السورة تكفير لهم لعدم إيمانهم بالقرآن وهو البينة وعدم إقامتهم الصلاة والزكاة، ثم أخبر أنهم ولو رغم أنف الدكتور في نار جهنم، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}.
                    - قلت: قد يوحي الشيطان إلى الدكتور أن هذه السورة في {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وهم - كما يزعم الذين خرجوا عن الأمة الواحدة، أو لم يقيموا دينهم مثلاً، لا أستبعد ذلك منه، فيقال: لو صح ما تقول -وهو خرافة إبليسية- لقيل لك إن الله تعالى كفّرهم لأجل عدم إيمانهم بالقرآن وإقامتهم الصلاة والزكاة وهم مشتركون في هذا طيبهم -عندك- وخبيثهم وهذا بين، ويقال ثانيًا: إن الله تعالى قال: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} فيلزم أن في المشركين من يمكن أن يكون مؤمنًا! وهذا ما لا تقول به باعترافك لأنه لم يقر بالتوحيد ولأنهم كلهم محاربون للدين الجديد.
                    2 - قال تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}.
                    3 - قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]، الخطاب لجميع أهل الكتاب أن يدعوا اعتقادهم الشركي في المسيح وعزير؛ فإن لم يفعلوا ذلك فهم ليسوا مسلمين.
                    __________
                    (1) "تفسير ابن كثير" (4/ 574).
                    (2/216)
                    4 - قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}.
                    5 - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 150 - 152].
                    - قال ابن كثير: "يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى حيث فرّقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية فاليهود عليهم لعائن الله آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد - صلى الله عليه وسلم - والسامرة لا يمؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يقال إنهم كانوا يمؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم والله أعلم. والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فمن ردّ نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعًا إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ} فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله {يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} أي في الإيمان {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} أي طريقًا ومسلكًا، ثم أخبر تعالى عنهم فقال: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به؛
                    (2/217)
                    لأنه ليس شرعيًّا إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهانًا منه لو نظروا حق النظر في نبوته" (1). قلت: وهذه الآية أعتقد أنها قاصمة الظهر للدكتور .. فأين المفر؟.
                    6 - قال تعالى عن محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا}.
                    7 - قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ}.
                    8 - قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا} [النساء: 47].
                    - قال ابن كثير: "يقول تعالى آمرًا أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ومتهددًا لهم إن لم يفعلوا" (2).
                    9 - قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
                    فمن كفر برسول واحد فقد ضل ضلالاً بعيدًا. ثم في هذه الآية أمر لنا بالإيمان بالكتب السابقة. أفلا يُستغرب أن نؤمر بالإيمان بكتبهم ولا يؤمرون كما يرى الدكتور بالإيمان بكتابنا والرب واحد؟
                    10 - قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي
                    __________

                    (1) "تفسسيره" (1/ 585).
                    (2) "تفسيره" (1/ 520).
                    (2/218)
                    بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ .. } الآية. وقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} قلت: فإذا كفتهم رسلهم فلماذا يرسل الله تعالى إليهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم -؟.
                    11 - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
                    12 - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}.
                    13 - قال تعالي: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وتأمل قوله تعالى: {جَمِيعًا} فهو تأكيد لعموم الرسالة لكي لا يُسْتثنى أحد من يهود أو نصارى!
                    الوجه الثاني: مما يشهد على كفرهم من السنة: وسأكتفي منها بالأدلة الصريحة وأقلل منها اكتفاءً بما سبق من آيات القرآن؛ لأن الدكتور لا يؤمن إلا به!.
                    1 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" قال النووي: "وقوله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع بي أحد من هذه الأمة أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى والله أعلم" (1).
                    2 - قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو تابعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم" (2).
                    __________
                    (1) "شرح مسلم" للإمام النووي (2/ 188).
                    (2) المصدر السابق (17/ 136)
                    .
                    (2/219)
                    - قلت: أي أنهم غير مسلمين إذا لم يتابعوه - صلى الله عليه وسلم -.
                    3 - عن أبي موسى "أن رجلاً أسلم ثم تهود. فأتاه معاذ بن جبل -وهو عند أبي موسى- فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهود. قال: لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -" (1).
                    - قلت: والشاهد: قول معاذ: "قضاء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -"؛ لأنه معلوم عندهم أن من أسلم من اليهود والنصارى، ثم رجع إلى دينه قتل؛ لأنه مرتد ولم يقل أحد كالدكتور أن الأديان كلها توصله إلى النجاة. وإلا لتركه الصحابة وشأنه واختياره. ثم لو تأملنا قول الدكتور لوجدناه يلغي كتبًا وأبوابًا في الفقه الإسلامي بعنوان "حكم المرتد"!.



                    الوجه الثالث: إن المسلمين قد أجمعوا على كفر اليهود والنصارى، ولم يشذ أحد منهم غير من ذكرناه من غلاة الصوفية وفرق الزندقة الذين لا يعدون من جملة المسلمين. قال ابن حزم في "مراتب الإجماع": "واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا" (2).
                    - وقال ابن تيمية: "قد ثبت في الكتاب والسنة والإجماع أن من بلغته رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤمن به فهو كافر لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة" (3).
                    وقال: "نعلم أن خلقًا لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة مثل أهل الذمة والمقرين بالجزية على كفرهم" (4).
                    __________
                    (1) "فتح الباري" (13/ 143).
                    (2) (119).
                    (3) "الفتاوى" (12/ 496).
                    (4) "الفتاوى" (12/ 499).
                    (2/220)
                    وقال: "إن اليهود والنصارى كفار كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام" (1)



                    الوجه الرابع: أن يقال هذا القول منك قد ناقضته كعادتك بنفسك! بل وفي كتابك هذا "الإسلام والوحدة القومية"! وهذا من أطرف ما عثرت عليه من تناقضاتك الكثيرة فقد قلت فيه: "إن الإسلام على الرغم من أنه دعوة للبشر أجمعين إلا أن سنن الله في الكون وقوانينه لن تتبدل أن يظل الخلاف والاختلاف والتمايز قائمًا بين البشر في الدين .. فلن يجتمع الناس على دين واحد .. ومن ثم فليس هناك ما يدعو إلى أن يكره الإنسان إنسانًا على الدخول في دينه .. ومن يحب النجاة لأخيه ويتمنى أن يقاسمه نعيم الجنة فأولى به أن يسلك لهدايته طريق الحكمة والموعظة الحسنة لا طريق الحرب والسيف والعنف والإكراه" فقد اعترفت بعدم دخولهم الجنة!!.



                    الوجه الخامس: يقول الشيخ عمر الأشقر -حفظه الله-: "قد ذم الله هذا الصنف من الناس الذين يريدون مزج الإسلام بغيره والالتقاء في طريق وسط بزعم التوفيق وأخبر أن هذا فعل المنافقين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} (2).
                    2 - محمد عمارة والوطنية:
                    1 - مر معنا أن الدكتور عمارة يرى نجاة اليهود والنصارى يوم القيامة إذا تمسكوا بدينهم الآن ولو لم يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالإسلام وهذا تمهيد منه للوطنية وأن المسلم المصري لا يفرق بين المسيحي واليهودي المصري إلا
                    __________
                    (1) "الفتاوى" (35/ 201).
                    (2) "العقيدة في الله" للشيخ عمر سليمان الأشقر (ص 59) - طبع دار النفائس.
                    (2/221)
                    بالشريعة التي أراد الله بحكمته أن تتنوع بين البشر. فلا فرق بيننا إذن عند الله .. وبعد أن قرر الدكتور هذا سهل عليه أن يقول ما شاء في الوطنية.
                    2 - يقول الدكتور: "عندما هاجم المستعمرون الإنجليز مصر سنة 1807 بحملتهم التي قادها الجنرال فريزر لم يكونوا يعتمدون مثلاً على أقلية من الأقليات الدينية التي تعيش في مصر .. وإنما كان الذين تعاونوا مع الحملة الإنجليزية الفاشلة هم أمراء المماليك بقيادة الألفي بك .. وهم الأمراء الذين لم تكن تربطهم بأهل البلاد روابط حضارية ولا قومية ولا عرقية، ولم يكن بينهم وبين المصريين سوى رابطة الدين" "نظرة جديدة" (228) أي أن الدين في نظره أقل تأثيرًا من رابطة الوطنية.
                    3 - يقول عن رفاعة الطهطاوي: "الناس عنده لا ينقسمون إلى مؤمنين وكافرين وإنما ينقسمون على أساس من التحضر والتمدن وليس على أساس من العقائد والأديان. فيحدثنا هذا الشيخ في كتابه "تخليص الإبريز" عن انقسام "سائر الخلق" إلى عدة مراتب:
                    "المرتبة الأولى: مرتبة الهمل المتوحشين .. المرتبة الثانية: مرتبة البرابرة الخشنين .. والمرتبة الثالثة: مرتبة أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن والتمصر .. ".
                    وعندما يوزع الشعب على هذه المراتب الثلاثة، يضع بعض الشعوب المسلمة، الذين "يعرفون الحلال من الحرام .. وأمور الدين .. غير أنهم لم تكمل عندهم درجة الترقي في أمور المعاش والعمران والصنائع البشرية والعلوم العقلية والنقلية .. " -مثل عرب البادية- يضع هؤلاء المسلمين في مرتبة "البرابرة الخشنين" .. بينما يضع "بلاد مصر والشام واليمن والروم والعجم والإفرنج والمغرب وسنار وبلاد أمريكة، على أكثرها، وكثير من جزائر المحيط" يضعها في مرتبة "أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن
                    (2/222)
                    والتمصر"؛ لأنهم "أرباب عمران وسياسات، وعلوم وصناعات، وشرائع وتجار، ولهم معارف كاملة في آلات الصنائع .. ولهم علم بالسفر في البحور، إلى غير ذلك .. " "نظرة جديدة" (228).
                    4 - ينقل فتوى محمد عبده بجواز مساعدة الكفار من أهل الوطن والتي يقول في نصها "قد قامت الأدلة من الكتاب والسنة وعمل السلف على الاستعانة بغير المؤمنين وغير الصالحين على ما فيه خير ومنفعه المسلمين وإن الذين يعمدون إلى هذه الاستعانة .. لم يفعلوا إلا ما اقتضته الأسوة الحسنة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأن من كفرهم أو فسقهم فهو بين أمرين إما كافر أو فاسق فعلى سعاة الخير أن يجدوا في دعوتهم، وأن يمضوا في طريقهم ولا يحزنهم شتم الشاتمين ولا يغيظهم لوم اللائمين" "نظرة" (237).
                    5 - ويقول أيضًا: "إيمان هذه الأمة بالوحدة الوطنية والقومية إيمان راسخ لا شك فيه .. بل لقد رأت، ببصيرتها النافذة وحسها الفطري، أن الشقاق الطائفي كان، على مر تاريخها، الثغرة التي يحاول أعداؤها النفاذ منها، بحثًا عن الركيزة التي تضمن لاستعمارهم واستغلالهم الفعالية والاستمرار! .. وأوضح ما كانت وتكون يقظة أمتنا لهذه الحقيقة في لحظات المحن والمواجهة مع الأعداء .. ففي مصر مثلاً أثناء الثورة العرابية (1881 - 1882 م) كانت أوربا الاستعمارية وإنجلترا بالذات تسعى لشق وحدة الصف الوطني الذي ارتفع متينًا وشامخًا خلف أحمد عرابي (1257 - 1329 هـ 1841 - 1911 م) .. وفي مواجهة هذا المسعى الاستعماري كانت يقظة الشعب والثورة، التي تجلت في وحدة طوائف الأمة، على نحو لا مثيل له في غير مجتمعاتنا العربية التي تنعم بسماحة دين الإسلام! ..
                    فعندما انحاز الخديوي توفيق (1269 - 1309 هـ - 1852 - 1892 م) وأعوانه إلى الإنجليز الغزاة، رفض الشعب الاستسلام وخلع عن سلطة
                    (2/223)
                    الخديوي شرعيتها، وتجسدت إرادة الشعب يومئذ في "برلمانه الثوري" الذي سمي بـ "المجلس العرفي" .. وفيه تجسدت وحدة الشعب الوطنية والقومية كأروع ما تكون .. فمع عدد من الأمراء، ورجال الدولة، والإدارة، والتجارة والأعيان، كان علماء الإسلام، بمذاهبه المتعددة، وكذلك قضاة الشرع، ونقيب الأشراف .. وأيضًا كان بهذا المجلس العرفي: مرخص الأرمن الكاثوليك، ووكيل الأقباط الكاثوليك، ووكيل بطريكية الروم الأرثوذكسي .. كان جميع هؤلاء أعضاء في برلمان الثورة العرابية "المجلس العرفي" يجسدون وحدة الأمة الوطنية والقومية، على اختلاف مذاهبها وأديانها وشرائعها .. فأين .. في غير إطار أمتنا العربية الإسلامية، اشتركت وشاركت الأقليات جميعًا في صنع مصير الأمة عند الملمات؟! " "التراث" (234).


                    إذن فخلاصة فكر الدكتور أنه يرى أن الوطنية -أي اجتماع أبناء الوطن بمختلف دياناتهم في سبيل بنائه وخدمته والدفاع عنه- هي السبيل الأمثل لمواجهة المستعمر! وأن المسلمين يجب أن يكونوا كغيرهم من المواطنين لا يسعون إلى أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يعلو الإسلام على غيره من الديانات .. لأن في ذلك إحياء للطائفية والنزاع بين المواطنين (1). ولقد استقى هذه الفكرة كما علمت من مشايخه في الغيب الطهطاوي والأفغاني وعبده والكواكبي.

                    * الوطنية في الميزان السلفي:
                    تقديم الوطن على الدين كفر صريح لا يحتمل التأويل؛ لأنه يستلزم
                    __________
                    (1) وهذا رأي كثير من الكتاب في بلاد مصر خاصة لقربهم من الأقباط وتشرب الكثير منهم -إلا من رحم الله- بالوطنية. انظر مثلاً كتاب "المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية" لطارق البشري - دار الوحدة بيروت 1982 - وهو ينقل من عمارة.
                    (2/224)
                    الآتي دون شك:
                    أولاً: موادة الكافرين ومعاداة المؤمنين فالمصري المسلم سيوالي ويواد المصري الكافر ويعاديان جميعًا التركي المسلم مثلاً، وهذا كفر صريح لمصادمته للأدلة التالية - وقد تركت أضعافها للاختصار ولأن القضية واضحه في حس كل مسلم:
                    * قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا} وأنتم تقولون إنما وليكم المواطنون المؤمنون والكافرون.
                    * قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ .. } الآية. وأنتم توالون من حاد الله ورسوله من كفار اليهود والنصارى.
                    * قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}. فمن والاهم ووادهم فهو منهم وأنتم مقيمون على ذلك.
                    • قال - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم أخو المسلم" "مسلم" (8/ 18).
                    ثانيًا: تقديم الوطن على الدين يستلزم أن يكون الإسلام معليًا عليه بالقوانين الكافرة التي يقرها اليهود والنصارى ولا شك فهم لن يرضوا أبدًا أن يحكموا بالإسلام كاملاً، ولذلك سيزاحموه بقوانينهم الكافرة إلى أن يلغوه.
                    وقد تمكنوا من ذلك. فهذه البلاد المصرية تحكم بقوانين الكفر دون قوانين الإسلام وفي هذا رد على قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
                    ثالثًا: تقديم الوطن على الإسلام يستلزم منه تعطيل الجهاد واقتصار الحروب على الدفاع عن الوطن. وفي هذا نبذ للإسلام وأحكامه وإحياء للشعارات الجاهلية المؤدية بصاحبها إلى النار.
                    (2/225)
                    رابعًا: تقديم الوطن على الإسلام مناقض للتوحيد لا فيه من عدم البراءة من المشركين.
                    خامسًا: تقديم الوطن على الإسلام مناقض لإرادة الله من إرسال الرسل وإنزال الكتب الداعية إلى عبادته وحده والدخول في طاعته وموالاة أوليائه. إلى غير ذلك من المعارضات الكثيرة للإسلام.



                    ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                    تعليق


                    • * الدكتور محمد عمارة والقومية:
                      القومية أرفع درجة من الوطنية .. ولكنها تشاركها في الوثنية! والدكتور عمارة سمى أحد كتبه "الإسلام والوحدة الوطنية"، ثم تراجع في الطبعات التالية فسماه "الإسلام والوحدة القومية" فقد ارتقى درجة في سلم الوعي .. ونتمنى أن يأتي الوقت الذي يسميه فيه "الإسلام والوحدة الإسلامية" وما ذلك على الله بعزيز كان مصريًّا ثم تراجع ليكون قوميًّا يدخل العرب في ولاء واحد هو ولاء القومية، والقومية كأختها الوطنية عندما تقرأ قول الدكتور عمارة: "وحيثما امتد الفتح العربي امتد نور الإسلام .. فالعرب الذين فتحوا البلاد لم يحملوا معهم سلطان الدولة وحده، وإنما حملوا معهم نور الإسلام ... وكانت عروبة القرآن مع عروبة الفاتحين. مما أعان على ارتباط العروبة بالإسلام، فامتد نطاق العروبة بامتداد نطاق الإسلام. لما بين فقه الدين وتذوق العربية من روابط وعلاقات؟.
                      ولقد رَسَّخ من هذه الحقيقة، وجعلها مقبولة، بل ومطلوبة، لدى الشعوب التي فتح العرب بلادها، أن مفهوم العروبة، لدى العرب الفاتحين لم يكن عرقًا ولا جنسًا ولا عصبية عمياء، كتلك التي عرفتها جاهليتهم، ثم جاء الإسلام فمحاها .. وإنما كانت عروبة حضارية، يسعى إليها الناس، لا خوفًا من جنس ولا خضوعًا لعصبية، وإنما رغبة في فقه الدين وسعيًا إلى إدراك أسرار كتابه العربي المبين .. لقد دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - العرب إلى ترك
                      (2/226)
                      العصبية العرقية الجاهلية؛ لأنها (منتنة) " "الإسلام والمستقبل" (123).
                      - عندما تقرأ ذلك تظن أن الدكتور عمارة من المعارضين للقومية العربية بمفهومها المخالف للإسلام. وأنه يؤمن بأفضلية العرب كما ورد ذلك في الأحاديث النبوية .. ولكنك تفاجأ عندما تعلم أن الدكتور عمارة من (غلاة) القوميين العرب. لا تختلف دعوته عن دعوتهم أي اختلاف يذكر ما عدا أنهم جاهروا بها بعيدًا عن الإسلام .. وأما هو فقد خمر وجهها بخمار إسلامي خفيف فكيف ذلك؟
                      1 - يرى الدكتور عمارة أن العرب الشرقيين قبل الإسلام كانوا في صراع حضاري! مع الغرب البيزنطي. "وأمام هذا الخطر الذي أحدق بالجامعة العربية برزت ضرورات الوحدة بين قبائلها فبدأ التواصل بين وسط شبه الجزيرة وبين اليمن بعد تحريرها بقيادة سيف بن ذي يزن .. ولعبت الأشهر الحرم دورها في جعل القبائل العربية تعيش فترات من المسلم تنمو فيه روابط الوحدة في اللغة والتجارة والعادات والآداب .. " "الإسلام والمستقبل" (122).
                      هذا قبل الإسلام وعندما ظهر الإسلام كان أحد العوامل التي ألفت بين العرب في مواجهة عدوهم .. فهو عامل توحيد فقط! وبظهوره أصبحنا نرى -كما يزعم الدكتور- تمايزًا بين الوحدة الدينية والوحدة القومية .. فهناك أمة (الدين) وأمة (الدولة) فأمه الدين يدخل فيها المسلمون فقط؛ لأنهم أصحاب دين واحد. وأما أمة السياسة والدولة فيدخل فيها المسلمون والكفار من اليهود والنصارى وغيرهم .. لكن بشرط أن يكونوا عربًا!
                      ويحتج الدكتور على ذلك بما يسميه (الصحيفة) التي كتبها الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند قدومه المدينة وفيها جعل المسلمين (أمة واحدة من دون الناس) ومن لحق بهم وجاهد معهم فهم نواة الرعية السياسية وهم أمة مع المؤمنين
                      (2/227)
                      برغم اختلاف الدين.
                      2 - يرى الدكتور عمارة أن العروبة هي اللغة فقط. فمن تكلم بالعربية فهو عربي: "فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ينكر المضمون (العرقي) للعروبة، ويدعو إلى اعتماد المضمون الحضاري رابطة ومعيارًا لمن هو العربي؟ ومن هم العرب؟ فاللغة، وهي وعاء للفكر والتراث والحضارة والذكريات .. هي المعيار والرباط الذي دعا الرسول إلى اعتماده بدلاً من (العرق) و (القبلية)، ذلك أن مجتمع شبه الجزيرة كان يضم (عربًا باللغة) والحضارة غير (العرب) بالعرق والجنس والدم. ومن ثم فإن اعتماد المعيار الحضاري كان سبيلاً، لا لتجاوز النعرات الجاهلية والمفاهيم المختلفة والمتعصبة فقط، وإنما أيضًا لبناء كيان جديد وأوسع من ذلك الذي يمكن بناؤه على أساس من العرب والجنس .. وهي أيضًا قفزة حضارية، وتطور متحضر هام إلى الأمام .. يبشر الرسول بهذا المفهوم الجديد عندما يخطب في الناس قائلاً: "أيها الناس، إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان (اللغة) فمن تكلم العربية فهو عربي" "العرب والتحدي" (35).
                      3 - ينكر الدكتور عمارة على الدكتور محمد رشاد خليل مساواة المسلم العربي بالمسلم غير العربي! "هو يتحدث عن الدكتور رشاد قائلاً: "ثم كتب فجعل علاقة المسلم المصري بأخيه المصري مساوية لعلاقته بالمسلم في أندونيسيا ونيجيريا وتركستان! مهملاً أي أثر للقوميات وقسماتها الأمر الذي جعل هذا الفكر لم يبصر سوى رابطة العقيدة الإسلامية" "الإسلام والعروبة" (81).
                      4 - يرى الدكتور إن طلائع القوميين العرب هم المعتزلة الذين واجهوا الهجوم الشعوبي وعلى رأسهم الجاحظ فهو يقول: "أما الجاحظ فإننا واجدون عنده بواكير الصياغات النظرية للفكر القومي العربي بمضمونه الحضاري والإنساني المستنير حتى ليحسب المرء أنها من ثمرات العقل المستنير في عصرنا
                      (2/228)
                      الحديث" "العرب والتحدي" (58). كما يرى أن تيار الأفغاني هو: "الذي بلغت في دعوته روابط العروبة والإسلام .. قمة الوضوح والعمق والشمول فالأفغاني يؤمن بوحدة النوع الإنساني وبوحدة الأمة الإسلامية لكنه ينبه على أثر تمايز الأقاليم وما يحدثه هذا التمايز من مغايرة بين الأقوام" "الإسلام والعروبة" (129).
                      5 - يرى الدكتور أن الفتوحات الإسلامية التي بدأت في عصره - صلى الله عليه وسلم - ثم في عصر أصحابه لنشر الإسلام فتوحات (عربية) لصد المستعمر الغربي وإزالة الظلم عن أبناء تلك البلاد الذين شاركوا (العرب) في حروبهم ضد المستعمر؛ لأنهم عرب مثلهم أو شرقيون إن لم يكونوا عربًا.
                      6 - يؤمن الدكتور إيمانًا تامًا (بخرافة) الصراع بين الشرق والغرب فلم يعد يرى في الأحداث التاريخية سواه .. وعندما مر على خبر التتار وصراعهم مع المسلمين. أسقط في يده فهم شرقيون يقاتلون شرقيين كما يزعم! فكيف يخرج من هذه الورطة؟ لقد فكر وقدر فقاده فكره مع سيطرة الخرافة عليه إلى القول بأن: "الغرب الاستعماري كان قد قرر أن يقوم بجولة أخرى في صراعه ضد حضارة العرب والمسلمين، وإذا كانت قواه الذاتية، وعلاقات دولة بعضها مع البعض الآخر، والحالة التي عليها بقايا إماراته وقواده الاستيطانية في المشرق، إذا كانت هذه العوامل لا تتيح الفرصة كي يقوم هو بهذه الجولة الجديدة، فليبحث إذن عن قوة مدمرة يستخدمها ضدنا في هذا الصراع، وليفتش عن قبضة حديدية يحاول أن يصرع بها هذا الشعب الذي يعيش ما بين الخليج والمحيط .. ولقد توافق هذا التفكير الاستعماري مع ظهور قوة الدولة المغولية في أواسط آسيا، تلك الدولة التي كونتها قبائل وثنية جبلية متبربرة، اختطت لنفسها طريق السلب والنهب والتدمير، واتخذت من تدمير الحضارات وتخريب المدن صناعة لا تعرف غيرها من الصناعات ..
                      (2/229)
                      وقبل أن ينتصب القرن الثالث عشر الميلادي كانت هناك استعدادات في بلاط الدولة المغولية للقيام بزحف مدمر يستهدف احتلال الكثير من أوروبا بالإغارة على المناطق الشمالية الغربية لأوروبا وهنا بذل الغرب الاستعماري جهوده المضنية كي يجعل وجهة هذا الزحف التتري إلى بلاد العرب والمسلمين، ولكي يقيم تحالفًا غير مقدس بينه وبين هذه القوة الوثنية العنصرية، عله يقتسم معها الوطن العربي، ويعيد سيطرته ثانية على القدس وغيرها من مدن الشام وفلسطين" "معارك العرب" (116).
                      7 - يرى الدكتور أن بداية التفريق بين الإسلام والعروبة بدأ مع المماليك الذين انتشر في عهدهم الظلم والخرافات. فاختفت العروبة مع سيطرتهم على الدولة الإسلامية .. وهكذا العثمانيون إلى إن ظهرت اليقظة العربية المعاصرة.
                      8 - ينتقد الدكتور المودودي وسيد قطب والندوي وسعيد حوى وغيرهم من مفكري الإسلام لانتقادهم القومية واعتبارها خطرًا على الإسلام .. حيث لم يفرقوا بين القومية العربية والقومية العلمانية التي لا تعترف بالدين.
                      هذه أخي القارئ أبرز معالم الدكتور عمارة حول القومية، وهو يوهمنا بأنه لا يرى رأي القوميين العرب الذين نبذوا الإسلام .. وإنما هو يمزج بين الإسلام والقومية مزجًا يعطي كلاً منهما حقه. ويخترع لذلك قضية أمة الدين وأمة الدولة زيادة في التلبيس على القارئ والحق يقال إن الدكتور -كما قلت سابقًا- من غلاة القوميين العرب المعاصرين ويشهد لذلك كذبه واختراعاته العجيبة. كما يشهد لذلك فلتات قلمه التي تظهر ما في نفسه.

                      * القومية في ميزان أهل السنة والجماعة:
                      - قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات، دعوة باطلة
                      (2/230)
                      وخطأ عظيم ومنكر ظاهر وجاهلية نكراء وكيد سافر للإسلام وأهله، وذلك لوجوه:
                      الوجه الأول: إن الدعوة إلى القومية العربية تفرّق بين المسلمين، وتفصل المسلم العجمي عن أخيه العربي، وتفرّق بين العرب أنفسهم لأنهم كلهم ليسوا يرتضونها، وإنما يرضاها منهم قوم دون قوم، وكل فكرة تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابًا، فكرة باطلة، تخالف مقاصد الإسلام وما يرمي إليه، وذلك لأنه يدعو إلى الاجتماع والوئام والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوي كما يدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
                      * وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
                      * وقال تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.



                      الوجه الثاني: أن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذّر منها وأبدى في ذلك وأعاد في نصوص كثيرة، بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخلاق الجاهلية وأعمالهم إلا ما أقره الإسلام من ذلك ولا ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية، لأنها دعوة إلى غير الإسلام ومناصرة لغير الحق، وكم جرّت دعوى الجاهلية على أهلها من ويلات وحروب طاحنة وقودها النفوس والأموال والأعراض، وعاقبتها تمزيق الشمل وغرس العداوة
                      (2/231)
                      والشحناء في القلوب والتفريق بين القبائل والشعوب.


                      - قالت شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة، فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم" وغضب لذلك غضبًا شديدًا. انتهى.
                      ومما ورد في ذلك من النصوص قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ}.
                      * وقال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ}.
                      • وفي سنن أبي داود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية".
                      • وفي "صحيح مسلم" أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد".
                      ولا ريب أن دعاة القومية يدعون إلى عصبية ويغضبون لعصبية ويقاتلون على عصبية، ولا ريب أيضًا أن الدعوة إلى القومية تدعو إلى البغي والفخر لأن القومية ليست دينًا سماويًّا يمنع أهله من البغي والفخر، وإنما هي فكرة جاهلية تحمل أهلها على الفخر بها والتعصب لها على من نالها بشيء، وإن كانت هي الظالمة وغيرها المظلوم.
                      - وهنا شبهة يذكرها بعض دعاة القومية أحب أن أكشفها للقارئ، وهي أن بعض دعاة القومية زعم أن النهي عن الدعوة إلى القومية العربية والتحذير منها يتضمن تنقص العرب وإنكار فضلهم.
                      - والجواب أن يقال: لا شك أن هذا زعم خاطئ واعتقاد غير صحيح،
                      (2/232)
                      فإن الاعتراف بفضل العرب وما سبق لهم في صدر الإسلام من أعمال مجيدة لا يشك فيه مسلم عرف التاريخ كما أسلفنا، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم ومنهم أبو العباس ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" أن مذهب أهل السنة تفضيل جنس العرب على غيرهم، وأورد في ذلك أحاديث تدل على ذلك، ولكن لا يلزم من الاعتراف بفضلهم أن يجعلوا عمادًا يتكتل حوله ويُوالى عليه ويُعادى عليه، وإنما ذلك من حق الإسلام الذي أعزّهم الله به وأحيا ذكرهم ورفع شأنهم، فهذا لون وهذا لون، ثم هذا الفضل الذي امتازوا به على غيرهم، وما منّ الله به عليهم من فصاحة اللسان ونزول القرآن الكريم بلغتهم وإرسال الرسول العام بلسانهم ليس مما يقدّمهم عند الله في الآخرة ولا يوجب لهم النجاة إذا لم يؤمنوا ويتقوا، وليس ذلك أيضًا يوجب تفضيلهم على غيرهم من جهة الدين، بل أكرم الناس عند الله أتقاهم كما تقدم في الآية الكريمة والحديث الشريف، بل هذا الفضل عند أهل التحقيق يوجب عليهم أن يشكروا الله سبحانه أكثر من غيرهم، وأن يضاعفوا الجهود في نصر دينه الذي رفعهم الله به، وأن يوالوا عليه ويعادوا عليه دون أن يلتفتوا إلى قومية أو غيرها من الأفكار المسمومة والدعوات المشئومة، ولو كانت أنسابهم وحدها تنفعهم شيئًا لم يكن أبو لهب وأضرابه من أصحاب النار، ولو كانت تنفعهم بدون الإيمان لم يقل لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا"، وبذلك يعلم القارئ السليم من الهوى أن الشبهة المذكورة شبهة واهية لا أساس لها من الشرع المطهر ولا من المنطق السليم البعيد من الهوى.


                      الوجه الثالث: هو أنها سلّم إلى موالاة كفار العرب وملاحدتهم من أبناء غير المسلمين واتخاذهم بطانة والاستنصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم. ومعلوم ما في هذا من الفساد الكبير والمخالفة لنصوص
                      (2/233)
                      القرآن والسنة الدالة على وجوب بغض الكافرين من العرب وغيرهم ومعاداتهم وتحريم موالاتهم واتخاذهم بطانة. والنصوص في هذا المعني كثيرة منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ .. } الآية. سبحان الله ما أصدق قوله وأوضح بيانه، هؤلاء القوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية مسلمها وكافرها، يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، نخشى أن يعود الاستعمار إلى بلادنا، نخشى أن تسلب ثرواتنا بأيدي أعدائنا، فيوالون لأجل ذلك كل عربي من يهود ونصارى ومجوس ووثنيين وملاحدة وغيرهم تحت لواء القومية العربية، ويقولون: أن نظامها لا يفرق بين عربي وعربي وإن تفرقت أديانهم، فهل هذا إلا مصادمة لكتاب الله ومخالفة لشرع الله وتعدٍّ لحدود الله وموالاة ومعاداة وحب وبغض على غير دين الله؟ فما أعظمَ ذلك من باطل وما أسوأه من منهج. القرآن يدعو إلى موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين أينما كانوا وكيفما كانوا، وشرع القومية العربية يأبى ذلك ويخالفه {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ}.
                      * ويقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.
                      ونظام القومية يقول: كلّهم أولياء مسلمهم وكافرهم، والله يقول: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .. } الآية.
                      * ويقول سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ
                      (2/234)
                      قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}.
                      * وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} وشرع القومية، أو بعبارة أخرى شرع دعاتها يقول: أقصوا الدين عن القومية، وافصلوا الدين عن الدولة، وتكتلوا حول أنفسكم وقوميتكم حتى تدركوا مصالحكم وتستردوا أمجادكم، وكأن الإسلام وقف في طريقهم وحال بينهم وبين أمجادهم، هذا والله هو الجهل والتلبيس وعكس القضية، سبحانك هذا بهتان عظيم.
                      والآيات الدالة على وجوب موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين والتحذير من توليهم لا تخفي على أهل القرآن، فلا ينبغي أن نطيل بذكرها، وكيف يجوز في عقل عاقل أن يكون أبو جهل وأبو لهب، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث وأضرابهم من صناديد الكفار في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده إلى يومنا هذا إخوانًا وأولياء لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة ومن سلك سبيلهم من العرب إلى يومنا هذا .. هذا والله من أبطل الباطل وأعظم الجهل. وشرع القومية ونظامها يوجب هذا ويقتضيه وإن أنكره بعض دعاتها جهلاً أو تجاهلاً وتلبيسًا.



                      الوجه الرابع: من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال: إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكامًا وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام .. وقد صرح الكثير منهم بذلك .. وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة، كما قال
                      (2/235)
                      تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1).



                      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                      تعليق


                      • * محمد عمارة والعلمانية:
                        للدكتور عمارة كتاب بعنوان (العلمانية ونهضتنا الحديثة) خصصه للرد على غلاة العلمانيين ممن يرون فصل الدين عن الدواء واستبعاده عن قيادة الأمة في مجال السياسة .. وله أيضًا حوارات كثيرة معهم .. إذن! .. لماذا هذا المبحث؟
                        فأقول: سيزول عجبك قريبًا.
                        وفيما يلي لن أبحث تطور العلمانية في بلادنا وكيفية انتقالها؛ لأنه مبحث طويل يعرفه الجميع. وخير من بحث فيه من المعاصرين الشيخ محمد قطب في كتابه "مذاهب معاصرة" والشيخ سفر في رسالته "العلمانية" فخلاصة العلمانية التي يعرفها الجميع لكثرة الحديث حولها هي "فصل الدين عن الدولة" وجميع القراء تقريبًا يعلمون أنها مخالفة لهدي الإسلام

                        فملخص حكم الإسلام فيها كما قال الشيخ سفر: "إن العلمانية تعني بداهة الحكم بغير ما أنزل الله فهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين ومن ثم فهي بالبديهة أيضًا نظام جاهلي لا مكان لمعتقده في دائرة الإسلام بل هو كافر بنص القرآن الكريم {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (2).

                        فهذا المبحث لن أخصصه لذلك، وإنما سأعرض فيه رأي الدكتور حول طبيعة السلطة في الإسلام ليقتنع القارئ بعلمانيته ثم أفند شبهاته وآراءه بعد ذلك.
                        __________
                        (1) "نقد القومية العربية" للشيخ عبد العزيز بن باز (ص 13 - 52) بتصرف.
                        (2) "العلمانية" لسفر الخوالي (ص 681).
                        (2/236)
                        * العلمانية عند الدكتور عمارة:
                        - يقول الدكتور:

                        "إن فصل الدين عن الدولة على النحو الذي تقرره العلمانية الغربية لا يمكن أن يكون شعار الذين يفهمون الإسلام حق الفهم .. فهو شعار مرفوض" "الدولة الإسلامية" (64). فالدكتور يرفض علمانية الغرب التي تفصل الدين عن الدولة وتجعل الدين يقبع في الكنيسة.

                        2 - لماذا يرفض الدكتور العلمانية؟

                        يقول: "شعار العلمانية قد ارتفع في أوربا بمعنى عزل السلطة الدينية للكنيسة عن شئون المجتمع السياسية؛ لأن تراث أوربا وواقعها كانا يشهدان سلطة دينية تحكم قبضتها على مقدرات المجتمع كلها أما في واقعنا نحن وتراثنا ومنطلقاتنا فالأمر مختلف بل وعلى النقيض فالإسلام لم يقر السلطة الدينية بل هو كما يقول الإمام محمد عبده ينكرها ويدعو إلى رفضها بل ويهدمها من الأساس .. " "الدولة الإسلامية" (63).
                        إذن هو ينكر العلمانية الغربية؛ لأنه لا يوجد لدينا سلطة دينية تواجهها في الطرف الآخر كما حدث في الغرب مما اضطرهم للجوء إلى العلمانية للحد من سلطات الدين ورجاله .. لهذا فالدكتور عمارة أيضًا.


                        3- ينكر السلطة الدينية في الإسلام ويقول: "أما إسلامنا فإنه ينكر السلطة الدينية التي تجعل لنفر من البشر سلطانًا اختص به المولى سبحانه ورسله عليهم الصلاة والسلام" "الدولة الإسلامية" (63).
                        ويقول: "إن السلطة الدينية تعني -في كلمات بسيطة ودقيقة- أن يدعي إنسان ما لنفسه صفة الحديث باسم الله وحق الانفراد بمعرفة رأي السماء وتفسيره. وذلك فيما يتعلق بشئون الدين أو بأمور الدنيا .. وسواء في ذلك أن يكون هذا الادعاء من قبل فرد. يتولى منصبًا دينيًّا أو منصبًا سياسيًّا. وسيان كذلك أصدرت كهذه الدعوى من فرد أو من مؤسسة فكرية
                        (2/237)
                        أو سياسية.
                        وفيما يتعلق بالفكر الإسلامي، فإن كل مذاهبه وتياراته الفكرية -باستثناء الشيعة- تنكر وجود السلطة الدينية وتنفي أن يكون من حق أي فرد أو هيئة إضفاء القدسية الإلهية على ما تصدر من أحكام وآراء" "الدولة الإسلامية" (14).

                        4 - يرى الدكتور:
                        "أن مصدر هذه النظرية قديم قدم طموحات السلطة المستبدة بمقدرات البشر، من أن حاول أصحابها تغليف استبدادهم وانفرادهم بالسلطان بغلاف ديني يصد الناس بسلاح الإيمان والدين عن السعي لممارسة حقهم، بل واجبهم في محاسبة الحكام .. لقد بدأت وظلت. ولا تزال محاولة يريد بها البعض الإفلات من نطاق محاسبة الجماهير، عن طريق تجريد الأمة من حقها في التشريع وحقها في أن تكون مصدر السلطان والسلطات .. زاعمة هذه المحاولة أن الحاكم نائب عن الله لا عن الأمة .. وهم بذلك يغفلون أو يتغافلون عن أن "حق الله" هو "حق المجتمع"، أي حق الأمة والناس .. بحكم خلافة الإنسان -في الأرض- عن الله ..
                        وإذا نحن ذهبنا نلتمس بدايات هذه الدعوى في تراث الإنسانية السياسي وجدناها لدى فراعنة مصر الأقدبين الذين ادّعوا بنوتهم للإله .. ووجدناها في الكسروية الفارسية التي سبقت ظهور الإسلام. عندما كان كسرى يحكم "بالحق الإلهي". جاعلاً من قراراته وأحكامه وحي الإله "أهورا - مزدا" .. وجدناها كذلك في القيصرية الرومانية. قبل اعتناقها المسيحية، عندما كانت ذات الإمبراطور "مقدسة إلهية" .. وحتى بعد اعتناقها للمسيحية فلقد طوعت أوربا المسيحية لتراثها في نظرية الحكم بالحق الإلهي. ولم تطوع المسيحية أوربا لتعاليمها التي عرفت بالشرق خالية من هذا المفهوم. وبعبارة قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد الهمذاني (415) فإن النصرانية (المسيحية)
                        (2/238)
                        عندما دخلت روما لم تتنصر روما ولكن المسيحية هي التي ترومت؟! .. فلقد أصبح الإمبراطور رئيسًا للكنيسة. وحكم بالحق الإلهي في ظل المسيحية، كما كان الحال وهم يعبدون الأوثان! ..
                        فمن تراث أوربا الوثني القديم تسربت هذه النظرية إلى أوربا المسيحية.
                        حتى أصبحت المسئول الأول عن العصور المظلمة التي شهدتها أوربا لعدة قرون.
                        ومن تراث الكسروية الفارسية تسربت هذه النظرية إلى فكر الشيعة السياسي حتى لقد انفردت به هذه الفرقة من دون سائر فرق الإسلام.
                        فهي إذن نظرية غريبة عن فكر الإسلام الجوهري وتراثه النقي .. وهي إذن ميراث من مواريث الأمم الأخرى. سواء في العصور القديمة أم في العصور الوسطى" "الدولة الإسلامية" (80).

                        5 - يرى الدكتور أن من الداعين إلى السلطة الدينية في عصرنا الحاضر - والذين لأجلهم ألف كتابه "تيار الرفض في حركة الصحوة الإسلامية" ويعني بهما الجماعات التي تأثرت بفكر السيد المودودي والسيد قطب كما صرح بذلك في أكثر من موضع بدعوى أنهما شابها الشيعة في دعوتهما المشهورة بأن تكون (الحاكمية لله) فهم في نظره "يزعمون أن السلطان السياسي في المجتمع الإسلامي ليس حقًّا من حقوق الأمة، فالبشر ليسوا هم الحكام في مجتمعاتهم، وإنما الحاكم في هذه المجتمعات هو الله وسبحانه وتعالى .. أي أن الأمة ليست هي مصدر السلطات، كما تعارفت على ذلك الدساتير والأنظمة والنظريات التي تسود أغلب أنحاء الدنيا في العصر الذي نعيش فيه! فهذه الجماهير وتلك الأمم والشعوب التي تناضل من أجل أن تصبح هي مصدر السلطة والسلطان على أرضها وفي مجتمعاتها، هي بنظر هؤلاء النفر من المفكرين والمشتغلين بشئون الإسلام، خارجة عن صراط الله
                        (2/239)
                        المستقيم. ومتعدية حدودها، وجائرة على اختصاص المولى جل وعلا! ".
                        "وهم، بقولهم هذا، يجعلون صاحب السلطة السياسية في النظام
                        الإسلامي -الحاكم- وكيلاً عن الله -سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا- لأن الحاكم هو في النهاية منفذ شريعة ومطبق قانون، وهو في عمله هذا إنما ينوب عن صاحب السلطة الأصلي في المجتمع. فإذا قلنا إن السلطة لله.
                        كانت دينًا ووحيًا، ومن ثم كانت سلطة دينية، وكان متوليها حاكمًا "بالحق الإلهي" ونائبًا عن الله. وخليفة له وظلاًّ! .. أما إذا قلنا -كما هو الحال في الفكر الديمقراطي- بأن صاحب السلطة الأصلي هو الشعب. كان متوليها نائبًا عن الأمة ووكيلاً أو شبه وكيل. وكان مسئولاً أمام الأمة التي لها الحق في محاسبته ومراقبته. وعزله إن هو أخل بشروط عند البيعة والتفويض والاختيار" "الدولة الإسلامية" (31 - 32).
                        6 - وبعد أن رفض الدكتور العلمانية والسلطة الدينية فهو يختار أن الإسلام "يفرق بين العلوم الشرعية، وبخاصة ما يتعلق منها "بأصول الدين"، وبين ما سواها من العلوم .. فالعلوم التي تتعلق بالنبوة، واليوم الآخر، وبالعبادات وبأركان الدين، هي علوم شرعية، المرجع الأول فيها إلى النصوص الموحى بها، وهذه هي علوم الدين، أما ما سواها من العلوم، رغم تسميتها بالإسلامية، فإنها علوم عقلية، دنيوية جاءت ثمرة لنشاط العقل الإنساني المحكوم فقط، بالحقائق المقررة والمكتشفة في ميادين هذه العلوم، فنحن لدينا في تراثنا علوم وفنون مثل: "العمارة الإسلامية" و"الزخرفة الإسلامية" و"الفن الإسلامي" و"الطب" و"الصيدلة" و"الفلك" .. إلخ .. إلخ .. علوم وفنون تبلورت صروحها في المجتمع الإسلامي، فسميت إسلامية، ولكن بالمعنى الحضاري، ليس بالمعنى الديني، فهي علوم الحضارة الإسلامية وليست علوم الديانة الإسلامية، وهي علوم العقل الإسلامي
                        (2/240)
                        وليست علوم الوحي الإسلامي، وهي محكومة بحقائق العلم كما يقررها عقل العالم المسلم وليس المرجع في صحتها تفسيرًا أو تخريجًا يقتحم به دعي ميادين هذه العلوم .. فليست هناك "كيمياء" مسلمة وأخرى كافرة .. وليس هناك "جبر" مؤمن وآخر كافر .. لأن وصف كل هذه العلوم "بالإسلامية" إنما هو بالمعنى الحضاري وليس بالمعنى الديني؛ لأن الإسلام كحضارة قد شمل ميادين أكثر عددًا وأوسع مدى من تلك التي امتد إليها نطاق الإسلام كدين .. فالإسلام يقرر "مدنية" السلطة السياسية في المجتمع، ويؤكد على "بشريتها"، وذلك عندما يقرر أن الطريق إلى تولي هذه السلطة هو شورى البشر، والاختيار والعقد والبيعة. وعندما يؤكد على نيابة الحاكم عن الأمة، ومسئوليته تجاهها وأمامها .. وهو في ذات الوقت لا يرى "الفصل" بين الدين والدنيا؛ لأنه -باعتراف الجميع- قد تناول عددًا من الأحكام وأشار إلى كثير من أمور الدنيا فاتخذت لنفسه فيها موقفًا، وقرر للحياة الاجتماعية عددًا من القواعد الكلية، المتمثلة في "مقاصد الشريعة" وآيات الأحكام التي قننت "للثوابت" دون "المتغيرات" ثم طلب من الناس أن يعيشوا ويتحركوا وأن يطوروا حياتهم ومجتمعاتهم في إطار هذه القواعد الكلية والوصايا الإلهية العامة، التي هي أشبه ما تكون بالمثل العليا والأطر الجامعة التي حددها الله للناس كي لا يضلوا عنها ولا يتنكبوا الطريق الموصل إلى تحقيقها أو الاقتراب منها على أقل تقدير .. ومن هنا فإن الصياغة التي نفضل استخدامها، والتي نراها التعبير الأدق عن موقف الإسلام من هذه القضية، هي أن نقول: إن الإسلام ينكر أن تكون طبيعة السلطة السياسية الحاكمة دينية، أي ينكر "وحدة" السلطتين الدينية والزمنية، ولكنه لا يفصل بينهما، وإنما هو "يميز" بينهما. فالتمييز لا الفصل بين الدين والدولة هو موقف الإسلام.
                        فاستبعاد الدين ونفيه من نطاق العوامل الحاكمة والمؤثرة في المجتمع
                        (2/241)
                        خطأ فكري. لا يتصور وضعه موضع التطبيق .. وفي نفس الوقت فإن محاولة صبغ السياسة والحكم بالصبغة الدينية الخالصة هي محاولة غريبة عن روح الإسلام؛ لأنها دعوة إلى أن يقتفي المسلمون أثار الأمم الأخرى التي وحدت السلطتين: الدينية والسياسية، فعاشت أظلم عصور تاريخها تستوي في ذلك كسروية الفرس وقيصرية الروم، في القديم، وأوربا في العصور الوسطى" "الدولة الإسلامية" (62 - 65).


                        - ويقول محددًا منهجه: "إن ما هو دين جاء به الوحي، وانتقل إلينا في القرآن - الذي هو معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - نتلقاه بروح الإيمان. من مصدره هذا. مستعينين بالسنة. التي ينفي عنها الوضع والتحريف موافقتها للقرآن، ومستأنسين ومسترشدين في نظرنا هذا بالعقل الذي هو "وكيل الله" في الإنسان جعل إليه زمام أموره وقيادة نشاطاته .. وإذا كان العقل -كدليل- هو من خلق الله، والقرآن -كدليل- هو من عند الله، فيستحيل قيام التعارض الحقيقي أو التضاد بين دليلين أبدعهما خالق واحد، وتعهد بواسطتهما معًا مهمة هداية الإنسان .. فإذا حدث وبدا أن هناك تعارضًا بين ظاهر النص وبرهان العقل، وجب تأويل النص -دون تعسف- بما يتفق مع برهان العقل، حتى تتوافق في هداية البشر الأدلة النابعة من مصدر واحد، هو الخالق سبحانه وتعالى" "الدولة الإسلامية" (16).
                        ويقول": "ما قضاه وأبرمه وقرره الرسول في أمور الدين عقائد وعبادات، لا يجوز نقضه أو تغييره حتى بعد وفاته؛ لأن سلطانه الديني، كرسول ما زال قائمًا فيه. وسيظل كذلك خالدًا بخلود رسالته عليه الصلاة والسلام .. على حين أن ما أبرمه من أمور الحرب والسياسة يجوز للمسلمين التغيير فيه بعد وفاته. لأن سلطانه هنا قد انقضى بانتقاله إلى الرفيق الأعلى.
                        وخلفه سلطان الخليفة، الذي هو سلطان مدني لا أثر للسلطة الدينية فيه"
                        _______________________
                        "الدولة الإسلامية" (76).
                        (2/242)
                        7 - يحتج الدكتور على دعواه السابقة بعدة أدلة يمكن تلخيصها كالآتي:
                        أ- حديث تأبير النخل "أنتم أعلم بأمور دنياكم".
                        ب- أن الخلافة كانت بالشورى والاختيار والعقد والبيعة لا بالميراث.
                        ج- أن الحكم في القرآن والسنة لا يدل على الحكم في السياسة بل الحكم في القضاء والمنازعات.
                        د- أن عمر - رضي الله عنه - اقتبس بعض أنظمة الفرس كالديوان.
                        هـ- أن الإسلام قد قرر الفصل بين أمة الدين وأمة الدولة.
                        وأن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تنقسم إلى سنة دينية ملزمة وسنة دنيوية غير ملزمة ومنها مشاوراته للصحابة في عدد من الحوادث وقضاؤه بينهم بحسب ما يظهر له مستشهدًا على قوله هذا بكلام للقرافي والدهلوي سيأتي في موضعه.



                        ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                        تعليق


                        • * العلمانية في الميزان السلفي:
                          نحن نرفض العلمانية ونحن نرفض السلطة الدينية! هذا حكم أهل السنة وهو موافق لحكمك فما الفرق بيننا إذن؟ الفرق بيننا أن منهج أهل السنة يؤمن بالإسلام كاملاً، لأنه منهج يعم حياة المسلم صغيرها وكبيرها، وأما الدكتور عمارة فيؤمن بالعلمانية (المتمسلمة) التي تؤمن ببعض الإسلام وترد بعض فخلاصة كلامه -هداه الله- أننا يجب أن نأخذ العقائد والعبادات وأركان الدين من القرآن والسنة لأنها وحي لا يتغير بالزمن، وأما في السياسة وشئون المجتمع فالمرجع فيها إلى الأمة والمصلحة لا القرآن والسنة؛ لأنها ليست دين .. ولكن كل ذلك "في إطار الوصايا العامة والقواعد الكلية التي
                          (2/243)
                          قررها هذا الدين"!! كما يقول. وأيضًا أمور الاقتصاد والعمران والتصوف بأنواعه مثلها. هذا ملخص ما يريد الدكتور وهو ينطوي على مخالفات شرعية مستترة ستتضح أثناء النقاش.

                          فيقال للدكتور:
                          1 - لا أعرف أحدًا من الإسلاميين من أهل السنة في هذا الزمان يقول بالسلطة الدينية كما تزعم، وإنما تلك المقولات تخيلات في ذهنك أسأت بها فهم كلام الأستاذين المودودي وسيد قطب -رحمهما الله- (1) فالسلطة الدينية لم يقل بها سوى الشيعة الذين يجعلون للإمام العصمة في قراراته أما عندنا أهل السنة فلا يجرؤ أن يقول ذلك أحد.
                          فلماذا تكذب عليهما؟ وتحمل كلامهما ما لا يحتمل وما لا يقوله إلا جاهل بطبيعة المنهج الإسلامي فحديثهما في واد وأنت وفهمك في واد آخر فأنت تقول عن المودودي أنه: "ذهب فأحيا شعارًا من شعارات الخوارج -رغم عدائه لفكرهم- وهو شعار الحاكمية فأثار بلبلة ولغطًا وشبهات كثيرة في حقل الفكر السياسي الإسلامي المعاصر" "الطريق" (267).
                          وهو يقول عن نفسه: "إن الإسلام لا طاعة فيه لأحد من الناس، وإن الآيات التي أوردناها آنفًا لتدل دلالة صارخة على أن الطاعة ليست إلا لله عز وجل، وما جاء الإسلام إلا لأن يقمع شأفة عبودية الإنسان لغير الله، وأن يقضي على ألوهية البشر. ومن الواضح النبين أن الإسلام لا طاعة فيه لأحد من البشر ككونه أحد أفراد البشر. فما طاعة الرسول إلا باعتباره قد أوتي الحكم والنبوة من الله، وما طاعة الحكام إلا باعتبارهم منفّذين لأحكام الله
                          __________
                          (1) كل يؤخذ من قوله ويترك، وكتاب "المورد العذب" للشيخ الدويش فيه النقد الجميل العفّ لما كتبه سيد قطب في "الظلال"، واقرأ في الرد على الشيخ المودودي "المودودي" للجمال، و"موقف الجماعة الإسلامية من الحديث" لمحمد إسماعيل، وانظر في الحكم على قطب والمودودي فتوى العلامة ابن باز في مجلة المجتمع (202).
                          (2/244)
                          ورسوله، وما طاعة العلماء إلا لأجل أنهم يرشدون الناس إلى أحكام الله ورسوله وحدود الله في مختلف شعب الحياة. فإذا جاء أحد منهم بأمر من الله، فالواجب على المسلم أن يطأطئ له رأسه دون أن يستنكف عن طاعته؛ لأنه لا حرية له في الفكر والرأي أبدًا أمام الله خالقه ورازقه وحاكمه الحقيقي المطلق. وأما إذا جاء أحد من البشر مهما كان شأنه يعرض على المسلم رأيه وفكرته من نسيج خياله فإن طاعته على المسلم ليس واجبًا. وله الحق كل الحق أن يمارس حريته في التفكير ويقيم رأيًا من الآراء. كما له الحق في أن يأخذ برأي غيره إن ارتاح إليه قلبه.

                          وأن يخالفه بحرية تامة إذا رآه لا يستقيم" (1) "مفاهيم إسلامية" (129).
                          وأنت تقول عن سيد -رحمه الله-: "لم يختلف موقف سيد قطب في الجوهر عن موقف المودودي في نظرية الحاكمية الإلهية فهي بمقتضى لا إله إلا الله كما يدركها العربي العارف بمدلولات لغته لا حاكمية إلا لله ولا سلطان لأحد على أحد لأن السلطان كله لله .. والحاكفية الإلهية عامة في الجانب الإرادي من حياة الإنسان كما هي في الجانب الفطري والوجودي شاملة لما هو دنيوي شمولها لما هو ديني عامة فيما هو سياسة عمومها فيما هو عبادة" "الصحوة الإسلامية" (149).
                          وهو يقول: "الإسلام لا كهانة فيه ولا وساطة بين الخلق والخالق، فكل مسلم في أطراف الأرض، وفي فجاج البحر، يستطيع بمفرده أن يتصل بربه، بلا كاهن ولا قسيس، والإمام المسلم لا يستمد ولايته من "الحق الإلهي" ولا من الوساطة بين الله والناس، وإنما يستمد مباشرته للسلطة من الجماعة الإسلامية، كما يستمد السلطة ذاتها من تنفيذ الشريعة، التي يستوي الكل في فهمها وتطبيقها متى فقهوها، ويحتكم إليها الكل على السواء.
                          __________
                          (1) "مفاهيم إسلامية" للمودودي (ص 129).
                          (2/245)
                          فليس في الإسلام "رجل دين" بالمعنى المفهوم في الديانات التي لا تصح مزاولة الشعائر التعبدية فيها إلا بحضور رجل الدين، إنما في الإسلام علماء بالدين، وليس للعالم بهذا الدين من حق خاص في رقاب المسلمين، وليس للحاكم في رقابهمم إلا تنفيذ الشريعة التي لا يبتدعها هو بل يفرضها الله على الجميع" (1) "العدالة الاجتماعية" (13).


                          فكيف تتهمهما بما لم يقولا به؟ الذي أظنه -والله أعلم- أنك تعلم حقيقة قولهما، ولكنك ترى بسوء فهمك إن هذا القول منهما يتضمن القول بالسلطة الدينية ولو أنكرا ذلك في كتبهما وهكذا غيرهما من دعاة الإسلام الذين يطالبون بتحكيم الشريعة (كاملة) ويدل لذلك قولك: "وهم بقولهم هذا .. يجعلون صاحب السلطة السياسية في النظام الإسلام -الحاكم- وكيلاً عن الله سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا لأن الحاكم هو في النهاية منفذ شريعة ومطبق قانون .. " "الدولة الإسلامية" (32) وهذا الفهم الخاطئ جرك إلى اعتقاد أن من يطالب بتحكيم الشريعة في هذا الزمان هو من الداعين إلى السلطة الدينية.
                          - يقول عبد القادر عودة -رحمه الله-: "إذا كان من وظيفة الحكومة الإسلامية أن تقيم الدين فإنها لا تعتبر من نوع الحكومات الدينية التي يسميها الفقه الدستوري حكومات ثيوقراطية" (2).
                          - ويقول الشيخ سفر الحوالي: "أما السلطة الكهنوتية فلا وجود لها في الإسلام لا بالشكل الذي رأيناه سلفًا في أوربا النصرانية ولا بغيره. ذلك أن الإسلام -وهو دين التوحيد الخالص- إنما أنزله الله لتحرير العباد وإخراجهم
                          __________
                          (1) "العدالة الاجتماعية" لسيد قطب (ص 13). وفي هذا الكتاب تطاول سيد قطب على الصحابيين عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان ما لا يقبله أي مسلم.
                          (2) "الإسلام وأوضاعنا السياسية" لعبد القادر عودة (ص 101).
                          (2/246)
                          من عبودية العباد إلى عبادة الله وحده وطاعته دون سواه في التلقي وفي الاتباع في المنهج والسلوك " (1).
                          - ويقول الشيخ القرضاوي: "أما الحاكمية بالمعنى التشريعي ومفهومها أن الله سبحانه هو الشرع لخلقه وهو الذي يأمرهم وينهاهم ويحل لهم ويحرم عليهم فهذا ليس من ابتكار المودودي ولا سيد قطب بل هو أمر مقرر عند المسلمين جميعًا" (2).
                          فالحاكم لا يطاع إلا لأجل تنفيذ أوامر الله وأحكامه وإما إذا خالف ذلك فلا حق له بالطاعة. وهذا عمل الخلفاء الراشدين بعده - صلى الله عليه وسلم - والغريب أنك لم تطلق على حكمهم مسمى "الحكومة الدينية" مع أننا لا نطالب إلا بمثل حكمهم!! فما الفرق بيننا؟ الخلاف بيننا وبينك ليس هو في اعتقادك أن العلماء والدعاة يقولون بالحكومة الدينية بشكلها النصراني فأنت تعلم أنهم لم يقولوا بذلك كما سبق وإنما الخلاف بيننا في تحديد السلطة المدنية والسلطة الدينية كما فرقت بينهما أو أمور الدين وأمور الدولة. فقولك إن أمور السياسة والاقتصاد والعمران والفن لا تدخل ضمن الدين قول فيه إجمال فهو من الأسماء المبهمة التي يتوقف فيها أهل السنة فلا يجيبوا بنفي ولا إيجاب حتى يعرفوا معناها فهي كألفاظ الجسم والتركيب والجوهر والحيز في باب العقائد يتوقف فيها كما هو معروف من مذهب أهل السنة فإن كان حقًّا أقر وإن كان باطلاً رد .. وهكذا قولك هذا فماذا تعني بالسياسة؟ إن كنت تعني مثلاً أن تختار الأمة حكامها بنفسها مع الشروط التي اشترطها الإسلام فيهم وإن يشاورهم هذا الحاكم في أمور الدولة التنظيمية وفي شئون الحرب المتغيرة كخطة الحرب (التكتيكية) من أين يهاجم؟ وأي قائد يولي على هذه الجهة؟
                          __________
                          (1) "العلمانية" (ص 607).
                          (2) "بينات الحل الإسلامي" للقرضاوي (ص 162).
                          (2/247)
                          ونحو ذلك فهذا الأمر نوافقك في أنه لم يرد فيه نصوص ملزمة، وإنما هو متروك للحاكم.
                          وأما إن كنت تعني بالسياسة أن تكون الدولة ديمقراطية كما تصرح بذلك كثيرًا، وتكون السلطات بيد الشعب فهذا أيضًا مما يتوقف فيه لأنه مجمل. فإن عنيت بسلطات الشعب أن يشاركوا الحاكم في أحكامه التي سبق أمثله منها أي لم يكن فيها نص من القرآن أو السنة فهذا مما نوافقك عليه، ولكن لا نسميه ديمقراطية، وإنما هو الشورى الإسلامية ويتنبه هنا إلى أمرين:
                          1 - إن الذين يشاورهم الخليفة من الشعب في مثل هذه القضايا إنما هم أهل العقد والحل من أجلاء المسلمين وأصحاب الورع والتقوى والفكر الناضج وليست المشاورة لكل الشعب الذي يحتوي في مجمله على أناس من الجهلة والعوام والطغام الذين لا يفقهون شيئًا في هذه الأمور.
                          2 - إن مشاورة الحاكم لهم لا تعني أن يلزم بما يقولون ما لم يكن فيه نص بل هو يستمع إلى آرائهم ثم يفصل في الأمر بما يراه هو محققًا لمصلحة الأمة. ولا يلزمه أحد بشيء كما فعل عمر - رضي الله عنه - في أحكام كثيرة.
                          وأما إن عنيت بسلطان الشعب (الديمقراطية الغربية) (1) وهو ما تعنيه.
                          __________
                          (1) يذهب الشيخ سعيد حوى -رحمه الله- إلى جواز الأخذ بالديمقراطية الغربية لأن المسلمين في وضعهم الراهن في موقف ضعف أمام الرأي العالمي لا يُسمح لهم فيه بحرية القرار. ويستشهد باقتباس عمر للديوان من الفرس" (مجلة الإرشاد اليمنية - السنة السابعة عدد 10) والشيخ -غفر الله له- واهم في هذا القول الخيالي؛ لأن الدولة الإسلامية إذا عزمت على تحكيم الكتاب والسنة لا تحتاج بعدها إلى نظام آخر. ولا تلتفت إلى ضغط دولي أو غيره. وإنما هو اليقين والتوكل على الله. ولو راعت ما ذكره الشيخ لما بقي للإسلام إلا رسمه لمن تأمل. ثم ليعلم القارئ أنني لم أتوسع في موضوع الشورى والديمقراطية؛ لأن مكانها المناسب هو الرد القادم على (فهمي هويدي) -إن شاء الله- لكي لا تطول هذه الرسالة .. ولتصبح الرسالتان (عمارة - هويدي) تكمل إحداهما الأخرى" ا. هـ ما قاله الشيخ سليمان الخراش.
                          (2/248)
                          أي أن تكون الأمة هي مصدر التشريع بحيث تشرع القوانين التي تراها مناسبة للزمن المعاصر ولو خالفت نصًا من الكتاب أو السنة فهذا ما نرفضه رفضًا تامًا؛ لأنه تدخل في ما اختص به الله تعالى. وهو ما يسميه سيد قطب والمودودي بالحاكمية. وهذا هو الذي تدندنون حوله فقد صرحت في بعض كتبك بأن الهدف من سن القوانين المتنوعة التي يراها الشعب هو مصلحة الأمة ولو عارض ذلك نصًّا من الكتاب والسنة ومثال ذلك قولك: "الإسلام كدين لم يحدد للمسلمين نظامًا محددًّا للحكم؛ لأن منطق صلاحية الدين الإسلامي لكل زمان ومكان يقتضي ترك النظم المتجددة قطعًا بحكم التطور للعقل الإنساني الرشيد. يصوغها وفق مصلحة المجموع وفي إطار الوصايا العامة والقواعد الكلية التي قررها هذا الدين" "الدولة الإسلامية" (53)، وفي نص آخر تقول: "إن الأمة هنا هي مصدر السلطات شريطة أن تتقيد سلطاتها بالوصايا الدينية المتمثلة في النصوص القطعية الثبوت والقطعية الدلالة طالما بقيت هذه النصوص محققة لمصلحة الأمة في مجموعها وإلا قدمت المصلحة على هذه النصوص .. لأن الشريعة في السياسة والدولة والعمران مقاصد ورأس هذه المقاصد ومحورها وجماعها هو تحقيق مصلحة الأمة الكافلة لسعادتها في الدنيا والآخرة" "العلمانية" (51).
                          - قلت: ومعنى هذا الكلام الخطير الذي (يميع) الإسلام وسلطانه في الأرض أن الشعب (الجاهل) إذا اجتمع يومًا ما ورأى أن أمرًا ما يحقق المصلحة للدولة فإن الحاكم يلتزمه ولو خالف القرآن والسنة كما قال الدكتور فيترتب على هذا الأمر الخطير قضايا كثيرة .. وهكذا قضايا كثيرة وخطيرة لا تحصر .. فإن العمدة عند الدكتور هو (المصلحة) لا غير فهو (براجماتي) مسلم! وأما النصوص الشرعية فكما اعترف هو بنفسه فإنها تقذف في البحر!! والعياذ بالله! والطريف قوله بعد ذلك: "في إطار الوصايا العامة
                          (2/249)
                          والقواعد الكلية التي قررها هذا الدين"! فإن هذه العبارة تذكرني بعبارة كثير من الصحفيين عندما يطالبون بأمر يخالف الإسلام يتسترون بقولهم: "في ظل العقيدة السمحة"! فهي لافتات معروضة في الطريق لكل من أراد هدم الإسلام من داخله ودون أن يشعر به أحد .. (هم العدو فاحذرهم).



                          ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                          تعليق


                          • * محمد عمارة والاشتراكية:
                            - (العدل الاجتماعي) .. أحد أهداف الدين الإسلامي التي جاءت نصوصه لتحقيقها عن طريق حفظ حقوق المسلمين وعدم الإضرار بهم .. ومساواتهم أمام نظم الإسلام وأحكامه.
                            والدكتور عمارة يدعو كثيرًا إلى .. (العدل الاجتماعي). بل علمنا فيما مضى أنه الفكرة التي تُشغل باله وتملأ عليه حياته في السنوات الأخيرة.
                            وقد تأملت كثيرًا في .. (العدل الاجتماعي) الذي ينادي به الدكتور .. فألفيته اشتراكية ترتدي مسوح الإسلام! فلنستمع أخي القارئ إلى نصوصه وشبهاته حول ذلك ثم لنستمع إلى حكم الإسلام في الاشتراكية والإجابة عن شبهاته.
                            يقول الدكتور: "الإسلام كدين ومن خلال كتابه الكريم وسنته التشريعية العامة لم يحدد لمستقبل المسلمين نظرية اجتماعية بعينها ولم يشرع لمجتمعهم تشريعًا اقتصاديًّا دائمًا بذاته لأنه وهو خاتم الرسالات والمقرر أن لله في كونه سننًا منها سنة التطور والتحول والتغيير ما كان له أن يضع القيود المسبقة على المصالح المتجددة والمتغيرة" "الإسلام والثورة" (53).
                            ويقول: وإذا شئنا إيجازًا يكشف فلسفة الإسلام الاجتماعية فإن باستطاعتنا أن نقول: إنه قد انحاز كل الانحياز إلى صف مجموع الأمة وعامتها وانتصر مصالح العاملين من أبنائها .. ثم ترك للواقع المتطور والمتغير أمر الاختيار والصياغة لما يحقق هذه المقاصد من نظريات وقوالب وتشريعات"
                            (2/250)
                            "الإسلام والثورة" (54).
                            ويقول: "والإسلام عندما انح
                            از في المسألة الاجتماعية إلى مجموع الأمة وجعل الاحتياجات معيارًا للحيازة إنما كان يستهدف تفادي المخاطر والمضار التي تنشأ عن تركز ثروة الله -ثروة الأمة- بيد قلة من الأغنياء يتداولونها ويحتجزونها فيما بينهم لأن في ذلك الفساد كل الفساد في المادة والفكر في الدنيا والدين .. فالثروة يجب أن توزع وفق الاحتياجات وذلك حتى لا يزداد غنى الأغنياء فيصبح المالى حكرًا عليهم يتداولونه دولة بينهم" "الإسلام والثورة" (57).
                            ويقول: "ومذهب أبي ذر الغفاري أنه ما زاد على حاجة الإنسان فهو كنز سيكوى به ويعذب يوم القيامة حتى وإن أخرج عنه الزكاة .. وهو أيضًا مذهب علي بن أبي طالب الذي قرر أن الحد الأقصى لنفقة الإنسان 4000 درهم وما كثر عنه فهو كنز وإن أديت زكاته" "الإسلام والثورة" (64)!!!.
                            ويقول: "فتحريم الربا -وهو المال الناشئ عن مال دون عمل- يقطع بأن الفلسفة الاجتماعية للإسلام تقف مع المذهب القائل أن العمل هو الذي يعطي الأشياء حقيقة ومعظم قيمتها. وهو الأساس في الكسب وعليه المعول الأكبر في التمايز والامتياز" "الإسلام والثورة" (70).
                            - أخيرًا يلخص فكرته قائلاً: "لقد جعل المال مالاً لله .. منه فاض وعنه صدر وجعل الناس جميعًا مستخلبين فيه .. وحدد العمل سبيلاً للاختصاص فيه والحيازة منه .. ونهى عن حيازة ما زاد عن الاحتياجات التي يحدد العرف والعادة ودرجة ثراء المجتمع حدودها القصوى .. ونبه على وجوب الاشتراك العمومي في المصادر الأساسية لثروة الأمة والمجتمع" "الإسلام والثورة" (71).
                            (2/251)
                            * حكمها في الميزان السلفي:
                            - يقول الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله-: "لا اشتراكية في الإسلام، وإنما ذلك قول باطل دعا إليه بعض الناس وزعم أنه من الدين وسمى ذلك اشتراكية إسلامية تمويهًا وتضليلاً، فالمساواة بين الناس في المال مما لا سبيل إليه، وإنما هو تمرد على النظام السماوي غير أن الذي يُقال في هذا المقام إن هناك واجبات تجب في المال كالزكاة وحقوق الأقارب من النفقات وغيرها مما هو مذكور في موضعه من كتب الأحكام والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل".
                            - وقال الشيخ ابن باز: "إن الذين يدعون إلى الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرهما من المذاهب الهدامة المناقضة لحكم الله كفّار ضلاّل" (1).
                            __________
                            (1) "مجموع فتاوى ابن باز" (1/ 274).

                            ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                            تعليق


                            • * محمد عمارة (2) والدعوة إِلى التقريب بين السنة والشيعة:
                              - يدعو محمد عمارة إلى التقريب بين السنة والشيعة، وهو يكثر النقل عنهم وخاصة من أهم كتبهم (نهج البلاغة) الذي شرحه شيخه محمد عبده .. ولذلك فهو يثني على الدولة العبيدية الرافضية بمصر ويعتز بالانتساب إليها ..
                              - قال في كتابه: "عندما أصبحت مصر عربية 47": "ذلك التحيز الذي نجده في كتب التاريخ التي كتبها المؤرخون السلفيون (السنيون) عن مصر والقاهرة في زمن الفاطميين وهو موقف يجب أن يبرأ منه الباحث المعاصر؛
                              __________
                              (2) هو مثل فهمي هويدي صاحب كتاب "التدين المنقوص" الذي يشن حملة شعواء على السلفيين ويتهمهم بإثارة الفتنة بين السنة وإخواننا الشيعة!!! انظر (ص 97 - 105) من "التدين المنقوص" وانظر كلام الأخ خالد السيف عن فهمي هويدي وأفكاره في مجلة الييان (50).
                              (2/252)
                              لأنه لا ناقة له ولا جمل في هذه الخلافات التي فرقت العالم الإسلامي فكريًّا وسياسيًّا حينًا من الدهر والتي زالت منذ قرون بواعثها وأسبابها، ولم يعد مستساغًا أن نظل في القرن الرابع عشر الهجري أسري لحزازات ولدت أسبابها ثم ماتت في زمن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان".
                              - وقال أيضًا بعد أن ذكر وثيقة الحاكم في التقريب بين السنة والشيعة: "إذا كنا نعتقد بالأهمية الكبرى لهذه الوثيقة التي أصدرها الحاكم بأمر الله في رمضان سنة 398 هـ في الأمور التي تتعلق بشئون الدين والاعتقادات والتي حوت أفكارًا وقيمًا لا يزال المسلمون المستنيرون! يجاهدون في سبيل سيادتها وتطبيقها حتى في عصرنا هذا عندما يتحدثون عن التقارب بين المذاهب والفرق الإسلامية فضلاً عن توحيدها" (عندما أصبحت مصر عربية 113).
                              فهو لا يدعو إلى التقارب فقط بل إلى التوحيد الكامل .. وكيف ذلك؟ لا ندري! لأن الدكتور كما قلت لكم بارع في استخدام الألفاظ "المطاطة" التي لا تجد تحتها أي فائدة.


                              ونطالع في كتابه "تيارات الفكر" محاولة (غريبة) لتوحيد المذاهب كلها في مذهب واحد! ولكننا نفاجأ بعدم وجود مذهب أهل السنة والجماعة ضمن هذه المذاهب! وهو الأساس والكل يخطب وده فلذلك يحق لنا أن نسمي هذه المحاولة "التقريب بين أعداء السنة"! قال الدكتور: "وإذا نحن خرجنا من إطار نظرية الإمامة فلن نجد بين الشيعة الإمامية، وبين غيرهم من تيارات الفكر الإسلامي وفرقة خلافات تتجاوز في الأهمية أو التميز ما بين الفرق غير الشيعية من خلافات سواء أكان ذلك في إطار المباحث الكلامية أو فقه الفروع .. بل سنجد الاتفاق قائمًا أو التقارب متحققًا بين الشيعة الإمامية وغيرهم من فرق المسلمين في العديد من القضايا والتصورات .. يلقي الضوء على هذه المقولة. مقولة الاتفاق الكامل أو التقارب الشديد أو الاختلاف
                              (2/253)
                              المألوف بين الإمامية وغيرهم ممن لم يتشيع .. يلقي الضوء على هذه المقولة أمثلة نضربها للدلالة والتوضيح .. " (215) ثم ضرب أمثلة لتقاربهم مع المعتزلة وأهل البدع الآخرين إلى أن يقول: "تلك هي عقائد الشيعة الاثنى عشرية في الإمامة فكر مرفوض ممن عداهم .. كان ولا يزال سبب أنقسام أمة الإسلام وفي غير الإمامة اجتهادات يتفق أو يختلف معهم فيها غيرهم من المتكلمين المسلمين .. والأمر الذي يجعل أنظار الحريصين على وحدة الأمة الإسلامية تتركز حول مبحث الإمامة على أمل أن تطوير هذا المبحث من منطلق النظرة النقدية للتراث وفي ضوء منطق العصر ومصلحة الأمة كفيل بأن يجد تأويلاً -يرضى عنه كل الفرقاء- للمأثورات التي فصمت عرى وحدة الأمة لعدة قرون .. خصوصًا وأنها قد رويت لتعالج قضية صراع قد غدا الآن في ذمة التاريخ" (221).

                              - هكذا يا دكتور!! تجمع وتقرّب وتوحّد .. وأهل السنة والجماعة وهم أصحاب الشأن في هذا التقريب المزعوم لا نحس منهم من أحد في تقريبك ولا نسمع لهم ركزًا .. أم أن الأمر كما قيل:
                              ويُقضى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يُستأمرون وهم شهود


                              - قال الدكتور في كتابه "الإسلام والمستقبل" (244) عند حديثه عن تيار الجمود (1) (وهم نحن! ):
                              "وفي قوم زعموا أنهم مجتهدون رغم تسليمهم واستسلامهم لأساطير تراثية ظلت تفعل فعلها في تقسيم المسلمين إلى شيعة وسنة".

                              * التقريب في الميزان السلفي:
                              لا تقارب بين السنة والشيعة .. أعلنها المخلصون الأذكياء من هذه الأمة
                              __________
                              (1) يعني بذلك السلفيين.
                              (2/254)
                              من الذين عرفوا دين الرافضة ومحصوه عبر السنين فاقتنعوا بأنه دين آخر غير الإسلام يقترب من اليهودية أكثر من الإسلام.
                              - قال السيد محب الدين الخطيب:

                              "إن استحالة التقارب بين طوائف المسلمين وبين فرق الشيعة هي بسبب مخالفتهم لسائر المسلمين في الأصول كما اعترف به وأعلنه النصر الطوسي وأقره عليه نعمة الله الموسوي وباقر الخونساري ويقره كل شيعي" (1).
                              - وقال الشيخ الألباني:

                              "لو أن أهل السنة والشيعة اتفقوا على وضع قواعد في مصطلح الحديث يكون التحاكم إليها عند الاختلاف في مفردات الروايات ثم اعتمدوا جميعًا على ما صح منها لو أنهم فعلوا ذلك لكان هناك أمل في التقارب والتفاهم في أمهات المسائل المختلف فيها بينهم أما والخلاف لا يزال قائمًا في القواعد والأصول على أشده فهيهات هيهات أن يمكن التقارب والتفاهم معهم بل كل محاولة في سبيل ذلك فاشلة والله المستعان" (2).
                              - ويقول الأستاذ عبد الله الغريب:

                              "أطالب هؤلاء الذين يتباكون على ضرورة التقائنا مع الرافضة أن يقوموا بإحصائية لعدد من الكتب الحديثة التي ألفها كبار علمائهم وسيجدون أنها تزيد على الألف كلها تشكيك بأصولنا وعقيدتنا .. وعندئذ سيعلمون -لو أنصفوا- أن إمكانية الالتقاء معهم غير ممكنة" (3).
                              __________

                              (1) "الخطوط العريضة" لمحب الدين الخطيب (ص 43).
                              (2) "السلسلة الضعيفة" (2/ 299).
                              (3) "وجاء دور المجوس" للغريب (10).


                              ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                              تعليق


                              • (2/255)



                                * محمد عمارة وتحرير المرأة:

                                الحديث عن المرأة المسلمة كما يقول الدكتور: "حديث طويل وعريض وعميق وأكثر من هذا فإنه مليء بالاختلافات والتناقضات" "الإسلام والمستقبل" (199)، وصدق الدكتور! فإن الحديث عن المرأة في هذا العصر فيه اختلافات وهذه الاختلافات في قضايا واحده لا تتغير ولا تتبدل ..
                                وسبب هذه الاختلافات الهوى ولو التزم المختلفون كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - مرجعًا لهم لما حدثت الاختلافات. والدكتور في حديثه عن المرأة ذكر بعض المخالفات الشرعية وجعلها هي الصواب وغيرها الخطأ زاعمًا أن ما خالفها فهو (تخلف)! هكذا دون أن يذكر آراء (المتخلفين) كي لا تؤثر في الأمة كما أثر غيرها لا سيما بعد انتشار (النقاب) الذي أسهر ليل الدكتور وأرقه أشد مما أسهرته وأرقته قضية فلسطين! فأصبح الهمّ الأكبر له ولأمثاله من (العقلانيين) أعني (غير المتخلفين)! فماذا يقول الدكتور حول المرأة؟ .. وماذا نقول؟ لنبدأ بالدكتور (المستنير) ليضيء لنا الطريق! ثم أتبعه بقول أهل السنة.
                                - يقول الدكتور: "لقد ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات دون أن تعني مساواته هذه إلغاء تمايز الجنسين في الطبيعة أو الاختصاص فقرر للمرأة إنسانيتها واحتفظ لها بتميزها بل رأى في هذا التمييز قسمة من قسمات إنسانيتها التي بها تتحقق المساواة بينها وبين الرجال" "الإسلام والمستقبل".
                                - ويقول: "نحن إذا سلمنا بتمايز الرجل والمرأة في هذه الأمور -أي القوة الجسدية والنظام الجسدي والخصائص النفسية- وتلك حقيقة فلن يعني ذلك الانفصال الكامل بين ميداني عمل كل منهما" "أبو الأعلى المودودي" (371).

                                (2/256)



                                يرى الدكتور أن ما دعا إليه قاسم أمين هو "الحجاب الشرعي" "الإسلام والمستقبل" (227) ويقول: "جمهور الفقهاء والمفسرين على أن الأصل هو جواز كشف المرأة لوجهها وكفيها إلا إذا خشيت الفتنة .. أما الأستاذ المودودي فالأصل عنده هو النقاب وتغطية جميع أجزاء جسم المرأة ولا يجوز كشف الوجه والكفين إلا للضرورة. وهو بذلك قد ارتاد -في حركة الصحوة الإسلامية- التفكير لظاهرة الغلو بواسطة النقاب التي لا تكتفي بالحجاب" "المودودي" (384).

                                يرى الدكتور أن "ما لدينا في تراثنا حول قضية ولاية المرأة لمنصب القضاء هو فكر إسلامي وآراء فقهية واجتهاد فقهاء وليس دينًا وضعه الله وأوحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام" "الإسلام والمستقبل" (237).
                                أما حديث: "ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة" فهو "نبوءة سياسية من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفشل الفرس المجوس أولئك الذين ملكوا عليهم امرأة وليس حكمًا بتحريم ولاية المرأة للقضاء .. فلا ولايتها العامة ولا الخاصة كانت بالقضية المطروحة على مجتمع النبوة كي تقال فيها الأحاديث" "الإسلام والمستقبل" (241).
                                يرى الدكتور جواز الاختلاط في الأماكن العامة "المودودي" (385).
                                يرى الدكتور جواز عمل المرأة في السياسة والقانون والفنون والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة و .. إلخ "المودودي" (378).
                                يحتج الدكتور على آرائه في العمل والاختلاط العام بمشاركة بعض الصحابيات في بعض الغزوات.
                                يرى الدكتور جواز مشاركة المرأة في الانتخابات والمجالس النيابية "المودودي" (380) ويحتج على ذلك بأن الصحابيات بايعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - واشتركن في بيعة العقبة.

                                (2/257)



                                * محمد عمارة ومفهوم الجهاد عنده:

                                يرى الدكتور عمارة أن "القتال في الإسلام سبيل يلجأ إليها المسلمون عند الضرورة، ضرورة حماية الدعوة وتأمين حرية الدعاة وضمان الأمن لدار الإسلام وأوطان المسلمين .. سيان كان ذلك القتال دفاعيًّا تمامًا أو مبادأة يجهض بها المسلمون عدوانًا أكيدًا أو محتملاً .. فهو في كل الحالات صد للعدوان .. إما إذا جنح المخالفون إلى المسلم وانفتحت السبل أمام دعوة الإسلام ودعاته وتحقق الأمن لدار الإسلام فلا ضرورة للحرب عندئذ ولا مجال لحديث عن القتال باسم (الدنيا) كان ذلك الحديث أو بالسم (الدين) " "الدولة الإسلامية" (136).
                                ويقول: "الحديث عن أن الإسلام يوجب على أهله قتال كل حكومات المعمورة وجيوشها فإنه أقرب إلى هذيان الضعفاء ينفسون به عن العجز إزاء القهر الذي يمارسه الطغاة الداخليون منهم والخارجيون إزاء عالم الإسلام وشعوبه .. وهو هذيان يسخر منه الواقع الإسلامي بإمكانياته الحالية والمحتملة ومن ثم فلا أثر له إلا جلب العداء للمسلمين والنفور من الإسلام .. فضلاً عن منافاة فكر دعاة هذه الحرب الدينية لفكر الإسلام الحق في هذا الموضوع" "الدولة الإسلامية" (136).
                                ويؤكد رأيه قائلاً: "ليس في الإسلام حرب دينية .. لأن القتال لا يمكن أن يكون سبيلاً لتحصيل التصديق القلبي واليقين الداخلي الذي هو الإيمان" "الدولة الإسلامية" (136).
                                - قلت: فكرة الدكتور عمارة في هذه القضية تتلخص في أن الحرب في الإسلام التي مارسها الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - من بعده هي حرب (سياسية) لا (دينية)! أي أنه لم يفرضها لنشر الإسلام وإكراه الناس على الدخول فيه. بل هي باختلافها حرب لتأمين الدولة الإسلامية ضد العدوان

                                (2/258)



                                عليها .. وأنه لا يمكن وجود حرب دينية في الإسلام لفرضه على الناس؛ لأن الله قد أذن بتعدد الشرائع .. فالإسلام ليس هو الدين الحق لوحده في هذا الزمان فهناك اليهودية والنصرانية .. فلماذا يقاتلهم المسلمون وهم مثلهم على هدى؟! ويرى أن الأجدى بدلاً من هذه الحرب الهجومية التي يطالب بها الدعاة أن نهتم بالنهضة الإسلامية "المؤسسة على الوعي الناضج بحقيقة الإسلام الدين والإسلام الحضارة تلك التي ستحول عالم الإسلام وبلاد المسلمين إلى شاهد صدق على عظمة الإسلام وتقدميته وجدارته بأن يكون الدين الذي تتدين به الإنسانية الراشدة دون سواه" "الدولة الإسلامية" (136).

                                - ويجيب عن شبهات الدعاة بما سيأتي.
                                وهذا القول منه مخالف للكتاب والسنة وأحداث السيرة النبوية وتاريخ المسلمين. وهو قد استقاه من رجال عاشوا في زمن التبعية الغربية والانهزام الروحي أمام الكافر. فأصبح يردده في زمن أعز الله فيه الإسلام وأهله في عدة مواقع .. فكان الأحرى به أن يدع هذا القول (العتيق) ويتعالى بإسلامه قليلاً.


                                - قال سيد قطب -رحمه الله- رادًا على الدكتور ومن سار بسيره في هذه القضية: "المهزومون ررحيًّا وعقليًّا ممن يكتبون عن "الجهاد في الإسلام" ليدفعوا عن الإسلام هذا "الاتهام" يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة، وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه، والتي تُعَبِّد الناس للناس، وتمنعهم من العبودية لله .. وهما أمران لا علاقة بينهما ولا مجال للالتباس فيهما .. ومن أجل هذا التخليط، وقبل ذلك من أجل تلك الهزيمة! -يحاولون أن يحصروا

                                (2/259)



                                الجهاد في الإسلام فيما يسمونه اليوم: "الحرب الدفاعية" .. والجهاد في الإسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم، ولا بواعثها، ولا تكييفها كذلك .. إن بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة "الإسلام" ذاته ودوره في هذه الأرض، وأهدافه العليا التي قررها الله، وذكر الله أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بهذه الرسالة، وجعله خاتم النبيين وجعلها خاتمة الرسالات.

                                إن هذا الدين إعلان عام لتحرير "الإنسان" في "الأرض" من العبودية للعباد -ومن العبودية لهواه أيضًا وهي من العبودية للعباد- وذلك بإعلان ألوهية الله وحده -سبحانه- وربوبيته للعالمين .. ! إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها: الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض، الحكم فيه للبشر بصورة من الصور .. أو بتعبير آخر مرادف: الألوهية فيه للبشر في صورة من الصور .. ذلك أن الحكم الذي مردّ الأمر فيه إلى البشر.
                                ومصدر السلطات فيه هم البشر. هو تأليه للبشر، يجعل بعضهم لبعض أربابًا من دون الله. إن هذا الإعلان معناه انتزاع سلطان الله المغتصب ورده إلى الله، وطرد المغتصبين له، الذين يحكمون الناس بشرائع من عند أنفسهم، فيقومون منهم مقام الأرباب ويقوم الناس منهم مكان العبيد .. إن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض، أو بالتعبير القرآني الكريم: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}.
                                {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ... } .. " (1).
                                __________
                                (1) انظر "معالم في الطريق" لسيد قطب (ص 66 - 91)، و"افتراءات حول غايات الجهاد" لمحمد نعيم ياسين - دار الأرقم الكويت.

                                (2/260)



                                * محمد عمارة وخبر الآحاد:

                                - الدكتور عمارة في هذه القضية (مقلد) لفحول أهل الكلام ومن تابعهم من شيوخه يردد ما يقولون كما يردد فاتحة الكتاب في الصلاة فى دون أن يورد حججًا على هذه المقولة (الآحاد لا يقبل في العقيدة) .. وإنما هو الشعار الذي يعليه على هامته إذا كشفت الحرب بيننا وبينهم عن ساقها! واشتد الخطب فهي الملجأ وإليها المفزع من أحاديث الصفات والغيب (المرهبة) لكل مبتدع!
                                - قال الدكتور في حديث افتراق الأمة: "إنه ككثير من الأحاديث المشابهة حديث آحاد وليس بالمتواتر وأحاديث الآحاد وإن جاز أن نأخذ بها في الأمور العملية فإنها غير ملزمة في الاعتقادات" "الإسلام وفلسفة الحكم" (118)، ولو قلت (للدكتور): لماذا؟ لقال: هاه .. هاه لا أدري .. سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته!
                                - ويقول الدكتور نقلاً عن المعتزلة أنهم: "يميزون ما بين الأحاديث التي موضوعها الدين والعقائد وتلك التي موضوعها السنة العملية فيرفضون الاستدلال بأحاديث الآحاد -والأغلبية السابقة من الأحاديث أحاديث آحاد- على أمور الدين والعقائد ويقبلون الاستدلال بها في العمليات؛ لأن ما طريقه الدين لا يجب قبول خبر الواحد فيه أصلاً" "الإسلام وفلسفة الحكم" (184).
                                - قال أبو المظفر السمعاني في كتابه "الانتصار لأهل الحديث": "إن الخبر إذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواه الثقات الأئمة وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم هذا عامة قول أهل الحديث والمتقنين من القائمين على السنة، وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال ولا بد من نقله

                                (2/261)



                                بطريق التواتر لوقوع العلم به شيء اخترعته القدرية والمعتزلة وكان قصدهم منه رد الأخبار وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول. ولو أنصف الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم فإنك تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد" (1).

                                - وقال الإمام ابن حزم -رحمه الله-: "إن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجري على ذلك كل فرقة .. حتى حدث متكلمو المعتزلة بعد المائة من التاريخ فخالفوا الإجماع في ذلك" (2).
                                - وقال صاحب "الروض الباسم":
                                "قد انعقد إجماع المسلمين على وجوب قبول الثقات فيما لا يدخله النظر، وليس ذلك بتقليد بل عمل بمقتضى الأدلة القاطعة الموجبة لقبول أخبار الآحاد وهي محررة في موضعها من فن الأصول ولم يخالف في هذا إلا شرذمة يسيرة وهم متكلمو بغداد من المعتزلة والإجماع منطبق قبلهم وبعدهم على بطلان قولهم" (3).
                                - وللرد على عمارة ينظر إلى كتاب "الصواعق" لابن القيم، و"الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام" و"وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد" للشيخ الألباني، و"أصل الاعتقاد" للشيخ عمر سليمان الأشقر.


                                * ما هكذا يا دكتور عمارة تُورد الإِبلُ:
                                - يقول في كتابه "المعتزلة ومشكلة الحرية" (5): "نحن في مواجهة
                                __________
                                (1) "صون المنطق" (ص 160).
                                (2) "الإحكام" لابن حزم (1/ 102).
                                (3) "الروض الباسم" لابن الوزير (1/ 32).

                                (2/262)



                                خطر السلفية النصوصية الذي يتنكر للعقل والعقلانية ويتعبد بظواهر النصوص حتى ما تعلق منها بوقائع تاريخ السلف وتجاربهم البشرية واجتهاداتهم الإنسانية .. ونحن في مواجهة حركة التغريب التي تسعى إلى تغريب عقل الأمة وطرائق عيشها وأنماط سلوكها .. نواجه خطرًا تعني سيادته استلاب هوية الأمة وتميزها الحضاري وقطع سلسلة تواصلها المعرفي مع تراث الآباء والأجداد .. وبعض هذا الاستلاب متمثل في دعوة المتغربين إلى النمط الغربي في العقلانية تلك التي لا تقيم للنقل وزنًا ولا مكان للوحي فيها ولا التزام لها بشريعة السماء".

                                ويقول في كتابه "العلمانية" (6): "الذين ينظرون إلى واقعنا الفكري الراهن تزعجهم أبعاد هذا الانقسام بين: سلفية نصوصية تتعبد بظواهر نصوص لا قداسة لها .. وسلفية نصوصية هي الأخرى بظواهر نصوص لم يبدعها سلفنا وإنما أبدعها مفكرو الحضارة الغربية .. ".
                                ويقول في كتاب "الإسلام والمستقبل" (244): "عندما شرعت أمتنا في مغادرة إطار العصور المملوكية العثمانية إلى رحاب عصر يقظتها وإحيائها ونهضتها وتنويرها من خلف رواد مثل رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وخير الدين التونسي تصارعت على ساحتها واعتركت في أحشائها وتنازعت في عقلها ووجدانها تيارات رئيسية ثلاث: أولها: تيار الجمود الذي استعصم بفكرية العصور الوسطى واعتصم بعد أن أضفى على هذه الفكرية التي جسدت عصر تخلفنا الحضاري قداسة الدين وقدسيته .. وثانيها: تيار التغريب ذلك الذي انبهر أهله بتألق الحضارة الأوربية وإنجازاتها وانتصاراتها .. ".
                                - قلت: ولا يكاد يخلو كتاب للدكتور دون ذكر هذا التقسيم الثلاثي .. فالأمة عنده قد انقسمت إلى (متخلفين) (جامدين) (نصوصيين) (خرافيين) وإلى (متغربين) (علمانيين) .. وأما التيار الثالث (المنقذ! ) فهو تيار

                                (2/263)



                                الأفغاني (السوبرمان! ) أو تيار (السلفيين العقلانيين) (المتنورين) (المجتهدين) (تيار الوسط) .. ! وصفات تيار الجمود أنه يعيش في (خرافات) العصر المملوكي والعثماني وصفات أهل التغريب أنهم مولون ظهورهم للتراث .. وصفات المتنورين أنهم جمعوا الدين والعقل .. إلخ. لا يوجد طائفة أخرى في الأمة داخل هذه القسمة. فكأنه يريد أن يسوق الناس بعصاه إلى تيار الأفغاني كما تساق البهائم في المرعى! فهو يقول لهم: ليس أمامكم.

                                إلا أن تتغربوا .. فيقولون: أعوذ بالله!
                                أو أن تتخلفوا .. فيقولون: أعوذ بالله!
                                إذن فالزموا -حفظكم الله- نهج الأفغاني فالعدو من أمامكم والبحر من خلفكم! دعوة مغطاة إلى مذهب الباطل يتنبه لها كل فطن وهو في هذا الفعل يخون الأمة إذ لم يعرض لها المنهج الصحيح الذي يعرفه .. وهو المنهج السلفي الذي يجمع بين الدين كما عاشه الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة وبين الدنيا التي يحاول أن يبلغ فيها القمة -ولكن تعوقه عوائق يعلمها الدكتور! - فإذا كان الدكتور جاهلاً في المنهج فهو في تفصيلاته أجهل كما سيأتي.
                                ثم إن الباحث في كتبه -هداه الله- لا يدري هل يجعلنا من المتخلفين أم من المتغربين؟ أما المتغربون فلا أظنه يفعلها لبعد ما بيننا ولأني لم أعثر له على نص واحد في ذلك. وأما المتخلفون فإن الدكتور (يتخبط) في ذلك فتارة تراه يثني على (السلفيين) أو أحد أعلامهم وأنهم ضد التخلف .. وتارة يصمنا بالتخلف! فتعجب أهم ضد أنفسهم مثلاً؛ فهو يقول في كتاب "الطريق إلى اليقظة" (156): "المهام الأولى لليقظة الإسلامية مجابهة الجمود بالاجتهاد والتجديد .. والتصدي للغزوة الاستعمارية بالجهاد والتحرير"، ويجعل (الوها بية) أي (السلفية) كما هو معلوم في مقدمة هذه التيارات

                                (2/264)



                                اليَقِظَة .. فهو إذن قد أخرجنا من أهل الجمود والتخلف.

                                وفي كتاب "التراث في ضوء العقل" (236) يقول: "مصطلح السلفية من المصطلحات التي يحيط بمضمونها الغموض في عدد من الدوائر الفكرية والسياسية في واقعنا العربي والإسلامي والمعاصر فهناك من يرون (السلفية) و (السلفيين) التيار المحافظ والجامد في حياتنا الفكرية وفي الجانب الديني من هذه الحياة على وجه الخصوص .. وهناك من يرون في (السلفية) وأهلها التيار الأكثر تحررًا من الخرافة والبدع ومن ثم الأكثر استنارة في مجال الفكر الديني بالذات"، فهو هنا يصفنا بالجمود! لأنه يعني بالفريقين السابقين نحن والأفغاني! وقد قال عن أهل الجمود في هذا الكتاب (10): "لم يكن في التراث الذي يبشرون به العروبة التي غدت قيمة أعلى الإسلام الحضاري والحضارة العربية الإسلامية مكانها بحكم ما للعرب من مكان الريادة والقيادة في الدين والدنيا بهذا المحيط الذي نعيش فيه .. بل بشروا بالتبعية للعثمانيين في عصر غدت فيه الدولة العثمانية ثوبًا مليئًا بالثغرات التي تسلل منها الغرب الاستعماري في صورة امتيازات وتسهيلات وحماية للأقليات .. إلخ حتى أصبح يلتهم ديار العروبة والإسلام إقليمًا وراء إقليم هكذا كان تراثهم الذي له يدعون وبه يبشرون" فهم مع العثمانيين .. ثم يقول في كتابه: "معارك العرب" (164) عن نهضة محمد علي: "وكان لا بد لهذه الصحوة بأن تصطدم بأعداء هذه الأمة التقليديين التخلف الممثل في السلطنة العثمانية والاستعمار الأوربي .. "، ومن المعلوم أن محمد علي قاتل (الوها بيين).
                                فكيف يكون ذلك؟ أم أنه التناقض والتخبط الذي اعتدناه منك. لا مخرج لك إلا بأن تقول: أنا ضد الجميع فالعثمانيون والترك (متخلفون) .. والوها بيون (متخلفون)، ولكن تخلف الوها بيين أقل من تخلف العثمانيين؛ لأنهم شاركوا ولو بقليل في اليقظة الإسلامية! وهذا ما أرجحه وسيأتي

                                (2/265)



                                دفعه. ولكن كان الأولى بالدكتور (الثوري) -والثورية تعني الشجاعة- أن يجهر بقوله ويقول: أعني بالمتخلفين والجاحدين السلفيين الذين يعيشون في مكان كذا! ومن أئمتهم فلان وفلان ومن المعاصرين فلان وفلان؛ والسبب أنهم قالوا كذا وكذا وهذا تخلف .. والصواب كذا وكذا. هذا هو المنهج السليم إذا أردت أن تنقد طائفة ما أن تذكر أقوالهم "الصحيحة" وتفندها وتدلي بقولك الذي تراه لينظر فيه .. أما الكلمات الرنانة وتخويف الأمة من السلفيين (المرعبين)! فهذا منهج (المهرجين).

                                2 - مثال ثان على القسمة الثلاثية عند الدكتور: قال في كتاب "المعتزلة" (6) بعد أن حذرنا كالعادة من النصوصيين السلفيين ومن المغتربين (فالسلفية النصوصية تشل بالجبر والجبرية فعاليات الإنسان فتسهم في تأييد وتأبيد التخلف السائد في عالم الإنسان ومذاهب الغرب في الحرية قد أفقدت الإنسان توازنه واتزانه وذلك عندما حولته إلى حيوان مادي أو فرد متعال أو متغرب بسبب المادية والإلحاد عن الكون الذي يعيش فيه وليس سوى مذهب الإسلام! في الحرية الإنسانية سبيلاً للخروج من هذا المأزق الذي دفعنا إليه السلفيون النصوصيون! والمتغربون". ويعني بمذهب الإسلام .. مذهب القدرية كما علمنا في مبحث "المعتزلة" فالقسمة ثلاثية: جبريون .. وغربيون متحررون .. ثم يأتي الفريق الوسط أو (المنقذ! ) كما أسميناه. فهل حقًّا مذهب السلف الجبر؟ أم أن الدكتور يجهل (أو يتجاهل) ذلك كما قال شيخ الإسلام: "إذا كان الله قد ذم هؤلاء الذين لا يعرفون الكتاب إلا تلاوة دون فهم معانيه كما ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون دل على أن كلا النوعين مذموم الجاهل الذي لا يفهم معاني النصوص والكاذب الذي يحرف الكلم عن مواضعه وهذا حال أهل البدع (1).
                                __________
                                (1) "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (17/ 439).

                                (2/266)



                                لم يكن مذهب السلف الجبر أبدًا بل شنعوا على أهله وذموهم أكثر مما ذمهم الدكتور وشيوخه. قال صاحب "الطحاوية" في بيان مذهب أهل السنة في القدر: "منشأ الضلال: من التسوية بين: المشيئة، والإرادة، وبين: المحبة، والرضا، فسوّى الجبرية والقدرية، ثم اختلفوا.

                                فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوبًا مرضيًا. وقال القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مقدَّرة ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه.
                                وقد دل على الفرق بين: المشيئة، والمحبة. الكتابُ والسنةُ والفطرةُ الصحيحة. أما نصوص المشيئة والإرادة من الكتاب، فقد تقدم ذكر بعضها.
                                وأما نصوص المحبة والرضا فقال تعالى: {لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}.
                                * وقال تعالى عقيب ما نهى عنه من الشرك والظلم والفواحش والكبر: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}.
                                • وفي "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
                                • وفي "المسند": إن الله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يكره أن تؤتي معصيته وكان من دعائه: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك". فتأمل ذكر استعاذته بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة. فالأول: الصفة، والثاني: أثرها المرتب عليها، ثم ربط ذلك بذاته سبحانه، وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره، فما أعوذ منه فى واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك، إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن

                                (2/267)



                                شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فإعاذتي مما أكره ومنعه أن يحل بي، هي بمشيئتك أيضًا، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك، فعياذي بك منك، وعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك، بل هو منك. فلا يعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية، إلا الراسخون في العلم بالله ومعرفته ومعرفة عبوديته" (1).

                                فالقسمة عندنا ثلاثية كما هي عندك ولكنها عندك كاذبة وعندنا صادقة، فهي عندنا: جبريون .. قدريون! .. أهل سنة.
                                3 - مثال ثالث على القسمة الثلاثية عند الدكتور: قال في كتاب "الإسلام والعروبة" (86): "الأمر الذي يجعل الأمة تواجه الخطر القديم الجديد .. خطر التشرذم والانقسام الحاد في قوى الأصالة الممثلة لذاتها الحقيقية: قوميون يديرون ظهرهم للإسلام .. وإسلاميون ينفرون من العروبة كل النفور" فالقسمة عنده: قوميون ملحدون .. أو إسلاميون شعوبيون .. ثم التيار (المنقذ! ) كالعادة. وقد سبق في مبحث (القومية) أن هذه القسمة باطلة وأن أحدًا من العلماء والدعاة المعاصرين لم ينفر من العروبة كل النفور كما يزعم الدكتور بل هم يتبعون النصوص الواردة في فضل العرب ولكن لا يغلون فيهم .. وكأن الإسلام لن يمضي دونهم وقد سبق بيان ذلك وبيان أن مذهب الدكتور الحقيقي في هذه القضية هو (القومية المستترة).
                                4 - مثال رابع على القسمة الثلاثية عند الدكتور: قال في كتابه "العلمانية" (5): "في فكرنا السياسي الحديث يلعب الخلاف حول طبيعة
                                __________
                                (1) "الطحاوية" (ص 251).

                                (2/268)


                                السلطة في الدولة الإسلامية دور المحور الذي يحدد الاتجاهات والتيارات فالذين يرون السياسة والدولة دينًا خالصًا ووضعًا إِلهيًّا يقيسون خلافاتهم مع خصومهم بمعايير الكفر والإيمان وتكاد أن تظهر وتشيع في كتاباتهم مراسيم الغفران والحرمان .. أما الذين فصلوا الدين عن الدولة وباعدوا ما بين الرسالة والسياسة فإنهم الذين يتبنون اليوم في حياتنا الفكرية الدعوة إلى العلمانية".
                                فالقسمة ثلاثية عنده .. إما أن ندعو إلى السلطة الدينية (الكهنوتية) كما فعل النصارى أو أن ندعو إلى العلمانية ثم الفريق الثالثة (المنقذ! ) وهو الداعي إلى (العلمانية) المستتره كما مر معنا وكما صرح الدكتور به في كتابه "تيارات الفكر" (323) نقلاً عن مشايخه حيث قال عن أحدهم (الكواكبي): "إنه يدعو إلى دولة قومية وليس إلى دولة دينية إسلامية فهو كغيره من أعلام هذا التيار كما سبق وأشرنا إلى مذهبه ينكر وجود سلطة دينية أو كهنوتية في الإسلام".
                                وقال عن محمد عبده بعد أن ذكر نقده للسلطة الدينية: " .. ثم يعمم هذا الموقف العلماني العقلاني فيقيم به التاريخ الإسلامي ويقرر أن الفتوحات التي حدثت بعد ظهور الإسلام كانت فتوحات سياسية، ولم تكن بالحروب الدينية .. " "نظرة جديدة" (249).
                                ويقول عن شيخ مشايخه! الطهطاوي: "والطهطاوي الذي أنجز مع تلاميذه ترجمة القوانين المدنية والتجارية الفرنسية للدولة المصرية في القرن الماضي فعل ذلك من موقف عملي علماني .. " "نظرة جديدة" (253).
                                وأما رأي أهل السنة والدعاة الإسلاميين فلا يذكره أبدًا؛ لأنه ينادي بتحكيم شرع الله في السياسة والاقتصاد والاجتماع.


                                ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
                                ردود 0
                                24 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
                                ردود 112
                                158 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
                                ردود 3
                                32 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عاشق طيبة
                                بواسطة عاشق طيبة
                                 
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
                                ردود 0
                                114 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
                                ردود 3
                                58 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                يعمل...
                                X