كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام

تقليص

عن الكاتب

تقليص

نور الهداية مسلمة ولله الحمد اكتشف المزيد حول نور الهداية
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    * توفيق الحكيم ينكر رؤية الله في الآخرة ويخوّل لنفسه أن يتكلم باسم الله:

    "منذ أن بدأ توفيق الحكيم كتاباته الأولى كان واضحًا أنه مغرب وأن أمانته للفكر لغربي أكبر من أمانته للفكر الإسلامي العربي وعندما كتب أكبر أعماله: أهل الكهف وسليمان الحكيم، اعتمد على التوراة مصدرًا للقصة، وبذلك جار على مفهوم الإسلام الذي قدمه القرآن الكريم وهو في مختلف القضايا الكبرى المثارة أخذ جانب التغريب (رأيه في العرب، الفن للفن، لا يوجد اليوم شرق، القبعة) وهو الذي عاش في كنف النفوذ الاستبدادي مؤيداً ومساندًا حتى إذا تغير الوضع أعلن موقفًا جديدًا ثم هو الموالي لكل تيار: الاشتراكية، لوجودية، اللامعقول، الفرعونية، اليونانية، وفي القصة انتقل من الواقعية إلى الرمزية، إلى اللامعقول وفي آخر حديث له قال: إن كل أعمالي التي تبت العمر فيها لا قيمة لها، ضيعت حياتي في كتب كان يخيل إلي أن لها قيمة، ربما كانت لها قيمة في الثلاثينات والأربعينات ولكن بعد الخمسينات لا أظن.
    ولم يكن توفيق الحكيم إلا ناقل فكر غربي من مختلف مدارس المسرح والقصة وكان للمسرح والقصة اليونانية والغربية بهرًا في مطالع المرحلة، ولكن ثقافة الأمة وذوقها قد تحول، وبدأت أشياء جديدة تأسر العواطف والمشاعر.
    أما موقفه من العرب، هذا الموقف الكاره الذي يقوم على انتقاص الأمة التي أختيرت لحمل رسالة الإسلام، بعد أن تهاوت أمانة الرسالة لدى أمم أخرى، فهو موقف مبني من الأمم الحاقدة التي لها ولاء خلف الإغريق والوثنيات، يقول توفيق الحكيم: في مسرحية "شهر زاد" صدى الأفكار الكثيرة التي دوت في ذهني إثر اتصالي بالفلسفة الأوربية. كانت الفلسفة
    (1/196)
    ________________________________________
    الأوربية في ذلك الوقت تقوم على أن الإنسان هو رب هذا الكون، وأن الله (جل وعلا عما يقولون علوًا كبيرًا) قد مات كما قال نيتشه وأن المتحكم في مصائر البشرية هو الإنسان وحده بحريته المطلقة، ولذلك كانت موجة الالحاد وإنكار الدين تغمر المحيط الثقافي الأوربي عندما ذهبت إلى باريس في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقد صدم هذه العقلية الشرقية المتدينة التي أحملها فوجدت كل هذه الأفكار المتضادة متنفسًا لها في مسرحية شهر زاد".
    - وتوفيق الحكيم الذي يعترف بأولياته ومصادره على هذا النحو هل استطاع أن يتحرر منها بأن يعود إلى أصالته أم أنه مضى منطلقًا في هذا الطريق الذي شقه ومن قبله العلمانيون التغريبيون أمثال طه حسين، ومحمود عزمي، الواقع أن توفيق الحكيم لم يغير طريقه وإنما مضى فيه إلى أبعد الحدود حين وصل إلى الحوار مع الله في السنوات الأخيرة والسخرية من ملائكة الله، ومن ملك الموت على وجه الخصوص في عديد من كتاباته وأحاديثه.
    - أما وقائع حياته فهي تكشف عن تبعية واضحة للفكر الغربي فهو من أوائل الدعاة إلى القبعة الأوربية واتخاذ الحضارة الغربية منطلقًا للعرب والمسلمين، وهو الداعي إلى الإقليمية المصرية ذات الطابع الفرعوني الكاره للعرب والمسلمين، وهو صاحب التبعية للنسق الغربي في الأدب والولاء للصهيونية العالمية والتلمودية، وقد تساقطت دعاواه ومذاهبه ومنطلقاته على مدى الأيام حتى أعلن ذلك صراحة في السنوات الأخيرة، ولكن المرحلة الجديدة من أحوال مصر والبلاد العربية جددت فيه الأمل مرة أخرى إلى التشكيك وإثارة البلبلة واقتحام مجالات لا يحسنها، وعرفت عنه تقلباته المتوالية، فبعد أن نعم بالعصر الناصري، عاد فأعلن هجومه عليه، ثم فعل كذلك مع السادات.
    (1/197)
    ________________________________________
    - قد وصف توفيق الحكيم في هذا المجال بالانتهازية، وقيل له: هل نسيت ما قلته مدحًا في عبد الناصر وعهده فلما ولى هاجمته هجومًا مريرًا في كتابه "عودة الوعي" وخلص إلى نتيجة مؤداها أن هذا العهد قد جر الخراب على مصر وعمم الإرهاب واعتذر لنفسه بأنه كان فاقد الوعي لا يدري ما كان يحدث ويجري.
    - ويقول أحد المعلقين: ولعل التربية غير السوية انعكست على أفكاره وتصرفاته وأسلوب حياته لقد فشل في تربية ولده الوحيد كما أنه فشل في أن يكون أنموذجًا للأب الصالح الذي يعتز به الولد، هذا إلى جانب فشله كأب في أن يتمتع به مع أن الأبناء من متع الحياة الدنيا، وزينتها، لقد مات ولده مخمورًا، قتلته الخمر تحت سمع وبصر والده المفكر الذي تطاول إلى الحديث مع الله، وقد جاء ذلك في اعترافاته التي رواها لمحررة مجلة صباح الخير.
    - يعدون توفيق الحكيم الأب الروحي لمدرسة الأهرام التي أنشأها هيكل: (حسين فوزي، وزكي نجيب محمود، ونجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس، وعبد الرحمن الشرقاوي) وهي مدرسة موالية للتغريب والمادية والفكر الإباحي المنحرف، كل على حسب وجهته والتي تمثل ظاهرة العلمانية التي تروج لها وتجعل من صحيفة الأهرام ميدانها والتي تحتمي فيها بنفوذ خطير، يجعل من شأن هؤلاء الكتاب طرح تصوراتهم دون أن تسمح بمناقشتهم أو الرد عليهم.
    ولقد كانت أكبر خطاياه ذلك الحوار الذي أجراه وأدخل فيه كلامًا على لسان الله تبارك وتعالى مجترئًا على هذا الجانب، فاتحًا الطريق إلى وجهة خطيرة لم يسبق أن جرؤ كاتب مهما بلغت درجته في التغريب إلى الوصول إليها وعندما ذهب له العلماء يناقشونه قال في صلف غريب: إنه ما زال
    (1/198)
    ________________________________________
    مصرًا على ما كتب غير مقتنع بأنه أخطأ وقال بالنص: إني لم أرتكب خطأ؛ لأن كلامي مع الله كان صريحًا، وليكن الأسلوب ما يكون ولكني لن أغير كلمة واحدة منه وقد جاء في مقالاته تجاوزات خطيرة:
    أولاً: الاجتراء على مقام الله تعالى حيث لا يجوز لمسلم أن يتخيل حديثًا مع الله فهذا اجتراء على مقامه.
    ثانيًا: التشكيك في عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
    ثالثًا: قوله: إن الأديان نسبية ودعوته إلى التسوية بين الأديان السماوية.
    رابعًا: الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة.
    خامسًا: ادعاؤه أن العلماء التجريبيين غير المسلمين يدخلون الجنة.
    سادسًا: مهاجمته للغة العربية ودعواه أنه لا يُنتفع بها وأن عصرها قد انتهى.
    - كشف توفيق الحكيم عن نفسه في كتاب "زهرة العمر" فقال:
    إني أعيش في الظاهر كما يعيش الناس في هذه البلاد، أما في الباطن فما زالت لي آلهتي وعقائدي ومثلي العليا، كل آلامي مرجعها هذا التناقض في حياتي الظاهرة وحياتي الباطنة (1943).
    والحقيقة أن مراجعات الحوار مع توفيق الحكيم التي أجراها العلماء عام 1983م، وبعد أربعين سنة تحتاج إلى هذا النص حتى يمكن تفسيرها وتوضيحها.
    وإذا كان توفيق الحكيم يزعجه أن يواجه بأخطائه مما لم يحدث لطه حسين وغيره فإن عليه أن يعلم أن هذا ليس نفوذ علماء الإسلام بل هو طبيعة الصحوة الإسلامية فقد مضى العهد الذي كان التغريبيون يخوضون في الأمور ما ليس من حقهم ثم لا يجدون من يواجههم ويكسر منطلقهم الباطل،
    (1/199)
    ________________________________________
    وقولته: "إن علماء الدين يريدون أن يكونوا لهم وحدهم حق تشكيل عقلية الأمة على أساس العلم الديني الذي درسوه في الكتب المعتمدة وطبقًا للنصوص التي قرأوها وأقروها وحدهم دون أن يقبلوا تطورًا في أصولها أو أي شيء من المعارف التي تصل إلى تفكيرهم بالحياة على النحو الذي يعيش عليه الجزويت".
    - إن هذا النص يوحي بأن توفيق الحكيم لم يستطع خلال أكثر من أربعين سنة أن ينظر إلى اليقظة الإسلامية وما زال غارقًا في بحيرة الجزويت ومفاهيم المسيحية الغربية، ونحن نقول له: إن المواجهة التي يلقاها ليست مواجهة علماء الدين ولكنها هي تصحيح لمفهوم الإسلام الأصيل الذي هو وحده الذي يشكل عقلية الأمة، وليس هو العلم الديني بمفهوم اللاهوت الغربي، ولكن بمفهوم العلم الإسلامي الجامع المتكامل الذي يمثل حقيقة المنهج الصحيح للفكر والثقافة والذي يواجه كل فكر وثني تغريبي مادي علماني يحاول أن يدخل ساحة الفكر الإسلامي متسللاً على النحو الذي يقوم به توفيق الحكيم والتطور في الوسائل وليس منهج الإسلام الذي يجمع بين الثوابت والمتغيرات والقابل للمتغيرات والتحويلات وليس بمفهوم التطور الذي يطبقه توفيق الحكيم على الأيدلوجيات والأديان البشرية.
    - من أخطائه في هذه الأحاديث: أنه ليس من حق أي إنسان أن يقول: أنه يفهم الدين كما يشاء، فقد تفهم الفلسفات والأيدلوجيات، أما الدين السماوي الإلهي فيجب أن يفهم كما فهمه محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن خيانة الأمانة أن يفسر أحد مهما بلغ من الثقافة العصرية أن يفسر الدين بعقله، وأن أمور الدنيا يمكن أن تفكر فيها بالعقل، ولكن الدين تفكر منه بعقلية عصر النبوة، وأن القول: بأن كل واحد ما دام قد تعلم وتنور وقرأ كتبًا وصحفًا فله أن يفهم الدين كما يشاء، هذا قول مردود، والدين لا يكون دينًا إلا من
    (1/200)
    ________________________________________
    مدرسة النبوة، من النبع.
    - أما مسألة التخيل في الحوار فإن ذلك مخالف للقرآن والسنة والشريعة وكذلك خطأه في القول بنسبية الأديان، وخاصة الدين الإسلامي، وبقوله: أنه لا يشترط لدخول الجنة شهادة: "أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله" أما دعوى الاجتهاد فإنه لا اجتهاد مع النص، بمعنى أنه إذا وجد الحكم فيها وإلا فإنه لا يصح إلا للعلماء المتخصصين في الدين أن يجتهدوا، وهو ما لا يصح له.
    أما دعواه بأنه اعتمد على القرطبي، فإن الكتب فيها مسائل خلافية كذلك لا يؤخذ المعنى من هذه الكتب مبتورًا أو يؤخذ من غير سياقه أو يقرأ على غير وجهه، فإنه يأخذ ما يأخذ ويدع ما يدع، وإذا كان لكل إنسان أن يفكر كما يشاء فإن ما يقدم للناس يجب أن يكون بعيدًا عن ما يثير الشكوك والشبهات.
    وعندما دُعي إلى أن يعتذر إلى الله وأن يخرج من مقام الندية لله أصر على ما كتب، وقال: أنه يعبر عن شعوره الداخلي، إذا كان ما قال يعزى إلى تصوفه فإن التصوف لا يمكن أن يكون خروجًا على الإسلام، أما حكمه على العلماء غير المسلمين بأنهم يدخلون الجنة فحكم باطل؛ لأنهم ما لم يقولوا: لا إله إلا الله؛ فلا يدخلوها.
    - وقد كشف العلماء له أنه استخدم عبارات غامضة ومجازات بعيدة من شأنها أن تشكك الناس في أمر دينهم، وأن المناجاة لا بأس بها، ولكن التأليف والتخيل على لسان الله تبارك وتعالى فإنه يدخل تحت باب قوله تعالى: {اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}؛ لأن التأليف والتخيل غير حق.
    - وقال الشيخ الشعراوي: أنه نزع صفة كلام الله الأزلية، وأعطاها
    (1/201)
    ________________________________________
    صفة البشرية الزائلة التي تنقض غدًا أو بعد غد، ولكنه قيد مراد الله تبارك وتعالى في إرادته هو فما يريده عقل توفيق الحكيم يقوله الله سبحانه وتعالى في مقالاته، ذلك لأنك عندما تنقل كلاما على لسان الله تبارك وتعالى فكأنك قيدت إرادة الخلق بإرادتك أنت أيها المخلوق.
    - أما عن دفاع الأدباء عن توفيق الحكيم فهو عن غير حجة تلزم من يقرأها ولكن عن عاطفة، وعلى الذين يخافون على توفيق الحكيم الحي الآن أن يغاروا على توفيق الحكيم حين يلقى الله فيجنبوه أهوال هذا اليوم بالنصيحة وبالحكمة بدلاً من أن يزينوا له طريقًا لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
    - وقال الشيخ الشعراوي
    : أما ادعاؤه بأن اللغة لا ينتفع بها وأن عمرها قد انتهى كيف يمكن أن ينقل العالم نتائج ما يحدث في معمله إلا باستخدام اللغة، وكيف يمكن أن يقرأ أي إنسان ويستوعب ما فات إلا باستخدام اللغة، وكيف يمكن أن ترث البشرية كلها حضارة عن حضارة عن حضارة، إلا باستخدام اللغة.
    إن اللغة التي يسخر منها توفيق الحكيم هي الأساس لكل شيء وهي آية من آيات الله سبحانه وتعالى، لتأخذ البشرية حضارتها جيلاً بعد جيل وترتقي وتتقدم ومن المستحيل على البشرية كلها أن يرث جيل الجيل الذي قبله في العالم إلا باللغة".
    أما نسبية الأديان فيقول الشيخ الشعراوي: لا يمكن لأي إنسان أن يدعي أن الدين الخالص لله له حكم مع واحد وحكم مع آخر فالأحكام على كل خلق الله بلا تفرقة، فالأديان كلها من الله، وكيف تكون الأديان من الله سبحانه وتعالى ثم تنطبق عليها النسبية وهي شيء متغير، هل النسبية بالنسبة
    (1/202)
    ________________________________________
    للمصدر أم أن الله سبحانه وتعالى هو وحده مصدر كل هذا، لا أعتقد أن هناك دينًا قد جاء من السماء يقول: لا إله إلا الله ودينًا آخر يقول غير ذلك فالدعوة إلى عبادة الله تبارك وتعالى لم تتغير من بدءِ البشرية وإلى نهايتها فلا يوجد حكمان يتناقضان بالنسبة للشيء الواحد حتى يمكن أن نقول: أنها نسبية، ونسبية الأديان التي يقول بها توفيق الحكيم معناها أن الله متغير والله سبحانه وتعالى ثابت لا يتغير والعقيدة لم تتغير منذ آدم حتى الآن ولا يوجد أي تناقض أو تقابل والعقيدة في كل الأديان سواء، وكل نبي جاء بدين يؤكد ما قبله ولا يلغي ما قبله بل يضيف إليه ويصحح ما حرفته البشرية إرضاء لأهوائهم".
    - من يتابع المحاورات التي دارت بين توفيق الحكيم وعلماء الإسلام يحس بأنه مراوغ كبير، وفيه خبث شديد، وفيه سذاجة في الفهم إلا من كلمات ملقنة يرددها، وهو بالطبع قد رحب بنشر هذه الأحاديث عملاً بنصيحة المبشرين، أن يردد كلمات مسمومة في وسط الأحاديث من شأنها أن تثير الشبهات في نفوس الذين يقرأونها، وكل الخيوط التي تجمعها هذه الأحاديث توحي بسخرية شديدة بالوقائع فضلاً عن استشهاده بالأحاديث التي لم تثبت ومحاولة القول: بأن هذه الأحاديث نشرتها الأهرام من غير إذنه وقد تحدث كثيرون عن الربط بين نشر هذه الأحاديث وبين إسلام جارودي، وحضوره في مهرجان الأزهر والأمور في نظر توفيق الحكيم محددة بالحدود المادية الصرفة، وبالعصر الحالي وحده، فهو ليس بقادر على أن يستشرف الآفاق التاريخية أو المقبلة بالرغم من دعواه بأنه قصاص متخيل، وتوحي أحاديثه بأنه يعيش مرحلة اليأس المنكفئ على النفس، وقد ذهب كل ما قدمه، كحصاد الهشيم، دون أن يبقى منه شيء، وأن الفكر الإسلامي في الصحوة القائمة قد بدد كل نظرياته التي قدمها عن الفن للفن وحرية الكاتب
    (1/203)
    ________________________________________
    والقصاص في أنه يقول كل شيء دون تقدير مفهوم الإسلام بتقديم الأخلاقي على الجمالي، وبأن للفن في عالم الإسلام وجهة تختلف، وكأنما يرى توفيق الحكيم إزاء الصحوة الإسلامية، وهو يجيش بالكمد والكراهية. ولا ريب أن قصوره على الفن في ثقافته يجعله عاجزًا عن استيعاب النظرة الشاملة الكلية للمفاهيم الإسلامية، ويجعل رأيه ساقطًا في مجال التوجيه والتجربة لأنه عاش حياة المسرح وهو أبو المسرح الحديث الفاسد على حد تعبير تلاميذه، ولقد كان المسرح في الأفق الإسلامي لقيطًا فاسدًا أحضره اليهودي يقعوب صنوع وغذته الصهيونية والماركسية التي اعتبرته بديلاً عن الكنيسة والمعبد، ومن ذلك دعواه إلى معارضة إدخال الدين في المدارس كمادة أساسية بحجة أن المسئولين عن التعليم لا يختارون في المقرر الديني إلا أصعب الآيات لغة ومضمونًا.
    ولا ريب أن نظرة "الإيمان بالفن" تمثل التبعية الكبرى للفن الغربي الوثني الإغريقي الضال المتجدد في دوائر اللامعقول وغيرها وقصوره على الفن يجعله محدود الفكر ويجعل رأيه في مجال المجتمع والعقائد والشباب جزئيًا غير مُكمَّل.
    أما وصف الصحف له بالعملاق والشموخ، وعمق الفكر والريادة فهذه كلها كلمات لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، فهو مغرب، غريب على الفكر الإسلامي، متداخل فيما لا يحسنه، عاجز عن الأصالة. ولو أن الصحيفة التي يكتب فيها فتحت الباب أمام الذين يراجعونه لانكشف زيفه ولسقطت تلك الهالات الكاذبة التي يسيغها عليه دعاة التغريب".
    ولا يزال توفيق الحكيم يكرر علينا أن أوربا هي العقل وبلادنا هي النفس (ففي مصر الروح والنفس وفي اليونان المادة والعقل) وهو في هذا لا يمدحنا بقدر ما يهجونا فنحن في القسم الذي ليس فيه العقل، وهذه ظلامة
    (1/204)
    ________________________________________
    كبرى أن توضع في جانب من لا يملكون العقل والحقيقة أننا نملك العقل والوحي معًا، وبذلك تتكامل نظرتنا بينما تبقى نظرة الغرب ناقصة؛ لأنها قائمة على المادة التي تتصل بالمحسوس في مفهوم العقلانية عندهم، وعجيب أن يظل توفيق الحكيم وهو في عقد الثمانين مبهورًا بالعقل الأوربي ممجدًا له، عاجزًا عن استيعاب عظمة الفكر الإسلامي وأن أعظم ما يتميز به العقل الأوربي وهو القدرة على التحليل وربط الأسباب بالنتائج، ومعرفة تتابع الأشياء هذه الرؤية إسلامية الأساس والمصدر، منقولة من عالم الإسلام إلى الغرب في الحقيقة.
    - ومن ذلك قوله: "أن مصر لم تنجب بعد جيل الثلاثينات" يقصد نفسه وجماعة العلمانيين طه حسين وسلامة موسى ومحمود عزمي وهم الذين يوصفون بأنهم جيل التنوير اقتباسًا من جيل التنوير الغربي الذي لم يكن إلا من التلموديين أولياء المحافل الماسونية، وهذا تصوير صحيح، ولكن توفيق الحكيم لا يرى جيل اليقظة الإسلامية النامي يتصدى للتغريب والغزو الثقافي والذي صحح المفاهيم وأعاد الكرة إلى الأصالة والمنابع، وهو الجيل الذي صنع ما يسمى اليوم "الصحوة الإسلامية".
    وحين يهاجم توفيق الحكيم (العقلية العربية) فإنما يخفي في نفسه العداء والخصومة للقرآن والإسلام؛ لأنه شيء لم يكوِّن العقلية العربية غيره، والقرآن هو الذي صاغ هذه العقلية التي هي في الحقيقة عقلية إسلامية أساسًا، أما ما يحاول أن يوجهه إلى هذه العقلية من اتهامات فهي ليست تتعلق بالمنهج الرباني وإنما يتعلق بالتطبيق البشري، ولقد حاول توفيق الحكيم الغض من شأن الإسلام بالحديث عن بعض عيوب التطبيق الإسلامي، وإثارة ْالشبهات حول بعض الخلفاء والمجتمعات وهذ كله باطل؛ لأن الإسلام المنهج هو وحده الأساس الصحيح أما الخطأ في التطبيق فهي مسئولية الأجيال والمجتمعات.
    (1/205)
    ________________________________________
    - ولقد شهد توفيق الحكيم على نفسه في حديثه عن مسرحية شهر زاد أنه عندما بدأ تأليف قصصه كان واقعًا تحت تأثير الفكرة الغربية الملحدة.
    يقول: "في مسرحية شهر زاد صدى الأفكار الكثيرة التي دوت في ذهني إثر اتصالي بالفلسفة الأوربية، كانت الفلسفة الأوربية في ذلك الوقت تقوم على أن الإنسان هو رب هذا الكون وأن الله (جل وعلا عما يقولون علوًا كبيرًا) قد مات كما يقول نيتشه وأن المتحكم في مصائر البشرية هو الإنسان وحده بحريته المطلقة، ولذلك كانت موجة الإلحاد وإنكار الدين تغمر المحيط الثقافي الأوربي عندما ذهبت إلى باريس في أعقاب الحرب العالمية الأولى وقد صدم هذا العقلية الشرقية المتدينة التي أحملها فوجدت كل هذه الأفكار المتضادة متنفسًا لها في مسرحية شهر زاد، فمسرحية شهر زاد هي رد فعل ما كانت عليه أوربا في ذلك الوقت مِن قلق نفسي ومن إنكار للدين وإيمان بالعلم الذي يصل إلى الدرجة التي يحل فيها محل الدين".
    - ونحن نقول لتوفيق الحكيم: أما كان عليه أن يتطور مع الفكر الأوربي نفسه، الذي تحول كثيرًا الآن، وقد كان معه على نفس الخط كثيرون منهم جارودي وبوكاي اللذين تحولا سريعًا واكتشفا عظمة الإسلام، أما كان هو الأحق بذلك وهو المسلم العربي، أم أن هناك ما حال دون ذلك، ربما عناد نفسي، وصل به أخيراً إلى الحديث عن "إسلام العجائز" أم أن هناك إصرارًا على هذا الموقف الذي يحمل الخصومة والكراهية لأشرف دين .. لقد تبين لتوفيق الحكيم أخيرًا أنه لم يكن أكثر من ناقل لكل رماد الفكر الغربي، وركام الزيف فيه عن تلك الأعمال المسرحية التي وصفت بالخلود والتي عبر عنها هو تعبيرًا صحيحًا حين قال:
    "إن كل أعمالي التي تعبت العمر فيها لا قيمة لها فقد ضيعت حياتي فيما كان يخيل إلي أنه له قيمة، وقد أحس بانصراف الناس عنها وغلبة
    (1/206)
    ________________________________________
    الأصالة عليها، الأصالة التي كشفت زيف روائع الفكر الغربي التي طالما أشادوا بها فإذا هي ركام ورماد، وقد تبين إنما هي في حقيقتها أهواء النفوس المليئة بالشهوات والجنس والغرور في بحيرة راكدة آسنة غرق فيها توفيق الحكيم وما زال غاراقًا.

    - وتستطيع أن تقول أن توفيق الحكيم المعدود من القمم الشوامخ قد سقط سقوطًا شنيعًا في المجالات الآتية
    :
    أولاً: اعتماده على الأساطير في جميع قصصه واعتماده على الأحاديث الموضوعة في أغلب كتاباته.
    ثانيًا: فكرته المشوشه عن الأديان وخاصة عن الإسلام.
    ثالثًا: تأثره بالفكر الوثني والفرعوني فقد اعتمد فى قصة (أهل الكهف) على نظرة فرعونية وكان لفكرته المشوشة عن الإسلام أثر جعله يخلط بين مصر القديمة والأديان بصفة عامة، فالمسلم يؤمن بأن هناك انقطاعًا يفصل ما بينه وبين التصورات الوثنية والوضعية، كما أنه يؤمن بأن الإسلام هو دين ممتد من لدن آدم حتى محمد - صلى الله عليه وسلم - يضع التصور المتكامل لعلاقة الإنسان بربه ونفسه والآخرين ويرسم له منهاج الحياة ويحدد معالم المستقبل في الآخرة.
    وعن أهل الكهف يقول: إنه كان تحت تأثير مصر القديمة "لقد قرأت كتاب الموتى والتوراة والأناجيل الأربعة والقرآن" بينما اسم المسرحية (أهل الكهف) توحي بأن معالجتها ستكون من خلال منظور إسلامي، ولكنها جاءت مشوشة الفكر والمنهج.
    أما (عودة الروح) فهي أيضًا تحمل فكرة فرعونية قديمة (الكل في واحد) أي أن الوجدان الجمعي والشعبي ينمحي في زعيم واحد أو فرعون واحد.
    كما يقول الدكتور حلمي القاعود.
    (1/207)
    ________________________________________
    رابعًا: الترويج لنظرية الفكر الصوفي المنحرف (نظرية وحدة الوجود) وما في الجبة إلا الله، كما حاول أن يسقط إسقاطات علمانية وإلحادية روج لها الفكر الوافد منذ منتصف القرن الرابع عشر الهجري انطلاقًا من المفاهيم الكنسية التي لا تتطابق بحال مع فكرنا الإسلامي.
    خامسًا: ناقش الله تبارك وتعالى في أمر الأديان السماوية ونسي أو تناسى أن الله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل، وعارض الله تبارك وتعالى في أمر العقل وأجاز تداول الكتب السماوية بعد التعديل والتصحيح وهذا جهل بحقيقة الرسالات السماوية من جهه ومحاولة للدس على نقص كلام الله من جهة ثانية.
    سادسًا: رأى أن الإيمان الحقيقي إنما هو عند العلماء الطبيعيين فلا عبرة عنده بالعقيدة ولا التوحيد ولا العمل، وهذه قضايا خطيرة مؤداها الطعن في معظم التراث الإسلامي -إن لم يكن كله- القائم على أعمدة التوحيد والعمل فضلاً عن الترويج للفكر العلماني القائم على الاعتراف بالحقائق العلمية وحدها مجردة من كل اتصال بالأديان.
    سابعًا: أساء الأدب إساءة بالغة عندما خرج على مقتضى العرف الإيماني والأدبي السائد بين المؤمنين وبين خالقهم.
    ثامنًا: قصر الإيمان على المعرفة وألغى التلفظ بمنطوق الشهادة فهو عنده إيمان تعبدي لفظي لا معنى له، وهذا ولا شك مذهب طائفة من الفلاسفة والمتكلمين المنحرفين ونسي أن الإقرار باللسان شرط عند أهل الحق.
    تاسعًا: خول لنفسه أن يتكلم باسم الله (قل على لساني ما تشاء على مسئوليتك) هذا منتهى العبث والاستهتار مما يشعرنا أن الرجل كان في حالة غير طبيعية أثناء كتابة هذه الشطحات إذ كيف يتجرأ أن يروي كلامًا مكذوبًا على الله.
    (1/208)
    ________________________________________
    عاشرًا: أنكر رؤية الله يوم القيامة وهي ثابتة، وتجاوز حدود البشرية بوصفه كلامًا مخترعًا منسوبًا إلى الذات العلية هذا فضلاً عن افترائه وكذبه" (1).

    1) "جيل العمالقة" (ص 205 - 217).

    ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

    تعليق


    • #17
      * توفيق الحكيم من أكبر كتّاب التغريب:


      استقطبت الصحافة العربية عددًا كبيرًا من كتاب التغريب الذين كانوا عدتها في سبيل تبرير مفاهيم الإقليمية والفرعونية والتنكر لمفاهيم الوحدة الإسلامية وترابط العروبة والإسلام، وكان في مقدمة هؤلاء توفيق الحكيم ولويس عوض وحسين فوزي.
      وما يزال توفيق الحكيم منذ الثلاثينات يحمل لواء التفرقة بالتجهيل للعرب والإعلاء للمصرية طوال أكثر من خمسين عامًا. وهي تفرقة لا تقوم على أساس علمي، وإنما تعتمد شبهات المستشرقين وخصوم العرب والإسلام، فتوفيق الحكيم يدعي أن هناك شخصية مصرية مميزة عن الشخصية العربية الإسلامية، ويرى بين المصرية والعروبة خلافًا بل وتضادًا .. حتى يقول: "إن مصر والعرب طرفا نقيض"، وهي نفس الدعوة التي حملها طه حسين ومحمد عبد الله عنان وسلامة موسى. ويحملها اليوم لويس عوض وبطرس بطرس غالي وكثيرون من المتأثرين بالتاريخ القديم السابق للإسلام والذين يتجاهلون ما أثبته المؤرخون من "الانقطاع التاريخي" بين مصر الإسلامية العربية وبين ما قبل ذلك.
      وكل الذين يفاخرون بميزات لمصر يجهلون أن مصدر هذه الميزة هي تلك الموجات العربية المتوالية التي أخرجتها الجزيرة العربية وأهمها الموجة الإسلامية
      _____
      (1/209)
      ____
      الإسلامية التي حملت معها مفهوم التوحيد الخالص، وهم يجهلون ذلك الترابط الوثيق الذي أوجده دين الحنيفية السمحاء: دين إبراهيم الذي عم وشمل كل هذه المناطق بدعوة الإسلام الأولى التي صدرت عنها من بعد رسالات الأنبياء موسى وعيسى ومحمد.
      فلماذا هذا الأستعلاء العنصري بالمصرية المستمدة من الفرعونية، وقد أثبت المؤرخون أن الفراعنة عرب أصلاً، وأن جميع الموجات الفينيقية والآشورية والبابلية كلها موجات انبثقت من قلب الجزيرة العربية، وأن كل معطيات المصريين تتلخص في أمرين: العقيدة واللغة ومن ثمارهما القيم والخلق والمقومات، وكلها جاءت من الإسلام والقرآن، فليس هناك في الحقيقة طرف مصري مناقض للعرب، وإنما هي كلمات من المبالغة والتعصب والعنصرية تذاع وتستشري في فترات الضعف، وقد ذاعت إبان الاحتلال البريطاني وتجري اليوم على الألسنة إبان تحدي الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، والواقع أن الجامع الحقيقي هو الإسلام، وليس العروبة، وليست المصرية إلا دعوة مشابهة لدعوات الإقليمية التي تتحرك على أفق العالم الإسلامي هنا وهناك تحت تأثير موجة القوميات الضيقة الوافدة، ولا ريب أن العالم الإسلامي كله مقبل على الوحدة والالتقاء وأن هذه الدعوات لا تجد لها مجالاً حقيقيًا إلا عند ذوي الغايات القصيرة والأغراض الخاصة.
      بل إن مصر إذا عزلت عن العروبة والإسلام فإنها لا تبقى شيئًا سوى تماثيل وأهرامات وأحجار الأقصر ووادي الملوك. وهذا يكذب عبارة توفيق الحكيم الذي يقول: "إن الاختلاط بالروح العربية كاد ينسي المصريين أن لهم روحًا خاصة تنبض ضعيفة تحت ثقل الروح الأخرى الغالبة"، وإني لأتساءل ْماذا كانت أو تكون الروح المصرية الخاصة بدون الروح العربية، أتكون روح فرعون والعبودية والظلم وعبادة الآلهة المتعددة والوثنية المغرقة في السحر:
      (1/210)
      ________________________________________
      {أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}.

      - ويذهب توفيق الحكيم في هذا الطريق المظلم الموحش إلى أن يدعو مصر إلى أن تكون فندق العالم، أي أن تصبح دارًا مفتوحة لكل السائحين وطلاب الحاجات، وأن تفقد شخصيتها الحقيقية التي شاء الله أن يصنعها لها بالإسلام، وهي حماية المقدسات وحمل لواء الجهاد والمرابطة على هذا الثغر الخطير في العالم.
      ولقد كانت أكبر أخطائه، تخبطه بين تأييد الاستبداد الناصري ومحاولة تخلصه منه بعد استقبال عصر جديد، فقد كتب يقول: أن السلطان في الفترة السابقة قتل الحريات وكمم الأفواه وأنه أخضع له الكتاب والمفكرين فجروا في طريقه وأيدوه، ولذلك فهو يطالب بمحاكمة هؤلاء الكتاب ويطالب أول الأمر بمحاكمة توفيق الحكيم نفسه الذي أيد السلطان في هذا الاتجاه. ويقول: أنه جرى في هذا الطريق حتى بعد وفاة عبد الناصر فطالب بإنشاء تمثال ضخم في ميدان عام تقديرًا لعظمة وبطولة ذلك السلطان، وقد جاءته مئات الخطابات المؤيدة لرأيه غير أن خطابًا واحدًا من بينها جاء فيه: صحيح أن السلطان يستحق تمثالاً كبيرًا يناسب شهرته ومكانته ولكن أين يقام هذا التمثال .. ثم اقترح أن يقام هذا التمثال في تل أبيب.
      ولقد كان توفيق الحكيم على مدى حياته مضطرًا إلى الخطأ غير كاشف لأبعاد الأحداث فإن انغماسه في الأساطير والقصة الغربية وما وراءها من خيالات قد حال بينه وبين الرؤية الصحيحة لأحداث العصر والمجتمعات.
      فهو عندنا دعا إلى الخلاص من الطربوش، دعا إلى اللجوء إلى القبعة، وعندما ضرب الفرنسيون دمشق بالمدافع ونشروا الرعب والعدوان لم يزده ذلك على أن قال:
      " لتذهب دمشق ومئات مثل دمشق إلى الهاوية وتبقى فرنسا".
      (1/211)
      ________________________________________
      وهو الذي قال مرة: إذا لم تكن لنا حضارة فلنأخذ الحضارة الغربية وننتهي.
      كل هذا يعطي صورة البساطة والخيال وعدم العمق، في تناول الأمور، ويعطي مفهوم رجل المسرح والرواية والأساطير القديمة الذي يعجز عن متابعة الأحداث. وكل كتاب القصة على هذا النحو.
      - يقول محمد المجذوب: كتبه أكبر شاهد على تنكره لمثل أمته حتى ما كان منها متصلاً بالسيرة النبوية ككتابه محمد - صلى الله عليه وسلم - أو مسرحية أهل الكهف، وبه مواطن دسائسه على الرسول.
      وفي أهل الكهف: "تحوير شائن لمضمون القصة القرآنية التي قامت على إثبات حقائقها الكتب الدينية السابقة والحفريات الأثرية المعاصرة".
      - ولقد كان عمل توفيق الحكيم في الحقيقة قائمًا على إحياء التراث اليوناني والوثني والأساطير (أوديب) وبثها في أفق الفكر الإسلامي، وإحياء مفاهيم الحضارة الفرعونية (إيزيس) وإحياء تراث اليهودية (الملك سليمان) وإحياء مدرسة اللامعقول وأدب اليهودية يونسكو وبكيت (يا طالع الشجرة) والماركسية الاشتراكية. وكان له إلى ذلك كله هدف مبيت دفين هو إفساد التراث الإسلامي وتغيير مضامينه بما كتب معارضًا لما جاء في القرآن سواء في أهل الكهف أو الملك سليمان، وهو يعيش تحت سيطرة مفاهيم الفلسفة المادية ومذهب مدرسة العلوم الأجتماعية والمفاهيم الماركسية التي تقول بالصراع بين العقل والعاطفة، وبين المثالية والمادية، وبين العاطفة والواقعية. ويرى أن هذا الصراع هو جوهر الفن. والحقيقة أن توفيق الحكيم قد غفل عن مصدر ثرِّ لفهم البشرية فهمًا صحيحًا وهو القرآن: ومفهوم التوحيد الخالص الجامع الذي يحول بين البشرية وبين التمزق أو الصراع أو انقسام وحدة النفس المؤمنة الربانية الاتجاه. وقد عمل على ترجمة كل الاتجاهات والمدارس والمذاهب
      (1/212)
      ________________________________________
      الغربية بخيرها وشرها وما يحسن تقديمه للفكر الإسلامي وما لا يجوز تقديمه، فكانت كتاباته حصيلة مختلطة وركامًا مضطربًا، وقد أفسد أمانة القلم ومسئولية الكلمة حين عجز أن يقدم لأمته خير ما في هذا الفكر من مثل أو أن يدل الناس على حقيقة هذه التيارات وخلفياتها لتكون على بينة مما في هذه الكتابات من سموم وأهواء.
      - بل لقد دافع توفيق الحكيم عن تدريس الكتب الإلحادية في الجامعة وقال: "لماذا كل هذا الفزع كلما وقع بصرنا في كتاب على عبارة تمس الإسلام" تحت مظلة حرية الفكر الباطلة، وهو يعلم أن هذا الشباب ليس له من حصيلة إسلامية كبيرة تحميه من الشكوك التي تثيرها هذه الكتب.
      - ويحمل توفيق الحكيم مجموعة من المفاهيم الفلسفية المضطربة تجعله غير قادر على الوصول إلى مفهوم الأصالة الإسلامية. فهو يقيم مفاهيم في النفس والمجتمع على الأساطير التي لا تمثل واقع الحياة في شيء كقصة أوديب الذي تزوج أمه. وهو يعتنق مفهوم هيجل في القول بأن التناقض قانون الحياة.
      - كما أنه يروج لمفهوم حرية الفنان المطلقة الذي لا يتقيد بقيم الأخلاق أو الدين، كما أنه يقيد نفسه بمفهوم الصراع اليوناني بين الإنسان والقدر وبين إرادة الإنسان وإرادة الله، ويرى رأيهم في أن القوة الخارجية تتحدى الإنسان وتبطش به. ويرى أن الإنسان سجين في إطار معين من الزمان والمكان وأن إرادته ترتطم أحيانًا بكل هذه العوامل، وهو بذلك يجهل مفهوم الإسلام في إرادة الإنسان المحدودة، داخل إرادة الله تبارك وتعالى، والتي هي مناط المسئولية والجزاء الأخروي. وهو في كل آرائه متأثر بالفلسفة المادية والفلسفة الوجودية ومدرسة العلوم الاجتماعية والماركسية على شذرات وشظايا من هنا وهناك متجمعة ومضطربة لا تصل به إلا إلى مفهوم غامض مضطرب.
      (1/213)
      ________________________________________

      - ولعل أخطر مواقف توفيق الحكيم هو هجومه ضد عروبة مصر ونفيه لانتمائها الإسلامي ووجهها العربي. وقد اتهم بأن فكرة حمار الحكيم مأخوذة من فكرة الأديب الأسباني (خمينز)، وقد كانت لتوفيق الحكيم صلاته بالصهيونية العالمية. وفي عام 1943 ترجم له أبا إيبان يوميات نائب في الأرياف إلى اللغة الإنجليزية وفي عام 1947 انتقل توفيق الحكيم إلى تل أبيب والتقى هناك بالفنانين المسئولين عن المسرح ودار الحوار حول مسرحية (سليمان الحكيم) التي استوحى وقائعها من التوراة وعرضوا عليه ترجمة المسرحية إلى العبرية.
      ويدعو توفيق الحكيم إلى التعاون الثقافي بين الفكر العربي واليهودي، وإنشاء جمعية عربية إسرائيلية مقرها العاصمة الفرنسية للعمل من أجل السلام. وهكذا تعطي كتابات توفيق الحكيم صورة التخبط والاضطراب وضعف الرؤية العامة، ولو اقتصر توفيق الحكيم على أن يكون من رجال المسرح ومترجمي التراث اليوناني والغربي لكان ذلك خيرًا له، ولكنه حاول أن يكون عن طريق الصحافة من رجال الفكر والرأي فكانت أمانته للتغريب والغزو الثقافي والشعوبية واضحة جلية" (1).
      * وختامًا نقول أن توفيق تنكر لأمته حين "وصف إسرائيل بأنها دولة متحضرة" (2)


      (1) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 237 - 241).
      (2) "جيل العمالقة" (ص 187).

      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

      تعليق


      • #18
        * الدكتور زكي نجيب محمود يسخر من الشريعة وينكر الغيب ويهاجم الحجاب ويدعو إِلى وحدة الوجود:

        "قد بدا في السنوات الأخيرة أن الأضواء كلها قد ركزت تمامًا على
        __________

        (1/214)
        __________
        الدكتور زكي نجيب محمود كقائد لهذه الكتيبة التغريبية وقد مهد الدكتور لذلك بأن أعلن أنه أعاد النظر في التراث الإسلامي (وأسماه العربي) في محاولة لخداع البسطاء ولتغطية ماضٍ طويل في الفكر المادي كانت قمته كتابه المعروف (خرافة الميتافيزيقا) أي بمعنى صريح إنكار مفهوم الغيب الذي جاء به الإسلام والادعاء بأنه خرافة. وإنكار كل ما سوى المحسوس والمعقول متابعة في ذلك للمذهب الفلسفي الذي اعتنقه طوال حياته مقلدًا في ذلك فيلسوفًا أوروبيًا ماديًا ملحدًا ينكر الأديان المنزلة ويفاخر بأنه يمثل مدرسته (أوجست كونت). وفي طريق كسب الأنصار والتقرب إلى الشباب الواعي المثقف يتحدث الدكتور زكي نجيب محمود عن الإيمان بالله وعن الإيمان باليوم الآخر، وعن أعلام التراث: الغزالي وغيره، ذلك كله محاولة لإلقاء حاجز بين الماضي والحاضر وإحراز الثقة التي تمكنه من بث لمفاهيمه وآرائه.
        ونحن لا نتهم أحدًا في عقيدته ولا نتعقب للعورات ولا نلتقط ما تتكشف عنه السرائر من وراء الوعي ولكننا نقرر بداءة بأن المنهج الذي يدعو إليه زكي نجيب محمود معارض لمفهوم الإسلام الصحيح من جوانب عديدة وخاصة بالنسبة لتلك القضية الكبرى التي يثيرها في كل كتاباته وهي مسألة العقل والعقلانية، فالإسلام لا يعطي العقل هذا السلطان المطلق كله، ولا يقر مثل هذا المعنى. وإنما يرسم للعقل طريقًا كريمًا في ضوء الوحي. والعقل في الإسلام مناط التكليف ولكنه ليس حكمًا على كل شيء؛ ذلك لأن العقل أداة تصلح إذا صلح تكوينها وتفسد إذا فسد تكوينها. وهي إن امتدت بالوحي أضاءت وأشرقت عليها أنوار الفهم. أما إذا اهتدت بالفكر البشري فإنها تكون بمثابة أداة تبرير لكل أهواء النفس.
        فالعقلانية بالمعنى الذي يدعو إليه زكي نجيب محمود نظرية مادية صرفة ومرفوضة تمامًا. وإذا كان هو وجماعة المستشرقين والتغريبيين يعتزون من
        (1/215)
        ________________________________________
        التراث بالجانب الخاص بالمعتزلة فإن هذا الأعتزاز لا يمثل إلا انحرافًا في مفاهيم الفكر الإسلامي. فالمعتزلة خرجوا عن مفهوم الإسلام الجامع المتكامل بين العقل والقلب والروح والمادة، والدنيا الآخرة. وأعلوا مفهوم العقل.
        فانحرفوا وتحطموا وحكمت عليهم الأمة كلها بأنهم خرجوا عن مفهوم الإسلام الصحيح حين دعوا إلى خلق القرآن واستعدوا الخلفاء على المسلمين والعلماء. وقد هزمهم الله شر هزيمة على يد الإمام أحمد بن حنبل، وأعاد للإسلام مفهومه الأصيل الجامع.
        والموقف نفسه يقفه الإسلام بالنسبة للدعوة إلى التصوف كمنطلق وحيد لفهم الحياة والأمور من خلال الحدس والروحانيات وحدها ولقد كان هوى زكي نجيب محمود في دراساته في التراث مع ذلك المفهوم العقلاني الذي انحرف عن مفهوم الإسلام الجامع، والذي استمد مادته من الفلسفات اليونانية الوثنية المادية، والإلحادية الإباحية التي غامت سحابتها على الفكر الإسلامي ثم انقشعت تحت تأثير أضواء المفهوم القرآني الأصيل.
        - كذلك فإن مفهوم الدكتور زكي نجيب محمود للألوهية مفهوم ناقص وقاصر لا يمثل مفهوم الإسلام (على النحو الذي أورده في مقاله في الهلال).
        لقد مرت البشرية بمراحل كثيرة في فهم الألوهية ناقصة ومنحرفة وجاء الإسلام بالمفهوم الجامع الحق فلم يعد هناك مجال لإعادة ترديد هذه المفاهيم بعد مرور أربعة عشر قرنًا على نزول دعوة التوحيد الخالص.
        إن الذي يقبله شباب الإسلام اليوم من الباحثين هو مفهوم الله الحق لا مفهوم الآلهة كما فهمه الوثنيون أو المعددون، أو المشركون الذين كانوا يؤمنون بالله خالقًا ولا يؤمنون به مصرفًا للأمور كلها .. وقد جاء الإسلام ليكشف هذه الحقيقة وحدها، ويدعو إليها: (إسلام الوجه لله).
        أما مفهوم الإيمان بالله على النحو الذي كتب عنه الدكتور زكي نجيب
        (1/216)
        ________________________________________
        محمود فهو مفهوم عرفه المشركون، ولم يقبله منهم الإسلام. ولعل من أكبر الخطأ عرض مفهوم أرسطو وأفلاطون في الألوهية ومحاولة تفسيره بمفهوم الإسلام مع أنه كان أبعد ما يكون عن ذلك، بل إن القرآن الكريم دحض كثيرًا من مفاهيم أرسطو وأفلاطون والفلسفات اليونانية والوثنية والغنوصية لنقصها وقصورها. وخاصة ما ادعاه هؤلاء من أن الله تبارك وتعالى يدير ظهره للكون ولا يعلم الجزئيات، وأن المادة خالدة، إلى غير ذلك من تلك التفاهات، بل إن مفاهيم أرسطو وأفلاطون للألوهية تدخل تحت ما أسموه (علم الأصنام) فكيف يقدم هذا المفهوم للشباب المسلم اليوم على أنه مفهوم الألوهية الحقة؟! ولقد كشف علماء المسلمين منذ وقت بعيد فساد مفاهيم الفكر البشري ونقصه. وكيف أنها منحرفة. وكيف أن الله تبارك وتعالى يعلم الأمور كلها {وما تسقط من ورقة إِلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس}.
        وأن هذا الكون ليس مخلدًا، ولا باقيًا، وأن له نهاية كما كانت له بداية، وأن الله تبارك وتعالى يمسك هذا الكون لحظة، ويديره ساعة بعد ساعة، وأن كل ما يقوله الفلاسفة هراء.
        المسملون يعلمون أن الكتب المنزلة حرفت وغيرت مفهوم الألوهية الحقة (الله رب العالمين) فنسبه البعض إلى أنفسهم وقالوا: إنه رب الجنود وربهم وحدهم. وقال الآخرون بأن لله ولدًا وكذبوا {ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه}.
        وليس مفهوم الألوهية صحيحًا، ولا كاملاً إلا في الإسلام وحده فهو مفهوم إسلام الوجه لله {إِياك نعبد وِإياك نستعين}.
        ولقد حاول الفكر البشري أن يزيف مفهوم الألوهية الحقة. وأخطأت الماسونية حين قالت: "المهندس الأعظم"، وهناك انحرافات الباطنية والماديين
        (1/217)
        ________________________________________
        والوجوديين ودعاة وحدة الوجود والحلول والاتحاد على النحو الذي عرف عن كثيرين. وهناك مفهوم الإسلام بوصفه دينًا لاهوتيًا. والحقيقة أن المطلوب ليس إثبات وجود الله تبارك وتعالى ولكن المطلوب معرفة حقيقة هذا الوجود بعيدًا عن هذه المفاهيم المنحرفة ويستتبع الإيمان بالله تبارك وتعالى، الإيمان بشريعته.
        - ولكن الدكتور زكي نجيب محمود لا يلبث أن ينتقص من شأن هذه الشريعة ويصفها بأنها قاصرة ومجافية للعصر ويطالب بتخطيها في سبيل تحقيق المعاصرة، وهو يقبل بالحضارة الغربية كما كان يقبل بها سلفه طه حسين (حلوها ومرها وما يحمد منها وما يعاب) فما عرف عنه أنه دعا المسلمين إلى أخذ العلوم مثلاً دون أسلوب العيش، ولكنه يدعو إلى شيء غريب هو أن المسلمين ليس لهم فلسفة حياة وهو ادعاء باطل وظالم.
        فيكف يمكن أن يقال لأصحاب القرآن الذي وضع منهجًا للحياة والمجتمع غاية في الأحكام جربته الشعوب والأمم ألف عام فأقام لها حياة الرحمة والعدل والإخاء البشري. كيف يمكن أن يقال لهذه الأمة إنها لا تمتلك منهج حياة؟!!.
        وكيف يقبل وهو العقلاني الحصيف هذا المنهج الذي يعيشه الغرب سواء الغرب الليبرالي أم الماركسي في ذلك الخضم العفن الفاسد المتآكل من الشهوات والإباحيات والانحراف والتحلل والغرابة بشهادة كُتَّاب "الغرب والشرق على السواء".
        وكيف يغضي وهو الأمين على الكلمة عن أزمة الحضارة وأزمة الأنسان الغربي. وقد قرأ عشرات من الكتابات آخرها ما كتبه (سلجوستين) ودمغ به حضارة الغرب التي يكبرها زكي نجيب محمود وحسين فوزي وتوفيق الحكيم. ويفخرون بها ويغوصون بأقلامهم في تلك الحمم من الدماء والعفن
        (1/218)
        ________________________________________
        والفساد. وهم يقولون لا إله إلا الله على الأقل وراثة، ويرون كيف يقدم الإسلام ذلك المنهج النقي الطاهر الأخلاقي الكريم الذي يرفع من قدر الإنسان. وكيف يحق لأمة تحمل لواء القرآن (ألف مليون مسلم) أن تتخلى عن رسالتها في تبليغ كلمة الله الحق إلى العالمين وتنصهر في بوتقة الأمية والحضارة المنهارة التي تمر بآخر مراحلها.
        وهل من الأمانة أن يدعو هؤلاء أمتهم إلى هذا وهم روادها والرائد لا يكذب أهله ولا يغشها. إن مسئولية القلم وريادة الفكر وهي أضخم المسئوليات عند الله تبارك وتعالى يوم الحساب. وقد كان أولى بهم جميعًا أن يصدقوا أمتهم النصح ويدعونها إلى أن تقيم حضارة الإسلام مجددة في إطار (لا إله إلا الله) والأخلاق والرحمة والإخاء الإنساني وأن يلتمسوا أسلوب العيش الإسلامي ليقدموا للبشرية نموذجًا جديدًا نقيًا تتطلع إليه النفوس والأرواح اليوم بعد أن عم الفساد البلاد الغربية كلها من جديد. ولن يكون غير الإسلام. وسوف يدمغهم التاريخ بأنهم كانوا روادًا غير مؤتمنين على الأمانة، وسوف تكتب أسماؤهم في سجل الذين عجزوا عن أن يقولوا كلمة الحق، وأن ينصحوا لأمتهم وهم الذين عاشوا حياة الغرب، وعرفوا فساد مناهجه وأساليب حياته، وعرفوا أن هذه الأمة الإسلامية الكريمة على الله أعز من أن تسحق في أتون الشهوات وأن تدمر بأيدي أبنائها ودعاتها الذين تلمع أسماؤهم وتخدع الناس شهرتهم.
        - إن الدكتور زكي نجيب محمود قد أخطأ الطريق حين فهم التراث الإسلامي ذلك الفهم الذي جعله يكرم أمثال (ابن الراوندي) و (مزدك)، و (ماني)، و (الحلاج) و (الباطنية)، و (الشعوبية) و (إخوان الصفا) وتلاميذهم.
        كذلك فهو مؤمن بمجموعة من المسلمات الخاطئة من عصارة مفاهيم الفكر البشري الوثني المادي فضلاً عن أن إيمانه بالعلم والعقل وحدهما وهو
        (1/219)
        ________________________________________
        في مفهوم الإسلام قصور شديد عن المفهوم الجامع.
        - وإني لأسال الدكتور زكي نجيب محمود: هل يؤمن بالوحي؟ هذا هو مقطع المفاصلة بيننا وبينه. وإذا كان يؤمن به فلماذا لم يعلن فساد منهج كتابه "خرافة الميتافيزيقا"، ولماذا لا يؤمن بهذا الوحي الذي جاء به القرآن شريعة ومنهج حياة؟
        وإذا كان الدكتور زكي نجب محمود قد تراجع عن "خرافة الميتافيزيقا" وغيرها من آرائه. أليس من الشجاعة أن يعلن ذلك صراحة حتى يستطيع أن يكسب إلى صفه بعض الناس.
        إن محاولة افتعال مكانة طه حسين اليوم هو أمر مضيع. فقد انتهى ذلك العهد وصحا الناس وخطت حركة اليقظة الإسلامية خطوات واسعة فكشفت عن فساد تلك النظريات والأطروحات الزائفة التي قدمها الآباء العتاة الذين كانوا يستقبلون أبناءنا في الجامعات الأوربية وهم من اليهود أمثال مرجليوث ودوركايم وغيره.
        ْأما قول الدكتور زكي نجيب محمود أن الثقافة الإسلامية في العصر العباسي قد اغترفت ثقافات الدنيا بغير حساب فهو قول باطل. لقد وقفت الثقافة الإسلامية موقف التحليل والغربلة لكل ما ترجم، وأخذت منه ما وجدته صالحًا ومطابقًا لمفهوم التوحيد الخالص. أما ما عدا ذلك فقد رفضته وشنت عليه حربًا عنيفة، وأخرجت دعاته من طريق الفكر الإسلامي فأطلقت عليهم اسم (المشاءون المسلمون) إعلانًا لتبعيتهم للمشائين اليونانين، ولم تقبل منهم ما جاءوا به.
        وأعلن المسلمون أن منهج اليونان أو منهج الغنوصية الشرقي كلاهما باطل وأن للإسلام منهج خاص مستقل كما نفعل نحن اليوم إزاء ما يقدمه التغريبيون من فكر الشرق والغرب مما هو ليس مقبولاً في الإسلام بحال.
        (1/220)
        ________________________________________
        كذلك فإن نظرية زكي نجيب محمود بالتوفيق بين المترجم الوافد الغربي وبين المجدد من التراث الإسلامي (وهو ما يسميه بالعربي استنكارًا) هذه نظرية ليست مستحدثة بل هي نظرية طه حسين وهيكل والزيات وغيرهم .. وهي نظرية اتضح بطلانها. أما ما تعارفت عليه اليقظة الإسلامية فهو أن يقوم أساس إسلامي أصيل من مفهوم الإسلام الجامع (بوصفه منهج حياة ونظام مجتمع) وفي ضوئه يحاكم التراث كله والوافد كله، ولا يقبل إلا ما يزيد المنهج قوة ودعمًا مع الاحتفاظ بأسلوب العيش الإسلامي (عقيدة وشريعة وأخلاقًا) ودعوى زكي نجيب بالمواءمة مرفوضة. فالمسلمون على استعداد للتضحية بالتقدم المادي في سبيل الاحتفاظ بالقيم الأساسية التي هي في حقيقتها ليست معوقة للتقدم المادي، ولكنها حائلة دون فساد الحضارة الغربية وزيفها وانحلالها الذي يود هؤلاء القوم إغراق هذه الأمة فيه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
        يتابع الدكتور زكي نجيب محمود دعوته إلى "التغريب" في مقالات أسبوعية محمومة على نفس مفهوم الدكتور طه حسين (أن نأخذ الحضارة حلوها ومرها) ولكنه لأن الوعي الإسلامي أصبح قويًا يتنازل عن فكرته التي ظل يدافع عنها ويدعي أنه قرأ التراث وأنه يقبل -فضلاً منه ومنة- أن نأخذ التراث ونأخذ حضارة الغرب، أما الأخذ من الغرب فهو بدون تحفظ، إما التراث فيمكن أن نأخذ منه ما يتفق مع العصر، إن كلمة التراث التي يستعملها عملة زائفة ومغشوشة، لأنه يجعلها بديلاً للإسلام (القرآن والسنة).
        فهو يضمها جميعا تحت كلمة (التراث) مع أن التراث هو العمل البشري الذي قام به المسلمون في تفسير وشرح القرآن والسنة تحت اسم الفقه وتحقيق السنة وتفسير القرآن وغيره من العلوم.
        - إن الدكتور زكي نجيب محمود لم يطور نفسه كما ينبغي ليصبح
        (1/221)
        ________________________________________
        مقبولاً لدى الشباب المسلم اليوم؛ لأنه ما زال يكتب بأسلوبه الجاف الذي أنشاته دراسته للفلسفة (الوضعية المنطقية) فلا يستطيع أن يخرج منها ويقف الجفاف عثرة أمام دعوته، يقول: (المصدر الذي استقيت منه معظم ثقافتي هو الثقافة الأوربية بصفة عامة والإنجليزية بصفة خاصة)، وقد لبثت مع الأسف الشديد طويلاً وأنا لا أعرف من التراث العربي إلا شذرات، حتى تنبهت له منذ سنوات.
        - نعم، لقد كان لا بد أن يتحدث عن التراث (ليخدع) أناسًا مثل الذين خدعهم طه حسين حين كتب (هامش السيرة) إن القيادات التغريبية تريد أن تجعل الأمور أكثر يسرًا، ولكن زكي نجيب محمود لم يطور نفسه كما ينبغي مع تطور اليقظة الإسلامية من ناحية ومع تطور الفكر الإنساني نفسه وظهور عوامل كثيرة تجعل الغرب يعيد النظر فى فكره، إن زكي نجيب محمود لا ينظر إلى الظواهر الخطيرة التي تبدو في كتابات فيلسوف العصر جارودي والطبيب بوكاي .. ويصر على قديمه ويعد الأساليب خدعة مع بقاء المضمون الذي يملأ نفسه في عناد.
        إنه يتحدث عن العلم وهو يعني الفلسفة، إن ما يدعو إليه ويسميه العلم ليس هو العلم، فالعلم هو ما يجري في المعامل، أما الفلسفة فهي محاولات الخداع بفرض الفلسفة المادية في ميادين العلوم الإنسانية والأخلاق والاجتماع والنفس.
        وإصراره على "تقديس العقل" يوجد له نفورًا شديدًا في بيئة الإسلام، ذلك لأن الإسلام لا يقدس العقل، ولكنه يؤمن بأن العقل مناط التكليف ولكن له حدوده وهو يهتدي بالشرع ولا يستطيع أن ينفرد بتوجيه؛ لأنه إذا وكل إليه الأمر أخطأ وانحرف؛ لأنه في الحقيقة ابن بيئته التي شكلته وليس له قدرة استقلالية في الحكم على الأمور، وهو مدخل كبير للهوى
        (1/222)
        ________________________________________
        والزيف والانحراف.
        إن زكي نجيب محمود يخطئ حين يدعو المسلمين إلى أخذ التكنولوجيا والعلوم الحديثة مفروضة مع فكرها، والمسلمون لا يأخذون إلا أدوات الحضارة ولهم أسلوب عيش خاص بهم، وكذلك فعل الغربيون حين أخذوا أدوات الحضارة من مسلمي الأندلس.
        كذلك يخطئ حين يظن أن المسلمين أخذوا ثقافة اليونان وبنوا عليها فكرهم (وقولي: أن الثقافة الإسلامية أخذت بغير حساب كل ما عرفته الدنيا من ثقافات وأجرتها في شرايينها) قول باطل فهي حين أخذت غربلت ونقدت وكشفت وجه الخطأ وكل ما أخذته إنما أخذته كمادة خام لها حرية تشكيلها في إطار مفهومها الإسلامي الذي يختلف عن إرجانون اليومان الذي يقوم على العبودية والرق بينما يقوم مفهوم الإسلام على التوحيد والعدل والإخاء البشري.
        وكما تخطئ مفاهيمه للعقل تخطئ مفاهيمه للتقدم (الذي هو عند المسلمين جامع بين المعنوي والمادي ولا يضحى بالمعنوي من أجل المادي) ومفهومه للأصالة والمعاصرة ناقص من حيث يقول: لا بد من مصدرين هما التراث وحصاد الفكر الأوربي، وتلك معادلة فوق أنها ساذجة لم يعد يقبلها الآن أحد فهي باطلة، فما هو التراث (هل هو تراث الباطنية والمعتزلة والشعوبية الذي أغرم به زكي نجيب محمود فعاش مثلاً فترة يدرس مسيلمة الكذاب كما قال في الجزائر وهل تكفي عبارة (حصاد الفكر الأوربيَ) لقبوله بكل ما فيه من سموم وفساد وانحلال، إنه لا يتحدث عن أي تحفظ عندما يتحدث عن حضارة العصر فهو يقبلها كاملة، ونقول للدكتور زكي: إن هذه المعادلة لم تعد مطروحة اليوم، وكان يقول بها البسطاء من المفكرين المسلمين قبل خمسين سنة عندما لم يكونوا قد اكتشفوا المؤامرة التي تبحث عن
        (1/223)
        ________________________________________
        العبارات الساذجة، كذلك لم يعد هناك هذا التقسيم الذي يتحدث عنه جماعة يسدون الأبواب في وجه الثقافة الأوربية وجماعة يدعون إلى امتصاص الثقافة الأوربية، بل إن هناك إجماع على شيء واحد: هو عرض التراث الوافد جميعًا على قاعدة "بناء الأساس الإسلامية" القائمة على الإسلام بمنهج حياة ونظام مجتمع وماذا يقصد زكي نجيب محمود حين يقول: "الرأي نأخذه من غيرنا، فنحن أتباع لا أصحاب آراء مستقلة" من هم غيرنا، هل هو القرآن والسنة، أم هم العرب الذين نزل عليهم، الحقيقة أننا نؤمن منهج رباني له أسسه وقوانينه وحدوده وضوابطه ولا يكون هناك حين نأخذ من الإسلام الرأي أي انتقاص لوجودنا وكياننا؛ لأننا لا نؤمن بأن لا كيان لنا بدونه وهي عبارة يلوكها التغريبيون ليخدعوا بها بعض البسطاء الذين يتحمسون للتبعية، أي تبعية: هل التبعية للإسلام خير أم للغرب الملحد المادي الوثني الذي يستخدم هذه الأقلام وتلك الصحف المفتوحة أمام ثرثرتهم التي أصبحت غثة وتافهة - ومن أخطائه: قوله: أن المسلمين استخدموا منطق أرسطو في فهم الإسلام وهذا الخطأ جرى تصحيحه منذ وقت بعيد، وقد أعلن علماء المسلمين أن للقرآن منطقًا (وليقرأ إن شاء ابن تيمية في منطق القرآن لا منطق أرسطو) وهو يغض من شأن إبداع المسلمين وأصالتهم في تقديم منهج التجريب ومنهج المعرفة ذي الجناحين من أجل أن يربط ولاء كاذبًا مع المدرسة اليونانية بولاء متجدد يراد به مع المدرسة الغربية.
        وأخطر تمويهاته هي أنه يتكلم عن العلم وهو يقصد الفلسفة كما فعل طه حسين من قبل، إن كل ما يتكلم عنه زكي نجيب محمود لا يدخل في باب العلم، إن العلم لم ينحرف عن الإيمان بالله ولا يطالبنا بالتبعية ودعوته (الوضعية المنطقية) تدور في حلقتها الموصدة عليه حياته كلها وقد تجاوزتها الفلسفات والأحداث في الغرب ولكنه ما زال مصرًا عليها وهي عنده (إنكار الغيب) على نحو ما كتب في (خرافة الميتافيزيقا) ويقوم علي الواقع التجريبي
        (1/224)
        ________________________________________
        المحسوس وإنكار ما سواه، والإيمان بالجبر الذاتي والاحتكام الصارم إلى العقل (صنيع الظن وما تهوى الأنفس).
        والوضعية المنطقية منهج مؤداه أن يستخدم العقل وحده وهو مذهب يريد أن يفسر الكون ويفسر الإنسان مع إنكاره ما وراء الطبيعة، وإذا شاء أن يتحدث عن الله تبارك وتعالى كانت عباراته هي عبارات أصحاب وحدة الوجود والحلول.
        - وهو يتناقض مع نفسه في رأيه في التراث فيقول: إن العودة إلى الشريعة الإسلامية رجعية، فالعلمانيون الذين لا يؤمنون بالغيب مجددون، والمؤمنون الذين يصلون الماضي بالحاضر رجعيون، فالعودة إلى المنابع رجعية والتقدمية هي الانسلاخ من القيم الخلقية وهذه مفاهيم معكوسة.

        - وفي جملة الأمر نجد العناصر التالية في فكر زكي نجيب محمود:
        أولاً: التبعية للفكر الغربي ومحاولة احتواء المسلمين في إطاره لقبول فكر الغرب لا المدنية والصناعة.
        ثانيًا: إحياء التراث الذي كتبته الباطنية والشعوبية.
        ثالثاً: اعتماد (الوضعية المنطقية) التي هي فلسفة الرأسمالية التي تبرر سيطرتهم على الشعوب.
        رابعًا: تقديس العقل مما يعارض مفهوم الإسلام الجامع بين العقل والقلب، والروح والمادة.
        إن قضية سلطان العقل قضية مضللة وقد رفضها الإسلام من المعتزلة قديمًا.
        خامسًا: الجمع بين التراث والمعاصرة، تراث ينتقى، وفكر غربي يؤخذ كله.
        (1/225)
        ________________________________________
        سادسًا: السخرية من الشريعة الإسلامية واعتبار عقوبة قطع اليد أمرًا وحشيًا يهدد كرامة الآدميين مع عدم فهم الحقيقة من وراء ذلك وهي: الحيلولة دون وقوع جريمة السرقة.
        سابعًا: مهاجمة حجاب المرأة المسلمة.
        ثامنًا: الإصرار على فكرة إنكار الغيب (خرافة الميتافيزيقا).
        تاسعًا: تعلقه بأهداب طه حسين وعلي عبد الرازق ومحمود عزمي وجميع الملاحدة واعتبار نفسه إمتدادًا لهم.
        عاشرًا: مفهومه الديني هو مفهوم وحدة الوجود الذي يؤمن به ميخائيل نعيمة. والذي يختلف عن مفهوم الإسلام الحق.
        لم يكن الدكتور زكي نجيب محمود معروفًا في الأوساط الفكرية إلا بأنه أستاذ فلسفه في الجامعة، يعتنق مذهب "الوضعية المنطقية"، وهي النظرية المادية التي حمل لواءها في الفكر الغربي أوجست كونت وكان معروفًا أن كل واحد من أساتذة الفلسفة يعتنق مذهبًا ما، فكان عبد الرحمن بدوى يعتنق مذهب الوجودية، وفؤاد زكريا يعتنق مذهب المادية التاريخية، وهكذا ولكنا لم نلبث بعد وفاة الدكتور طه حسين إلا قليلاً حتى طلع علينا الدكتور زكي بمقولة جديدة: أنه كان غافلاً عن التراث (ويسميه العربي وليس الإسلامي)، ولكنه تنبه إليه أخيرًا فدهش لأنه قضى العمر الطويل دون أن يعرف عنه شيئًا فلما أخذ في مطالعته دهش له. ومن ثم بدأت صلته بالفكر الإسلامي، وهناك أطلق نظريته الأنتقائية التي يرى فيها أن دعاة الباطنية والحلول والاتحاد وغيرهم هم أصحاب الفكر الحر وكان من رأيه أن علينا أن نأخذ من التراث ما نراه مناسبًا لعصرنا وندع ما لا نراه مناسبًا، وكان كل مفاهيمه يصدر عن النظرية المادية الغربية التي نشأ عليها وتربى في أحضانها والتي أصدر من خلالها كتابه "خرافة الميتافيزيقا" أي خرافة الغيب، وهو كتاب لم يرجع عنه
        (1/226)
        ________________________________________
        ولم يعلن فيما بعد أنه قد غير رأيه فيه.
        ولم تكن نظريته متقبلة في دوائر الفكر الإسلامي؛ لأنه لم يكن يؤمن أساسًا بأن الإسلام منهج حياة أو نظام مجتمع وكان موقفه من الألوهية والنبوة والوحي غامضًا ولم يكن مفهوم أهل السنة والجماعة.
        - وكانت بعض الجهات قد أعلنت أن الدكتور زكي نجيب محمود قد اختير ليخلف الدكتور طه حسين في قيادة حركة التغريب والغزو الثقافي، ولكن كان على الدكتور أن يجعل كتاباته متقبلة في نظر القرّاء، وعند ذلك أعلن بعض التنازلات، فأخذ يتكلم عن الدين وعن عظماء الإسلام وعن بعض المواقف التاريخية على نحو يخدع به البسطاء الذين يسارعون إلى القول بأن الكاتب الفلاني يذب عن الإسلام وهي نفس الخطة التي اختارها التغريب للدكتور طه حسين بعد مواقفه الواضحة، ضد القرآن والإسلام حين أعلن عن كتابه "على هامش السيرة".
        - ولكن الدكتور زكي نجيب محمود يختلف اختلافًا واضحًا عن الدكتور طه حسين فهو لا يملك ذلك الأسلوب الموسيقي الرنان الذي يجذب القراء؛ لأنه ليس أديبًا، وليست له حصيلة من القرآن والسنة أو قراءات التراث تؤهله ليكون في مصاف الدعاة القادرين على اجتذاب الناس بأسلوبهم البليغ، فضلاً عن ذلك فإن الدكتور زكي نجيب محمود يحمل طابعًا من الحدة والعنف والعناد، لا يليق بالدعاة إلى حدّ ما، فإن طبيعة الدعاة حتى إلى الغزو الفكري والتغريب أن تكون لهم مرونة في الحديث وخفة في الخطو، وأن لا يصدموا مشاعر الأمة، وخاصة عندما يجابه الواحد منهم بالرد الكاسح الغاضب لمخالفته للأعراف الإسلامية أو تجاوزه لما يراه الناس حقًّا، وقد ظل الدكتور زكي نجيب يتخبط، وقد فتحت له أكبر الصحف صدرها، ومنعت نشر أي رأي مخالف أو معارض أو مناقش له، وهذا ما لم يكن من
        (1/227)
        ________________________________________
        طبيعة هذه الصحيفة في تاريخها كله، لقد أفردت له أكبر الصحف الصفحات واسعة، يصول فيها ويجول، بأسلوب جاف فلسفي، وحوار مغرب تضيق به الصدور، وينصرف عنه الناس بعد سطور قليلة، فكيف يمكن أن يكون الدكتور زكي نجيب محمود عميدًا للتغريب أو خليفة للدكتور طه حسين، ثم هو حين اصطدم به الناس في (قضية الحجاب) كشف عن قصوره التام عن أداء دوره المرسوم، وانكشف عجزه عن مسايرة الناس أو اقناعهم وسرعان ما تعرى ذلك (القناع) الذي يلبسه فإذا هو كاتب عنيف جاف لا يصبر على القول المرفوض والدنيا كلها من حوله تشيح عنه، وما هكذا عهدنا الدعاة، وإننا لنؤكد أن الدكتور زكي نجيب محمود قد سقط في الامتحان وأنه عجز عن أن يحمل لواء زعامة التغريب وعمادة الغزو الثقافي خلفًا للراحل طه حسين، وأنه إذا كان يظن من نفسه أنه زعيم فكر فما هو كذلك، وما كان ذلك يومًا، وما هكذا تساق الأبل يا سعد، وكيف برجل يهاجم تيارًا قويًا كاسحًا، سليمًا صادقًا، مرتبطًا بالفطرة، متصلاً بالإيمان، كيف يمكن أن يصور هذا التيار على أنه تخلف وهل بلغت المغالطة إلى هذا الحد، وهل يمكن أن ينتصر دعاة التغريب في معركة حاسمة كهذا في مواجهة قيم الأمة ودينها وأخلاقها، ما هكذا يمكن أن تقاد حركة التغريب، وما هكذا يمكن كسب الأنصار بإغاظة الناس وإبراز مكنونات النفس الخفية الممتلئة كراهية للإسلام، والحقد على أهله، والرغبه في تدمير قيمه، وما كان صاحبكم كذلك بل كان يستطيع أن يخفي أحقاده، حين يتحدث وكأنه من المؤمنين أم أن حركة التغريب قد غيرت من أساليبها فانتقلت من إقناع الناس إلى إغاظتهم، ومن كسبهم، إلى سبهم، نحن نعلم أن حركة اليقظة الإسلامية الآن تسير في طريق مختلف وأن أساليب التآمر على عقيده الأمة لم تعد تخدع أحدًا، ويخيل إليَّ أن دعاة التغريب يلقون بآخر سهامهم في يأس غريب، وفي إحساس بالفشل ولكن أما كان يمكن أن يكونوا أكثر تجملاً،
        (1/228)
        ________________________________________
        على كل حال، لقد كشفوا أنفسهم وخلعوا الثوب الخادع الذي كانوا يتسربلون به حتى يظن الناس أنهم من المصلحين ومن الناصحين المخلصين لهذه الأمة وبان تمامًا وبما لا يدع مجالاً للشك أنهم ظالمون لأنفسهم غاشون لأمتهم وأنهم يسيرون ضد تيار التاريخ واليقظة والصحوة، وتلك نهايتهم مهما أفسحت لهم الصحف صفحاتها ومهما كان لأسمائهم شهرة ولمعان خادع لم يعد يخدع أحدًا" (1) اهـ.

        (1) "جيل العمالقة" (ص 188 - 201).

        ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

        تعليق


        • #19
          * الدكتور طه حسين عَرّاب رائد حركة التغريب ومحو الهوية الإسلامية:
          - إنه طه حسين القائل.
          - "لأمر ما اقتنع الناس أن النبي يجب أن يكون من صفوة بني هاشم، ولأمرٍ ما شعروا بالحاجة إلى إثبات أن القرآن كتاب عربي مطابق في ألفاظه للغة العرب".
          - "أظهر تناقض كبير بين نصوص الكتب الدينية وبين ما وصل إليه العلم من النظريات والقوانين فالدين حيث يثبت وجود الله ونبوة الأنبياء يثبت أمرين لم يستطع العلم أن يثبتهما، العالم الحقيقي ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة وكما ينظر إلى اللباس من حيث إن هذه الأشياء كلها ظواهر اجتماعية يحدثها وجود الجماعة، وتتبع الجماعة في تطورها وتتأثر بما تتأثر به الجماعة. إن الدين في ناحية والعلم في ناحية، وليس إلى التقائهما من سبيل ومن زعم غير هذا فهو خادع أو مخدوع.
          - "إن الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين وستبقى كذلك، بل يجب أن تبقى وتقوى، والمصري فرعوني قبل أن يكون عربيًّا، ولا يطلب من مصر أن تتخلى عن فرعونيتها وإلاّ كان معنى ذلك: اهدمي يا مصر أبا الهول
          ________
          (1/229)
          ________
          والأهرام، وانسى نفسك واتبعينا، لا تطلبوا من مصر أكثر مما تستطيع أن تعطي، مصر لن تدخل في وحدة عربية سواء كانت العاصمة القاهرة أم دمشق أم بغداد، وأؤكد قول أحد الطلبة القائل: لو وقف الدين الإسلامي حاجزًا بيننا وبين فرعونيتنا لنبذناه.
          - "خضع المصريون لضروب من البغي والعدوان جاءتهم من الفرس والرومان والعرب أيضًا".
          - "ما لي أدرس الأدب لأقصر حياتي على مدح أهل السنة وذم المعتزلة. من الذي يكلفني أن أدرس الأدب لأكون مبشرًا للإسلام أو هادمًا للإلحاد".
          - "إن الإنسان يستطيع أن يكون مؤمنًا وكافرًا في وقت واحد، مؤمنًا بضميره وكافرًا بعقله، فإن الضمير يسكن إلى الشيء ويطمئن إليه فيؤمن به، أما العقل فينقد ويبدل ويفكر أو يعيد النظر من جديد فيهدم ويبني، ويبني ويهدم" (1).
          - ويقول في كتابه: "مستقبل الثقافة في مصر" عام 1938 "إن سبيل النهضة واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء وهي أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يُحب منها وما يكره، وما يُحمد منها وما يُعاب، ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع".
          عاملك الله بما تستحق يا طه من داعٍ إلى العلمانية في وقت باكر، وداع إلى القضاء على الشريعة الإسلامية بالقانون الوضعي، ومن داع إلى القضاء
          __________
          (1) "طه حسين .. حياته وفكره في ميزان الإسلام" لأنور الجندي (ص 14 - 15) دار الاعتصام.
          (1/230)
          ________________________________________
          على الوحدة الإسلامية بالدعوة إلى الإقليمية والقومية الغربية.

          - طه حسين في أعماله الكبرى كلها خاضع للاستشراق متأثر به تابع له مُعْلٍ من قدره متحدث عن فضله على الأدب العربي والفكر الإسلامي.
          - في كتابه " الشعر الجاهلي" سرق نظريته من اليهودي مرجليوث من بحثه الذي نُشر في المجلة الآسيوية عام 1924 م وصدر بعدها الشعر الجاهلي عام 1926، ومن كتاب "مقالة في الإسلام" لجرجيس صال (المبشر الإنجليزي عربه عن الإنجليزية هاشم العربي وطبع عام 1891 بمصر.
          أما رأيه عن المتنبي فقد أخذه من بلاشير.
          ومذهبه في النقد أخذ نظريته من تين، وبوردنير.
          وبحثه عن ابن خلدون أخذه عن دور كايم.
          واتجاهه في حديث الأربعاء أخذه عن سانت بيف.
          وعمله في هامش السيرة أخذه من كتاب على هامش الكتب القديمة.
          - طه حسين الذي ترجم وأذاع شعر بودلير العنيف في إباحيته، المسف في أسلوبه، وترجم وأذاع القصة الفرنسية المكشوفة، وقد حفلت كتاباته في جريدة السياسة 1922/ 1923 ومن بعدها في مجلة الجديد وغيرها بهذه الترجمات التي كانت مثار تعليق المازني كما سيأتي.
          - تأثر طه حسين في كتاباته الأدبية والتاريخية والإسلامية بـ:
          فولتير صاحب الفكر الحر وعدو الديانات.
          - وفي ميدان الأدب والنقد الأدبي يتابع "تين" في نظريته المادية التي لا ترى في الإنسان إلا الجسم" والمادة فقط وأن الإنسان قبل كل شيء حيوان متوحش .. وبهذا الفكر فتح طه حسين أبواب الإثم وسموم الفكر وإباحيات المذاهب أمام الشباب.
          (1/231)
          ________________________________________
          - وتابع طه حسين مثله الأعلى رينان في الأنتصار لحرية الرأي حتى لم يفرق بين حرية الرأي وبين الشك.
          - وأعجب طه حسين بأوجست كونت الذي وصف بأنه صاحب دين جديد وهو صاحب الفلسفة الوضعية وتأثر به تأثرًا كبيرًا طه حسين وهو المذهب الذي عمقه من بعد دوركايم وصولاً بالفكر الغربي إلى المادية المطلقة.
          - وكذا تابع وتأثر بديكارت وسانت بيف ومذهبهما في الشك الفلسفي. وكذا ببول فاليري وغيرهم.

          * طه حسين وكازانوفا والقرآن:

          - قال طه حسين عن كازانوفا (1): "هذا الرجل الذي دعته الجامعة ليس رجلاً عاديًا وإنما هو أستاذ حقًّا، ولقد أريد أن يعلم الناس أني سمعت هذا الأستاذ يفسر القرآن الكريم تفسيرًا لغويًّا خالصًا فتمنيت لو أتيح لنا لمنهجه أن يتجاوز باب الرواق العباسي ولو خلسة ليستطيع علماء الأزهر الشريف أن يدرسوا على طريقة جديدة نصوص القرآن الكريم من الوجهة الخالصة على
          نحو مفيد حقًّا.
          - ولكي نعرف وجهة نظر"كازانوفا" في القرآن والإسلام نعرض لما قاله في "محمد وانتهاء العالم"، وفي هذا الكتاب يتعرض بالتشكيك إلى سلامة نصوص القرآن الكريم، ويزعم أن آيتين ذاتي شأن لا أصل لهما ألبتة، بل وضعهما أبو بكر ثم أضيفتا إلى القرآن.
          - ثم يقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن العقل ونضوج الفكر اللذين دلّ عليهما إذ ظهرت الأيات الأولى الموحاة " ثم يشير إلى ما أسماه "جلالة كلامه
          __________
          (1) "طه حسين حياته وفكره" (ص 60 - 61).
          (1/232)
          ________________________________________
          الذي لا يُقاس بغيره ولم يخطر لبال عربي قبله "، ومعنى هذا أنه ينسب القرآن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وينكر الوحي والنبوة.
          - يقول عمر فاخوري في كازانوفا في " آراء غريبة في مسائل شرقية":
          إن هذه اللهجة من كازانوفا أخطر خطرًا على الإسلام من شتائم المستشرق اليسوعي "لامنس" التافهة، ومحاولة كازانوفا تنصب على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعين خليفة له لأنه لم يفكر أنه سيموت واعتقد أن انتهاء العالم قريب، وأنه سيكون في حياته، ولذلك فهو يعد أن آية {وما محمد إِلا رسول قد خلت من قبله الرسل} وآية {إِنك ميت وِإنهم ميتون} قد أضافهما أبو بكر من بعد.

          - يقول كازانوفا: "إني أؤكد أن مذهب محمد الحقيقي إن لم يكن قد زُيف فهو على الأقل ستر بأكثر العنايات وأن الأساليب البسيطة التي سأشرحها فيما بعد هي التي حملت أبا بكر أولاً ثم عثمان من بعده على أن يمدا أيديهما إلى النص المقدس بالتغيير، وهذا التغيير قد حدث بعبارة بلغت حدًا جعل الحصول على القرآن الأصلي يشبه أن يكون مستحيلاً". هذه هي عقيدة كازانوفا في القرآن وفي الإسلام التي أشاد بها طه حسين وأعجب بها.
          وقال: إنه لم يفهم القرآن إلا بعد أن سمع دروس كازانوفا التي دعته إلى أن يردد هذه الآراء في محاضراته ثم يدعو كازانوفا نفسه ليلقي هذه الأبحاث على طلاب كلية الآداب.
          لقد أشار المنجوري إلى رأي طه حسين في القرآن مما ألقاه على طلابه وسجل ذلك في مقالات بمجلة الحديث الحلبية، وفي جريدة كوكب الشرق وما قرأه الدكتور عبد الحميد سعيد من كراسة أحد الطلاب في مجلس النواب أثناء عرض قضية طه حسين، ولم ينفك طه حسين عن التشكيك في القرآن أبدًا، بل ظل يثير الشبهات حوله بصورة وأخرى وخاصة في بحثه عن ضمير الغائب الذي ألقاه في مؤتمر المستشرقين في عام 1928" اهـ.
          (1/233)
          ________________________________________
          - يقول طه حسين في كتاب "الشعر الجاهلي" مشككًا في القرآن: "ونحن لا نستطيع أن نظفر بشيء واحد يؤيد ما أشرنا إليه هو: أن الكتاب شيء غير القرآن، كان موجودًا قبل إنزال القرآن، والقرآن صورة عربية منه، وقد أخذ صورًا من قبل كالتوراة والإنجيل".
          - ويقول: "وإذن فالقرآن دين محلي لا إنساني عالمي، قيمته وخطره في هذه المحلية وحدها. قاله صاحبه متأثرًا بحياته التي عاشها وعاش فيها.
          ولذلك يعد تعبيرًا صادقًا عن هذه الحياة. أما أنه يمثل غير الحياة العربية أو يرسم هدفًا عامًا للإنسان، فليس ذلك بحق. إنه دين بشري وليس وحيًا إلهيًّا، والقرآن مؤلف، ومؤلفه نبيه محمد، ويمثل تأليفه بأنه يمثل حياة العرب المحدودة في شبه الجزيرة في اتجاهات حياتها المختلفة السياسية والاقتصادية والدينية.

          * دليل دامغ ونص خطير لعرّاب التشكيك في القرآن الكريم:
          قدم الدكتور عبد الحميد سعيد كرّاسة لأحد طلبة طه حسين أثبت فيها ما كان يلقيه عليهم - يقول في محاضرة في كلية الآداب بقصر الزعفران (1927 - 1928) بعد ضجة الشعر الجاهلي:
          "وصلنا في المحاضرة الماضية إلى موضوع اختلاف الأساليب في القرآن، وقررنا أنه ليس على نسق واحد، واليوم نوضح هذه الفكرة:
          لا شك أن الباحث الناقد والمفكر الحر الذي لا يفرق في نقده بين القرآن وبين أي كتاب أدبي آخر، حيث يلاحظ أن في القرآن أسلوبين متعارضين لا يربط الأول بالثاني صلة ولا علاقة، مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذا الكتاب قد خضع لظروف مختلفة وتأثير بيئات متباينة، فمثلاً نرى القسم المكي فيه يمتاز بكل ميزات الأوساط المنحطة، كما نشاهد أن القسم اليثربي
          (1/234)
          ________________________________________
          تلوح عليه أمارات الثقافة والاستنارة، فأنتم إذا دققتم النظر وجدتم القسم المكي ينفرد بالعنف والقسوة والحدة والغضب، والسباب والوعيد والتهديد، ويمتاز كذلك بتقطع الفكرة واقتضاب المعاني وقصر الآيات، والخلو التام من التشريع والقوانين، كما يكثر فيه القسم بالشمس والقمر والنجوم والفجر والضحى والعصر والليل والنهار والتين والزيتون، إلى آخر ما هو جدير بالبيئات الجاهلية الساذجة التي تشبه بيئة مكة تأخرًا وانحطاطًا.
          "أما القسم المدني فهو هادئ لين وديع مسالم، يقابل السوء بالحسنى، ويناقش الخصوم بالحجة الهادئة، والبرهان الساكن الرزين، كما أن هذا القسم ينفرد بالتشريعات الإسلامية، كالمواريث والوصايا والزواج والطلاق والبيوع وسائر المعاملات، ولا شك أن هذا أثر من آثار التوراة والبيئة اليهودية، التي ثقفت المهاجرين إلى يثرب ثقافة واضحة، يشهد بها هذا التغيير الفجائي الذي ظهر في أسلوب القرآن".

          "ليس القرآن إلا كتابًا ككل الكتب الخاضعة للنقد، فيجب أن يجري عليه ما يجري عليها، والعلم يحتم عليكم أن تصرفوا النظر نهائيًّا عن قداسته التي تتصورونها، وأن تعتبروه كتابًا عاديًا فتقولوا فيه كلمتكم، ويجب أن يختص كل واحد منكم بنقد شيء من هذا الكتاب ويبين ما يأخذه عليه".
          "هناك موضوع آخر أريد أن أنبهكم إليه وهو مسألة هذه الحروف الغريبة غير المفهومة، التي تبتدئ بها بعض السور أمثال: ألم، ألر، طس، كهيعص، حم عسق .. إلخ، فهذه كلمات ربما قُصد منها التعمية أو التهويل وإظهار القرآن في مظهر عميق مخيف، أو هي رموز وُضِعت لتميز بين المصاحف المختلفة التي كانت موضوعة عند العرب" (1).
          __________
          (1) منقول بالنص عن محضر الجلسة الرابع والعشرين لمجلس النواب المصري 28 مارس سنة
          1932 (ص346) وما بعدها.
          (1/235)
          ________________________________________
          - فطه حسين هنا يقول ببشرية القرآن، وهذا القول كفر أكبر مخرج من الملة بعد قيام الحجة على قائله من قِبَل علماء الأمة.

          ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

          تعليق


          • #20
            * موقف طه حسين من الدين الإِسلامي والحكومة الإِسلامية:
            إن مقال طه حسين "بين العلم والدين" الذي نشره في مجلة الحديث عام 1927 هو بمثابة تقرير كتبه الدكتور إلى أساتذته عتاة التغريب ليكشف لهم عن الخطر الذي يواجهه تحت مادة دين الدولة الرسمي الإسلام، وفيه يكشف مفهومه للإسلام بأنه لا يزيد عن أن يكون صلاة وصيامًا واحتفالاً بالمولد النبوي والأعياد الرسمية وإطلاق المدافع في رمضان وقيام المحمل إلخ ..
            أما بالنسبة للنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإنه يدعو مصر إلى اعتناق النظرية الغربية يرى أنه لا سبيل غير ذلك.
            - يقول طه حسين في عدائه للحكومة الإسلامية والتشريع الإسلامي:
            "لقد اعتزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم ونسير سيرتها في الإدارة ونسلك طريقها في التشريع، والتزمنا هذا كله أمام أوربا، وهل كان إمضاء معاهدة الاستقلال ومعاهدة إلغاء الامتيازات إلا التزامًا صريحًا قاطعًا أمام العالم المتحضر بأننا سنسير سيرة الأوربيِين في الحكم والإدارة والتشريع فلو هممنا الآن أن نعود أدراجنا وأن نحيي النظم العتيقة لما وجدنا إلى ذلك سبيلاً".
            - ويقول في كتاب "الفتنة الكبرى": "لقد كانت الخلافة الإسلامية تجربة جريئة توشك أن تكون مغامرة ولكنها لم تنته إلى غايتها ولم يكن من الممكن أن تنتهي إلى غايتها؛ لأنها أُجريت في غير العصر الذي كان يمكن أن تُجرى فيه سبق بها هذا العصر".
            ويقول في "الفتنة الكبرى": "ليس من شك أن عليًّا قد أخفق في بسط
            (1/236)
            ________________________________________
            خلافته على أقطار الأرض الإسلامية، ثم هو لم يخفق وحده، وإنما أخفق معه نظام الخلافة كله وظهر أن الدولة الجديدة التي كان يُرجى أن تكون نموذجًا للون جديد من ألوان الحكم والسياسة والنظام لم تستطع آخر الأمر إلا أن تسلك طريق الدول من قبلها، فيقوم الحكم فيها على مثل ما كان يقوم من قبل من الأثرة والاستعلاء ونظام الطبقات التي تستذل فيه الكثرة الضخمة، لا من شعب واحد بل من شعوب كثيرة لقلة قليلة من الناس" (1).
            وهذا الكلام تَجَنٍ من طه حسين على الخلافة التي لم تخفق، وإنما ظلت طيلة ثلاثة عشر قرنًا حتى الحرب العالمية الأولى مصدر عزة المسلمين وقوتهم.
            - ومفهوم طه حسين للدين هو أنه ظاهرة اجتماعية وأنه خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها، وأشد من ذلك خطرًا قوله: "بأن الإسلام لم يغير حياة العرب، وأنه بقي على هامش حياة المسلمين، وأنه لم يستطع أن يفرض حياة المسلمين بين أصحاب الحضارات الأخرى".
            - أما رأيه في الشريعة فهو رأي متعصبي المستشرقين أمثال جولدزيهر، وشاخت وغيرهم فهو يقول: "ولكننا لا نشك في أن الفقه الإسلامي قد تأثر بالفقه الروماني قليلاً أو كثيرًا سواء علم بذلك الفقهاء أم لم يعلموا" وهذا الكلام لطه حسين مغالطة واضحة.
            - ويقول عن الشيخ الظواهري في "السياسة" (28/ 6/1932):
            "ما دامت هذه الأيام السود قد جعلت رأي الشيخ الظواهري فوق الدين والعلم، وفوق الحرية والدستور والقانون فمن الحق على هذا (البابا) أن لا يحكم في رعاياه البائسين حكم قراقوش، وأن لا يقضي في أمر حتى يفهم
            __________
            (1) "الفتنة الكبرى" لطه حسين (2/ 155).
            (1/237)
            ________________________________________
            ويتبصر. وأنا أعلم أن عمامة الشيخ تضيق بفهم هذه الكتب العلمية الخالصة التي يطبعها في مصر جماعة من المصريين والأجانب الشرقيين والغربيين".
            وواضح أن هدف طه حسين هو فتح الطريق أمام الأجانب الغربيين وحدهم في نشر ما يشاءون من آراء سواء أكانت معارضة للإسلام أو مهاجمة له. وأيضًا في اتهامه لقراقوش بالاستبداد تزييف واضح للتاريخ.
            الخطوة الثانية:
            - وكانت مقالات طه حسين عن ما أسماه الخطوة الثانية: هي أخطر محاولاته لهدم الأزهر.
            فقد أُعلن إلغاء المحاكم الشرعية فإذا الدكتور طه حسين يتقدم بطلب إلغاء الأزهر تحت اسم الخطوة الثانية في مقال بجريدة الجمهورية 21/ 10/1955 دعا فيها إلى توحيد التعليم على الأساس المدني، ثم أردفه بمقال آخر في 2/ 11/1955، ثم بمقال في 16/ 11/1955 ثم مقال رابع بتاريخ 27/ 11/1955. وقد ردّ عليه الكثير من العلماء والدعاة مثل الشيخ محب الدين الخطيب، والدكتور محمد أبو شهبة.

            - قال الدكتور محمد محمد أبو شهبة في مجلة الأزهر عن طه حسين:
            "أيريد أن نتخلى عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الموحى إليه بهما
            من ربهما ونشتغل بفلسفة اليونان وسقطاتهم وثقافة الفرنسيين الذين يحبهم
            ويحبونه حتى ننفي عن أنفسنا أننا محافظون، أم يريد أن تقطع صلتنا بالسلف
            الصالح من هذه الأمة الإسلامية وما خلّفوا لنا من كنوز وذخائر ونصل حبالنا
            بأبناء السين والتايمز حتى يرضى عنا ويضعنا في قائمة المجددين، ألا فليعلم
            الدكتور ومن على شاكلته أنه لن يكون شيء من ذلك، ودون ما يريد خرط
            القتاد وصعود السماء {فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن
            كيده ما يغيظ}.
            (1/238)
            ________________________________________
            - وكتب السيد محب الدين الخطيب رئيس تحرير مجلة الأزهر في مقدمة العدد الخاص (ديسمبر عام 1955):
            ْ"إن الضجة التي أثارها مؤلف "مستقبل الثقافة في مصر" لم يثرها ليقضي على مناهج الأزهر من ناحية العلوم. بل هو يريد من مصر ومن الأزهر ومن كل من ينتسب إلى العلم من الناطقين بالضاد أن يؤمنوا بثقافة الغرب ما آمن هو بها ..

            وبعد: فإن مصر لو فقدت عقلها وسارت وراء مؤلف "مستقبل الثقافة في مصر" لخسرت جميع أبنائها المثقفين كما خسرت ويا للأسف المسيو كلود طه حسين ناظم ديوان أجراس الكنائس الذي يتغنى فيه لابنته بموسيقى الكنائس، وأظن أن مؤلف كتاب "مستقبل الثقافة" يتمنى لجميع أبناء مصر أن يكون كل واحد منهم (كلود طه حسين).
            - أما القائمون بالولاية على مصر فإن أبناء مصر أكرم عليهم من ذلك وأعز، وهم يعلمون أن حياة مصر بالإسلام وقوتها بالتعاون مع العرب. إن هذه البذور التي زُرِعت في تربتنا الجامعية منذ نحو ثلاثين سنة بمشهد من صاحب "الخطوة الثانية" كما يشهد له بذلك كتابه "في الشعر الجاهلي"، وأعمدة الصحف ومحاضر مجالس النواب وبعض قرارات النيابة إلى أن أنبتت تلك البذور رجالاً صار منهم الآن مدرسون وأساتذة كالذي "كان يمزح مع طلابه على حساب إيمانهم فيقول لهم: إنه سيعطي درجات إضافية في الامتحان للذين يفطرون في رمضان"، وكالذي يعتبر الآن حجة للفسلفة الوجودية في مصر، ويقول في رسالة له صدرت في القاهرة عام 1953:
            "إما أن تقول بالأخلاق فتفقد ذاتك، وإما أن تقول باللا أخلاق فتخاطر بوجودك. وإننا معاشر الوجوديين لا نريد أن ننساق وراء أحلام البراءة والبكارة والطهارة" .. هذا هو خطر الوجودية .. إن صاحب "الخطوة الثانية"
            (1/239)
            ________________________________________
            يعمى عن رؤية هذا الخطر على مصر؛ لأن هواه يصرفه عن اعتبار أن الخطوة الثانية يجب أن تتجه نحو تطهير الجامعة من هذا التيار العدواني للقانون والأخلاق والواجب والطهارة والبراءة وحماية الجامعيين من هذا الوباء الجارف الذي يدعو إلى الإثم ويهدد مستقبل مصر وكيانها، فرأيناه يسكت عن ذلك؛ لأنه كان من شهود زرعه وغرسه ويرفع عقيرته مناديًا بالقضاء على ما يختلف به في مفاهيم تعليمه عن مناهج من يسميهم الناس في مدارسهم، وليس بين مناهج الأزهر والمناهج الأخرى فرق إلا بتعليم القرآن وتفسيره والحديث ومصطلحه والسيرة النبوية والفقه الإسلامي، فالقرآن وهذه العلوم المفسرة له والمستظلة بهدايته هي الخطر كل الخطر على مصر ويجب أن تكون الخطوة الثانية متجهة نحو تحطيمها وإبادتها بتوحيد التعليم في طور الصبا والشباب".

            * دعوته إِلى أدب المجون والجنس والإِباحة:
            في جرأة عجيبة على تاريخ الأمة قال طه حسين كلمته المسمومة: "إن القرن الثاني للهجرة كان عصر شك ومجون وزندقة وفجور، وأنه يتخذ كنموذج لهذا العصر: أبا نواس، ووالبة ومسلم بن الوليد وأمثالهم من شعراء اللهو، ويعتمد على كتاب "الأغاني" في كثير من الأحكام التي أصدرها من غير تحرج ولا احتياط على هذا العصر.
            بل إنه ذهب إلى أبعد من هذا حيث دعا شاب كلية الآداب إلى اعتبار كتاب "الأغاني" مرجعًا في دراسة العصر ومصدرًا لرسم صورة المجتمع الإسلامي، وهذا زيف بالغ الخطر، وجرأة على الحق.
            وقد رد عليه الدكتور غلاّب والأستاذ محمد عرفة، وأشار الدكتور عبد الحميد سعيد إلى خطورة "حديث الأربعاء" في حديثه في مجلس النواب المصري عام 1933.
            وما توقف طه حسين في دعوته إلى الزندقة والإباحة الجنس، ولقد
            (1/240)
            ________________________________________
            ذهب إلى أبعد من ذلك فكتب حياة أبي نواس في أواخر حياته ليصلها بما كتبه عنه في أوائل الشباب (سنة 1926) وبينهما أربعة عقود، وإحياء أبي نواس إحياء للدعوة إلى الخمر وإلى الجنس وإلى الإباحة تذكر بعصبة المجان: بشار ومطيع وحماد عجرد والخليع.
            - وكتب الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني في كتابه "قبض الريح" (ص63) وما بعدها ما يلي:
            "ولقد لفتني من الدكتور طه حسين في كتابه "حديث الأربعاء" وهو مما وضع قصص تمثيلية - وهي ملخصة، أن له ولعًا بتعقّب الزناة والفسّاق والفجرة والزنادقة".
            ودعوته إلى تحرير الأدب من الأرتباط بالأخلاق والدين دعوة إلى التحرر من ثوابت هذا الدين، يقول عن شعر المجون: "خسرت الأخلاق من هذا التطور وربح الأدب "- وهو الذي ترجم شعر بودلير الماجن، والقصص الفرنسي الداعر.

            * طه حسين وحضارة البحر التوسط:

            دعا الدكتور طه حسين إلى الإقليمية المصرية مع إعلائه الدعوة إلى الفرعونية وإنكار رابطتها العربية والإسلامية، والادعاء بأن لها رابطة بالغرب ودول البحر المتوسط وأن العقل العربي هو عقل يوناني استمد ثقافته من الفلسفة اليونانية في القديم، وهو عقل غربي في الحديث استمد ثقافته من أوربا.
            وقد كان هدف طه حسين من هذه الدعوى عزل مصر عن العرب والعالم الإسلامي وإدخالها في الحلف اللاتيني الذي أنشأته إيطاليا وفرنسا وأسبانيا بوصفها دول البحر الأبيض المتوسط، وكانت فرنسا هي التي تقود هذه الدعوة، والنظرية تقوم على أساس أن مصر قطعة من أوربا، كما أعلن
            (1/241)
            ________________________________________
            ذلك الخديو إسماعيل وأنها جزء من حوض البحر المتوسط.
            - يقول طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة": "إن العقل المصري منذ عصوره الأولى عقل إن تأثر بشيء فإنما يتأثر بالبحر الأبيض المتوسط، وإن تبادل المنافع على أخلاقها فإنما بتبادلها مع شعوب البحر المتوسط. فإذا لم يكن بد من أن نلتمس أسرة للعقل المصري نقره فيها فهي أسرة الشعوب التي عاشت حول بحر الروم، وإن كلمة إسماعيل لم تكن فنًا من فنون التمدح أو لونًا من ألوان المفاخرة، وإنما كانت مصر دائمًا جزءًا من أوربا في كل ما يتصل بالحياة الثقافية العقلية".
            - وهذه دعوى عريضة باطلة، وقد وجه طه حسين بعشرات الردود التي تكسف شمسه وتزيف رأيه، ولكنه كان يمضي في هذا الطريق على نحو من الصلف والكبرياء الكاذب الذي لا يبلغه.
            ولقد أخطأ خطأً بالغًا حين كتب في جريدة "كوكب الشرق" عام 1933 هذه العبارة: "وإن المصريين قد خضعوا لضروب من البغي وألوان من العدوان جاءتهم من الفرس واليونان وجاءتهم من العرب والترك والفرنسيين وجاءتهم الآن من الإنجليز، وهم قد صبروا لهذا كله وانتصروا على هذا كله فردوا من ردوا من المعتدين وأفنوا في أنفسهم من أفنوا من هؤلاء المعتدين".
            - وقام شباب متحمس لعروبته في دمشق في ساحة الشهداء بحرق بعض كتب طه حسين. وانهالت الردود على طه حسين من عبد الرحمن عزام، ومحمد علي علوبة، وأحمد حسن الزيات، وعبد القادر حمزة، وعلي الجندي (العربي - إبريل عام 1980).
            وأعلنت مجلة "المكشوف" المارونية البيروتية عام 1938 عن كتاب لم يصدر للدكتور طه حسين هو "مستقبل حضارة البحر التوسط في الشرق والغرب". وجاء في هذه المجلة قول طه حسين: "أؤكد قول أحد الطلبة
            (1/242)
            ________________________________________
            القائل: "لو وقف الدين الإسلامي حاجزًا بيننا وبين فرعونيتنا لنبذناه". إن المصري مصري قبل كل شيء فهو لم يتنازل عن مصريته مهما تقلّبت الظروف".

            إن طه حسين يكشف بذلك انغماسه حتى الأذنين في وثنية عميقة يتنقل بها من اليونان إلى الرومان إلى الفراعنة، وفي نفس ذلك الحقد المتصل على الإسلام فضلاً عن أن هناك فارقًا واسعًا وعميقًا بين دراسة الآثار وبين الدعوة إلى الفرعونية.
            وما استطاعت كتابات طه حسين هذه أن تزيح سمومه الفرعونية التي بثها على طول حياته، تلك التي شكلت مدرسة الإقليمية المصرية البغيضة وقوامها: حسين مؤنس، وتوفيق الحكيم، وحسين فوزي ولويس عوض، وهم الخلفاء الطبيعيون للثقافة الوثنية التي أنشاها طه حسين وهيكل، ومحمود عزمي، وسلامة موسى، هؤلاء جميعًا كانوا يعتقدون بأن انتماء مصر يجب أن يكون انتماء غربيًا أوربيًا في التعليم والثقافة وفي الحكم والسياسة وفي الاقتصاد وفي الاجتماع وفي التشريع.
            - ولكن أخطر ما دعا إليه الدكتور طه حسين هو إنكار فضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الحديثة، ورد عليه شيخ العروبة أحمد زكي ردًا مفحمًا بيَّن هراءه ودجله.

            * طه حسين وتزييف التراث وإِحياء التراث الزائف الذي صنعته الباطنية كـ "رسائل إِخوان الصفا":

            كان أكبر أهداف طه حسين تزييف التراث، وكان موقفه من التراث الإسلامي واضحًا وهو موقف الاستهانة والامتهان له باطلاق اسم القديم عليه، ومحاولة إعادة كتابته بمفهوم التفسير المادي للتاريخ ومنهج الجبرية
            (1/243)
            ________________________________________
            التاريخية وإزالة طابع الإيمان والبطولة والتضحية. وتركيزه على القول بأنه لم يجد في الأدب العربي القديم ما يستحق أن يُبعث وينشر إلا أخبار المجونيين الذين ابتلي بهم الأدب العربي كأبي نواس ووالبة والخليع ومن إليهم.
            وعمل على إحياء التراث الزائف الذي صنعته الشعوبية والباطنية، فقد حرص على إعادة إحياء بعض الكتب القديمة واعتبرها مراجع لدراسة المجتمع الإسلامي، وقد ركّز على كتاب "الأغاني" تركيزًا شديدًا مع أن هذا الكتاب بإجماع المؤرخين لا يصلح للغرض الذي قصد إليه.
            - وقصد إلى إحياء بعض الكتب القديمة ذات الأثر الخطير في طرح مفاهيم الباطنية والمجوسية وذلك باهتمامه بكتاب "رسائل إخوان الصفا".
            وطمع في إحياء كتب المعتزلة والفلاسفة والتصوف الفلسفي وهو تيار بدأه المستشرقون وسار فيه أستاذه "ماسنيون" الذي أحيا الفكر الباطني للحلاج.
            - يقول طه حسين: "إنه استكشف كتابًا عظيم الخطر في تاريخ الفلسفة الإسلامية هو كتاب "المغني" للقاضي عبد الجبار، وهو كتاب يصور مذاهب المعتزلة في علم الكلام" وهو بنشره هذا الكتاب في فكر المعتزلة يضلل الناس عن مفهوم التوحيد الخالص ويردهم إلى الشبهات.
            - وهكذا نجده في المجمع اللغوي ولجنة الثقافة بالجامعة العربية يهدف إلى نشر مثل هذه الكتب ويسميها "الخطيرة القيمة"، وهو في لجنة الثقافة يهتم بكتاب "أنساب الأشراف" للبلاذري وهو كتاب مضطرب طبعه اليهود في إسرائيل؛ لأنه يبرئ عبد الله بن سبأ.
            كتاب "رسائل إِخوان الصفا":
            كشف كثير من الباحثين أخطاء طه حسين في كلامه عن "رسائل إخوان الصفا"، ومنهم الأستاذ محمود الملاح، والأستاذ عبد الآمر غلوس على
            (1/244)
            ________________________________________
            النحو التالي:
            - قال طه حسين عن إخوان الصفا أنهم مفكرون مستقلون يحاولون أن يصبغوا ما انتهى إليه المسلمون من آثار الأمم بصبغة إسلامية، وكان من زعمائهم جماعة كالفارابي وابن سينا.
            وقد أجاب الأستاذ الملاح عن ذلك الأفتراء بقوله: "إن هذه النحلة الهدامة تحاول صبغ الملة الإسلامية صبغة الأساليب الوثنية المتضمنة للشرك والرجوع بالمسلمين إلى الوراء بعد أن ذاقوا نعمة التوحيد الخالص".
            - كذلك قال طه حسين: إن رسائل إخوان الصفا أشبه شيء بدائرة معارف فلسفية جمعت كل ما لم يكن بد من تحصيله للرجل المثقف في هذا العصر، وأن هذه الرسائل ليست إلا مدخلاً إلى رسالة جامعة هي خلاصة العلم وغاية الغايات. هل يبعد أن يكون رجل كالغزالي قد تأثر إلى حد قريب أو بعيد بفلسفة هذه الجماعة ولا سيما حينما نلاحظ أنه نشأ فيلسوفًا وانتهى صوفيًّا؟!
            وقول طه حسين كله كذب فلقد كان الغزالي معروفًا بمحاربة الباطنية فرسائل إخوان الصفا جب ملئ بالأفاعي والعقارب، وهذه الرسائل بخسة الغاية والهدف.
            * طه حسين والسيرة النبوية: "على هامش السير" أو "على هامش الشعر الجاهلي" وبعث الأساطير "المثيولوجية" الإِسلامية:
            جمع طه حسين كل السموم والشبهات التي أثارها الاستشراق في مختلف كتبه وفي دائرة المعارف الإسلامية وأدخلها في دراسته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان والصحابة -رضي الله عنه- حتى يمكن القول بأن "على هامش السيرة" يمكن أن يُسمى "على هامش الشعر الجاهلي"، ولقد وضع الكتاب على نمط كتاب غربي كتبه "الفريد أورشيم" الأستاذ بجامعة أكسفورد
            (1/245)
            ________________________________________
            تحت عنوان "على هامش سيرة المسيح" ذكر ذلك الأستاذ عبد الله كنون في كتابه "التعاشيب". وأشار الدكتور محمد برادة إلى أن طه حسين كتبه تقليدًا لكتاب "على هامش الكتب القديمة" لجيل لومتير.
            - يقول طه حسين في كتاب "الإسلام والغرب" الصادر عام 1946 في باريس "ويتحتم أن نعترف بأن كتابين فرنسيين كانا بمثابة الشرارتين اللتين أشعلتا موقدين مختلفين، أحد الكتابين لجيل لومتير وعنوانه "على هامش الكتب القديمة"، والثاني "حياة محمد" لإميل درمنجم". قال هذا الكلام في أول مؤتمر للحوار بين المسيحية والإسلام ويعد كتابه خطوة في هذا السبيل من حيث دمج الأديان كلها في كتاب واحد، وفي اختراع أخطر بدعة من إحياء الأساطير في الأدب العربي.
            - وقد ردّ عليه الأستاذ غازي التوبة في كتابه عن الفكر الإسلامي المعاصر، والأستاذ محمد النايف في مقالاته المستفيضة عن السيرة التي نشرها في مجلة المجتمع الكويتية سنوات (1394 و1395 هـ) والدكتور محمد حسين هيكل، وقال الدكتور محمد حسين هيكل: "في رأيي أن لا تتخذ حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - مادة الأدب الأسطوري، وإنما يُتخذ من التاريخ وأقاصيصه مادة لهذا الأدب ..
            والنبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وعصره تتصل بحياة ملايين المسلمين جميعًا بل هي فلذة من هذه الحياة، ومن أعز فلذاتها عليها وأكبرها أثرًا، واعلم أن هذه الإسرائيليات قد أُريد بها إقامة (ميثولوجية إسلإمية) لإفساد العقول والقلوب من سواد الشعب، ولتشكيك المستنيرين ودفع الريبة إلى نفوسهم في شأن الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد كانت هذه غاية الأساطير التي وضعت عن الأديان الأخرى، من أجل ذلك ارتفعت صيحة المصلحين الدينيين في جميع العصور لتطهير العقائد من هذه الأوهام".
            (1/246)
            ________________________________________
            ولا ريب أن كلام الدكتور محمد حسين هيكل هذا هو اتهام صريح للدكتور طه حسين في اتجاهه وتحميل له لمسئولية من أخطر المسئوليات، وهي إعادة إضافة الأساطير التي حرر المفكرون المسلمون سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها طوال العصور، وإعادتها مرة أخرى لخلق جو معين يؤدي إلى إفساد العقول في سواد الشعب، وتشكيك المستنيرين ودفع الريبة إلى نفوسهم في شأن الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم -.
            ومن أخطر مزاعمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أحب زينب بنت جحش وهي زوجة لزيد وهذا بهتان عظيم (1).
            ولقد وصف الأستاذ مصطفى صادق الرافعي كتاب "على هامش السيرة" بأنه تهكم صريح (2).
            - ويقول الأستاذ غازي التوبة: "إن طه حسين ينصب نفسه إمامًا للأساطير اليونانية ويضع السيرة في مصاف الإلياذة ويطلب من المؤلفين والكتاب أن يفتتنوا في الحديث عنها افتتان أوربا بأساطير اليونان، كي يرضوا ميول الناس إلى السذاجة، ويمتعوا عواطفهم وأخيلتهم. ولكن هل يتساوى الأثران في المجتمعين: " الإلياذة" في المجتمع اليوناني، والسيرة في المجتمع الإسلامي، وهل كانت السيرة يومًا ما في التاريخ موضوعًا لتسلية قصصية أو مباراة لفظية" (3).
            وفي الجزائر نشرت مجلة "الشباب الجزائرية" (ذي القعدة عام 1352 هـ - 1934م) تحت عنوان "دسائس طه حسين" قالت: "ألف طه حسين كتابًا أسماه "على هامش السيرة" يعني السيرة النبوية الطاهرة، فملأه من الأساطير
            __________
            (1) "محاكمة فكر طه حسين" (ص 185، 187).
            (2) المصدر السابق (ص 189).
            (3) المصدر السابق (ص 188 - 189).

            (1/247)
            ________________________________________
            اليونانية الوثنية وكتب ما كتب في السيرة الكريمة على منوالها، فأظهرها بمظهر الخرافات الباطلة وأساطير الخيال، حتى يخيل للقارئ أن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هي إلا أسطورة من الأساطير، وفي هذا من الدس والبهت ما فيه" (1).
            (1) المصدر السابق (ص 189).

            ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

            تعليق


            • #21
              * "الشيخان" أبو بكر وعمر:

              يمضي الدكتور طه حسين في كتابه هذا على نفس النمط الذي سار عليه في كتابه "الفتنة الكبرى" وهي مجموعة أحقاد ووصايا تبشيرية واستشراقية موجهة ومدروسة يضعها في قلب هذه الدراسات لإثارة الشكوك حول صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
              وقد مهّد لكتاب "الشيخان" بمقدمة خطيرة أعلن فيها مذهب الشك الفلسفي بوضوح فيعبث في تاريخ أمتنا ويطعن في الرواة الثقات من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وتابعي التابعين وينكر أحاديث متفقًا على صحتها:
              فيطعن في حادث السقيفة قائلاً: "لست أطمئن إلى أكثر ما يرويه الرواة من نصوص الحوار الذي كان بين أبي بكر وصاحبيه من جهة وبين الأنصار من جهة أخرى".
              - ويطعن في حديث العباس وعلي عن موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن العباس عرف الموت في وجه النبي، مع رواية البخاري له وأحمد.
              - ويشكك في استسقاء عمر بالعباس مع أن الحديث مروي عن أنس في "صحيح البخاري".
              - ويشكك في أن يكون عمر قد راجع أبا بكر -رضي الله عنه- معترضًا على حرب المرتدين مع أن الحديث رواه الجماعة سوى ابن ماجه .. وما أكثر قوله
              __________
              (1) المصدر السابق (ص 189).
              (1/248)
              ________________________________________
              في رواية الثقات العدول: "ويزعم الرواة".
              - ويلغ في أعراض الصحابة فيلمز أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص ويتحامل على معاوية -رضي الله عنه- ويوغل في عرض سيف الله المسلول خالد بن الوليد -رضي الله عنه- ويجد في القصص التي اختلقها الوضاعون من أعداء الله عبر التاريخ الإسلامي ذريعة للطعن في أعظم قائد عرفته المعارك بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
              ويصف عمر -رضي الله عنه- في غير موضع بالبطش، وقال: إنه لم يمت حتى ملته قريش. وينتقد أبا بكر -رضي الله عنه- في أنه حصر الخلافة في قريش مع أنه في هذه المسألة قد وردت أحاديث صحيحة كثيرة، ويصف عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بأنه ماكر أهل الشام والأشعث بن قيس بأنه ماكر أهل العراق، ولا ريب أن الطعن في الصحابة -رضي الله عنه- يرمي إلى زلزلة الثقة بأهل الثقة.
              انظر إليه وهو يقول في كتابه "الشيخان": "وكان حظ الكوفة من سواد العراق ومما فُتح من أرض الفرس أعظم من حظ البصرة. وكان أهل البصرة يطمعون في أن يوسعوا رقعتهم ويكثروا من الفتوح، لتتاح لهم من الغنائم وسعة الفيء إلى ما كانوا يؤمنون به من فضل الجهاد والغزو في سبيل الله، حتى قال الأحنف بن قيس ذات يوم لعمر: "إن عيشنا أضيق من عيش إخواننا بالكوفة، وأنا لن نأمن الفرس"، وما زال الإلحاح حتى أذن عمر، فاندفع أهل البصرة حتى بلغوا من الفتح ما أرادو" فهل هذه هي النيات التي تحكم الأبرار الأطهار الذين تربوا في مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - ووعوا قوله: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" فما بال القتال في سبيل الغنائم.

              * طه حسين والصحابة:
              نجد أصولاً عامة مشتركة في كل كتب طه حسين:
              (1/249)
              ________________________________________
              أولاً: ظلم عثمان واستنقاص الصحابة - رضي الله عنهم - والافتراء على السيدة عائشة - رضي الله عنها -
              ثانيًا: تكذيب الروايات التي وردت في "صحيح البخاري" وكتب السنة.
              وفي كتاب "الوعد الحق":
              - يطيل الحديث في كتابه "الوعد الحق" عن ظلم عثمان -رضي الله عنه- وطغيانه، وأنه ما زال يضرب ابن مسعود -رضي الله عنه- حتى كسر ضلعه، وأشبع عمار بن ياسر -رضي الله عنه- ضربًا حتى أصابه الفتق، وغشي عليه، وفاتته صلوات الظهر والعصر والمغرب (ص 170)، وهذا دجل من طه حسين وكذب صراح.
              - ويدعي أن عثمان -رضي الله عنه- نكث عن بيعته لعبد الرحمن بن عوف وانحرف عن طريق صاحبيه، وأن بني أمية في عهد عثمان حكموا حكمًا جاهليًّا بعيدًا عن الإسلام.
              وفي كتابه "مرآة الإِسلام":
              في صفحاته الأخيرة تتوالي عباراته الجارحة للصحابة -رضي الله عنه- وتكذيب للأحاديث الصحاح.
              ويركز طه حسين في هذا الكتاب على خصوم الإسلام الذين تآمروا عليه من أمثال الزنادقة في عهد المهدي، والحلاج، فيدافع عنهم ويهاجم الخليفة المهدي في صنيعه بالزنادقة، ويصف قتل الحلاج بالغلوّ، ويزكي المعتزلة القائلين بخلق القرآن ويدافع عن قتلة عثمان -رضي الله عنه-.

              * إعجاب طه حسين بثورات التخريب:

              بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك في مغايظة المسلمين وتنكب الطريق الصحيح، واعتبر أن مؤامرة القرامطة والزنج ثورتان إسلاميتان تطلبان العدل والمساواة.
              (1/250)
              ________________________________________
              ولا ريب أن طه حسين كما يقول محمد النايف: لا يستطيع أن يتخلى عن عاطفته نحو الملحدين كالسبأية، والزنادقة والحلولية والقرمطية وثورة الزنج، ويُحشر المرء مع من أحب.

              * طه حسين وصلته باليهود:

              في محاضرته في " المدرسة الإسرائيلية " بالإسكندرية في 24 ديسمبر 1944 كما نشرتها مجلة المكشوف البيروتية في 2 كانون الثاني 1944:
              "ألقى الدكتور طه حسين مراقب الثقافة في وزارة التربية الوطنية في المدرسة الإسرائيلية بالإسكندرية - يوم 24 كانون الأول 1944 محاضرة عن اليهود والأدب العربي فذكر العلاقات بين اليهود والعرب منذ الجاهلية وأي أثر كان لليهود في تحضير سكان الجزيرة، ثم تكلم عن انتشارهم في أفريقيا الشمالية وأسبانيا حيث كانت لهم خدمات في سبيل الثقافة وكيف نافسوا العرب أنفسهم على أكثر المناصب في الدولة، إلى أن قال: إن المسيحيين واليهود كانوا خير عون للعرب في نقلهم العلوم والفنون والآداب عن اليونان والهنود والفرس .. " قالت المجلة: فقُوبل كلام المحاضر بعاصفة من التصفيق وقرر المجلس الملي الإسرائيلي إنشاء جائزتين باسم طه حسين يُمنحان لألمع طالبين في المدرسة الإسرائيلية".
              - وقبل ذلك بكثير احتضن طه حسين في كلية الآداب طالبه الأثير (إسرائيل ولفنسون) الذي وُصف بأنه رجل استقدمه الدكتور إلى الجامعة وأحاطه بعنايته ورعايته ومكّنه من الحصول على إجازة الدكتوراه برسالة عن "اليهود في جزيرة العرب" قدمها بنفسه في الحفل وفي الطبع، وقد أطلق على نفسه (أبو ذؤيب) وقد عمل أستاذًا فترة من الزمن في دار العلوم، وقد وجد فيما نقله من أخبار وأحاديث تحريفًا وبترًا واقتطاعًا من نصوص محفوظة معروفة.
              (1/251)
              ________________________________________
              موضوع رسالة الصهيوني إسرائيل ولفنسون (المشرف على البحوث الإسرائيلية في أفريقيا بعد ذلك) هو "تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام" قدم لها الأستاذ المشرف طه حسين بمقدمة جاء فيها:
              الموضوع في نفسه قيّم جليل الخطر بعيد الأثر جدًا في التاريخ الأدبي السياسي والديني للأمة العربية فليس من شك أن هذه المستعمرات اليهودية قد أثرت تأثيرًا قويًّا في الحياة العقلية والأدبية للجاهليين من أهل الحجاز، وليس من شك أن الخصومة كانت عنيفة أشد العنف بين الإسلام ويهودية هؤلاء اليهود، وفي أنها استحالت من المحاججة والمجادلة إلى حرب بالسيف انتهت بإجلاء اليهود عن البلاد العربية.
              وهذه الرسالة استحق صاحبها من الدكتور طه المشرف عليها أن ينعته بأنه عالم شاب وُفِّق إلى الخير وإلى تحقيق أشياء كثيرة لم تكن قد حُققت من قبل.
              وإسرائيل ولفنسون هذا قال عنه طه حسين: جئت به من فرنسا، وهو القائد لأكبر حملات الكذب والدعاية والتضليل على العرب في فلسطين.
              - ورسالة الدكتوراه هذه حلقة من كتب الدعاية الصهيونية التي كانت الشعبة الثقافية للمؤتمر الصهيوني بإشراف (مارتن بوبر) تدعو إلى نشرها، وقد أضفى طه حسين وتلميذه اليهودي على اليهود ما ليس لهم، وما لم يكن فيهم، بل هو فضل خلعاه على اليهود فما كان لليهود على العرب، أو على غيرهم من البشر أي فضل.
              ولقد تصدى لهذا الدجل الرخيص الدكتور فؤاد حسنين وبين عوار هذه الرسالة.
              - وطه حسين هو المدافع عن عبد الله بن سبأ اليهودي في كتابه "الفتنة الكبرى" ويشكك في حقيقة هذا اليهودي الذي تزعّم أكبر فتنة في صدر الإسلام، وحاول محاولة ساذجة في إنكار شخصية ابن سبأ وآثارها
              (1/252)
              ________________________________________
              البعيدة المدى.
              - ويكتب طه حسين صفحة كاملة في جريدة "الوادي" يلخص فيها كتاب "الأجناس" للكاتب الألماني الإسرائيلي فرديناند بروكينز والتي نقلها من مجلة اللاستراسيون ونشرها في3 يونيو عام 1934 وهي في مجموعها دعاية صارخة لليهود ومحاولة لتثبيت معلومات زائفة عن قتلهم بيد هتلر وإثارة القلوب عليهم بالإشفاق.
              - وبعد ذلك أشرف طه حسين على دار الكاتب المصري اليهودية التي عيّنته مستشارًا لها ورئيساً لتحرير مجلة الكاتب المصري.
              "ولندع الدكتور لويس عوض تلميذ الدكتور وصفيّه في كثير مما يدعو إليه يتحدث عن هذه القصة فيقول: كان لهذه الدار قصة واضحة وغامضة معًا، كان يملك هذه الدار أربعة إخوة من يهود مصر الميسورين. كنا نعرف في هذه الفترة مليونيرات يهود، بعضهم من يهود مصر وبعضهم من اليهود المصريين المتصلين بالثقافة والمثقفين منهم من كان ضالعًا في تشكيل حركاتنا السياسية الجديدة كالشيوعية وما إليها، وكنا نعرف أو نسمع عن آل كوريل: هنري وراؤول ومليونير يهودي شاب اسمه ريمون أحيون. كنا نسمع عن هؤلاء وغيرهم أنهم يمولون الحركات الشيوعية بالمال وقيل بالجنس أيضًا، لم نسمع عن آل هراري كانوا أربعة إخوة تجارًا ووكلاء شركة ومنتجين للآلة الكاتبة، قرروا دخول عالم النشر وتعاقدوا مع طه حسين .. كنت أسمع أن حملة ضارية قد شُنت على الدار من بعض الصحف المصرية الصغرى يقودها إسماعيل مظهر اتهمت فيها دار الكاتب المصري بأنها رأس رمح لليهود في مصر .. والحق أن ظهور دار الكاتب المصري في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العالم العربي إذا نظرنا له بعد هذه الفترة البعيدة أمر يدعو إلى الاستثارة فعلاً" (الأهرام 20/ 2/1968).
              (1/253)
              ________________________________________
              وإذا راجعنا ما أصدرته الدار وجدنا حربًا واضحة للإسلام ممثلة في كتاب جولدزيهر -اليهودي- ونجد عاصفة من المترجمات المثيرة التي تحمل الإلحاد والإباحية والفكر الغربي في صوره المنحلة والمضطربة الوجودية والشيوعية وغيرها" (1).
              - ولعل هذا ما دعا مجلة الإثنين أن تستجوب طه حسين في عددها (8 أكتوبر عام 1945) تحت عنوان "يقولون عنك فماذا تقول؟ " "يقولون عنك أنك تعمل على مساعدة الصهيونية فماذا تقول؟ ".
              - يقول الأستاذ أنور الجندي عن طه حسين:
              " أيدت كتاباته مفاهيم الرأسمالية وعاون الماركسين واليساريين حتى عدّوه "أستاذهم" ولم يطلق كلمة واحدة في سبيل فلسطين، وكان ولاؤه للفكر الصهيوني واضحًا في جولاته في المدارس الإسرئيلية بمصر أو إلقاؤه محاضرات يشيد فيها بدور كاذب لليهود في الجزيرة العربية والأدب العربي واستقدم شابين يهوديين وأعطاهم مجالاً للتبرير في الجامعة أحدهما (إسرائيل ولفنسون) .. والأخر (بول كراوس) الذي كان يروج للفكر الباطني والشعوبي من أمثال الحلاج وابن عربي وابن سبعين وعدد من الزنادقة، وكانت رحلاته للقدس المحتلة، فقد سافر مع لطفي السيد لافتتاح الجامعة العبرية بالقدس (1944م) وسافر مع حسين فوزي (الذي أعلن ذلك صراحة) لزيارة الأقسام الاستشراقية وأهدوه كتاب " أنساب الأشراف " للبلاذري الذي اعتمد عليه في كتابه "الفتنة الكبرى" مبرئًا عبد الله بن سبأ اليهودي من أثره المعروف والمجمع عليه في مقتل عثمان، وولاه اليهود في مصر رئاسة تحرير مجلة الكاتب المصري ودارها عام 1947، وقد كشفت أطروحات علمية في الجامعات
              __________
              (1) "طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام" (ص 131).
              (1/254)
              ________________________________________
              المصرية دور طه حسين في الصحافة الصهيونية في مصر وشهد نوفون رئيس إسرائيل في إبان زيارته لمصر في عهد السادات أنه صحب طه حسين في زيارة للمستعمرات اليهودية، فهذه زيارة لم يعلن عنها في وقتها" (1).
              - ماذا نكتب عن عميد الأدب العربي وتشجيعه لطلابه على إقامة أحفال الرقص المختلط في البيوت (2).

              * هل اعتنق طه حسين النصرانية في فرنسا؟

              - قال الدكتور نجبب البهيتي تلميذ الدكتور طه حسين: "إنهم حاصروا طه حسين بحصارين: زوجته الفرنسية وسكرتيره القبطي، وأنه لم يكن يستطيع أن يفلت من مهمته، وأن نظرة واحدة إلى كتاب " معك " للسيدة سوزان يكشف بوضوح عن وجه طه حسين وقد وصفه الأستاذ أحمد حسين بقوله: أنه دخل عشرات الكنائس في كل مكان ذهبوا إليه ولم يدخل مسجدًا واحدًا" (3).
              - "أما شبهة التنصر فقد ذكرها سكرتيره في حديث صاخب لمجلة الإذاعة وعلّق عليها الأستاذ أحمد حسين" (4).
              ونختم بما قال الأستاذ أنور الجندي: "في السنوات الأخيرة من حياة
              طه حسين كان لا يزال الرجل يردد شبهاته، وفي مجلس ضمّ اللواء محمود
              شيت خطاب الذي روى لي القصة (عام 1972 تقريبًا) قال طه حسين: إن
              القرآن كان غير منقط، ولذلك فقد حدث فيه اختلاف كثير فهناك كلمات
              __________
              (1) "جيل العمالقة" (ص 343 - 344).
              (2) المصدر السابق (ص 344).
              (3) "جيل العمالقة" (ص 343).
              (4) "جيل العمالقة" (ص 332).

              (1/255)
              ________________________________________
              تنطق كذا وكذا فتبيّنوا، فتثبتوا، إلخ
              قال شيت خطاب: يا دكتور إن الله يقول: {إِنا نحن نزلنا الذكر وِإنا له لحافظون} هل لو كانت كلمات اختلف فيها أما كان الفقهاء والمفسرون سجلوا ذلك، إننا لا نجد في كتاب التفسير أو القراءات ما يدل على ما ذهبتم إليه، إن ما تقولون به هو ما قاله ماسينون وغيره من المستشرقين افتراء على القرآن والإسلام، ولا بد من مواجهة هذا والجهاد فيه.
              وصمت طه حسين لحظة قال: لماذا لم تقولوا لي إن فلانًا هنا معنا، إني أعتب عليك يا دكتور مدكور" (1).
              - ونختم بما قاله الدكتور محمد محمد حسين لله دره: "طه حسين الذي تشهد كتبه بأنه لم يكن إلا بوقا من أبواق الغرب وواحدًا من عملائه الذين أقامهم على حراسة السجن الكبير يرّوج لثقافاته ويعظمها ويؤلف قلوب العبيد ليجمعهم على عبادة جلاديه".

              * هل تاب طه حسين:

              نظمت نقابة الصحفين المصرية حفلاً لتأبين المفكر الإسلامي أنور الجندي الذي وافته المنية مساء الأثنين 14/ 11/1422هـ الموافق 28 من يناير عام 2002 م.
              وفي كلمته في هذا الحفل تكلم الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ الإسلامي: "وأكد عويس بأن طه حسين تاب في آخر أيامه، ولكنه كان عاجزًا عن إعلان توبته، والتنكر لكل ما كتبه حيث منعه أناس من خارج بيته ومن داخله -يعني زوجته- واستدل د. عويس على توبة طه حسين بعدة أدلة منها ما ذكرته مجلة "العربي" الكويتية في تحقيق لها عن (حج طه حسين)،
              __________
              (1) "طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام" (ص 143).
              (1/256)
              ________________________________________
              وذكرت أنه بكى وقبل الحجر الأسود لمدة ربع الساعة فمنع الناس من الطواف، وذكر من شهد هذا الموقف أن طه حسين كان يردد عبارات التوبة بأنه أخطأ في حق دينه، وكان طه حسين يقوم بتقبيل تراب مكة وهو في طريقه إلى الحج.
              وأضاف عويس بأن العلمانيين يتعمدون إخفاء هذه الصفحة من حياة طه حسين.
              وذكر د. عبد الحليم عويس واقعة أخرى تؤكد توبة طه حسين وهذه الواقعة يشهد عليها اثنان من تلامذة طه حسين على قيد الحياة الآن وهما: د. محمد عبد المنعم خفاجي (85 سنة) ود. علي علي صبح (عميد كلية اللغة العربية بالأزهر بالقاهرة) حيث ذكر أنهما ذهبا إلى طه حسين وهو محمول على الأيدي بعد جلسة مجمع اللغة العربية في أواخر حياته وقالا له: بحق الله أكتبت "في الشعر الجاهلي" عن علم أم كتبته للدنيا والشهرة؟! فأجاب طه حسين: بل كتبته للدنيا والشهرة!!
              واستحلفهما أن يكتبا هذه الشهادة، ويوقعا عليها ليظهرا توبة طه حسين للعالمين .. فطه حسين أساء وأخطأ ولكنه تاب ورجع" (1).

              (1) مقال "رحلة قلم .. مع الحق والحقيقة" لكمال السعيد حبيب -مجلة المنار الجديد- العدد
              18 محرم/ربيع 1423 هـ - أبريل 2002م (ص 131، 139).


              ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

              تعليق


              • #22
                * العقاد كتب الكثير عن الإِسلام ولكن الحق أحب إِلينا منه .. مدح البهاء والبهائية .. وكتب "عبقرية محمد" وهذا قصور منه وغياب عن النبوة النبوة لا العبقرية يا عقّاد:

                كل من ترجم للعقاد يعرف ثناءه ومدحه للبهاء والبهائية وهذه من أكبر
                __________
                (1/257)
                __________
                السقطات في فكر العقاد، ثم كتابته عن "عبقرية محمد" - صلى الله عليه وسلم - وذهوله عن الفوارق العميقة بين النبوة والعبقرية.
                - قال الأستاذ أنو الجندي في كتابه "جيل العمالقة" (ص 384 - 389): "الفوارق العميقة بين النبوة والعبقرية:
                إن التفرقة بين (النبوة) و (العبقرية) هي من أخطر ما تعرضت له كتابات العصريين للسيرة النبوية فليس من المعقول أن تطلق تسمية (العبقرية) على الرسول - صلى الله عليه وسلم - المؤيد بالوحي ثم تطلق أيضًا على صحابته أمثال أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وقد وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعبقرية في كتابات العقاد والبطولة في كتابات عبد الرحمن عزام، وبطل الحرية في كتابات عبد الرحمن الشرقاوي، وكل هذه مسميات تحجب عن القارئ المسلم الصفة البارزة والمهمة الأساسية وهي "النبوة" المؤيدة بالوحي.
                إن دراسة حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت أي اسم من شأنها أن تعجز عن استيفاء جوانب هذه الشخصية العظيمة، وليس ثمة غير منهج واحد هو أنه نبي مرسل من قبل الله تبارك وتعالى، فإن هذا الفهم وحده هو الذي يكشف عن الحقائق الناعمة ويكشف عن صفحات السمو والكمال الخلقي والعقلي والنفسي.
                إن كلمة (العبقرية): هي مصطلح عرف في الفكر الغربي وتناولته الأقلام ودارت حوله المعارف والمساجلات، وفي عام 1935 انتقلت هذه المعارك إلى المجلات العربية فدارت عنه مناقشة طويلة بين محمد فريد وجدي والدكتور أمير بقطر.
                والتقطها الأستاذ العقاد واختزنها في ذاكرته وجعلها عنوانًا لدراسة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي بدأها عام 1942.
                ومن مجمل الدراسات التي دارت يتكشف أن هذه النظرية تجري حول
                (1/258)
                ________________________________________
                التميز والذكاء والتفوق في مجال "الفن والموسيقى والتصوير ولم يرد في الأسماء التي تناولتها الأبحاث أي اسم من أسماء المصلحين أو أصحاب الرسالات.
                ولقد قصر أمير بقطر العبقرية على الذكاء، وقال: إنها تجيء عن طريق الوراثة وأنها غير مكتسبة، وأوردت دوائر المعارف وصفا للعبقرية بأنها لغة الكامل في كل شيء يكون مبلغ رقم قياسي ذكاء العبقري فوق المعتاد، وبينما يقصر (أمير يقطر) العبقرية على مسألة اختبار الذكاء، فإن (فريد وجدي) يرى أنها (هبة إلهية ثمرتها فوق القدرة البشرية يمنحها الله لبعض الأفذاذ لتبرز على ألسنتهم أو على أيديهم في أمور لا يستطيع العقل البشري أن يستقل بإيجادها.
                - ولعل هذا هو المعنى الذي جعل العقاد يختارها ليصف بها الرسول مع أن جميع علماء العرب لم يصفوا بها أحدًا من الأنبياء كالمسيح أو موسى عليهما السلام والحقيقة أن مقاييس الجاه والثروة والعظمة التي جاءت بها العلوم المادية الحديثة تختلف تمامًا عن التقديرات التي جاءت بها النبوة.
                وأن أي قدر من الموهبة الإلهية التي وصف بها العبقرية تختلف اختلافًا واضحًا عن النبوة.
                وبالرغم من الاختلاف في فهم العبقرية بين كتابات العشرات من الباحثين الغربيين فإن أحدًا لا في الغرب ولا في العرب أدخل النبوة والأنبياء في هذه الدائرة ولكن يبدو أن الأستاذ العقاد أراد أن يتفوق على صاحبيه (هيكل وطه) وقد سبقاه لعشر سنوات في كتابة السيرة باتخاذ هذا المصطلح.
                - يقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي: يجب أن يقرأ للعقاد باحتياط وهو يكتب عن الإسلام فالعقاد ابن العصر الحديث أخذ ثقافته مما قرأ لأدبائه وعلمائه وهو شيء كثير، وليس كل ما كتبه المستشرقون يقبله المسلم، ولا كل
                (1/259)
                ________________________________________
                نظريات الغرب متفق وما قرره القرآن، ولكن العقاد اعتقد من هذه النظريات ما اعتقد فهو ينظر إلى القرآن من خلال ما اعتقد منها ويبدو أن من بين ما اعتقده العقاد نظرية (فريزر) في نشوء الأديان فهي عنده ليست سماوية، ولكنها أرضية نشأت بالتطور والترقي إلى الأحسن ومن هنا تفضيل العقاد للإسلام على غيره من الأديان فهو آخرها وإذن فهو خيرها، ويقول: إن لم يكن هذا هو تفسير إطلاق اسميه الغربيين على كتابه "عبقرية محمد والفلسفة القرابية" فهذه التسمية خطأ منه ينبغي أن يتنبه إليه قارئ الكتاب من المسلمين لينجو ما أمكن مما توحي به التسميات من أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عبقري من العباقرة لا نبي ولا رسول بالمعنى الديني المعروف في الأديان المنزلة ويؤكد هذا الإيحاء أن جاء الكتاب واحدًا من سلسلة كتب العبقريات الإسلامية ولن يكون أولها، فالناشئ الذي يقرأ بعد عبقرية محمد عبقرية أبي بكر وعبقرية عمر مثلاً لا يمكن أن يسلم من إيحاء خفي إلى نفسه أن محمدًا وأبا بكر وعمر من قبيل واحد، عبقري من عباقرة وإن يكن أكبرهم جميعًا، كالذي سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - بطل الأبطال فأوهم أنه واحد من صنف ممتاز من الناس متجدد على العصور وليس من صنف اختتم به - صلى الله عليه وسلم - صنف الأنبياء والمرسلين من عند الله، فالنبي والرسول يأتيه الملك من عند الله بما شاء الله من وحي ومن كتاب، ولا كذلك العبقري ولا البطل، فالنبوة والرسالة فوق البطولة بكثير، كم من الصحابة -رضي الله عنه- من بطل ومن عبقري وكلهم يدين له - صلى الله عليه وسلم - بأنه رسول الله إلى الناس كافة في ذلك العصر وما بعده وأنه خاتم النبين.
                - ويقول الأستاذ غازي التوبة: كتب العقاد العبقريات دفاعًا عن العظمة الإنسانية في وجه المتطاولين والحاقدين والمشوهين، هذه العظمة الإنسانية التي تحتاج إلى رد الاعتبار في عصره ودفاع العقاد عن العظمة الإنسانية هي حلقة
                (1/260)
                ________________________________________
                من دفاعه عن الفرد وإيمانه به ولكن ما هي الأخطار التي هددت الفرد والعظمة وجعلته يستل قلمه سنة 1942 ليكتب أول عبقرية من عبقرياته، في الحقيقة أن الأخطار المباشرة التى هددت الوجه الآخر من إيمان العقاد بالفرد هو النظام الديمقراطي، هددته ثلاثة أخطار هي الفاشية والشيوعية والمد الإسلامي، تصدى للفاشية في "هتلر في الميزان" وتصدى للشيوعية في كتابه "الشيوعية والإنسانية" وأفيون الشعوب، أما تيار المد الإسلامي فحاربه بسلاح الشخصيات فكتب العبقريات ليؤكد صحة أفكاره في أولية الفرد في التاريخ وأحقيته كمحرك له وليطعن ويشوه الإيمان بالجانب الجماعي في الإسلام ويشكك في دور العقائد والتربية في توجيه الأشخاص، فالعظيم عظيم بفطرته والعبقري عبقري منذ نشأته، كذلك فقد ركز العقاد على العوامل الوراثية والتكوين الجسماني والعصبي ووضع هذه الأسباب في المرتبة الأولى في توجيه الشخصية بحيث تأتي العقيدة الإسلامية والتربية في المرتبة الثانية إن كان هناك دور للعقيدة أو التربية، والعقاد في موقفه هذا متأثر ببعض المدارس الأوربية التي تقدس الفرد والفردية وتفسر مختلف حوادث التاريخ على هذين الأساسين، وقد أورد العقاد ذكرًا لإحدى هذه المدارس التي تحدد صفات العبقري انطلاقًا من تكوينه الجسدي وهي مدرسة (لومبروزو).
                وهكذا قولب العقاد الشخصيات الإسلامية ضمن نظرياته الجاهزة في الفرد والطوابع الفردية.
                - وهو في هذا قد حجب الجانب الرباني المعجز، وحجب الغيبيات.
                فهو في موقفه من انتصار الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غزواته لا يعرض مطلقًا لوعد الله تبارك وتعالى لرسوله ورعايته والملائكة المقاتلون والنعاس الذي تغشى المسلمين أمنة، والمطر الذي طهرهم والرياح التي اقتلعت خيام المشركين وتثبيته لافئدة المقاتلين وقذفه الرعب في قلوب الكافرين، فليست العوامل
                (1/261)
                ________________________________________
                المادية وحدها هي قوام مكانة الرسل العسكرية، ولكن العوامل الربانية يجب
                أن تضاف إلى ملكات الرسول في التخطيط.
                - كذلك فهو لم يكشف عن دور الإسلام في بناء شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالإسلام هو الذي أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الإيمان بالله تبارك وتعالى والإيمان بأحقية الموت في سبيل الله وذلك القدر من الثبات والتضحية والإقدام والعزم والصبر.
                هذا الجانب الذي تجاهله العقاد واكتفى بالمقارنة بين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين نابليون من النواحي المادية والعسكرية، كذلك لم يتبين الفارق بين حروب محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين حروب نابليون وأنها كانت خالصة فى سبيل الله ونشر الإسلام وليست في سبيل المطامع والسيطرة.
                - ذلك أنه ناقش عبقرية الرسول العسكرية في ضوء العبقريات البشرية، ولم يتنبه للفوارق العميقة، التي يتميز بها شخصية الرسول بوصفه نبي مرسل أو تلك التي هداه إليها الإسلام، وأن تمييزه هذا يختلف عن البطولات والعبقريات البشرية الأخرى، ومن هنا يبدو النقص في وزن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعبقريات البشرية الأخرى.
                كذلك هذا التمييز الذي عرفت به شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - "نبيًا" ومرسلاً وهاديًا، تختلف في المقارنة بينه وبين الأبطال العالميين الأخرين من ناحية كما أن شخصيته عليه السلام تختلف عن شخصية كل من أبي بكر وعمر وغيرهم.
                لقد تحدث العقاد عن الجانب المادي في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحجب تمامًا الجانب الروحي المتصل بالوحي وأظهره كمجرد إنسان يعمل بمواهب ممتازة وملكات خاصة، وهكذا فان (العبقرية) التي حاول العقاد أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خلالها، كان حجمها ضيقًا ومجالها ناقصًا،
                (1/262)
                ________________________________________
                وأخطر ما أخذ عليه هو أنه لم يظهر أثر الإسلام في بناء شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو العامل الأكبر في حياته وتصرفاته على النحو الذي وصفته السيدة عائشة -رضي الله عنه- بقولها: "كان خلقه القرآن" هذه الربانية الخالصة التي تعلو على طوابع البشر، وقد وصفها القرآن في قوله تعالى: {قل إِن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالين لا شريك له}.
                - كذلك فقد تحدث عن افتتان المسلمين بشخص الرسول وانبهارهم بمواهبه واعتبر إعجابهم به سببًا وحيدًا لدخولهم في الإسلام وعزا اجتماع الصداقات المتنوعة حوله نتيجة لمزاياه النفسية وبذلك أنكر أثر عظمة الإسلام نفسه في إيمان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس من شك في أن إعجاب المسلمين بالرسول له أهميته في مرحلة الدخول في الإسلام، ولكن تقدير المسلمين للإسلام هو العامل الذي ثبتهم بعد ذلك على الإيمان بالإسلام وحفزهم للدفاع عنه.
                - إن الأستاذ العقاد وقد حارب مذهب التفسير المادي للتاريخ الذي قدمه ماركس والشيوعية حربًا لا هوادة لها خضع مع الأسف للمذهب المادي الذي لا يعترف بالآثار المعنوية المترتبة على الإيمان والعقيدة في بناء الشخصية كما تجاهل جانب الغيبيات ولم يفهم النبوة فهمًا صحيحًا، ولذلك فإن الجانب الروحي القادر على العطاء في بناء الشخصيات والذي صنع شخصية رسول الإسلام تراه باهتًا غائمًا عنده، وذلك لأنه اعتمد في دراسة الشخصيات والبطولات على مذاهب غربية تتجاهل النبوة والوحي والغيبيات والمعجزات ولا تجعل لهذه العوامل الروحية والمعنوية أي وزن وأي اعتبار، وإنما قامت اعتباراتها على جوانب الحس وتركيب الإنسان المادي والوراثيات وغيرها" اهـ (1).
                __________
                (1) وضع العقاد تحت عنوان هذا الفصل فيه تساهل كبير يتلافى في الطبعات القادمة .. فقد تم الترتيب تحت ظروف صعبة.

                ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                تعليق


                • #23
                  * الشيخ عبد المتعال الصعيدي يحاول هدم الحدود الإسلامية المستقرة في الكتاب والسنة، ونظرة إِلى كتابه "المجددون" تعلم منه ضآلة علم هذا الرجل وأنه يدس السم في العسل:

                  كان الشيخ عبد المتعال الصعيدي "يحاول هدم الحدود الإسلامية المستقرة في الكتاب والسنة زاعمًا أن الأمر بها للندب لا للوجوب، وأن الأمر لا يقتضي التكرار الدائم إلى آخر هذا اللغو المتهافت" (1).
                  والرجل قد سوّدت يداه كتابه "المجددون" واعجب عجب العجاب يا أخي حين تراه يعد منهم الكندي والفارابي وابن سينا!!! ولا تعليق.


                  * خالد محمد خالد كتب الكثير الرائق كرجال حول الرسول وكبا جواده في "الديمقراطية أبدا " وسار على نهج علي عبد الرازق ولكن بأسلوب أذكى وأحدث في كتابه "من هنا نبدأ" تم تاب غفر الله له:

                  كتب الأستاذ خالد محمد خالد الكثير الطيب وخاصة كتابه القيم "رجال حول الرسول"، ولكنه سقط سقطتين كبيرتين لا بد من التنبيه عليهما فولاؤنا لله ورسوله.

                  - أما السقطة الأولى فكتابه "الديمقراطية أبدًا"، ومن ضمن ما قال فية:
                  1 - حق المرأة في وقف تعدد الزوجات، وعلى ذمته ينسب إلى محمد عبده أنه قال: "يجب تحريم التعدد الآن عملاً بحديث لا ضرر ولا ضرار" (2).
                  2 - تأميم الطلاق على حد تعبيره (3).
                  __________
                  (1) "من هنا نعلم" للشيخ محمد الغزالي (ص13).
                  (2) "الديمقراطة أبدًا" خالد محمد خالد (ص 137 - 138).
                  (3) المصدر السابق (ص 164).

                  (1/264)
                  ________________________________________
                  - أما الكتاب الثاني فهو الخطير المسمى "من هنا نبدأ" وهو دعوة صريحة إلى العلمانية.
                  - يقول الأستاذ جمال سلطان في كتابه "جذور الأنحراف في الفكر الإسلامي الحديث":
                  "في كتابه الشهير "من هنا نبدأ" (1) كتب خالد محمد يقول: "إن تصفية العلاقات بين المجتمع والدين، هي بداية الطريق المفضي إلى النماء والاستقرار" (ص 44).
                  فبداية طريق النهضة، كما يراه هذا الرمز العلماني يوم كتب كتابه ذاك، هو تصفية العلاقات بين المجتمع والدين، وهو لا يلبث أن يطرح عدة تساؤلات توضح أهمية هذه "التصفية" لنجاح المسيرة، فيقول: "وإننا لنقف في خضم هذا العالم الذي تتقاذف أممه، وتتدافع إلى الأمام سائلين أنفسنا أنمضي قدمًا أم ننتكس إلى الوراء؟ أننحرف عن قومية الحكم إلى عنصريته وطائفيته، أم نضاعف هذه القومية وننميّها؟ أنمزج الدين بالدولة، فنفقد الدولة ونفقد الدين؟ أم يعمل كل منهما في ميدانه؟ فنربحهما جميعًا، ونربح أنفسنا ومستقبلنا"؟ (ص151) وهذه التساؤلات تجعلنا نقترب من صميم قصد المؤلف، ونلخصه في السؤال: أنقترب من "الأنموذج" الأوربي أم نبتعد عنه فننتكس إلى الوراء؟ وهذا السؤال يجعله أقرب وضوحًا في ذهن القارئ ما عطف به المؤلف ليضرب لنا المثل والعبرة والدرس، فيقول: "ولعلنا لم ننس بعد ما حدث للمسيحية، فحين حوّلتها الكنيسة إلى دولة وسلطان، واقترفت باسمها أشد أصناف البغي والقسوة، جاء يوم ثار فيه الناس جميعًا على المسيحية، وعلى الكنيسة، واتخذوهما هزوًا ولعبًا وخلعوا كل ما في أعناقهم
                  __________
                  (1) المقولات المثبتة بالمتن عن كتاب "من هنا نبدأ" لخالد محمد خالد -من الطبعة التاسعة- ط. مكتبهة الخانجي - القاهرة 1958.
                  (1/265)
                  ________________________________________
                  للدين من عهد وطاعة، حتى إذا عادت الكنيسة بالمسيحية إلى مكانها الطبيعي، تبشر وتهدي فقط، رجع الآبقون إليها، ولاذوا من جديد بها، وبدأت تستعيد سلطانها الأدبي واستقرارها التاريخي (ص 151).
                  وإذًا فالسبيل واضحة، إما أن نفصل الكنيسة المسلمة (!!! ) عن الدولة وإما أن يثور الناس على الإسلام و"كنيسته" معًا، ولعل القارئ البسيط يسأل: وما هي "كنيسة الإسلام"؟! وهل في الإسلام كنيسة؟! وهو سؤال بديهي الآن، ولكن -في حقبة التنوير- كان عكس ذلك هو البديهي إن خالد محمد خالد لم يكلّف نفسه الوقوف ليسأل، وما وجه الشبه بين التجربة المسيحية وصراعها الأوربي، والتجربة الإسلامية؟ وما هي بالتحديد "الكنيسة" أو نظيرها الذي يتوجّب عزله عن الدولة؟ إن المسألة كانت محسومة في أذهان ذلك الجيل، وهي أن التجربة الأوربية "أنموذج" وعلى الجميع احتذاؤه، وهي "مثال" وعلى من يطلب النور والحضارة أن يتمثل به ويشابهه، ويسير على دربه، ويتبع خطاه.
                  وكتاب "من هنا نبدأ" موزع على فصول أربعة، جاءت الفصول الثلاثة الأولى منها مصدَّرة بعبارات لنفر من مفكري أوربا المحدثين هم على التوالي "فولتير" و"توماس بين"، و"فولتير" مرة ثانية؟!! وهي لمحة نلفت بها ذهن القارئ لتفهم طبيعة التكوين النفسي لرموز "التنوير" ومبلغ إدراكهم لمنابع النور! كتب خالد محمد خالد يدعو للنهوض برسالة المسجد في الإسلام بحيث تؤدي دورها "النموذجي"، فإذا به ينحرف فجأة لأخذ النموذج من "الكنيسة"، يقول: "ولقد أن الأوان لرسم سياسة للمسجد، وتنظيم رسالته أو تهذيب وسائله، فالكنائس في الغرب تعمل مع المجتمع لا ضده، وتمجد الرقي لا تلعنه وتدعو إلى الحياة لا الموت، وتتطور مع العلم والزمن" (ص72).
                  (1/266)
                  ________________________________________
                  - وإذن فالنموذج واضح لا لبس فيه، وهو أن يتشبه المسجد بالكنيسة في الغرب، ومن هنا يبدأ التنوير، أو ما يسميه خالد محمد خالد "النهضة الكنسية" (ص73).
                  - والمسألة لا تقف عند الكنيسة كمؤسسة، وإنما "الأنموذج " ينبغي أن يكون أكثر صراحة، فالشيخ المسلم والعالم المسلم ينبغي أن يكون كقسيس الكنيسة في أوربا، فهو ينادي بتأسيس كليات "اللاهوت" الإسلامي بحيث -حسب نصه- يتخرّج فيها وعاظ من طراز جديد، كوعّاظ الكنيسة في أوروبا" (ص83).
                  - والهوس بالأنموذج الأوربي "المتنور" كان يصل أحيانًا - بل كثيرًا إلى نوع من الفجاجة الفكرية التي لا تُقبل من الصبي الحدث، فما بالك برمز تنويرفي كبير، يتأسف "أدونيس" على تراجعه عن مخططه التنويري، فيقول خالد في كتابه: "لقد انعقد إجماع العلم المتحضر كله، على أن النظام الذي تبلغ به المنفعة الاجتماعية حدها الأقصى في الوقت الحاضر، هو الاشتراكية" (ص123) ثم يقول: "إن كل توجيهات الرسول لتنزع إلى الاشتراكية في كل نظام يبتكره الناس، ويحقق منافعهم ومصالحهم" (ص124).
                  وأصبحت الرسالة المقدسة كما نص عليها كتاب "من هنا نبدأ" هي "الخبز"، أن تمتلئ البطون وترتوي الشهوات! فتحت عنوان "الخبز هو السلام" كتب يحدد وظيفة الحكم اللازمة لبلادنا، فقال: "إننا نعيش في عصر، ليس للحكومات فيه رسالة سوى تحقيق المنفعة الاجتماعية للشعوب، وإزاحة كل العوائق التي تعترضها وتصدها عن غايتها المقدسة!! (ص98).
                  - نقطة البداية هذه، التي نسجل بها كيف بدأ الخلل، وكيف انحرفت حركة النهضة العربية عن جادة السبيل، لا ينفرد بها كتاب ولا اثنان ولا حتى عشرة؛ لأنها كانت "روح" هذه النخبة المثقفة المتغرّبة، والمثل الذي نأخذه من
                  (1/267)
                  ________________________________________
                  كتاب "من هنا نبدأ" هو بمثابة شهادة وثيقة، ورغم أن صاحبها قد تخلى عن كثير مما ورد فيها الآن، إلا أن هذا لا يناقض منهجنا؛ لأننا لا نعني الأشخاص، وإنما نرصد حالة فكرية من خلال نسقها الحضاري في لحظة زمانية معينة.

                  * الشيخ الغزالي يتصدى لخالد محمد خالد ويرد على كتابه "من هنا نبدأ" بكتابه "من هنا نعلم" فأحسن:
                  رد الشيخ محمد الغزالي على خالد محمد خالد في كتابه "من هنا نعلم" فأحسن وأجاد.
                  ومن عجيب التصاريف أن الرجل الذي تصدى لانحرافات (خالد محمد خالد) منذ أربعين سنة، يقع هو ذاته في الخطأ المنهجي الذي تولدت عنه كل خطايا كتاب خالد محمد خالد "من هنا نبدأ"، وهكذا برزت في كتابات الشيخ (محمد الغزالي) الأخيرة إشارته إلى القيم الأوروبية والذوق الأوربي والفكر الأوربي على سبيل التبجيل وإعلاء الشأن، ولا أغالي إذا قلت بأن أحاديثه في هذا الشأن وصلت إلى حد جعل "الأنموذج" الغربي مثلاً يُحتذى في كثير من قيم وآداب وأفكار المجتمع الإسلامي المعاصر، ووصلت إلى الحد الذي يجعله يقيم بعض آدابنا الإسلامية وأخلاقنا وأفكارنا وثقافتنا على أساس وزنها بالتقدير الأوربي والنظرة الأوربية.
                  فإذا تحدث عن موقف الإسلام من الفن بصورة المختلفة مثل الموسيقى والتصوير ونحوها برز في حديثه الأنموذج الغربي، وكيف أننا نسيء إلى صورة الإسلام إذا حرمنا كذا أو كذا، وإذا تحدث عن هيئة الحجاب الشرعي، وضع في مقاييسه ومعاييره اشمئزاز الإنسان الأوربي من صورة النقاب، ونفوره من هيئة المرأة المنقبة، وإذا تحدث عن آداب بعض شباب الإسلام من تقصير الثياب أو لبس العمامة، استنكر هذه الهيئة لعدم ملاءمتها لمعايير التحضر عند الإنسان الأوربي، وإذا درس قضية فقهية مثل سفر المرأة، أو
                  (1/268)
                  ________________________________________
                  خروجها إلى المسجد، أو توليتها القضاء أو الإمامة الصغرى أو العظمى، وجدت حديثه ينصرف إلى ضرب المثل من المرأة الأوربية وربما المرأة اليهودية مثل (جولدا مائير)!، كما يضرب المثل بالراهبات والمبشرات ونشاطهن وحركتهن وسلوكهن الاجتماعي، تمامًا كما ضرب خالد محمد خالد المثل للعالم المسلم بالقسيس، وضرب المثل للمسجد ودوره بالكنيسة ودورها، فالمنهج واضح، وإن اختلفت التطبيقات، أو ضاقت مساحات الجرأة والتهور.
                  وأصبح معروفًا من الموازنات الجديدة لدى الشيخ (الغزالي) في فتاواه وأحكامه، تقسيم الفتوى على أساس جديد، ليس هو الشرعي وغير الشرعي، أو الحق والباطل، وإنما على أساس هذا حضري وهذا بدوي، فالمقياس أصبح هو التحضر والبداوة، وشاع في أحاديث الشيخ إنكاره على بعض الفتاوى الشرعية على أساس أنها "فقه بدوي"، كما شاع عنه هجومه على من يعتصمون بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية دونما اعتبار لأي مشروعية أخرى، ويطلق الشيخ عليهم وصف "النصوصيون"، وأحيانا "الحَرْفيون"، وهذه التقسيمات والاصطلاحات كلها ليست بنات فكر الشيخ، وإنما هي وليدة أفكار نفر من المنحرفين بالفكر الإسلامي تحت دعوي "الفكر الديني المستنير" ونحن في غنى عن تضخيم البحث باستقصاء المقولات الممثلة لهذه الأفكار من كتابات الشيخ، فهي مشهورة وواسعة التداول.
                  ولا نطيل الوقوف عند هذا الخلل المنهجي عند الشيخ، وحسبنا الإشارة إليه والتنبيه إلى خطورته، وقد عرضنا لنقده بشيء من التفصيل في كتابات سابقة" (1، 2)
                  __________
                  (1) راجع "أزمة الحوار الديني" لجمال سلطان - طبع دار الصفا.
                  (2) "جذور الانحراف في الفكر الإسلامي الحديث " لجمال سلطان (ص 107 - 114) - دار الاعتصام.


                  ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                  تعليق


                  • #24
                    (1/269)

                    * الدكتور زكي مبارك يشارك طه حسين التشكيك في القرآن:

                    من الإنصاف أن يقال: إن زكي مبارك كانت له جهود أدبية وفكرية في المنافحة عن تراث أمته وأرومة حضارته، خاصة موقفه المشرف من هجوم الدكتور طه حسين على العقل العربي الإسلامي عندنا انحاز طه بحماس بالغ للحضارة الغربية وريثة العقل اليوناني - بما في ذلك شذوذه الهابط.
                    إلا أن الدكتور زكي مبارك انخرط هو الآخر فيما انخرط فيه خصمه طه حسين من تملق وتزلف شنيع لبعض أساتذته من المستشرقين الفرنسيين الذين درس وأخذ عنهم في جامعة السوربون بباريس أثناء تحضير أطروحته للدكتوراه الموسومة بـ "النثر الفني في القرن الرابع الهجري " حيث ذهب الدكتور مبارك يجاري آراء أساتذته، خاصة منهم "المسيو مرسيه" و"ديموبين" وقد وصل الأمر إلى القرآن.
                    لقد لمز زكي مبارك القرآن وجارى المستشرقين .. فلم يلبث أن أعلن في أطروحته أن القرآن كتاب أرضي لا سماوي (كذا والله) .. فالقرآن عنده أثر نثري جاهلي!!! وأنا هنا لا أتحامل ضده أو أقوّله ما لم يقل، بل أكتفي بنقل أسطر قليلة موثقة من كتابه "النثر الفني" قال: "فليعلم القارئ أن لدينا شاهدًا من شواهد النثر الجاهلي يصح الاعتماد عليه وهو القرآن، ولا ينبغي الاندهاش من عدّ القرآن أثرًا جاهليًّا فإنه من صور العصر الجاهلي؛ إذ جاء بلغته وتصوراته وتقاليده وتعابيره، وهو بالرغم مما أجمع عليه المسلمون من تفرّده بصفات أدبية لم تكن معروفة في ظنهم عند العرب، يعطينا صورة للنثر الجاهلي" (1).
                    __________
                    (1) "النثر الفني في القرن الرابع الهجري" للدكتور زكي مبارك (1/ 43) - دار الجيل - بيروت.
                    (1/270)
                    ________________________________________
                    - ويقول في صفاقة غريبة:
                    القرآن شاهد من شواهد النثر الفني، ولو كره المكابرون فأين نضعه من عهود النثر في اللغة العربية؟ أنضعه في العهد الإسلامي؟ وكيف والإسلام لم يكن موجودًا قبل القرآن حتى يغيّر أوضاع التعابير والأساليب؟ فلا مفرّ إذن من الاعتراف بأن القرآن يعطي صورة صحيحة من النثر الفني لعهد الجاهلية" (1).
                    الحق أن ما افتراه الدكتور مبارك، وما قاله عن القرآن ليس هيّنًا، وهو يتناقض تمامًا مع اتجاه عدّه رمزًا من رموز الدفاع عن الثقافة العربية .. وهوية أمتنا الحضارية .. لذلَك لم يكن حراس عرين تلك الهوية من الغافلين عن مفترياته، ولا سيما إذا تعلّق بالكتاب العزيز والوحي الخالد ..
                    - قال الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: "أراد الدكتور زكي مبارك أن ينال إجازته العلمية من باريس فكيف يصنع الدكتور الذكي؟؟ رأى أن يسوق ألف دليل على أنه وعى جيدًا دروس أساتذته، وأنه اقتنع بالفكرة التي يصرّحون بها حينًا، ويلمحون بها حينًا آخر، فكرة أن القرآن من وضع محمد، وأنه ليس وحيًا مصونًا كالإنجيل أو التوراة "كذا" فاسمع العبارات التي بثها بثًا دنيئًا وسط مائتي صفحة من كتابه "النثر الفني" وتملّق بها مشاعر السادة المستشرقين الذين يوجهون العلم والأدب لخدمة المستعمرين ونصرة الصليبيِن" (2).
                    وبعد أن أورد الشيخ فقرات من كتاب "النثر الفني" تتعلق جميعها بمفتريات الدكتور مبارك على القرآن الكريم علّق على ذلك بقوله: "ماذا يطلب أعداء الإسلام أكثر من هذا؟ وأين تبلغ أهداف الصليبية الغازية بعد
                    __________
                    (1) المرجع السابق (ص 44).
                    (2) "الاستعمار أحقاد وأطماع" للشيخ محمد الغزالي (ص 228) - دار الكتب الإسلامية - الطبعة الثالثة - القاهرة.

                    (1/271)
                    ________________________________________
                    هذا؟ هذه العبارة (1) مليئة بالمطاعن والأكاذيب هي أثر الغزو التنصيري الذي شنّه الاستعمار علينا .. والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نلقى فيه صورة الوحي الإلهي كاملة غير منقوصة .. وهو أنقى ينبوع لهدايات الله، كما تنزل على رسله الأكرمين، وكما بلغها إمام الأنبياء محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وهو المعجزة التى حاول المغرورون أن يتعرضوا لها، فارتدوا على أعقابهم يتبعهم الخزي، وتتناول أقفيتهم الصفعات .. ".
                    ثم استتلى في تعليقه قائلاً: "ومحاولة المستشرقين وأذنابهم أن ينالوا منه ليست محل اكتراثنا، وليس هنا مجال تفنيدها، وكشف دخلها ودغلها، وكل ما يعنينا هنا إبراز الصلات الفكرية بين نوع من الأدب قدمه لنا بعض الناس، وبين غايات الهجوم الصليبي الذي لقح هذا النوع ونماه واحتضن أصحابه، ومهد لهم في المحافل! ولا ندري هل رجع الدكتور زكي إلى الله بعد هذا الكفران المبين أم مات على زيغه؟ لقد كتب بعد هذا كتابات حسنة في التصوف! وان كان الرجل ظل يدمن الخمر حتى صرعه السكر، فقضى على حياته وهو نشوان" (2).
                    فكيف يجرؤ الدكتور مبارك فيذهب هذا المذهب الشنيع فيعدّ القرآن آثرا عربيًا صرفًا، أي أنه كتاب نبت من الأرض ولم ينزل من السماء!!
                    والقارئ المسلم لا يغض طرفه ولا ينسى إذا تعلق الأمر بلمز كتاب ربه والحط من منزلة الوحي الكريم (3).
                    __________
                    (1) "يقصد ما أورده من كلام زكي مبارك.
                    (2) "الاستعمار أحقاد وأطماع" للغزالي (ص 231).
                    (3) مقالة بعنوان "زكي مبارك شارك طه حسين التشكيك في القرآن الكريم" بالمجلة العربية - العدد 315 السنة 28 - ربيع الآخر 1424 هـ/يونيو 2003 م (ص 34 - 35).

                    (1/272)
                    ________________________________________
                    كتاب "النثر الفني في القرن الرابع الهجري " ورد الدكتور محمد أحمد الغمراوي على زكي مبارك:
                    المؤلف تعرض في كتابه للدين بما لا يقره عقل ولا خلق:
                    في كتاب " النثر الفني في القرن الرابع الهجري " للدكتور زكي مبارك أخطاء خطيرة في دراسته للقرآن الكريم تناولها الدكتور محمد أحمد الغمراوي بالبحث في فصول مطولة متعددة نشرتها الرسالة المصرية في مجلد عام 1944 م ونحاول عرضها هنا بإيجاز.
                    - تضمن البحث شبهات ثلاث تخالف ما يعرف من الدين بالضرورة:
                    أولاً: دعوته إلى نقد القرآن.
                    ثانيا: إنكاره إعجاز القرآن.
                    ثالثا: أنه يكاد يصرح بأن القران من كلام البشر.
                    رابعًا: أن الأديان كلها نبت البيئة ومن وضع الأنبياء.
                    - قال الدكتور محمد أحمد الغمراوي: إن زكي مبارك يحاول إبطال حكمة الله في جعل كتابه الذي أنزله على آخر أنبيائه ورسله معجزة أدبية، وهي محاربة لله من غير شك، ويحاول زكي مبارك إبطال تلك الحكمة عن طريقين:
                    أولاً: طريق نظري في الدعوة إلى إنكار (إعجاز القرآن) ليبطل عند صغار العقول أمثاله: إن القرآن من عند الله.
                    ثانيًا: طريق عملي هو العمل على جعل الأدب إِباحيًّا شهوانيًّا بعد أن جعله الله في القرآن وبالقرآن إصلاحيًا ربانيًّا، وزكي مبارك في هذا تابع مقلد فقبله كان أبو نواس، وأمثال أبي نواس من الذين صرفوا الأدب عن الوجهة
                    (1/273)
                    ________________________________________
                    التي شرعها الله للناس فى الأدب بالقرآن فجعلوا الأدب للغواية بعد أن كان للهداية وجعلوه للشيطان بعد أن كان لله، ومثله كان ابن الراوندي وغيره من أهل الأهواء.
                    يتعرض الدكتور زكي مبارك في كتابه النثر الفني للدين بما لا يمكن أن يقره عليه عاقل ولا دين وبما يخالف الكتاب والسنة والإجماع عند المسلمين يتعرض لا لجزئية من الجزئيات يجوز فيها الخلاف بل للأصول التي يقوم الدين بقيامها وينهدم بأنهدامها كأصل "إعجاز القرآن" وأن القرآن كتاب الله لا كتاب محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - فنجده في أول فصل من فصول الكتاب يعيب على علماء العربية أنهم حين تعرضوا لنقد القرآن لم يذكروا إلا المحاسن.
                    وفي هذا خرج على علماء العربية وعلى الإجماع، إذ أن النقد عنده أن يقف الباحث أمام الأثر الأدبي موقف الممتحن للمحاسن والعيوب، وهذا صحيح ولكن في نقد كلام الناس لا كلام الله، ولو كان القرآن كلام بشر لكان أثرًا أدبيًّا لصاحبه، أما وهو كلام الله خالق البشر أنزله سبحانه معجزة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وتحدى به كل شاك فيه من العرب وغير العرب، بل تحدى به الجن والإنس على اختلاف العصور، فكيف يمكن أن يقف الناقد أمامه إلا كما يقف العالم أمام آية من آيات الله في الأرض أو في السماء؟
                    إن العهد الذي كان ينظر فيه في القرآن نظرة تطلب العيوب قد مر بالفعل، مر إلى غير رجعة، والذين نظروا في القرآن تلك النظرة التي يدعو إليها الدكتور زكي مبارك كانوا أقدر منه ألف مرة على إدراك أي عيب لو وجدوه، وأبصر بنقد الكلام لأنهم كانوا أهل العربية الفصحى.
                    افترض الدكتور زكي مبارك أن القرآن أثر جاهلي وزعم أن للعرب في الجاهلية نهضة علمية وأدبية وسياسية وأخلاقية واجتماعية كان الإسلام تاجًا لها، أي أن الإسلام نتيجة وتمامًا لتلك النهضة لا سببًا لها.
                    (1/274)
                    ________________________________________
                    - يقول في تعليل ذلك: لأنه لا يمكن لرجل فرد مثل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أن ينقل أمة كاملة من العدم إلى الوجود ومن الظلمات إلى النور ومن العبودية إلى السيادة القاهرة، كل هذا لا يمكن أن يقع دون أن تكون تلك الأمة قد استعدت في أعماقها وفي ضمائرها وفي عقولها بحيث استطاع رجل واحد أن يكوِّن منها (أمة متحدة)، وكانت قبائل متفرقة، وأن ينظم علومها وآدابها بحيث تستطيع أن تفرض سيادتها وتجاربها وعلومها على أجزاء مهمة من آسيا وإفريقيا وأوربا في زمن وجيز، ولو كان يكفي أن يكون الإنسان (نبيًا) ليفعل ما فعله النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لما رأينا أنبياء أخفقوا ولم يصلوا لأن أممهم لم تكن صالحة للبعث والنهوض.
                    فزكي مبارك يحاول أن يرد نهضة العرب بعد الإسلام لا إلى رسالة الإسلام ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وما أنزل الله عليه من قرآن وحكمة، ولكن إلى علوم وآداب وتجارب كانت عند العرب، وأن كل ما فعله النبي هو أن نظمها حتى استطاع أهلها أن يسودوا في القارات الثلاث في زمن وجيز.
                    وتاريخ نشأة العلوم والآداب في الأمة العربية بعد الإسلام معروف، كما أن مقاومة العرب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوته ومحاربتهم له ولها معروفة، ولكن الرجل ينكر التاريخ ويفتري تاريخًا آخر ويزعم زعمًا لا يجوز ولا يستقيم في منطق أو تفكير إلا إذا كان القرآن كلام النبي، كلام محمد العربي - صلى الله عليه وسلم - لا كلام الله سبحانه، عندئذ فقط يعقل أن يكون العرب على ما وصف زكي مبارك من نهضة وعلم وأدب؛ لأن القرآن أكثر من نهضة وعلم وأدب، ولا يعقل إن كان كلام بشر أن يأتي به صاحبه في أمة جاهلة كالتي أجمع على وجودها قبل الإسلام مؤرخو اللغة العربية من شرقيين ومستشرقين ومؤرخي الإسلام.
                    ويلتحق بزعمه الذي زعم لعرب الجاهلية من نهضة علمية، سياسية،
                    (1/275)
                    ________________________________________
                    اجتماعية، زعمه أن نشأة علوم العربية كالنحو والبلاغة والعروض قديمة، أي أنها نشأت قبل الإسلام لا بعده وهو يبني هذا الزعم أيضًا على ما افترض من أن القران أثر جاهلي.

                    * زكي مبارك حاول أن يصف القرآن الكريم بكل ما لا يصدق وأنه من كلام العرب!!
                    افتراض أن القرآن من كلام عربي من العرب:

                    حاول زكي مبارك أن يصف القرآن بكل ما لا يصدق إلا على نتاج البيئة، يقول: فمن الواجب أن يترك الباحثون ذلك الميدان الذي أولعوا بالجري فيه وهو عصر الدولة العباسية وأن يجعلوا ميدان النضال (عصر النبوة) نفسه وأن يحدثونا ما هي الصلات الأدبية والاجتماعية التي وصلت إلى العرب من الخارج فأعطت نثرهم تلك القوة وذلك الزخوف اللذين تراهما مجسمين في القرآن؟ هنالك نعرف بالبحث: أكان القرآن صورة عبقرية أم تقليدية.
                    فهذا شك لا يقبل شكًا ولا يحتمل تأويلاً في أن صاحب الكتاب يرى القرآن من كلام العرب، تأثر بما تأثروا به أو يصح أن يكونوا تأثروا به من صلات أدبية واجتماعية أتتهم من الخارج، وأن ما امتلأ به في زعمه من "الزخرف والصنعة المحكمة" ليس طبيعيًا ولكنه مكتسب مجلوب من الخارج".
                    وقوله: "هنالك نعرف بالبحث أكان القرآن صورة عبقرية أم تقليدية، والتقليد هنا ليس هو تقليد عربي لعربي ولكن تقليد عربي لأعجمي؛ لأن الصلات الخارجية التي يسأل عنها هي صلات بين العرب ومن حولهم من الأعاجم فتشكيكه في العبقرية وتجويزه التقليد على القرآن قاطع في أنه لا يرى القرآن من كلام واهب العبقرية وفاطر الإنسان، ولكن من كلام بشر
                    (1/276)
                    ________________________________________
                    مشكوك حتى في عبقريته.
                    - ويقول زكي مبارك "والقرآن نثر جاهلي والسجع فيه يجرى على طريقة جاهلية، حين يخاطب القلب والوجدان، ولا ينكر متعنت أن القرآن وضع للصلوات والدعوات ومواقف البكاء والخوف والرجاء سورًا مسجوعة تماثل ما كان يرتله المتدينون من النصارى واليهود والوثنيين، ولا تنس أن الوثنية كانت دينًا يؤمن به أهله في طاعة وخشوع، وكانت لهم طقوس في هياكلهم وكانت تلك الطقوس تؤدى على نحو قريب مما يفعل أهل الكتاب من النصارى واليهود".
                    - وهذا الكلام لا يحتاج إلى تعليق في أنه يضع القرآن في صف كتب الوثنيين وأهل الكتاب ويجري المقارنة بينها وبينه ويقول: والقرآن وضع لأهله صلوات وترنيمات تقرب في صيغها الفنية مما كان لأهل الكتاب من صلوات وترنيمات والفرق بين الملتين يرجع إلى المعاني ويكاد ينعدم فيما يتعلق بالصور والأشكال، ذلك بأن الديانات الثلاث، الإسلام والنصرانية واليهودية ترجع إلى مهد واحد هو الجزيرة العربية، فاللون الديني واحد وصورة الأداء تكاد تكون واحدة.
                    وهكذا صارح صاحب "النثر الفني" القارئ بذات نفسه، لا عن القرآن فقط وتقليده حتى الوثنيين في الصورة والشكل ولكن عن الأديان الثلاثة كيف أنها كانت نبت البيئة، نبت الجزيرة العربية، والرجل يقول هذا وقد وضع بين أيدي الناس "المفتاح" إلى مذهبه في القرآن والدين.
                    - ويقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي: إن الخصومة بينه وبين زكي مبارك ليس منشؤها ما يعتقد الدكتور، ولكن ما يعلن ويدعو إليه، فاعتقاده ودينه أمر بينه وبين ربه، أما ما يعلن ويكتب فأمر بينه وبين الناس، وهو حر فيما يرى ويفكر وفيما يعتقد، ما اقتصر ذلك على ذات نفسه أو ظل سرًا بينه
                    (1/277)
                    ________________________________________
                    وبين خلصائه والله تعالى سيجازيه به، ولكنه يفقد تلك الحرية في اللحظة التي يحاول أن يتخذ من الأدب وسيلة لبث آرائه ومعتقداته بين الناس، إنه في تلك اللحظة يصطدم بما يعتقد الناس إذا كان ما يعتقد يخالف ما يعتقدون خصوصًا إذا كان ما يعتقدون هو الحق وما يدعو إليه هو الباطل.
                    - لقد تركنا للدكتور كل هذه السنين يبدئ ويعيد في الأخلاق وغير الأخلاق مما يتصل بالدين اتصالاً وثيقًا من غير أن نتعرض له، إلا مرتين.
                    الأولى: حين ختم كلمة له في نعيم الجنة بذلك الدعاء الماجن "اشغلني عنك يا رباه بأطايب الجنة فإن نظري لا يقوى على نور وجهك الوهاج".
                    والثانية: حين كتب يقول: "أعوذ برب الفلق من خير ما خلق"، وقد وقع الرجل على حيلة أخذها من صديقه الشيطان هو أن يسمي المسميات ضد أسمائها ليدخل على بعض النفوس عن طريق الايحاء فستر الإنسان جسمه بالثياب رياء واعوجاج في الضمير والدعوة إلى تعريته دعوة إلى الحياة، احتضان الفتاة للفتى هو مثال الفرح النبيل، وهجوم الفتاة على الفتى طاعة لغريزة كريمة، وانتهاب الجمال هو في ذاته شكران لواهب الجمال، فتراه مثلاً يقول لك: "وانتفع الصوفية بسماحة الإسلام وهو دين يأبى أن يكون بين المسلم وربه وسيط فقرروا أنهم أرفع من الأنبياء وهذا كفر بظاهر القول، ولكنه في الجوهر غاية الإيمان".
                    - فانظر كيف رتب على المعنى أن الصوفية يضعون أنفسهم فوق مرتبة النبوة؛ لأنهم أعرف بالله وأرعى له من الأنبياء، وباطنه أنه ليس بهم ولا بك إذا ارتقيت مثلهم إلى الأنبياء حاجة وإلا كان بينك وبين الله وسطاء فتلك هي في رأي زكي مبارك سماحة الإسلام وبها انتفع الصوفية فلا الإسلام يحترم سماحة حمقاء كالتي نسبها إليه زكي مبارك ولا الصوفية بلغ بهم
                    (1/278)
                    ________________________________________
                    الغرور أن يرو أنفسهم فوق الأنبياء (1). اهـ.

                    (1) "أصالة الفكر الإسلامي في مواجهة التغريب " لأنور الجندي (ص 384 - 389) - دار الفضيلة.
                    (1/279)
                    ________________________________________

                    ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                    تعليق


                    • #25
                      * محمود عزمي المدافع عن اليهودية .. الممجِّد للشيوعية .. الداعي إِلى الفرعونية .. :

                      كانت رياح الصهيونية من وراء كتابات محمود عزمي ومحمد عبد الله عنان، فقد كان محمود عزمي واضح الموقف في الدفاع عن اليهود، وإثارة الشفقة عليهم، وكان في الوقت نفسه يمجد المفاهيم الماركسية الشيوعية، والمعروف أن زوجته كانت من روسيا البيضاء، وربما كانت يهودية.
                      - وأبرز مظاهر الشعوبية في هذه المرحلة أن يكتب محمود عزمي في جرأة: "لماذا عنيت بحضور المؤتمر الصهيوني في بال؟ " يقول: "إني أعنى منذ سنوات غير قليلة بالصهيونية على اعتبار أنها حادث اجتماعي وسياسي يشغل بال أهل فلسطين العرب، فيجب أن يشغل بالتالي بال كل من يتصل بفلسطين وأهلها العرب، ويجب أن يشغل بال أولئك الذين يفكرون ويعملون في سبيل الوحدة العربية، وتوثيق عرى (بلاد العربية) جميعا وفلسطين أحد بلاد العربية، وهكذا يراوغ الدكتور عزمي ليخدع العرب والمصريين عن الأشتراك في هذا المؤتمر الذي رشحته له عوامل كثيرة. والمعروف أن محمود عزمي كان يدعو إلى الفرعونية، ولما وجد موجة العروبة أفسح لسمومه دخل إليها ليفسد مفهومه، فهو لم يوافق على إطلاق لفظ البلاد العربية على الشرق العربي، واخترع مصطلحًا جديدا هو (بلاد العربية)، يقول أحمد عبد السلام بلا فريج: يريد أن يقول إن تلك البلاد ليست بلادًا عربية بجنسيتها، ولكن بلادًا تكلمت العربية، فيجب أن تنسب إلى اللغة وهي فكرة تدل على ضعف
                      ________
                      (1/279)
                      ________
                      معلوماته التاريخية عن أصل سكان العراق والشام، وسائر الأقطار التي تتكلم العربية، ومن شعوبيته قوله: إن الوحدة يجب أن تبنى على اللفظ فقط، وأن تقسم بلاد العرب إلى ثلاثة أقسام: بلاد المغرب ومصر والشام، وقوله بما أن مدنية الغرب هي المدنية الغالبة فينبغي أن نتخذها بلا انتقاد، بل بمحاسنها وقاذوراتها، وقد ردّ عليه أحمد عبد السلام بلا فريج قال: إن الدعوة إلى اتخاذ مدنية الغرب بلا قيد ولا شرط تعني القضاء على الثقافة العربية واضمحلال شخصيتنا وتعني اندماجنا في هيكل الغالب" (1).

                      * محمد عبد الله عنان متطرف في تأييده للصهيونية وأتاتورك واشترك مع سلامة موسى في إنشاء أول حزب شيوعي في مصر:

                      أما محمد عبد الله عنان فإنه دعا إلى الاستسلام في قبول النفوذ الصهيوني وقال: لا نعتقد أن سياسة العنف طريق صالح يستطيع أن يسلكه الشعب الفلسطيني لتحقيق أمانيه؛ لأن سياسة العنف أصبحت اليوم طريقًا خطرًا لا يأمن سلوكه الأقوياء أنفسهم فضلاً عن الضعفاء، على أن العامل الحاسم في تسيير السياسة البريطانية المقبلة هي كلمة اليهودية بلا مراء، ويلوح لنا أن اليهودية لا يمكن أن تنزل عن حكمها القديم الأسمى بهذه السهولة، وأنها تؤثر أن تضيف هذه الشدة إلى ثبت محنتها الحافل، وأنها قد تقرأ فيها نذيرًا لا بوجوب التراجع القديم والحذر، ولكن بوجوب مضاعفة المغامرة والإقدام.
                      ويقول: "إن في وسع العرب أن يغنموا كثيرًا بالاتحاد والجهاد السلمي المستنير وأن يحولوا في المستقبل دون إراقه الدماء".
                      __________
                      (1) "محاولة لبناء منهج إسلامي متكامل" - المجلد الرابع (اللغة والأدب والثقافة) لأنور الجندي (4/ 538).
                      (1/280)
                      __________
                      - ولا ريب أن هذا الموقف من أعنف مواقف التبعية للصهيونية وقد واجهت هذا حركة اليقظة، فكشف السيد محب الدين الخطيب في مجلة الفتح وجهة محمد عبد الله عنان في تأييده للصهيونية وتأييده لكمال أتاتورك، ولا ريب أن خلفية عنان باشتراكه مع سلامة موسى في إنشاء أول حزب شيوعي في مصر، وكتاباته الخطيرة عن (الثورة العالمية)، ويقصد بها مخططات الصهيونية الشيوعية التلمودية تُوحي بما جاء في هذا المحاولة.
                      - وقد كتب باحث في مجلة الفتح (3 أكتوبر 1929) تحت عنوان "هل عبد الله عنان يهودي صهيوني؟ " ما يلي: "قرأت مقالة عن الصهيونية (نشرها في السياسة الأسبوعية 7 سبتمبر 1929 وما بعدها) فلم يعتريني شك في أن الكاتب ليس يهوديًّا فقط بل من غلاة الصهيونية، كنت أظنه مؤرخًا صادقًا يشرح وجهة نظر العرب من ناحية ووجهة نظر الصهيونية من ناحية أخرى، ثم يقفي على ذلك بالحقوق التاريخية والمكتسبة للعرب، ولكني وجدته خصّ نفسه بشرح نظرية اليهود واطراح أمر العرب، وزاد الطين بدفاعه المستتر مرة والمنكشف مرة أخرى عن القضية اليهودية، وأعتقد أنه إما معتنق مذهب الصهيونية يعطف عليها ويدافع عنها، وإما ذو هوى في خدمة مصالح اليهود؟ فراح يتهوس تحرقًا على قوميتهم، ويؤسفني أن أخطّ هذا؛ لأني لست أفهم سرّ هذا الدفاع، وينسى أو يتناسى أن فكرة الوطن القومي اليهودي اشتُريت بأموال اليهود في الحرب العظمى واستغلال ضعف العرب، فأراد الصهيونيون أن يغتصبوا أرضهم وأموالهم بدون مسوغ من القوانين الوضعية والحقوق الدولية، وبينما فلسطين بحر من الدماء واليهود يتحرشون بأهل البلاد العزّل من السلاح، والعالم العربي والإسلامي يصيح من هول المأساة إذ بهذا الكاتب وزمرته يقولون ما لا يعلمون. ومن يقرأ التصوير المزيف الذي قدمه عنان يتوهم أن العرب هم البادئون بالعدوان وأن اليهود أصحاب حق، وأن عنان في هذا المفهوم يجري مجرى التلمودية الصهيونية.
                      (1/281)
                      ________________________________________
                      ومن أخطاء عنان قوله: أن الأساطير اليهودية تقول: إن جدار البراق هو البقية الباقية من هيكل سليمان. وترى فيه التقاليد اليهودية الدينية أثرًا من أجل آثار إسرائيل، وقد ردّ عليه (ن) وربما يكون شكيب أرسلان بقوله: "كان مأمولاً منه ألا يمر على الأساطير دون أن يضع إلى جانبها الحقيقة. هذه الحقيقة تختص بعلماء الآثار ومهرة المعماريين أكثر ما تختص بالأساطير، فعلماء الآثار ليس فيهم من يقول: بأن أي قسم من الجدار الغربي للحرم القدسي الشريف يرجع في عهد بنائه إلى زمن سليمان بل المتفق عليه قطعًا أن هذا الجدار بُني في زمن لاحق متأخر جدًّا، ومن الذين يذهبون إلى القطع بأن هذا الجدار ليس بقية الهيكل "المستر جار" مدير آثار حكومة فلسطين سابقًا، والمستر اشي الذي اشتغل في حكومة فلسطين أربع سنوات وهو من أكبر المعماريين الثقات، فزعم اليهود أن الجدار يعد باقية من الهيكل ساقط أساسًا لأن علم الآثار والمعمارية ينفيانه نفيًا باتًا".
                      - ولعنان موقف آخر من الشريعة الإسلامية يهاجم فيها موقفها من المرأة (الثقافة - 7 يوليو 1952) حيث يقول تحت عنوان: "المرأة والحقوق الدستورية": "لا محل للاحتكام بشأنها إلى الدين. تقول الحقيقة أن هذا الاتجاه خاطئ من أساسه ولا محل له على الإطلاق، إن تنحية الدين أساس في هذا الموضوع سواء لتوكيد التحريم أو الإباحة، وإذا كانت مصر دولة إسلامية فليس معنى هذا أنها دولة دينية، أو أنها دولة تطبق أحكام الدين في سائر النواحي. فالنظم الأساسية والقوانين المدنية والجنائية المصرية كلها نظم وقوانين تطبعها الصفة الأوربية، ولا يطبق في مصر شيء من أحكام الشريعة الإسلامية في العبادات والمعاملات أو الحدود بصورة جبرية، والقضاء الشرعي يعتبر قضاءً استثنائيًا بالنسبة للقضاء الوطني العام، ويصل من هذه السموم والمغالطات كلها إلى أن يقول: لا محل لأن يحتل الدين حكمًا في مسائل لا
                      (1/282)
                      ________________________________________
                      علاقة لها بالدين ولا يمسّ العقيدة، ولا محل إذًا لنرجع بمطالب المرأة السياسية والاجتماعية لأحكام الدين".
                      ولا ريب أن رأي عنان هذا فاسد على إطلاقه؛ فإن الإسلام ليس دينا بالمعنى اللاهوتي، ولكنه نظام مجتمع ومنهج حياة، ولذلك كان له حق تنظيم العلاقات الاجتماعية وخاصة مما يتعلق بالمرأة والأسرة" (1).

                      * الشّعوبي حسين فوزي، غالٍ من غلاة التبعية للحضارة الغربية:
                      اتسع نطاق دعوة حسين فوزي إلى تغريب الفكر الإسلامي حين أفسحت الأهرام للشعوبيين الثلاثة (توفيق الحكيم - لويس عوض - حسين فوزي) (1960 - 1970) المجال ومجمل دعوته التي ردّدها أكثر من 40 عامًا هي على الوجه الآتي كما لخّصها لمجلة الآداب (أبريل 1962): "درجت على حب الغرب والإيمان بحضارة الغرب، واستحال الحب والإعجاب إيمانًا بكل ما هو غربي. لم يعتور إيماني ضعف بضرورة الحياة الغربية حتى وأنا أرى الحضارة تهددها الفاشية والنازية، وتكاد تتردى بها إلى هاوية الفناء والعدم، أغلب الناس لا يرون في حضارة الغرب إلا صورتها المادية (الراديو-الثلاجات-التليفزيون) مع أن الحضارة الغربية في أساسها فكر وفن وفلسفة وعلم، وهذا ما يعنيني من الحضارات. من الخطأ أن نأخذ إنتاج الحضارة دون أن نتشرب أساسها.
                      وسمة الحضارة الغربية أن العقل فيها مطلق، هذه السمة أفضل تسميتها الفكر الحر، لست أقول: إن الحضارة الغربية بلغت المثل الأعلى الذي نادى به الفلاسفة والمصلحون، ولكني أعجب إعجابًا بظاهرة واحدة في هذه الحضارة هي: الفكر الحر، ومهما كانت الأخطاء التي ارتُكبت فإن فضيلة هذه الحضارة
                      __________
                      (1) المرجع السابق (ص 538 - 540).


                      في أنها تملك أداة إصلاح ذاتيه هي (الفكر الحر) وآمل أن نمحو من أذهان النشء هذه المقابلات العميقة بين الشرق والغرب، فليس غير الإنسان وليس ثمة إلا عالم واحد". وحين يتحدث عن الجوانب الروحية في تاريخ مصر يخلط بين مدرسة هليوبوليس ومدرسة الإسكندرية وبين الأزهر الشريف.
                      ويقول: "لا صلة للعقيدة الدينية بمسائل الأمم". والدكتور حسين فوزي في مفهومه هذا غال من غلاة التبعية للحضارة الغربية، وهو يركز على جانبها الخاص بالفنون والمسارح والموسيقى والرقص، ويرى أن هذه هي الفنون التي تُنقَل إلى البلاد العربية. ويركز على خداع قومه بالدعوة إلى الربط بين الحضارة المادية والفكر الغربي، كأنه يريد من قومه أن يتحولوا إلى غربيين في الفكر، وأن ينصهروا في الغرب؛ وليس أدل على ذلك من إعلانه الكراهية والاحتقار للتراث الإسلامي العربي، ويصف هذه الثقافة بأنها ماتت، ويُتابع طه حسين في الدعوة إلى نقل كل ما تمثله الحضارة (خيرها وشرها، وحلوها ومرّها، وما يُحمد منها وما يُعاب).
                      - أما قضية الفكر الحرّ فهي قضية تلك الجماعة التي حملت في الغرب لواء المادية والإباحية، وكسرت جميع ضوابط الدين والخُلُق، وكانت تابعة للتلمودية اليهودية التي قادها فولتير وروسو ويدرو ونيتشه وأوجست كونت ثم خلَّفت فرويد ودور كايم وسارتر. ولا ريب أن إيمان هذا الرعيل بالتبعية الغربية واضح وعميق، فهم يكرهون الإسلام والعربية والتراث والتاريخ الإسلامي ويزدرونه، وهم في هذا على خط واحد مع طه حسين وسلامة موسى وزكي نجيب محمود" (1).
                      - يذهب الدكتور حسين فوزي إلى أبعد حد في العنف والقسوة في
                      __________

                      (1) المصدر السابق (4/ 542 - 543).
                      (1/284)
                      ________________________________________
                      مهاجمة الثقافة العربية فيقول. "ماتت الثقافة العربية عبر القرون الوسطى وانطفأ نورها كما ينطفئ السراج الذي نضب زيته وأُحرِقت زبالته وانكسر إناؤها أيضًا، وذهب غبارها مع الثقافات الأخرى التي عُرفت في أوربا فيما بين انحلال الإمبراطورية الرومانية وعصر الرنيسانس ولا قيمة للثقافة العربية عندي أكثر من أنها لعبت دور انتقال في العصور الوسطى فكانت مستودعًا لبعض مظاهر تفكير اليونان فيما قبل عصر إحياء العلوم" (1).
                      - ويكذب حسين فوزي حين يرى أن شئون الزينة تتصل بالعادات والتقاليد بينما هي في الحقيقة من أصول الأخلاق. وكتب في الأهرام 21/ 8/1964 عن مُوَدة الصدر المكشوف، ويفيض في هذا الحديث ويحسنه ويغري به كل قارئ (2).



                      1) المصدر السابق (4/ 516).
                      (2) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 75).

                      ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                      تعليق


                      • #26
                        * الدكتور أحمد زكي أبو شادي زعيم جماعة أبوللو والفجور:
                        رحم الله مصطفى صادق الرافعي القائل عن حركة التجديد الأدبي أنها: "فساد اجتماعي، لا يدري أهله أنهم يضربون به الذلة على الأمة" (3).
                        في أوائل العقد الرابع أنشأ أحمد زكي أبو شادي أحد فرسان التجديد الأدبي - "جماعة أبوللو"، كحركة "تجديد في الشعر العربي"، وأصدر مجلة تحمل اسم الجماعة نفسه، وجذب إليه العدد من المواهب الأدبية في مصر والبلاد العربية الأخرى، وخاصة من الشباب.
                        ولقد اشتد نزاع النقاد في مناقشة التجديدات التي أدخلها أبو شادي على "عمود الشعر العربي"، ولكن أحدًا منهم -مع الأسف- لم يفسر لنا،
                        __________
                        (1) المصدر السابق (4/ 516).
                        (2) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 75).
                        (3) "تحت راية القرآن" للرافعي (ص 23).
                        (1/285)

                        ________________________________________
                        ما هي صلة القوافي وعَرُوض الخليل بن أحمد، بالصور العارية، والمناظر الجنسية المثيرة التي كان ينشرها الدكتور أبو شادي بجوار قصائده في مجلة "أبوللو"؟ (1).
                        فقد درج أبو شادي على نشر قصائدة في "أبوللو" وبجوارها صورة عارية ومثيرة، مثل قصيدة "في الحمّام" التي نشر أمامها صورة مثيرة لفتاة عارية، وكتب تحتها "في الحمّام"، وقد قلّده بعض تلاميذه مثل: إسماعيل سري الدهشان، الذي نشر قصيدة "الصائدة المتجردة"، وأمامها صورة امرأة عارية تصطاد في البحر.
                        لقد جمع أبو شادي حوله جيلاً من الشباب العربي وأرضعهم لبان "تجديده"، الأدبي، فلنستمع -إذن- إلى واحد من هؤلاء الشباب ذلكم هو الشاعر التونسي الثائر أبو القاسم الشابي يطالعنا برسالة يزدري فيها الأدب العربي ويتحدى:
                        نبئوني يا سادة: هل تجدون في العربية من يستطيع أن يحدثكم عن تلك العواطف العنيفة، التي تهز الحياة هزًّا؟ كلا -خبروني يا سادة أي شاعر عربي يستطيع أن يحدثكم عن نشوة الحب، وسكرة العواطف، ومعنى الأمومة ورحاب الأمل، أو يريكم هجسات القلوب وخلجاتها؟ -كلا-، ولكنكم واجدوه وأكثر منه- عند آداب الأمم الأخرى" (2).
                        - يقول الماركسي أحمد زكي أبو شادي الذي ألّف كتاب "ثورة الإسلام" في كتابه هذا (ص 25):
                        __________
                        (1) انظر "جماعة أبوللو وأثرها في الشعر الحديث" للدكتور عبد العزيز الدسوقي (ص 355 - 356).
                        (2) "الخيال الشعري عند العرب" (ص 107 - 109) طبع تونس، و"جذور الانحراف في الفكر الإسلامي الحديث" لجمال سلطان (ص 118 - 119) - دار الأعتصام.
                        (1/286)

                        ________________________________________
                        "وهذه سنن ابن ماجه والبخاري وجميع كتب الحديث والسنة طافحة بأحاديث وأخبار لا يمكن أن يقبل صحتها العاقل ولا نرى نسبتها إلى الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم -، إذ أغلبها يدعو إلى السخرية بالإسلام والمسلمين والنبي الأعظم".
                        ويقول أيضًا متشدقًا بحب المستشرقين أعداء الإسلام: "ومع أن علم أولئك المستشرقين كعلم المستنيرين من المسلمين، بأن الجمهرة من الأحاديث النبوية مختلفة اختلاف الإسناد نفسه، الذي لم يكن معروفًا في فجر الإسلام، فإن حظهم هو التعلق بكل سخيف حقير منها، للتدليل على سخافة الإسلام وحقارته يساندهم في ذلك من طريق غير مباشر جهلة الكتاب المسلمين" (1).

                        ____________________________________

                        * لويس عوض الكاره الكريه .. الكاره للإسلام والعروبة والعربية، الممجِّد للاحتلال الفرنسي الصليبي والخونة الصليبيين وكبيرهم الجنرال المعلم يعقوب:

                        نعم هو الكاره الكريه .. الكاره للإسلام ولكل ما يمت إلى الإسلام بصلة .. كاره لطهارة الإسلام وطهره مثلما قال الله تعالى عن قوم لوط: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56] .. فلا عجب أن يفضحه الله، فيخط لويس بقلمه فجوره ودنسه وشربه للخمر وممارسته للزنا بانتظام، وحديثه الكثير عن الشذوذ الجنسي دون استنكار.
                        - يقول لويس عوض: "ومن ملذاتي أني كنت أشرب كل شهر زجاجة
                        __________
                        (1) "ثورة الإسلام" لأحمد زكي أبو شادي (ص 17).
                        (1/287)
                        ________________________________________
                        نبيذ أحمر قبرصي كانت تكلفني أقل من خمسة قروش، أو زجاجتيْ بيرة تكلفاني خمس أو ست (كذا!! ) قروش .. " (1) ويعد هذا من ملذاته البريئة (!! ) (2).
                        ويعترف القذر بممارسته للزنا وبطريقة منتظمة "أوراق العمر" (ص 338) وما بعدها، (340)، وما بعدها ويحلم بحل المشكلة الجنسية في مصر على الطريقة الأوربية (ص 552)، وفي سياق دعوة لويس إلى الإباحية الغربية، نراه يشيد باليهود وموقفهم من المرأة الزانية فيعلق على حَمْل الفتاة اليهودية "أستير" من أحد سكّان منزلها وإنجابها طفلة زنا، وقبول أسرتها للأمر الواقع ويقول: "إن هذا القبول سلوك في غاية التمدن" (3)!!!
                        - وإلحاح لويس على الحديث عن الشذوذ الجنسي في سيرته الذاتية وبعض كتبه الأخرى دون أن يبدي رأيًا معاديًا، بل يبدو كأنه يراه أمرًا مشروعًا لا غبار عليه (4)، وأن "ليوناردو دافنشي، وشكسبير وتشايكوفسكي وهمرشلد وهربرت فون كاربان، وربما سقراط وأفلاطون من بينهم (5) ويبدو أنه يريد أن يبلغنا رسالة فحواها أن المشاهير في الماضي والحاضر -وبالتالي في المستقبل- لا بد أن يكونوا شواذًا أو مرحين وفق المصطلح الإعلامي السائد (6).
                        - ولقد تأثر لويس في مرحلته الجامعية بثلاثة من أساتذته الإنجليز وهم
                        __________
                        (1) "أوراق العمر" للويس عوض (ص 549) - مكتبة مدبولي - القاهرة 1989.
                        (2) المرجع السابق (ص 550).
                        (3) "أوراق العمر" (ص 452).
                        (4) "لويس عوض الأسطورة والحقيقة" للدكتور حلمي القاعود (ص 34) - دار الأعتصام.
                        (5) "أوراق العمر" (ص 474).
                        (6) "لويس عوض" لحلمي القاعود (ص 36).

                        ---------------------------------------------------------
                        كريستوفر سكيف وإيرفينج وفيرنس مضافًا إليهم دافيس الأعرج وبيفن .. رجال معروفون بأحقادهم الصليبية وبأعمالهم في المخابرات البريطانية (1).
                        (1) "أباطيل وأسمار" لمحمود محمد شاكر (ص 449) - مطبعة المدني،

                        ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                        تعليق


                        • #27
                          * أما سلامة موسى فهو صانعه ومعلمه ووالده الروحي:
                          وقد طبق أفكاره وتصوراته في القضايا الفكرية والأدبية التي عالجها وناقشها ويشير لويس عوض إلى دور سلامة موسى الخطير في حياته فيقول: "وضع سلامة موسى أمام أبناء جيلنا أكثر القضايا العلمية والفلسفية الاجتماعية والاقتصادية التي كانت ولا تزال مصدر البحث الإنساني في كل بلاد التحضر، وربطنا بتيارات الفكر العالمي الحي فجعلنا نحس بأننا أحياء (2).
                          ويشيد بسلامة موسى وبلاغته المزعومة، وحملته على البلاغة العربية (! ) ثم يكمل كلامه قائلا: "فقولوا هذا الذى رحل كان رائدًا شامخًا، وكان محطم أوثان، ولن تخطئوا في شيء، فهذا ما سيقوله التاريخ" (3).
                          "وعلى المستوى الشخصي يكشف لويس عن طبيعة تأثير سلامة موسى المباشر عليه، فيقول: "وقاد سلامة موسى خطاي نحو الاشتراكية" (4)، ويقول: "وعلى الجملة فقد نمت فيّ عقلية المفكر الاجتماعي التي كان سلامة موسى يغذيها في نفسي بمؤلفاته وبالمجلة الجديدة" (5).
                          ويصفه لويس عوض بأنه كان صريحًا في اشتراكيته، صريحًا في
                          __________
                          (2) "مقالات في النقد والأدب" للويس عوض (ص 109) - مكتبة الأنجلو المصرية.
                          (3) المصدر السابق (ص 110).
                          (4) "أوراق العمر" (ص 462).
                          (5) المصدر السابق (ص 447)، والمجلة الجديدة كان يصدرها سلامة موسى، ويبشر من خلالها بالفكر الاشتراكي والدعوة إلى الإباحية، واللحاق بأوربا، وتطليق الشرق ومواريثه (أي الإسلام).

                          (1/289)
                          ________________________________________
                          زندقته، ويرى أنه كان مسيحيًّا بالميلاد فقط، وكان يضع جميع أديان التوحيد في سلة واحدة، وكان ينظر إلى الأيان التوحيدية والوثنية نظره إلى ظواهر أنثروبولوجية، أي مجرد فولكلور راق، وكان من دراويش مصر القديمة، دائم الدعوة للاهتمام بدراسة حضارة مصر الفرعونية، و"كان عنده شموخ القبطي المتمسك بأصلابه الفرعونية حضارة وأمجادًا" (1).
                          ويبدو أن لويس قد استقى التناقض في تفكيره أساسًا من التناقض الذي يمثله سلامة موسى (الاشتراكي، الزنديق، المثقف المسيحي، اللاديني، الفرعوني، القبطي) ويبدو أنه ورث عنه تلك الكراهية العميقة للإسلام وكل ما يتعلق به، مع التعبير عن هذه الكراهية بمصطلحات مراوغة مثل الرجعية والسلفية والمحافظة والخلفية التاريخية والشرق والجمود والتخلف والغوغاء والسوقة .. إلخ وهي مصطلحات تتردد بكثرة في كتاباتهما.
                          انظر إلى لويس عوض هذا الإباحي القذر ينشر بعض شعره في مجلة "حوار" اللبنانية جاء فيها على لسان السيدة مريم البتول أم المسيح عليه السلام:
                          رميتُ عليه طلَّسْمي لأُنقذَه من البدَد
                          نصبت له فخاخ الحب في الأبعاد والرمد
                          فذاق العقل طعم الحب من ثغري ومن جسدي
                          وأخصبني بآلته فذقت حلاوة الوتد!!
                          وقد علّق عليها عباس خضر ووصفها بالقمامة القذرة (2).
                          __________
                          (1) "أوراق العمر" (ص 464).
                          (2) " الرسالة"، العدد 1093 - 20 شعبان 1384 هـ - 24 في ديسمبر 1964 (ص 42)، و"لويس عوض" لحلمي القاعود (ص 91 - 92)، و"المكالمات (اللاهوت) شعر لويس عوض (ص 36) نقلاً عن لويس عوض لحلمي القاعود (ص 169).

                          (1/290)
                          ________________________________________
                          إن الروح الصليبية تشكل الفرع الأول في الإطار المرجعي لدى لويس عوض، وكذا الماركسية، وهو بحق رسول الصليبية الحديثة والماركسية إلى الأمة العربية، فحمل إليها العدوانية على الإسلامية، وبشر فيها بالتبعية للغرب، وبث فيها الكثير من السموم والأحزان قاتله الله.

                          * إِلى أصحاب الفكر المستنير التقدمي من تلامذة لويس عوض:
                          يا من قلتم عنه أنه "لويس عوض المعلم العاشر" (1).
                          أو أن التاريخ سيذكر لويس عوض في صفحات ناصعة لفكره الناقد وبحثه الدائب عن الحقيقة كما يقول "شريف الشوباشي" (2).
                          هل من المقبول عندكم أيها التنويريون التقدميون أعداء الظلاميين أن يصف لويس "أم الكون" بالزنا، وأن البشر كلهم زناة.
                          فأم الكون زانية، وكل ابن لها زان
                          غشت ماخور بَعلَزْبُون بين البعد والآن
                          وهذا الكونُ بالفحشاء من بذرة شيطان (3)

                          * "المكالمات أو شطحات الصوفي" شعر لويس عوض:
                          تعالوْا يا معاشر التقدميين إلى عبث لويس بالذات الإلهية عبر المرحلتين المنشورتين من قصيدته "المكالمات" عبثًا لا مسوغّ له، وحديث زندقته الذي لا يحفظ للذات الإلهية قدسيتها وهيبتها بل يشوهها تشويهًا بشعًا حين يضعها في العديد من الصور السوداء وبخاصة في المرحلة الثانية [الناسوت] الذي يبدأ مقطعه الأول هكذا:
                          __________
                          (1) جريدة أخبار اليوم (12/ 9/1990).
                          (2) جريدة الأهرام (13/ 9/1990).
                          (3) " المكالمات (اللاهوت) " (ص 37).

                          (1/291)
                          ________________________________________
                          [وقالوا: ربنا واحد، فقلتُ: ليته عَشَرهْ
                          كمثل زيوس في الأوليمب يحسو الراح في زمرهْ
                          ويؤنس بعضهم بعضا، وتحلو العزلة المرةْ
                          وينسوْنا، وننساهم، ويشرب آدمُ خمرهْ]
                          ويضعه في صورة أخرى لمخلوق يخرّ مصابًا بالشلل في المقطع الرابع:
                          [وخر الرب مفلوجًا كمعلول بلا علل
                          تعلّق لطفه في الكون بين الفجر وَالطفَل
                          فيا غوثاه، إن وقفت إرادته على شلل
                          أو يضعه في صورة لا تليق بذاته العلية كما يقول في المقطع الخامس علي لسان هابيل:
                          [رآني الله مذبوحًا كشاةٍ خُضِّبت بدمِ
                          فما مدّ اليد الطولى لينقذني من العدم]
                          أو يسند إليه -جلا وعلا- صفات رخيصة يأباها المخلوق السويّ، فيقول في المقطع السادس على لسان نبي الله أيوب:
                          [أنا أيوب، مشهور بتسبيحي وتقبيحي
                          ويوم بصقتَ، يا اللهُ، في وجهي وفي روحي
                          شكرتُ، فزدتني بصقا، وثُرتُ، فزدتَ من قيحي
                          سألت الغابة العذراء، ثم صرخت في الريح:
                          لماذا يبصق الرحمن في وجهي وفي روحي؟! ]
                          ويذكر هذا الكافر أنه أكل الله في خبزه (المقطع الثامن) وشربه في خمره (المقطع التاسع) ويصفه بالصائد الماكر [المقطع العاشر] والعنكبوت [المقطع الأخير] (1).
                          __________
                          (1) انظر مجلة حوار البيروتة ع 10 حزيران 1964 (ص 33)، حوار ع 11/ 12 - 1964 (ص49). ولويس عوض للقاعود، (ص 165 - 166).
                          (1/292)
                          ________________________________________
                          * لويس عوض على خطا سلامة موسى يدعو إلى العامية بدلاً من العربية:
                          زعم سلامة موسى أن اللغة العربية، أو تأخرنا اللغوي من أعظم الأسباب لتأخرنا الاجتماعي! ويهاجم الذين يتمسكون بالعربية ويرى فيهم باعثين للأمس، ويدعو إلى مطلبه الأخطر والأعظم وهو "اتخاذ الخط اللاتيني، يحمل الأمة إلى الأمام مئات السنين، ويكسبها عقلية المتمدنين، ويجعل دراسة العلوم سهلة، وهو خطوة نحو الاتحاد البشري (1).
                          وعلى خطا أستاذه دعا لويس عوض إلى العامية وقال: "لقد أنتج المصريون في هذه اللغة الشعبية -أي العامية- أدبًا شعبيًا لا بأس به .. ولكن التركيب العبودي الذي اتصف به المجتمع المصري طوال هذه القرون قد صرف انتباه الدارسين إلى الأدب العربي، أدب الخاصة، وجعلهم يهملون الأدب المصري، أدب الشعب، وليس هذا بمستغرب، فالمثقفون في كل جيل يستمدون ثقافتهم من ثقافة السادة المحليّين أو السادة المستعمرين بحسب الحال؛ لأنهم يولدون بأبوابهم" (2).
                          ويكفي نظرة إلى كتابه التطبيقي عن العامية "مذكرات طالب بعثة" (3) لتعرف دجله وكذبه.
                          - وتحدث لويس عن إعجاز القرآن، وادعى أن الإعجاز وهم وخرافة، وزعم أن الإعجاز يعطي قداسة خاصة أو شرفًا خاصًا للغة العربية التي نزل بها القرآن، وبالتالي يسبغ على العرب أصحاب هذه اللغة امتيازًا خاصًا أو سيادة خاصة بين كافة المسلمين تؤهل العرب دون غيرهم لحكم العالم
                          __________
                          (1) "البلاغة العصرية واللغة العربية" لسلامة موسى (ص 188) - ط 4 سلامة موسى للنشر والتوزيع.
                          (2) "بلو تولاند" للويس عوض (ص 12 - 13) الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1989.
                          (3) "مذكرات طالب بعثة" للويس عوض - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1991.

                          (1/293)
                          ________________________________________
                          الإسلامي واستعماره (؟؟ ) كما زعم أن لغة السيف هي التي فرضت على المسلمين أن يقولوا إن لغة القرآن هي معيار الصحة والخطأ، وهذا القول استفز رجاء النقاش -وهو من المقربين للويس- فأعلن رفضه لوجهة نظر لويس وقال: أرفضها كل الرفض جملة وتفصيلاً وهي وجهة النظر التي تقول: إن الحضارة العربية بآدابها وفلسفتها وعلومها ولغتها وعمرانها وكل شيء فيها، ليست حضارة أصيلة، وإنما هي حضارة منقولة عن الغرب" (1).
                          - "لويس عوض تلميذ سلامة موسى الفرعون الذي دعا إلى ترجمة القرآن إلى اللغة العامية المصرية وحجته كما يقول الأستاذ محسن عبد الحميد في كتابه "اللغة العربية" (ص 14): إن كتابا يؤمن به الشعب يجب أن يقرأه بلغته لا بلغةٍ أخرى" (2).

                          * لويس عوض والثناء على الثورة الفرنسية والحملة الفرنسية على مصر:
                          ْقام لويس عوض بتزوير التاريخ وتجميل وحشية الحملة الفرنسية على مصر وإسباغ الوطنية على خائن نصراني اسمه "المعلم يعقوب".
                          - وفي مناسبة مرور مائتي عام على الثورة الفرنسية 1879 م، كتب لويس عوض قرابة العشرين مقالاً مطولاً في الأهرام (3) أشاد فيها بإنجازاتها وشعارها: الحرية، والإخاء، والمساواة فكان لويس -في هذه المقالات- فرنسيًّا أكثر من الفرنسيين، فلقد أبادت هذه الثورة في مذابحها سبع سكان فرنسا (4).
                          __________
                          (1) انظر مقال " الرمز والمثال " لمحمد قطب - مجلة فصول (ص 343 - 345) مجلة فصول صيف 1992.
                          (2) "كلهم سلمان رشدي " لأحمد الدوسري النجدي (ص 28) مكتبة الروضة.
                          (3) بدأ نشر هذه المقالات أسبوعيًا في الأهرام ابتداءً من 15/ 7/1989.
                          (4) الأهرام 8/ 8/1989 مقالة لفهمي هويدي.

                          (1/294)
                          ________________________________________
                          بيد أن دراويش الثورة الفرنسية في بلادنا يصرون على أنها رمز التنوير والتقدم ويُجهدون أنفسهم في إثبات ذلك.
                          - ولقد عدّ لويس عوض حملة نابليون على مصر والشام سببًا لدخول مصر إلى العصر الحديث وإقامة الدولة المدنية وبناء نهضتها على أسس علمية عدّها بشير التقدم والتحضر، وسبب النهضة الذي نقل مصر من التخلف إلى التحديث، أما ما اقترفته الحملة من إراقة الدماء والنهب واستباحة المقدسات، واستلاب الحرية والكرامة، فأمر لا يعنيه.
                          - يقول: "لا مناص من اعتبار حملة نابليون على مصر 1798 م وما تلاها من استمرار بين مصر وأوربا عاملاً فاصلاً في تكوّن الأفكار السياسية والاجتماعية بالمعنى الحديث في مصر خاصة وفي العالم العربي بوجه عام" (1).
                          ثم يشير لويس إلى أن نشأة الفكرة القومية في مصر والعالم العربي، كانت وليدة التأثر بالثورة الفرنسية وحملة نابليون، ويستشهد بما كتبه الأخير وهو في منفاه بسانت هيلانه حول استقلال مصر عن العثمانيين، وتعيين والٍ من أهل البلاد لتستقل وتكون مملكة عربية، ويحدث تغيير عظيم على يد الرجل المنتظر (2).
                          - ويصف لويس الحكم التركي المملوكي بالوحشية، وقيامه على نهب خيرات مصر وإذلال أهلها إذلالاً تقشعر لهوله الأبدان (3).
                          __________
                          (1) "تاريخ الفكر المصري الحديث" (من الحملة الفرنسية إلى عصر إسماعيل) للويس عوض (ص 9) مكتبة مدبولي - ط 4 - 1987.
                          (2) السابق (ص 55، 105).
                          (3) السابق (ص 62).

                          (1/295)
                          ________________________________________
                          وقد ردّ على لويس عوض الشيخ محمود محمد شاكر في "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" طبع دار الهلال، ومحمد جلال كشك في كتابه "ودخلت الخيل الأزهر".
                          - وسوف نكتفي بالرد على ديموقراطية نابليون بما قالته الدكتورة "ليلى عنان" في كتابها "الحملة الفرنسية بين الأسطورة والحقيقة".
                          يقول "دينون" بعد أن يصف بشاعة ما فعله الجند الفرنسيون بالمصريين العزل: "كنا نتباهى بأننا أكثر عدلاً من المماليك، وكنا نقترف كل يوم وبصورة اضطرارية عددًا كبيرًا من المظالم، لصعوبة تمييز أعدائنا بناءً على الشكل واللون، كان يجعلنا نقتل يوميًا فلاّحين أبرياء، كان الجند الذين نرسلهم للاستكشاف، يظنون التجار المساكين من أهل مكة (الذين حضروا لمساعدة المصريين) وقبل أن نصل لنعيد العدل -إذا ما كان هناك وقت للعدل- يكون الجند قد قتلوا اثنين أو ثلاثة، وتكون قافلتهم قد سُلبت أو بُددت، وجمالهم قد تم تبديلها بجمالنا الجريحة".
                          "وعندما كان الفلاّحون يذعنون لتهديدنا، ويحضرون لدفع الميري، كما يحدث أحيانًا، كنا نظن تجمعهم بسبب كثرتهم عداء لنا، وعصيهم أسلحة، فكان عليهم أن يتحملوا رصاص القناصة، أو الدوريات، قبل أن يشرحوا موقفهم، فكانوا يدفنون موتاهم، ونظل أصدقاء إلى أن تتاح لهم فرصة انتقام أكيد، والحق يُقال: أنهم إذا ما بقوا في منازلهم، ودفعوا الميري، وأوفوا بكل احتياجات الجيش، لوفّر ذلك عليهم مشقة السفر والبقاء في الصحراء. في هذه الحالة كانوا يشاهدون مواردهم تُؤكل بانتظام، فيأكلون نصيبهم ويحتفظون ببعض أبوابهم، ويبيعون البيض للجند، ولا يُغتصب إلا القليل
                          (1/296)
                          ________________________________________
                          من نسائهم وبناتهم" (1).
                          ويقول "برنواييه" وهو يصف اقتحام الجيش الفرنسي لإحدى القرى قرب دمنهور: "عندما رآنا أهل هذا الكَفْر من بعيد لاذوا بالفرار .. فأحرق الجيش كل شيء، يا له من منظر بشع، وقد قضى الحريق على نصف البلدة" (2).
                          ولقد تحدثت رسائل برنواييه عن وحشية نابليون ودمويته وحبه لاغتصاب النساء المصريات الأبكار قبل جنوده.
                          - يقول نابليون. "في استطاعتي محاسبة كل واحد منكم على مشاعره الدفينة في قلبه، لأنني عليم بكل شيء، حتى بما لا تبوحون به لأحد، ولكن سيجيء اليوم الذي سيرى فيه العالم أن كل المجهودات البشرية لا تستطيع فعل شيء ضدي" (3).
                          هذا هو نابليون فليخسأ لويس عوض .. أما الخائن يعقوب فسنفرد له ترجمة خاصة به.

                          * لويس عوض الكاره للإِسلام:
                          لقد أصر القزم لويس عوض على استبعاد الإسلام من الواقع والحياة العملية ولقد دعا في غمرة كفاحه ضد ما يسميه إسلامية مصر أو ما يسمّيه بالرجعية إلى "دين قومي" أو دين مشترك يجمع بين المسلمين واليهود والنصارى له وجه مسيحي يقول:
                          __________
                          (1) "الحملة الفرنسية بين الأسطورة والحقيقة" لليلى عنان (ص 74 - 75) - دار الهلال - 1992.
                          (2) المصدر السابق (ص34).
                          (3) المصدر السابق (ص80 - 81).

                          (1/297)
                          ________________________________________
                          "لي الغفران إن أشهرت إسلامي وتهويدي
                          بلا حب ولا صلب، ولا خمر وتعميد" (1).
                          وحاول قدر طاقته إبعاد الإسلام عن مجال التعليم وشن حملة شعواء على حلمي مراد وزير التعليم حين جعل مادة التربية الدينية مادة رسوب ونجاح ووصف سلوك حلمي مراد بأنه تملّق للسوقية والغوغاء (2)، ويقول عن هذه الحصة: أنها اغتصاب لعقول النشء.
                          - وهو يعارض تطبيق الشريعة الإسلامية ويشيد بالمستنيرين الذي يعارضون تطبيقها (3).
                          - وهذا الكاره الكريه كان له موقف معادِ من الخلافة عامة، ومن الدولة العثمانية خاصة، ويشيد بمعارضة الأحرار الدستوريين للخلافة لأن "موقفهم من الخلافة كان من أمجد المواقف التي عرفها تاريخ مصر الحديث ومن أكثرها استنارة وثقافة وتحديًا للحكم المطلق باسم الدولة الدينية منذ رفاعة الطهطاوي " (4).

                          * لويس عوض ودعوته إِلى الفرعونية:
                          هذا الكريه كان رافضًا للعرب والوحدة العربية والانتماء العربي مستعيضًا عن كل ما يكرهه بفكرة القومية المصرية يقول: "أنا أتكلم عن القومية المصرية بوصفها شيئًا مختلفًا ومستقلاً عن القومية العربية التي لا أفهمها خارج الجزيرة العربية" (5).
                          __________
                          (1) " المكالمات " (الناسوت) (ص 51).
                          (2) "أوراق العمر" (ص 256).
                          (3) المصدر السابق (ص 302).
                          (4) السابق (ص 300 - 301)، وانظر "النظريات السياسية في الإسلام" لمحمد ضياء الدين الريس.
                          (5) مقال "معاتبات قومية" للويس عوض - الأهرام (20/ 4/1978).

                          (1/298)
                          ________________________________________
                          - وهو كاره للبدو والأقوام البدوية هم العرب فيقول: "كنت لا أحب البدو ولا أخالطهم، بل كنت أكنّ احتقارا شديدًا لكل الأقوام البدوية، وأتصورها معادية للحضارة، بنت الزراعة، والصناعة والاستقرار، وكنت أراها عقيمة عقم الصحراء" (1).
                          ويقول: "وكان من محفوظاتي في القرآن أن الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا، وكان كل العرب عندي أعرابًا" (2).
                          - قاتلك الله من قزم مزوِّر أغرق في احتقار العرب حَمَلة الإسلام، وقال: " العروبة العرقية لون من ألوان النازية (3).
                          لقد رفض الوحدة العربية وسوغّ فصل السودان عن مصر.
                          - إن لويس عوض أسير فكرته الحانقة على الانتماء العربي الإسلامي، وأسير تعصبه الطائفي المقيت، وأسير روحه المنتمية إلى العالم الصليبي بكل ما فيه من عنصرية وعدوانية ووحشية واحتقار عظيم للعرب والمسلمين.
                          وجزى الله خيرا كل قلم إسلامي طاهر فضح هذا الكريه - ولعلّ آخر الأقلام المتوضئة ردا على هذا القزم هو قلم الدكتور حلمي القاعود في كتابه عن لويس والذي سمّاه "لويس عوض .. الأسطورة .. والحقيقة" طبع دار الاعتصام.
                          - يقول الأستاذ أنور الجندي: سجلت صفحات الدكتور لويس عوض أحقادًا وسمومًا بالغة الخطر عميقة الأثر:
                          __________
                          (1) "أوراق العمر" (ص 450).
                          (2) السابق (450 - 451).
                          (3) الأهرام 7/ 4/1978.

                          (1/299)
                          ________________________________________
                          أولاً: من أخطرها حملته على اللغة العربية الفصحى ودعاواه الكاذبة في مواجهتها كراهية للإسلام والقرآن، وقد كان من أخطرها كتابه "مدخل إلى فقه اللغة العربية" التي حاول فيه الأدعاء بأن العرب جاءت من القوقاز، وأن اللغة العربية لغة آرية ليس لها أي تميز خاص وقد خاض في شبهات حول الإعجاز القرآني وغيره على نحو مضلل.
                          ثانيًا: موقفه من الشعر العربي وهجومه على الأصالة واحتضانه لشعراء التفعيلة من أمثال: صلاح عبد الصبور وأدونيس والسياب وغيرهم ودعوته إلى تحطيم عمود الشعر وكسر بلاغة اللغة العربية، وهي دعوى قديمة ما زال يرددها ويجددها.
                          ثالثًا: مواقفه المتعددة من التراث الإسلامي والفكر الإسلامي وهي مواقف توحي بالشبهة في سلامة البحث وعلميته، والالتجاء إلى أفكار المستشرقين ومتابعتهم وكراهية أمة العرب والإسلام، والتي تكشف عن أحقاد دفينة.
                          وقد واجهه كثير من المفكرين وكشفوا زيفه، وفي مقدمتهم الأستاذ محمود محمد شاكر في كتابه "أسمار وأباطيل" (1).

                          * قبحك الله من جاهل .. :
                          يا ناطح الجبل العالي لتكلمه ... أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
                          محاولة حقيرة من هذا القزم للتشكيك في القرآن الكريم تحمل في طياتها جهل وتجهيل باللغة العربية وافتراء على التاريخ وتهجم على الفكر الإسلامي وخلط عجيب.
                          __________
                          (1) "جيل العمالقة" (ص 267 - 268).
                          (1/300)
                          ________________________________________
                          انظر إلى كتابه "مقدمة في فقه اللغة" يبلغ عدد صفحاته 600 صفحة.
                          وانظر إلى الكشف العجيب البديع للجاهل لويس حيث يقرر أن العدد (3) في العربية مأخوذ من جذر هندي أوربي وهو في المصرية القديمة من جذر غير هندي، وأن ثلاثة المصرية القديمة هي "خمت" و"خمت المصرية"
                          تساوي " صمد " العربية.
                          ثم يصل إلى القول بأن كلمة (صمد) في العربية وهي من الأسماء الحسنى كلمة محيرة؛ لأنها مادة جامده لم تشتق من فعل ولم يشتق منها فعل وهى غامضة المعنى، نادرة الاستعمال، وأشهر استعمال لها في الصمدية ولهذا ربط المفسرون معناها دائمًا بتوكيد التوحيد وإنكار التثليث في مفهوم الصمدانية.
                          - وهكذا حكم الدكتور على كلمة صمد بأنها تساوي كلمة (خمت) المصرية التي تعني (3) ثم يتساءل كيف يصف القرآن الكريم بها الله سبحانه وتعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ} إذا كيف تكون الكلمة تعني ثلاثة أو ثالوث ويقول الله سبحانه أنها تعني التوحيد المؤكد (1).
                          وخطأ الدكتور بين الربط بين كلمة (خمت) المصرية وكلمة (صمد)
                          حيث لا يوجد بينهما أي تشابه. ولم يقدم دليلاً واحدًا مقنعًا للربط بينهما
                          يقوم على سند صحيح، وإنما هو الهوى. وقوله: بأن الكلمة جامدة يكذبه "لسان العرب" أو أي معجم يصرح بأن (صمده ويصمده صمدًا وصمد إليه كلاهما قصده، وصمد صمدًا لأمر قصد قصده، وصمد رأسه تصميدًا إذا لفّ رأسه بخرقة أو ثوب أو منديل، وأصمد إليه الأمر أسنده، والصمد بالتحريك السيد المطاع الذي لا يُقضى دونه أمر).
                          __________
                          (1) انظر "مقدمة في فقه اللغة" للويس عوض - الهيئة العامة المصرية للكتاب 1980.
                          (1/301)
                          ________________________________________
                          - يقول الدكتور إبراهيم عوضين: "والدكتور تجاهل سياق سورة الإخلاص فلا يعرف أن السياق يؤكد هذا المعنى إذ تقول السورة: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} فوصف الله تعالى بالأحدية يعني أنه غير متجزئ، وليس كما يتوهم، عدم التعدد.
                          أما إذا كان الدكتور يعلم ذلك فإننا نكون في صراحة أمام طعن في القرآن الكريم وأحكامه لأنه والحال هكذا يعني أن الآية الأولى من السورة تناقض الآية الثانية منه بزعمه.
                          * الهجوم على لغة القرآن:
                          في مواجهة اللغة العربية: (لغة القرآن) رأينا الحملات الشرسة توجه دون كلل للنيل من أصالة هذه اللغة وصمودها.
                          وقد اتخذ الهجوم ثلاثة محاور:
                          الأول: قاده سلامة موسى وأمثاله من التغربيين وقد دعوا إلى طرح الحروف العربية جانبًا واتخاذ الحروف اللاتينية بديلاً وروج أصحاب هذا الاتجاه للزعم القائل بأن اللغة العربية جامدة وخمودها سبب من أسباب تخلف العرب ونسوا أن أصحاب الحروف اللاتينية لم تشفع لهم حروفهم اللاتينية يوم أن كانوا متخلفين.
                          الثاني: أما المحور الثاني فقد حمل ألويته بعض تلامذة الغرب الذين رباهم على فكره وسوَّل لهم الباطل فرأوه حسنا، ولهذا فقد شجعوا العامية لغة خطاب ولغة كتابة وساعدهم على ذلك تقدم وسائل الأعلام التي تبنت هذه القضية.
                          الثالث: المحور الثالث الشرس نجده يظهر في حملة التشكيك في أصل
                          (1/302)
                          ________________________________________
                          اللغة العربية وفي القرآن ثم في أصل العرب ذاتهم، وهذا ما نجده في كتاب الدكتور لويس عوض (مقدمة في فقه اللغة العربية).
                          * وأهم أباطيله أثنان:
                          1 - أن العرب بصفة خاصة والساميين بصفة عامة منذ فجر التاريخ كانوا يقطنون مكانا آخر غير الجزيرة العربية، وأن الجزيرة العربية لم تكن مهدهم الأول، بل قدموا لها من مكان آخر. وأنه لا يوجد جنس يُسمى بالساميين إلا في إطار الشجرة العامة الهندية الأوربية.
                          2 - لم يهاجر السكان العرب من داخل شبه الجزيرة بل على العكس كانت الهجرة من خارج الجزيرة إلى داخلها.
                          ويتجاهل الدكتور لويس البراهين التاريخية وما يؤكده التاريخ من أن الهجرات السامية خرجت من الجزيرة العربية لأسباب اقتصادية ومناخية، ودلائل التاريخ كلها تشير إلى أن بابل وآشور وكنعان ومصر والحبشة كانت كلها هدفًا لغارات من أقوام قدموا إليها من الجزيرة العربية ومع هذه الأدلة القاطعة نجد لويس عوض يصر على تجاهل الحقيقة ليجعل من العرب ولغتهم كمًّا مهملاً في عرف التاريخ.
                          كذلك فقد ساق الدكتور عبد الغفار حامد أدلة علمية يثبت بها أن اللغات السامية ذات طريقة خاصة تختلف في جوهرها عن اللغات الهندية الأوربية التي يزعم لويس أن العربية جزءَّاً منها أو نتاج للتعامل بها.
                          - ويكشف دكتور لويس عن حقيقة نواياه فيقول:
                          إن نظرية التعصب للغة العربية يجعلها لا تقبل الألفاظ الدخيلة وهو السبب في دخول العربية في مأزق شطرها إلى لغتين: لغة الكتاب المقدسة ولغة الكلام الدارجة، ولو أننا أخذنا بمبدأ التعريب والامتصاص والتمثيل
                          (1/303)
                          ________________________________________
                          اللغوي السائد في جميع اللغات لتغيرت حال معاجمنا ولجرت قوانين الصيرورة على النحو العربي والصرف العربي بما يقرب اللغة الفصحى من اللغة العامية.
                          نعم هذا ما يريده لويس عوض للعربية لغة القرآن: يريد لها الفناء بالانصهار مع الزمن في غيرها ليصير القرآن أبعد عن التأثير في حياة المؤمن، وهذا شبيه بما عرف من أن اليازجي كان قد شرع في تصحيح لغة الإنجيل مما يشوبها من ركاكة إلا أنهم أشاروا عليه بالكف عن ذلك حتى لا يكون فيه تدعيم للعبارة القرآنية أو لغة القرآن، ويأتي لويس عوض هنا ليهدم العبارة القرآنية بالمكر والدهاء فهو يتمنى أن يرى اللغة العملاقة التي صرعت غيرها صريعة قلمه الواهي ولكن أنَّى له ولأمثاله ذلك.
                          - ثم يقول الأستاذ أنور الجندي:
                          ْإن لويس عوض يرى أن اللغة اللاتينية نوعت إلى لهجات هي الفرنسية والإيطالية والأسبانية والبرتغالية وقد تحولت هذه اللهجات إلى لغات وأن اللغة العربية مثل اللغة اللاتينية، وإن لهجاتها العامية يمكن أن تتحول إلى لغات منفصلة تمامًا عن الأصل. قال لويس عوض بهذا الرأي وما يزال يصر عليه ويعمل له، وقد نادى به في مقدمة ديوانه بلوتولاند سنة 1947 وعاد إلى هذا إلى الرأي عام 1978 في مقال بجريدة الأهرام (11 مايو 1978) حتى يكرر في هذا المقال بكل تحديد ووضوح أن اللهجات العامية تشبه اللهجات اللاتينية التي كانت منتشرة في أوربا قبل خمسمائة سنة، وهو يدعو إلى أن تتحول اللهجات العامية إلى لغات مستعمله، وهو رأي مصر عليه ينادي به في كل مناسبة، وقد عاد إلى هذا الرأي في كتابه "مقدمة في فقه اللغة العربية - الصادر 1980 فالفكرة التي تسري في الكتاب هي فكرة التشابه بين اللاتينية والعربية واستقلال اللهجات العربية الأخرى عن أصلها،
                          (1/304)
                          ________________________________________
                          وفي محاولة واسعة للتشكيك في مكانة اللغة العربية العلمية، وهو يحاول أن يفصل بين اللغة العربية والإسلام وبين اللغة العربية والعروبة وأنه من الممكن أن يكون هناك متعلمون بالعربية لعدة أجيال مثل المصريين ولا يكون لهم شأن بالعرب والإسلام، ويرى لويس عوض أنه كتابته باللغة العربية العلمية هو خيانة لعهده الذي أخذه على نفسه بين أشجار الدردار عند الشلال في كمبردج" (1).
                          - يقول الأستاذ أنور الجندي في "جيل العمالقة" (ص 278 - 279):
                          "ما هو الحجم الحقيقي للدكتور لويس عوض، وهل أصبح حقًّا من الأساتذة الكبار بالرغم من مرور الأعوام الطوال، لا أظن أنه أبدع شيئًا مهمًا أو حصل علمًا نافعًا أو اكتسب خبرة أو صقلته الأيام.
                          وإذا كانت نبرة لويس عوض هادئة باردة فليس لأنه لا ينفعل أو لا يتعصب ولكن لأنه تمرس على القتل العمد فالهدوء ليس اتزانًا وإنما هو احتراف للظلم، وما درج عليه من براعة في صناعة السموم ولم ينس محاوروه أن يسخروا منه في إصدار الأحكام العامة دون معرفة أو علم أو شك أن يسدد إلى قلبه سهمًا نافذًا لولا أنه اكتفى بأن يسكب على وجهه وثيابه زجاجة من الحبر الأسود وقد أقحم نفسه في أشياء كثيرة لا يجيدها:
                          1 - حاول الشعر في مطلع حياته وبشر بموت الشعر العربي وطالب بكسر عمود البلاغة العربية ولم يمت الشعر العربي ولم تتحطم أعمدة البلاغة العربية، ولكن شعر الدكتور لويس عوض هو الذي مات وبادت نظريته في أحياء البلاغة العامية وتهشم عمودها.
                          2 - وحاول أن يكون مؤرخًا مع أنه لم يتخصص في التاريخ ففشل
                          __________
                          (1) "جيل العمالقة" (ص 176).
                          (1/305)
                          ________________________________________
                          فشلاً ذريعًا وكثرت سقطاته وتضاعفت عثراته ويكفي أنه أشاد ببعض الخونة والجواسيس الذين تعاونوا مع الحملة الفرنسية ضد أبناء وطنهم من أمثال المعلم يعقوب ورفعهم إلى مصاف الأبطال.
                          3 - حاول دراسة الأدب العربي فما استقام له منهج وما حقق شيئًا في هذا المجال ودليل فشله تحقق بشكل واضح في دراسته (على هامش الغفران) -الأهرام في الستينات- وقد حركت هذه المقالات قلم الأستاذ محمود محمد شاكر فعلق على الموضوع في مقالات متعددة صارت فيما بعد كتابا في جزئين بعنوان "أباطيل وأسمار" وهو من أهم الكتب التي صدرت في تاريخنا الحديث تحقيقًا وتأصيلاً للمنهج العلمي في الدراسة الأدبية إلى جانب ما فيه من متعة فنية وجمال في العرض ودفاع عن تاريخنا ومقومات حضارتنا وسيظل هذا الكتاب العظيم دليلاً عميقًا على أن الدكتور لويس عوض في حجم البعوضة وأن الهالة التي منحتها له ظروف الحياة في عقد الستينات؛ عقد الهزيمة اللعين، لا تساوي جناح تلك البعوضة بل سيظل هذا الكتاب صحيفة سوابق أدبية للدكتور لويس تحمل بين طياتها سطورًا كثيرة تهدر كل قيمة علمية أو أدبية له ويكفي أن محمود محمد شاكر قد ضبط لويس عوض متلبسًا بعدم معرفة قراءة الشعر العربي.
                          والذي يقرأ كتاب "أباطيل وأسمار" يعرف الدكتور لويس عوض تمامًا ويحدد بدون عناء مكانته العلمية وقيمته الأدبية.
                          - ونختم هذه الترجمة العفنة بكلام للأستاذ عبد العزيز الدسوقي والأستاذ شاكر مصطفى.
                          - يقول الأستاذ عبد العزيز الدسوقي:
                          "إن أي كلام يكتبه الدكتور عوض لا تأثير له وليست له أية قيمة وأنه قد سقط من غرابيل المعري منذ ارتكب تأليف كتابه "على هامش الغفران".
                          (1/306)
                          ________________________________________
                          - ويقول الأستاذ شاكر مصطفى:
                          "ترى ما الرأي لو جاء باحث بعد قرن من الزمان فنظر في التقارير الأمنية عن الدكتور لويس عوض فوجد أنها خليط شيوعي أمريكي فاتهمه بالذبذبة، والتلون، ونظر في تراثه الفكري فوجد فيه ريح الطائفية فرماه بالباطنية والنفاق وفي تراثه السياسي فوجده متصلاً بأمريكا وإنجلترا فدمغه بالعمالة وكتب عنه فتحدث عن أسطورة لويس عوض وأن له دورا كان يؤديه لحساب مجهول، وإن له ماضيًا مريبًا وتعاونًا كاملاً مع جهة ما وأنه مزدوج الشخصية أو مثلثها أو مربعها حسب الظروف وأن مواقفه وتحركاته جملة من المتناقضات كل ذلك بوثائق أمريكية وإنجليزية وفرنسية" (1).

                          * اليساري محمد مندور رئيس تحرير مجلة " الشرق " الشيوعية ودعوته إِلى فصل الدين عن الدولة في مقاله "الدين والتشريع" وصداقته الحميمة للويس عوض:
                          كتب محمد مندور اليساري مقالاً بعنوان "الدين والتشريع" عام 1944 في جريدة "المصري" التي كان يعمل بها، دعا فيه صراحة إلى فصل الدين عن الدولة، وضرورة سن القوانين الوضعية التي لا ترتبط بالشريعة الإسلامية، ولكن الجريدة رفضت نشره ويعلق لويس عوض على دعوة مندور قائلاً: "وواضح أن هذا الكلام الذي نشره مندور في 1944 مؤسس على ذلك الركن الركين في الفلسفة الديمقراطية الليبرالية وهو فصل الدين عن الدولة، وإقامة فقه دستوري وفقه تشريعي على أساس وضعي بدلاً من الأساس الثيوقراطي الذي كانت تقوم عليه المجتمعات الإقطاعية في العصور
                          __________
                          (1) "جيل العمالقة" (ص 280).
                          (1/307)
                          ________________________________________
                          الوسطى" (1).
                          لقد كان مندور صريحًا في تطلعاته وتصوراته فهو رجل يساري لم ينكر ذلك، وانتهى به المطاف إلى أن يكون رئيسًا لتحرير مجلة "الشرق" التي تصدرها سفارة موسكو في القاهرة، وتعبّر عن الفكر الشيوعي الذي يرّوج له الاتحاد السوفيتي (قبل سقوطه مؤخرًا) .. ولذا فعندما أعلن مندور رفضه للشريعة أو الإسلام فهو متسق مع نفسه .. ونحن نرفضه ونرفض فكره جميعًا.
                          لقد كان مندور صديقًا حميمًا للويس عوض شاركه فكره وتصوراته وزامله فترة طويلة من العمر في داخل البلاد وخارجها. وكان لويس عوض يشبهه بآخيل في مملكة الربة أثينا، بينما يشبه نفسه بأجاكس، وقد ذهبا معًا إلى أثينا لتصنع لهما دروعًا كي يحاصر طروادة مدينة الموت ذات الأبراج السوداء والأسوار العالية (2).
                          والرمز في هذه المرثية لا يخفى على من يتابع كتابات لويس، وغاياته الفكرية والأدبية، وقد كشف عنها على مدى المرثية حينما تحدث عن الرجعية وأعداء الموت وأنصار الحياة.
                          لقد اتخذ لويس عوض من موت محمد مندور الشيوعي فرصة للهجوم وهجاء الإسلام والمسلمين الرجعيين حيث شبه مصر المسلمة بطروادة مدينة الموت ذات الأبراج السوداء والأسوار العالية .. ويقول كلامًا عن محمد مندور يبين خطر محمد مندور وعمله المستمر ضد الإسلام .. يقول لويس عوض في رثاء مندور:
                          "هي الرجعية يا صاحبي، وهذه الرجعية هي التي قضى محمد مندور
                          __________
                          (1) "الثورة والأدب" للويس عوض (ص23) - دار الكاتب العربي للطباعة والنشر 1967.
                          (2) "الثورة والأدب" (ص 6 - 7).

                          (1/308)
                          ________________________________________
                          شبابه ورجولته في حصارها، فمذ أن عرفته في باريس في الحادي والعشرين من أكتوبر 1937 حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في 19 مايو 1965 لم يكن لمحمد مندور من همّ في الحياة غير محاربة الرجعية في كل صورة من صورها: رجعية الفكر، ورجعية السياسة، ورجعية المال، ورجعية النظم الاجتماعية، فتاريخ محمد مندور إذن ليس إلا فصلاً كبيرًا في كتاب الحرية العظيم في بلادنا، كتاب الحياة الجديدة الذي وضع فاتحته رفاعة الطهطاوي، وسطر أبوابه محمد عبده (!!! ) وقاسم أمين ولطفي السيد وطه حسين وسلامة موسى وعلي عبد الرازق، ومن حولهم كوكبة عظيمة من أعداء الموت وأنصار الحياة" (1).
                          والدكتور مندور تلميذ مخلص لليونان وعاشق لفنهم، وعارف بحضارتهم ومتحدث في صفحات كبار عن الالياذة والأوديسا ووثنيات اليونان وآلهتهم الزور.
                          "وقد حاول لويس عوض أن يرسم صورة مضللة لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية فأعطى قيادتها الأدبية لثلاثة "محمد مندور ونجيب محفوظ ولويس عوض" مدعيًا أن هؤلاء الثلاثة هم الذين وضعوا بذور النهضة والتقدم خلفًا للمدرسة التي خرجت طه حسين وسلامة موسى ومحمود عزمي وأنهم كانوا النور المضيء في ظلمات هذه المرحلة.
                          - وقد ردت الدكتورة بنت الشاطئ على لويس عوض فقالت:
                          إن أحدًا لم يدر شيئًا عن البذور الخفية التي قال: إنه ألقاها هو ومحمد مندور ونجيب محفوظ في أحشاء التربة المعتمة والأرض الخراب؛ لأن هذه البذور بصريح اعترافه لم تكن لترى النور قط. إذن فمن أين استمد الشعب
                          __________
                          (1) المرجع السابق (ص 7).
                          (1/309)
                          ________________________________________
                          زاد وعيه ونور بصيرته وري وجدانه. والذي يسجله الواقع التاريخي أنه كان هناك دائمًا نبع سخي لم يغض أبدًا، يمد جماهير الشعب الأمي بالري المستديم ويفيض عليها من منهله الصافي ما يرهف وجدانها وينير بصيرتها ويشحذ إرادتها للنضال من أجل الوجود الحر الكريم. كان هناك (القرآن) يتلى في البيوت والأكواخ والمساجد والزوايا وينفذ إلى أعماق القرى ونائي النجوع منفردًا بالسيطرة الكاملة على الوجدان الشعبي، الذي لم ينفذ إليه قط من أي سبيل دعوات التقدميين ومقالات التطوريين، وإذا كانت الأمية قد فرضت على عامة الشعب وحيل بينهم وبين قراءة أي كتاب أو مجلة فقد بقي لهم كتابهم الخالد ينسخ أميتهم بمدد سخي من الوعي ويمزق عن بصيرتهم حجب الجهل وغشاوة العمى وغطاء الغفلة ويلح على عقولهم ونفوسهم بكلمات الله في حقوق الإنسان وكرامة البشر، من هذا النوع السخي وجدت الأرض الطيبة من الري المستديم ما يحميها من العقم والجدب، من هذه المدرسة تلقى الشعب الأمي الشحنة للاقتحام العنيد لكل العوائق والمواقع التي تعترض حياته عصيًا على كل المحاولات التي تغير نصًا لكلمات الله التي يتلوها الأميون مصبحين وممسين دينا وعقيدة لن يرفضوا الإقرار بالعبودية إلا لله وحده وأن يقاوموا البغي والظلم والباطل ويسحقوا جبروت الطغاة".
                          - وتقول الدكتورة بنت الشاطئ في دحض هذه الدعوات المسمومة التي حمل لواءها لويس عوض في الدعاية لطائفة المضللين من التقدميين والعلمانيين ودعاة المادية والماركسية في صدر جريدة الأهرام: يجهل تاريخنا من يظن أن هذا الشعب في جمهرته العامة بقي جامد الضمير مخدر الحواس بصليل الأغلال حتى جاء دعاة التطور وأنصار التقدم فعلموه، ويجهل شخصية هذه الأمة من يتصور أنها اطمأنت إلى شيء من البضاعة الفكرية والثقافة المجلوبة أو انفعلت بها وهي تتأهب للاقتحام العنيد لكل العوائق
                          (1/310)
                          ________________________________________
                          والموانع التي تحول دون وجودها الحر، فقبل أن تسمع الدنيا بالمذاهب الحديثة والحركات المعاصرة كان هذا الشعب الأمي يفرض وجوده على الغزاة والطغاة من كل جنس وملة فيحسبون له ألف حساب، فلم يدعهم يهدءون لحظة من ليل أو نهار وقد أعيتهم منه شتى الحيل فما أجدت عليه يد حديدية ولا لهفة معاهدة ولا انطلت عليه حيلة المفاوضات، وفرض وجوده على القصر والأحزاب، لم يستورد الشعب زاد وعيه من الخارج وإنما هو سره الخالد تلقاه جيل عن جيل أمانة صعبة وميراثًا محتومًا، فالشعب الذي قهر الصليبيين وهزم التتار ودوخ الجبابرة ولفظ الغزاة على مسار الزمن لم يكن بحاجة إلى من ينقل إليه مقالاً في التطور يستثير به نخوته أو يستورد له شعلة من وراء السور الحديدي تشحذ إرادته، ولديه النبع الصافي يعصمه من الغفلة والضلال وفيه ميراثه العريق يزوده بطاقة متجددة على تحدي البغي والشر .. ولا يقل قائل إن دعاة التقدم هزّوا الأمة ضميرًا جامدًا وحواس معطلة ووجدانًا أصم، فلقد قامت بينهم وبين الوجدان الشعبي سدود وأبواب" وهكذا نرى كيف قادت الصحافة عن طريق الأدب معركة التجهيل والهزيمة ومحاربة التراث الأصيل" (1).

                          (1) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 148 - 149).

                          ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                          تعليق


                          • #28
                            * نجيب محفوظ تلميذ سلامة موسى .. الشاك في كل قيمه. المتذبذب في كل فكره، الضائع في كل واد، المتحدي لعقيدة الأمة، صاحب جائزة نوبل!! عن قصته "أولاد حارتنا" أو موت الإِله:
                            نجيب محفوظ هو تلميذ سلامة موسى.
                            لقد سُئِل نجيب محفوظ: "هل كان لسلامة موسى أثر قوي في تكوينك الفكري كما يذهب بعض الباحثين؟ ".
                            __________
                            (1/311)
                            ___________
                            فقال: "نعم كان لسلامة موسى أثر قوي في تفكيري فقد وجهني إلى شيئين مهمين هما العلم والاشتراكية، ومنذ دخلا مخي لم يخرجا منه إلى الآن، وكان الأديب الوحيد الذي قبل أن يقرأ رواياتي الأولى، وهي مخطوطة، قرأ ثلاث روايات، وقال لي: إن عندي استعدادًا ولكن الروايات غير صالحة للنشر، ثم قرأ الرواية الرابعة، وكانت "عبث الأقدار" وأعجبته ونشرها كاملة في "المجلة الجديدة" كما قرأ أول أقاصيص كتبتها ونشر بعضها في "الرواية" ومجلتي" اهـ.
                            إذن فقد تأثر نجيب منذ بدايته الأولى كأديب بسلامة موسى المفكر ومنذ دخل عقله (الاشتراكية والعلمية) أو بعبارة أخرى (الاشتراكية العلمية) أو (الماركسية العلمانية) لم يخرجا منه حتى الآن.
                            إذا تقرر هذا فاعلم أن النهاية معروفة من مطلع البداية فالاشتراكية العلمية أو الماركسية المادية التي عششت في مخ الكاتب وباضت وأفرخت وصادفت عنده مكانًا خاليًا فتمكنت .. هذه الأشتراكية العلمية تناقض الإسلام كل التناقض ولا تلتقي به في أي موضع من المواقع.
                            إِياك تجني سكرًا من حنظل ... فالشيء يرجع في المذاق لأهله" (1)
                            - وكذلك نجد (نجيب محفوظ) يسقط في حلقة الاحتواء التغريبي وتخدم قصصه نفس الأهداف، بل نجد الماركسيين يولونه اهتمامًا كبيرًا ويرون في كتاباته خدمة لغاياتهم وفكرهم وتفسيرهم المادي للتاريخ، وقد استخدموه في دعوتهم إلى الإباحية وإلى المفاهيم الهدامة في الأسرة والفتاة. وعمل المرأة وعلاقتها بالرجل، وقد كان نجيب محفوظ مهيأ لذلك كله؛ لأنه من خريجي قسم الفلسفة - ثم كان اتصاله بسلامه موسى عاملاً هامًا من عوامل
                            __________
                            (1) كلمتنا في الرد على "أولاد حارتنا" للشيخ عبد الحميد كشك -رحمه الله- (ص 34 - 35) المختار الإسلامي.
                            (1/312)
                            ________________________________________
                            تكونيه وقد كانت فكرته عن الألوهية فاسدة وقائمة على مفاهيم الماديين.
                            - ونجيب محفوظ هو الذي "أبرز في رواياته صورة الرجل الشاك في كل قيمه المذبذب في كل فكره الضائع في كل واد المتحدي لعقيدة الأمة والمتجه ناحية المشارب الأخرى يعب منها، وقد كانت اتجاهاته الثلاثة واضحة في تطوره القصصي على التوالي: اتجاهه الإلحادي واتجاهه المادي واتجاهه الماركسي الأخير. وهو الذي تقلب في التبعية للمذاهب الوافدة الغربية والشرقية على السواء في الرومانسية والواقعية والرمزية المغرقة، حتى في اتهامه للأزهر بأنه لا يقرأ؛ لأن الأزهر وقف ضد فساده وهو يصور أنبياء الله تلك الصورة السفيهة، وقد توالت كتاباته واستمرت ووجدت من يدفعها إلى الأمام ويشجعها"، وتسارع هيئات السينما لنقلها إلى الناس على أبشع ما يجد الذوق وأردأ ما يكون التقديم وأسوأ ما يجترأ على الأخلاق والفضائل، بل إن هناك من حاول أن يكتب عن قصص نجيب محفوظ وكأنه من دعاة الإسلام وهو القائل:
                            "الحق أنني معجب بالماركسية بما تحققه من عدالة اجتماعية ورؤية إنسانية سامية واعتمادها على العلم، ولكني أرفض دكتاتوريتها وفلسفتها المادية".
                            وهكذا سار نجيب محفوظ في طريق اليسار وعاش مع هذا التيار الذي ظن أنه يرفع من أسهمه وشهرته، وقد حاول بعد أن سقطت هيبة الشيوعيين في مجال الإعلام والصحافة والسينما أن يتراجع ويتراجع، ولكن بعد أن وصمته هذه الأفكار وقضت على كل محاولة لاستنقاذه. وقد وصفه بعض النقاد بأنه عاش مع صناع الأفكار وابتعاد الروح عن موارد الحق والخير، وأن المطالع لرواياته يزداد اقتناعًا بأن الرجل لا شيء، إذ أنه يمثل الضياع العقائدي كما يمثل الضياع الفكري أو التبعية للاستعمار الثقافي في بلادنا.
                            وقد تابع نجيب محفوظ دكتاتورية الناصرية، وكان من المؤيدين لها فلما
                            (1/313)
                            ________________________________________
                            سقطت هاجمها بعنف وحاول تقليد توفيق الحكيم في نقد الماضي الذي كان مشتركًا فيه مستغلاً لخدمته، وأن الباحث في آثار نجيب محفوظ يجد ظاهرتين خطيرتين: الأولى: الجنس، والثانية: الإلحاد.
                            أولاً: طابع الجنس واضح في معظم روايات نجيب محفوظ، شأنه في ذلك شأن إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي، ولكنه عند محفوظ أشد خطورة فهو يجعله نتيجة للفقر، ولا يرى للمرأة إذا جاعت إلا طريقًا واحدًا وهو أن تبيع عرضها، ولا ريب أن هذا الفهم خاطئ من ناحية، ولا يمكن تعميمه على كل الناس، فإن كثيرًا من الناس لا يبيعون أعراضهم ولو ماتوا من الجوع، وهو في هذا الفهم يرسم صورة مادية فردية لا يعرفها المجتمع الإسلامي الكريم القائم على الإيمان بالله، وإنما هي منقولة ومقتبسة ومسروقة من قصص الغرب حيث لا يقيم الناس أي اعتبار للعرض والشرف والكرامة.
                            ولقد جرى نجيب محفوظ انطلاقًا من مفاهيم المادية والوثنية والإباحية إلى أن يجعل أغلب بطلات قصصه ممن يضغط عليهن الفقر فيلجأن إلى الجنس أي الدعارة المقنعة ونجيب محفوظ في هذا الاتجاه يجري مجرى المتطلعين إلى أن تكون القصة مصدرًا للكسب المادي سواء أكانت قصة مقروءة أم مسرحية أم فيلمًا سينمائيًا فيقول: إن الجنس ظاهرة من ظواهر الحياة مثل الحب والزواج والجريمة والعقيدة. وهي عنده ظاهرة تصلح موضوعًا للعمل الفني وكل ظاهرة عرضة للاستغلال التجاري.
                            ويدافع نجيب محفوظ عن الجنس في أدب إحسان عبد القدوس ويراه مرتبطًا بمناقشة التقاليد الجامدة وحرية المرأة وانحلال بعض الطبقات.
                            ولا ريب أن نجيب محفوظ لم يعرف حقيقة المجتمع الإسلامي وأغواره، وأن ما يعرفه عنه إنما يتمثل في بعض النماذج الفاسدة التي اتصل بها، أما جوهره الحقيقي فهو ليس معروفًا له، وشأنه في هذا شأن إحسان
                            (1/314)
                            ________________________________________
                            عبدالقدوس وكلاهما متأثر بالوسط الضيق الذي عاش فيه، فليس كما يقول
                            أن المنحرفة يرجع انحرافها إلى أسباب اجتماعية، أو أن المجتمع هو الذي
                            يؤدي إلى انحرافها.
                            وليس من شك أن المرأة التي تتخذ من البغاء والدعارة المقنعة وسيلة إلى
                            الحياة الطيبة هم قلة قليلة، وليس أغلب المنحرفات كان الفقر مصدر انحرافهن
                            أو سقوط المرأة بسبب الفقر، أو أن سبب الانحراف هو سبب اجتماعي هذا
                            كله مفهوم ماركسي ومادي، وليس صحيحًا على إطلاقه، وليس صحيحا
                            بالأولى في المجتمع الإسلامي، ويخطئ نجيب محفوظ حين يقول: أن أوربا
                            استطاعت حل المشكلة الجنسية بطريقتها الخاصة وهذه الطريقة أن البنت التي
                            عمرها 16 سنة تلتقي في حرية تامة مع أي شاب حيث لا مشكلة جنسية ولا
                            مشكلة عفاف ولا بكارة.
                            وليس هذا الذي يقوله نجيب محفوظ مما يصلح لتطبيقه على مجتمعنا أو
                            أنه حل حق حقيقي لهذه المشكلة.
                            والواقع أن كتاب القصة (نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، ويوسف
                            السباعي ويوسف إدريس وغيرهم) هم أقل الكتاب المعاصرين تجربة في مجال
                            الدراسات الاجتماعية بل إن آراءهم في هذا المجال تدل على سذاجة شديد
                            وعلى فقر كبير، فهم مع الأسف لم يقرأوا إلا مجموعة من القصص الغربية
                            ثم نقلوها- بعد أن انقضى عهد الترجمة- إلى تآليف عربية حيث أبقوا على
                            القيم والمفاهيم والتقاليد الغربية في كثير من القضايا التي يختلف حلها في
                            إطار المجتمع الإسلامي وفي ضوء قيمه ومفاهيمه، وهذه المفاهيم التي يقدمها
                            نجيب محفوظ في قصصه المختلفة، لا تمثل حقيقة هذا المجتمع ولا مشاكله
                            ولا يقدم حلولآ حقيقية له، ولذلك فإن هؤلاء الكتاب عندما يخرجون من
                            دائرة القصة إلى دائرة الكتابة الاجتماعية على النحو الذي عرفناه في كتاباتهم
                            (1/315)
                            ________________________________________
                            " من مفكرة الأهرام " يتكشف قصورهم وعجزهم.
                            وتمثل كتابات نجيب محفوظ في عبارة جامعة "الضياع" ففي رواياته الشحاذ وثرثرة فوق النيل وميرامار والمرايا يبدو المثقفون وكأنهم كائنات ضائعة هاربة من الواقع في الحشيش أو الجنس، وتبدو كذلك شخصيات أنانية إلى حد المرض، وقد قال: "رواياتي تنبع من ماء الهزيمة الآسن"، وبطولاته أحد اثنين: أناس لا يعيشون وأناس يحيون بفضل الانحراف والجريمة.
                            وقد اتهمه لويس عوض في محاضرة بإحدى الجامعات الأمريكية أنه باع نفسه للناصريين فكرمه النظام الناصري، وكان الثمن هو تشويه ثورة 1919 وزعيمها سعد زغلول حتى لا تبقى على سطح التاريخ السياسي لمصر في القرن العشرين سوى 23 يوليو. وقال نجيب محفوظ: أنا لم أبع نفسي لأحد ولم يطالبني أحد ذلك.
                            - سأله أحدهم: أثار الناصريون في الفترة الأخيرة أنك انضممت إلى توفيق الحكيم واليمين في مهاجمة جمال عبد الناصر وعصره ومنجزاته في رواية الكرنك مع أنك نلت في عصر عبد الناصر أعلى جوائز الدولة وأعلى المناصب الرسمية (درجة نائب وزير) وعشت في عصر عبد الناصر دون أن يوجه إليك نقد، فما سر حملتك في روايتك الكرنك؟ قال: الكرنك تدين الإرهاب لا المنجزات، وقد كانت رواياتي كلها نقدًا للعصر، لقد تبين لي أن العهد يبني بيد ويهدم بالأخرى وأنه سلم مؤسساته إلى أناس بلا كفاءة ولا خلق ينغمس قادتها في الترف والثراء، تنكل باهل الرأي من مخالفيها تنكيلاً وحشيًا وتشهر سيف الرعب والإرهاب، تزج بنفسها في مغامرات دون اعتبار لقوتها الحقيقية، وتأتي النتيجة رهيبة فقد هزمنا شر هزيمة في تاريخنا كله وتتركنا بلا آمال ولا كرامة، وهكذا برز نجيب محفوظ تحوله من تأييد عصر كان فيه من أبرز دعاته.
                            (1/316)
                            ________________________________________
                            ثانيًا: طابع الإلحاد، وهذا الطابع واضح في مختلف كتابات نجيب محفوظ ويرجع إلى إيمانه بالفلسفات المادية وإعجابه بالماركسية واتصاله بسلامة موسى وقصوره وعجزه عن مطالعة الفكر الإسلامي أو الاتصال به، ولقد كان من أسوأ بادرات نجيب محفوظ (التهكم) على الله تبارك وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا حيث يقول:
                            "فقد أعطانا الله سبحانه أرضًا كثيرة ولكنها فقيرة في غالبها، ثم أين مساحة الأرض التي قسمها الله للعرب من مساحة الأرض التي تملكها روسيا"، وهذا الكلام يدل على قصور نجيب محفوظ حتى في معرفة أبعاد وأعماق المنطقة العربية الزاخرة بالثروات والخيرات والواقعة بين القارات الثلاث والتي تمر منها جميع المواصلات الجوية والبرية والبحرية فضلاً عن مكانتها الجغرافية الضخمة، وحيث هي "الأمة الوسط" التي قامت على كلمة الله الحق والتي كان جندها وسيظل خير أجناد الله، وإليها حماية الدعوة والأرض والعقيدة".
                            ْ- وأين من موقع الأمة الإسلامية موقع روسيا أو غير روسيا، أليس هذا هو الجهل المركب من المغرورين الذين يتصدرون للزعامات الأدبية.
                            ويبدو فساد عقيدة نجيب محفوظ ومفاهيمه في الألوهية في قصة "أولاد حارتنا" التي تقوم على السخرية بالأنبياء والرسل ودعوة الله الحق والتي استقبلها المستشرقون ودعاة التغريب بالتقدير والإعجاب وكتبوا عنها البحوث الضافية ورفعوا صاحبها إلى أعلى ذرا العبقرية.
                            وقد حاول نجيب محفوظ في هذه القصة أن يقول بالرمز كل ما عجز عن قوله صراحة عن مفهوم مادي زائف وعقيدة مضطربة، ونحن لا نستغرب هذا الفهم من نجيب محفوظ الذي هو في الأساس من تلاميذ سلامة موسى الذي دربه على الفكر المادي وأعده ليكون واحدًا من هذه المدرسة التغريبية
                            (1/317)
                            ________________________________________
                            وغرس فيه مفهوم احتقار الأديان والقيم والاندفاع نحو الفرعونية، ثم الماركسية ثم نحو معارضة كل القيم الأساسية لهذه الأمة في عشرات المواضع من كتاباته وقصصه وفي استعلاء طابع الجنس على رواياته واستهانته بكل القيم والمقدسات وقد احتفلت (أهرام هيكل) برواية أولاد حارتنا وظنوا أنها يمكن أن تمر على الناس بسهولة، فلما اكتشف الناس رموزها وعرفوا أنها تهدف إلى الانتقاص من ذات الله تبارك وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا علت صيحاتهم فأوقفت الرواية، ومنع نشرها ونشرت في بيروت وصفق لها سهيل إدريس ناشرها واحتفل بدراسات عنها، ثم تبين من بعد فساد طريقها وهدفها وأنها حملت حملة شعواء على رسل الله وأنبيائه، وأنها أعلت شأن الفكر المادي على الأديان.
                            وليست شخصيات القصة رموزًا بل هي تحوير لغوي لا غير لأسماء الأنبياء موسى وعيسى ومحمد، ويقال: أن القصة مشاركة من نجيب محفوظ في ذلك الحوار الواسع الذي جرى على المنابر المصرية بتوجيه من جهات مسئولة لتحديد اختبارات فكرية واضحة، ولعل ذلك في الوقت الذي كانت تجري المحاولة فيه بواسطة مراكز القوى على إقناع منظمات الشباب بقبول العقيدة المادية وإنكار وجود الله واحتقار الأديان فكان نجيب محفوظ أداة طيعة في هذا الاتجاه.
                            - ويرى الكثيرون أن نجيب محفوظ في قصة "أولاد حارتنا" يفسر التاريخ تفسيرًا يتفق مع مفهوم المادية التاريخية، وأنه يتجاوز الماركسية، ويقول المستشرق فرنيس شيتات: إنه من العسير على الكثيرين أن يفصحوا عن المقصود بالجبلاوي وأنهم حين يتحاشون الخوض في هذه المسألة وجدناهم يتحدثون عن المطلق أو عن الإله.
                            - ويرى المستشرقون أن جاك جويد هو أول من نبه الغرب إلى "أهمية
                            (1/318)
                            ________________________________________
                            هذه الرواية عندما قدمها في محاضرة له في أمستدردام، وتبين أن كثيرين من
                            المستشرقين أولوها اهتمامهم (ساسون سوفيج، وفايكونيس). وتساءل
                            أحدهم. هل ينكر نجيب محفوظ وجود الله في قوله: أن الميتافيزيقيا تتراجع
                            أمام الضرورات الأرضية، ويرى الآخرون أن هذا هو أهم مراحل التطور
                            العلماني في الكتابات العربية الموالية للتغريب وأن هذه القصة مساهمة طيبة
                            في هذا المجال.
                            " وقد وُوجه نجيب محفوظ بنقد صريح من الباحثين في مجال القصة
                            والأدب العربي المعاصر فيقول أحمد محمد عبد الله: إن نجيب محفوظ روائي
                            مشهور حاز مرتبة فى هذه الناحية، نقل للناس كثيرًا من الخرافات والأكاذيب
                            وقليلاً من الصدق والوضوح، حتى الوضوح لا تتضح فيه الرؤية تمامًا فعليها
                            من الغشاوة ما عليها، وقد بحثت عن خيال للفضيلة فيما يسطر فوجدت أن
                            الحقيقة ترفس رفسًا وأن الفضيلة ما وجدت إلا لينال منها أو يسخر بها،
                            وعرفت أن الهالة التي تُبنى حول هؤلاء إنما هي من قبيل البروز للكاتب
                            والمكتوب معه، إن نجيب محفوظ يمثل جزءا من قتامة التفكير في عالمنا العربي
                            والإسلامي فما كان ينتظر منه وهو الذي نال شهرة واسعة أن يكون قائد
                            الميدان نحو الانحدار، وما عهدنا رجلاً حمل المشعل وسار به إلا وتقاذفه
                            السفهاء من كل جانب ليطفئوا مشعله فلربما سقط وحمل المشعل آخرون
                            والمسيرة باقية، وأما الذي يرفع صوت الشيطان وصورته فنجد سياجًا من
                            الفوضى والبربرية تحيط به تملأ الدنيا صراخا وتصفيقًا وتصفيرًا.
                            وقد برز نجيب محفوظ في رواياته بصورة الرجل الشاك في كل قيمه،
                            المتذبذب في كل فكره، الضائع في كل واد، المتحدي لعقيدة الأمة، والمتجه
                            ناحية المشارب الأخرى يعب منها حتى يطفح فيفيض ما عليه على غيره
                            وينتكس بعد ذلك إلى غيره " (1).
                            __________
                            (1) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 189 - 196).

                            ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                            تعليق


                            • #29
                              (1/319)
                              ________________________________________
                              * قصة "أولاد حارتنا" أو موت الإله:

                              هذه القصة قد بدأ نشرها مسلسلة في الأهرام سنة 1959 م. وقد ثارت ثورة الأزهر، وبين وجه الافتراء فيها على الإسلام وأبدى الرأي في ذلك صريحًا واضحًا فما كان من رئيس تحرير الأهرام وقتئذ محمد حسنين هيكل إلا أن انبرى لثورة علماء الأزهر على هذا الكتاب وأبدى احتجاجه الشديد اللهجة على رد العلماء، وشجّع الأستاذ نجيب محفوظ على مواصلة نشر القصة، ولم يعبأ بما أبداه علماء الأزهر من غضبة لله تعالى ودفاع عن شرع رسوله الكريم، فاستمر نشر هذه القصة في تلك الظروف القاتمة السواد.
                              ولم تظهر هذه القصة في كتاب مكتمل في مصر ولكنها صدرت في بيروت عن دار الآداب سنة 1967.
                              ومما هو معلوم الثبوت أن هذه القصة تُرجمت إلى الإنجليزية وصدرت سنة 1981 عن دار هاينمان وقال المترجم (فيليب استيوارت) في مقدمته وكذلك الناشر على الغلاف أنها أكمل طبعة لهذه الرواية.
                              - ولا ينسين أحد أن هذه القصة بالذات كانت على رأس الحيثيات التي منحت كاتبها هذه الجائزة (جائزة نوبل)؛ وذلك لأنهم اعتبروها قصة غير عادية وقد صرّحوا بذلك كما جاء في الخطاب الذي ألقاه سكرتير لجنة الجائزة في حفل التسليم باستوكهولم والذي أشار في هذا الخطاب وهو يمدح المؤلف ويطريه مشيرًا إلى ما تضمّنته القصة من (موت الإله) (1).
                              - وجاء في نص حيثيات منح جائزة نوبل لنجيب محفوظ أنه تأثر بالمفكرين الغربيين مثل ماركس وفرويد وداروين (2).
                              __________
                              (1) "كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا" (ص 9 - 10).
                              (2) المصدر السابق (ص 36 - 37).

                              (1/320)
                              ___________________________
                              - إن عملين من أعمال نجيب محفوظ كانا مستند اللجنة نوبل عند اختيارها للأديب عند منحه جائزتها عن عام 1988 وهما "أولاد حارتنا" (1) و"ثرثرة فوق النيل" مع الإشارة إلى الثلاثيات.
                              - يقول الأستاذ مصطفى عدنان في جريدة النور الصادرة بتاريخ 20 ربيع آخر 1409 هـ (30 نوفمبر 1988): "نحن نؤكد للأستاذ الكبير!! نحبيب محفوظ بعد فحص النص الذي أمامنا لأولاد حارتنا أنه حين كتبه كان يكتبه خدمة للشيوعية، كيف؟
                              فلقد انتصر للشيوعي الملحد (الذي قتل الله) ولنرجع للحلقة المنشورة في الأهرام يوم 25/ 12/1959 وهي الحلقة الخاتمة للرواية ويتضح منها جليًا الهدف من الرواية وينكشف بلا أية أردية حيث يقول الأستاذ نحبيب محفوظ:
                              "هذا الشيوعي الملحد الذي قتل الله هو المصلح الأخير للبشرية وهو الأمل الذي سيقود العالم إلى يوم الخلاص".
                              فعلى طول 96 حلقة و14 فصلاً، انتهى الأستاذ نجيب إلى أن الوصايا العشر (التي أنزلها الله على موسى عليه السلام)، والكلمات التي جاء بها موسى (التوراة) وعيسى (الإنجيل) ومحمد (القرآن) عليهم أفضل الصلاة والسلام أجمعين هي بنص كلماته "أحلامًا ضائعة قد تصلح ألحانًا للرباب لا للمعاملة في هذه الحياة" الفصل 14" (2).

                              * جاءت لنظرته المعارف حُوَّلا:
                              لقد كان سلامة موسى ملحدًا وعلمانيًا لا تلين له قناة، وكان من أوائل
                              __________
                              (1) انظر "الطريق إلى نوبل" للدكتور محمد يحيى - معتز شكري، انظر إلى (ص 18)، "موت الإله".
                              (2) "كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا" (ص 343).

                              (1/321)
                              ________________________________________
                              ما نشوه كتاب بعنوان "نشوء فكرة الله" سنة 1912، وليس إذن من قبيل المصادفة أن يكون من بين أوائل ما كتب التلميذ النجيب المخلص لفكر سلامة موسى والمتأثر به بحث من عدة مقالات عن فكرة (الله) وتطورها. {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} " (1).

                              * فك الرموز:
                              التعريف بـ "أولاد حارتنا" يبدأ بفك الرموز المستعملة فيها، ثم التنظير بين معانيها الرمزية، والمعاني المقابلة لها في الخارج في مادة الموضوع الذي أدار عليه المؤلف الحديث من طرف خفي، ثم الكشف عن مواضع "الفر" أو "الإحجام" بعد "الكرد" أو "الإقدام" الذي أشرنا إليه من قبل.

                              * أنواع الرموز:
                              الرموز التي وظَّفها الكاتب الكبير الأستاذ "محفوظ" ليست نوعًا واحدًا بل جاءت -كما تبين لنا بعد النظر الطويل- على ثلاثة أقسام:
                              الأول: رموز "أشخاص" أو "شخوص" (2)، مثل أدهم وعرفة.
                              الثاني: رموز أماكن، مثل "صخرة هند" و"الخلاء".
                              الثالث: رموز معان، مثل "الوقف"، و"السحر".
                              - وهذه الرموز على اختلاف أنواعها قسمان:
                              - رموز شفيفة يمكن فهم معناها بيسر وسهولة.
                              - رموز كثيفة لا يُفْهم المراد بها إلا بعد فكر طويل، وتأمل عميق.
                              وبفضل الله وتوفيقه استطعنا فك رموز الرواية بقسميها:
                              __________
                              (1) المصدر السابق (ص 35 - 36).
                              (2) "الأشخاص ما كان لهم وجود في الواقع"، والشخوص ما ليس لها وجود إلا في الخيال.

                              (1/322)
                              ________________________________________
                              الشفيف والكثيف. والموضوع الذي تحكيه والأهداف المرادة منها، مهما توارت وأُحيطت بهالة من الغموض المتعمد، والتمويه المريب".
                              - ورموز الرواية على درجتين:
                              الأولى: رموز أصول أو أقطاب يدور عليها بناء الرواية كلها، أو بناء فصل منها، مثل: الجبلاوي، والبيت الكبير، والوقف. فهذه رموز أصول اعتمد عليها الكاتب الروائي من أول كلمة، إلى آخر كلمة في "أولاد حارتنا".
                              ومثل: أدهم، جبل، رفاعة، قاسم، عرفة. فهذه رموز أصول -كذلك- لكن كل رمز منها موقوف -بالدرجة الأولى- على الفصل الذي ورد فيه.
                              الثاني: رموز مساعدة أو "فرعية" تؤدي دورًا ما في نسيج الفصل الذي هي فيه، وذلك مثل "البلقيطي" في فصل "جبل"، و"عبده" في فصل "رفاعة"، و"زكريا" في فصل "قاسم" و"حنش " في فصل "عرفة"، ومثل "همام" في فصل "أدهم" من قبل.
                              والرموز الأصول حين يُفَك معناها سرعان ما تتساقط طاقات من الضوء على وجوه الرموز "المساعدة" أو "الفرعية"، فيُدْرك معناها تباعًا على طريقة تداعي المعاني كما يقول علماء النفس، لذلك فإن الرموز التي سنركز على فك معانيها، ونقيم عشرات الأدلة على صدق ما فهمناه منها، هي الرموز الأصول" (1).

                              * جوانيات نجيب محفوظ والدكتور المطعني يرد على محفوظ ويطعنه في مقتل:
                              كل كلمة في الرواية تدل على أن كاتبنا حين كتب روايته يؤمن إيمانًا
                              __________
                              (1) جَوانيات الرموز المستعارة لكبار "أولاد حارتنا" أو نقض التاريخ الديني النبوي للدكتور عبد العظيم المطعني (ص 8 - 9) - مكتبة وهبة.
                              (1/323)
                              ________________________________________
                              قويًا بالعلم الحديث والثقة المفرطة فيه، مضافا إليه شعبة البحث العقلي التجريبي زاهدًا كل الزهد فيما سواه، وبخاصة المعارف الدينية، والتوجه المنبثق عنها.

                              * الهدف من وضع "أولاد حارتنا":
                              "هذا الهدف -باختصار شديد- هو تفشيل دور الدين بوجه عام في حلول مشكلات الحياة، وتحقيق السعادة للناس فيها، وبعد وقوع ذلك التفشيل، من خلال ما ورد في الرواية، يأذن الأستاذ "محفوظ" للعلم الحديث أن يطل برأسه إلى الوجود، ثم ينمو شيئًا فشيئًا حتى يصبح عملاقًا لا يقاوم، وقادرًا لا يعجز، ثم يتمكن من القضاء على الدين متمثلاً في قتل أو موت الجبلاوي -كما سيأتي- ويهز مشاعر أولاد الحارة أو الدنيا، بمخترعاته المذهلة، فينحاز الناس أو أولاد الحارة إلى عرفة وحنش، اللذين يمثلان العلم الحديث، ويفضلونه على الدين عيانًا جهارًا، وينخلعون عن الإطار الديني النبوي في وَضَح النهار؟! " (1).

                              * حتى لا نُخدع هذه معاني الرموز في "أولاد حارتنا":
                              [align=right]م ... الرمز: .................... معناه
                              1 ... الحارة: ................... الكرة الأرضية أو "الدنيا".
                              2 ... أولاد الحارة: .............. الإنس والملائكة، والجن.
                              3 ... الجبلاوي واعتزاله: ........ هو فى الرواية: "الله" سبحانه، واعتزال الجبلاوي: رمز إلى توقف دور الدين؟
                              4 ... البيت الكبير: .............. الحضرة القدسية (2).
                              __________
                              (1) المصدر السابق (ص 13).
                              (2) تردد رمز "البيت الكبير". بين عدة معان في الرواية منها: الجنة، والوصف الجامع لها هو ما ذكرناه.
                              (1/324)

                              ________________________________________
                              م ... الرمز: .............................. معناه
                              5 ... الوقف: ............................ منهج الله في إدارة شئون الحياة.
                              6 ... الشروط العشر: .................... الوصايا العشر في أواخر سورة " الأنعام ".
                              7 ... الخلاء: ............................ الغيب أو ما وراء الطبيعة من أسرار.
                              8 ... أدهم-جبل-رفاعة-قاسم: ......... أسماء أو رموز أربعة رسل سيأتون.
                              9 ... الحكايات: .......................... التاريخ الديني النبوي.
                              10 ... المقاهي: .......................... مركز العلم والإعلام.
                              11 ... شعراء الرباب: .................... الرواة والدعاة الدينيون.
                              12 ... الفتوات: .......................... المتسلطون وذوو القهر.
                              13 ... النبابيت: .......................... أدوات القمع والاضطهاد.
                              14 ... أدهم: ............................. آدم
                              15 ... أُميمة: ............................ حواء
                              16 ... همام: ............................. هابيل
                              17 ... قدري: ............................ قابيل
                              18 ... إدريس: ........................... إبليس
                              19 ... رضوان-جليل-عباس: ............ رموز لجماعة الملائكة
                              20 ... هند: ............................. الغواية الشيطانية
                              21 ... إدارة الوقف: ..................... الخلافة أو الاستخلاف في الأرض
                              22 ... هانم: ............................. النور، والنار
                              23 ... الجارية السوداء: .................. الأرض
                              24 ... جبل: ............................. موسى عليه السلام
                              25 ... ناظر الوقف: ...................... فرعون
                              26 ... هدى هانم: ........................ امرأة فرعون
                              27 ... زقلط: ............................. هامان
                              28 ... البلقيطي: .......................... شعيب عليه السلام
                              (1/325)
                              ________________________________________
                              م ... الرمز: ......................... معناه
                              29 ... شفيقة: ..................... ابنة شعيب زوجة موسى
                              30 ... آل حمدان: ................. بنو إسرائيل في مصر قبل موسى عليه السلام
                              31 ... آل جبل: ................... بنو إسرائيل في مصر في عهد موسى عليه السلام
                              32 ... صخرة هند: ................ المكان الذي ينزل فيه الوحي على موسى
                              33 ... دعبس: .................... الإسرائيلي الذي استغاث بموسى مرتين
                              34 ... رفاعة: ..................... عيسى عليه السلام
                              35 ... عَبْدَةَ: ...................... مريم -رضي الله عنها-
                              36 ... شافعي: ..................... يوسف النجار
                              37 ... صخرة هند: ................ مكان التتويج بالرسالات عند المؤلف
                              38 ... زكي-حسين-علي-كريم: ... رمز لجماعة الحواريين
                              39 ... العفاريت: ................... الكفر والمعاصي والشرور
                              40 ... الدواء: ...................... المواعظ والهداية
                              41 ... المرضى: ..................... العصاة والكفرة
                              42 ... قاسم: ....................... محمد - صلى الله عليه وسلم -
                              43 ... قمر: ........................ خديجة -رضي الله عنه-
                              44 ... إحسان: .................... فاطمة -رضي الله عنه-
                              45 ... زكريا: ...................... أبو طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم -
                              46 ... حسن: ...................... علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-
                              47 ... صادق: ..................... أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-
                              48 ... بدرية: ...................... عائشة بنت أبي بكر وزوج النبي - صلى الله عليه وسلم -
                              49 ... يحيى: ........................ ورقة بن نوفل
                              50 ... قنديل: ...................... جبريل عليه السلام
                              51 ... الجرابيع: .................... العرب قبل الإسلام والمسلمون بعد الإسلام
                              52 ... سوارس: .................... أبو جهل أو أبو لهب عليهما لعنة الله
                              53 ... عرفة: ....................... رمز العلم الحديث
                              54 ... حنش: ...................... رمز القوة في العلم الحديث
                              (1/326)
                              ________________________________________
                              م ... الرمز: ...................... معناه
                              55 ... قَتْل عرفة الجبلاوي: ...... قضاء العلم الحديث على الدين
                              56 ... موت الجبلاوي: ........... انتهاء دور الدين في الحياة
                              57 ... إحياء عرفة "الجبلاوي": .... علو سُلْطان العلم الحديث على الدين
                              58 ... وصية الجبلاوي لعرفة: ..... استسلام الدين للعلم الحديث
                              59 ... السِّحْر: .................... العلم الحديث المذهل
                              60 ... المكتوب مكتوب: .......... جبرية القضاء والقدر
                              61 ... نهاية واحدة هي الوت: ...... إنكار الحياة الآخرة
                              62 ... التمساح المحنط: ............. الفكر الديني الذي مصدره الوحي قديم جامد جاف
                              63 ... الحجرة الخلفية: ............... المعامل والمختبرات العلمية
                              [/CENTER]
                              وبفك هذه الرموز يستطيع المرء أن يدرك مدى شناعة وقبح هذه الرواية وشكر الله الدكتور عبد العظيم المطعني والشيخ عبد الحميد كشك والدكتور محمد يحيى وغيرهم .. وللدكتور المطعني النصيب الوافر والأكبر في حل هذه الرموز.

                              * تقرير عن رواية "أولاد حارتنا" أو "موت الإِله" التي كانت سببًا لحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل:
                              - يقول الدكتور المطعني:
                              "بكل موضوعية وصدق وإخلاص نقول:
                              - إن موضوع هذه الرواية "أولاد حارتنا" يتكوَّن من قسمين اثنين:
                              الأول: ويبدأ من "افتتاحية" أو مقدمة الرواية، ويستمر حتى الفصل الرابع، أو هو تفصيلاً:
                              1 - المقدمة.
                              (1/327)
                              ________________________________________
                              2 - أدهم، أي آدم عليه السلام.
                              3 - جبل: أي موسى عليه السلام.
                              4 - رفاعة: أي عيسى عليه السلام.
                              5 - قاسم: أي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
                              أما القسم الثاني: فهو مكوَّن من فصل واحد هو: عرفة، وقد جعله المؤلف رمزًا للعلم الحديث كما تقدم.
                              إن مادة القسم الأول شاملاً المقدمة والفصول الأربعة المتقدم ذكرها، هي -بلا جدال- وقائع التاريخ الديني النبوي، ممثلاً في أبي البَشر آدم (أدهم في الرواية) ثم الرُّسُل الثلاثة الكبار:
                              موسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، والمرموز لهم في الرواية بـ: جبل، ورفاعة، وقاسم. وقد أقمنا على صحة هذا "الفهم" عشرات الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، والحجج الدامغة التي لا تقبل أدنى نزاع مهما أوتي المدافعون عن الرواية من مهارة في المغالطات، ومن أساليب الخداع والتمويه.
                              إن "الحارة" رمز للدنيا كلها، وليست "حارة" بالمعنى الضيق المعروف للناس.
                              إن "أولاد الحارة" هم البَشر جميعًا من لدن آدم عليه السلام إلى العصر الحاضر، وربما دخل فيهم -عند المؤلف- الملائكة والشيطان!

                              * الجبلاوي:
                              الجبلاوي في الرواية هو قطب الأقطاب، والمصدر الوحيد للتاريخ الديني النبوي، وهو في الرواية رمز لـ "الله" سبحانه وتعالى" (1).
                              __________
                              (1) جوانيات الرموز المستعارة لكبار "أولاد حارتنا" (ص 206 - 207).
                              (1/328)

                              ________________________________________
                              * الأدلة على أن الجبلاوي في الرواية هو الله سبحانه وتعالى عما يقول الزنادقة عُلُوًّا كبيرا:
                              الدليل الأول: لغز من الألغاز:
                              مهد المؤلف برمز آخر هو "جَدنا" مقصود منه "الله" كدْلك. قال المؤلف.
                              "وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات، كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم أو سوء معاملة، أشار إلى البيت الكبير .. وقال في حسرة: "هذا بيت جدنا، جميعنا من صلبه .. " (1).
                              - في هذا النص ثلاثة رموز:
                              البيت الكبير، وهو مستودع الأسرار الإلهية، أو العرش.
                              و"جَدُّنا"، وهذا الرمز جاء على تشبيه "الخالق" بوالد الأبناء، فيكون معناه: خالق أبينا آدم.
                              والثالث: "من صلبه" أي: من خلقه وإيجاده، فليس مراد الكاتب المعاني الحقيقية الظاهرة للألفاظ، بل مراده معاني أُخرى تربطها بالمعاني الحقيقية الظاهرة أنماط من العلاقات، مثل علاقة التشبيه التي أشرنا إليها الآن.
                              - وبعد هذه الرموز التمهيدية ورد رمز "الجبلاوي" لأول مرة في قول المؤلف:
                              "وجَدُّنا هذا لغز من الألغاز، عُمِّر فوق ما يطمع إنسان أو يتصور، حتى ضُرب المثل بطول عمره، واعتزل في بيته لكبره منذ عهد بعيد، فلم يره منذ اعتزاله أحد .. على أي حال كان يُدْعَى الجبلاوي، وبامسه سميت
                              __________
                              (1) "أولاد حارتنا" (ص 5).
                              (1/329)
                              ____________
                              ____________________________
                              حارتنا، وهو صاحب أوقافها، وكل قائم فوق أرضها، والأحكار المحيطة بها في الخلاء" (1).

                              * الاعتزال:

                              هذا رمز ثان وصف به الكاتب "الجبلاوي" رمز الألوهية "الله"، فقال: إنه اعتزل منذ عهد بعيد، والذي فهمناه من هذا الرمز أن المؤلف يقصد به انقطاع الوحي وتوقف الرسالات السماوية، بعد أن جاء الإسلام حاملاً الكلمة الأخيرة لله في توجيه الإنسانية جمعاء إلى ما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة.
                              أما قوله بعد ذلك:
                              "فلم يره أحد منذ اعتزاله" فقد رمز به لعدم سماع كلام جديد له بعد توقف الرسالات مشبها السماع بالرؤية في سياق نفي كل منهما.
                              الدليل الثاني: مالك الملك:
                              قال المؤلف يصف "الجبلاوي" رمز الألوهية: "الله":
                              "وهو صاحب أوقافها، وكل قائم فوق أرضها، والأحكار المحيطة بها في الخلاء" (2).
                              سبق أن استدللنا على أن المراد من الحارة فى "أولاد حارتنا" هي الدنيا أو الوجود بأسره، فإذا قال المؤلف بعد ذلك:
                              "وهو صاحب أوقافها، وكل قائم فوق أرضها .. " كان معناه: "مالك الملك"، ولن يكون صاحب هذا الوصف إلا الله.
                              __________
                              (1) المصدر السابق (ص 5)، بتصرف بالحذف اليسير.
                              (2) "أولاد حارتنا" (ص 5).
                              (1/330)

                              ________________________________________
                              الدليل الثالث - كان الله ولم يكن معه غيره:
                              الله هو الأول بلا بداية، الأول الذي لم يسبق وجوده عدم، هذا المعنى أو هذه المعاني التي يؤمن بها المؤمنون الصحيحو الإيمان السليمو الاعتقاد في الله، أشار إليها مؤلف "أولاد حارتنا"، فقال: "عاش فيها -أي في الحارة- وحده، وهي خلاء" (1).
                              عبارته هذه تعني أن "الحارة" هي الكون، ولما كان رمز"الجبلاوي" يعني عند المؤلف "الله" كان معنى عبارته أن الله كان والكون خلاء، ليس فيه سواه.
                              وهكذا تتضح حقيقة "الجبلاوي" في الرواية، طورًا بعد طور ويزيد المسألة وضوحًا هنا، قوله واصفا "الجبلاوي".
                              "وكان بالضعفاء رحيمًا" (2).
                              الدليل الرابع - ضلال بعض الطوائف في الاعتقاد:
                              قال المؤلف: "ثم جاء زمان فتناولته قلة من الناس بكلام لا يليق بقدره ومكانته، وهكذا حال الدنيا" (3).
                              الذي فهمناه من هذه العبارة في وصف "الجبلاوي" ومز الألوهية "الله" عند المؤلف احتمالين:
                              أحدهما: الإشارة إلى العقائد الوضعية البدائية حول نشأة العقيدة في الله، مثل أديان الهند، والفُرس، واليونان القدماء، وعقائد مصر في عهد
                              __________
                              (1) "أولاد حارتنا" (ص 5، 6).
                              (2) المصدر السابق (ص 6).
                              (3) المصدر السابق (ص 6).
                              (1/331)

                              ________________________________________
                              الفراعنة قبل عصر الرسالات؛ لأن هذه العقائد كلها لم تصل إلى العقيدة المثلى في الإيمان بالله، وقد تكلم فيه أصحاب هذه النِّحل الوضعية بكلام لا يليق بقدره ومكانته، كما قال المؤلف. وهذا الاحتمال هو الراجح عندنا؛ لأن المؤلف يتحدث هنا عن عصر ما قبل الرسالات.
                              الثاني: أن يكون مراده الإشارة إلى الطوائف التي حرَّفَتْ حقيقة الرسالات التي جاءتهم بها رُسُلهم، فهم -كأولئك- نسبوا إلى الله ما لا يليق به، كنسبة الصاحبة والولد، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
                              وأيًّا كان مراده فإن هذه العبارة -على قصرها- دليل رابع على أن المراد بالجبلاوي هو الله.
                              الدليل الخامس - وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إِلا هو:
                              هكذا وصف الله نفسه:
                              {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59].
                              {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26].
                              وهذه هي عقيدة المؤمنين: لا يَعْلمُ الغيبَ إلا الله.
                              قارن هذا الوصف بما جاء في قول المؤلف يصف "الجبلاوي":
                              "أليس من الغريب أن يختفي هو في هذا البيت الكبير المغلق، وأن نعيش نحن في التراب" (1).
                              إذا أحسنت المقارنة والفهم تبيَّن لك في الحال أنها عبارة تشير إلى استئثار الله بعلم الغيب، يدلك على هذا وصف البيت الكبير -بيت الجبلاوي- بأنه مغلق، وموظفًا هذا الرمز "مغلق" في الدلالة على الحيلولة بين الخلق وبين ما
                              __________
                              (1) المصدر السابق (ص 6).
                              (1/332)
                              __________
                              ______________________________
                              هو كائن في علم الله، كما قال عيسى بن مريم عليه السلام: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116].
                              أليس هذا دليلاً من أقوى الأدلة على أن "الجبلاوي" في "أولاد حارتنا" المراد به عند المؤلف هو "الله" سبحانه.
                              الدليل السادس - الرسل أعلم الناس بالله:
                              أي نزاع ينشأ حول أُصول الدين أو فروعه، فالفزع فيه إلى رُسُلِ الله، وما أنزل إليهم من ربهم، مصداق ذلك قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213].
                              احتفظ بهذه الحقيقة في ذهنك، ثم اقرأ ما قاله المؤلف في هذه الفقرة: "وإذا تساءلت عما صار به -يعني الجبلاوي- وبنا إلى هذه الحال، سمعت من فورك القصصي -أي الديني النبوي- وترددت على أُذنيك أسماء: أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم. ولن تظفر بما يبل الصدر -لعله الصدى- أو يريح العقل؟! " (1).
                              يقرر الكاتب -هنا- ما أشرنا إليه من فزع الناس إلى ما جاء به الرُّسُل إذا شب بينهم نزاع حول مسألة من أُصول الدين أو فروعه، تضمن هذا قوله الذي نقلناه من سماع القصص أو ذكر ما جاء به الرُّسُل الذين رمز إليهم بـ "أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم: أي آدم، وموسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن هذه الرموز الأربعة تعني الرُّسُل الأربعة، المذكورين.
                              __________
                              (1) "أولاد حارتنا" (ص 6) وقوله: الصدر خطأ مطبعي. وصوابه ما وضعناه بين الشرطتين وهذا الكلام يدل على ريب المؤلف وشكه في قيمة الوحي وغناؤه ويدل على رقة دينه.
                              (1/333)

                              ________________________________________
                              الدليل السابع - اللجوء إِلى الله في الشدائد:
                              من الأمور المركوزة في الطبع، المتأصلة في الفِطرة الإنسانية الفزع إلى الله واللياذ به، واللجوء إليه في الشدائد والمحن حتى غير المؤمنين بالله إذا أفزعهم خطر، نسوا كفرهم وجاروا إلى الله ليكشف كربهم، ويزيح غمتهم هاتفين بلسان حالهم ومقالهم: يا رب.
                              مصداق هذا قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53].
                              ومؤلف "أولاد حارتنا" يدرك أن مفزع الناس في الكوارث والمحن إنما هو الله، ترى ذلك واضحًا في قوله:
                              "وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات -يعني القصص الديني النبوي- كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم، أو سوء معاملة، أشار إلى البيت الكبير .. وقال في حسرة:
                              "هذا بيت جدنا، جميعنا من صلبه!! (1)، ونحن مستحقو أوقافه، فلماذا نجوع؟ وكيف نُضام؟ " (2).
                              وقال: "ولا عزاء لنا إلا أن نتطلع إلى البيت الكبير، ونقول في حزن وحسرة: "هنا يقيم الجبلاوي، صاحب الأوقاف، هو الجد، ونحن الأحفاد" (3).
                              أفليس في كلام المؤلف -هنا- في الموضعين أوصاف لا يوصف بها إلا الله قيوم السموات والأرض، وليس الجبلاوي الذي لا وجود له إلا في
                              __________
                              (1) لعله رمز إلى "من خلقه" لا صلبه حقيقة.
                              (2) "أولاد حارتنا" (ص 5).
                              (3) "أولاد حارتنا" (ص 7).
                              (1/334)

                              ________________________________________
                              خيال المؤلف؟
                              أما قوله: "هو الجد، ونحن الأحفاد"، فهذا لا يليق بـ: "الجبلاوي" باعتباره رمز الألوهية "الله".
                              ولهذا القول -عندنا- محملان:
                              أولهما: أنه من الفر بعد الكر، أو الإحجام بعد الإقدام، ذكره المؤلف للتمويه والتشويش على القُراء.
                              وثانيهما: أن يكون رمزًا مبنيًا على التشبيه، بأن جعل خالق الأب الأول -آدم- كأبي الأب، ولا غرابة في ذلك؛ لأن التعبير الرمزي في الرواية، لا يكاد يخلو منه سطر من سطورها فضلاً عن صفحاتها.
                              الدليل الثامن - خالق الكون:
                              عرفنا -قبلاً- أن الأستاذ نجيب محفوظ رمز بالحارة إلى الوجود الكوني كله، يؤكد هذا ما حكاه في الرواية من البداية إلى النهاية، فضلاً عن الأدلة التى ذكرناها من قبل.
                              إذا تقرر هذا فتأمل قوله في وصف "الجبلاوي" رمز الألوهية في الرواية: "هو أصل حارتنا" (1).
                              وما عليك إلا أن تفك الرمز "أصل"، وتقف على المعنى المتواري خلفه، وهو "خالق حارتنا" أي خالق دنيانا، ثم تضم هذا الدليل إلى الأدلة التي ذكرناها قبله، فيصبح لديك ثمانية أدلة في المقدمة وحدها على أن المراد من الجبلاوي في "أولاد حارتنا" هو الله.
                              الدليل التاسع - عجز الفكر عن الإدراك:
                              قلنا من قبل: إن الله تعالى يُعْرَف بآثاره وآلائه وآياته فى الكون ومن
                              __________
                              (1) "أولاد حارتنا" (ص 5).
                              (1/335)
                              ____________
                              ____________________________
                              فيه وما فيه.
                              فتعال: اسمع ماذا قال عن "الجبلاوي" رمز الأُلوهية (الله): "كنت -وما زلت- أجد الحديث عنه شائقًا لا يُمَل، وكم دفعني ذلك إلى. الطواف ببيته الكبير لعلي أفوز بنظرة، ولكن دون جدوى" (1).
                              لقد رمز المؤلف بالطواف عن "التفكر" في ذات الله المجيد وفي صفاته المقدَّسة، راجيًا أن يقف على حقيقتها أو بعض حقيقتها، ولكن عاد بخفي حنين لا بحنين نفسه، حيث تجاوز المتاح اليسير، وهو معرفة الله بآياته في الكون والنفوس - إلى غير المتاح العسير، وهو الإحاطة بحقيقة الذات العلية!!
                              الدليل العاشر - غيب ما وراء الطبيعة:
                              ما وراء الطبيعة اصطلاح فلسفي يراد به العالم المعنوي، مما لا يدرك بأي حاسة من الحواس الخمس، ويقابله العالم الحسي المادي، وهو ما له وجود يدرك بالحواس الخمس، ويشغل حيزًا من الفراغ، سواء كان حيوانًا، أو نباتًا، أو جمادًا.
                              ومن لطف الله بعباده أن جعل ما وراء الطبيعة من اختصاص الوحي الأمين، وما صح من كلام الرُّسُل المكرمين.
                              والأستاذ نجيب محفوظ في الفترة التي نقلناها عنه من قبل اعترف أن تجاربه الفكرية حول معرفة ما وراء الحس قد فشلت وعجزت عن الوصول إلى أي شيء!!
                              - ثم عاد فكرر الإشارة إلى هذا العجز حين قال:
                              "وكم وقفت أمام بابه الضخم أرنو إلى التمساح المحنَّط المركب أعلاه!!
                              __________
                              (1) "أولاد حارتنا" (ص 5).
                              (1/336)

                              ________________________________________
                              وكم جلست في صحراء المقطم غير بعيد من سوره الكبير، فلا أرى إلا رءوس أشجار التوت والجميز والنخيل تكتنف البيت، ونوافذ مغلقة لا تنم عن أثر الحياة!! " (1).
                              - قال الدكتور المطعني في كتابه القيم (ص 23):
                              وأقسم برب السموات والأرض، وعالم الغيب والشهادة لو أن مسلمًا أقسم بالله أن الكاتب لم يقصد من "الجبلاوي" إلا الله ما حنث في يمينه، ولكان صادقًا كل الصدق.
                              أو أن آخر أقسم بالطلاق على هذا الفهم لما حرمت عليه قرينته.
                              أما أولئك الزاعمون بأن "الجبلاوي" في "أولاد حارتنا" ليس المقصود منه الله، فلا يخلو حالهم من الاحتمالات الآتية:
                              - إما أنهم لم يقرأوا الرواية فراحوا يشهدون بما لا علم لهم به!!
                              - وإما أنهم قرأوا ولم يفهموا.
                              - وإما أنهم قرأوا وفهموا، ثم عاندوا وكابروا، وراحوا يشهدون شهادة زور، ويصرون على الحنث العظيم، ويحسبونه هينًا، وهو عند الله عظيم.
                              وها نحن أولاء أمام هذه المكابرة، وذلك العناد نستخرج من كلام المؤلف عشرات الأدلة التي تكشف زيفهم، وتعري مواقفهم وتسحق زورهم وبهتانهم، وترد كيدهم في نحورهم، وتظهرهم غلى حقيقتهم أمام القُراء
                              __________
                              (1) "أولاد حارتنا" (ص 6).
                              ونلفت نظر القارئ إلى أن قوله: "وكم جلست في صحراء المقطم .. إلخ عبارات تمويه من باب الفر بعد الكر الذي يلجأ إليه المؤلف كثيرًا ليشوش على القراء ويصرفهم عن مراده.
                              (1/337)
                              ________________________________________
                              مهما كانت مواقعهم وانتماءاتُهم.
                              - يقول الدكتور المطعني:
                              "وقد ذكرنا -فيما تقدم- الأدلة "القطعية" على أن الجبلاوي في الرواية هو " الله " سبحانه وتعالى، ونريد هنا أن نرد -في إيجاز واف- على من أنكر هذا " الفهم " الذي فهمه بعض نقاد الرواية. وقد جاءت دراستنا هذه مناصرة لما فهموه مع إثباته بالبراهين القاطعة كما تقدم في غضون هذه الدراسة.

                              * شبهتان للمنكرين:

                              الذين أنكروا أن يكون "الجبلاوي" في الرواية هو "الله " استندوا إلى شبهتين حسبوهما دليلين، وما هما بدليلين قط:

                              [align=right]الشبهة الأولى:[/CENTER]
                              أن اسم الله قد ورد مصرحًا به في الرواية في بعض المواضع، حتى في الحديث مع " الجبلاوي " نفسه، ومن ذلك - مثلاً قول جبل للجبلاوي:
                              "الحمد لرب السموات على أنك ما زلت تتمتع بصحتك" (1).
                              ومثل قول جبل: "ألا لعنة الله على الجبناء" (2).
                              قلت: ليس في هذه الأقوال -وما أشبهها- دليل قط على أن "الجبلاوي" في الرواية ليس هو "الله"؛ لأن المؤلف -كعادته- في التمويه يتحدث عن "الله" باسمه الصريح حينًا، وبالرمز أحيانًا أخرى.
                              وهذه الشبهة كانت "تفيد" في الدفاع لو كانت التهمة الموجهة إلى المؤلف هي "إنكار وجود الله"!! لكن هذه التهمة ليس لها وجود لدينا، وإنما
                              __________
                              (1) "أولاد حارتنا" (ص 178).
                              (2) المصدر السابق (ص 187).
                              (1/338)

                              ________________________________________
                              التهمة هي أن المؤلف يتحدث عن "الله" الذي يؤمن به حديثًا لا يليق بجلاله ووحدانيته ومخالفته للحوادث.

                              الشبهة الثانية:
                              أما الشبهة الثانية التي استند إليها هؤلاء " المنكرون "، فهي ما أورده المؤلف على لسان إدريس (أي: إبليس) بعد أن طرده "الجبلاوي" (أي الله) من البيت الكبير - أي من الجنة:
                              "ما أهون الأبوَة عليك!! خُلِقْتَ جَبَّارًا فتوَة"!! (1).
                              وجه الاستدلال عندهم أن الجبلاوي -هنا- وُصِف بأنه مخلوق، والله ليس مخلوقًا.
                              هذا الدفاع مع صحته في نفسه فليس فيه دليل على أن " الجبلاوي " في الرواية ليس هو " الله "، وذلك لسببين:
                              الأول: ليس وصف " الجبلاوي " في الرواية بأنه مخلوق هو الوصف الوحيد الذي لا يليق بـ " الله "، فالجبلاوي في الرواية له صاحبة وولد، ويأكل ويشرب، ويرتاح وينام، ويتقدم به العمر، وله خدم وغرفة نوم، ويموت أو يُقْتل!! فلماذا يتمسك المنكرون بوصف "المخلوقية" وَيَدعُون ما عداه من الأوصاف "البشرية"؟!
                              أما السبب الثاني، فإن المؤلف لم يُعبر عن معنى واحد من معانيه "الجُوَانية" إلا بالرموز، وهذا ينطبق على قوله: "خُلقْتَ" وصفًا لـ "الجبلاوي" رمز الألوهية (الله) في الرواية. فليس ببعيد أن يَكون المؤلف قد أراد من "خُلقْتَ" معنى رمزيًا هو: "الوجود المطلق"، وليس الخلق بمعنى الإيجاد من العدَم، المقتضي لوجود خالق غير الله!!
                              __________
                              (1) "أولاد حارتنا" (ص 15).
                              (1/339)

                              ________________________________________
                              وبهذا يتضح لنا وللقراء ضعف مستند "المنكرين" في الدفاع عن الأستاذ نجيب محفوظ وأولاد حارته.
                              ولدينا رد آخر يشمل الشبهتين معًا، وهو أن هذا كله إنما ذكره المؤلف بقصد التمويه على "القُراء" ليبعد عن نفسه التهمة التي أشرنا إليها من قبل، وهي نقده أو نقضه للتاريخ الديني النبوي، ووصفه بـ "الفشل" في الريادة والإصلاح تمهيدًا للإطاحة به -دفعة واحدة- ثم إحلال العلم الحديث "محله"!!.

                              * دفاع مضحك:
                              وقد قرأت -مؤخرًا- دفاعًا من نوع جديد لصاحب منصب "أدبي رفيع" ورئيس أضخم مؤسسة في مصر تقوم على نشر المعرفة تأليفًا، وترجمة، وهي من مؤسسات الدولة الرسمية.
                              صاحب هذا المنصب يُنْكِر أن يكون "الجبلاوي" في الرواية هو "الله".
                              أما دليل إنكاره فأعجب من العجب، وخلاصته هي:
                              "الجبلاوي " ليس هو الله في الرواية؛ لأنه -يعني "الجبلاوي " دائمًا يُقسمُ بالله، فكيف يكون هو الله، وهو- دائما يقسم بالله؟!
                              هذه خلاصة أمينة لما قاله هذا "الرئيس"!! قرأت هذا الكلام فأضحكني من الأعماق، ثم قلت:
                              وما المانع -يا حضرة الرئيس- فالله نفسه قد أقسم بنفسه وبصفاته، وببعض مخلوقاته، وجاء ذلك كله في كتاب الله العزيز:
                              أقسم بنفسه فقال: {تَاللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: 56].
                              وقال: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23].
                              وقال: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 1، 2].
                              (1/340)
                              ________________________________________
                              وقال في الإقسام ببعض مخلوقاته -وما أكثر إقسامه بها-: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 1، 2].
                              فهل يُسْتَدل -على طريقتك- بأن الله في القرآن هو ليس الله؟! لأنه أقسم بنفسه يا حضرة الرئيس؟!
                              فلو فُرِضَ أن "الجبلاوي" في الرواية يُقْسم بالله -دائمًا- كما زعمت فليس في ذلك دليل على أن "الجبلاوي" في الرواية لم يرمز به "صديقك" إلى الله!!

                              * ولكنه لم يُقْسم:
                              جارينا "حضرة الرئيس" جدلاً على أن "الجبلاوي" في الرواية يُقسم بالله -دائمًا- جاريناه لنُبطلَ استدلاله على أن الجبلاوي في الرواية ليس هو "الله" وها نحن قد أبطلنا هذا الاستدلال كما رأيت.
                              بيد أن الواقع أن "الجبلاوي" لم يقسم بالله ولا حتى مرة واحدة، ولا نصف مرة إن صح هذا التعبير. فالرواية على طولها الطويل (522 صفحة من القطع الكبير) تخلو تمامًا من إقسام "الجبلاوي" بالله، بل وبغير الله.
                              اللهُم إلا مرة واحدة أقسم فيها "الجبلاوي"، ولكن بالطلاق وليس بالله؟!
                              فقد ذكر المؤلف عبارة أسندها إلى الجبلاوي صدرت منه -كما زعمت الرواية- في حالة غضب، بعد طرد إدريس (أي إبليس) من البيت الكبير، وحذر أهل البيت من السماح بدخول إدريس فيه. قال المؤلف على لسان الجبلاوي:
                              " الهلاك لمن يسمح له بالعودة، أو يعينه عليها، ورفع رأسه -يعني الجبلاوي- صوب نوافذ الحريم المغلقة وصاح مرة أُخرى:
                              (1/341)
                              ________________________________________
                              " وطالقة ثلاثًا من تجترئ على هذا .. " (1).
                              هذا هو القسم الوحيد للجبلاوي في رواية "أولاد الحارة"!!
                              فهل هذا قسم بالله؟ ولو فرضنا جدلا أنه قسم بالله، فأين الاستمرار والدوام الذي عبَّر عنه "حضرة الريس" بأن الجبلاوي يقسم بالله دائمًا؟!
                              وأكاد أقسم بالله بارًا غير آثم أن "حضرة الريس" لم يقرأ رواية: "أولاد حارتنا" قط، ولو كان قرأها لما ورَّط نفسه في هذه الورطة "البلقاء"، ويبدو لي أن كل المدافعين أو جُلهم من هذا القبيل؟!

                              * إِمَّا هذا، وإِمَّا ذاك:
                              وهل درى هؤلاء المدافعون عن الرواية، الذاهبون إلى أن "الجبلاوي" في الرواية ليس رمزًا للأُلوهية " الله "، هل دَرَوْا بأن دفاعهم هذا يُورط "المؤلف" في عقيدة الإشراك بالله -سبحانه- وأنَّه -أي المؤلف- يدعو مع الله إلهًا آخر ليس له به علم، وما أنزل الله به من سُلطان؟!
                              * بيان ذلك:
                              فقد ثبت في هذه الدراسة على وجه " اليقين " أن أدهم هو آدم، وأن "جبل" هو موسى، وأن "رفاعة" هو عيسى، وأن "قاسم" هو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
                              فإذا صحَّ أن "الجبلاوي" في الرواية ليس رمزًا لـ "الله"، فيلزم من ذلك وجود إله آخر اسمه " الجبلاوي " مع الله الواحد الأحد قيوم السموات والأرض؟!
                              __________
                              (1) "أولاد حارتنا" (ص 16).
                              (1/342)

                              ________________________________________
                              ويلزم أن هذا الإِله الوهمي هو الذي:
                              - أخرج آدم وزوجه من الجنة!!
                              - وطرد إبليس ولعنه!!
                              - وأرسل موسى وعيسى ومحمدًا - صلى الله عليه وسلم -!!
                              - ثم هو الذي أنزل التوراة والإنجيل والقرآن!!
                              فما هو رأي هؤلاء القائلين بأن "الجبلاوي" في الرواية ليس هو "الله" بعد هذا البيان؟!
                              - إنهم -لا محالة- مُلْزَمون بواحد من أمرين كلاهما شديد المرارة:
                              - فإما أن يُقروا بأن "الجبلاوي" هو "الله" في الرواية، فيلزمهم أن يوافقونا على أن الرواية أساءت -كل الإساءة- إلى الذات العلية، وإلى الرسل الكرام، وسخرت سخرية لاذعة بالتاريخ الديني النبوي!!
                              - وإما أن يتمسكوا -جدلاً- بأن "الجبلاوي" ليس هو "الله" في الرواية، فيلزمهم أن ينسبوا "المؤلف" إلى عقيدة الشرك والعياذ بالله!!
                              أمران شديدا المرارة، وخيما العاقبة، فإما هذا، وإما ذاك، ولا ثالث لهما!! فاين المفر يا حضرات المدافعين؟

                              ثم ما رأيكم:
                              ثم ما رأيكم أيها السادة القائلون بأن "الجبلاوي" في الرواية ليس هو "الله":
                              ْأنصدقكم أم نصدِّق المؤلف نفسه؟ أعتقد أن تصديق المؤلف هو المتعين هنا؛ لأنه كاتب "النص الروائي" لا أنتم.
                              فقد تخيل المؤلف أن حديثًا دار بين "عرفة" وزوجته "عواطف"، فقالت
                              (1/343)
                              ________________________________________
                              "عواطف" هانم لزوجها "عرفة" وهي تتحدث عن "الجبلاوي" بوصف "جَدنا":
                              "جَدُّنا من دنيا، ونحن من دنيا أُخرى" (1).
                              أليست هذه العبارة دليلاً قاطعًا على أن "الجبلاوي" مُغَاير مغايرة تامة لأبناء الحارة -أي أهل الدنيا- جميعًا، فمن يكون هذا "الجبلاوي" إن لم يُرد به المؤلف "الله"؟!
                              نحن وأنتم نعلم أن هذا الكلام هو كلام المؤلف نفسه، سواء أسنده إلى عواطف أو إلى غير عواطف من "شخوص" روايته، ونعود مرة أُخرى فنسألكم: أنصدقكم أم نصدق المؤلف؟!
                              وليست هذه العبارة هي وحدها التي فلتت من "جُوَّانيات" المؤلف، فكانت وصفًا صريحًا لائقًا بـ "الجبلاوي" المرموز به لـ "الله".
                              فقد سبق أن قال المؤلف على لسان جبل في وصف " الجبلاوي ": "ليس كمثله أحد من أولاد حارتنا، ولا من الناس جميعًا"!!
                              وقد ذكرنا هذه العبارة من قبل، ونظَّرْنا بينها وبين قول الله تعالى واصفًا ذاته العلية:
                              {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
                              فهل -بعد هذا- يقال، أو يُصَدَّقَ إذا قيل: إن الجبلاوي في الرواية ليس هو "الله"؟
                              وإذا ثبت يقينًا أن الجبلاوي في الرواية هو "الله" وها هو ذا قد ثبت -فإنه يثبت- يقينًا - كذلك أن:
                              __________
                              (1) "أولاد حارتنا" (ص 497).
                              (1/344)
                              ________________________________________
                              - "أدهم" هو آدم عليه السلام.
                              - وأن "جبل" هو موسى عليه السلام.
                              - وأن "رفاعة" هو عيسى عليه السلام.
                              - وأن "قاسم" هو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
                              - وأن "الحارة" هي الدنيا بأسرها.
                              - وأن أولاد الحارة هم الخلق من الإنس والجن، بل والملائكة.
                              ويثبت تبعا لهذا كله:
                              أن موضوع رواية "أولاد حارتنا":
                              المقدمة والفصول الأربعة:
                              أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم هو:
                              وقائع التاريخ الديني النبوي.
                              وأن الرواية قدَمت هذا التاريخ "المقدس" في إطار رمزي مغلف، وجعلته هدفًا للنقد الساخط أو " النقض " تمهيدًا للإطاحة به، وإحلال العلم الحديث محله في الريادة والتوجيه!!

                              * ملاحظاتنا على القسم الأول:
                              ولنا عدة ملاحظات على القسم الأول نسجلها فيما يأتي في إيجاز:

                              الملاحظة الأولى: تحريف الوقائع:
                              عرض المؤلف وقائع التاريخ الديني النبوي في الفصول الأربعة الأولى: أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم عرضا محرَّفًا مزوَّرًا:
                              ففي فصل "أدهم" -آدم عليه السلام- حرَّف كثيرًا من الوقائع، حيث جعل خطيئة آدم -مثلاً- هي محاولة الاطلاع على "كتاب الحجة" بدلاً منالأكل من الشجرة، وجعل معصية إدريس -أي إبليس- اعتراضه على إسناد إدارة الوقف إلى آدم، بدلاً من امتناع إبليس عن السجود لآدم حين أمره الله به!!
                              وفي فصل "جبل" -أي موسى عليه السلام- جَعل التقاط آل فرعون لموسى من حفرة بدلاً من اليم، وجعل البئر التي سقى موسى أغنام ابنتي شعيب منها، جعلها صنبورًا أو حنفية مياه، وجعل "شعيب" هو الذي جاء إلى موسى بدلا من ذهاب موسى إليه!!
                              وفي فصل "رفاعة" جعل الحواري الخائن الذي أرشد اليهود على المكان الذي اختفى فيه عيسى عليه السلام امرأة كان عيسى قد تزوجها، وهى جاسوس عليه.
                              وجعل لعيسى أبًا هو "شافعي"، وعيسى عليه السلام ليس له أب.
                              أما في فصل "قاسم" -أي محمد (صلى الله عليه وسلم) - فقد كثر التحريف والتزوير. من ذلك الافتراء الصارخ على السيرة النبوية الطاهرة، حيث زعم أن "قاسم" كان بيَّاع بطاطة، وأنه ضُبط متلبسًا باختلاس ثمار الجوافة من حديقة يملكها آخرون، وأنه جرى في الشارع عريان والأطفال يتضاحكون حوله.
                              وأنه كان تلميذًا لورقة بن نوفل، وكان يناديه بـ "يا معلمي"!!، وأن خديجة تشككت كثيرًا في أمر الرسالة .. إلخ .. إلخ.
                              - وسبب هذا التحريف أمران فيما قدرنا:
                              أحدهما: حرص المؤلف على الاستفادة من وقائع التاريخ الديني النبوي في "رسم شخصيات الرواية"، وهذا أمر ظاهر جدًا في القسم الأول من الرواية.
                              أرجح الأقوال أن الرجل الصالح ليس هو نبي الله شعيب.
                              (1/346)
                              ________________________________________
                              والثاني: حرص المؤلف الشديد على إخفاء "جوانياته"، وعدم ظهورها للقُراء؛ لأن الرواية -كما عرفنا من قبل- أخضعت التاريخ الديني النبوي -وهو مقدس- للنقد والنقض معًا، وهذا أمر -لو ظهر- لقابله النَّاس بالاستنكار والاستياء، بل وبالغضب والسخط.
                              لذلك لجأ المؤلف إلى التعببر الرمزي أولاً ثم إلى تحريف الوقائع ثانيًا، ودار التحريف في الرواية على ثلاثة محاور:
                              الأول: استبدال الواقعة بأُخرى شبيهة بها من بعض الوجوه، ومختلفة في الوجوه الأخرى.
                              الثاني: بتر جزء أو أجزاء من الواقعة المراد الاستفادة منها في رسم شخصيات الرواية.
                              الثالث: زيادة جزء أو أجزاء مضافة إلى الواقعة، أو يأتي بحشو مُتَعمَّد قصدًا للتمويه على القارئ.
                              وقد مرَّت في غضون هذه الدراسة أمثلة عديدة لكل محور من هذه المحاور.
                              والاعتذار عن المؤلف بأنه يكتب فنًّا لا تاريخًا مرفوض مرفوض كما تقدم توضيح ذلك

                              (1/345)
                              التعديل الأخير تم بواسطة نور الهداية; 2 مار, 2011, 12:04 م.

                              ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                              تعليق


                              • #30
                                الملاحظة الثانية: الإِساءة إِلى الذات العلية:
                                لم توجه رواية "أولاد حارتنا" كمًّا هائلاً من الإساءة مثلما وجهت إلى "الجبلاوي" رمز الأُلوهية (الله)، وجاءت هذه الإساءات على لساني كل من إدريس الذي هو " إبليس " في الرواية، ثم قدري الذي هو "قابيل" أحد ابني آدم، وقاتل "هابيل" أخيه وهو "همام" في الرواية.
                                هذا بالإضافة إلى الأوصاف البشرية التي وُصفَ بها "الجبلاوي" في
                                (1/347)
                                ________________________________________
                                الرواية كلها من التزاوج والإنجاب والاحتياج إلى "غيره" والأكل والشرب والراحة والنوم والشيخوخة، والاعتزال، ثم القتل والموت!! وكل هذه افتراءات تكاد السموات تتفطر منها وتنشق الأرض، وتخر الجبال هَدا.

                                * نماذج من سباب إِدريس:
                                إِدريس لأدهم:
                                - "اخرس يا كلب يا ابن الكلب"!! (1).
                                - "طغيان أبيك أنطقني بالحق"!! (2).
                                - "طردني أبوك بدون حياء؛ فليتحمل العواقب"!! (3).

                                * إِدريس يخاطب الجبلاوي:
                                "وتقبع أنت وحيدًا في بيتك، تبدل وتغير في كتابك كيف شاء لك الغضب والفشل!! وتعاني وحدة الشيخوخة في الظلام حتى إذا جاء الأجل فلن تجد عينًا تبكيك"!! (4).
                                وحسبنا هذا القدر من بذاءات إدريس وإساءاته الموجهة إلى الجبلاوي، ذكرناها على سبيل التمثيل لا الحصر.

                                * نماذج من سباب قدري:
                                قدري لهمام:
                                " أؤكد لك أن جدنا -يعني الجبلاوي- شخص شاذ لا يستحق
                                __________
                                (1) "أولاد حارتنا" (ص 22) مع ملاحظة أن الرواية تصف أدهم وإديس بأنهما ولدا الجبلاوي!!
                                (2، 3) "أولاد حارتنا" (ص 23).
                                (4) "أولاد حارتنا" (ص 51).

                                (1/348)
                                ________________________________________
                                الاحترام، ولو كان به ذرة من خير لما جفا لحمه هذا الجفاء الغريب!! إني أراه كما يراه عمنا -يعني إدريس- لعنة من لعنات الدهر .. لقد نال هذه الأرض هبة بلا عناء، ثم طغى واستكبر"!! (1).
                                قدري لأدهم:
                                "هذا الرجل -أي الجبلاوي- أسوأ من ابنه إدريس"!! (2) - يعني إبليس.
                                قدري لهمام:
                                "هل وعدك البلطجي الأكبر -يعني الجبلاوي- بالحماية"؟ (3).
                                وحسبنا .. كذلك - هذا القدر من بذاءات قدري الموجهة إلى الجبلاوي، وما أكثرها، وعلم الله أننا مكرهون على نقل هذه "الكفريات" لأننا نريد أن نقنع القارئ الذي لم تتح له فرصة قراءة الرواية "أولاد حارتنا" بالحكم الذي سنراه مناسبًا لهذه الرواية المشئومة.
                                وفي ختام هذه الملاحظة نقول:
                                إن رواية "أولاد حارتنا" كان ينبغي عليها أن ترعى حرمة الجبلاوي هذا ما دامت قد رمزت به إلى "الله"، وهي مسئولة عن كل كلمة وردت فيها، سواء أسندتها إلى "شخوصها" أو "أشخاصها"، وهم جميعًا -الشخوص والأشخاص- أبرياء مما أسندته الرواية إليهم، أبرياء أمام الله، وأبرياء أمام الناس؛ لأنهم لم يقولوا حرفًا واحدًا مما نُسِبَ إليهم، ويعلم الله، وتشهد ملائكته وصالحو المؤمنين أن إبليس نفسه -فيما حكاه عنه القرآن- كان أكثر
                                __________
                                (1) "أولاد حارتنا" (ص 71).
                                (2) "أولاد حارتنا" (ص 92).
                                (3) "أولاد حارتنا" (ص 94)
                                .
                                (1/349)
                                ________________________________________
                                أدبًا مع الله من رواية "أولاد حارتنا"، وأعرف بجلال الله وعظمته من هذه الرواية الطائشة الرعناء!!

                                * الملاحظة الثالثة: الإِساءة إِلى رسول الإِسلام - صلى الله عليه وسلم -:
                                تحدثت الرواية بعد حديثها عن آدم عن ثلاثة من الرُّسُل الكبار: موسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، وحديثها عن الرسولين الأولين موسى وعيسى عليهما السلام كان معتدلا نوعًا مَّا، فلم يرد فيه ما يسيء إساءة جارحة لأيٍّ منهما.
                                - أما حديثها عن محمد رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاء مليئًا بالإساءة والتجريح إلى حد الافتراء في بعض الأحيان، فقد نسبت إليه الرواية اختلاس ثمار الجوافة، والجري في الطريق العام وهو عارٍ تمامًا من ملابسه مع تضاحك الأطفال عليه!!
                                وهذا افتراء محض وكذب صارخ على من أرسله الله رحمة للعالمين، وصانه من "العبث" في جميع مراحل عمره المبارك قبل البعثة وبعدها.
                                - ثم جعلته الرواية "بياع بطاطة" ينادي على بضاعته ويقول وهو "يزق" عربة يد "كارو":
                                "بطاطة العمدة .. بطاطة الفرن"!!
                                وهذا كذلك افتراء خالص، وليس له سند من الواقع ولا من الوهم!!
                                - وجعلته الرواية مُغْرمًا بمعاكسة الفتيات يترصدهن في الطريق العام قبيل الغروب!!
                                - وجعلته الرواية كسولاً لا يحب العمل، ويخلد إلى الراحة والدعة حتى أكرهته السيد خديجة على العمل في إدارة أملاكها!!
                                - ثم أجلسته الرواية على "المقاهي" وسقته الـ ... على الجوزة!!
                                (1/350)
                                ________________________________________
                                - ووصفت الرواية حفل زفافه إلى "خديجة" وصفًا مزريًا للغاية، كانت الخمور تجري فيه أنهارًا، وكل المدعوين كانوا سكارى ومساطيل؟!
                                - وجعلت الرواية محمدًا وخديجة يسيران في ليلة زفافهما خلف راقصة تتمايل وتهتز وكأنها تلقي عليهما الدرس الأخير في العلاقات الـ .. ؟
                                - وعيرته الرواية -مرات- بأنه راعي غنم لليهود والنصارى وغيرهم؟!
                                - لم ترع الرواية حرمة خاتم النبيين الذي وصفه رب العالمين بأنه سراج منير، وعلى خلق عظيم، ورحمة للناس كافة:
                                {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46].
                                {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
                                هكذا صنعت الرواية مع خير خلق الله، وهي تعلم عمَّن تتحدث جلالاً وعظمة، وهيبة ووقارًا؟!

                                * الملاحظة الرابعة - الحط من قَدر العرب والمسلمين؟!
                                وعندما تحدثت الرواية عن آل حمدان أو آل جبل، وهما رمزان لليهود قبل موسى عليه السلام وبعده، وعندما تحدثت الرواية عن آل رفاعة، وهم رمز للنصارى، عندما تحدثت الرواية عن هاتين الطائفتين، تحدثت عنهما بكل تقدير واحترام، ولكن عندما تحدثت عن العرب قبل الإسلام، ثم عن المسلمين بعد الإسلام رمتهم بكل نقيصة، فهم أتعس أولاد الحارة -أي الدنيا- وهم الجرابيع الحفاة العراة الذين لا أصل لهم ولا صفة -أي كريمة- وحياتهم لا تعلو كثيرًا عن حياة الكلاب والقطط والذباب؟! يلتمسون رزقهم في النفايات وأكوام القمامة؟!
                                هكذا ورب السموات والأرض وصفت الرواية العرب والمسلمين،
                                (1/351)
                                ________________________________________
                                العرب الذين اختار الله رسوله الخاتم منهم، وأنزل كتابه المعجز بلغتهم، وشرفهم بجعلهم أول من يتلقى رسالته الخاتمة، ثم يبلغونها للناس في مشارق الأرض ومغاربها.
                                والمسلمون الذين وصفهم الله بأنهم " خَيْرُ أُمَّة أُخْرِجَتْ للناسِ " هم في رواية "أولاد حارتنا" أحط الناس قدرًا، منزلتهمَ منزلة الكَلاب والقطط والذباب؟!
                                أليس هذا مما يجعل الحليم حيران، ويدعو إلى سوء الظن في الرواية ومؤلفها والمدافعين عنها إلى آخر شوط، وإلى أبعد مدى؟!
                                أليس في هذا "الصنع" محاولة سافرة لمصادرة قول الحق:
                                "الله أعلمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالتَهُ .. "؟!
                                ليتنا نعلم الثأر الذي بين رواية "أولاد حارتنا" وبين العروبة والإسلام والمسلمين؟!
                                أم أن موعدنا "يومَ تُبلَى السرائِرُ"؟!.

                                * الملاحظة الخامسة - مناصرة غير الإِسلام على الإِسلام؟!
                                ومن الملاحظات البارزة على الرواية، أنها -دائمًا- تناصر غير الإسلام على الإسلام نفسه، حتى في العقائد الثوابت في الإسلام، ولنضرب بعض الأمثلة:
                                - تفضيل عيسى على محمد صلى الله عليهما وسلم، وعِلَّة تفضيل عيسى على محمد في الرواية أن عيسى كان عزوفًا عن النساء؛ أما محمد فكان يترصد الفتيات عند المغيب، وكان زير نساء؟!
                                هذا ما يقوله الحمقى من المبشِّرين والمستشرقين، وقد ناصرتهم الرواية وخذلت المسلمين؟!
                                (1/352)
                                ________________________________________
                                - مجاراة الرواية لليهود، أو مناصرتهم في دعواهم أنهم قتلوا عيسى عليه السلام وصلبوه، فتجزم الرواية أنهم قتلوه فعلاً، وتضرب عرض الحائط بعقيدة المسلمين وبقول الحق:
                                {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157].
                                - وناصرت الرواية المبشِّرين والمستشرقين في اتهامهم نبي الإسلام بعشق زينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة، ثم تزوجه منها بعد أن طلقها زيد استجابة للواعج العشق؟!
                                - تناصر الرواية أعداء الإسلام وتُعبر عن مناصرتها لهم بقولها: "وتعشَّق امرأة من الجرابيع -أي المسلمين العرب- ثم تزوجها أيضًا"؟! (1).
                                - دعوى الرواية أن السيدة خديجة تشككت طويلاً في أمر الرسالة لما أخبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ببدء نزول الوحي عليه، وأنها ظلَت تراجعه وتجادله حتى قال لها: إني أعُفيك من أن تصدقيني؟! مع أن الثابت إِسلاميًّا أن السيدة خديجة بادرت بقولها:
                                "إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأُمَة" عند أول سماعها بنزول الوحي.
                                ودعوى الرواية كاذبة كاذبة، وهي مجاراة منها ومناصرة لمزاعم أعداء الإسلام.
                                ْ- ناصرت الرواية حقدة المستشرقين والمبشرين في دعواهم أن القرآن مقتبس من التوراة والإنجيل؟! فجاءت الرواية تقول -كذبًا وزورًا وبهتانًا-: أن قاسمًا أو محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان يتردد كثيرًا على ورقة بن نوفل الكاهن النصراني، وأخذ عنه علمًا غزيرًا، وأن محمدًا كان يخاطب ورقة بقوله: "يا معلمي"؟!، والرواية تعلم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليس له مُعَلم قط إلا الله عز
                                __________
                                (1) "أولاد حارتنا" (ص 443).
                                (1/353)
                                ________________________________________
                                وجل، وبذلك نزل الوحي الأمين:
                                {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48].
                                {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113].
                                أليس هذا -مرة أُخرى- داعيًا إلى سوء الظن في الرواية إلى آخر شوط؟!

                                * الملاحظة السادسة - تجريد التاريخ النبوي من محتواه:
                                حرص المؤلف -كل الحرص- على تجريد التاريخ الديني النبوي من محتواه، وتفريغه تمامًا من "الإيمانيات والروحانيات" وتصويره في صورة صراع مادي صرف يبدأ وينتهي حول حطام الدنيا وملذاتها الفانية؟!
                                فليس في رواية "أولاد حارتنا" أية إشارة، ولو رمزية إلى قضية التوحيد والإيمان بما وراء الطبيعة من حقائق هي أُسس ما نادت به الرسالات السماوية.
                                - فمثلاً لقاء موسى بفرعون لم يكن إلا لنيل بني إسرائيل حقوقهم من "الوقف" وحصولهم على المعاملة الكريمة في المجتمع الفرعوني المستبد.
                                - ودعوة موسى لبني إسرائيل محصورة -في الرواية- في توحيد صفوفهم لينالوا حقوقهم، ويمكنهم الحفاظ عليها إذا نالوها.
                                - ومهمة عيسى كانت لمحاربة العفاريت وتخليص المرضى من شرورها ليكونوا أصحاء؟!
                                - ورسالة محمد - صلى الله عليه وعليهم جميعًا وسلم - كانت لمحاربة " الفتوات " وتسخير "الوقف" للجميع.
                                (1/354)
                                ________________________________________
                                - أما مهمة "عرفة" فكانت لإحلال قوة العلم الحديث محل الإيمان بالله ورُسُله، بعد أن حكمت الرواية على هذا الإيمان بالفشل؟!
                                ومؤدى هذا كله:
                                أن الرواية تجاري العلمانية في تفسيرها المادي للتاريخ رضي المؤلف أم لم يرض، أحب أم كره.

                                * الملاحظة السابعة - التعاطف مع الشيطان؟!
                                جارت الرواية "أولاد حارتنا" بعض الكتاب الأوروبيين والعرب في التعاطف مع الشيطان الذي طرده الله من الجنة بسبب عصيانه وكفره، ونظروا إلى هذه الواقعة على أنها من وقائع "حرية الرأي"، وأن الشيطان عوقب -ظلمًا- على رأيٍ أبداه، وعقيدة اعتقدها، حملته على عدم السجود لآدم؟ بل إن بعض الدجالين العرب دعا إلى نصرة الشيطان على الله عز وجل، وزعم هذا الأفَّاق الأشر أن الشيطان قال لله:
                                "لا أسجد إلا لك"، ومع هذا عاقبه الله وطرده وهو مظلوم مظلوم؟! (1).
                                واشترك في هذا -الدجل- الأستاذ توفيق الحكيم من قبل، وتخيل محاورة دارت بين "إبليس" وشيخ الأزهر، فأفحم إبليس شيخ الأزهر؟! وأثبت -إبليس- أمام شيخ الأزهر أنه مظلوم، مظلوم، وأن جميع الكائنات كانت تردد صياح إبليس: أنا مظلوم مظلوم؟!
                                سارت رواية "أولاد حارتنا" في هذا الاتجاه، ولوَحت كثيرًا بأن "إدريس"، وهو رمز الشيطان فيها، طرد من البيت الكبير -أي من الجنة-
                                __________
                                (1) هو خالد العظم أحد الشيوعيين العرب، وله بذاءات أخرى في هذا المجال أعرضنا عنها لشناعتها.
                                (1/355)
                                ______________________
                                __________________
                                بدون سبب معقول أو مقبول. وزعمت -زورًا وبهتانًا- أن جميع الملائكة، كانت تؤيد الشيطان، ولكنهم كتموا أسرارهم خوفًا من بطش "الجبلاوي" (الله)، وتظاهروا بعدم الاعتراض؟!
                                فطرد الشيطان في الرواية كان لبغض "الجبلاوي" (الله) للشيطان ولإرادته النافذة التي لا تصغي لحجة مظلوم؟!

                                * الملاحظة الثامنة - ربط منابع النور بمواضع الخطيئه؟!
                                ما زلت -والله في حيرة- من بعض الرموز في "أولاد حارتنا"، ومن أكثر الرموز إثارة للحيرة رمز "صخرة هند"، وقد علم قارئ هذه الدراسة أن "هند" هي ابنة إدريس في الرواية، أي ابنة الشيطان، وأن الصخرة التي أضافها إلى "هند" مؤلف الرواية، هي المكان الذي زعمت الرواية أن ابن آدم "قدري" ارتكب فيه "الفاحشة" مع "هند"، وقد فسرنا الرمز "هند" من قبل بأنه: الغواية الشيطانية، ولا معنى لها سوى هذا، إذ لا يُعلم أن للشيطان ابنة اسمها "هند"، وحتى لو كان له ابنة فمن أدرى المؤلف أنها تُسمَّى هندًا؟!
                                وليس هذا هو مبعث الحيرة، وإنما مبعث الحيرة أن مؤلف الرواية الأستاذ نجيب محفوظ قد ربط بين منابع النور وهي الرسالات السماوية الثلاث، وبين هذا الموضع "صخرة هند"، وهو موضع أول جريمة "زنا" تقع في الوجود حسب "جو" رواية "أولاد حارتنا" الأوسع من الخيال والأوهام؟!
                                - فالرُسُل الكرام تلقوا رسالاتهم من "الجبلاوي" (الله) عند "صخرة هند"؟!
                                ومفزعهم وملجؤُهم كان "صخرة هند"؟!
                                - وعيسى والحواريون كانوا يتخذون من "صخرة هند" ناديًا للحديث والتشاور؟!
                                (1/356)
                                ________________________________________
                                فما الذي حمل المؤلف على ربط منابع النور بمواضع الخطيئة يا ترى؟!
                                إنها ملاحظة ذات خطر، وإني لأحتفظ بما فهمته منها، وما أردت إلا أن أشرك معي القارئ في الحيرة، ولعله يفهم مثلما فهمت؟!

                                * الملاحظة التاسعة - الاختيار والترك:
                                عرف قارئ هذه الدراسة أن الفصول الأربعة الأولى: أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم، تتناول أحداثا واقعية لها وجود حقيقي في التاريخ، وهي تمثل -كما تقدم- حركة التاريخ الديني النبوي وتطوراته. وقد لاحظنا أن المؤلف يقف من وقائع هذا التاريخ موقفا معينًا يقوم على سمتين بارزتين:
                                إحداهما: الأخذ، والأخرى: التَّرك: أي يأخذ بعض وقائع ذلك التاريخ، ويترك بعضًا آخر في رسم صور "الأشخاص" الأربعة، الذين تحدث عنهم، وهم:
                                آدم، وموسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، فما أكثر ما تركه من سيَر هؤلاء الرُّسُل الكرام، فمما تركه في "أدهم" المنهجِ الذي حدده الله لعمارة الأرض بعد الهبوط {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 38، 39].
                                - ومما تركه في "جبل" فلق البحر وعبور موسى وبني إسرائيل إلى سيناء، وغرق فرعون وآله، ورفع الجبل فوقهم، ووزارة هارون لموسى.
                                - ومما تركه في "رفاعة" حديث المائدة والكلام في المهد.
                                - ومما تركه في "قاسم" الإسراء والمعراج، وحصار شعب بني عامر، ومع هذا الترك، فإن ما ذكره كان كافيا جدًّا في تحديد "حقيقة" كل شخصية من الأربعة المذكورين.
                                (1/357)
                                ________________________________________
                                * الملاحظة العاشرة - نباهة عرفة وصاحبيه:
                                إن "عرفة"، و"حنش" وعواطف هم "الوحيدون" في الرواية الذين رفعهم المؤلف "مكانًا عليًا"، وصانهم من كل ألوان النقص والهمز واللمز أو التجريح، وهذا يلائم الجو العام لـ .. وجدانيات المؤلف، "وجوانياته"؟!.
                                القسم الثاني - عرفة
                                :
                                أما القسم الثاني، فهو معقود -أساسًا- لعمليتي هدم وبناء، أو "إعدام" و"إحياء"، وكانت نيةُ "أولاد حارتنا" مُبيتة على هذا من قبل أن "يُخَط" حرف واحد فيها؛ فالنية -عادة وواقعًا- تسبق العمل دائمًا، وتكون "هي" الباعث على العمل، والداعية إلى الهدم أو الإعدام لـ "الدين" الذي جاء به الرُّسُل وحيًا يوحى من عند ربهم؟! والإحياء لـ "العلم الحديث" ممثلاً فيما يُدرَك بالحواس الخمس، وتُجرى عليه التجارب والملاحظات والمشاهدات، ثم تستخرجُ قوانينه الكلية، وقواعده الجزئية المستوحاة من المادة المدروسة. وكان كل شيء في الرواية يخدم هذا الاتجاه، ويمهد له من وراء ستار، ولكن كيف تمت عمليتا الهدم والبناء، أو الإعدام والإحياء؟ هذا تساؤل مهم للغاية.
                                - أما الإجابة عليه فنصورها في الآتي:
                                جيء بـ "عرفة" رمز العلم الحديث، ونائبه "حنش"، ثم وُضِع بإزائهما التاريخ الديني النبوي، ممثلاً في الجبلاوي، وأدهم، وجبل، ورفاعة، ثم قاسم. وبدأت العمليتان معًا:
                                ضربة بالمعول في صرح التاريخ الديني النبوي، ثم وضع لبنة في صرح العلم الحديث. وتعددت ضربات المعول في الهدم، وتعددت كذلك عملية البناء بوضع لبنة جديدة محكمة، وسار الفصل الخامس "عرفة" على هذا النظام:
                                (1/358)
                                ________________________________________
                                كل انخفاض في جانب التاريخ الديني النبوي يقابله ارتفاع في جانب العلم الحديث؟!
                                وكل نقص في الأول يقابله زيادة في الثاني، إلى أن وصل الأمر إلى تنفيذ حكم الإعدام التام في الدين، وعلى "التو" قام العلم الحديث، وجلس على "عرش الرحمن" وحل محله، ومكانه؟! هذا في الرواية، وليس في الواقع؟!
                                والذي قام بتنفيذ حكم الإعدام في الدين، هو العلم الحديث نفسه، ممثلاً في "عرفة" قاتل الجبلاوي في الرواية، وكانت الرواية قد جعلت "الجبلاوي" المصدر الأول والوحيد للاتجاه الديني في الوجود كله، يعني هو "الله" تعالى عما يقولون عُلوا كبيرًا، وكان لحكم الإعدام في الرواية مبررات كما تقدم:
                                - تقديم السن بالجبلاوي، اعتزاله، فشل رجاله الكبار: جبل ورفاعة وقاسم، تَخلف منهجه، فساد بضاعته، زهد أولاد الحارة فيه وفي رجاله؟!
                                أما العلم الحديث فكان يحقق نصرًا وازدهارًا وتقدمًا كل يوم، فعرف الناس له فضله، ووقفوا على قدراته الهائلة، وطاقاته التي لا حدود لها، فإنه - كما وصفته الرواية: "قادر على كل شيء"؟!
                                فلماذا -وهذا شأنه- لا يكون هو الآمر المطاع، والناهي المسموع، ومعقد آمال الناس التي لم يستطع أن يحققها الجبلاوي ورجاله على مدى العمر الطويل؟!

                                * والخلاصة:
                                إن هذه الرواية تترجم في وضوح: أن كاتبها ساعة كتبها كان زاهدًا في "الدين" كل الزهد، معرضا عنه كل الإعراض، ضائقًا به صدره، أعجميًّا به
                                (1/359)
                                ________________________________________
                                لسانه، فراح يشفي نفسه الثائرة، ويعبر عن آرائه في وحي الله الأمين، بهذه الأساليب الرمزية الماكرة، والحيل التعبيرية الغادرة، رافعًا من شأن العلم الحديث إلى مكان الثريا، واثقًا فيه كل الثقة، حتى أجلسه في روايته على "عرش الديَّان" مناصرًا للعلمانية الجاهلة، على دين الله القيم، ورسالاته السامية.
                                فالرواية -وهذا واقعها- رواية آثمة "مُجَرَّمَة" بكل المقاييس وطنيًّا، وقوميًّا ودينيًّا.
                                والتماس البراءة لها: مستحيل، مستحيل، مستحيل.
                                اللهم إلا إذا طمسنا قلوبنا، وأعمينا أبصارنا، وسددنا سمعنا، ثم هتفنا مع أولاد حارة الأستاذ نجيب محفوظ، وقلنا كما قالوا: "لا شأن لنا بالماضي، ولا أمل لنا إلا في سحر عرفة، ولو خيرنا بين "الجبلاوي" (الله) والسحر، لاخترنا السحر"؟! (1).
                                وهيهات هيهات لما يتصورون؟ " (2).


                                __________
                                (1) " أولاد حارتنا" (ص 551).
                                (2) "جوانيات الرموز المستعارة" (ص 208 - 229).

                                ** [read][rainbow][glint]كتاب أعلام وأقزام فى ميزان الإسلام[/glint][/rainbow][/read] **

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
                                ردود 0
                                24 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
                                ردود 112
                                158 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
                                ردود 3
                                32 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عاشق طيبة
                                بواسطة عاشق طيبة
                                 
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
                                ردود 0
                                114 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
                                ردود 3
                                58 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                 
                                يعمل...
                                X