بولس الرسول يؤسس للدولة العلمانية

تقليص

عن الكاتب

تقليص

مجد الدين بن أحمد مسلم اكتشف المزيد حول مجد الدين بن أحمد
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بولس الرسول يؤسس للدولة العلمانية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الأخيار الطيبين .

    (بولس الرسول يؤسس للدولة العلمانية)

    الدين ما يدان به الناس حقاً كان أو باطلاً ، والدين عقيدة وشريعة وسلوك ، وكلامنا هنا في الشريعة التي تحكم دنيا الناس وتسوس مجتمعاتهم ، وقد ذكرنا في المقال السابق أن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ لم يطالب في خطبة ولايته بسلطان مطلق وتفويض بلا قيد ، بل وقف يتعاقد مع أصحابه على شريعة معلومة مكتوبة .


    وهنا يجدر التنبيه إلى مسألة مهمة ، فإن فعل أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ هذا هو تشريع للأمة ومن وجهين :
    الأول : قول النبي صلى الله عليه وسلم (( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ))، فهذا مستند من السنة لهذا التشريع الإسلامي لشكل الحكم .
    أما الثاني : فدلالة الإجماع على هذا التعاقد ، إجماع قد تقدم مستنده من السنة ، ؛ إذ لم ينقض عصر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلا وهذا العقد محل رضاهم في سائر الأقطار وبلا خلاف بينهم ، ومثل هذا الاتفاق في هذا الأمر الشائع المنتشر التي تتوافر همم الصحابة ودواعيهم على إنكاره لو كان مخالفاً للشرع إجماعٌ لا يتطرق لحجيته أدنى شك .


    إن هذا يدلنا على مغالطة درج عليها كثير من المنافقين وهم يفسرون هذا التشريع الإسلامي الراقي لشكل الحكم بأنه مجرد سلوك شخصي لأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ أساسه الزهد والورع لا التشريع ، وهذا جهل مزري ومغرض بأصول التشريع وطرق إثبات الأحكام في الإسلام .


    إن هذا الإجماع على التعاقد بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحاكمهم يجعل الاستبداد السياسي الذي اعترى الدولة الإسلامية في بعض عصورها نوعاً من الفشل في التطبيق لا غياب التأصيل ، وفرق بين البحث في ضمانات التطبيق وبين إهدار التأصيل بالكلية .


    والمقصود أن الشريعة عنصر جوهري في وصف الدولة بأنها دينية ، إذ لا يكفي في تحقيق هذا الوصف أن يحكم الدولة رجل دين ـ مع تحفظنا على هذا الوصف ـ فقد كان النجاشي مسلماً ، وكان يحكم دولة كافرة مخالفة لملته ، كما لا يكفي في وصف الدولة الدينية النص على هويتها ككونها دولة مسلمة أو مسيحية ، ودونك دستور مصر المحروسة ، فإن النص على أن الدولة مسلمة دينها الرسمي الإسلام لم يزحزحها كثيراً عن حقيقتها العلمانية .
    نعم يظل الحكم باسم الدين عنصراً أساسياً في وصف الدولة بأنها دينية ، باعتباره مصدر الإلزام بالطاعة ، ونحن نسلم بهذا تسليماً تاماً ، ولكن غياب الشريعة يضفي على هذا الوصف ضرباً من التجوز ، طالما ليس هناك دين ـ شريعة ـ أصلاً يدان الناس به فيما بينهم حكاماً كانوا أو محكومين .


    إن هذا يقربنا بعض الشيء من عنوان هذا المقال الذي يبدو لمن لم يتأمله غريباً عجيباً مع أنه صحيح دقيق ، نعم فإن وصف دولة الكنيسة بالدولة الدينية وصف لم يخل من شيء من التجوز ، وهذا لابد أن يردنا إلى بولس الرسول باعتباره المؤسس الأول لمسيحية ما بعد المسيح ـ عليه السلام ـ ؛ فإن بولس الذي قاد انقلاباً ثورياً على تعاليم المسيح عليه السلام ، لم يكتف بسهمه المسموم إلى العقيدة والذي أحدث مخاصمة أبدية بين العقل والإيمان ، حتى صوب سهماً مسموماً آخر إلى قلب الشريعة ، فنادى بإسقاطها بالكلية كضرورة إيمانية لا تنفك عن الاعتقاد ، فصرح بولس بأنه لا لزوم للعمل بالشريعة ، وأن الإيمان بالإله المصلوب كافٍ وحده في رفع اللعنة عمن ترك العمل بكل الشريعة .


    لقد فعل بولس هذا مع تأكيد كتابه المقدس بعهديه القديم والجديد على قضية الالتزام بالشريعة ، ففي العهد القديم مما ينسب للرب عز وجل قوله لموسى ـ عليه السلام ـ :
    [ (26) ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها. ويقول جميع الشعب آمين ]

    ( تثنية 26 )

    ومما ينسب إلى المسيح ـ عليه السلام ـ في العهد الجديد : [ (17) لا تظنوا أني جئت لألغي الشريعة ( الناموس ) أو الأنبياء. ما جئت لألغي بل لأكمّـل (18) فالحق أقول لكم : " إلى أن تزول الأرض والسماء ، لن يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الشريعة ، حتى يتم كل شيء ]

    ( متى 5 : 17 -18)

    [ إن السماء والأرض تزولان ، ولكن كلامي لا يزول ]

    (متى : 24-25)



    لكن بولس أسقط هذه اللعنة ، لعنة ترك العمل بالشريعة ، وأسقط الالتزام بها ، وهنا يجدر التنبيه إلى أن الالتزام هنا وهو إيجاب طاعة الله عز وجل على النفس أكبر من الطاعة نفسها ، كما أن ترك الالتزام بالطاعة أكبر من العمل بالمعصية لدواعي الضعف والشهوة ، فترك الالتزام استحلال للمعصية وهذا كفر بلا خلاف .
    يقول بولس : " [ إذا قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان (25) ولكن بعد ما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب ]

    ( غلاطية 3 : 24 – 25 )

    ويقول : [ مبطلاً بجسده [ يقصد المصلوب ] ناموس الوصايا [ يعني الشريعة ] .. ]

    ( أفسس 2 : 15 )

    ويقول : [ [ (16) .. إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر [ يحصل على البر ] بأعمال الناموس [ الشريعة ] ، بل بإيمان بيسوع المسيح آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس ، لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما ]

    ( غلاطية 2 : 16 )

    ويقول : [.. أبناموس الأعمال؟ كلا. بل بناموس الإيمان (27) إذاً نحسب أن الإنسان يتبرر [ أ يحصل على البر ] بالإيمان بدون أعمال الناموس ( الشريعة ) ]

    (رومية 3 : 27 – 28 )


    وليس مقصود بولس التأكيد على ضرورة الإيمان لقبول الأعمال ، هذا لو كان ما يعتقده في الإله المصلوب إيماناً ، ولكن مقصوده ـ على وجه القطع ـ أن العمل بالشريعة لا لزوم له بعد الإيمان بالإله المصلوب ، مما يدلك على هذا جرأته على لعن المسيح ذاته، إذ وصفه بأنه ملعون ، وأن لعنته كانت فداء للعنة من ترك العمل بالشريعة .
    يقول بولس : [ (13) إن المسيح حررنا بالفداء من لعنة الشريعة ، إذ صار لعنة عوضاً عنا ، لأنه قد كتب : " ملعون كل من علق على خشبة " ]

    ( غلاطية 3 : 13 )


    إذن فاللعنة على طرح الشريعة مرفوعة والذنوب مهما عظمت مغفورة قد تحملها عنا الإله المصلوب سلفاً .

    لقد كان لإسقاط الشريعة على النحو الذي جاء به بولس أثراً وحشياً على الفكر الإنساني ؛ إذ كان في حقيقته نوعاً من استحلال الفواحش باسم الإيمان ، فالإيمان بالإله المصلوب صك غفران من سائر الخطايا والذنوب ، وهذا قد حمل قدراً هائلاً من التتشوه والتناقض إلى العقل البشري ؛ إذ هو تحرير لأحط غرائز الإنسان البهيمية والسبعية باسم الدين والإيمان ؛ مما كان له أبشع الأثر على الفرد والمجتمع والدولة وسائر الأمم ، ولقد فتح هذه الإيمان المشوه الطريق أمام النظريات الفلسفية التي مجدت القوة وشرعت اغتصاب ما لدى سائر الأمم الضعيفة من الخيرات ؛ باعتبار هذا الاغتصاب قانوناً طبيعياً ، وعلى هذه الخلفية الإيمانية المشوهة يمكن تفسير كثيراً من التصرفات البربرية للغرب وشعوبه تجاه أمم الأرض المستضعفة .


    ولقد مهد إسقاط الشريعة المكتوبة الطريق أمام أشد صور الاستبداد السياسي وذلك بتنزلة رأي الحاكم وطريقة حكمه للدولة منزلة الشريعة المقدسة ؛ وذلك باعتبار الحاكم نفسه مرتباً ترتيباً مباشراً من الله عز وجل ، ومن ثم فلا سبيل إلى التشكيك في صحة كل ما يأتي به .
    يقول بولس : " لتخضع كل نفس للسلاطين العالية ، فإنه لا سلطان إلا من الله ، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله ، حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله ، والمقاومون يأخذون دينونة " [رسالته لأهل رومية 13/1]

    وقد مهد إسقاط الشريعة الطريق وبقوة أمام الفكر العلماني الذي يستقي تصوراته عن الدولة والقانون والأخلاق من عناصر القوة الأرضية في كل مجتمع ؛ إذ ليس بعد إسقاط الشريعة الإلهية سوى العلمانية ، منهجان لا ثالث لهما .
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

    كتبه مجد الدين بن أحمد الآبار
    مدونتي
    لواء الإسلام

  • #2
    حياكم الله ..
    أسلوب الطرح جميل ..

    بتحليل كتابات وأقوال بولس ترى كيف كان متلوناً مرناً - سياسي بارع بمفهوم العصر الحديث - فهو يتلون باللون الذي يناسب مخاطبه .. وكأنه يتردي عدة مسوح يخلع إحداها ليرتدي الأخرى حسب المكان والزمان ..
    وفيما يخص الموضوع فتجد كثيراً من كتاباته لا يمكن أن تفهمها إلا على أنه ينفي أي صلة بين التبرير والأعمال الصالحة بل وإن التبرير بمجرد الإيمان بالفداء واقع لا محالة .. وفي مواطن أخرى يعلن إعلاناً تاماً أن التبرير يحصل بالعمل الصالح يخالطه الإيمان بالفداء ..
    وهكذا كل كتابات الرجل فيصعب معها أن تحكم عليه أنه يسير وفق منهج فكري واحد صريح ..

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم

      حياك الله وبياك أخي الكريم وجزاكم الله خيراً .
      أحسنت أخي الكريم أحسن الله إليك، فقد كان بولس مدرسة فريدة في التلون ، وأحسنت أيضاً بوصفه بالسياسي ، والحق أن أقرب وصف لمسيحية بولس أنها مذهب سياسي ، ولكنه لم يكن حائراً لا يدري ما يريد ، والظاهر البين أن إسقاط الشريعة أحد أهم أهدافه ، ولكنه ربما أظهر عكس ذلك ريثما تتمكن دعوته ، ومراعاة لمسألة التدرج مع المدعوين ، هذا هو الشيء الذي يجمع بين أقواله المتباينة ، ولا يخفاك قطعاً ما في قوله الآتي من التدرج والاحتيال على المدعوين :
      [ (19) فإني إذ كنت حرا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين (20) فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود . وللذين تحت الناموس ( الشريعة ) كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس (21) وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس . مع أني لست بلا ناموس الله بل تحت ناموس للمسيح لأربح الذين بلا ناموس . ]
      ( الكتاب المقدس : رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 9 : 19 – 21 )
      فكأنه جعل بدلاً عن الشريعة المكتوبة المعلومة ناموساً جديداً هو الإيمان بالمسيح المصلوب .


      لكن يا أخي الكريم عندي مشكلة كبيرة فأنا منذ سجلت أردت أن أضع توقيعاً باسم مدونتي فلم أقدر على ذلك ، وأردت أن أرسل رسالة للمشرف ليساعدني فلم أفلح في ذلك ، ووصلتني رسالة كريمة منكم فلم أعرف كيف أرد على اقتراحكم الكريم بالموافقة ، فهلا تكرمت بإرشادي إلى حل .
      مدونتي
      لواء الإسلام

      تعليق


      • #4
        بعد قراءة الرسالة الخاصة توجد أيقونة الرد عليها اضغط عليها واكتب ما شئت ..
        فيما يخص التوقيع فهو غير مفعل .. ويختص بذلك الأستاذ الحبيب عبد الله المصري ..

        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم
          أخي الكريم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
          لا أجد هذه الأيقونة لذلك سأرد هنا .
          جزاكم الله خيراً وبارك الله في جهودكم وأحسن إليكم .
          أخي الكريم هناك مقال بعنوان " انتكاسة عقلية كبيرة في تاريخ البشرية " قبل مقال " كيرلس الأول وبدائه العقل وضروراته " .
          وسأضعها إن شاء الله إما اليوم أو غداً .
          بارك الله فيكم
          مدونتي
          لواء الإسلام

          تعليق


          • #6
            هذا المقطع من إهداء الأخ الحبيب أحمد باسوورد ..
            وهو بمناسبة التلون .. أي أن يكون رجل الدين النصراني " مطاطي " المبدأ .. على حسب الريح ما يودي الريح ..
            http://www.youtube.com/watch?v=HmyC6...layer_embedded

            تعليق


            • #7
              فعلاً شيء عجيب الرجل تحول في لمح البصر ، شكراً لك وللأخ أحمد
              مدونتي
              لواء الإسلام

              تعليق

              مواضيع ذات صلة

              تقليص

              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 1 نوف, 2023, 02:29 ص
              ردود 0
              65 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
              بواسطة *اسلامي عزي*
               
              ابتدأ بواسطة Mohamedfaid1, 4 سبت, 2023, 04:37 م
              ردود 2
              51 مشاهدات
              1 معجب
              آخر مشاركة Mohamedfaid1
              بواسطة Mohamedfaid1
               
              ابتدأ بواسطة mohamed faid, 24 يون, 2023, 12:55 م
              ردود 0
              49 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة mohamed faid
              بواسطة mohamed faid
               
              ابتدأ بواسطة mohamed faid, 31 ماي, 2023, 01:47 م
              رد 1
              82 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة mohamed faid
              بواسطة mohamed faid
               
              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 أبر, 2023, 05:16 ص
              ردود 4
              33 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
              بواسطة *اسلامي عزي*
               
              يعمل...
              X