بقية مبادئ المعاملات والأداب من القرآن العظيم . سلسلة متجددة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Saber Abbas مسلم اكتشف المزيد حول Saber Abbas
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    بسم الله الرحمن الرحيم

    مع الجزء التاسع و العشرون
    (4)
    وبعض آيات من سورة القلم

    إختبار أصحاب الثروات

    إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ - 17 وَلَا يَسْتَثْنُونَ – 18 فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ – 19 فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ – 20 فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ – 21 أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ – 22 فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ – 23 أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ – 24 وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ – 25 فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ – 26 بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ – 27

    لقد كان للمساكين حظ من ثمار الجنة وهي أرض زراعية حباها الله بالثمار الكثيرة - كما تقول الروايات - على أيام صاحبها الطيب الصالح . ولكن الورثة يريدون أن يستأثروا بثمرها الآن , وأن يحرموا المساكين حقهم...الذي فرضه الله في زكاة الزروع.

    إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ -17 وَلَا يَسْتَثْنُونَ – 18

    لقد استقر رأيهم على أن يقطعوا ثمرها عند الصباح الباكر , دون أن يستثنوا منه شيئا للمساكين . وأقسموا على هذا , وعقدوا النية عليه , وباتوا بهذا الشر فيما اعتزموه .
    والله يسمع ويرى ..فإن الكون كونه والخلق خلقه والنعم منه تفضلا يعطيها من يشاء ليختبرهم...
    لقد استمر العطاء لنعم الله طالما كانوا شاكرين لنعمه على الفقراء والمساكين ..ولكنهم الأن يضمرون الشر والحرمان للمساكين ..فهل يستحقون هذا الفضل ؟

    فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ – 19
    فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ – 20

    فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ – 21 أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ – 22
    فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ – 23 أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ – 24
    وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ – 25

    ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: عذاب نزل عليها ليلًا ﴿ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾ فأبادها وأتلفها ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ أي: كالليل المظلم، ذهبت الأشجار والثمار، هذا وهم لا يشعرون بهذا الواقع الملم، ولهذا تنادوا فيما بينهم، لما أصبحوا يقول بعضهم لبعض: ﴿ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا ﴾ قاصدين له ﴿ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴾ فيما بينهم، ولكن بمنع حق الله، ويقولون: ﴿ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴾ أي: بكروا قبل انتشار الناس، وتواصوا مع ذلك، بمنع الفقراء والمساكين، ومن شدة حرصهم وبخلهم، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة، خوفًا أن يسمعهم أحد، فيخبر الفقراء.

    أجل إنهم لقادرون على المنع والحرمان . .ولكنه حرمان أنفسهم من نعم الله التي أمدهم بها ليسعدوا بها ويسعدوا المساكين...
    فحرمان الفقراء والمساكين من حقهم كان سببا في حرمان أصحاب الجنة...

    فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ – 26 بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ – 27

    والآن وقد حاقت بهم عاقبة المكر والتبييت , وعاقبة البطر والمنع , يتقدم أوسطهم وأعقلهم وأصلحهم.....

    قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ – 28 قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ – 29 فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ – 30 قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ – 31 عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ – 32 كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ – 33 إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ - 34

    ﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾ أي: أعدلهم، وأحسنهم طريقة ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾ أي: تنزهون الله تعالى وتعلموا أنه يراكم ويسمع ما تمكرون.. فهذا مقتضى الإيمان والتسبيح ..
    فالتسبيح يمنعك من المكر السئ , لأنك تنزه الله تعالى عن الغفلة. قال تعالى في سورة إبراهيم : لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ – 42 ....

    فقالوا ﴿ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ أي: استدركوا بعد ذلك، ولكن بعد ما وقع العذاب على جنتهم، الذي لا يرفع، ولكن لعل تسبيحهم هذا، وإقرارهم على أنفسهم بالظلم، ينفعهم في تخفيف الإثم ويكون توبة، ولهذا ندموا ندامة عظيمة.
    ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾ فيما أجروه وفعلوه،
    ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴾ أي: متجاوزين للحد في حق الله، وحق عباده.
    ﴿ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ فهم رجوا الله أن يبدلهم خيرًا منها، ووعدوا أنهم سيرغبون إلى الله، ويلحون عليه في الدنيا، فإن كانوا كما قالوا، فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا خيرًا منها لأن من دعا الله صادقًا، ورغب إليه ورجاه، أعطاه سؤله.

    فليكن التسبيح بالمعنى العملي هو أساس جميع معاملات المؤمن لكي نحظى بنعم الله تعالى علينا.

    إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ - 34

    *******

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

    تعليق


    • #17

      بسم الله الرحمن الرحيم

      مع الجزء التاسع و العشرون
      (5)
      وبعض آيات من سورة القلم

      أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ – 35 مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – 36

      العدل سمة شريعة الإسلام

      إن حكمة الله تعالى تقتضي أن لا يجعل المسلمين القانتين لربهم، المنقادين لأوامره في كل معاملاتهم ، المتبعين لمرضاته كالمجرمين الذين أسرفوا في المعاصي، والكفر بآياته، ومعاندة رسله، ومحاربة أوليائه،

      فالإسلام هو دين السلام الذي يفرض على أتباعه أعرق الأخلاق بجانب تربية الضمير على الرقابة من الله تعالى في جميع الأحوال..
      وبذلك تكتمل المنظومة التشريعية للإسلام , شريعة متكاملة الأركان شاملة للمبادئ الأساسية في حياة البشر فهي صالحة لكل زمان ومكان. وعقيدة تهيمن على قلب المسلم , فهو سوي السلوك أمام عيون الناس أو منفردا - فالأمر في كلا الحالتين مشهود لله تعالى..

      ولا تستوي تلك المبادئ مع المجرم الذي لا يراعي أخلاق ولا عهد ولا ذمة , يلتزم مخافة العقاب ويظهر لك جميل الأدب , فإن كانت السلطة في يديه ظلم العباد ونهب البلاد وأذاع الفساد تحت مسميات الثقافة والأبداع,
      قال تعالى في سورة البقرة:
      وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ – 204 وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ – 205 وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ – 206

      وقال تعالى في سورة لقمان:
      وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ – 6 وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ - 7
      إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ - 8 خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ – 9


      عقاب الذين أجرموا

      قال تعالى في سورة النمل:

      ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ – 69 ﴾ فلا تجدون مجرما قد استمر على إجرامه، إلا وعاقبته شر عاقبة وقد أحل الله به من الشر والعقوبة ما يليق بحاله.

      وقال تعالى في سورة السجدة:
      ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ 22

      أي: لا أحد أظلم، وأزيد تعديًا، ممن ذكر بآيات ربه، التي أوصلها إليه ربه، الذي يريد تربيته، وتكميل نعمته على أيدي رسله، تأمره، وتذكره مصالحه الدينية والدنيوية، وتنهاه عن مضاره الدينية والدنيوية، التي تقتضي أن يقابلها بالإيمان والتسليم، والانقياد والشكر، فقابلها هذا الظالم بضد ما ينبغي، فلم يؤمن بها، ولا اتبعها، بل أعرض عنها وتركها وراء ظهره، فهذا من أكبر المجرمين، الذين يستحقون شديد النقمة، ولهذا قال: ﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾

      حال المجرمين يوم القيامة

      وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا - 49 الكهف

      ووُضِع كتاب أعمال كل واحد في يمينه أو في شماله، فتبصر العصاة خائفين مما فيه بسبب ما قدموه من جرائمهم،
      ولا يظلم ربك أحدًا مثقال ذرة، فلا يُنقَص طائع من ثوابه، ولا يُزاد عاص في عقابه....

      *******

      أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ – 35 مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – 36


      وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      تدرون من المسلم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : من سلم المسلمون من لسانه ويده. قال : تدرون من المؤمن ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ...قال : من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم والمهاجر من هجر السوء فاجتنبه...
      الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص ...
      - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 11/137
      إسناده صحيح


      *******
      إن المتتبع لهذه السلسلة وقد قاربنا نهايتها يجد الأخلاق الرفيعة والأداب السامية والمعاملات التي مبناها الصدق والعدل واتقان العمل والشهامة في مساعدة الضعفاء والإنفاق على الفقراء والمساكين . والدفاع عن أوطانهم , والدعوة إلي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
      هذا هو الإسلام الحق الذي يحقق العزة والكرامة للإنسانية.
      وليس لأي شخص- كان من كان يراد به تشويه الإسلام بتصرفات منافية للدين العظيم – أن يكون حجة لمبادئ الإسلام..
      ولكن الإسلام حجة على الجميع..


      *******

      وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

      تعليق


      • #18
        بسم الله الرحمن الرحيم

        مع الجزء التاسع و العشرون
        (6)
        وبعض آيات من سورة الحاقة

        مصارع الأمم
        المكذبة برسالات الله تعالى.


        الْحَاقَّةُ – 1 مَا الْحَاقَّةُ – 2 وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ – 3
        كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ – 4 فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ – 5 وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ – 6 سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ – 7 فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ – 8

        وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ – 9 فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً – 10

        إن رسالات الله تعالى أتت لرحمة الإنسان من التخبط ولحمايته من الظلم والفساد ولحمايته من تسلط الطغاة , حيث الحرية والكرامة هي أساس شريعة الله تعالى.

        إن أمر الدين والعقيدة , جد خالص حازم جازم . جد كله لا هزل فيه . ولا مجال فيه للهزل . جد في الدنيا وجد في الآخرة , وجد في ميزان الله وحسابه . جد لا يحتمل التلفت عنه هنا أو هناك كثيرا ولا قليلا . وأي تلفت عنه من أي أحد يستنزل غضب الله الصارم , وأخذه الحاسم ..
        إنه الحق . حق اليقين . من رب العالمين...

        وإن المتأمل في الحضارات التي أبيدت وانتهى مصيرها بالعقاب الإلهي يجد أنها بلغت حدا كبيرا من الحضارة المادية , ولكي ندرك هذا الأمر ننظر إلى الأهرامت العملاقة والتي تعتبر معجزة في البناء تحير مهندسي العالم حتى الأن..هذه الأهرامات ما هي إلا مدافن لفراعنة مصر, فكيف كانت القصور ؟؟ وأين علوم التحنيط التي تعتبر سرا من أسرار تلك الحضارة ؟ كل هذه الحضارة إنهارت وأبيدت بسبب التكذيب والعناد لرسالة الله تعالى..
        وكذلك حضارة عاد وثمود أبيدت بسبب تعنتهم واستكبارهم على رسالة ربهم..

        وهكذا كل من تكبر ورفض الحق ورسالة الحق أخذ أخذة مروعة داهمة قاصمة , تتناسب مع الجد الصارم الحاسم في هذا الأمر العظيم الهائل , الذي لا يحتمل هزلا , ولا يحتمل لعبا , ولا يحتمل تلفتا عنه من هنا أو هناك....
        ويبرز ذلك في مشهد القيامة المروع , وفي نهاية الكون الرهيبة , وفي جلال التجلي كذلك وهو أروع وأهول: ( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة . وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة , فيومئذ وقعت الواقعة ,وانشقت السماء فهي يومئذ واهية . . والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية )

        ******

        وثمود - كما جاء في مواضع أخرى - كانت تسكن الحجر في شمالي الحجاز بين الحجاز والشام . وكان أخذهم بالصيحة كما سماها في غير موضع . أما هنا فهو يذكر وصف الصيحة دون لفظها . .( بالطاغية ). . لأن هذا الوصف يفيض بالهول المناسب لجو السورة . ويكتفي بهذه الآية الواحدة تطوي ثمود طيا , وتغمرهم غمرا , وتعصف بهم عصفا , وتطغى عليهم فلا تبقي لهم ظلا ...

        وأما عاد فقد استمرت وقعتها سبع ليال وثمانية أيام حسوما . على حين كانت وقعة ثمود خاطفة . . صيحة واحدة . طاغية . .( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ).
        والريح الصرصر:الشديدة الباردة . واللفظ ذاته فيه صرصرة الريح . وزاد شدتها بوصفها ( عاتية ). . لتناسب عتو عاد وجبروتها المحكي في القرآن , وقد كانوا يسكنون الأحقاف في جنوب الجزيرة بين اليمن وحضرموت . وكانوا أشداء بطاشين جبارين . هذه الريح الصرصر العاتية: ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ). . والحسوم القاطعة المستمرة في القطع . والتعبير يرسم مشهد العاصفة المزمجرة المدمرة المستمرة هذه الفترة الطويلة المحددة بالدقة: ( سبع ليال وثمانية أيام ). ثم يعرض المشهد بعدها شاخصا: ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ). . فترى . . فالمنظر معروض تراه , والتعبير يلح به على الحس حتى يتملاه ...( صرعى ). . ( كأنهم أعجاز نخل ) بأصولها وجذوعها ( خاوية ) فارغة تآكلت أجوافها فارتمت ساقطة على الأرض هامدة . .( فهل ترى لهم من باقية ? ). . لا - فليس لهم من باقية
        ذلك شأن عاد وثمود . . وهو شأن المكذبين .

        وجاء فرعون ومن قبله والمؤتكفات بالخاطئة . فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ...
        وفرعون كان في مصر - وهو فرعون موسى - ومن قبله لا يذكر عنهم تفصيل . والمؤتفكات قرى لوط المدمرة التي اتبعت الإفك أو التي انقلبت , فاللفظ يعني هذا وهذا . ويجمل السياق فعال هؤلاء جميعا , فيقول عنهم انهم جاءوا ( بالخاطئة ) أي بالفعلة الخاطئة - من الخطيئة - ( فعصوا رسول ربهم ). . وهم عصوا رسلا متعددين ; ولكن حقيقتهم واحدة , ورسالتهم في صميمها واحدة . فهم إذن رسول واحد , يمثل حقيقة واحدة
        وهي بلاغ رسالة الله للعالمين التي هي الرحمة لهم في الدنيا والأخرة...

        *******

        وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

        تعليق


        • #19
          بسم الله الرحمن الرحيم

          مع الجزء التاسع و العشرون
          (7)
          وبعض آيات من سورة المعارج


          أهمية الإيمان
          في نفسية الإنسان وتصرفاته


          إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً - 19 إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً - 20 وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً - 21 إِلَّا الْمُصَلِّينَ - 22 الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ -23 وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ - 24 لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ - 25
          وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ - 26 وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ - 27 إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ - 28
          وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - 29 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ - 30 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ - 31
          وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ -32 وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ - 33 وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ -34 أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ - 35


          *******

          أولا : حالة الإنسان بدون الإيمان


          إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً - 19 إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً - 20 وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً - 21

          فالإنسان بدون الإيمان هلوعا . . جزوعا عند مس الشر , يتألم للذعته , ويجزع لوقعه , ويحسب أنه دائم لا كاشف له . ويظن اللحظة الحاضرة سرمدا مضروبا عليه ; ويحبس نفسه بأوهامه في قمقم من هذه اللحظة وما فيها من الشر الواقع به . فلا يتصور أن هناك فرجا ; ولا يتوقع من الله تغييرا . ومن ثم يأكله الجزع , ويمزقه الهلع . ذلك أنه لا يأوي إلى ركن ركين يشد من عزمه , ويعلق به رجاءه وأمله . .
          منوعا للخير إذا قدر عليه . يحسب أنه من كده وكسبه فيضن به على غيره , ويحتجذه لشخصه , ويصبح أسير ما ملك منه , مستعبدا للحرص عليه ... ذلك أنه لا يدرك حقيقة الرزق ودوره هو فيه . ولا يتطلع إلى خير منه عند ربه ... فهو هلوع في الحالتين . . هلوع من الشر . هلوع على الخير . . وهي صورة بائسة للإنسان , حين يخلو قلبه من الإيمان..

          ومن ثم يبدو الإيمان بالله مسألة ضخمة ومهمة في حياة الإنسان . لا كلمة تقال باللسان , ولا شعائر تعبدية تقام . إنه حالة نفس ومنهج حياة , وتصور كامل للقيم والأحداث والأحوال . وحين يصبح القلب خاويا من هذا المقوم فإنه يتأرجح ويهتز وتتناوبه الرياح كالريشة .. ويبيت في قلق وخوف دائم , سواء أصابه الشر فجزع , أم أصابه الخير فمنع .
          فأما حين يعمره الإيمان فهو منه في طمأنينة وعافية , لأنه متصل بمصدر الأحداث ومدبر الأحوال ; مطمئن إلى قدر الله تعالى, شاعر برحمته , مقدر لابتلائه , متطلع دائما إلى فرجه من الضيق , ويسره من العسر . متجه إليه بالخير , عالم أنه ينفق مما رزقه , وأنه مجزي على ما أنفق في سبيله , معوض عنه في الدنيا والآخرة . . فالإيمان كسب في الدنيا يتحقق قبل جزاء الآخرة , يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طوال رحلة الحياة الدنيا....


          ثانيا : حالة الإنسان المؤمن
          والتزام بمبادئ الإسلام.


          الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ -23

          والصلاة فوق أنها ركن الإسلام وعلامة الإيمان , هي وسيلة الاتصال بالله تعالى , والاستمداد من ذلك الرصيد . ومظهر العبودية الخالصة التي يتجرد فيها مقام الربوبية ومقام العبودية في صورة معينة . وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا: ( الذين هم على صلاتهم دائمون ). . تعطي صورة الاستقرار والاستطراد , فهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل وهي صلة بالله مستمرة غير منقطعة .
          وقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا عمل شيئا من العبادة داوم عليه - وكان يقول: وإن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل .

          وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ - 24 لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ - 25


          وهي الزكاة على وجه التخصيص والصدقات المعلومة القدر . . وهي حق في أموال المؤمنين . . أو لعل المعنى أشمل من هذا وأكبر . وهو أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يشعرون أنه حق للسائل والمحروم .

          والسائل الذي يسأل ; والمحروم الذي لا يسأل ولا يعبر عن حاجته فيحرم أو لعله الذي نزلت به النوازل فحرم وعف عن السؤال .

          والشعور بأن للمحتاجين والمحرومين حقا في الأموال هو شعور بفضل الله من جهة , وبآصرة الإنسانية من جهة , فوق ما فيه من تحرر شعوري من ربقة الحرص والشح . وهو في الوقت ذاته ضمانة اجتماعية لتكافل الأمة كلها وتعاونها .
          فهي فريضة ذات دلالات شتى , في عالم الضمير وعالم الواقع سواء . .
          بحيث لو فعلت فريضة الزكاة فلن تجد على وجه الأرض فقير معدم كما نراها اليوم.. فقراء تحت خط الفقر, وأغنياء مخزنة ثرواتهم بالمليارات بالبنوك لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم..

          وإن شاء الله تعالى نستكمل بقية الصفات والإلتزمات, في اللقاء القادم..

          ******

          وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

          تعليق


          • #20
            بسم الله الرحمن الرحيم

            مع الجزء التاسع و العشرون
            (8)
            وبعض آيات من سورة المعارج

            أهمية الإيمان
            في نفسية الإنسان


            تكلمنا في اللقاء السابق عن الإنسان بدون الإيمان وكيف إنه يعيش ممزق النفس حيث يعيش هلوعا جزوعا..وأن النجاة من هذه الحالة إلتزام الإيمان بالمحافظة على الصلة بينه وبين خالقه , وإخراج زكاة ماله ,وذلك لتحقيق التكافل الإجماعي في المجتمع.
            ونستكمل اليوم بإذن الله تعالى بقية الصفات.


            وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ - 26


            فالتصديق بيوم الدين شرط الإيمان وأساس جميع المعاملات. وبدونه يسقط الإيمان وتسقط معها الثقة في جميع المعاملات إلا إذا كانت موثقة توثيقا لا يدع مجالا للشك في العقود المبرمة بين الأفراد والجماعات.
            والتصديق بيوم الدين ذو أثر حاسم في منهج الحياة شعورا وسلوكا .
            فالمصدق بيوم الدين يعمل وهو ناظر لميزان السماء لا لميزان الأرض , ولحساب الآخرة لا لحساب الدنيا ويتقبل الأحداث خيرها وشرها وفي حسابه أنها مقدمات نتائجها هناك , فيضيف إليها النتائج المرتقبة حين يزنها ويقومها . .

            والمكذب بيوم الدين يحسب كل شيء بحسب ما يقع له منه في هذه الحياة القصيرة المحدودة , ويتحرك وحدوده هي حدود هذه الأرض وحدود هذا العمر . فهو بائس مسكين معذب قلق لأن ما يقع في هذا الشطر من الحياة الذي يحصر فيه تأملاته وحساباته وتقديراته , قد لا يكون مطمئنا ولا مريحا ولا عادلا ولا معقولا , ما لم يضف إليه حساب الشطر الآخر وهو أكبر وأطول . قال تعالى في سورة الأعلى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا – 16 وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى - 17
            ومن ثم يشقى من لا يؤمن بيوم الحساب و يشقى غيره من حوله . ولا تستقيم له حياة رفيعة لا يجد جزاءها في هذه الأرض واضحا . . ومن ثم كان التصديق باليوم الآخر شرط الإيمان الذي يقوم عليه منهج الحياة في الإسلام..

            وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ - 27
            إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ - 28


            وهذه درجة أخرى وراء مجرد التصديق بيوم الدين . درجة الحساسية المرهفة , والرقابة اليقظة , والشعور بالتقصير في جناب الله على كثرة العبادة , والخوف من تلفت القلب واستحقاقه للعذاب في أية لحظة , والتطلع إلى الله للحماية والوقاية.. .
            ولقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو من هو عند الله . وهو يعرف أن الله قد اصطفاه ورعاه . . كان دائم الحذر دائم الخوف لعذاب الله . وكان على يقين أن عمله لا يعصمه ولا يدخله الجنة إلا بفضل من الله ورحمة .
            وقال لأصحابه: لن يدخل الجنة أحدا عمله ... قالوا: ولا أنت يا رسول الله ? قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته..

            ( إن عذاب ربهم غير مأمون ). . إيحاء بالحساسية الدائمة التي لا تغفل لحظة , فقد تقع موجبات العذاب في لحظة الغفلة فيحق العذاب . والله لا يطلب من الناس إلا هذه اليقظة وهذه الحساسية , فإذا غلبهم ضعفهم معها , فرحمته واسعة , ومغفرته حاضرة . وباب التوبة مفتوح ليست عليه مغاليق .
            والقلب الموصول بالله يحذر ويرجو , ويخاف ويطمع , وهو مطمئن لرحمة الله على كل حال...

            وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - 29 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ - 30 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ - 31

            وهذه تعني طهارة النفس والجماعة , فالإسلام يريد مجتمعا طاهرا نظيفا , وفي الوقت ذاته ناصعا صريحا . مجتمعا تؤدى فيه كل الوظائف الحيوية , وتلبي فيه كل دوافع الفطرة . ولكن بغير فوضى ترفع الحياء الجميل .

            فالمجتمع الإسلامي يقوم على أساس الأسرة الشرعية المتينة القوائم . وعلى البيت العلني الواضح المعالم . مجتمعا يعرف فيه كل طفل أباه , ولا يخجل من مولده ....
            ومن ثم يذكر القرآن هنا من صفات المؤمنين ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين , فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون )

            والإسلام نظيف صريح قويم يجعل الأسرة هي اللبنة الوحيدة في بناء المجتمع الإيماني ...
            والأحكام الإسرية جاءت لتحكم جميع العصور بما فيها العصور التي كانت تبيح الاسترقاق ( ملك اليمين )
            فقد قضى الإسلام على الرق من جذوره, إذ أن مصدر الرق كان الأسر في الحروب , وقد أغلق هذا الباب...
            قال تعالى في سورة محمد : حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً..
            وبذلك أغلق باب الإسترقاق...
            وجعل من التقرب إلى الله عتق العبيد المستبقين من النظم السابقة..
            وبناء على ذلك فقد انتهى الرق نهائيا ..ولا يكون إلا العلاقة الأسرية بين الرجل والمرأة هي الرابطة الوحيدة المعترف بها في الإسلام ولا اعتراف بإي علاقة أخرة مهما كانت...




            وإن شاء الله تعالى نستكمل بقية الصفات في اللقاء القادم..



            ******

            وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

            تعليق


            • #21
              بسم الله الرحمن الرحيم

              مع الجزء التاسع و العشرون
              (9)
              وبعض آيات من سورة المعارج

              أهمية الإيمان
              في نفسية الإنسان

              تكلمنا في اللقاءات السابقة عن الإنسان بدون الإيمان وكيف إنه يعيش ممزق النفس حيث يعيش هلوعا جزوعا..وأن النجاة من هذه الحالة إلتزام الإيمان بالمحافظة على الصلة بينه وبين خالقه , وإخراج زكاة ماله ,وذلك لتحقيق التكافل الإجماعي في المجتمع. واليقين بيوم الحساب والخوف والرجاء في عفو الله تعالى..
              ثم تحدثنا عن الحياة النظيفة في ظل شريعة الإسلام التي جعلت الأسرة هي اللبنة الأساسية والوحيدة في بناء المجتمع الإنساني.
              ونستكمل اليوم بإذن الله تعالى بقية الصفات.


              وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ -32

              وهذه من القوائم الأخلاقية التي يقيم الإسلام عليها نظام المجتمع . ورعاية الأمانات والعهود في الإسلام تبدأ من رعاية الأمانة الكبرى التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان . وهي أمانة العقيدة والاستقامة عليها .
              قال تعالى في سورة الأعراف: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ – 172

              ومن رعاية العهد الأول المقطوع على فطرة الناس- وهم بعد في الأصلاب- أن الله ربهم الواحد , وهم بخلقتهم على هذا العهد شهود . . ومن رعاية تلك الأمانة وهذا العهد تنبثق رعاية سائر الأمانات والعهود في معاملات الأرض.

              وقد شدد الإسلام في الأمانة والعهد وكرر وأكد , ليقيم المجتمع على أسس متينة من الخلق والثقة والطمأنينة . وجعل رعاية الأمانة والعهد سمة النفس المؤمنة , كما جعل خيانة الأمانة وإخلاف العهد سمة النفس المنافقة والكافرة . ورد هذا في مواضع شتى من القرآن والسنة لا تدع مجالا للشك في أهمية هذا الأمر البالغة في مبادئ الإسلام.
              قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
              أربع من كن فيه كان منافقا ، أو كانت فيه خصلة من أربعة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر.
              رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص.

              ********

              وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ - 33
              وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ -34 أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ - 35

              أي: لا يشهدون إلا بما يعلمونه، من غير زيادة ولا نقص ولا كتمان، ولا يحابي فيها قريبا ولا صديقا ونحوه، ويكون القصد بها وجه الله.

              قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾2 الطلاق
              ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾135 النساء .

              القسط الذي هو العدل في حقوق الله وحقوق عباده،
              فالقسط في حقوق الله أن لا يستعان بنعمه على معصيته، بل تصرف في طاعته....
              ومن القسط أداء الشهادة التي عندك على أي وجه كان، حتى على الأحباب بل على النفس...

              وكما بدأ سمات النفوس المؤمنة بالصلاة , ختمها كذلك بالصلاة...

              وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ -34

              وهي صفة غير صفة الدوام التي ذكرت في صدر هذه الصفات .
              فهنا تتحقق الصلاة بالمحافظة عليها في مواعيدها , وفي فرائضها , وفي سننها , وفي هيئتها , وفي الروح التي تؤدى بها .
              فلا يضيعونها إهمالا وكسلا . ولا يضيعونها بعدم إقامتها على وجهها . .

              ومن الأهمية بمكان أن تفعل مواقيت الصلاة بحيث تؤدى في كل مرافق الدولة في كل المصانع والهيئات والمدارس والمعاهد والجامعات.
              ونحن نشاهد ذلك في السعودية إذا حان وقت الصلاة ينهض الجميع لأداءها ثم يواصلون أعمالهم ولم نسمع قط عن تعطيل العمل أو تعطيل المتاجر بل الكل يسير ضمن منظومة إيمانية وبركة من الله لجميع أعمالهم.. بينما لم تحدث تلك البركة في البلدان التي تضيع الصلاة بحجة عدم تضيع الوقت والعمل .. فبترك الصلاة ضاع الوقت وفسد العمل.

              وأيضا لو نظمنا أوقات العمل طبقا لمواعيد الصلاة لكنا سادة الأمم بلا منازع...فكلنا يعرف أن اليوم يبدأ عند المسلم بصلاة الفجر...فلو أن الأعمال تبدأ بعد صلاة الفجر لتحقق لنا البركة في البكور ووفرنا الطاقة الكهربية حيث أن وقت العمل من بعد صلاة الفجر إلى صلاة الظهر يصل إلى ثمان ساعات كلها في ضوء النهار..

              وذكر الصلاة في المطلع والختام يوحي بالاحتفال والاهتمام بهذه الصلة الهامة بين العباد وخالقهم سبحانه وتعالى.
              وبهذا تختم سمات المؤمنين...وندرك معها أنه لا خلاص من الأمراض النفسية مثل الهلع والجزع والبخل ومنع مساعدة الناس إلا بإلتزام بشريعة الله تعالى وأداء ما فرضه الله علينا من صلاة وزكاة وغيرها من الفرائض والإلتزام بمبادئ العدل في أداء الشهادة.

              وهنا يظهر لنا مستقبل هؤلاء, العزة في الدنيا والكرامة في الأخرة..

              أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ - 35

              *******

              وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

              تعليق


              • #22
                بسم الله الرحمن الرحيم

                مع الجزء التاسع و العشرون
                (10)
                وبعض آيات من سورة نوح

                أسباب البركة في الرزق
                والبركة في الذرية


                فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً – 10 يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً – 11 وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً – 12

                مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً – 13 وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً – 14 أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً – 15 وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً – 16

                وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً – 17 ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً – 18 وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطاً – 19 لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً – 20

                إن دعوة الأنبياء من لدن أدم إلى نبينا صلوات الله وسلامه عليه واحده , فهذا نبي الله " نوح" يدعو قومه الف سنة إلا خمسين عاما بدعوة التوحيد , والتوبة من الشرك...
                ونلاحظ هنا ربط بين الإيمان والاستغفار وبين الرزق.
                وفي القرآن مواضع متكررة فيها هذا الارتباط بين صلاح القلوب واستقامتها على هدى الله , وبين تيسير الأرزاق , وعموم الرخاء . . .
                قال تعالى : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض , ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون – 96 الأعراف
                وقال تعالى : ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم -65 ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم – 66 المائدة
                وقال تعالى في أول سورة هود: ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير , وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله....

                إن جميع معاملات الإنسان مرهونة بالوضع الإقتصادي السائد بين أفراده. فبقدر الرخاء والبركة في الثروات وقدرات شبابه على العمل والدفاع عن دياره بقدر تمتعه بالقوة والإكتفاء الذاتي, بل يمكنه تصدير ما يتبقى ليحصل على ثروات إضافية...

                ومن استقراء التاريخ نلاحظ ثبات هذه السنة الكونية,
                فالواقع العملي يشهد بتحققها على مدار القرون . والحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد . وما من أمة قام فيها شرع الله , واتجهت اتجاها حقيقيا لله بالعمل الصالح والاستغفار المنبئ عن خشية الله . . ما من أمة اتقت الله وعبدته وأقامت شريعته , فحققت العدل والأمن للناس جميعا , إلا فاضت فيها الخيرات , ومكن الله لها في الأرض واستخلفها فيها بالعمران وبالصلاح سواء...

                ولقد نشهد في بعض الفترات أمما لا تتقي الله ولا تقيم شريعته ; وهي - مع هذا - موسع عليها في الرزق , ممكن لها في الأرض . . ولكن هذا إنما هو الإبتلاء: ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة..-35 الأنبياء ) ثم هو بعد ذلك رخاء مؤوف , تأكله آفات الاختلال الإجتماعي والانحدار الأخلاقي , أو الظلم والبغي وإهدار كرامة الإنسان . .كما هو مشاهد للجميع..

                ففي النظام الرأسمالي يهبط تصور الحياة إلى الدرك الأسفل فيقوم كله على مدى الثراء.
                وفي النظام الشيوعي تهدر قيمة "الإنسان" إلى درجة دون الرقيق. وليست هذه أو تلك حياة إنسانية توسم بالرخاء...

                فالإيمان إمن نفسي ورخاء وبركة في الأرزاق على الحقيقة..
                ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض..)

                ******

                ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾ أي: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب، واستغفروا الله منها.
                ﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ كثير المغفرة لمن تاب واستغفر، فرغبهم بمغفرة الذنوب، وما يترتب عليها من حصول الثواب، واندفاع العقاب.
                ورغبهم أيضا، بخير الدنيا العاجل، فقال: ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ أي: مطرا متتابعا، يروي الأرض ويجعلها صالحة للزراعة ، ويحيي البلاد والعباد.
                ﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾ أي: يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا وأولادكم، ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ وهذا من أبلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها.

                ******

                وكان على الإنسان العاقل أن يدرك عظمة الله تعالى , ويتجه بعقله وقلبه إلى آيات الله في الكون, فكل من حوله يشهد بوحدانية الخالق الحق..وليس لأي مخلوق أن يدعي خلق ذرة أو أقل من الذرة..

                ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا

                أي: خلقا من بعد خلق، في بطن الأم، ثم في الرضاع، ثم في سن الطفولية، ثم التمييز، ثم الشباب، إلى آخر ما وصل إليه الخلق ، فالذي انفرد بالخلق والتدبير البديع، متعين أن يفرد بالعبادة والتوحيد، وفي ذكر ابتداء خلقهم تنبيه لهم على الإقرار بالمعاد، وأن الذي أنشأهم من العدم قادر على أن يعيدهم بعد موتهم.
                واستدل أيضا عليهم بخلق السماوات التي هي أكبر من خلق الناس، فقال: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴾ أي: كل سماء فوق الأخرى.
                ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ﴾ لأهل الأرض ﴿ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ .
                ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمته وسعة إحسانه، فالعظيم الرحيم، يستحق أن يعظم ويحب ويعبد ويخاف ويرجى.

                ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾ فالآية توحي بالوحدة بين أصول الحياة على وجه الأرض , وأن نشأة الإنسان من الأرض كنشأة النبات . من عناصرها الأولية يتكون . ومن عناصرها الأولية يتغذى وينمو , فهو نبات من نباتها . وهبه الله هذا اللون من الحياة كما وهب النبات ذلك اللون من الحياة . وكلاهما خلقه من الأرض , وكلاهما يرضع من هذه الأم الحنون..

                ﴿ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا ﴾ عند الموت ﴿ وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴾ للبعث والنشور، فهو الذي يملك الحياة والموت والنشور.

                وبذلك تتحدد كل معاملات الإنسان طبقا لعقيدة صحيحة قائمة الحق والعدل...

                ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴾ أي أن الله تعالى جعل لنا الأرض سهلة في تعميرها وإنشاء الطرق عليها وتعميرها بالمدن والمساكن ..وزراعتها والانتفاع بكل ما بسطه الله عليها من نعم لا تعد ولا تحصى..
                فهل أدركنا نعمة الله تعالى على أهل الأرض وكيف يكون حال الإنسان لو أن الأرض مثل المريخ ؟؟ ليس به ماء أو هواء ولم يبسط فيه من الخيرات الغذائية والمعدنية ؟؟ مثل ما بسط على أرضنا من جميع النعم..التي تقتضي أن نشكر الله تعالى عليها. وأن تكون جميع معاملاتنا مبناها رسالة الله تعالى..

                ******

                وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                تعليق


                • #23
                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  مع الجزء التاسع و العشرون
                  (11)
                  وبعض آيات من سورة الجن

                  عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً - 26



                  نتكلم اليوم عن بعض سلوكيات خاطئة لمن يذهبوا إلى الدجالين ليحلوا لهم مشاكلهم عن طريق الجن...
                  وفي الحديث الشريف :
                  من أتى عرافا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة...الراوي: عمر بن الخطاب
                  المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 5/120

                  عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا فسأله فصدقه بما يقول : فقد كفر بما أنزل على محمد...( صلى الله عليه وسلم. )
                  المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 4/90
                  خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد


                  وقد كان العرب في الجاهلية يعتقدون أن للجن سلطانا في الأرض , فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر , لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض , فقال:أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه . . ثم بات آمنا .. كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب وتخبر به الكهان فيتنبأون بما يتنبأون . وفيهم من عبد الجن وجعل بينهم وبين الله نسبا , وزعم له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة.....

                  والاعتقاد في الجن على هذا النحو أو شبهه كان فاشيا في كل جاهلية , ولا تزال الأوهام والأساطير من هذا النوع تسود بيئات كثيرة إلى يومنا هذا....

                  وبينما كانت الأوهام والأساطير تغمر قلوب الناس ومشاعرهم وتصوراتهم عن الجن في القديم , وما تزال . . نجد في الصف الآخر اليوم منكرين لوجود الجن أصلا , يصفون أي حديث عن هذا الخلق المغيب بأنه حديث خرافة...

                  وبين الإغراق في الوهم , والإغراق في الإنكار , يقرر الإسلام حقيقة الجن , ويصحح التصورات العامة عنهم , ويحرر القلوب من خوفها وخضوعها لسلطانهم الموهوم.....

                  فالجن لهم حقيقة موجودة فعلا وهم كما يصفون أنفسهم هنا ( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا ). . ومنهم الضالون المضلون ومنهم السذج الأبرياء الذين ينخدعون: ( وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا , وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ). . وهم قابلون للهداية من الضلال , مستعدون لإدراك القرآن سماعا وفهما وتأثرا ( قل:أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا:إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به , ولن نشرك بربنا أحدا ). .

                  وأنهم قابلون بخلقتهم لتوقيع الجزاء عليهم وتحقيق نتائج الإيمان و الكفر فيهم : ( وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به , فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا . وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون , فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا , وأما القاسطون , فكانوا لجهنم حطبا ). .

                  وأنهم لا ينفعون الإنس حين يلوذون بهم بل يرهقونهم ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ). .

                  وأنهم لا يعلمون الغيب , ولم تعد لهم صلة بالسماء: ( وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا , وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع , فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا , وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) . .

                  وأنهم لا صهر بينهم وبين الله - سبحانه وتعالى - ولا نسب: ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ). .

                  وأن الجن لا قوة لهم مع قوة الله ولا حيلة: ( وأنا ظننا أن لن نعجزالله في الأرض ولن نعجزه هربا )

                  وهذا الذي ذكر في هذه السورة عن الجن بالإضافة إلى ما جاء في القرآن من صفات أخرى كتسخير طائفة من الشياطين لسليمان - وهم من الجن - وأنهم لم يعلموا بموته إلا بعد فترة , فدل هذا على أنهم لا يعلمون الغيب : ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته , فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين -14سبأ )

                  قال تعالى: ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم . . -27 الأعراف ) يدل على أن كيان الجن غير مرئي للبشر , في حين أن كيان الإنس مرئي للجن...
                  هذا بالإضافة إلى ما قرره في سورة الرحمن عن المادة التي منها كيان الجن والمادة التي منها كيان الإنسان في قوله تعالى : ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار , وخلق الجان من مارج من نار ).

                  ******

                  وتعالوا نعيش مع تفسير السعدي لبعض آيات سورة الجن.

                  قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا – 1 يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا – 2

                  أي: ﴿ قُلْ ﴾ يا أيها الرسول للناس ﴿ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ﴾ صرفهم الله [ إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ] لسماع آياته لتقوم عليهم الحجة [ وتتم عليهم النعمة ] ويكونوا نذرا لقومهم .
                  وأمر الله رسوله أن يقص نبأهم على الناس، وذلك أنهم لما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما أنصتوا فهموا معانيه، ووصلت حقائقه إلى قلوبهم، ﴿ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾ أي: من العجائب الغالية، والمطالب العالية.

                  ﴿ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾ والرشد: اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم، ﴿ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ فجمعوا بين الإيمان الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير، وبين التقوى، [ المتضمنة لترك الشر ] وجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان وتوابعه، ما علموه من إرشادات القرآن، وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد واجتناب المضار، فإن ذلك آية عظيمة، وحجة قاطعة، لمن استنار به، واهتدى بهديه، وهذا الإيمان النافع، المثمر لكل خير، المبني على هداية القرآن، بخلاف إيمان العوائد، والمربى والإلف ونحو ذلك، فإنه إيمان تقليد تحت خطر الشبهات والعوارض الكثيرة،

                  ﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ﴾ أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، ﴿ مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ﴾ فعلموا من جد الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى.

                  ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ﴾ أي: قولا جائرا عن الصواب، متعديا للحد، وما حمله على ذلك إلا سفهه وضعف عقله، وإلا فلو كان رزينا مطمئنا لعرف كيف يقول.

                  ﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ أي: كنا مغترين قبل ذلك، وغرنا القادة والرؤساء من الجن والإنس، فأحسنا بهم الظن، وظنناهم لا يتجرأون على الكذب على الله، فلذلك كنا قبل هذا على طريقهم، فاليوم إذ بان لنا الحق، رجعنا إليه ، وانقدنا له، ولم نبال بقول أحد من الناس يعارض الهدى.

                  ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ أي: كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع ، فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف، قال: " أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ".

                  ﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ﴾ أي: فلما أنكروا البعث أقدموا على الشرك والطغيان.

                  ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ ﴾ أي: أتيناها واختبرناها، ﴿ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا ﴾ عن الوصول إلى أرجائها [ والدنو منها ]، ﴿ وَشُهُبًا ﴾ يرمى بها من استرق السمع، وهذا بخلاف عادتنا الأولى، فإنا كنا نتمكن من الوصول إلى خبر السماء.

                  ﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْع ﴾ فنتلقف من أخبار السماء ما شاء الله. ﴿ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ﴾ أي: مرصدا له، معدا لإتلافه وإحراقه، أي: وهذا له شأن عظيم، ونبأ جسيم، وجزموا أن الله تعالى أراد أن يحدث في الأرض حادثا كبيرا، من خير أو شر، فلهذا قالوا: ﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ أي: لا بد من هذا أو هذا، لأنهم رأوا الأمر تغير عليهم تغيرا أنكروه، فعرفوا بفطنتهم أن هذا الأمر يريده الله، ويحدثه في الأرض، وفي هذا بيان لأدبهم، إذ أضافوا الخير إلى الله تعالى، والشر حذفوا فاعله تأدبا مع الله.

                  ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ ﴾ أي: فساق وفجار وكفار، ﴿ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ﴾ أي: فرقا متنوعة، وأهواء متفرقة، كل حزب بما لديهم فرحون.

                  ﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا ﴾ أي : وأنا في وقتنا الآن تبين لنا كمال قدرة الله وكمال عجزنا، وأن نواصينا بيد الله فلن نعجزه في الأرض ولن نعجزه إن هربنا وسعينا بأسباب الفرار والخروج عن قدرته، لا ملجأ منه إلا إليه.
                  ﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ﴾ وهو القرآن الكريم، الهادي إلى الصراط المستقيم، وعرفنا هدايته وإرشاده، أثر في قلوبنا فـ ﴿ آمَنَّا بِهِ ﴾ .
                  ثم ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا: ﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ ﴾ إيمانا صادقا ﴿ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ﴾ أي: لا نقصا ولا طغيانا ولا أذى يلحقه ، وإذا سلم من الشر حصل له الخير، فالإيمان سبب داع إلى حصول كل خير وانتفاء كل شر.

                  ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ﴾ أي: الجائرون العادلون عن الصراط المستقيم.
                  ﴿ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ﴾ أي: أصابوا طريق الرشد، الموصل لهم إلى الجنة ونعيمها، ﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ وذلك جزاء على أعمالهم، لا ظلم من الله لهم، فإنهم ﴿ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ﴾ المثلى ﴿ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾أي: هنيئا مريئا، ولم يمنعهم ذلك إلا ظلمهم وعدوانهم.
                  ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ أي : لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب.
                  ﴿ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ﴾ أي: من أعرض عن ذكر الله، الذي هو كتابه، فلم يتبعه وينقد له، بل غفل عنه ولهى، يسلكه عذابا صعدا أي: شديدا بليغا.

                  ******

                  فهل أدركنا حقيقة الجن ؟ وأن منهم المؤمن ومنهم الكافر ومنهم الطائع ومنهم العاصي , وأنهم لا يعلمون الغيب..
                  أما الشياطين الذين يضلون الناس عن الهداية فقد يكونوا من الجن أومن الإنس..
                  فشياطين الجن توسوس وتزين الشرور للإنسان ولا تجبره على ذلك, فالإنسان حر خلقه الله ذو إرادة حرة يحاسب عليها يوم القيامة..
                  وشياطين الإنس كذلك تزين الشرور وتنشر الفاحشة لتضل الإنسان عن الطريق المستقيم..وليس لهم سلطان على قلب الإنسان المؤمن..
                  فقراءة سورة البقرة وسورة يس تقي من السحر ووساوس الشياطين..
                  وفي كل الأحوال ينجو المؤمن بإعتصامه بالله تعالى من شرور شياطين الإنس والجن...

                  *******

                  وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                  تعليق


                  • #24
                    بسم الله الرحمن الرحيم

                    مع الجزء التاسع و العشرون
                    (12)
                    وبعض آيات من سورة المزمل

                    عبء الأمانة


                    يَا أَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ – 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً – 2 نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً – 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً – 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً – 5 إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً – 6 إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً - 7 وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً – 8 رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً – 9 وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً – 10 وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً – 11


                    بعد عودة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من غار حراء وقد بلغ به الجهد بلقاء جبريل عليه السلام على صورته يقول للسيدة خديجة رضي الله عنها زملوني زملوني....فجاءه الوحي : يَا أَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ – 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً – 2 نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً – 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً – 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً – 5
                    فعلم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أنه لم يعد هناك نوم.. وأن هناك تكليفا ثقيلا , وجهادا طويلا , وأنه الصحو والكد والجهد منذ ذلك النداء العلوي ...
                    وقيل لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ( قم ). . فقام . وظل قائما بعدها أكثر من عشرين عاما... لم يسترح . ولم يسكن . ولم يعش لنفسه ولا لأهله . قام وظل قائما على دعوة الله . يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به . عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض . عبء البشرية كلها , وعبء العقيدة كلها , وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى .
                    حمل عبء الكفاح والجهاد في ميدان الضمير البشري الغارق في أوهام الجاهلية وتصوراتها ,

                    واستمر الجهاد والكفاح والسهر على تربية الأمة الجديدة التي سوف يغير بها الله وجه الأرض من عبادة العباد إلى عبادة الله الخالق الحق.
                    وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة للمسلمين فقاموا كما قام وحملوا على عاتقهم نشر رسالة الله للعالمين..ففتحوا القلوب قبل الأرض وأنتشر الإسلام في ربوعها وأضاء نور عقيدة التوحيد وتحقق العدل والحرية والعلم والترجمة في كافة مجالات الحياة من طب وهندسة وكيمياء وشريعة وقانون , وأقاموا الصناعات وشجعوا على الإبتكار فكانت هي أساس كل الصناعات الحديثة..وكانت هي الدولة الأولى في العالم بدون منازع..علما وقوة وحضارة أساسها رسالة الله تعالى..

                    فهل تعي الأمة معنى أن تقوم ؟ كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم..وصحابته الكرام والتابعين وتابعي التابعين...

                    إن النوم طال وتفشى الكسل والتخلف وطلت الفواحش بوجهها القبيح وساد الفساد واستشرى الخوف والجهل...
                    ولكن مهما طال الليل لابد من طلوع الفجر...

                    يَا أَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ – 1 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً – 2 نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً – 3 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً – 4 إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً – 5 إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً – 6 إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً - 7 وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً – 8 رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً – 9 وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً – 10 وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً – 11


                    *******

                    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                    تعليق


                    • #25
                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      مع الجزء التاسع و العشرون
                      (13)
                      وبعض آيات من سورة المدثر

                      النهوض بتبعة الرسالة


                      يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – 1 قُمْ فَأَنذِرْ – 2 وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ – 3 وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ – 4 وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ – 5 وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ – 6 وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ – 7

                      واستكمالا للحديث السابق عن تحمل عبء الأمانة بالقيام والجهد والقرب من الله تعالى , نرى اليوم الأمر بالنهوض بتبعة الرسالة وهي تبيلغها للعالمين مع التحمل بتلك المهمة الضخمة ...فالأمر ليس نزهة وليس طريقا مفروشا بالورود ...إن الأمر يتصادم مع الأهواء والعقائد الفاسدة ويتصادم مع شهوات النفس ويتصادم مع شياطين الإنس والجن...

                      ولكنه يلتقي مع الفطر السليمة والنفوس المؤمنة بخالقها ومحبي الحق والعدل.. الذين يحتاجون إلى المعرفة لشريعة ربهم وسنة نبيهم..
                      فالأمر كبير عظيم , بأبي أنت وأمي يارسول الله , يامن تحملت عبء الرسالة الخالدة وتحملت تبليغها والنهوض بها حتى أتت إلينا بيضاء نقية ليلها كنهارها, تأخذ بأيدينا إلي صراط الله المستقيم..

                      يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – 1 قُمْ فَأَنذِرْ – 2 وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ – 3 وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ – 4 وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ – 5 وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ – 6 وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ – 7


                      كان الأمر في سورة المزمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بالاجتهاد في العبادة والصبر على أذى قومه، والأمر هنا بإعلان الدعوة ، والصدع بالإنذار، فقال: ﴿ قُمِ ﴾ أي بجد ونشاط ﴿ فَأَنْذِرْ ﴾ الناس بالأقوال والأفعال، التي بها يتحقق هداية البشر إلى دين الله الحق..
                      ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ أي: عظمه بالتوحيد، واجعل قصدك في إنذارك وجه الله، وأن يعظمه العباد ويقوموا بعبادته.
                      ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ يحتمل أن المراد بثيابه، أعماله كلها، وبتطهيرها
                      ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة، فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصا في الصلاة، التي قال كثير من العلماء: إن إزالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة.
                      ويحتمل أن المراد بثيابه، الثياب المعروفة، وأنه مأمور بتطهيرها عن جميع النجاسات، في جميع الأوقات، خصوصا في الدخول في الصلوات، وإذا كان مأمورا بتطهير الظاهر، فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن.

                      ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ أن المراد بالرجز أعمال الشر كلها وأقواله، فيكون أمرا له بترك الذنوب، صغيرها وكبيرها ، ظاهرها وباطنها، فيدخل في ذلك الشرك وما دونه.

                      ﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ أي: لا تمنن على الناس بما أسديت إليهم من النعم الدينية والدنيوية، بل أحسن إلى الناس مهما أمكنك، وانس عندهم إحسانك، ولا تطلب أجره إلا من الله تعالى واجعل من أحسنت إليه وغيره على حد سواء....
                      ولا تعط أحدا شيئا، وأنت تريد أن يكافئك عليه بأكثر منه...

                      ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ أي: احتسب بصبرك، واقصد به وجه الله تعالى،

                      فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، وبادر إليه، فأنذر الناس، وأوضح لهم بالآيات البينات جميع المطالب الإلهية، وعظم الله تعالى، ودعا الخلق إلى تعظيمه، وطهر أعماله الظاهرة والباطنة من كل سوء، وهجر كل ما يبعد عن الله تعالى ، وهجر الشر وأهله، وكانت له المنة على الناس - بعد منة الله- من غير أن يطلب منهم على ذلك جزاء ولا شكورا، وصبر لله أكمل صبر، حتى فاق أولي العزم من المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

                      والتزم بتلك المبادئ صحابته رضوان الله عليهم جميعا , فكانوا نجوم الهداية للعالمين ...
                      ولزاما علينا ونحن أتباع ذلك الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه أن نلتزم تلك المبادئ حتى نكون ضمن قافلة الدعاة لدين الله تعالى للعالمين ..سائلين الله الأخلاص دوما وأبدا.

                      ******

                      وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                      تعليق


                      • #26
                        بسم الله الرحمن الرحيم

                        مع الجزء التاسع و العشرون
                        (14)
                        وبعض آيات من سورة القيامة

                        النفس اللوامة
                        وأثرها في ضبط السلوك للإنسان



                        لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ – 1 وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ – 2 أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ – 3 بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ – 4

                        قال الحسن البصري:إن المؤمن بالله ما تراه إلا يلوم نفسه, فيقول:
                        ما أردت بكلمتي ? ما أردت بأكلتي ? ما أردت بحديث نفسي ?
                        وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه . .

                        وبذلك يلتزم الأداب في جميع معاملاته ويلتزم الإخلاص لعلمه أنه محاسب يوم الدين...

                        وعن الحسن : ليس أحد من أهل السماوات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة . .

                        وعن عكرمة : النفس اللوامة تلوم على الخير والشر: لو فعلت كذا وكذا ...

                        وعن مجاهد : النفس اللوامة تندم على ما فات وتلوم عليه .

                        وقال جرير: وكل هذه الأقوال متقاربة المعنى , والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر , وتندم على ما فات من تقصير...

                        وفي الحديث القدسي:
                        يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ...
                        رواه مسلم ..

                        *******
                        والنفس قد تكون أمارة بالسوء.. قال تعالى في سورة يوسف: ( إن النفس لأمارة بالسوء ) فيجب مخالفتها إلى تقوى الله والعمل بأحكام الكتاب والسنة ...
                        وقد تكون لوامة كما هي معنا اليوم تلوم صاحبها على التقصير وتذكره بالآخرة والحساب...
                        وترتقي النفس إلى أن تصبح نفس مطمئنة . قال تعالى في سورة الفجر:
                        يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ – 27 ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً – 28 فَادْخُلِي فِي عِبَادِي – 29 وَادْخُلِي جَنَّتِي -30

                        *******

                        وبجانب النفس اللوامة في الردع عن المعاصي,

                        تذكر الموت
                        واليقين بالبعث ويوم الحساب


                        والموت هو اليقين الذي يولد مع كل إنسان, فإنك حين ترى المولود لا تدري هل يمرض أم يكون صحيحا ؟ هل شقي أم سعيد ؟ هل فقير أم سيكون غنيا ؟ هل يصبح طبيبا أم مهندسا أو غير ذلك ؟
                        ولكن هناك يقين بأن هذا المولود حتما سيموت...ومع هذا اليقين قد يغفل كثير من الناس عن تذكر الموت ..ودور ذلك في ضبط سلوك ومعاملات الإنسان مع الأخرين.. وإن الفساد دائما ينشأ من طاعة النفس الأمارة بالسوء وعدم تذكر الموت والحساب..

                        أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى – 36 أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى – 37 ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى – 38 فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى – 39 أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى - 40

                        فمن تلك الحقائق الكبيرة التي تحشدها هذه السورة في مواجهة القلب البشري , وتضرب بها عليه حصارا لا مهرب منه . . حقيقة الموت التي تواجه كل حي , فلا يملك لها ردا , ولا يملك لها أحد ممن حوله دفعا . وهي تتكرر في كل لحظة , ويواجهها الكبار والصغار , والأغنياء والفقراء , والأقوياء والضعاف , ويقف الجميع منها موقفا واحدا . . لا حيلة . ولا وسيلة . ولا قوة . ولا شفاعة . ولا دفع . ولا تأجيل . . مما يوحي بأنها قادمة من جهة عليا لا يملك البشر معها شيئا . ولا مفر من الاستسلام لها , والاستسلام لإرادة تلك الجهة العليا . . ( كلا , إذا بلغت التراقي , وقيل:من راق ? وظن أنه الفراق . والتفت الساق بالساق . . إلى ربك يومئذ المساق )

                        ومن تلك الحقائق الكبيرة التي تعرضها السورة , حقيقة النشأة الأولى , ودلالتها على صدق الخبر بالنشأة الأخرى , وعلى أن هناك تدبيرا في خلق هذا الإنسان وتقديرا . . وهي حقيقة يكشف الله للناس عن دقة أدوارها وتتابعها في صنعة مبدعة , لا يقدر عليها إلا الله تعالى , ولا يدعيها أحد ممن يكذبون بالآخرة ويتمارون فيها .
                        فهي قاطعة في أن هناك إلها واحدا يدبر هذا الأمر ويقدره ..
                        وإيحاء قوي بضرورة النشأة الأخرى , تمشيا مع التقدير والتدبير الذي لا يترك هذا الإنسان سدى , ولا يدع حياته وعمله بلا وزن ولا حساب . قال تعالى في أول السورة : أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ?
                        ثم قال تعالى في آخرها : أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى – 36 أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى – 37 ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى – 38 فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى – 39 أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى - 40



                        ********

                        وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                        تعليق


                        • #27
                          جزاكم الله خيراً

                          وجعله الله فى ميزان حسناتكم

                          تعليق


                          • #28
                            بسم الله الرحمن الرحيم

                            مع الجزء التاسع و العشرون
                            (15)
                            وبعض آيات من سورة القيامة

                            السبيل

                            هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً - 1 إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً - 2 إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً - 3

                            إن الأرض كوكب مثل باقي الكواكب في المجموعة الشمسية, ولكن أمدها الله تعالى بمقومات الحياة من هواء وماء وكل الكائنات الحية من حيوان ونبات, ودرجات حرارة ملائمة للحياة..
                            هذه الأرض أعدت قبل خلق الإنسان , فلقد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا..

                            أين كان الإنسان قبل أن يكون ? من الذي أوجده ? ومن الذي جعله شيئا مذكورا في هذا الوجود ? بعد أن لم يكن له ذكر ولا وجود: ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ? ). .

                            إذا أجاب الإنسان على هذه الأسئلة بصدق وصل إلى الإيمان , فإن لم يعرف الإجابة ..فقد أجابته الآيات التالية تبين له حقيقة أصله ونشأته , وحكمة الله في خلقه , وتزويده بطاقاته ومداركه: ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ). .

                            ثم لم يترك الإنسان لعقلة فقط .. بل هداه الله تعالى بإرسال الرسل تبين له الطريق المستقيم الذي يؤدي به إلى العيش في سعادة في الدنيا والنعيم المقيم في الأخرة ...وجعله ذو إرادة في الاختيار بين طريق الخير وطرق الشر ....( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ).

                            فكان على الإنسان أن ينتبه إلى مستقبله الحقيقي , ولا ينبغي أن يمضي في استهتار. غير واع ولا مدرك , وهو مخلوق ليبتلى , وموهوب نعمة الإدراك لينجح في الابتلاء .

                            إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً – 4 إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً – 5 عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً – 6

                            هذه صورة واضحة للمستقبل الحقيقي للإنسان , ونهاية كل سبيل , والأهم في ذلك أنه لا رجعة إذا خرج من هذه الحياة , فيجب على الإنسان العاقل أن يختار طريق الحق الذي يصل به إلى رضوان الله تعالى, والطريق إلى الله يحتاج من الإنسان أن يضبط جميع معاملاته طبقا لما جاء في شريعة الله تعالى

                            أهم صفات المؤمنين
                            التي وردت في هذه السورة

                            يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً – 7 وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً – 8 إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً – 9 إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً – 10

                            وردت صفات للمؤمنين في مواضع عديدة .. نذكر منها على سبيل المثال ما ورد في سورة الفرقان,
                            قال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا - 63 وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا – 64 وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا - 65 إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا - 66

                            وقال تعالى في سورة المؤمنون : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ – 2 وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ – 3 وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ – 4 وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ – 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ – 6 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ – 7 وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ – 8 وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ – 9 أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ – 10 الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 11

                            والمتتبع لهذه السلسلة يجد العديد من الصفات العظيمة التي تعين الإنسان للمضي قدما على الطريق المستقيم وأولها الإخلاص لله تعالى..
                            وقد ذكر جملة من أعمالهم في أول هذه السورة، فقال تعالى: ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ﴾ أي: بما ألزموا به أنفسهم لله من النذور والمعاهدات، وإذا كانوا يوفون بالنذر، وهو لم يجب عليهم، إلا بإيجابهم على أنفسهم، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الأصلية، من باب أولى وأحرى،
                            ﴿ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ أي: منتشرا فاشيا، فخافوا أن ينالهم شره، فتركوا كل سبب موجب لذلك، والخوف من الحساب في الأخرة أهم أسباب الاستقامة على الحق...
                            ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ أي: وهم في حال يحبون فيها المال والطعام، لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم، ويتحرون في إطعامهم أولى الناس وأحوجهم ﴿ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ .

                            وهنا يأتي الكلام على طائفة أعطاها الإسلام حقا قبل أن يعرف العالم القوانين الدولية لحقوق الأسرى..
                            فتبين الأيات مدى رعاية المجتمع الإيماني للمساكين واليتامى والأسارى.

                            وقد ورد في سورة الأنفال ما يدل على الإهتمام بالأسرى , قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - 70
                            هل أدركنا مدى شمول شريعة الإسلام لتشمل الرعاية للأسير الذي كان يحاربنا بالأمس قبل أن يقع في الأسر..وتحث على رعايته ومد يد العون له ودعوته للهداية ..

                            ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ أي: لا جزاء ماليا ولا ثناء قوليا. فيقصدون بإنفاقهم وإطعامهم وجه الله تعالى،
                            ﴿ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا ﴾ أي: شديد الجهمة والشر ﴿ قَمْطَرِيرًا ﴾ أي: ضنكا ضيقا،
                            ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ ﴾ قال تعالى : لا يحزنهم الفزع الأكبر، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون - 103 الأنبياء
                            ﴿ وَلَقَّاهُمْ ﴾ أي: أكرمهم وأعطاهم ﴿ نَضْرَةً ﴾ في وجوههم ﴿ وَسُرُورًا ﴾ في قلوبهم، فجمع لهم بين نعيم الظاهر والباطن ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا ﴾ على طاعة الله، فعملوا ما أمكنهم منها، وعن معاصي الله، فتركوها، وعلى أقدار الله المؤلمة، فلم يتسخطوها، ﴿ جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ جامعة لكل نعيم، سالمة من كل مكدر ومنغص،

                            ******

                            وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى.

                            تعليق


                            • #29
                              بسم الله الرحمن الرحيم

                              مع الجزء التاسع و العشرون
                              (16)
                              وبعض آيات من سورة المرسلات

                              كان الحديث في اللقاء السابق عن بعض آيات من سورة الإنسان , قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً – 23

                              إنا نحن نَزَّلْنا عليك -أيها الرسول- القرآن تنزيلا من عندنا؛ لتذكر الناس بما فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب.
                              إن الإيمان بالله تعالى يستلزم أن تؤمن برسالاته التي أرسلها لهداية البشر . وإن التكذيب بواحد منها يعد تكذيب بكافة الرسل..
                              فالقاعدة المعروفة في القانون أن التشريع الجديد يلغي العمل بالتشريعات القديمة , وبهذا المنطق تسير كل قوانين الأرض....
                              فالقرآن العظيم هو الكتاب الأخير المنزل من عند الله تعالى...
                              فوجب العمل به كأخر تشريعات الله تعالى لأهل الأرض, وخاصة أنه تفرد على سائر كتب الأرض بأنه معجز في بيانه ومعجز في آياته ومعجز في موضوعاته...

                              قال تعالى:
                              قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا – 88 الإسراء

                              لو اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزله على رسوله لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه ولو تعاونوا وتساعدوا وتظافروا فإن هذا أمر لا يستطاع ...

                              وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له ولا مثال له ولا عديل له .

                              فيجب على البشر تدبر ماأرسل إليهم , قبل فوات الأوان حيث لا رجعة بعد الموت للإيمان , ولكن بعد الموت بعث وحساب . وما على الإنسان العاقل إلا تدبر القرآن بكل هدوء ....

                              ويختم ذلك الجزء بسورة المرسلات ,

                              ( فبأي حديث بعده يؤمنون ? ). .

                              والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي , وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال , لا يؤمن بحديث بعده أبدا . إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس ...

                              قال تعالى: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ - 16 ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ – 17 كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ – 18 وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ – 19

                              أي: أما أهلكنا المكذبين السابقين ؟ ، ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين ، وهذه سنته السابقة واللاحقة في كل مجرم لا بد من عذابه ، فلم لا تعتبرون بما ترون وتسمعون ؟

                              ومن إعجاز الترتيب في القرآن العظيم أن تأتي أخر آيه في سورة المرسلات لتضع البشرية كلها في موضع المساءلة في حالة إعراضهم عن رسالة ربهم...

                              فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ - 50

                              إن لم يؤمنوا بهذا القرآن، فبأي كتاب وكلام بعده يؤمنون؟ وهو المبيِّن لكل شيء، الواضح في حكمه وأحكامه وأخباره، المعجز في ألفاظه ومعانيه...
                              وهذا القرآن العظيم كتاب رب العالمين...
                              كتاب أتى بعقيدة التوحيد واضحة جلية , ولم يوجد كتاب على ظهرالأرض مثل القرآن في بيان الحقيقة الإلهية...
                              واشتماله على منهاج تطبيقي في المعاملات الإنسانية كما تبين في هذه السلسلة ,
                              وبيان الفرائض والعبادات التي تقربنا الى الله تعالى ,

                              كتاب أوضح مبادئ القيم الرفيعة والأخلاق العالية ...
                              كتاب أتى بشريعة صالحة لكل زمان ومكان...
                              كتاب أتى بأخبار الرسل السابقين والأمم السابقة...
                              كتاب بين بداية خلق الإنسان ونشأة الكون...
                              كتاب به أخبار الدار الأخرة بالتفاصيل...
                              كتاب به معجزات علمية تم اكتشافها حديثا وسوف تستمر إلى يوم القيامة...

                              جاء في الحديث: عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
                              ستكون فتنة . قلت : فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله, فيه نبأ ما قبلكم, و خبر ما بعدكم, و حكم ما بينكم,
                              هو بالفصل ليس بالهزل,
                              من تركه من جبار قصمه الله, و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله, وهو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم, وهو الصراط المستقيم,
                              وهو الذي لا تزيغ به الأهواء, و لا تلتبس به الألسن, و لا يخلق على كثرة الرد, و لا تنقضي عجائبه ,
                              من قال به صدق, ومن عمل به أجر, ومن حكم به عدل, ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ...
                              الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: ابن تيمية - المصدر: حقوق آل البيت - الصفحة أو الرقم: 22

                              فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ؟

                              ******

                              وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى

                              تعليق


                              • #30
                                بسم الله الرحمن الرحيم

                                مع الجزء الثلاثون
                                (1)
                                وبعض آيات من سورة النبأ

                                النبأ العظيم

                                عَمَّ يَتَسَاءلُونَ – 1 عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ – 2 الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ – 3 كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 4 ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 5

                                يبدأ هذا الجزء بالتذكير بالنبأ العظيم , لكي يذكر الإنسان بأن هنالك تبعة . وإن هنالك حسابا . وإن هنالك جزاء . وإن هنالك عذابا شديدا . ونعيما كبيرا . .

                                كفانا غفلة وكفانا تضيع للوقت فالأيام تجري وتقرب كل بعيد والعمر يمضي معها , فكان يجب أن ننتبه إلى رسالة ربنا التي تبين لنا معالم الطريق للوصل إلى سعادة الدنيا والأخرة..
                                وإن العلم اليقيني للإنسان بعد الموت لا ينفعه شيئا فقد فات الأوان, فأنت تموت كل يوم وتبعث , ألا يذكرك هذا بيوم البعث فنجعل كل معاملاتنا مرهونة بذلك اليوم..؟؟

                                أين كنت قبل أن تولد ؟؟ من الذي خلقك وكونك في بطن أمك ورعاك وأمدك بمقومات الحياة رغم أنك لا تسطيع مجرد التنفس ؟ ثم أخرجك أين كنت قبل أن تولد ؟؟ من الذي خلقك وكونك في بطن أمك ورعاك وأمدك بمقومات الحياة رغم أنك لا تسطيع مجرد التنفس ؟ ثم أخرجك إلى هذه الحياة لا حول لك ولا قوة ..أبعد كل هذه النعم وبعد كل هذا الخلق والتدبير تنكر البعث أو تغفل عنه..

                                عَمَّ يَتَسَاءلُونَ – 1 عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ – 2 الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ – 3 كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 4 ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ – 5

                                فالمؤمن يؤمن بالبعث والحساب ويرتب كل معاملاته على ذلك اليوم..
                                أما الكافر فيعيش في غفلة عن هذا اليوم ويظل يتسائل عنه حتى يرى نفسه في العالم الأخر ويرى الحقيقة ولكن لا ينفع العلم الأن لقد فات الأوان...

                                حاول من الأن فالكون أمامك كتاب مفتوح لكل متتدبر وكل متسائل..

                                أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً – 6 وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً – 7 وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً - 8

                                اصحوا . استيقظوا . انظروا تلفتوا تفكروا تدبروا
                                الأرض تدور حول محورها كل يوم ..هل شعرت بهذه الحركة ؟ ولو أنك شعرت بها لتزلزلت بك الأرض ولم تهنأ بالعيش عليها ..
                                باطن الأرض منصهر يغلي بدرجات حرارة عالية تشتعل تحت البحار ..هل شعرت بهذه الحرارة ؟ إنك تراها عبر البراكين ..
                                ألا يلفتك هذا إلى عناية الله جل وعلا ..؟ وكيف مهد لنا الأرض نعيش عليها ولا نشعر بدورانها حول نفسها ولا حول الشمس وأن المجموعة الشمسية بالكامل تجري بسرعات فائق نحو مستقر لها.
                                إن القشرة الأرضية التي نعيش عليها لو تركت تتحرك نتيجة الأمواج الحرارية العاتية وتحرك الصخور لتزلزلت الأرض ودمرت المباني ...فجعل الله الجبال أوتادا لتمسك القشرة الأرضية وتجعلها ثابتة لتعيش في أمن وسلام...
                                ألا تنظر إلى التوازن العجيب في خلق نوع الإنسان من ذكر وأنثى ..هل قرر الإنسان أن ينجب أعداد الذكور ليتناسب مع أعداد الإناث ؟ لن يستطيع كائن على وجه الأرض أن يقرر هذا..ولن يستطيع ولا يخطر بخاطره أصلا...

                                وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً – 9 وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً – 10 وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً - 11 وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً - 12

                                وكان من تدبير الله للبشر أن جعل النوم سباتا يدركهم فيقطعهم عن الإدراك والنشاط ,يتكفل بإراحة أجسادهم وأعصابهم وتعويضها عن الجهد الذي بذلته في حالة الصحو والإجهاد والانشغال بأمور الحياة . . وكل هذا يتم بطريقة عجيبة لا يدرك الإنسان كنهها , ولا نصيب لإرادته فيها ; ولا يمكن أن يعرف كيف تتم في كيانه . فهو في حالة الصحو لا يعرف كيف يكون وهو في حالة النوم . وهو في حالة النوم لا يدرك هذه الحالة ولا يقدر على ملاحظتها .
                                والنوم سر من أسرار تكوين الأحياء لا يعلمه إلا من خلق هذه الكائنات الحية وأودعه ذلك السر , وجعل حياته متوقفة عليه . فما من حي يطيق أن يظل من غير نوم إلا فترة محدودة . فإذا أجبر إجبارا بوسائل خارجة عن ذاته كي يظل مستيقظا فإنه يهلك قطعا..
                                فهذا السبات - أي الإنقطاع عن الإدراك والنشاط بالنوم ضرورة من ضرورات تكوين الكائن الحي , وسر من أسرار القدرة الخالقة , ونعمة من نعم الله لا يملك إعطاءها إلا إياه . وتوجيه النظر إليها على هذا النحو القرآني ينبه القلب إلى خصائص ذاته , وإلى اليد التي أودعتها كيانه , ويلمسه لمسة تثير التأمل والتدبر والتأثر...

                                وكان من تدبير الله كذلك أن جعل حركة الكون موافقة لحركة الأحياء . وكما أودع الإنسان سر النوم والسبات , بعد العمل والنشاط , فكذلك أودع الكون ظاهرة الليل ليكون لباسا ساترا يتم فيه السبات والانزواء . وظاهرة النهار ليكون معاشا تتم فيه الحركة والنشاط . . بهذا توافق خلق الله وتناسق .
                                والسبع الشداد التي بناها الله فوق أهل الأرض هي السماوات السبع ,

                                والحديث عن نعم الله لا تحصى لكي ندرك حقيقة النبأ العظيم.

                                *******

                                وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 1 أغس, 2023, 06:55 م
                                ردود 0
                                19 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 11 يول, 2023, 05:19 م
                                ردود 0
                                18 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 10 يول, 2023, 07:05 م
                                رد 1
                                20 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 4 يول, 2023, 10:07 م
                                ردود 0
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 30 يون, 2023, 04:06 م
                                ردود 0
                                15 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                يعمل...
                                X