بقية مبادئ المعاملات والأداب من القرآن العظيم . سلسلة متجددة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Saber Abbas مسلم اكتشف المزيد حول Saber Abbas
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46

    بسم الله الرحمن الرحيم

    مع الجزء الثلاثون
    (15)
    وبعض آيات من سورة الفجر

    مصير الأمم الطاغية


    أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ – 6 إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ – 7 الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ – 8 وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ – 9 وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ – 10 الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ – 11 فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ – 12 فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ – 13 إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ – 14

    ******

    عاد الأولى

    وقد جمع الله في هذه الآيات القصار مصارع أقوى الجبارين الذين عرفهم التاريخ القديم . . مصرع : " عاد إرم " وهي عاد الأولى . وقيل : إنها من العرب العاربة أو البادية . وكان مسكنهم بالأحقاف وهي كثبان الرمال . في جنوبي الجزيرة بين حضرموت واليمن .
    وقد وصفوا في القرآن بالقوة والبطش ، فقد كانت قبيلة عاد هي أقوى قبيلة في وقتها وأميزها : " التي لم يخلق مثلها في البلاد " في ذلك الأوان . .

    وإضافة الفعل إلى " ربك " فيها للمؤمن طمأنينة وأنس وراحة . وبخاصة أولئك الذين كانوا في مكة يعانون طغيان الطغاة ، وعسف الجبارين من المشركين ، الواقفين للدعوة وأهلها بالمرصاد .

    *******

    ثمود

    وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ..

    وكانت ثمود تسكن بالحجر في شمال الجزيرة العربية بين المدينة والشام . وقد قطعت الصخر وشيدته قصورا ؛ كما نحتت في الجبال ملاجئ ومغارات . .

    *******

    الفراعنة

    وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ – 10 الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ – 11
    فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ – 12


    ( وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ). . وهي على الأرجح الأهرامات التي تشبه الأوتاد الثابتة في الأرض المتينة البنيان . وفرعون المشار إليه هنا هو فرعون موسى الطاغية الجبار .

    هؤلاء هم ( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ – 11 فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ – 12 ) . .

    وليس وراء الطغيان إلا الفساد . فالطغيان يفسد الطاغية ، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء . كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة . ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف ، المعمر الباني ، إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال . .

    إنه يجعل الطاغية أسير هواه ، لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت ، ولا يقف عند حد ظاهر ، فيفسد هو أول من يفسد ؛ ويتخذ له مكانا في الأرض غير مكان العبد المستخلف.
    هكذا قال فرعون . . " أنا ربكم الأعلى " عندما أفسده طغيانه ، فتجاوز به مكان العبد المخلوق ، وتطاول به إلى هذا الادعاء المقبوح ، وهو فساد أي فساد .

    ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء ، مع السخط الدفين والحقد الكظيم ، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية ، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية .

    وبذلك تنشأ الشعوب المتخلفة أو شعوب العالم الثالث. وهذه الشعوب لا تنظر إلى تطور أو إلى حضارة إلا إذا تحررت من الفساد والاستبداد وعرفت معنى الحرية الحقيقي واحترام الإنسان أيا كان موقعه, فالإنسان كرمه الله تعالى وأسجد له الملائكة وسخر له ما في السماوات والأرض.

    والطغيان يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة. التي أتت في شريعة الله تعالى لتنقذ البشرية من التخلف والفقر..

    والطغاة واهمون إذا ظنوا أنهم غير محاسبون سواء في الدنيا أو الأخرة.

    فلما أكثروا في الأرض الفساد ، كان العلاج هو تطهير وجه الأرض منهم ...

    فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ – 13 إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ – 14

    فربك راصد لهم ومسجل لأعمالهم . فلما أن كثر الفساد وزاد صب عليهم سوط عذاب ، وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين يذكر السوط ، وبفيضه وغمره حين يذكر الصب . حيث يجتمع الألم اللاذع والغمرة الطاغية ، على الطغاة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد .

    ومن وراء المصارع كلها تفيض الطمأنينة على القلب المؤمن وهو يواجه الطغيان في أي زمان وأي مكان .

    فمهما طال الليل لابد من فجر يطل بالأمل والنور والحرية.
    وسميت هذه السورة بالفجر للدلالة على أهميته للإنسان المؤمن المتطلع للحرية والعدل والحضارة القائمة على حقوق الإنسان وصيانة كرامته التي كفلها الله تعالى لبني أدم.

    ومن قوله تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) تفيض طمأنينة خاصة . فليطمئن بال المؤمن ، ولينم ملء جفونه . فإن ربه بالمرصاد . . للطغيان والشر والفساد ...
    ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ). يرى ويحسب ويحاسب ويجازي ، وفق ميزان دقيق لا يخطئ ولا يظلم ولا يأخذ بظواهر الأمور لكن بحقائق الأشياء . .

    وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته . قال : ثم قرأ : ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ – 102 هود )..
    الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: البخاري
    - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4686
    خلاصة حكم المحدث: [صحيح]



    ******

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

    تعليق


    • #47

      بسم الله الرحمن الرحيم

      مع الجزء الثلاثون
      (16)
      وبعض آيات من سورة الفجر

      تحدثنا في اللقاء السابق عن مصارع الأمم الطاغية وبزوغ فجر الحرية.

      فمهما طال الليل لابد من فجر يطل بالأمل والنور والحرية.
      وسميت هذه السورة بالفجر للدلالة على أهميته للإنسان المؤمن المتطلع للحرية والعدل والحضارة القائمة على حقوق الإنسان وصيانة كرامته التي كفلها الله تعالى لبني أدم.


      وجدير بالذكر أن نتحدث عن أهمية أوقات الصلاة وتأثيرها الإيجابي في ضبط مواعيد حركات الإنسان في حياته سواء منها العملية أو التعبدية أو الراحة والاستجمام..

      ويبدأ اليوم في المجتمع الإسلامي بعد صلاة الفجر أي قبل طلوع الشمس بقليل وهكذا يستفيد الإنسان بضوء النهار من أوله وبذلك يحدث توفير في الطاقة الكهربية التي تعود بالنفع على الإنسان في مجالاته الأخرى..
      نهيك عن البركة في البكور..

      ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

      بورك لأمتي في بكورها...

      الراوي: عبدالله بن عمر و أبو هريرة
      المصدر: صحيح الجامع - الألباني


      ولو نظرنا لكثير من الدول المتقدمة ماديا تجدها تبدأ عملها مبكرا جدا قبل شروق الشمس . . . بينما تجد الدول المتخلفة يبدأ عملها عند الظهر حيث قد ضاع الوقت من جراء السهر على اللهو الفارغ... وهكذا ضاع الرزق وضاعت الصحة في المخالفة لتعاليم الإسلام . . .

      قال تعالى في سورة مريم : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا – 59 إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا – 60

      وقد لقيت المجتمعات التي أضاعت الصلاة ذلك الغي ...سواء بضيق الرزق أو تسلط المستبدين عليهم أو تفشي الفساد وسوء الأخلاق..

      فتتحقق الحياة الكريمة في الحفاظ على جميع تعاليم الإسلام . . .
      قال تعالى في سورة الحج :
      الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ – 41

      إذا حرص الناس على تلكم المبادئ لا يستطيع طاغية مهما بلغ من طغيانه أن يستعبدهم أو ينشر الفساد والتخلف بينهم ..


      وَالْفَجْرِ – 1 وَلَيَالٍ عَشْرٍ – 2 وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ – 3 وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ – 4 هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ – 4

      ( وَالْفَجْرِ ) قسم يدل على أهميته ، الذي هو آخر الليل ومقدمة النهار، لما في إدبار الليل وإقبال النهار، من الآيات الدالة على كمال قدرة الله تعالى ، وأنه وحده المدبر لجميع الأمور، الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، ويقع في الفجر صلاة فاضلة معظمة .
      ( وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) وهي على الصحيح: ليالي عشر رمضان، أو عشر ذي الحجة ، فإنها ليال مشتملة على أيام فاضلة ، ويقع فيها من العبادات والقربات ما لا يقع في غيرها.
      وفي ليالي عشر رمضان ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر، وفي نهارها، صيام آخر رمضان الذي هو ركن من أركان الإسلام.
      وفي أيام عشر ذي الحجة، الوقوف بعرفة، الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان ، فما رئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة، لما يرى من تنزل الأملاك والرحمة من الله لعباده ، ويقع في الليالي العشر كثير من أفعال الحج والعمرة ، وهذه أشياء معظمة، مستحقة لأن يقسم الله بها.
      ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾ أي: وقت سريانه وإرخائه ظلامه على العباد، فيسكنون ويستريحون ويطمئنون، رحمة منه تعالى وحكمة.
      ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ ﴾ المذكور ﴿ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ أي : لذي عقل ؟ نعم، بعض ذلك يكفي، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

      *******

      وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

      تعليق


      • #48

        بسم الله الرحمن الرحيم

        مع الجزء الثلاثون
        (17)
        وبعض آيات من سورة الفجر

        تحدثنا في اللقاء السابق عن أهمية أوقات الصلاة وتأثيرها الإيجابي في ضبط مواعيد حركات الإنسان في حياته سواء منها العملية أو التعبدية أو الراحة والاستجمام..

        وتحدثنا عن أهمية البكور

        ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
        بورك لأمتي في بكورها...

        الراوي: عبدالله بن عمر و أبو هريرة
        المصدر: صحيح الجامع - الألباني


        ******

        وبعون الله تعالى نتحدث عن التوازن الإجتماعي في المجتمع بين الأغنياء والفقراء , وكفالة الأيتام ..ومساعدة المساكين على الحياة..

        فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ – 15 وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي - 16 كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ – 17 وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – 18 وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا – 19 وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا – 20

        يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث أنه لا علم له بالعواقب .
        وهو في كلتا الحالتين مخطئ في التصور ومخطئ في التقدير .
        فبسط الرزق أو قبضه ابتلاء من الله لعبده . ليظهر منه الشكر على النعمة أو البطر . ويظهر منه الصبر على المحنة أو الضجر . والجزاء على ما يظهر منه بعد . وليس ما أعطي من عرض الدنيا أو منع هو الجزاء . .

        وقيمة العبد عند الله لا تتعلق بما عنده من عرض الدنيا .

        ورضى الله أو سخطه لا يستدل عليه بالمنح والمنع في هذه الأرض .

        فهو يعطي الصالح والطالح ، ويمنع الصالح والطالح . ولكن ما وراء هذا وذلك هو الذي عليه المعول . إنه يعطي ليبتلي ويمنع ليبتلي . والمعول عليه هو نتيجة الابتلاء...
        غير أن الإنسان - حين يخلو قلبه من الإيمان - لا يدرك حكمة المنع والعطاء .

        وفي الحديث القدسي :

        يقول رب العزة : ابن آدم عندك ما يكفيك، و أنت تطلب ما يطغيك، ابن آدم لا بقليل تقنع، و لا بكثير تشبع . ابن آدم إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنا في سربك، عندك قوت يومك، فعلى الدنيا العفاء..
        الراوي: عبدالله بن عمر - خلاصة حكم المحدث: صحيح المصدر: الجامع الصغير

        والإنسان البعيد عن الإيمان ينظر إلى المال والجاه بأنهما كل شئ وليس وراءهما مقياس ... ومن ثم فإن تكالبهم على المال عظيما ، وحبهم له حبا طاغيا ، مما يورثهم شراهة وطمعا . كما يورثهم حرصا وشحا ...

        ومن ثم يكشف الله تعالى لهم عن ذوات صدورهم في هذا المجال ، ويقرر أن هذا الشره والشح هما علة خطئهم في إدراك معنى الابتلاء من وراء البسط والقبض في الأرزاق ...

        كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ – 17 وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ – 18 وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا – 19 وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا – 20

        كلا ليس الأمر كما يقول الإنسان الخاوي من الإيمان . ليس بسط الرزق دليلا على الكرامة عند الله . وليس تضييق الرزق دليلا على المهانة والإهمال .

        إنما الأمر أنكم لا تنهضون بحق العطاء ، ولا توفون بحق المال . فأنتم لا تكرمون اليتيم الصغير الذي فقد حاميه وكافله حين فقد أباه ، ولا تحاضون فيما بينكم على إطعام المسكين . الساكن الذي لا يتعرض للسؤال وهو محتاج ...

        وقد اعتبر عدم التحاض والتواصي على إطعام المسكين قبيحا مستنكرا . كما يوحي بضرورة التكافل في الجماعة في التوجيه إلى الواجب وإلى الخير العام . وهذه سمة الإسلام ....
        . . إنكم لا تدركون معنى الابتلاء . فلا تحاولون النجاح فيه ، بإكرام اليتيم والتواصي على إطعام المسكين ، بل أنتم - على العكس - تأكلون الميراث أكلا شرها جشعا ؛ وتحبون المال حبا كثيرا طاغيا ، لا يستبقي في نفوسكم أريحية ولا مكرمة مع المحتاجين إلى الإكرام والطعام ...

        وقد ورد في الحديث الشريف , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا . وأشار بالسبابة والوسطى ، وفرج بينهما شيئا..
        الراوي: سهل بن سعد الساعدي - رواه : البخاري
        خلاصة حكم المحدث: صحيح


        هل أدركنا حقيقة الإيمان ؟ بأنه سلوك ينظم حياة الإنسان , سواءا الغني أو الفقير . وأن الحكمة في توزيع الثروة على أهل الأرض إنما هو ابتلاء واختبار , فإن الجميع متساون في الحياة والموت ولن يأخذ إنسان ماله إلى قبره.. بل الحساب على مصدر المال وعلى طريقة إنفاقه..

        وقد ورد في الحديث الشريف , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
        لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه ، حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيم أفناه ؟ و عن شبابه فيم أبلاه ؟ و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه ؟ و ماذا عمل فيما علم ؟

        الراوي: عبدالله بن مسعود
        : الألباني - المصدر: صحيح الجامع
        خلاصة حكم المحدث: حسن


        *******

        وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

        تعليق


        • #49
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          أخى الكريم صابر .. بارك الله فيكم على هذه الموسوعة القيمة .. وجزاكم الله خيرا .. وجعله في ميزان حسناتكم ..

          تعليق


          • #50

            بسم الله الرحمن الرحيم

            مع الجزء الثلاثون
            (18)
            وبعض آيات من سورة البلد

            الهمة والنهوض بالأمة

            فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ

            فقد سعد وفاز من بذل جهده في تحصيل الحسنات من أعمال الخير , وقد خاب وخسر من بذل الجهد في المعاصي وتحصيل السيئات فقد تعب في الدنيا و الأخرة .
            وقد أمد الله تعالى الإنسان بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى منها نعمة العقل والإدراك والأختيار بين البديلات ونعمة السمع ونعمة البصر ونعمة النطق ,
            وطلب منا أن ننهض بإقتحام العقبة التي تحول بين الحضارة البشرية وكرامة الأنسان , فلا حضارة في ظل إستعباد البشر للبشر, ولا حضارة في ظل الفقر والفساد .
            فكان يجب تحرير العبيد أولا , كما يجب القضاء على الفقر بمبدأ التكافل الأجتماعي برعاية الأيتام وكفالة المساكين والفقراء ,
            ثم التواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة وهي إشاعة الشعور بواجب التراحم بين أفراد الأمة.
            كل هذه المعاني العظيمة التي تسطر في مجلدات أتت بها سورة البلد في أيات معدودة غاية الإعجاز.
            فتعالوا نقتبس من أنوارها بعض المعاني نهتدي بها في معاملاتنا وأخلاقنا.

            ****

            لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)
            لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
            فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
            أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
            ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)


            ******
            لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)

            والبلد هو مكة. بيت الله الحرام. أول بيت وضع للناس في الأرض. ليكون مثابة لهم وأمناً. يضعون عنده سلاحهم وخصوماتهم وعداواتهم، ويلتقون فيه مسالمين، حراماً بعضهم على بعض، كما أن البيت وشجره وطيره وكل حي فيه حرام. ثم هو بيت إبراهيم والد إسماعيل أبي العرب والمسلمين أجمعين. رزقنا الله حجه هذا العام وكل عام..
            وحين يقسم الله ـ سبحانه ـ بالبلد والمقيم به، فإنه يخلع عليه عظمة وحرمة فوق حرمته، فيبدو موقف المشركين الذين يدعون أنهم سدنة البيت وأبناء إسماعيل وعلى ملة إبراهيم، موقفاً منكراً قبيحاً من جميع الوجوه.

            وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)

            إشارة خاصة إلى إبراهيم، أو إلى إسماعيل ـ عليهما السلام ـ وإضافة هذا إلى القسم بالبلد والنبي المقيم به، وبانيه الأول وما ولد.. وإن كان هذا الاعتبار لا ينفي أن يكون المقصود هو: والد وما ولد إطلاقاً. وأن تكون هذه إشارة إلى طبيعة النشأة الإنسانية، واعتمادها على التوالد. منذ أبو البشر أدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

            لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4)

            والكبد هو بذل الجهد في تحصيل غاية معينة , فلن تبلغ الغاية بالأماني الكاذبة .

            قال تعالى : لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا -123 النساء

            والمؤمن يبذل جهده في وجوه الخير طيلة العمر حتى يلاقي ربه مخلصا من كل شوائب الشرك , فالغاية عنده هي رضى الله تعالى , حيث النعيم الأبدي.
            أما غير المؤمن يبذل جهده في هذه الدنيا لغايات عديدة منها صالحة وغير صالحة , فيحصل على نتائج ما يريد في الدنيا ولا نصيب له في الأخرة إلا الشقاء . فقد شقي في الدنيا والأخرة .

            قال تعالى : كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا – 20 الإسراء

            فإن عطاء الله الكريم الواهب لجميع النعم تشمل جميع الخلق .
            فمن بذل جهده في التصنيع سوف يجني ثمار ذلك تقدما وحضارة , ومن بذل جهده في العمران وتخطيط المدن وتوسعة الطرق التي هي بمثابة شرايين الحياة في المدن , سوف يحقق رخاءا وتنمية تعود عليه وعلى أولاده .
            أما من ترك بذل الجهد في البحث العلمي والصناعة والتخطيط العمراني وتوسعة لشبكات الطرق والمواصلات , فسوف يعيش في تخلف وشقاء ومعاناة ....

            ******

            والمكابدة والجهد في جميع المخلوقات

            فإذا تصورت في النبات كم تعاني البذرة في أطوار النمو : من مقاومة فواعل الجو، ومحاولة امتصاص الغذاء مما حولها من العناصر، إلى أن تستقيم شجرة ذات فروع وأغصان، وتستعد إلى أن تلد بذرة أو بذوراً أخرى تعمل عملها، وتزين الوجود بجمال منظرها ـ
            إذا أحضرت ذلك في ذهنك، والتفت إلى ما فوق النبات من الحيوان والإنسان، حضر لك من أمر الوالد والمولود فيهما ما هو أعظم، ووجدت من المكابدة والعناء الذي يلاقيه كل منهما في سبيل حفظ الأنواع، واستبقاء جمال الكون بصورها ما هو أشد وأجسم .

            *****

            أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ؟

            وتستقيم كل معاملات الإنسان في ظل هذا الإيمان واليقين بأن الله تعالى يرانا أينما كنا ويسمعنا ويعلم مافي الصدور,
            فهو السميع البصير.
            والسميع البصير , صفتان من صفات الكمال الإلهي حيث لاشبيه له ولا تمثيل ,
            فهو السميع الذي لا يشغله نداء عن نداء ..
            تستوي في كمال سمعه الأصوات , ولا تختلف عليه اللغات
            فهو سبحانه سميع لكل الموجودات البصير بها
            ويرى كل الوجود جملة وتفصيلا ليس كمثله شئ .

            ******

            فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
            أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
            ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)


            عقبات يجب أن يجتازها الإنسان لكي يحقق الكرامة للإنسانية ويبني حضارته على وجه الأرض و لكي ينجو بنفسه في الأخرة..
            وأول هذه العقبات تحرير العبيد والقضاء على نظام الرق.

            فَكُّ رَقَبَةٍ (13)

            فقد قضى الإسلام على الرق من جذوره
            إذ أن مصدر الرق كان الأسر في الحروب , وقد أغلق هذا الباب.
            قال تعالى في سورة محمد : حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً .
            وبذلك أغلق باب الإسترقاق...
            وجعل من التقرب إلى الله عتق العبيد المستبقين من النظم السابقة.

            ولكن للأسف الشديد نجد اليوم من يتاجرون بالبشر , فقد ورد خبر على شبكة النت ,
            الأطفال اللاجئون سلع بشرية بأوروبا .
            قالت وكالة حقوقية أوروبية إن كثيرا من الأطفال الذين يختفون من مراكز اللجوء في القارة سنويا، يقعون على الأرجح في براثن شبكات الاتجار بالبشر. المصدر: الألمانية 7/7/2009- الجزيرة .نت

            ******

            ومن العقبات التي نراها الأن مشكلة الفقر وأن على المجتمعات الغنية حل مثل هذه المشكلات .

            أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)

            وقد حدث في عصر الخليف عمر بن عبد العزيز أن قضى على الفقر تماما بواسطة جمع الزكاة من الأغنياء وتوزيعها على الفقراء والمساكين.. حتى أنه لم يجد من يأخذ الزكاة فزوج بها الشباب وعم الرخاء أرجاء الأمة....

            *******
            ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ .

            والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل
            والمؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم , فالمؤمن لا يروع الأمنين ولا يقتل ولا يزني ولا يأكل أموال الناس بالباطل .
            فالمعاملات في الإسلام مبنية على الأمانة والصدق والإخلاص وهي أهداف العقيدة الصحيحة .
            من حمل علينا السلاح فليس منا . ومن غشنا فليس منا
            الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 101
            خلاصة الدرجة: صحيح

            صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

            والصبر هو العنصر الضروري للإيمان بصفة عامة، ولاقتحام العقبة بصفة خاصة.

            وتواصوا بالمرحمة : تعني إشاعة الشعور بواجب التراحم في المجتمع ,

            وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
            وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) التوبة
            وقال تعالى :
            مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) الفتح

            ****
            وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

            تعليق


            • #51
              بسم الله الرحمن الرحيم

              مع الجزء الثلاثون
              (19)
              وبعض آيات من سورة الشمس

              تزكية النفس وأثرها في المعاملات

              وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا -1 وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا -2 وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا -3 وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا -4 وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا -5 وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا -6 وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا -7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا -8 قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا -9 وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا -10 كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ -11 إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا -12 فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا -13 فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا -14 وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا -15


              إن الإنسان مخلوق مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد، مزدوج الاتجاه ونعني بكلمة مزدوج على وجه التحديد أنه بطبيعة تكوينه من طين الأرض ومن نفخة الله فيه من روحه , مزود باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال.

              فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر. كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء. وأن هذه القدرة كامنة في كيانه، يعبرعنها القرآن بالإلهام تارة: ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها.. ويعبر عنها بالهداية تارة: فهديناه النجدين .

              فهي كامنة في صميمه في صورة استعداد.. والرسالات والتوجيهات والعوامل الخارجية إنما توقظ هذه الاستعدادات وتشحذها وتوجهها هنا أو هناك. ولكنها لا تخلقها خلقاً. لأنها مخلوقة فطرة، وكائنة طبعاً، وكامنة إلهاماً.


              وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا -7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا -8 قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا -9 وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا -10

              وهناك إلى جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في ذات الإنسان. هي التي تناط بها التبعة. فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعداد الخير فيها، وتغليبه على استعداد الشر.. فقد أفلح. ومن أظلم هذه القوة وخبأها وأضعفها فقد خاب.

              قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا

              وهكذا ترتبط حقيقة النفس البشرية بحقائق هذا الوجود الكبيرة، ومشاهدة الثابتة، كما ترتبط بهذه وتلك سنة الله في أخذ المكذبين والطغاة، في حدود التقدير الحكيم الذي يجعل لكل شيء أجلاً، ولكل حادث موعداً، ولكل أمر غاية، ولكل قدر حكمة، وهو رب النفس والكون والقدر جميعاً.

              *******

              وقد ورد في سورة الشمس نموذج من رسل الله إلى البشر .
              نبي الله " صالح" عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .

              قال تعالى في سورة هود :

              وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ -61
              قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ -62
              قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ -63
              وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ -64

              هكذا في وضوح كوضح الشمس,

              قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ.


              ولكنهم ردوا بالشك في دعوة التوحيد التي هي الأوضح لدى كل عاقل ,
              فهذه الشمس من خلقها ؟ وخلق ضياءها ,
              وهذا القمر من خلقه ؟ وجعله أداة للتوقيت عبر العصور المختلفة لم يتقدم أو يتأخر ,
              وهذا النهار المطل دائما نحو الشمس ينسلخ من الليل لينير- بقدرة الله تعالى - نصف الأرض ,
              فإنك لو خرجت خارج طبقة النهر متجها إلى السماء , تشاهد عجبا , الشمس تضيء وحولها سماء مظلمة والنجوم تتلألأ في مساراتها .

              فالليل يغطي كل النجوم بما فيها شمسنا , فسبحان من أنار الأرض بالنهار.
              كل هذه الأيات لا تكفي للدلالة على الخالق الأعظم ؟ إذن فانظر إلى السماء وعظيم هذا البناء الكوني من يسيره ؟ ومن وضع له قوانين مروره , كل في فلك يسبحون .

              لم يكف هذا ؟؟ ننزل إلى الأرض ,

              فتدور الأرض حول محورها دون شعور منا بهذه الحركة الدقيقة
              الناعمة , فكيف للأرض وهي جماد أن تدور بانتظام عبر ملايين السنين, بهذه الدقة حيث ينشأ الليل والنهار..؟؟؟
              وتدور في نفس الوقت في مدار حول الشمس وبنفس الدقة ,حيث تنشأ الفصول الأربعة ...؟؟؟ ويختلف طول الليل والنهار مع هذا المدار...

              أين المحرك لهذه الأرض ؟؟ ومن يديره ؟؟

              ونرى العجب على سطح الأرض

              أولا البحار

              وتشمل أكثر من سبعين في المائة من مساحة الأرض وبها قوانين وضعها الله تعالى حتي تصلح لجريان السفن عليها ...

              ثانيا مياه الأمطار
              ترتبط مياه الأمطار بكل قطرة ماء على سطح الأرض..فهناك علاقة بين الأنهار وتكوينها وبين الشمس والبحار والسحاب.. في منظومة علمية دقيقة لإستمرار الحياة على الأرض..
              حيث تتبخر المياه من البحار ومن سطح الأرض بفعل حرارة الشمس, مكونة السحاب الذي سخره الله بحيث لا ينفلت من الأرض , وينقى الماء ثم يعود مرة أخرى إلى ينابيع الأنهار , وتجري الأنهار وتتحرك يشرب منها جميع المخلوقات ... فقد نقاها خالقها لكي تصلح للشرب والري ..
              ولأنها أي مياه الأنهارمتحركة فهي لا تعطب وتتجه دائما لتصب في البحار
              وللحفاظ على مياه البحار من العطب وضع الله فيها الأملاح التي لا تتبخر مع الماء الصاعد إلى السحاب ...

              سبحان الخالق العظيم

              كل هذه الآيات لم تكف ؟؟ إذن انظر في نفسك , من خلقك ومن كونك وأنت في بطن أمك وجعل لك السمع والبصر والفؤاد وأمدك بكل ما تحتاجه لتحيا ؟؟؟
              من الذي ركب فيك حرية الإختيار ؟؟ , وكان من الممكن أن يكون الإنسان ليس له خيار ويعيش كسائر المخلوقات . ولكن كرمه الله بنعمة العقل والإختيار, وأرسل له الرسل لتوضح له طريق الخير ليسلكه , وتبين طرق الشر ليبتعد عنها , وأن هناك حساب يوم القيامة , حيث النعيم الأبدي للمؤمنين , والجحيم للكافرين .

              ومع كل هذا الوضوح يطلب الكافرون آية من نبي الله صالح , وقد أجابهم بما طلبوا , وخرجت ناقة من الصخر , معجزة من الله كما طلبوا .

              فهل أمنوا ؟ أن الذي لا يؤمن بكل دلائل القدرة الإلهية في الأنفس والأفاق , يصعب عليه الإيمان بعد ذلك , وهذا ما حدث لثمود,
              عقروا الناقة , فاستحقوا العذاب .

              قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا

              ******

              وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

              تعليق


              • #52
                بسم الله الرحمن الرحيم

                مع الجزء الثلاثون
                (19)
                وبعض آيات من سورة الليل

                مبدأ التكامل وأثره في المعاملات


                وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ -1 وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ -2 وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ -3 إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ -4



                الليل والنهار ,من الآيات الكونية التي تدل على قدرة الله تعالى .
                فهو وحده تبارك وتعالى المتحكم فيهما .


                قال تعالى:


                قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ -71 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ -72 وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ -73 .القصص

                فالليل مكمل للنهار , ولا يستقيم الوضع مع الليل منفردا ولا يستقيم الوضع مع النهار منفردا , ومن هنا نلاحظ ورود عنصرا البشرية الذكر والأنثى بعد ورود الليل والنهار , وأن الذكر مكمل للأنثى , وكذلك الأنثى مكملة للذكر , وبهما تسير قافلة البشرية إلى منتهاها ...

                قال تعالى:

                إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا -35 الأحزاب

                ومع هذا التساوي في المقامات والتقرب إلى الله من كلا الجنسين وما أعد لهم , فإن سعيهم مختلف , فكل ميسر لما خلق له .

                فعلى الرجل أعباء وعلى المرأة أعباء مختلفة , وقد تكون متشابهة في بعض الجوانب ومختلفة في جوانب أخرى ولكنها متكاملة بالضرورة ومهمة ولا يمكن الإستغناء عنها بحال من الأحوال .

                والتكامل يحدث بين أفراد الجنس الواحد سواء ذكورا أو إناثا ..فهذه طبيبة وهذه معلمة وأخرة مهندسة وأخرة ممرضة إلى أخر التخصصات..وكذلك الرجال..

                إن المواهب التي أمدها الله تعالى للبشر - جعل هذا الكم الهائل من التخصصات في كافة المجالات والمهن - تخدم بعضها البعض علموا بذلك أو لم يعلموا.. فهي مواهب متعددة يكمل بعضها الأخر.

                فانظر إلى رغيف الخبز الذي تأكله , سخر الله لك الزارع الذي حصد القمح وسخر لك المطحن الذي حوله لدقيق وسخر لك الفرن الذي تم فيه عجن الدقيق وخبزه ليصلك رغيف الخبز..

                وكذلك أنت يجب أن تعمل في تخصص ما- يخدم غيرك من البشر- لكي تحصل على المال لتداول المنافع بين الناس.. وهكذا يكون الأنسان عنصرا خادما لغيره شاء أو لم يشأ في منظومة متكاملة ..
                يسعد فيها الراضون بقضاء الله , ويشقى فيها من سخط بقضاء الله..

                قال تعالى في سورة النساء:


                وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا – 32


                ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة.
                فلا تتمنى النساء خصائص الرجال , ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال.
                فهذا يؤدي إلى السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب.
                وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه.


                وكذلك في جميع المخلوقات من نبات أو حيوان أو حتى الطاقة فيلزمها الطاقة الموجبة والطاقة السالبة وإلا لتعطلت .

                وأن هذا التوازن العجيب بين الذكور والإناث ليدل على أن الأمر ليس صدفة كما يقرر الملاحدة .
                فلا يبقى إلا أن هنالك مدبراً يخلق الذكر والأنثى لحكمة مرسومة وغاية معلومة. فلا مجال للمصادفة، ولا مكان للتلقائية في نظام هذا الوجود أصلاً.


                وقد ذكرت ذلك في سلسلة مبدأ التوحيد من القرآن العظيم , ولا يعد ذلك تكرارا حيث لا تنفصل عقيدة التوحيد عن المعاملات , ولكنه التوضيح في جانب معاملات الإنسان عبر رحلة يقطعها في هذه الدنيا إلى هدف مرضات الله تعالى, أوضحتها شريعة الله تعالى إلى البشر في القرآن العظيم وسنة نبينا صلوات ربي وسلامه عليه.

                قال تعالى:

                وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ– 155 الأنعام

                *****

                وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                تعليق


                • #53

                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  مع الجزء الثلاثون
                  (21)
                  وبعض آيات من سورة الليل

                  مبدأ التكافل الإجتماعي
                  وأثره في المعاملات


                  فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ -5 وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ –6 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ -7
                  وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ -8 وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ -9 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ -10 وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ -11
                  إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ -12 وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ -13 فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ -14 لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى -15 ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ -16 وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى -17 ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ -18 وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ -19 إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ -20 وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ -21 .


                  *******

                  تمر المجتمعات الحديثة في هذه الأيام أزمات إقتصادية في غاية الصعوبة قد تهوي بها إلى الإفلاس والإنهيار. وذلك كله لإهمال التكافل الإجتماعي الذي يعيد منظومة توزيع المال بين الناس بحيث تصغر الهوة بين الأغنياء وبين الفقراء...
                  وقد إنهار النظام الشيوعي لإغفاله الملكية الفردية .. وهذه الأيام نرى إنهيارا للنظام الرأسمالي لإغفالة التكافل الإجتماعي . وهو العطاء لذوي الحاجات والضعفاء والفقراء والمساكين , وإغناءهم وحمايتهم من الفقر القاتل كما نشاهده في بلدان عديدة ..
                  بينما نجد المليارات في أيدي أفراد معدودة من الأثرياء لا يستطيعون التمتع بها في دنياهم لكثرتها , وقد حرموا منها جموع الشعوب الفقيرة وحرموا أنفسهم من الرضوان والنعيم في الأخرة.

                  إن الإسلام يعتبر المال وسيلة للتعامل وليس سلعة في حد ذاته كما تفعل البنوك الربوية ..
                  ولو تحول المال إلى سلعة فسوف يحقق ربحا مؤقتا لفئة من الناس . ولكنه سيعود بالأزمات المالية والفقر على قطاعات كبيرة من المجتمع ولعل ما نلاحظه في هذه الأيام من إنهيار الإقتصاد لدول عديدة
                  من جراء ذلك المفهوم الخاطئ في التعاملات المالية...

                  ولكن في ظل الشريعة الإسلامية عاش الناس في رخاء وانظروا إلى ما تحقق في عصر الخليفة عمر بن عبد العزيز من تيسير ورخاء , حيث لم يجد موزعوا أموال الزكاة من يأخذها في عصره وذلك لكثرة الأموال والرخاء, ومع ذلك لم يهدرها ولم يلقي بها في البحر , بل زوج الشباب على نفقة الدولة وأقام المشاريع , إلى غير ذلك من الأمور.


                  فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ -5 وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ –6 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ -7

                  والذي يعطي ويتقي ويصدق بالحسنى يكون قد بذل أقصى ما في وسعه ليزكي نفسه ويهديها. عندئذ يستحق عون الله وتوفيقه الذي أوجبه ـ سبحانه ـ على نفسه بإرادته ومشيئته.
                  والذي بدونه لا يكون شيء، ولا يقدر الإنسان على شيء.

                  *****

                  وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ -8 وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ -9 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ -10 وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ -11

                  والذي يبخل بنفسه وماله، ويستغني عن ربه وهداه، ويكذب بدعوته ودينه.. يبلغ أقصى ما يبلغه إنسان بنفسه من تعريضها للفساد. ويستحق أن يعسر الله عليه كل شيء ، فييسره للعسرى , فإذا تردى وسقط في نهاية العثرات والانحرافات لم يغن عنه ماله الذي بخل به ، والذي استغنى به كذلك عن الله وهداه.

                  وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ -11


                  والتيسير للشر والمعصية من التيسير للعسرى ، وإن أفلح صاحبها في هذه الأرض ونجا.
                  وهل أعسر من جهنم ؟ وإنها لهي العسرى .

                  ****

                  إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ -12 وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ -13 فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ -14 لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى -15 ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ -16 وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى -17 ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ -18 وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ -19 إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ -20 وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ -21 .

                  لقد كتب الله على نفسه ـ فضلاً منه بعباده ورحمة ـ أن يبين الهدى لفطرة الناس ووعيهم . وأن يبينه لهم كذلك بالرسل والرسلات والآيات، فلا تكون هناك حجة لأحد ، ولا يكون هناك ظلم لأحد .

                  وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ -19 إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ -20 وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ -21 .

                  فالإسلام يوجب علينا أن يكون العمل خالصا لله تعالى , لا رياء ولا سمعة
                  يجب أن تكون كل الأفعال والأقوال ابتغاء وجه ربنا الأعلى .

                  ****

                  وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                  تعليق


                  • #54

                    بسم الله الرحمن الرحيم


                    مع الجزء الثلاثون
                    (22)
                    وبعض آيات من سورة الضحى


                    نعم الله تعالى التي لا تحصى
                    وأثرها في المعاملات



                    وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.




                    ورد في روايات كثيرة أن الوحي فتر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبطأ عليه جبريل ـ عليه السلام ـ فقال المشركون: ودع محمداً ربه, فأنزل الله تعالى هذه السورة..
                    وفي رواية لمسلم :
                    أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال المشركون : قد ودع محمد . فأنزل الله عز وجل : والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى .
                    الراوي: جندب بن عبدالله المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 1797
                    خلاصة الدرجة: صحيح



                    ولو فكر المشركون قليلا , لكان هذا الحدث من دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم , لأنه لا يتكلم من عند نفسه فإذا نزل الوحي بلغ ما أنزل إليه , قال تعالى : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى . (النجم)


                    فنزلت آيات سورة الضحى تمسح الآلام والمواجع، وتنسم بالروْح والرضى والأمل. وتسكب البرد والطمأنينة واليقين للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه.




                    وَالضُّحَى -1 وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى -2 مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى -3 وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى -4 وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى -5 أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى -6 وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى -7 وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى -8 فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ -9 وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ -10 وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ -11


                    *****


                    أقسم تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، وبالليل إذا سجى أي أظلم ، على اعتناء الله برسوله صلى الله عليه وسلم فقال : ﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ﴾ أي: ما تركك منذ اعتنى بك، ولا أهملك منذ رباك ورعاك، بل لم يزل يربيك أحسن تربية، ويعليك درجة بعد درجة.




                    وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى.


                    وقد ورد في الحديث الشريف الذي رواه مسلم:


                    أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم : رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني (إبراهيم / الآية - 36 ) وقول الله عز وجل في عيسى عليه السلام : إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم( المائدة / الآية – 118)
                    فرفع يديه وقال " اللهم , أمتي أمتي " وبكى ...


                    فقال الله عز وجل : يا جبريل ! اذهب إلى محمد ، وربك أعلم ، فسله ما يبكيك ؟
                    فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله . فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال .
                    فقال الله : يا جبريل ! اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك .
                    الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 202
                    خلاصة الدرجة: صحيح



                    هل أدركنا مقدار حب رسول الله لنا- صلوات ربي وسلامه عليه..
                    إن دموع الحب والشوق لك ياحبيب الله , هي التي تعبر عن حبك لأمتك .



                    أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى.


                    لقد ولدت يتيماً فآواك إليه، وعطف عليك القلوب حتى قلب عمك أبي طالب وهو على غير دينك .


                    وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى.


                    ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد، منحرفة السلوك والأوضاع، فلم تطمئن روحك إليها. ولكنك لم تكن تجد لك طريقاً واضحاً مطمئناً . لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا .. ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك، وبالمنهج الذي يصلك به.


                    وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى.


                    ولقد كنت فقيراً فأغنى الله نفسك بالقناعة، كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك (خديجة رضي الله عنها) عن أن تحس الفقر، أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء .


                    فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ .
                    وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ .



                    فهذه التوجيهات إلى إكرام اليتيم والنهي عن قهره وكسر خاطره وإذلاله، وإلى إغناء السائل مع الرفق به واكرامه، كانت من أهم متطلبات الإسلام . حيث رفع الإسلام هذه البيئة بشريعة الله إلى الحق والعدل والوقوف عند حدود الله.
                    وأما التحدث بنعمة الله ـ وبخاصة نعمة الهدى والإيمان ـ فهي صورة من صور الشكر للمنعم. يكملها البر بعباده، وهو المظهر العملي للشكر، والحديث الصامت النافع الكريم .


                    ونعم الله كثيرة لا نستطيع حصرها فهي تبدأ مع بداية حياة الإنسان..وتمتد نعم الله لتشمل كل حياة الإنسان ..




                    قال تعالى في سورة النحل:


                    خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ - 3


                    خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ - 4



                    وقال تعالى في سورة المؤمنون : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ -12 ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ – 13 ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ – 14


                    سبحان الله وصف دقيق لمراحل تخليق الجنين أسلم الكثير من العلماء لما سمعوا بهذه الآيات وقالوا أنها تمثل أعلى ما وصل إليه العلم الحديث.


                    *******


                    وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ - 5
                    وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ – 6
                    وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ – 7



                    والأنعامَ من الإبل والبقر والغنم خلقها الله لكم -أيها الناس- وجعل في أصوافها وأوبارها الدفء, ومنافع أُخر في ألبانها وجلودها وركوبها, ومنها ما تأكلون.


                    ولكم فيها زينة تُدْخل السرور عليكم عندما تَرُدُّونها إلى منازلها في المساء, وعندما تُخْرجونها للمرعى في الصباح.
                    وقال تعالى:
                    وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ – 66 النحل



                    نعمة وسائل المواصلات
                    وكيف أشار الله تعالى إلي كل ما نعلمه , وما لا نعلمه من وسائل قديمة وحديثة ومستجدة لا نعرفها .


                    وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ – 7


                    وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ -8
                    وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ -9



                    وخلق لكم الخيل والبغال والحمير; لكي تركبوها, ولتكون جمَالا لكم ومنظرًا حسنًا; ويخلق لكم من وسائل الركوب وغيرها ما لا عِلْمَ لكم به; لتزدادوا إيمانًا به وشكرا له.
                    فهذا بيان لكل مكتشف في وسائل النقل , فعلى الإنسان تطوير صناعة المواصلات , و على العلماء إستخدام الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية في تسير تلك المركبات بدلا من التلوث البيئي الذي نعاني منه .


                    وعلى الله بيان الطريق المستقيم لِهدايتكم, وهو الإسلام, ومن الطرق ما هو مائل لا يُوصل إلى الهداية, وهو كل ما خالف الإسلام من الملل والنحل. ولو شاء الله هدايتكم لهداكم جميعًا للإيمان.


                    ****


                    نعمة المياه والزروع


                    هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ -10
                    يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ -11



                    هو الذي أنزل لكم من السحاب مطرًا, فجعل لكم منه ماءً تشربونه, وأخرج لكم به شجرًا تَرْعَوْن فيه دوابّكم, ويعود عليكم دَرُّها ونفْعُها.


                    يُخرج لكم من الأرض بهذا الماء الواحد الزروع المختلفة, ويُخرج به الزيتون والنخيل والأعناب, ويُخرج به كل أنواع الثمار والفواكه. إن في ذلك الإخراج لدلالةً واضحة لقوم يتأملون, فيعتبرون.




                    نعمة الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم .


                    وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – 12

                    وسخَّر لكم الليل لراحتكم, والنهار لمعاشكم, وسخَّر لكم الشمس ضياء, والقمر نورًا ولمعرفة السنين والحساب, وغير ذلك من المنافع, والنجوم في السماء مذللات لكم بأمر الله لمعرفة الأوقات, والاهتداء بها في الظلمات. إن في ذلك التسخير لَدلائلَ واضحةً لقوم يعقلون ويتعاملون مع هذه الظواهر الكونية بكل ما أتاهم الله تعالى من علم , فيعرفون عظمة الخالق سبحانه , وينعمون من جراء ما يستفيدون منه كالطاقة الشمسية وغيرها.

                    *****


                    نعمة الثروات الباطنة في الأرض
                    من معادن وبترول وغيرها.


                    وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ – 13


                    تلفتنا الآيات للتنقيب عن المعادن وجميع الثروات التي سخرها الله تعالى لنا في باطن الأرض.
                    وسخَّر ما خلقه لكم في الأرض من الدوابِّ والثمار والمعادن, وغير ذلك مما تختلف ألوانه ومنافعه. إن في ذلك الخَلْق واختلاف الألوان والمنافع لَعبرةً لقوم يتعظون, ويعلمون أنَّ في تسخير هذه الأشياء علاماتٍ على وحدانية الله تعالى وإفراده بالعبادة.


                    نعمة البحار وما فيها من أسماك وكنوز من اللؤلؤ. ثم قوانين الطفو لتسير السفن والغواصات..


                    وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ – 14


                    تلفتنا الآيات إلى قيمة الثروة السمكية التي لو استغلت حق إستغلال لم ترى جائع على وجه الأرض. فهي ثروة مجانية في البحار والأنهار ولكن علينا الهمة والسعي لكي نحصل عليها .


                    وهو الذي سخَّر لكم البحر; لتأكلوا مما تصطادون من سمكه لحمًا طريًا, وتستخرجوا منه زينة تَلْبَسونها كاللؤلؤ والمرجان, وترى السفن العظيمة تشق وجه الماء تذهب وتجيء, وتركبونها; لتطلبوا رزق الله بالتجارة والربح فيها, ولعلكم تشكرون لله تعالى على عظيم إنعامه عليكم, فلا تعبدون غيره


                    نعمة ثبات الأرض رغم دورانها المستمر حول نفسها وحول الشمس ونعمة الجبال ودورها في توازن حركة الأرض. ثم نعمة الأنهار ونعمة الأودية...


                    وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ – 15


                    وأرسى في الأرض جبالا تثبتها حتى لا تميل بكم, وجعل فيها أنهارًا; لتشربوا منها, وجعل فيها طرقًا; لتهتدوا بها في الوصول إلى الأماكن التي تقصدونها.


                    ****


                    نعمة علامات الهداية من الكواكب و النجوم ومواقعها العظيمة , التي تحدد معالم الاتجاهات في الليل وفي الصحاري الواسعة والمحيطات المائية الكبيرة.


                    وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ – 16


                    وجعل في الأرض معالم تستدلُّون بها على الطرق نهارًا, كما جعل النجوم للاهتداء بها ليلا. وأيضا للمزيد من المعلومات علينا بالبحث العلمي.
                    هل أدركنا شمول رسالة الله تعالى للحياة كلها ؟ وهل يستطيع مكابر بعد هذه الأدلة أن ينحي الدين عن الحياة الواقعية ؟


                    *******


                    أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ-17


                    وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ– 18



                    *****


                    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                    تعليق


                    • #55

                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      مع الجزء الثلاثون
                      (23)
                      وبعض آيات من سورة الشرح

                      مبدأ اليسر في الإسلام


                      أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ – 1 وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ – 2 الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ – 3 وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ – 4

                      فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا– 5 إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا– 6

                      فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ – 7 وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ – 8

                      *****

                      ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ لشرائع الدين والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقًا حرجًا.
                      ﴿ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ ووضعنا عنك عبئك الذي أثقل ظهرك حتى كاد يحطمه من ثقله . . وضعناه عنك بشرح صدرك له فخف وهان . وبتوفيقك وتيسيرك للدعوة ومداخل القلوب . وبالوحي الذي يكشف لك عن الحقيقة ويعينك على الدعوة في يسر وهوادة ولين .
                      كما قال تعالى في سورة الفتح :
                      إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا – 1 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا – 2 وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا – 3

                      ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ أي: أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

                      وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيًا عن أمته.

                      *****

                      وقوله: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى : ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا-7 سورة الطلاق
                      وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : و اعلم أن النصر مع الصبر و أن الفرج مع الكرب و أن مع العسر يسرا
                      حديث صحيح رواه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب
                      المصدر : تخريج كتاب السنة - الصفحة أو الرقم: 315

                      فاليسر أساس حياة المؤمن , فما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أختار أيسرهما ... كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها.


                      وقال تعالى في سورة الأعلى : وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى - 8


                      إن الذي ييسره الله لليسرى ليمضي في حياته كلها ميسراً. يمضي مع هذا الوجود المتناسق التركيب والحركة والاتجاه.. إلى الله.. فلا يصطدم إلا مع المنحرفين عن خط هذا الوجود الكبير .
                      يمضي في حركة يسيرة لطيفة هينة لينة مع الوجود كله ومع الأحداث والأشياء والأشخاص، ومع القدر الذي يصرف الأحداث والأشياء والأشخاص.
                      اليسر في يده. واليسر في لسانه. واليسر في خطوه. واليسر في عمله واليسر في تصوره. واليسر في تفكيره. واليسر في أخذه للأمور. واليسر في علاجه للأمور. اليسر مع نفسه واليسر مع غيره.


                      وهكذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل أمره.. ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما كما روت عنه السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ وكما قالت عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ألين الناس، بساماً ضحاكاً "
                      وفي هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اللباس والطعام والفراش وغيرها ما يعبر عن اختيار اليسر وقلة التكليف ألبتة.
                      ونهى عن التشدد في كل الأمور حتى في أمور العقيدة.
                      ومن هذا قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " (أخرجه البخاري)..
                      " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد عليهم.. " (أخرجه أبو داود)..
                      إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى " (أخرجه البخاري)..
                      يسروا ولا تعسروا " (أخرجه الشيخان).
                      وفي أمور المعاملات
                      قوله ـ صلى الله عليه وسلم :
                      رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى (أخرجه البخاري)
                      المؤمن هين لين . (أخرجه البيهقي)
                      المؤمن يألف ويؤلف . (أخرجه الدارقطني).
                      إن أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم . أخرجه الشيخان.
                      ومن قوله: " إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق (أخرجه الترمذي)..
                      وسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها صفحات من السماحة واليسر والهوادة واللين والتوفيق إلى اليسر في تناول الأمور جميعاً.


                      ******

                      وهذه المبادئ تجعل من المؤمن نشيطا غير يائس ولا كسلان مهما أصابه من هم أو كرب وبذلك تنعكس على كل معاملاته تجاه الأخرين..

                      وتعريف " العسر " في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير " اليسر " يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين.

                      وفي تعريفه بالألف واللام، الدالة على الاستغراق والعموم يدل على أن كل عسر - وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ - فإنه في آخره التيسير ملازم له.

                      ثم أمر الله رسوله أصلًا، والمؤمنين تبعًا ، بشكره والقيام بواجب نعمه ، فقال : ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ أي : إذا تفرغت من أشغالك ، ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء.

                      ﴿ وَإِلَى رَبِّكَ ﴾ وحده ﴿ فَارْغَبْ ﴾ أي : أعظم الرغبة في إجابة دعائك وقبول عباداتك .
                      ولا تكن ممن إذا فرغوا وتفرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين.

                      وهكذا تكون حياة المؤمن نشاطا دائما سواء في العبادة أو العمل أو الراحة, فذكر الله لا ينقطع والتسبيح يشمل كل حياة الإنسان على المعنى الذي بيناه في سورة الأعلى..
                      فالتسبيح هو التمجيد والتنزيه واستحضار معاني الصفات الحسنى لله , والحياة بين إشعاعاتها وفيوضاتها وإشراقاتها في القلب والشعور .

                      وبذلك تنضبط حياة الإنسان فيعرف ما له وما عليه ولا يقع فريسة لطغيان أو فساد سواء منه أو عليه.

                      فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا– 5 إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا– 6

                      فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ – 7 وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ – 8


                      *******

                      وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                      تعليق


                      • #56
                        بسم الله الرحمن الرحيم

                        مع الجزء الثلاثون
                        (24)
                        وبعض آيات من سورة التين

                        مبدأ الحفاظ على الفطرة القويمة
                        والمعنى الحقيقي للدين


                        وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ -1 وَطُورِ سِينِينَ -2 وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ -3 لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ -4 ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ -5 إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ -6 فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ -7 أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ -8


                        الحقائق الرئيسية التي تعرضها سورة التين.

                        أولا : حقيقة الفطرة القويمة التي فطر الله الناس عليها، واستقامة طبيعتها مع طبيعة الإيمان بالله الواحد ، والوصول بها للمقام المقدر لها .
                        ثانيا : هبوط الإنسان وسقوطه حين ينحرف عن سواء الفطرة واستقامة الإيمان بعقيدة التوحيد.

                        ثالثا : حقيقة الدين الخاتم بشموله عقيدة وشريعة ومعاملات وأخلاق وعبادات ( الفرائض ) ...

                        ********

                        فالإسلام دين الفطرة التي ترقى بالإنسان إلى صفوف الملائكة الكرام قال تعالى في سورة الإسراء :

                        وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً – 70

                        ولقد كرَّمنا ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل، وسَخَّرنا لهم جميع ما في الكون،
                        وسَخَّرنا لهم ما يركبونه من وسائل النقل, سيارات وطائرات في البر والسفن في البحر لحملهم، ورزقناهم من طيبات المطاعم والمشارب، وفضَّلناهم على كثير من المخلوقات تفضيلا عظيمًا


                        ****

                        أولا : حقيقة الفطرة القويمة

                        لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ

                        ومن هذه الخصائص الروحية يتجلى تفوق التكوين الإنساني. فهو مهيأ لأن يبلغ من الرفعة مدى يفوق مقام الملائكة المقربين. كما تشهد بذلك قصة المعراج.. حيث وقف جبريل ـ عليه السلام ـ عند مقام، وارتفع نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ـ الإنسان ـ إلى المقام الأسنى.

                        قال تعالى في سورة البقرة :

                        وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ – 30
                        وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ – 31 قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ – 32
                        قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ – 33

                        فهكذا نرى تكريم الإنسان منذ أن خلقه الله تعالى وأمر الملائكة للسجود له... فهل هناك إرتقاء يعادل ذلك الإرتقاء وهذا السمو. ؟؟

                        ********

                        ثانيا : هبوط الإنسان وسقوطه

                        ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ

                        أما في حالة الكفر والشرك والإلحاد ينتكس الإنسان حيث يهوي إلى الدرك الذي لا يبلغ إليه مخلوق قط حيث تصبح البهائم أرفع منه وأقوم، لاستقامتها على فطرتها، وإلهامها تسبيح ربها، وأداء وظيفتها في الأرض على هدى. بينما هو المخلوق في أحسن تقويم، يجحد ربه، ويرتكس مع هواه، إلى درك لا تملك البهيمة أن ترتكس إليه.

                        قال تعالى في سورة الحج :

                        وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ – 31

                        ولكن رحمة الله تعالى بالإنسان كبيرة وعظيمة فقد فتح له باب النجاة للصعود مرة أخرة إلى الفطرة السليمة.

                        إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ

                        بالإيمان والعمل الصالح يرتقي الإنسان إلى الكمال المقدر له ، حتى ينتهي به إلى حياة الكمال في دار الكمال.

                        فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ -

                        أي دائم غير مقطوع.


                        *****

                        ثالثا : حقيقة الدين

                        فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ ؟
                        أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ !!

                        وحقيقة مصطلح الدين في الإسلام هو النظام الشامل الذي يحكم حياة الإنسان .. وبالمعنى الحديث يسمونه الدستور..
                        قال تعالى في سورة يوسف : مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ..

                        والدين يقال للطاعة والجزاء، والدين كالملة، لكنه يقال اعتبارا بالطاعة والانقياد للشريعة،
                        قال تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) آل عمران/19،
                        وقال تعالى : ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ) النساء/125، أي : طاعة لشريعة الله تعالى،
                        وقوله تعالى: ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ) النساء/171،

                        وقال تعالى : ( أفغير دين الله يبغون ) آل عمران/83،
                        يعني أفغير شريعة الله يريدون ؟؟ وأي شريعة وضعية تستطيع أن تحيط بالنفس الأنسانية..
                        قال تعالى في سورة الملك : أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ - 14
                        قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) آل عمران/85،
                        قال تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) الصف/9،

                        وهكذا يتبين من الآيات السابقة أن الدين بمعناه الشامل يشمل الحياة جميعا , ومن هنا ندرك معنى الآية ( لكم دينكم ولي دين )

                        فهل للكافرين دين ؟؟ نعم دينهم عبادة الأصنام وقوانينهم يضعونها بناء على أهوائهم ورغباتهم..
                        أما المؤمنون بدين الأسلام فهم يعبدون اله واحد خالق الكون يحي ويميت .. وقوانينهم من شريعة ربهم الشريعة الإسلامية..

                        فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ ؟
                        أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ !!



                        *******

                        وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                        تعليق


                        • #57

                          بسم الله الرحمن الرحيم

                          مع الجزء الثلاثون
                          (25)
                          وبعض آيات من سورة العلق

                          مبدأ العلم والبحث العلمي
                          أول ما نزل من القرآن العظيم



                          اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ – 1 خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ – 2
                          اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ – 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ – 4 عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ – 5

                          إن المدخل الأول للتعلم هو القراءة , ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) .

                          وإن المدخل الأول للبحث العلمي هو النظر في الحقائق الموجودة في واقع الحياة( خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ )...

                          وإن المدخل الأول لكلا الأمرين تعلم الكتابة والوسيلة التي تكتب (القلم) والمعلم, لأن العلم مكتسب ولا يولد مع الإنسان, لا بد من معلم ووسيلة للكتابة.. ولذا كان التعلم لأبو البشر أدم عليه السلام . قال تعالى في سورة البقرة : وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ....

                          اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ– 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ– 4 عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ – 5


                          من أهم مقومات الحضار في الإسلام " العلم والبحث العلمي " فهو المقدمة الأولى لبناء الصرح الحضاري..

                          والعلماء ورثة الأنبياء كما ورد في الحديث الشريف : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

                          من سلك طريقا يطلب فيه علما ، سلك الله به طريقا من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء ، لم يورثوا دينارا ، ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر...
                          الراوي: أبو الدرداء المصدر: صحيح الجامع للألباني –
                          خلاصة حكم المحدث: صحيح


                          وأن الذين يخافون الله تعالى هم العلماء لما يرونه من حقائق مزهلة في عالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد وفي مجرات النجوم والكوكب والأقمار وفي الذرة وفي البحار والأنهار.

                          قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ - 28 فاطر

                          ********

                          والعلم من أهم صفات من نزل عليهم القرآن العظيم


                          قال تعالى: في أول سورة فصلت: حم – 1 تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - 2 كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – 3

                          يخبر تعالى عباده أن هذا القرآن العظيم ﴿ تَنْزِيلُ ﴾ صادر ﴿ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ الذي وسعت رحمته كل شيء، الذي من أعظم رحمته وأجلها، إنزال هذا الكتاب، الذي حصل به، من العلم والهدى، والنور، والشفاء، والرحمة، والخير الكثير، فهو الطريق للسعادة في الدارين...
                          ثم أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال : ﴿ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ﴾ أي : فصل كل شيء , وهذا يستلزم من علماء المسلمين تدبر آياته والبحث في كافة العلوم التي أتى بها على الإجمال حتى يستوعبها البشر في كافة العصور....
                          ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ أي: باللغة الفصحى أكمل اللغات، فصلت آياته وجعل عربيًا. ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ أي: لأجل أن يتبين لهم معناه، كما تبين لفظه، ويتضح لهم الهدى من الضلال، والْغَيِّ من الرشاد.....

                          وقد حافظ القرآن العظيم على اللغة العربية ونشرها في ربوع الأرض وجعلها من اللغات الحية في العالم.. وقد استوعبت اللغة العربية جميع علوم الأرض , والدليل على ذلك ما قام به علماء الإسلام بالترجمة لكتب العلوم في العصر الذهبي للدولة الإسلامية , والبحث العلمي في جميع أصول المعرفة سواء الرياضية في الجبر والهندسة أو العلوم الكيمائية أو الطبية أو علم الفلك من نجوم وكواكب أو الجغرافية أو التاريخية والشريعة والقانون..

                          فتفوق المسلمون الأوائل في العلوم الصناعية في كافة المجالات مثل صناعة السفن والأساطيل البحرية وإنشاء الترع والسدود و إنشاء المدن وما ترتب عليها من مرافق وإضاءة...

                          قال تعالى في سورة يونس :

                          هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – 5
                          إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ – 6


                          *******

                          هل أدركنا أهمية العلم والبحث العلمي في ظل عقيدة التوحيد..

                          فرسالة الإسلام هي سياج الأمان من إنحراف الحضارات , فبدون مبادئ الإيمان تشتعل الحروب ويروج لها تجار السلاح..

                          قال تعالى : كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ– 64 المائدة

                          ولكن في ظل عقيدة الإسلام , قال تعالى :

                          إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ– 90 النحل

                          *******

                          وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
                          التعديل الأخير تم بواسطة Saber Abbas; 26 نوف, 2011, 11:47 ص.

                          تعليق


                          • #58

                            بسم الله الرحمن الرحيم

                            مع الجزء الثلاثون
                            (26)
                            وبعض آيات من سورة القدر

                            المصدر الإلهي للقرآن العظيم

                            إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ-1 وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ -2 لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ -3 تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ -4 سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ - 5


                            تتحدث سورة القدر عن زمن نزول القرآن العظيم إلى السماء الدنيا من لدن رب العزة , ثم نزوله منجما فترة البعثة الشريفة ,ليكون قرآنا مطبقا مع كل حدث ويعيش المؤمن متطلعا إلى خبر السماء طيلة البعثة النبوية الشريفة لنبينا صلوات ربي وسلامه عليه .

                            وإنه لشعور عظيم والمسلمون يترقبون خبر السماء يتنزل عليهم لينظم لهم حياتهم ويعلمهم مالم يكونوا يعلمون ..
                            فكانوا يحفظون الآيات مع العمل بها فجعلت منهم خير أمة أخرجت للناس ينشرون العدل والحرية في ربوع الأرض..

                            وبقدر تدبرنا اليوم للقرآن العظيم بقدر تعرضنا لرحمات ربنا جل وعلا . وكأنه ينزل إلينا هذه الأيام , وكثير ممن يتلون القرآن يشعرون بذلك , يشعرون بالسكينة والرحمة , والهدوء , والشفاء من مرض القلوب . ويشعرون بمخاطبة الله تعالى لهم , فالقرآن العظيم كلام الله تعالى .

                            قال تعالى في سورة التوبة :

                            وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ – 6

                            وقد تولى المولى تبارك وتعالى حفظ كتابه , فجعله ميسر للذكر وميسر للحفظ , وإنك لتعجب اليوم من حفظة للقرآن صغارا وكبارا حول العالم ولا يتحدثون اللغة العربية... إنه لإعجاز يفوق التصور ..ولكنه الحفظ الإلهي لكتابه , فلا يزيد حرف ولا ينقص حرف . وإن حدث يكتشف فورا فتحرق النسخ التي زاد فيها حرف أو نقص منها حرف .. وقد حدث ذلك وكان أولها ما فعله الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه..
                            فإن العرضة الأخيرة من جبريل عليه السلام للقرآن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي بين أيدينا من أوله إلى أخره من حيث ترتيب السور وعدد الآيات.. وقد ثبت ذلك بالتواتر.. والنسخ المحفوظة حتى الأن . والأهم من ذلك أن تلقي حفظ القرآن لا يتم إلا بالمشافهة أي عن طريق الحفاظ لطلاب العلم ولا يتم بالقراءة فقط ..فالقارئ للقرآن العظيم سمعه من شيخه الذي سمعه الأخير بدوره من شيخة أيضا إلى أن يصل أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم..

                            قال تعالى في سورة الحجر :

                            إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ– 9

                            أي: القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر، ﴿ وإنا له لحافظون ﴾ أي : في حال إنزاله وبعد إنزاله ، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله ، واستودعه فيها ثم في قلوب أمته ، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ، ومعانيه من التبديل ، فلا يحرف محرف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم.

                            إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْ
                            رِ -1

                            وهي ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب نبينا محمد ـ صلى الله عليه وأله وسلم ـ ليلة ذات الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جميعاً .
                            والعظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري.

                            والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان.
                            إنا أنزلناه في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم. أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين. رحمة من ربك إنه هو السميع العليم .

                            والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان، كما ورد في سورة البقرة:
                            شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان....

                            فهل أدركنا أهمية القرآن العظيم في تنظيم حياتنا وسلوكنا وأخلاقنا فهو دستور الأخلاق الفاضلة وهو المصدر الأول لشريعة الإسلام..
                            فما أعظم المجتمعات التي يكون مصدر تشريعاتهم كلام الله تعالى وسنة نبينا صلوات ربي وسلامه عليه...

                            *********

                            وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                            تعليق


                            • #59

                              بسم الله الرحمن الرحيم

                              مع الجزء الثلاثون
                              (27)
                              وبعض آيات من سورة البينة

                              خير البرية


                              إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- 7

                              ******

                              ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) إنه الإيمان الذي ينشئ آثاره في واقع الحياة .. فالمؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده ..
                              ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) أي العمل وليس الكلام الذي لا يتعدى الشفاه ! .... والصالحات هي كل ما أمر الله تعالى بفعله من عبادة وخلق وعمل وتعامل . وفي أولها إقامة شريعة الله في الأرض , والحكم بين الناس بما شرع الله . فمن كانوا كذلك فهم خير البرية...

                              قال تعالى في سورة ال عمران :

                              كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ – 110

                              يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى عبادة الله الواحد وترك عبادة العباد وبذل الجهد على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم ... فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس ، ولما كانت الآية السابقة وهي قوله تعالى :
                              ﴿ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر

                              أمرا منه تعالى لهذه الأمة، والأمر قد يمتثله المأمور ويقوم به، وقد لا يقوم به ، فإن قامت به الأمة فهم خير البرية, وإن لم تقم به فتتساوى مع باقي الأمم والغلبة للأقوي وهكذا سنة الله في الأرض . فبينت الآية 110 التزام المؤمنون بتلك الأوامر ولذلك إستحقوا لقب الخيرية على الأمم .
                              ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )


                              فالتمكين في الأرض له شروط .

                              وقد تحققت تلك الشروط في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ففتحوا القلوب قبل البلاد وسادوا العالم لقرون عديدة نشروا العدل والحرية , وكانت الدول التي لم تدخل الإسلام في ظلام الجهل والتخلف...

                              فهل نحن اليوم مستعدون ومؤهلين لتلك الخيرية ؟؟؟ نتمنى ذلك .!!

                              قال تعالى في سورة الحج :


                              .... وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ -40

                              الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ - 41



                              فوعد الله المؤكد الوثيق المتحقق الذي لا يتخلف هو أن ينصر من ينصره . . فمن هم هؤلاء الذين ينصرون الله , فيستحقون نصر الله , القوي العزيز الذي لا يهزم من يتولاه ?

                              إنهم هؤلاء ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ )

                              فحقق الله تعالى لهم النصر وثبتهم ..لأنهم وثقوا صلتهم به بإقامة الصلاة .. وأدوا حق المال بإخراج الزكاة فحققوا التكافل الإجتماعي الذي يكفل تلاحم الأمة بين الأغنياء والفقراء , ثم محاربة الفساد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

                              بهذه الشروط ترقى الأمم وتستمر في عزتها وكرامتها بين الأمم محققة العدل والحرية والمساوة في ظل شريعة ربها تستلهم منها قوانينها لتسعد في الدنيا بالرخاء والاستقرار والعدالة الإجتماعية.. ثم النعيم الأبدي في الأخرة مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا..

                              إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- 7

                              جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ - 8




                              *******
                              وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                              تعليق


                              • #60

                                بسم الله الرحمن الرحيم

                                مع الجزء الثلاثون
                                (28)
                                وبعض آيات من سورة الزلزلة

                                معاملات الإنسان
                                وحساب الأخرة.



                                إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا - 1 وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا – 2 وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا - 3
                                يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا – 4 بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا – 5 يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ – 6 فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ – 7 وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ – 8



                                إنه يوم القيامة حيث ترتجف الأرض الثابتة ارتجافا , وتزلزل زلزالا , وتنفض ما في جوفها نفضا , وتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن وغيرها مما حملته طويلا . وكأنها تتخفف من هذه الأثقال , التي حملتها طويلا ..

                                ولعل أكثرنا عايش أحداث الزلازل التي تقع في أماكن مختلفة على وجه الأرض ومدى الفزع والخوف في قلوب البشر ومدى الدمار التي تحدثه تلك الزلازل ولعل الكثير يتذكر كيف تبتلع قرى ومدن كاملة مثل مدينة الأصنام في الجزائر فإنها إختفت تماما من الخارطة الأرضية..

                                ولكن زلزال يوم القيامة يختلف عن كل الزلازل التي حدثت على مر العصور ..
                                فهو مشهد يهز تحت أقدام المستمعين لهذه السورة كل شيء ثابت ; ويخيل إليهم أنهم يترنحون ويتأرجحون , والأرض من تحتهم تهتز وتمور مشهد يخلع القلوب من كل ما تتشبث به من هذه الأرض , وتحسبه ثابتا باقيا ; وهو الإيحاء الأول لمثل هذه المشاهد التي يصورها القرآن , ويودع فيها حركة تكاد تنتقل إلى أعصاب السامع بمجرد سماع العبارة القرآنية الفريدة....

                                ويزيد هذا الأثر وضوحا بتصوير "الإنسان" حيال المشهد المعروض , ورسم انفعالاته وهو يشهده , وقال الإنسان : ما لها ؟؟

                                وهو سؤال المفجوء , الذي يرى ما لم يعهد , ويواجه ما لا يدرك , ويشهد ما لا يملك الصبر أمامه والسكوت . مالها ? ؟ ما الذي يزلزلها هكذا ويرجها رجا ? مالها ? ويحاول أن يمسك بأي شيء يسنده ويثبته , وكل ما حوله يمور مورا شديدا..

                                والإنسان" قد شهد الزلازل والبراكين من قبل , وكان يصاب منها بالهلع والذعر , والهلاك والدمار , ولكنه حين يرى زلزال يوم القيامة لا يجد أن هناك شبها بينه وبين ما كان يقع من الزلازل والبراكين في الحياة الدنيا . فهذا أمر جديد لا عهد للإنسان به . أمر لا يعرف له سرا , ولا يذكر له نظيرا . أمر هائل يقع للمرة الأولى ...

                                يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا – 4 بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا – 5

                                يومئذ تحدث هذه الأرض أخبارها , وتصف حالها وما جرى لها . . لقد كان ما كان لها ( بأن ربك أوحى لها ) . . وأمرها أن تمور مورا , وأن تزلزل زلزالها , وأن تخرج أثقالها ..... فأطاعت أمر ربها ( وأذنت لربها وحقت -2 الانشقاق ).


                                يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ – 6


                                وفي لمحة نرى مشهد القيام من القبور:
                                يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ – 6


                                نرى مشهدهم شتيتا منبعثا من أرجاء الأرض ( كأنهم جراد منتشر – 7 القمر ). . وهو مشهد لا عهد للإنسان به كذلك من قبل . مشهد الخلائق في أجيالها جميعا تنبعث من هنا ومن هناك:
                                ( يوم تشقق الأرض عنهم سراعا – 44 ق )
                                ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه – 37 عبس )

                                إنه مشهد لا تعبر عن صفته لغة البشر . هائل مروع . مفزع . مرعب . مذهل....
                                لعله يحرك القلوب الغافلة الحائرة التي تهيم في الدنيا وكأنها دار الخلود والأستقرار..ولا تعبأ بأكل الحرام والفساد في الأرض.
                                إن المؤمن بذلك اليوم يتلمس الحلال في كل شئ ولا يرضى بالفساد في الأرض ...

                                فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ – 7 وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ – 8

                                فالذرة لا ترى أبدا حتى بأعظم المجاهر في المعامل و لم يسبق لواحد من العلماء أن رآها بعينه ولا بمجهره . وكل ما رآه هو آثارها....
                                فهذه أو ما يشبهها من ثقل , من خير أو شر , تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها ...
                                عندئذ لا يحقر "الإنسان" شيئا من عمله . خيرا كان أو شرا . ولا يقول:هذه صغيرة لا حساب لها ولا وزن . إنما يرتعش وجدانه أمام كل عمل من أعماله .... وخاصة أن جميع الأعمال تأتي حاضرة يوم القيامة..

                                وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا – 49 الكهف

                                *******

                                اللهم أسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض...أمين أمين أمين.

                                إن رحمة الله وسعت كل شئ فهو غافر الذنب وقابل التوب..
                                أرشدنا في هذه السورة قبل فوات الأوان..فعمر الإنسان هو الفرصة المتاحة له لتحصيل الحسنات .
                                قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
                                إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية أو علم ينتفع به ...

                                الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن عساكر - المصدر: معجم الشيوخ - الصفحة أو الرقم: 1/432
                                خلاصة حكم المحدث: صحيح


                                إن جميع معاملات الإنسان على هذه الأرض هي للإختبار , فقد ينجح الإنسان في أحدها دون أن يدري ..كمن سقى كلب بخفه , فدخل بذلك الفعل الجنة..
                                قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
                                بينا رجل بطريق ، اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا فنزل فيها ، فشرب ثم خرج ، فإذا كلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ماء ، فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له . قالوا : يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم لأجرا ؟ فقال : في كل ذات كبد رطبة أجرا


                                الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2466
                                خلاصة حكم المحدث: صحيح


                                والصورة المقابلة لمن دخلت النار في هرة ..
                                قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
                                دخلت امرأة النار في هرة ربطتها ، فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض..

                                الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3318
                                خلاصة حكم المحدث: صحيح


                                فما بالنا بمعاملة الإنسان لأخيه الإنسان.. هذا في معاملات غير الإنسان,
                                قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
                                تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة ، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة....

                                الراوي: أبو ذر الغفاري - المصدر: صحيح الترغيب للألباني - الصفحة أو الرقم: 2685
                                خلاصة حكم المحدث: صحيح


                                هل أدركنا مدى حساسية ميزان يوم القيامة ؟؟

                                فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ– 7

                                وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ– 8


                                ******

                                وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 1 أغس, 2023, 06:55 م
                                ردود 0
                                19 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 11 يول, 2023, 05:19 م
                                ردود 0
                                18 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 10 يول, 2023, 07:05 م
                                رد 1
                                20 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 4 يول, 2023, 10:07 م
                                ردود 0
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 30 يون, 2023, 04:06 م
                                ردود 0
                                15 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                يعمل...
                                X