حقيقة الروح

تقليص

عن الكاتب

تقليص

سيف الكلمة مسلم اكتشف المزيد حول سيف الكلمة
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حقيقة الروح

    حقيقة الروح

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ‏‏:‏ ‏"‏ومذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر سلف الأمة وأئمة السنة‏:‏ أن الروح عين قائمة بنفسها، تفارق البدن، وتنعم، وتعذب، ليست هي البدن، ولا جزء من أجزائه، ولما كان الإمام أحمد رحمه الله ممن نص على ذلك كما نص عليه غيره من الأئمة؛ لم يختلف أصحابه في ذلك‏"‏‏.‏

    وقال في موضع آخر ‏: ‏"‏والصواب أنها ليست مركبة من الجواهر الفردة، ولا من المادة والصورة، وليست من جنس الأجسام المتميزات المشهودة المعهودة، وأما الإشارة إليها؛ فإنه يشار إليها، وتصعد، وتنزل، وتخرج من البدن، وتسيل منه؛ كما جاءت بذلك النصوص ودلت عليه الشواهد العقلية‏.‏

    وأما قول القائل‏:‏ أين مسكنها من الجسد‏؟‏ فلا اختصاص للروح بشيء من الجسد، بل هي سارية في الجسد كما تسري الحياة التي هي عرض في جميع الجسد؛ فإن الحياة مشروطة بالروح؛ فإذا كانت الروح في الجسد؛ كان فيه حياة، وإذا فارقته الروح؛ فارقته الحياة‏"‏‏.‏

    الروح مخلوقة

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية ‏‏:‏ ‏"‏روح الآدمي مخلوقة مبدعة باتفاق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة، وقد حكى إجماع العلماء على أنها مخلوقة غير واحد من أئمة المسلمين‏"‏‏.‏

    وقال تلميذه العلامة ابن القيم‏:‏ ‏"‏والذي يدل على خلقها وجوه‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏، وذكر اثني عشر وجها‏:‏

    منها‏:‏ قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ‏}‏ ؛ فهذا اللفظ عام، لا تخصيص فيه بوجه ما، ولا يدخل في ذلك صفاته؛ فإنها داخلة في مسمى اسمه؛ فالله سبحانه هو الإله الموصوف بصفات الكمال، وهو سبحانه بذاته وصفاته الخالق وما سواه مخلوق‏.‏

    ومنها‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا‏}‏ ، وهذا الخطاب لروحه وبدنه، وليس لبدنه فقط؛ فإن البدن وحده لا يفهم ولا يخاطب ولا يعقل، وإنما الذي يفهم ويعقل ويخاطب هو الروح‏.‏

    ومنها‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ‏}‏ ، وهذا الإخبار إما أن يتناول أرواحنا وأجسادنا كما يقوله الجمهور، وإما أن يكون واقعا على الأرواح قبل خلق الأجساد كما يقوله من يزعم ذلك، وعلى التقديرين؛ فهو صريح في خلق الأرواح‏.‏

    ومنها‏: النصوص الدالة على أن الإنسان عبد بجملته، وليست عبوديته واقعة على بدنه دون روحه، بل عبودية الروح أصل، وعبودية البدن تبع؛ كما أنه تبع لها في الأحكام، وهي التي تحركه وتستعمله، وهو تبع لها في العبودية‏.‏

    ومنها‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا‏}‏ ؛ فلو كانت روحه قديمة؛ لكان الإنسان لم يزل شيئا مذكورا؛ فإنه إنما هو إنسان بروحه لا بدنه‏.‏

    ومنها‏:‏ حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في ‏"‏صحيح البخاري‏"‏وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏(‏الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف‏) ، والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة‏.‏

    ومنها‏:‏ أن الروح توصف بالوفاة والقبض والإمساك والإرسال، وهذا شأن المخلوق المحدث المربوب‏.‏


    (الإرشاد الى صحيح الاعتقاد للعلامة الفوزان)
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

  • #2
    كيفية قبض روح المتوفى وما لها بعد وفاته

    قد جاء بيان كيفية التوفي ومآل الروح بعده في حديث البراء بن عازب الطويل، وهذا نصه‏:‏

    عن البراء بن عازب رضي الله عنه؛ قال‏:‏

    ( ‏كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله كأن على رءوسنا الطير وهو يلحد له، فقال أعوذ بالله من عذاب القبر؛ ثلاث مرات ثم قال إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا؛ نزلت إليه الملائكة، كأن على وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، فجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول يا أيتها النفس الطيبة‏!‏ اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها؛ فإذا أخذها؛ لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة؛ إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة‏؟‏ فيقولون فلان ابن فلان؛ بأطيب أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله، فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض؛ فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له من ربك‏؟‏ فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك‏؟‏ فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم‏؟‏ فيقول هو رسول الله فيقولان له ما علمك‏؟‏ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي؛ فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسخ له في قبره مدَّ بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت‏؟‏ فوجهك الذي يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول يا رب‏!‏ أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي قال وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة؛ نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول أيتها النفس الخبيثة‏!‏ اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتفرَّق روحه في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها؛ لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح خبيثة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة؛ إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث‏؟‏ فيقولون فلان ابن فلان؛ بأقبح أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط‏}‏ فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا ثم قرأ ‏{‏ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق‏}‏ فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له من ربك‏؟‏ فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم‏؟‏ فيقول هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت‏؟‏ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر‏!‏ فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة‏)‏ ‏
    .‏
    رواه الإمام أحمد وأبو داوود والحاكم وأبو عوانة في ‏"‏صحيحيهما‏"‏ وابن حبان‏.‏

    قال شارح الطحاوية‏:‏ ‏"‏وذهب إلى موجب هذا الحديث جميع أهل السنة والحديث، وله شواهد في الصحيح‏"‏‏.‏

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ ‏"‏أما الحديث المذكور في قبض روح المؤمن، وأنه يصعد بها إلى السماء التي فيها الله؛ فهذا حديث معروف جيد الإسناد، وقوله‏:‏ ‏"‏فيها الله‏"‏‏:‏ بمنزلة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ‏}‏ ‏"‏

    يتبع
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

    تعليق


    • #3
      تفاوت الأرواح في البرزخ

      قال العلامة ابن القيم‏:‏ ‏"‏الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت‏:‏

      فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهم متفاوتون في منازلهم؛ كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء‏.‏

      ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشهداء، لا جميعهم، بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه أو غيره‏.‏

      ومنهم من يكون محبوسا على باب الجنة‏.‏

      ومنهم من يكون محبوسا في قبره؛ كحديث صاحب الشملة التي غلها ثم استشهد فقال الناس‏:‏ هنيئا له الجنة‏!‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده؛ إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارا في قبره‏)

      ومنهم من يكون مقره باب الجنة؛ كما في حديث ابن عباس‏:‏ ‏(‏الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم من الجنة بكرة وعشية‏)‏ ‏.‏

      ومنها ما يكون محبوسا في الأرض لم يعل إلى الملأ الأعلى؛ فإنها كانت روحا سفلية أرضية؛ فإن الأنفس الأرضية لا تجامع الأنفس السماوية كما لا تجامعها في الدنيا، والنفس التي لم تكتسب في الدنيا معرفة ربها ومحبته وذكره والأنس به والتقرب إليه، بل هي أرضية سفلية، لا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك؛ كما أن النفس العلوية التي كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله وذكره والتقرب إليه والأنس به تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها؛ فالمرء مع من أحب في البرزخ ويوم القيامة، والله تعالى يزوج النفوس بعضها ببعض في البرزخ ويوم المعاد؛ كما تقدم في الحديث، ويجعل المؤمن مع النسم الطيب؛ أي‏:‏ الأرواح الطيبة المشاكلة؛ فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها وأخواتها وأصحاب عملها، فتكون معهم هناك‏.‏

      ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة‏.‏

      فليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد، بل روح في أعلى عليين، وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الأرض‏"‏‏.‏

      قال‏:‏ ‏"‏وأنت إذا تأملت السنن والآثار، وكان لك بها فضل اعتناء؛ عرفت حجة ذلك‏.‏

      ولا تظن أن بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضا؛ فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضا، لكن الشأن في فهمها ومعرفة النفس وأحكامها، وأنها لها شأنا غير شأن البدن‏"‏‏.‏

      إلى أن قال‏:‏ ‏"‏وأنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية، ولها بعد المفارقة صحة ومرض ولذة ونعيم وألم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير؛ فهنالك الحبس والألم والعذاب والمرض والحسرة، وهنالك اللذة والراحة والنعيم والإطلاق‏"‏‏.‏

      يتبع ..
      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
      وينصر الله من ينصره

      تعليق


      • #4
        تعليق عارض
        المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مالك مناع
        ولا تظن أن بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضا؛ فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضا، لكن الشأن في فهمها ومعرفة النفس وأحكامها، وأنها لها شأنا غير شأن البدن‏"‏‏.‏
        وهذا شأن كل مسألة من مسائل دين الإسلام الحنيف ،
        سواء دقت أم عظمت.فلا تناقض البتة بين النقل الصحيح والعقل الصحيح.
        إنما التعارض يكون فى الفهم.
        وصدق الله حين قال : (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)
        كم يدل على هذا أيضاً تناقض كل ملة غير ملة الإسلام عن جادة العقل الصريح.
        فما من بدعة وما من نحلة إلا وتجدها تتعرض فيما بينها.
        فقط ما علينا إلا أن نعمل عقولنا ونتأمل فلا نجد أمامنا شرعاً محكماً متوافقاً متكاملاً غير شرع الله تعالى.
        ومنشأ هذا الاعتقاد ينبنى - أصلاً - على أن العقل من خلق الله والشرع من عند الله فلا تناقض بين خلق الله وشرعه.
        فهو القائل سبحانه : (ألا له الخلق والأمر).
        ابو جهاد الأنصارى
        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
        وينصر الله من ينصره

        تعليق


        • #5
          أنواع تعلق الروح بالبدن .. خمسة!

          قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح:

          الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام :

          أحدها تعلقها به في بطن الأم جنينا .

          الثاني تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض .

          الثالث تعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه .

          الرابع تعلقها به في البرزخ فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا بحيث لا يبقى لها التفات إليه البتة فقد ورد ردّها إليه وقت سلام المسلِّم، وورد : أنه يسمع خفق نعالهم حين يتولون عنه، وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة .

          الخامس تعلقها به يوم بعث الأجساد وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه إذ ( هو ) تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا .

          … وإذا كان النائم روحه في جسده وهو حي وحياته غير حياة المستيقظ فإن النوم شقيق الموت فهكذا الميت إذا أعيدت روحه إلى جسده كانت له حال متوسطة بين الحي وبين الميت الذي لم ترد روحه إلى بدنه كحال النائم المتوسطة بين الحي والميت فتأمل هذا يزيح عنك إشكالات كثيرة .


          قلت: صدق رحمه الله ونصح! بمعرفة هذا التقسيم البديع تزول إشكالات كثيرة وتجد جوابا للعديد من الأسئلة والشبهات التي تلوكها الألسنة بين الحين والآخر كمثل:

          كيف يحيا الأنبياء والشهداء في قبورهم ؟ هل هي كالحياة الدنيوية المعروفة ؟!!
          هل يجلس الميت في قبره حقيقة ويسأل ويجيب ؟!!
          كيف تُرد روح النبي عليه الصلاة والسلام إليه عندما نسلم عليه؟
          كيف يُعقل أن الكائنات الحية لن تموت يوم القيامة ؟

          وغيرها ..

          فإن اختلاف تعلق الروح بالبدن – وفق التقسيم السابق – يجعلها تخضع لقوانين ونواميس مختلفة عن كل مرحلة ولا يمكن قياسها على غيرها .. فلا يمكن قياس أحوال الروح في الحياة البرزخية على أحوالها في الحياة الدنيا لاختلاف النواميس التي تخضع لها في كلا الحياتين.

          وسيأتي الرد التفصيلي على هذه الشبهات من كلام علماء السنة لكني أحببت أن أؤصل للموضوع هنا لمناسبته للمقام ..

          يتبع ..
          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
          وينصر الله من ينصره

          تعليق


          • #6
            مفهوم الموت في الحضارات الإنسانية

            تتفق جميع الحضارات الإنسانية بما فيها الفرعونية المصرية القديمة ، والبابلية، والآشورية والصينية والزرداشتية ،والهندية ،واليونانية، والأديان السماوية الثلاثة : اليهودية ،والنصرانية ،والإسلام ، في أن الموت هو مفارقة الروح للجسد . ثم تختلف الحضارات والأديان بعد ذلك اختلافات شتى في هذه الروح .. وهل تعود إلى هذا الجسد أم تعود إلى جسد أخر كما تختلف في كيفية خروجها وخلوصها من هذا البدن ويعتقد البوذيون و الهنادكة والشنتو على سبيل المثال أن الروح تظل حبيسة في الجسد وبالذات في الجمجمة عند الموت وأنها لا تنطلق إلا بعد حرق الجثة وانفجار الجمجمة ولذا تراهم يحرقون جثث موتاهم كما شاهدنا ذلك في احتفالات وفاة أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند، ثم أن الهنادكة والبوذيين يعتقدون بتناسخ الأرواح ، وأن الروح الشريرة تعاد في جسد حقير مثل الكلب والخنزير ،وتظل في تلك الدورات حتى تتطهر وأن الروح الصالحة الخيرة تظل تنتقل في الأجساد الخيرة حتى تصل مرحلة النرفانا وهي السعادة الأبدية المطلقة في الروح المتصلة بالأبد والأزل كما يزعمون.

            ولا يهمني هنا هو أن أنحى المنحى التاريخي التفصيلي لمفهوم الروح لدى الحضارات الانسانية لكني أردت أنقل اجماعهم رغم اختلافهم وتنوعهم على وجود الروح وهذا يظهر من ملاحمهم وأشعارهم وأساطيرهم.

            بل وجد في المجتمعات البدائية من يقوم بدفن ألوان الطعام وسائر الحاجات حتى لا يعود الميت من جديد فيصب عليه لعنته، بل كان أحياناً يترك للميت الدار التي جاءه فيها الموت وينتقل هو إلى دار أخرى، وفي بعض البلدان كان الإنسان البدائي يُخرج الجثة من الدار من خلال ثقب في الحائط ثم يدور بها حول الدار ثلاث دورات سريعة لكي تنسى الروح أين المدخل إلى تلك الدار فلا تعاودها أبداً.. وهذا يتناسب ولا شك مع الدليل الفطري الذي يعتبره العلماء أقوى الأدلة.

            وهكذا نرى أن إنكار الروح أمر طارئ على البشرية واستثناء دخيل على الحضارات الانسانية فلم يخالف في هذا إلا شرذمة في آخر الزمان ونزر لا يعتد برأيهم إذا ما قورن بإجماع الأمم.
            أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
            والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
            وينصر الله من ينصره

            تعليق


            • #7
              مفهوم الموت في الإسلام

              قلنا أن الروح جسم لطيف نوراني يشتبك بالبدن كاشتباك الماء بالعود الأخضر ويتخلل البدن كتخلل الماء للتراب والطين .

              وقد دلت الأدلة الشرعية أن الموت هو مفارقة الروح للبدن كما في قوله تعالى : ﴿ فنفخنا فيها من روحنا ﴾ وقوله : ﴿ فنفخنا فيه من روحنا ﴾ فالحياة حصلت بنفخ الروح فدل ذلك على أن الموت يحصل بمفارقة الروح للبدن ومن الأدلة على ذلك أيضا حديث البراء بن عازب وقد سبق ذكره فراجعه – غير مأمور-

              ولذا قال العلماء :أن الموت ليس بعدم محض و لا فناء صرف و انما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن و مفارقته له. وكلمات الفقهاء تتوارد على ذلك فإنك إذا رجعت إلى كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة رحمهم الله تجد أنهم يعرفون الموت بأنه مفارقة الروح للبدن.

              ذكر الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين:( أن الموت تغير حال فقط ، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد إما معذبة وإما منعمة ، ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عنه بخروج الجسد عن طاعتها ، فإن الأعضاء آلات للروح .. والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها ) ثم قال:( لا يمكن كشف الغطاء عن كنه الموت ، إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة).

              وقال الشيخ الدكتور بكر أبوزيد ،: ( إن حقيقة الوفاة هي مفارقة الروح البدن ، وإن حقيقة المفارقة هي خلوص الأعضاء كلها عن الروح ، من حيث لا يبقى جهاز من أجهزة البدن فيه صفة حياتية ).

              علامة الموت عند الفقهاء .

              الفقهاء رحمهم الله بعد أن يقرروا حقيقة الموت يذكرون علامات الموت أي العلامات التي تدل على أن الروح قد فارق البدن ، وهذه العلامات تواردت كلمات العلماء عليها ويذكرونها في كتاب الجنائز وهذه العلامات ليست قطعية لكنها من قبيل الأمور الظاهرة التي يستدلون بها على مفارقة الروح للبدن وتتلخص في تسع علامات وهي :

              1-توقف النفس .

              2-استرخاء القدمين بعد انتصابهما ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن طبيبا كان واقفا عند بابه فمر عليه بجنازة يحملونها إلى المقبرة فسأل عن شأنها ، فقيل له : إنهم يحملونها إلى المقبرة ، فقال : إن هذا الشخص لم يمت ، واستدل هذا الطبيب على ذلك بأن قدميه لا تزالان منتصبتين ، فأرجع هذا الميت وفك من أكفانه فأفاق بإذن الله عز وجل .

              3-انفصال الكفين عن الذراعين ، فإنها الآن متمسكة بالذراع لكن إذا مات الميت انفصل كفه عن ذراعه فينفصل زنده .

              4-ميل الأنف واعوجاجه .

              5-امتداد جلدة الوجه .

              6-انخساف صدغاه إلى الداخل .

              7-تقلص خصيتيه إلى الأعلى مع تدلي الجلدة .

              8-برودة البدن .

              9-إحداد البصر وهذا دل عليه حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي قال : ( إن الروح إذا قبض تبعه البصر ) وفي حديث شداد بن أوس مرفوعا ( إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر ؛ فإن البصر تتبع الروح وقولوا خيرا ؛ فإنه يؤمن على ما يقول أهل الميت ) .

              علامة الموت عند الأطباء في الوقت الحاضر .

              علامة الموت عند الأطباء في الوقت الحاضر هي «موت الدماغ»- كما سيأتي إن شاء الله بيان ذلك-
              وأول من نبه على هذا مجموعة من الأطباء الفرنسيين عام 1959م حيث تكلموا عن موت الدماغ وأنه علامة من علامات الموت فيما أسمي بمرحلة ما بعد الإغماء ، ثم بعد ذلك في جامعة هارفارد في أمريكا عام 1967م تكلموا في هذه المسألة ثم بعد ذلك في بريطانيا اجتمعت لجنة مكونة من الكليات الملكية ووضعت ضوابط لما يسمى بموت الدماغ .

              أولا: الأجزاء الرئيسية للدماغ وكيفية حدوث موت الدماغ .

              يتكون الدماغ من ثلاثة أجزاء رئيسية :

              1- المخ .

              2- المخيخ .

              3- جذع المخ .

              وكل واحد من هذه الأجزاء له وظائف رئيسية إذا عرفناها استطعنا أن نعرف أي هذه الأجزاء الذي إذا مات يكون علامة على موت البدن كما هو عند الأطباء .

              فالجزء الأول المخ : ووظيفته تتعلق بالتفكير والذاكرة والإحساس .

              والجزء الثاني المخيخ : ووظيفته تتعلق بتوازن الجسم .

              والجزء الثالث جذع المخ : وهو أهم هذه الأجزاء ووظائفه وظائف أساسية فوظائفه تتعلق بالتنفس والتحكم في القلب ونبضاته والتحكم بالدورة الدموية... إلخ.

              فعند أكثر الأطباء يحصل الموت إذا أصيب جذع المخ فهذه علامة من علامات الموت عند الأطباء ، وبعض الأطباء يخالف في ذلك .

              فالمخ إذا أصيب لا يعني هذا حصول الموت لأن وظيفة المخ تتعلق بالذاكرة والإحساس والتفكير فيفوت عليه التفكير والإحساس وتفوت عليه الذاكرة فيحي كما يسميها الأطباء حياة جسدية نباتية، يتغذى ويتنفس وقلبه ينبض ، ويمكث على هذه الحال سنوات ، وقد وجد من المرضى من مكث عشر سنوات لأن جذع المخ الذي يتحكم في التنفس ونبضات القلب والدورة الدموية لا يزال حيا، لكنه فقد وعيه الكامل.

              وكذلك المخيخ لو مات فإنه يفقد توازن الجسم ولا أثر له في موت الإنسان ، فالأطباء يقولون : إذا مات المخ أو المخيخ أمكن للإنسان أن يحيى حياة غير عادية يعني حياة نباتية جسدية فيفقد وعيه الكامل لكنه لا يزال يتنفس وقلبه ينبض ويتغذى .

              والغالب أن موت جذع المخ هو الذي موته يكون علامة على الوفاة عند الأطباء ، والغالب أن موته أو إصابته تكون بسبب الحوادث ؛ حوادث السيارات أو القطارات أو الطائرات وما يحصل فيها من الارتطامات والاصطدام الذي يحصل في هذا الجزء من الدماغ .

              وكذلك من أسباب موت جذع المخ ؛ النزيف الداخلي .

              ثانيا: علامات موت جذع المخ .

              ولما كان إصابة جذع المخ عند أكثر الأطباء دليلا على موت الإنسان فإن الأطباء يذكرون لموت جذع المخ علامات منها :

              1-الإغماء الكامل .

              2-عدم الحركة .

              3-عدم التنفس وانقطاعه ولهذا يحتاج إلى أجهزة الإنعاش – وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله- .

              4-عدم وجود أي انفعالات انعكاسية ، كظهور آثار الحزن أو السرور .

              5-وهي من أهمها مع عدم التنفس عدم وجود نشاط كهربائي في رسم المخ بطريقة معروفة عند الأطباء ، فالأطباء يرسمون المخ فقد يوجد عند هذا المصاب شيء من الرسم الكهربائي ، قد يكون قويا وقد يكون ضعيفا وقد لا يوجد فإذا لم يوجد أي نشاط كهربائي عند رسم المخ بآلاتهم المعروفة فهذا مما يستدلون به على أن جذع المخ قد مات .

              هذا بالنسبة لكلام الأطباء لكن يبقى كلام علماء الشريعة الفقهاء في الوقت الحاضر.


              الحكم الشرعي للموت الدماغي وهل يعد موتا أم لا ؟

              كانت العلامات في السابق على نحو ما ذكرنا لكن لما ظهرت هذه العلامة وهي موت جذع المخ اختلف فيها الفقهاء ، هل هي دليل على موت الإنسان أو أنه حتى الآن لم يمت ؟ على قولين :

              القول الأول : وقال به بعض الفقهاء والباحثين في الوقت الحاضر ، قالوا : إنه إذا أثبت الأطباء أن جذع المخ قد مات بالعلامات التي سبق أن أشرنا إليها فإنه يحكم على هذا الشخص بأنه قد مات.
              واستدلوا على ذلك فقالوا : إن الروح هي التي تسيطر على البدن عن طريق الدماغ فإذا مات أهم جزء في الدماغ وهو جذع المخ فقدت سيطرتها على البدن فتخرج منه ويقبضها ملك الموت .

              القول الثاني : وهو قول أكثر الفقهاء المعاصرين والباحثين ومنهم فضيلة الشيخ بكر أبو زيد والشيخ عبد الله البسام رحمه الله ، وكذلك أيضا فتوى وزارة الأوقاف الكويتية ، قالوا : إن موت جذع المخ لا يعني الموت ، فلا نحكم بأن هذا الشخص قد مات الآن ويترتب عليه أحكام الموت المعروفة من التوارث والإحداد وانتقال الملكية وبطلان الوكالة وما يتعلق بالوصايا...إلخ .

              واستدلوا على ذلك بأدلة ، منها : قاعدة : اليقين لا يزول بالشك ، واليقين أن هذا الإنسان حي وموته مشكوك فيه ، فقد وجدت وقائع يقرر فيها موت الدماغ ثم بعد ذلك تستمر الحياة .

              ومنها : قالوا : إن الشرع يتطلع لإحياء النفوس وإنقاذها وأن أحكامه لا تبنى على الشك وخصوصا ما يتعلق بالأنفس .
              ومنها : قالوا : إن من أصول الشريعة المحافظة على المصالح الضرورية التي اتفقت الشرائع على المحافظة عليها، ومن ذلك حفظ النفس.

              ومنها : قالوا : إن تعطل الإحساس أو توقف النفس ونحو ذلك لا يدل على فقد الحياة .

              الترجيح:

              هذا القول الثاني هو الصواب فلا نحكم بموته .



              يتبع ..
              أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
              والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
              وينصر الله من ينصره

              تعليق


              • #8
                هل الروح والنفس شيء واحد أو شيئان متغايران‏؟‏

                اختلف الناس في ذلك‏:‏ فمن قائل‏:‏ إنهما شيء واحد، وهم الجمهور‏.‏ ومن قائل‏:‏ إنهما متغايران‏.‏

                والتحقيق أن لفظ الروح والنفس يعبر بهما عن عدة معان، فيتحد مدلولها تارة ويختلف تارة، فالنفس تطلق على أمور‏:‏

                منها‏:‏ الروح؛ يقال‏:‏ خرجت نفسه؛ أي‏:‏ روحه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ‏}
                ‏ ‏.‏
                ومنها‏:‏ الذات؛ يقال‏:‏ رأيت زيدا نفسه وعينه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ‏}‏ ‏.

                ومنها‏:‏ الدم؛ يقال‏:‏ سالت نفسه، ومنه قول الفقهاء‏:‏ ما له نفس سائلة، وما ليس له نفس سائلة، ومنه يقال‏:‏ نفست المرأة إذا حاضت ونفست إذا نفسها ولدها، ومنه النفساء‏.‏

                قال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏ ‏"‏ويقال‏:‏ النفوس ثلاثة أنواع، وهي‏:‏

                النفس الأمارة بالسوء‏:‏ التي يغلب عليها اتباع هواها بفعل الذنوب والمعاصي‏.‏

                والنفس اللوامة‏:‏ وهي التي تذنب وتتوب؛ ففيها خير وشر، ولكن إذا فعلت الشر؛ تابت وأنابت، فتسمى لوامة؛ لأنها تلوم صاحبها على الذنوب، ولا تتلوم؛ أي‏:‏ تتردد بين الخير والشر‏.‏

                والنفس المطمئنة‏:‏ وهي التي تحب الخير والحسنات، وتبغض الشر والسيئات، وقد صار ذلك لها خلقا وعادة‏.‏
                فهذه صفات وأحوال لذات واحدة؛ لأن النفس التي لكل إنسان هي نفس واحدة‏.‏

                والروح أيضا تطلق على معان‏:‏

                منها‏:‏ القرآن الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله؛ قال تعالى‏:‏ {‏وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا‏}
                ‏ ‏.‏
                وعلى جبريل؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ‏}‏ ‏.‏

                وعلى الوحي الذي يوحيه إلى أنبيائه ورسله؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ‏}‏ ، سمي روحا لما يحصل به من الحياة النافعة؛ فإن الحياة بدونه لا تنفع صاحبها البتة، وسميت الروح روحا لأن بها حياة البدن‏.‏

                وتطلق الروح أيضا على الهواء الخارج من البدن والهواء الداخل فيه‏.‏

                وتطلق الروح على ما سبق بيانه، وهو ما يحصل بفراقه الموت، وهي بهذا الاعتبار ترادف النفس ويتحد مدلولهما، ويفترقان في أن النفس تطلق على البدن وعلى الدم، والروح لا تطلق عليهما‏.‏‏‏.‏

                يتبع ..
                أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                وينصر الله من ينصره

                تعليق


                • #9
                  تعريف العقل

                  يخلط البعض في معاني الروح والنفس والعقل، ولقد كنا قد بينا في المداخلة رقم 17 الفروق الرئيسية بين الروح والنفس وأنهما من الألفاظ التي إذا إجتمعت اختلفت دلالاتها ومعانيها، وإذا افترقت اتحدت دلالاتها ومعانيها وسنحاول هنا إزالة الغبش عن مفهوم العقل وكنهه والصفات الواجب توفرها في الشخص حتى يطلق عليه عاقل (وهي مهمة: ليُعلم أن كثيراً من الناطقين أضل من البهائم) ولقد حاولت استقصاء تعاريف العلماء (والعقلاء) للعقل فوجدتها لا تخرج عن أربعة نقلتها بتصرف واختصار عن مقال في مجلة التراث العربي:

                  إنَّ العقل في اللغة يُطلق على المنع والحبس.

                  ووجه تسمية العقل بهذا الاسم: كونه يمنع صاحبَه عن التورطُّ في المهالك, ويحبسُه عن ذميم القول والفعل.

                  وللعقل معان أربعة:

                  المعنى الاول: الغريزة ـ التي هي إحدى معاني العقل ـ شرطٌ في المعقولات والمعلومات, وهي مناط التكليف؛ فإذا عُدِمَتْ في الإنسان, سقطت عنه التكاليف الشرعيَّة. وهو منقول عن الامام أحمد.

                  يقول أبو حامد الغزالي (ت 505هـ) , إنَّه: "الوصفُ الذي يُفارق الإنسان به سائر البهائم, وهو الذي استعدّ به لقبول العلوم النظريَّة, وتدبير الصناعات الخفيَّة الفكريَّة".

                  وعن هذا المعنى نفسه, يقول ابن تيمية: "العقلُ شرطٌ في معرفة العلوم, وكمال وصلاح العمال, وبه يكمل العلم والعمل, ولكنَّه ليس مستقلاً بذلك, لكنَّه غريزةٌ في النَّفس, وقوَّة فيها, بمنزلة قوَّة البصر التي في العين".ويُلاحَظ تشبيه العقلَ بالبصرِ.

                  وقد سبقه إلى هذا التشبيه البليغ قومٌ, قالوا عن العقل: "هو نورٌ وضعه الله طبعاً وغريزة, يُبصر به, ويُعبّر به. نورٌ في القلب, كالنُّور في العين, وهو البصر..".

                  لكنّ هذا البصر إنَّ اتصل به نور الشمس, أو ضوء النَّار, صار أشد قوَّة وإبصاراً, وإن انفرد بنفسه, ضَعُفَ.

                  كذلك صاحب العقل إن وصله بنور الإيمان والقرآن, اهتدى وسَعُدَ. وإذا لم يتصل بهما عجز عن إدراك الأمور التي لا يُمكن أن يستقلّ بإدراكها.

                  وهذا معنى قول ابن تيمية عن العقل, إنَّه: "بمنزلة قوَّة البصر التي في العين؛ فإن اتّصل به نور الإيمان والقرآن, كان كنور العين إذا اتَّصل به نور الشمس والنَّار. وإن انفردَ بنفسه, لم يُبصر الأمورَ التي يعجز وحدَه عن دَرْكِهَا".

                  وهذا التشبيه الرائع مع ابن تيمية ـ ومِمَّن سبقه ـ ينطبق على أولئك الذين اعتصموا بالكتاب والسنَّة, وعلى مخالفيهم الذين اتّكلوا على عقولهم, معرضين عن الاهتداء بنور الوحي, فعموا عن الحقّ, وضلّوا عنه, وآل أمرهم إلى التخبُّط والحيرة.

                  المعنى الثاني: العلومُ التي تُلازم الإنسان العاقل؛ فتقع في نفسه ابتداءً, ولا تنفكّ عن ذاته؛ كالعلم بالممكنات, والواجبات, والممتنعات. كالعلم بأنّ الاثنين أكثر من الواحد, وأنَّ الشخص الواحد لا يكون في مكانين في وقتٍ واحدٍ", وأنَّ "الشيء لا يخلو من وجودٍ أو عدم, وأنَّ الموجود لا يخلو من حدوثٍ أو قِدَم, وأنَّ من المحال اجتماع الضدَّين". وهذه العلوم "تشمل جميعَ العقلاء".

                  المعنى الثالث: العلوم المستفادة من التجارِب, والمكتَسَبَةُ بواسطة العقل, والتي يضبطها الإنسان, ويُمسكها.

                  وهذا العقل يُعدُّ نتيجةً للعقل الغريزيّ, وهو "نهاية المعرفة, وصحّة السياسة, وإصابة الفكرة. وليس لهذا حدٌّ؛ لأنَّه ينمو إنَّ استُعمل, وينقُص إنَّ أُهمل".

                  وعنه يقول الغزالي: "الثالث: علومٌ تُستفاد من التجارب بمجاري الأحوال؛ فإنَّ من حنَّكَتْهُ التجاربُ, وهذَّبَتْهُ المذاهبُ, يُقال: "إنَّه عاقلٌ في العادة, ومن لا يتصف بهذه الصفة, يُقال: "إنَّه غبيّ, غُمْرٌ, جاهلٌ. فهذا نوعٌ آخر من العلوم يُسمَّى عقلاً".

                  المعنى الرابع: الأعمال التي يستوجبها العلم؛ من إيمان بالله, وتصديق بكتبه, ورسله, والتزام بأمره ونهيه؛ كحَبْس النفس عن الطاعات, وإمساكها عن المعاصي.

                  وهذا معنى رابع من معاني العقل, وعنه يقول ابن تيمية: ".. لفظ العقل يُطلق على العملِ بالعلمِ".

                  فالعمل من لوازم العقل؛ لأنَّ صاحب العقل إذا لم يعمل بعلمه, قيل: إنَّه لا عقلَ له؛ "فإنَّ العقل مستلزمٌ لعلومٍ ضروريَّةٍ يقينيَّةٍ, وأعظمها في الفطرة: الإقرار بالخالق".

                  فحالُ مَنْ لم يعمل بعلمه, أنَّه صاحبُ عقلٍ يُمسكُ علوماً ضروريَّةً فطريَّةً, يعرِف بها ربَّه, ولكنّ هواه صدَّه عن اتباع موجب العقل, فصار لا عقل له بهذا الاعتبار.

                  وقد اتّصف هذا بمعاني العقل الثلاثة المتقدِّمة؛ فمعه غريزة العقل التي فرَّق الله بها بين العقلاء والمجانين, ومعه علومٌ ضروريَّة فطريَّة, ولديه علومٌ مكتسَبَةٌ؛ فقد جاءته الرسل بالبيِّنات, ولكنَّه لم يحظ بشرف الاتّصاف بهذا المعنى الرابع؛ وهو العمل بعلمه, لذلك يُقال عنه: إنَّه غيرُ عاقلٍ عن الله .

                  لذلك لمّا وُصِفَ رجلٌ ـ ممتنعٌ عن الدخول في الإسلام ـ بالعقل أمام أحد العلماء, قال: "مَه, إنَّما العاقل مَنْ وَحَّدَ الله, وعَمِلَ بطاعتِهِ".

                  والله تعالى قد حكى عنهم قولَهم ـ وهم في النَّار ـ: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك: 10].

                  "وقد كانت لهم عقولٌ وأسماع, لزمتهم بها الحجَّة لله, وإنَّما عنى أنَّها لم تعقِل عند الله فَهْمَاً لما قال؛ من عظيم قدرِه, وقدر عذابه, فندمت, وتأذَّت بالويل والندم, لا لأنَّها لم تكن تسمع ولا تعقل, ولا كانوا مجانين, ولكن يعقلون أمر الدنيا, ولا يعقلون عن الله ما أخبر عنه, وتوعَّد ووعد".

                  فالعملُ ثمرةُ العقل وفائدتُه, ولا عقلَ لمن لم يعمل بموجب ما دلَّه إليه عقلُهُ.

                  إذا تبيَّنْتَ هذا, فاعلم أنَّ العقلَ يُطلق على كلّ هذه المعاني الأربعة مجتمعةً؛ الغريزة, والعلوم الضروريَّة, والعلوم المكتسبة, والعمل بالعلم.

                  ويشهد لهذا قول ابن تيمية عن العقل: "هو علمٌ, أو عملٌ بالعلمِ, وغريزةٌ تقتضي ذلك".

                  فالعقل لا يُسمَّى به مجرَّد العلم الذي لم يَعمل به صاحبُه, ولا العمل بلا علمٍ؛ بل إنَّما يُسمَّى العلمُ الذي يُعملُ به, والعمل بالعلم, ولهذا قال أهل النَّار: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك: 10], وقال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ أَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ) [الحج: 46].


                  يتبع ..
                  أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                  والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                  وينصر الله من ينصره

                  تعليق


                  • #10
                    محل العقل

                    نقلاً عن "نقض أصول العقلانيين" للشيخ سليمان الخراشي (باختصار):

                    أما محل العقل فقد قال القاضي أبو يعلى ((محل العقل القلب ذكره أبو الحسن التميمي في كتاب العقل فقال : الذي نقول به أن العقل في القلب يعلو نوره إلى الدماغ فيفيض منه إلى الحواس ما جرى في العقل . ومن الناس من قال هو في الدماغ. وقد نص أحمد رحمه الله على مثل هذا القول فيما ذكره أبو حفص ابن شاهين في الجزء الثاني من أخبار أحمد بإسناده عن فضيل بن زياد وقد سأله رجل عن العقل أين منتهاه من البدن؟ فقال : سمعت أحمد بن حنبل يقول: العقل في الرأس أما سمعت إلى قولهم : وافر الدماغ والعقل واحتج هذا القائل بأن الرأس إذا ضرب زال العقل . ولأن الناس يقولون: فلان خفيف الرأس وخفيف الدماغ ويريدون به العقل.

                    وهذا غير صحيح لقوله تعالى : (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) وأراد به العقل فدل على أن القلب محله . لأن العرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان مجاوراً له أو كان بسبب منه.

                    واحتج أبو الحسن التميمي بقوله تعالى : (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) وقال تعالى : (لهم قلوب لا يفقهون بها) واحتج أيضاً بما روي عن النبي في حديث المدائني أن النبي قال : ((والكبد رحمة والقلب ملك والقلب مسكن العقل)).

                    وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا دخل عليه ابن عباس قال : (جاءكم الفتى الكهول له لسان قؤول وقلب عقول) فنسب العقل إلى القلب .

                    وروى عياض بن خليفة عن علي رضي الله عنه أنه سمعه يوم صفين يقول: (إن العقل في القلب والرحمة في الكبد والرأفة في الطحال وإن النفس في الرئة) .

                    وعن أبي هريرة وكعب أنهما قالا (العقل في القلب) وأيضاً فإن العقل ضرب من العلوم الضرورية ومحل العلم القلب. وما ذكروه من زوال العقل بضرب الرأس فلا يدل على أنه محله كما أن عصر الخصية يزيل العقل والحياة. ولا يدل على أنها محله . وقول الناس : إنه خفيف الرأس وخفيف الدماغ فهو أن يبس الدماغ يؤثر في العقل وإن كان في غير محله كما يؤثر في البصر وإن كان في غير محله)) .

                    وقال النووي في شرحه لحديث ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)).

                    قال ((واحتج بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس وفيه خلاف مشهور مذهب أصحابنا وجماهير المتكلمين أنه في القلب وقال أبو حنيفة هو في الدماغ وقد يقال في الرأس وحكوا الأول أيضاً عن الفلاسفة والثاني عن الأطباء . قال المازري واحتج القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى : (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) وقوله تعالى : (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) وبهذا الحديث فإنه جعل صلاح الجسد وفساده تابعاً للقلب مع أن الدماغ من جملة الجسد فيكون صلاحه وفساده تابعاً للقلب فعلم أنه ليس محلاً للعقل. واحتج القائلون بأنه في الدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل ويكون من فساد الدماغ الصرع في زعمهم. ولا حجة لهم في ذلك لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ مع أن العقل ليس فيه ولا امتناع من ذلك. قال المازري لا سيما على أصولهم في الاشتراك الذي يذكرونه بين الدماغ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة والدماغ اشتراكاً والله أعلم)).


                    يتبع ..
                    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                    وينصر الله من ينصره

                    تعليق


                    • #11
                      الفرق بين النوم والموت

                      قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) عند تفسيره لقوله تعالى: ((الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى )).

                      قوله تعالى: "الله يتوفى الأنفس حين موتها" أي يقبضها عند فناء آجالها "والتي لم تمت في منامها" اختلف فيه. فقيل: يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها "فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى" وهي النائمة فيطلقها بالتصرف إلى أجل موتها؛ قال ابن عيسى. وقال الفراء: المعنى ويقبض التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها. قال: وقد يكون توفيها نومها؛ فيكون التقدير على هذا والتي لم تمت وفاتها نومها.

                      وقال ابن عباس وغيره من المفسرين: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها. وقال سعيد بن جبير: إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف "فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى" أي يعيدها. قال علي رضي الله عنه: فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين، وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة. وقال ابن زيد: النوم وفاة والموت وفاة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كما تنامون فكذلك تموتون وكما توقظون فكذلك تبعثون). وقال عمر: النوم أخو الموت. وروي مرفوعا من حديث جابر بن عبدالله قيل: يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ قال: (لا النوم أخو الموت والجنة لا موت فيها) خرجه الدارقطني.

                      وقال ابن عباس: (في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها النفس والتحريك، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه). وهذا قول ابن الأنباري والزجاج. قال القشيري أبو نصر: وفي هذا بعد إذ المفهوم من الآية أن النفس المقبوضة في الحال شيء واحد؛ ولهذا قال: "فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى" فإذاً يقبض الله الروح في حالين في حالة النوم وحالة الموت، فما قبضه في حال النوم فمعناه أنه يغمره بما يحبسه عن التصرف فكأنه شيء مقبوض، وما قبضه في حال الموت فهو يمسكه ولا يرسله إلى يوم القيامة. وقوله: "ويرسل الأخرى" أي يزيل الحابس عنه فيعود كما كان. فتوفي الأنفس في حال النوم بإزالة الحس وخلق الغفلة والآفة في محل الإدراك. وتوفيها في حالة الموت بخلق الموت وإزالة الحس بالكلية. "فيمسك التي قضى عليها الموت" بألا يخلق فيها الإدراك كيف وقد خلق فيها الموت؟ "ويرسل الأخرى" بأن يعيد إليها الإحساس. انتهى كلامه .

                      فالنوم يحصل من توقف النشاط الحيوي الارادي في النفس معاً، وهما واقع ناتج عن تلبس الجسد الحي بالروح والمعبر عنهما بالنفس، غياب نفس البشر مع كونها معلقة مرسلة هو النوم، وهو توفي لما يعنيه من غياب النفس عن الحضور والفاعلية الارادية.

                      فطبيعة النوم، تحصل بشكل نشاط نمطي كنتيجة حتمية للنشاط الحيوي الارادي اليومي المحمول على الطاقة الناتجة من حرق الغذاء في الجسد الحي، حيث يتحرك بها ويعمل، وبها تتم العمليات الحيوية الداخلية..

                      والتفسير العلمي للنوم كما يقرره العلماء ومن المفيد طرحه لمقارنته مع التفسير العلمي للموت - كما بيناه في مداخلة سابقة- هو: إن النوم يحصل من تراكم منتجات الحرق الغذائي المجهز للطاقة في النشاط اليومي للإنسان، وبعد نفاذ الإرادة في توجيه مواد كيماوية تسمى (مولدات الكيتون) وحامض البنيك تتجمع وتبقى تتجمع في خلايا الانسجة حتى تبلغ حداً معيناً، عندها يتولد ضغط على الذات الكيماوية للجسد الحي، يتولد عنه فعل معاكس للفعل الحيوي وحسب قاعدة (ليشاتيلية) في التوازن يمتنع العصب عن نقل الأوامر أو الاستجابات، فتنفصل النفس عن كيان الانسان، ويحصل النوم.

                      أما الموت، فانه انفصال النفس عند تعطل الكيان تماماً لأي سبب يمنعه من الاستجابة لنظام وجوده بالحياة: فهو انفصال لا عودة للنفس فيه إلى قالبها الجسدي، لأنه عديم الجدوى، فلا استجابة له يتحقق منها النشاط أو تتحقق منه الإرادة، فهو تحرر كامل لها من الجسد، تنقل بعده في رحاب الله وتحت توجيهات ملائكته.


                      يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري:

                      قال أبو إسحاق الزجاج‏:‏ النفس التي تفارق الإنسان عند النوم هي التي للتمييز، والتي تفارقه عند الموت هي التي للحياة وهي التي يزول معها التنفس، وسمي النوم موتا لأنه يزول معه العقل والحركة تمثيلا وتشبيها قاله في النهاية، ويحتمل أن يكون المراد بالموت هنا السكون كما قالوا ماتت الريح أي سكنت، فيحتمل أن يكون أطلق الموت على النائم بمعنى إرادة سكون حركته لقوله تعالى ‏(‏وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه‏)‏ قاله الطيبي‏:‏ قال‏:‏ وقد يستعار الموت للأحوال الشاقة كالفقر والذل والسؤال والهرم والمعصية والجهل‏.‏

                      وقال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏‏:‏ ‏"‏ النوم والموت يجمعهما انقطاع تعلق الروح بالبدن ‏"‏ وذلك قد يكون ظاهرا وهو النوم ولذا قيل النوم أخو الموت، وباطنا وهو الموت، فإطلاق الموت على النوم يكون مجازا لاشتراكهما في انقطاع تعلق الروح بالبدن‏.‏

                      وقال الطيبي‏:‏ الحكمة في إطلاق الموت على النوم أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه، فمن نام زال عنه هذا الانتفاع فكان كالميت فحمد الله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانع، قال‏:‏ وهذا التأويل موافق للحديث الآخر الذي فيه ‏"‏ وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ‏"‏ وينتظم معه قوله ‏"‏ وإليه النشور ‏"‏ أي وإليه المرجع في نيل الثواب بما يكتسب في الحياة‏.‏


                      يتبع ..
                      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                      وينصر الله من ينصره

                      تعليق


                      • #12
                        تفسير علمي يؤيد كلام علماء المسلمين بأن محل العقل في القلب، وقصص واقعية تثبت ذلك

                        ذاكرة الخلية

                        تعرف بان كل خلية في أجزاء جسمنا تحتوي على معلومات عن شخصياتنا وتاريخنا، بل لها الفكر الخاص بها ، مما يؤدي عند زراعة عضو من شخص الى شخص آخر فانه مع انتقال العضو؛ تقوم الخلايا من الشخص الأول بحمل ذاكرتها المخزنة إلى الجسم الثاني. الدليل على هذه الظاهرة يتزايد مع تزايد الأعضاء المزروعة مما دفع بعض العلماء الى بحث هذه الظاهرة بعمق.

                        تبادل الرسائل!

                        وجدت د. كاندس بيرت (مؤلفة كتاب [جزيئات العاطفة] ) أن كل خلية في الجسم والمخ يتبادلون الرسائل بواسطة أحماض أمينية قصيرة السلسلة كان يعتقد سابقا انها في المخ فقط لكن اثبتت وجودها في اعضاء اخرى مثل القلب و الاعضاء الحيوية. وأن الذاكرة لا تخزن فقط في المخ ولكن في خلايا أعضائنا الداخلية و على أسطح جلودنا.

                        قدم د. أندرو أرمور عام 1991 مفهوم أن هناك عقل صغير في القلب وهو يتكون من شبكة من خلايا عصبية، ناقلات كيميائية، بروتينات، خلايا داعمة وهي تعمل باستقلالية عن خلايا المخ للتعلم والتذكر حتى الاحساس. ثم ترسل المعلومات إلى المخ (اولا) النخاع المستطيل حيث تنظم الأوعية الدموية (وثانيا) إلى مراكز المخ المختصة بالادراك واتخاذ القرار والقدرات الفكرية. ويعتقد هذا العالم أن الخلايا العصبية الذاتية في القلب المنقول إذا تم زرعه فإن هذه الخلايا تستعيد عملها وترسل إشارات من ذاكرتها القديمة الى المخ في الشخص الجديد.

                        القلب المزروع يأتي أيضا بمستقبلات على سطح خلايا القلب والتي هي خاصة بالمتبرع و التي تختلف عن مستقبلات الشخص الذي زرع له القلب و بذا يصبح المريض حاويا لنوعين من مستقبلات الخلايا.

                        هل القلب يفكر؟

                        يعتقد العلماء ما يدعى بنظرية (إشاعات المستشفى)على الرغم من ان قوانين المستشفى تحظر اي معلومات عن المتبرع فان تحدث فريق العمل اثناء التخدير من الممكن ان يؤثر في الشخص الذي تتم له عملية الزرع وذلك للخروج من مفهوم وجود ذاكرة للخلايا.

                        قصص من الواقع:

                        ذكرت امرأة تدعى كلير سيلفيا في 5/29عام 1988 تم زراعة قلب ورئة لها من شاب كان عمره 18 سنة مات في حادث سير، أنها بعد الزراعة أخذت تتصرف بطريقة ذكورية وتحب بعض الأكل الذي لم تكن تطيقه من قبل مثل الفلفل الأخضر والبيرة وقطع الفراخ.
                        وعندما قابلت أهل الشخص المتبرع بالقلب تبين أن تصرفاتها أشبه ما تكون مرآة لتصرفات المتبرع. بعض العلماء تجاهلوا هذه القصة واعتبروها محض صدفة لكن بعضهم اعتبروه كدليل على وجود ما يدعى بذاكرة الخلية، والتي بدأت تستحوذ على الاهتمام العلمي مع تقدم تقنية زرع القلب.

                        بول بيرسال العالم في علم المناعة النفس عصبية و مؤلف كتاب شفرة القلب. قام ببحث تم عام 2002 تحت عنوان ( تغيرات في شخصيات المزروع لهم توازي شخصيات المتبرعين)البحثشمل 74 تم زرع أعضاء لهم منهم 23 زرع القلب خلال 10 سنواتوذكر عددا من الحالات.


                        الحالة الأولى


                        حالة شاب عمره 18 سنة كان يكتب الشعر و يلعب الموسيقى ويغني وقد توفي في حادث سيارة وتم نقل قلبه إلى فتاة عمرها 18 سنة أيضا وفي مقابلة لها مع والدي المتبرع عزفت أمامهما موسيقى كان يعزفها ابنهما الراحل وشرعت في إكمال كلمات الأغنية التي كان يرددها رغم أنها لم تسمعها أبدا من قبل.


                        الحالة الثانية


                        رجل أبيض عمره 47 سنة تلقى زرع قلب شاب عمره 17 سنة أمريكي أسود، المتلقي للقلب فوجئ بعد عملية الزرع أنه أصبح يعشق الموسيقى الكلاسيكية واكتشف لاحقا أن المتبرع كان مغرما بهذا النوع من الموسيقى.


                        الحالة الثالثة

                        حدثت لشاب خرج لتوه من عملية زرع وبات يستخدمكلمة غريبة بصفة مستمرة واكتشف لاحقا في مقابلة مع زوجة المتبرع أن هذه الكلمة كانت كلمة سر اخترعاها بينهما تعني أن كل شيء أصبح على ما يرام.


                        صدٌّق أو لا تصدّق!

                        تم زراعة قلب لفتاة عمرها 8 سنوات وكان القلب مأخوذا من فتاة مقتولة عمرها 10 سنوات وبعد الزرع أصيبت الفتاة بكوابيس مفزعة تصور قاتلا يقتل فتاة هذه الكوابيس كانت مرهقة جدا وذهب بها والدها إلى استشارة الطبيب النفسي. كانت الصور التي حلمت بها واضحة ومحددة لدرجة أن الطبيب والأم اخبرا الشرطة بصورة القاتل الذي ظهر في أحلام ابنتهم وبواسطة هذه الصفات قبضت الشرطة على القاتل وكان ما أخبرته الفتاة دقيقا جدا !!!!!!

                        تأثير القلب على المخ

                        تحدث العلماء دائما و لفترة طويلة عن استجابة القلب للإشارات القادمة من المخ، ولكنهم الآن أدركوا أن العلاقة ديناميكية ثنائية الاتجاه وأن كلاهما يؤثر في الآخر. وذكر الباحثون أربعة وسائل يؤثر القلب بها على المخ: عصبيا من خلال النبضات العصبية، وكيميائيا بواسطة الهرمونات والناقلات العصبية، وفيزيائيا بموجات الضغط، ويؤثر بواسطة الطاقة من خلال المجال الكهرومغناطيسي للقلب.

                        ذكروا أربعة وسائل يؤثر القلب بها على المخ

                        1) عصبيا من خلال النبضات العصبية.
                        2) كيميائيا بواسطة الهرمونات والناقلات العصبية .
                        3) فيزيائيا بموجات الضغط.
                        4) وبالطاقة بواسطة المجال الكهرومغناطيسي.

                        المجال الكهربائي للقلب أقوى 60 مرة من المخ والمجال المغناطيسي أقوى 5000 مرة من المجال الذي يبعثه المخ.
                        المجال الكهرومغناطيسي للقلب


                        طاقة القلب

                        يجرىأحد العلماء حاليا في جامعة أريزونابحثا على 300 زارع للقلب، وهو يعمل على بحث نظرية الطاقة القلبية. إن الطاقة والمعلومات تتفاعل تبادليا بين القلب والعقل كهرومغناطيسيا. وبهذه الطريقة من الممكن أن يتلقى العقل المستقبل للقلب المزروع إشارات كهرومغناطيسيا من قلب المتبرع مما يتطلب البحث و محاولة بيان الأسس البيولوجية لهذاو ما هي نسبة المزروع لهم الذين يشعرون بتغيرات في شخصياتهم أو نظام طعامهم و الرد على أسئلة مهمة تتطرق حتى للجانب الأخلاقي إذ لو تم نقل قلب من شخص قاتل أو مجرم أو من أي شخص صاحب سلوك شائن إلى شخص من ذوي السلوك السوي فما هو الوضع و الأمور التي ستترتب على ذلك؟.


                        وماذا بعد؟


                        نستنتج من كل ما سبق أن القرآن كتاب حق، وهو كما وصفه الله تعالى: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت: 42. وما هذه الملامح والإشارات إلا دليلاً على علاقة القلب بالأمور الروحية وقضايا الإيمان والكفر.

                        هل هذا يعطي عمقا اكثر في فهم هذه الآيات الشريفة:

                        (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)محمد: 24.


                        المصدر:موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة (باختصار)/في المصدر صور ورسوم توضيحية


                        http://www.55a.net/firas/arabic/inde...how_det&id=408

                        يرجع للموضوع الأصلى

                        http://www.55a.net/firas/arabic/inde...how_det&id=408
                        التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 11 سبت, 2020, 12:23 ص.
                        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                        وينصر الله من ينصره

                        تعليق


                        • #13
                          التفسير البشري لحقيقة الإنسان

                          تجرد الروح

                          المراد بالروح ما يشير إليه الانسان بقوله أنا ، أو ما يسمى بالنفس الناطقة ،حسب تعبيرات الفلاسفة والمراد بتجردها هو عدم كونها عنصراً مادياً ذا انقسام وزمان ومكان ، وكون حكمها غير حكم البدن وسائر التركيبات الجسمية الاُخرى.

                          وتلك مسألة ذات علاقة بخلود الروح ، وهي من أكبر المسائل الفلسفية التي تنازعتها الفلسفات المتضاربة بالايجاب والسلب قروناً متمادية ، لأنها أعلق المسائل وأمسّها بقلب الانسان ، وأكثرها علاقة بشأنه ، إذ هي مُطْمَأنّ آماله عندما ينقطع عن عالم الحسّ. وكان النزاع على أشدّه بين الماديين المنكرين لخلود الروح ، وبين القائلين بتجرد الروح وخلودها.

                          إذن تقاسم التفسير البشري لحقيقة الإنسان على امتداد العصور والأزمنة صنفين:

                          الأول: الماديون

                          الذي لايرى في الإنسان غير أ نّه كيان مادي مكوَّن من مجموعة من الأجهزة والفعاليات المادية. وعندما يفقد الحياة سينحل ويستهلك في تراب الأرض وتنتهي دورة وجوده في عالم الطبيعة إلى الأبد .

                          قال تعالى: (إنْ هيَ إلاّ حَياتُنا الدُّنْيا نَمُوتُ ونَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِين ) . ( المؤمنون : 37 )

                          ولقد اختلفت أقوال الماديين في محل الروح من الجسد وفي أقسامها ، ولهم مذاهب مختلفة في ذلك ، لكنهم جميعاً اعتبروا الانسان هو هذا الهيكل المحسوس ، وليس ثمة وجود مستقل عن المادة يسمّى بالروح ، بل هي من خواص الجسد ، وتخضع لجميع القوانين التي تحكمه ، ومجموع ظواهر الشعور والعقل والارادة والفكر ، ما هي إلاّ وظائف عضوية مثلها كمثل جميع الوضائف البدنية الاُخرى ، وكذا الآثار الفكرية والمعرفية عندهم ماهي إلاّ نتائج وآثار فيزيائية وكيميائية للخلايا العصبية والعقلية ، وجميع تلك الآثار والنشاطات الروحة تظهر بعد ظهور العقل والجهاز العصبي ، وتموت بموت الجسد ، فإذا مات الانسان بطلت شخصيته ، واندثر بدنه ، وزال معه كلّ ما بلغه من محصول عقلي وارتقاء نفسي وكمال روحي .

                          وتجاهلت الفلسفة المادية الحديثة كل الخصائص والآثار الروحية التي لا تخضع لقانون المادّة ، وأعلنت أن الروح ومظاهرها من الشعور والعلم لا وجود لها كوحدة متميزة عن جسم الانسان المادي ، وإنّما هي في ذاتها وظيفة له ونتيجة لعلاقته بالعالم الخارجي ، وأن الأفكار والأماني لا توجد إلاّ من خلال عملية مادية ، كحصول الحرارة نتيجة احتكاك قطعتين من الحديد مثلاً ، وأن جميع الخصائص التي يتمتع بها الانسان ما هي الا نتيجة لردّة فعل للعالم الخارجي وأن الوعي بمختلف مظاهره ليس إلاّ نتاج مادة عالية التنظيم ، أي نشاط الدماغ ووظيفته.

                          وقالوا : إن المادية الجدلية ترفض تصوّر أن الروح شيء قائم في استقلال عن المادة ، فما هو روحي هو وظيفة المادة في أعلى أشكالها العضوية نتيجة النشاط العملي والاجتماعي.

                          وتمسّك الماديون في الدلالة على مذهبهم القائم على إنكار الروح ، بجملة افتراضات غارقة في الغموض وتفسيرات واهية لا تملك أدنى رصيدٍ من الإثبات.

                          الثاني: القائلون بالتجرد

                          كانت غالب الاُمم القديمة تعتقد بوجود الروح وخلودها ، كالهنود والمصريين وأهل الصين وفارس واليونان وفلاسفتهم وشعرائهم ، وقد سبق أن بينا شيئاً من ذلك في مداخلة مستقلة، وكان سقراط وإفلاطون يعتقدان أنّ الروح جوهر خالد موجود منذ الأزل ، وعندما يكتمل الجنين في بطن اُمّه تتعلق به الروح ، ثمّ تعود بعد الموت إلى محلّها الأول ، ويرى إفلاطون أن هناك روحين : إحداهما الروح العاقلة وهي الخالدة ومحلها الدماغ ، والاُخرى غير خالدة ولا عاقلة ، وهي قسمان : غضبية ومستقرها الصدر ، وشهوية ومكانها البطن.

                          وذهب أرسطو إلى الاعتقاد بحدوث الروح مع حدوث البدن ، فعندما يتكامل البدن توجد الروح دون أن تكون لها سابقة حياة قبل حدوثها ، وعدّ ثلاثة صنوف من الأرواح منبثّة في مجموع البدن ، وهي : الروح العاقلة ـ أو النفس الناطقة ـ وهو يقول بتجردها ، والروح الحاسة أو الحيوانية ، والروح الغاذية ، ولا يقول بتجرد الأخيرتين.

                          واهتم ديكارت ( ت1560 ) بتمييز الروح عن الجسم ، وتحديد خصائص كلّ منهما ، فاعتبر الروح جوهراً أخصّ صفاته الفكر ، ولا يتصوّر فيه إمكان التجزّي والانقسام وعدم التجانس في أجزائه ، واعتبر الجسم جوهراً أخص صفاته الامتداد ، ومن أحواله الصورة والحركة ، ويقبل الانقسام والتجزّي والتغير بطبيعته.

                          وبالجملة فقد اتفقوا على أن حقيقة الإنسان هو كيان روحي مجرَّد عن صفات المادة وخصائصها ، وهو غير البدن العضوي والجهاز المادي الذي يؤدي الفعاليات والنشاطات المادية. وهو الذي ينطق عنها الإنسان فيقول (أنا) ، فليس (الأنا) الذات الإنسانية هي ذلك الكيان الجسدي، بل هي ذلك الكيان الروحي المستقل . لذلك يقول الإنسان :

                          هذه يدي ، وهذا رأسي ، وهذا جسدي . فهو يشعر بالاثنينية، ويعبِّر عنها بقوله هذا .

                          والكيان الإنساني (الروح) هو القوة المدركة ، وهو القوة التي تشعر بالألم واللذّة والخوف والسرور والحزن، وهو القوة الناطقة . وما الجسم إلاّ آلة لتنفيذ مآرب النفس، كما يقول الفلاسفة الاسلاميون، وليست الأجهزة الحسّية والدماغ إلاّ أدوات يستخدمها الإنسان (الكيان الروحي) لفهم العالم المادي والتعامل معه .

                          وأقوال فلاسفة الغرب القدامى والمحدثين في الروح كثيرة ، نكتفي بما ذكرناه منها.

                          أما علماء المسلمين فقد سبق أن بيناها في أول الرابط فليراجع..



                          يتبع ...
                          التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 11 سبت, 2020, 12:26 ص.
                          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                          وينصر الله من ينصره

                          تعليق


                          • #14
                            الأدلة العقلية على وجود الروح وتجردها:

                            1 ـ بديهي أن معلومات الانسان مجردة عن المواد ، فالعلم المتعلق بها يكون لا محالة مطابقاً لها ، فيكون مجرداً لتجردها ، فمحله ـ وهو النفس ـ يجب أن يكون كذلك ، لاستحالة حلول المجرد في المادي.

                            2 ـ الماديات قابلة للقسمة ، وعارض النفس ـ وهو العلم ـ غير منقسم ، فمحلّه ـ وهو النفس ـ لا بد أن يكون كذلك ، ثمّ إن محلّ العلوم الكلية لو كان جسماً أو جسمانياً لانقسمت تلك العلوم ، لأن الحالّ في المنقسم منقسم ، وانقسام العلوم والمفاهيم الذهنية مستحيل.

                            3 ـ إن النفوس البشرية تقوى على أفعال وإدراكات لا تتناهى ، كتعقّل الأعداد غير المتناهية ، والقوة الجسمانية لا تقوى على ما لا يتناهى ، فهي إذن غيرها.

                            4 ـ لو كان وعاء العلم هو الدماغ أو غيره من آلات التعقّل ، لكانت كلّ معلومةٍ تضاف إليه تشغل حيزاً منه ، ولأصبحت القابلية العلمية للانسان متناهية ؛ لأن قابلية المادة على استيعاب المعلومات محدودة كالصحيفة التي تمتلئ بالكتابة ، أو القرص الذي يمتلئ بالصوت أو الصورة ، وذلك يعني أن الانسان لو سمح له عمره أن يستوفي كل وعائه العلمي ، فسيصل إلى مرحلة يفقد فيها استعداده للتعلم ، وذلك محال.

                            5 ـ العلم البديهي حاصله أن في ذات الانسان حقيقة ثابتة يشعر بها على طول العمر وحتى بعد النشور ، ويعبّر عنها بالأنا ، فلو كان الانسان هو هذا البدن المحسوس لأصبح عرضةً للتبدّل والتغيّر ، ولاُسدل الستار على جميع معلوماته وأفكاره ، ولكان شعوره بالأنا أمراً باطلاً وإحساساً خاطئاً ، لأنّ أجزاء البدن متبدّلة متغيّرة ، ففي كلّ يوم تموت ملايين الخلايا وتحلّ محلّها خلايا جديدة ، وقد حسب العلماء معدل هذا التجدّد ، فظهر أنه يحصل بصورة شاملة في البدن مرة كلّ عشر سنين ، أما بعد الموت فإن البدن يضمحلّ ويتلاشى ، والمتبدّل غير الثابت الباقي ، وعليه فإن ملاك وحدة شخصية الانسان والاساس في ثبات أفكاره ومعلوماته رغم حصول التغير في البناء الجسمي هو الروح.

                            6 ـ إن القوى الجسمانية تضعف وتكلّ مع توارد الأفعال عليها ، فإنّ من نظر إلى قرص الشمس طويلاً لا يكاد يدرك في الحال غيره إدراكاً تاماً ، أما القوى النفسانية فإنها لا تضعف بسبب كثرة الأفعال ، بل عند كثرة التعقلات تقوى وتزداد نشاطاً ، فالحاصل لها عند كثرة الأفعال هو ضدّ ما يحصل للقوى الجسمانية عند كثرة الأفعال ، فوجب أن لا تكون جسمانية.

                            7 ـ حصول الأضداد في القوى النفسانية وعدم حصولها في القوى الجسمانية ، فإذا حكمنا بأنّ السواد مضادّ للبياض ، وجب أن يحصل في الذهن ماهية السواد والبياض ، والبداهة حاكمة بأن اجتماع الأضداد في الأجسام محال ، فلمّا حصل اجتماعها في القوى النفسانية وجب أن لا تكون جسمانية.

                            8 ـ إن المادة الجسمانية إذا حصلت فيها صور ونقوش مخصوصة ، فإن وجود تلك الصور يمنع من حصول غيرها إلاّ بعد إزالة الاُولى ، بينما يستوعب التعقّل والتصوّر الذهني الصور المتعاقبة التي يستطيع الإنسان أن يستحضرها أو يتخيلها في لحظة ما بمقدار وجودها الخارجي دون حاجة إلى التدرّج أو مرور الزمان ودون أن يمتلئ المحلّ بها ، فلا بد أن يكون محلها غير ماديّ ولا متحيّز.


                            يتبع ...
                            التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 11 سبت, 2020, 12:25 ص.
                            أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                            والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                            وينصر الله من ينصره

                            تعليق


                            • #15
                              تابع الأدلة العقلية على وجود الروح وتجردها:



                              لايمكن حشر عالم كبير في محيط ضيق



                              افرض إنَّك على ساحل البحر وخلفك جبال شاهقة نحو السماء، والامواج العاتية تصفع الصخور بقوة وتعود عنها الى البحر صاخبة. والصخور الضخمة عند سفح الجبل تنبىء عن الجلال في أعلى الجبل والسماء الزرقاء من فوق قمم الجبال تضج ليلاً عظمة وجلالاً.

                              تتطلع لحظة الى هذا المشهد، ثم تغمض عينيك وتسترجع في ذهنك المشهد كما رأيته حجماً وعظمة.

                              لاشك أنَّ هذه الخريطة الذهنية بكل حجمها وعظمتها تحتاج الى مكان ولايمكن أنْ ترتسم على خلايا الدماغ الصغيرة، وإلاّ فإنَّ هذه الخريطة الكبيرة يجب أنْ ترتسم على نقطة صغيرة، في الوقت الذي نرى المنظر في خيالنا بحجمه الطبيعي.

                              يدل هذا على أنَّ هناك «جوهراً» غير الدماغ وخلاياه هو الذي يستطيع أنْ يحتفظ بكل مشهد وخريطة مهما كبر حجمها. ولاشك أنَّ هذا الجوهر لابدّ أنْ يكون ماوراء عالم المادة، إذ ليس في عالم المادة شيء يشبهه.

                              هذا الجوهر هو ما نسميه الروح!


                              يتبع .. الأدلة العقلية ..
                              التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 11 سبت, 2020, 12:25 ص.
                              أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                              والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                              وينصر الله من ينصره

                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة الكاتب عزالدين بن راشو, 29 يول, 2022, 09:44 ص
                              ردود 0
                              59 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة الكاتب عزالدين بن راشو  
                              ابتدأ بواسطة أحمد محمدالألفى, 31 ماي, 2022, 07:13 م
                              ردود 0
                              49 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة أحمد محمدالألفى  
                              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 26 فبر, 2022, 01:32 م
                              ردود 0
                              39 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة عادل خراط
                              بواسطة عادل خراط
                               
                              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 24 سبت, 2021, 08:29 م
                              ردود 11
                              112 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة عادل خراط
                              بواسطة عادل خراط
                               
                              ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 3 أغس, 2021, 12:28 م
                              ردود 0
                              85 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة Mohamed Karm
                              بواسطة Mohamed Karm
                               
                              يعمل...
                              X