أنياب اللائكية : مصر نموذجـا

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الطلحاوي الإسلام اكتشف المزيد حول الطلحاوي
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أنياب اللائكية : مصر نموذجـا

    أنياب اللائكية : مصر نموذجـا



    مـا فتئنـا نـذهب دومـا إلى نـقد الفكر اللائكي و نـكسر أرجله التي يقف عليهـا في العالم العربي و الإسلامي،ذلك أن الإشكال الحقيقي في نظرنا يعود أساسا إلـى القبة المقدسة التي يحتمي إليها هـذا اللون من الفكر الدخيل فيصنعُ منهـا درعـا واقيا من النقد المضاد،إذ تتلخص –في رأينـا- أزمة العقل اللائكي في كونه تحوَّلَ إلى "دين جديد" يُشرِّع بمقتضى طفولته العقلية و يتصرف كما لو أنهُ صارَ أعلى عليين يُخطِّئُ و يصوبُ دون اعتبار للنسبية التي كانت قد أصّلت للغرب فكره اللائكي،و لئن كان الغرب متصالحا مع ذاته و تاريخه و ناقدا لمسارات الانحراف فيه فإن نخبنا السياسية لا تزالُ تقضم المفردات و تمضغها بلا وعي في الأصول و المستندات المؤسِّسة،إذ بدا واضحا الآن كم صار الغرب قوة سياسية و اقتصادية بفعل دساتيره المقننة للسلوك السياسي و الاجتماعي حيث غطت الدولة القانونية عن "اللائكية السياسية" بمثل ما غطت الدولة العلومية عن "اللائكية العِلمانية" ، في حين يرزح اللائكيون عندنا تحت قصف شديد من مدافع "فكر النهضة و الأنوار" فتأخرت عقولهم عن اللحاق بالتحولات العميقة في دنيا السياسة والاجتماع ،و للأسف فنحن لازلنا نعتقد أن الاختلاف كامن في بعض التفريعات و الجزئيات حول مفاهيم "المدنية"و "الدينية" و "حقوق الإنسان" و علاقة السلطة بالدين و الأقليات ...إذ يحاول البعض التوفيق بين الطبقتين و إرجاع الإشكال إلـى سوء فهم في المفردات و المضامين الثاوية فيمارسون بذلك تبسيطا فِكريا بحسن نية أو بغير ذلك ،الشيء الذي يؤدي في الغالب إلـى الهجوم على اجتهاداتهم من كل طرف في وقت طلبوا فيه الإصلاح من غير طريقه.

    على أن جوهر الإشكال و إن كان يراهُ البعض متمثلا في انعدام الحوار و سيادة أجواء عدم الثقة –و هذا صحيح كإفراز – فإن ذلك لا ينبغي أن يعمينـا عن التناقض الصارخ في أنماط التفكير لكل الطرفين بحيث تكشف عن ذلك بعض المنـاسبات السياسية التي تعري حقيقة الخلاف المتأزم في الضمائر و المظاهر و إذ يمكن للمراقب العادي رصد طبيعة العلاقة بينهما بهدوء بعيدا عن لقاءات المجاملات و أجواء سيادة مفاهيم الحوار البارد. و لو شئنا التدليل على ذلك لما وجد القارئ الحصيف صعوبة في كشف أنياب اللائكية كما رصدتها الشاشات الفضائية في محاولات فلول اللائكيين في تونس إثارة الاضطراب بين عشية و ضحاها و كأن وصول الإسلاميين إلـى السلطة كـان خطا أحمـرا لديهم،فالملاحظ أن نوازع الحقد الباطني تحركت فيهم و تجمعت في عقولهم (حتى لدى بعض النقابات النقابية و الصحافية )كل أشكال البغض السياسي الموروث من عهود الطاغية بورقيبة و بن علي،احتجاجات أُريدَ لهـا أن تكون هذه المرة تحت العناوين النقابية و المطالب الاجتماعية السريعة فتجاهلوا حجم الفساد المتراكم و قرب استلام سلطة الإسلاميين (علما أنهم جزء من الائتلاف الثلاثي الحاكم )،صموا و عموا عن ضرورة مراعاة الظروف السياسية و الاقتصادية للبلد المنهك فكـان ضجيج صراخهم يختزل في رأينا شكل التناقض المعبِّر عن الرفض المستور للحكم الإسلامي و الرفض المجهور لصعود الإسلاميين ،فأي حوار يطلبونه و هم ضحايا نزعة الاستئصال؟

    و لو شئنا تقريب مظاهر الأزمة الحقيقية التقليدية المتجددة في الواقع السياسي الراهن لما وجدنا ذلك بارزا بوضوح في غير تصرفات اللائكيين السياسيين في مصر الشقيقة بعد نجاح الثورة في إسقاط الطاغوت الأسبق،إذ يوحي المشهد بمزيد من التأزم بفعل محاولات اغتيال الديموقراطية و إجهـاض مساعي الإسلاميين عبر الصخب السياسي و التحريض الشعبي و الركوب على بعض الأخطاء التي تصدر من المحسوبين على التيار الإسلامي في الحكم ،فالمـلاحِظ لمسار الحراك هناك سيدرك ببساطة شديدة حجم الانتهاك الصارخ لقوانين الحوار الذي ميز ردود أفعال اللائكيين السياسيين من أمـثال الرجل الفاشل في السياسة عمرو موسى و المدعو البرادعي الرجل الذي أرادَ أن يقود تيارا من الحاقدين علـى الفصيل الإسلامي باسم الثورة و قيمهـا و قد كان شيئا غير مذكورا إلا في تاريخ وكالة الطاقة الذرية و مـا جنـاهُ آنذاك من كره الشعوب إثر تقاريره المزيفة حول أسلحة الدمـار الشامل،الرجل الذي أراد أن يتسلق علـى أنقاض من قدَّمـوا الشهداء في الميادين و روكموا السجون و الفيافي في وقت لم يكن أمثال هـؤلاء يأبهون بديكتاتورية مبارك و سياطه في حق المظلومين و المضطهدين السياسيين ،فجأة يطل علينـا الصباحيون و البرادعيون والعمرويون يقودون صخبا إعـلاميا لائكيا عنوانهـا الأبرز لا تختلف عن عنوان قتل جنين الديموقراطية بمصر تمـاما كمـا قتلت في الجزائر إثـر الردة السياسية الانقلابية علـى الشرعية . من المضحك جدا أن تجد زعيمـا لائكيا في مستوى أمـثال هـؤلاء يمارس شططا فوضويا في نقد الصاعدين للحكم عبر الاحتكام للشارع و قد كـانوا يملئون الدنيا عويلا عن الحوار و التوافق الوطني، من العيب السياسي أن يشترطوا هـم للحوار إلغاء "الإعلان الدستوري"و حل "الجمعية التأسيسية" و سلوكاتهم السياسية تعج بالتناقضات إبـان الصمت المخزي بل و المباركة لتشريعات "المجلس العسكري" حول مـا سمي "الإعـلان الدستوري المكمل". و مع أن وجوههم لم تعد تستحي من أحد فإنهم أوغلـوا في إثارة الشغب السياسي المحمول علـى مفردات السب الإعـلامي في حق رئيس الجمهورية بشكل يوحي كمـا لو أننـا أمـام "مراهقين سياسيين" و ليس أمـام كوادر سياسية ، لـم تكن لأمـثال هـؤلاء القدرة علـى مخاطبة الفرعون السابق بذاك الأسلوب الفاجر و لـم نسمـع منهم تلك الشجاعـة البليدة التي عكستهـا الحمـاسة البطولية وسـط أقبـاط و ثلـة من المنحلين الصحـافيين اللائكيين و بعض الشباب المدفوع بهم تحت الشعارات الزائفة بقدر مـا كـان الإطراء و نكس الرؤوس أمـام زعيم الاستبداديين مبارك .و الحـال أن اللائكيين يثبتـون دائمـا عجزهـم عن تبني لغة الحوار السياسي و يقدِّمـون في مختلف المواقف أسلوب المنـابزة على خيار المفاهمة، إذ أن اللائكيين المستبدين السلطويين يتقنون دائمـا فن توهيم الشعب انفتـاحهم علـى المعارضين عبر الحوار تدليسا كمـا أن اللائكيين المعارضين تفضحهم تصرفاتهم الإعلامية و الميدانية حينمـا يجدون أنفسهم ملفوظين من الشعب فيبدأون بالضرب علـى أوتـار مفردات السجال اللائكي الإسلامي و التلويح و التهديد فصلا و أصلا .

    إن إخـفاق اللائكيين في الوصول إلـى ثقـة الشعب و انقلابهم تاليا علـى الشرعية لا ينبغـي أن ينسينـا كيدهم في الإطـاحـة بخصومهم الإسلاميين تحت عنـاوين الدفـاع عن العدالـة و الدولة المدنية، إذ أن العقل اللائكي لـم ينضـج سياسيا بمـا يكفـي ليتقبَّــلَ هزيمتهُ بكل أمـانـة و لـم يعِ بعد أن السلطة تداول يـجب احتـرام اختيارات الشعوب دونمـا إكـراه أو تحريض ، بــل و الغريب في الأمـر كيف يجري علـى ألسن هـؤلاء الحديث عن "التوافق الوطني" وهم كـانوا بالأمـس قابضون علـى السلطة لا يأبهـون لتمثيل الأطياف السياسية و لا بالاعتراف حتى بوجودهـم أصلا ؟ بـل والأغرب كيف نـادوا بحل مجلس الشورى المنتخب الذي أفرز أغلبية إسلامية و هـم لا يتوقفون عن الحديث عن نـزاهـة الانتخابات و احترام صنـاديق الاقتراع و حق الأغلبية في تشكيل الحكومـة ! هــل وصلَ عقـل اللائكي إلـى هـذا الحد من الحضيض السياسي بحيث ينتصـر للإرادة الشعبية حينمـا تكون في صالحهم –تزويرا – و يتوقف عقله في التفكير بهذا الحق عندمـا يُـجَـرَّدُ من الوجود السياسي الرسمي ؟! لا ينبغـي أن تخدعنـا شعارات "التمثيل الوطني" لأنـهُ سـلاح يُراد به باطل سياسي،ثم متـى كـان هــذا الإدعاء شرطـا في تنزيل شرعية الديموقراطية و إلا فمـا الجدوى أصلا من إجـراء الانتخابات ؟فإن قـالوا إن تنـوع الطبقات السياسية الإثنية و الدينية تقتضي من صنـاع الدستور الوطني إشراك ممثلين لكل الشرائح قلنـا فلمـاذا عـرَّفتم لنـا الديموقراطية قديمـا بكونهـا حكم الشعب بالشعب ؟ لماذا لم تعدلوا عن هـذا التعريف فتجعلـوا في ثنـاياهُ شرط "التمثيل الديموقراطي" فنـؤسس لنظرية جديدة في الفكر السياسي ؟ مـا الجدوى من وجود المعـارضة إذن إذا كـانت كل الأطياف ممثلة في هيئات سياسية حكومية ؟ فإن قالوا إن التمثيل خاص بلجان تشكيل الدستور الذي يجب أن يعكس الإجمـاع الوطني و الجسد الاجتمـاعي قلنـا فلمـاذا لـم تعلنوا ذلك عندمـا صـاغَ الطواغيت اللائكيين دساتيرا علـى مقاسهم فتدافعوا عن أحقية التمثيل الوطني ؟ ثـم على أي معيار يتم استناد هـذا التمثيل في ورشات صياغة الدستور ،أهو معيار ديني أي احترام الطائفة الأقلية و سن قوانين تناسبهـا،أهوَ معيار سياسي يمثُـلُ كـل اتجاه سياسي حزبي بمُمثِّـل في لجنة وضع الدستور ، أهوَ معيار فكري يكون لكل طبقة ممثلوهـا في الصياغة تنـافح عن معتقداتها و توجهاتها الفكرية أم مـاذا بالضبط ؟ ألا يكون من الأنـجع عرض المسألة من خـلال الاحتكـام إلـى الصوت الجماهيري الشعبي عبر الاستفتاء للحسم النهائي بدل التلاعب بالديمقراطية و الدوران حول "الديمقراطية العددية " لإثبات "ديكتاتورية الأغلبية" ؟

    إن الأنياب الفكرية علـى اختـلاف توجهاتهـا حينمـا تلتزم بوظيفتهـا في قضم أطعمة الاختلافات الإيديولوجية فإنهـا تبقى مقبولة و منسجمـة مع المادة المطروحة لأنهـا سوف تجد لهـا طريقا نـحو آفـاقِ النمو و النضج السياسي و الفكري،لـكن الأنياب اللائكية التي لا تعرف غير قض الوافد من طعام الفكر الصلب فيتصرف بلا تمييز و لا تمحيص فإنـهُ بذلك يحوِّلُ حركة النقد إلـى حركة تـافهة و منـافية لقواعد السجال الفكري المطروح بحيث حتمـا ستنكسر تلك الأنياب عندمـا تقضم بعنف و جنون أحجارا فكرية صلبة ، و مــا يفعله للأسف فلول الفكر اللائكي في بلدان العالم الإسلامي لا يعدو أن يكون استعمـالا للأنياب في غير موضعهـا لأنهم يعبرون بذلك عن المكبوتات الباطنية و المشاعر الحاقدة المترسخة في عهود المستبدين الطغاة و لأنهم صاروا يتحركون تحت وقع الصدمة التي هزت بنيان قلاعهم المتآكلة و زلزلت حصونهم المهترئة فانطلقوا يبحثون عن كل شمـاعة ليعلقوا عليهـا غضبهم النفسي و كراهيتهم للفصيل الإسلامي كمـا هو الحال في مجريات الأحداث في مصر و تونس و مـا سيكون عليه الأمر في باقي الدول . هـي إذن أنياب تحتـاج إلـى تنظيف أوساخهـا الفكرية و تحريرهـا من آلام التسوس الإيديولوجي لتعود إلـى وضعهـا الطبيعية فتمـارس عملية القضم باعتياد و اعتدال .


    و لعل لـو جـاز لنــا رصد بعض الأنياب التي تجلت في مهب الصراخ و الضجيج اللائكي الحـاصل في كل من مصر و تونس لأمكـنَ تحديد بعضهـا في مـا يلي :

    - النـاب الأول : الخـلط في الأوراق و اللعب بالمفردات و محاولات حصر القوى الثورية المحتجة بقطاع ألزموهُ بمسميات القوى "المدنية"و "الحداثية" في محاولة يائسة لاستئصال نضال فصيل راكمَ القوة العددية تنظيمـا و زحفا ، و يُـذكِّرنـا هـذا بالحيل اللائكية القديمة المدسوسة حينمـا أرادت أن تجعلَ من شعار "الدولة المدنية" عنوانـا لصيقا بالتيار اللائكي في مقابل لصق "الدولة الدينية" بالطرف المناقض عنوة ، و لا يزالُ فلول اللائكيين حريصين علـى الاختباء وراء هوَسِ الكلمة السحرية و الاحتماء خلف المضمون الدلالي الذي رافق دولة القانون و المؤسسات في الغرب من دون أن يملكوا الجرأة علـى نفض غبار تنـاقضهم مع الإسلام كمرجعية مؤسِّسة ،و قد ساعدهم علـى بث أساطيرهم المؤسسة للوهم الحداثي المدني منـابر الصحافة التي اعتلوهـا في زمن حكم الطغاة المستبدين يسممون بها الوسط الفكري بمغالطات مقصودة تروم إلـى تثبيت الخدع المفاهيمية و الترويج لهــا بلا تأصيل و لا تقعيد ،فتلك المنـابر و مـا يُـغدقُ عليهـا من دعم الدولة اللائكية مـارست الزيف الإعلامي مبكرا لقنـاعتهـا بكون جسد الأمـة يتنفس الإسلام شكلا و مضمونـا ،و مـا حدث في مصر مـؤخرا من إحجام الصحافة اللائكية من إحجام عن الصدور لا يخرج عن إطـار الترهيب الذي حولهـا إلـى "ميليشيا إعلامية" تُـوعِّـدُ و تنـذر كمـا لـو أننــا أمـام عصابات مسلحة قابضة علـى الزمـام . في الحقيقة ، القاعدة التي ينبغي أن ندركهـا تمـاما هي أننـا كلمـا شهدنـا صعود الإسلاميين من طريق الانتخـاب النزيه كلمـا سمعنـا عويلا من فلول اللائكيين ،و هـذا العويل متنوع الامتداد و الارتداد بحيث تجمعهم عقدة قديمة متجددة هي عقدة الالتزام بأحكام الإسلام ، و تغلغل التيار الإسلامي و اختراقه للحواجز اللائكية لـن يجـر طبعـا إلا المزيد من الأصوات النـاقمـة القابضة علـى كراسي الارتزاق الصحـافي و النقابي و القضائي ،فأين كـانوا من ديكتاتورية مبارك حينمـا عاث في الأرض فسادا و ارتكب موبقات التصهين و حرم الأرزاق عن العباد و البلاد ؟ أين كانت شجاعـة "الاتحـاد العام للشغل" عندمـا أفقَـرَ بن علي الطاغية الشعب و نهبَ خيرات البلاد و حولهـا إلـى مزرعة عائلية ؟ أم أن التحريض و إعـلان الإضرابات صارت لهـا أهلهـا دون غيرهـا ؟ إن من السخافة السياسية أن يدعي بعض الفلول المُغَرَّبين "المدنية"و "الحداثة" ثم يدعون إلــى توجيه إنذارات و كأنهم كارزميين لهم وزنهم الشعبي ،من البلادة السياسية أن يركبَ المتلعثمينَ باللغة العربية موجة التصدي للاستبداد و هـم لا يختلفون عن طغاة الأنظمة البائدة شكلا و مضمونـا فبئـسَ مدنية ليس لهـا إلا الشعار و بئس حداثة أهلهـا متعصبون رهَّابون دخلوا السياسة خلسة و تسلقا علـى دمـاء الشهداء الأطهـار .

    - الناب الثاني : استخدام العنف المساوق للشغب لانتـزاع تنـازلات تحت ضغط الشارع إذ صـارَ هـؤلاء لا يتقنون غير لغة سفك الدمـاء عندمـا يعجزون عن التحاور الهـادئ ،فقد قتلــوا 8 شباب كلهم من الإخـوان المسلمين و حرقوا أزيد من 28 مقرا لهم لحد الآن بطريقة همجية و وحشية منهـا حرق مكتبة المرشد نفسـه ،بــل و تحولت ميدان التحرير إلــى ثكنـة عسكرية لهـم يتسلحون و يستعدون لإعـلان كـل الاحتمـالات الممكنة ،و فوق كـل ذلك يلقون المسؤولية علـى الدكتور مرسي !أي حوار هـذا الذي يدعونه و قد سفكوا الدمـاء لأغراض الطمع السياسي و حب السلطة ؟بـل و يعجب المـرء كيف صابرَ الإسلاميون و تجرعوا مرارة الاعتداء علــى المقرات دون أن تتحرك أعدادهم للاقتصاص و لهم القدرة علـى ذلك تنظيما و زحفا ، لكنهُ العقل الإسلامي الهـادئ حينمـا ينضج فكره فيعرف كيف تُـضبطُ الأعصاب في مواقف سيلان الدمـاء البريئة ،و ليفترض القارئ العزيز مـا إن كـان الفعـل الإجرامي وقع من محسوب علـى الإسلامي كيف سيكون لغطهُ الإعلامي و رده المـادي؟

    - النـاب الثالث : الفوضى في السياسة والتسيب في إدارة الأزمـات إذ لوحِظَ عن فلول اللائكيين مـؤخـرا عبثهم السياسي و تخبط مواقفهم و عنف تصريحاتهم و غرائب آرائهم فكشف بذلك عن هبَل سياسي و جنون سلطوي و طمع رئاسي من غير استحقاق، و لطـالمـا تبـاهـى اللائكيون في مؤلفاتهم بعقلانيتهم السياسية و واقعيتهم و حسن إدارتهم دون أن يفهموا أن الأمـاني و التباهي لا تفيد في معرفة السلوك السياسي الراشد ، و قد لوحظَ عن الفلول تسرعهم المبكر في رفض صعود الإسلاميين للحكم بالرغم من استيفاء للقواعـد الدموقراطية فعاكسوا و هاجموا و حرضوا من منطلق نفسي ضاغط في وقت كان التعقل و النضج السياسي يقضي برصد تصرفات الحكومة الجديدة و الوقوف علــى ديباجة أخطائهـا السياسية بعيدا عن التجريح و السخرية البليدة . بيد أن عقلانية القوم برزت بوضوح عندمـا أتقنوا فن التصعيد الفارغ و راحوا يدعون لمليونيات تحت مسميات مختلفة و التكثيف من المسيرات و الاعتصامات و إخراج البطاقة الحمراء و كأنهم في ملعب يتقاذفون فيه الكرات و يتسلون بأجوائـها الحماسية ،إنذارات أخيرة هنـا و دعوة لإضرابات وطنية هناك هكذا يتصرف العقل النـابغ في علوم السياسة .إن أنياب افتعال الفوضى السياسية لا ينبغي أن تحجب عنـا محركاتهـا و بواعثهـا و مهمـا قيل لنـا بأن الدوافع لا تخرج عن محاولات نقد السلطة الجديدة فإن ذلك غبار في عيون الأحرار.

    - النـاب الرابع : إدعـاء تمثيل الشرعية في خطابات القوم و اعتبار مـا يجري هـو صراع بين محاولات هيمنة مؤسسة الرئاسة في مصر و بين الإرادة الشعبية ،فهم لا يخجلون من أنفسهم أمام مليونية الإسلاميين التي خرجت نصرة لمرسي تحت عنوان "جمعة الشرعية و الشريعة" ، و مـع أننــا متيقنين من أن حـالة الهياج اللائكي و الشحن الايديولوجي الصادر من قوى "حداثية" لا يعدو كونه صراخـا كـان مكبوتـا قبل انتصار شرعية الثورة التي قادت الإخوان إلـى الرئاسة فإن صراحة القول تجعلنـا لا نتردد في وصف مـا يجري من اعتراض شبه شعبي علـى القرارات –و قد نختلف مع بعض بنودهـا – هـو اعتراض نـابع في أكثريته من أطراف تكرهُ الإسلام في الخفاء و تطعن في أصوله في منتديات الصحافة اللائكية بشكل غير مباشر من دون أن تملك القدرة علـى إعلان مخاصمتهـا له جهرا (الأقباط ،البرادعيون،الصباحيون،العمرويون،شباب متمرد على القيم...)،لكن السؤال :إذا كـان القوم يشرعنون لأقليتهم بدعوى الإرادة الشعبية و بمقتضى التضليل الإعلامي و الدجل اللغوي(القوى المدنية،جبهة الإنقاذ الوطني...)فلماذا لا يسلمون الأمـر إلى الشعب نفسه ليقول كلمته الحرة دونمـا شحن أو تمويه ؟

    -الناب الخامس : الطمع السياسي الذي يُسيلُ لعاب الفلول و المنهزمين و العابدين للسلطة إذ يجعل صاحبه مستعدا لإشعال فتيل الفتن الطائفية و إثارة القلاقل السياسية لأجـل الفوز بغنـائمهـا و الارتقاء علــى دمـاء الضحـايا إلـى دفـة الحكم من غير استحقاق شعبي ،فيكفي لمن يرصـد المشهد السياسي المصري مثلا أن يدركَ تـذمـر المنهزمين و عدم الاعتراف بنكبتهم بشكل يجعل هــؤلاء مستعدين لمخاصمة الظافرين متى ما وجدوا الظروف السياسية سانحة لذلك ، و هــي آفـة أخـلاقية لزمت عقلية الديكتاتوريين و الاستئصاليين في تعاملهم مع أهـل الاستحقاق الفعلي و الشرعي ، و لذلك ليس غريبا أن تجد بعض الفلول الهاربين للخارج يمـارسون فعلهم الاستبدادي من خارج السياسة فيطلقون دعـاوى الإطاحـة بالنظام بمجرد وقوع اختلاف في الرأي السياسي ، و الحــال أنه مـا لم يقطع ذوي الأطمـاع مع نزعـة الاستئصال و من ثم الشروع في معالجة مكامن الخلل علـى طاولة الحوار بعيدا عن لغة الشروط المسبقة و التهديدات المُلـوَّحة فإن الأمـر سيبقى يراوح مكانه بين حرب المليونيات .
    و يبــقى من واجب الإسلاميين ممارسة السلطة بمرونـة و عدم زج أنفسهم في صراعـات لا تخدم إلا أنصاف السياسيين المتسلقين، كمـا ينبغي الانفتـاح أكثر علــى الطبقة الشبابية التي ذهبت ضحية التزييف الشعاراتي لقطع الطريق عن محاولات الاستئصاليين جر الشباب لمواجهات فتنوية لا تبقي و لا تذر .

  • #2






    للرفـــــــــــــــــــــع

    سيظل منتدى حراس العقيدة بعون الله وفضله نبراساً للعلم والإيمان والصحبة الصالحة ..
    بارك الله فيكم وأحسن إليكم جميعاً ..

    تعليق


    • #3
      الناب السادس : أن يجعل الله قلمكَ شوكة في حلقومهم , ونابًا في رقابهم

      جزاكم الله خيرًا وسدّد رميَك , وأصلح حالكم آمين.
      "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
      رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
      *******************
      موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
      ********************
      "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
      وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
      والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
      (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

      تعليق


      • #4
        المشاركة الأصلية بواسطة د.أمير عبدالله مشاهدة المشاركة
        الناب السادس : أن يجعل الله قلمكَ شوكة في حلقومهم , ونابًا في رقابهم

        جزاكم الله خيرًا وسدّد رميَك , وأصلح حالكم آمين.
        جزاكَ الله خيرا أخـي الكريم

        تعليق

        مواضيع ذات صلة

        تقليص

        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
        ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
        ردود 0
        167 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة Islam soldier
        بواسطة Islam soldier
         
        ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
        ردود 0
        22 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة Islam soldier
        بواسطة Islam soldier
         
        ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
        ردود 0
        40 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة Islam soldier
        بواسطة Islam soldier
         
        ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
        ردود 0
        32 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة عادل خراط
        بواسطة عادل خراط
         
        ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
        ردود 3
        84 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
        بواسطة Ibrahim Balkhair
         
        يعمل...
        X