المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

تقليص

عن الكاتب

تقليص

فتى يسوع مسلم اكتشف المزيد حول فتى يسوع
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

    هل الله لا يعلم متى يوم القيامة؟

    بينما يؤمن المسيحيون بأن المسيح هو الله نجد بأن هناك الكثير من النصوص الإنجيلية على لسان المسيح تثبت عدم ألوهيته، إنها لمفارقة عقائدية أن يؤمن المرء بشيء بينما يخالفه مصدر ذلك الإيمان.

    ومن أهم ما ينكر ألوهية المسيح هو عدم معرفته بموعد يوم الدينونة (يوم القيامة)، وهو هذا النص:
    "وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ." (مرقص 13 : 32)

    إذن لا يعلم بوقت يوم القيامة أي إنسان ولا ملاك ولا حتى الابن (أي المسيح) نفسه، فلا يعلم بها إلا الذي حددها وهو الله الآب وحده، ولاشك بأن الناس والملائكة والأنبياء (الذين منهم المسيح) لا يعلمون بها لأن العلم المطلق هو صفة خاصة بالله تعالى صاحب الكمال المطلق، فمن يجهل شيئاً لا يكون إلهاً.

    هذا النص لأنه ينكر فيه المسيح بنفسه علمه بموعد القيامة مما يؤدي إلى إنكار ألوهيته قد سبب جدلاً واسعاً داخل البيت المسيحي، اضطر من خلاله آباء الكنيسة والمفسرون الأوائل لأن يختلقوا أعذاراً تخبط بعضها البعض، وتميل إلى مشاعر الورطة والانخناق الفكري، والاعتماد إلى أجوبة واهية، ولربما يتعجب القارئ من مكانة أولئك الأساقفة والعلماء اللاهوتيين مع أجوبتهم بتلك الطريقة، وهذا كله يبرز لك صعوبة هذا النص ومدى وضوحه في إسقاط القول بألوهية المسيح.

    والأدهى والأمر من تضارب التفاسير المسيحية وضعفها هو امتداد يد التحريف الباغية إلى هذا النص، وهذا لا يؤدي إلى إنكار عصمة الكتاب المقدس من التحريف فحسب بل يدل على قوة النص وحجيته في إنكار ألوهية المسيح.
    التعديل الأخير تم بواسطة فتى يسوع; 2 أبر, 2015, 10:02 م.

  • #2
    رد: المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

    تفاسير واهية متضاربة

    من شدة أهمية هذا النص وقوته كان المسيحيون الموحدون (الذين أنكروا ألوهية المسيح) يستندون على هذا النص كأحد أهم النصوص التي تنكر ألوهية المسيح.

    فقد عمل أثناسيوس الاسكندري (ت 373 م) مجموعة كتب يرد فيها على الموحدين في زمنه (والذين كانوا يسمون بالآريوسيين)، وفي كتابه "مقالات ضد الآريوسية" خصص فصلين كاملين (الفصل 27 و28) في الرد على استدلالات الآريوسية القائلة بأن المسيح لم يكن كلي العلم وأن هناك أشياء يجهلها.

    وقد ذكر أثناسيوس بعض اعتراضاتهم تلك؛ منها:
    - المسيح لم يعلم مكان جثة الميت لعازر؛ فقد سأل عنه بقوله: «أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟» (يوحنا 11 : 34)
    - المسيح لم يعلم عدد الأرغفة؛ حيث سأل: «كَمْ رَغِيفاً عِنْدَكُمْ؟» (مرقص 6 : 38)
    - المسيح ازداد في الحكمة مما يدل على أنه كان قبلها أقل في الحكمة: "وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ." (لوقا 2 : 52)
    - المسيح لم يعلم وقت يوم القيامة؛ حيث قال: "وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ." (مرقص 13 : 32)

    والاستدلال الأخير هو أقوى تلك النصوص، وذلك لكونه صريحاً من فم المسيح يعترف فيه بأنه لا يعلم (فالنصان الأولان مثلا غير صريحان، والنص الثالث مع قوته وصراحته إلا أنه ليس من قول المسيح واعترافه)، ولذلك أخذ هذا النص من آباء الكنيسة جدالاً طويلاً وتبريرات مختلفة مليئة بمشاعر التورط وصعوبة النص.

    فيا ترى كيف برر آباء الكنيسة هذا النص الصعب؟ هناك خمسة تبريرات تهربية مختلفة حاول أصحاب التثليث الأوائل طرحها لحل المعضلة الخانقة، وسأضيف تفسيراً سادساً وهو التفسير الصريح البعيد عن أساليب التهرب، وهو يمثل تفسير آباء الكنيسة قبل القرن الرابع الميلادي، بينما كل الخمسة التبريرات هي تبريرات لاحقة برزت منذ القرن الرابع الميلادي حينما كان الصراع بين أصحاب التثليث والموحدين في أوج احتدامه؛ وإليك التبريرات الخمس المختلفة:

    1- المسيح يعلم وقت القيامة بلاهوته بينما يجهلها بناسوته.
    2- ليس هناك شيء اسمه يعلم باللاهوت ويجهل بالناسوت، فالمسيح يعلمها لكن ترجمة النص هي الخاطئة، فبدلاً من ترجمتها: "ولا الابن إلا الآب" يفترض أن تكون الترجمة: "ولا الابن ما لم يكن الآب".
    3- ليست هناك مشكلة من الترجمة ولكن المسيح مع أنه يعلم إلا أنه صرّح بعدم علمه حتى لا يسأله تلاميذه وقتها!
    4- لا يمكن أن يكذب المسيح ولكن قصده بعدم علمه ليس علمه هو ذاته وإنما المقصود منها عدم كشفه للناس عن وقتها.
    5- الابن الذي لا يعلم ليس هو المسيح وإنما المؤمن، وذلك لأن المؤمنين هم أبناء الله.

    وإليك تفصيل تلك التبريرات وتبيين تهافتها وهشاشتها:

    تعليق


    • #3
      رد: المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

      التبرير الأول
      المسيح يعلم وقتها بلاهوته ولكنه لا يعلمها بناسوته:


      وهذا كلام أثناسيوس الإسكندري (ت 373) والذي كرره عدة مرات في مقالته الثالثة ضد الآريوسية، وهذا التبرير لا مبرر له، فهو مغالطة كبيرة تخالف النص الإنجيلي، وذلك لأن المسيح يصرّح بأن الذي لا يعلم بوقت يوم القيامة هو الابن حيث قال: "ولا الابنوالابن في العرف المسيحي لاهوتي وليس ناسوتي، فالابن عند أصحاب التثليث هو الشخصية (أو الأقنوم) الثانية من التثليث، ذلك أن الله عبارة عن الآب والابن والروح القدس، والمشكلة أن أثناسيوس نفسه في نفس الكتاب يصرح بلاهوتية الابن قائلاً: "لأن لاهوت الابن هو لاهوت الآب." (المقالة الثالثة ضد الآريوسية 26 : 36) "for the Son's Godhead is the Father's Godhead"

      وبالإضافة إلى هذا التناقض العقدي لدى أثناسيوس تبرز مشكلة أخرى، فلننس لوهلة أن المسيح استخدم كلمة "الابن" ولنفترض أنه استخدم كلمة "المسيح" بدلاً منها (ذلك لأن كلمة المسيح تعتبر في العرف المسيحي جامعة للاهوت والناسوت) فهل المسيح كشخص يعلم متى يوم القيامة أم لا؟ فكلام أثناسيوس يؤدي إلى جعل المسيح بشخصيتين، شخصية تعرف وشخصية أخرى لا تعرف، شخصية تفكر بشيء وشخصية أخرى تفكر بشيء آخر، بينما فكرة اللاهوت والناسوت تقتضي وجود طبيعتين لا شخصيتين، وذلك باعتبار أن الله في رأيه لبس الجسد، فإذا اعتبرنا أن الله كامل غير ناقص (وبالتالي علمه كامل) وأنه بكامل لاهوته لابس الجسد فلاشك بأن الجسد لن يحجب كمال الألوهية، فإن كان المسيح إلهاً يعلم فلن يكون تلبسه بالجسد حاجباً لعلمه، ومن هنا لا يصح أن يقال يعلم بلاهوته ويجهل بناسوته وإلا كان كلام سفسطة، والعجيب أن أثناسيوس نفسه يدرك هذا الكلام (أي عدم حجب الناسوت للاهوت) ولكن يبدو أن محاولة تهربه من مأزق جهل المسيح دعاه إلى تجاهل هذا المعنى وإلى مناقضة نفسه حيث قال في نفس سياق حديثه عن اللاهوت والناسوت وعلم المسيح:
      "لأنه حينما صار إنساناً لم يتوقف عن كونه إلهاً، ومع كونه إلهاً لم يتقلص إلى ماهية الإنسان ليفقد الفكر [الإلهي] ولكنه بدلاً من ذلك مع كونه إلهاً اتخذ لنفسه جسداً، وبكونه في الجسد ألّه الجسد." (المقالة الثالثة ضد الآريوسيين 27 : 37)
      "For He did not, when He became man, cease to be God ; nor, whereas He is God does He shrink from what is man's; perish the thought; but rather, being God, He has taken to Him the flesh, and being in the flesh deifies the flesh." (3 Discourse against Arians 27:37)

      فكما هو واضح من كلام أثناسيوس الناسوت (الجسد) لم يحجب اللاهوت بل ترقى الجسد إلى أن تألّه! نعم إن أثناسيوس يؤمن بأن جسد المسيح مؤله معبود (والمعبود لاشك لاهوتي مع أنه يصرّح مرات عدة بأن هذا الجسد ناسوتي!) وهذا الاختلاط لدى أثناسيوس واضح سببه، فحينما يعتقد المرء شيئاً ثم يجد شيئاً منطقياً يخالف معتقده يضطر لأن يلوي معتقده لياً ويتكيف مع الحجة المضادة (حتى وإن أدى ذلك التكيف إلى التناقض!).

      لم يقف أثناسيوس عند هذا الحد، فهو بادعائه أن علم المسيح ناسوتي هو يخلط بين ما هو روحي وما هو جسدي، فكل متعلقات الجسد من ماديات إنما هي ناسوت كجسم المسيح ولحمه وعظامه ودمه . . إلخ، بينما كل ما هو غير مادي فإنه لاهوتي كنفس المسيح (روحه) وفكره (الذي يتضمن تفكيره وعلمه)؛ وهذا ما يشرحه أثناسيوس في رسالة أخرى له والمعنونة بـ"عن تجسد الكلمة" (والتي تناقض مفهومه هنا عن علم المسيح)؛ حيث قال عن لاهوت المسيح:
      "فهو لم يكن (كما هو متخيل) مقيداً بالجسد ولم يكن حين وجوده في الجسد غائباً في مكان آخر ولم يترك الكون فارغاً من عمله وعنايته حينما انتقل إلى الجسد . . . ولذلك حتى حينما كان موجوداً في جسد بشري ومُفَعِّلاً له كان من دون أي تناقض مفعلاً للكون أيضاً . . . وهكذا فإن عمل الروح هي التي تمسك حتى ما هو خارج جسدها عن طريق أعمال الفكر، وذلك من دون أن تعمل خارج جسدها ذاته أو بتحريك الأشياء بوجودها بعيداً عن الجسد." (عن تجسد الكلمة 17 : 1-3)
      "For He was not, as might be imagined, circumscribed in the body, nor, while present in the body, was He absent elsewhere; nor, while He moved the body, was the universe left void of His working and Providence; . . . thus, even while present in a human body and Himself quickening it, He was, without inconsistency, quickening the universe as well . . . Now, it is the function of soul to behold even what is outside its own body, by acts of thought, without, however, working outside its own body, or moving by its presence things remote from the body." (On the Incarnation of the Word 17:1-3)

      وكما هو واضح من كلام أثناسيوس بأن لاهوت المسيح هو الروح الذي يسكن جسد المسيح، والذي فكره يُعدُّ منه، فهو يرى بأن تفكير المسيح هو الذي يتحكم بالأشياء (بالطبع فكر المسيح ليس بمادي، ولذلك هو روحي، وبالتالي هو لاهوتي)، فانظر كيف ناقض أثناسيوس نفسه حينما اعترف بأن فكر المسيح لاهوتي (والذي يعد منه علمه) ثم حينما وقع في مشكلة أن المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة تناقض بزعمه أن العلم ناسوتي! أو بالأصح اضطر إلى تقسيم العلم إلى علمين علم لاهوتي (روحي) وعلم ناسوتي (جسدي)، فهل العلم مادي جسدي حتى يجعله أثناسيوس ناسوتي؟ فكما قلت هو الآن بدلاً من أن يتحدث عن اختلاف طبيعتين (روحية لاهوتية ومادية جسدية ناسوتية) اضطر لأن يفصل المسيح إلى شخصيتين: شخص يعلم ويفكر بشيء وشخص آخر لا يعلم ويفكر في شيء آخر!

      والمصيبة الكبرى هي أنه مع أن أهم آباء الكنيسة الذين عاشوا في زمن أثناسيوس لم يقبلوا بهذا التفسير فإننا نجد بعض التفاسير المعاصرة (مثل التفسير التطبيقي للكتاب المقدس) تتبنى هذا التبرير من دون حتى التفكير إلى ما اختلقه أثناسيوس من تناقضات!

      وأهم من نقطة اختلاط وتشوش فكر أثناسيوس حول اللاهوت والناسوت بل وما يؤدي كلامه من اختلاق شخصيتين للمسيح أن النص الذي يصرح فيه المسيح بأنه لا يعلم متى يوم القيامة صرّح بكلمة "ولا الابن"، والابن كما قلت هو الأقنوم الثاني لله! ولكون "الابن" لاهوتي وكذلك لأنه من المفترض ألا يحجب الجسد اللاهوت وأيضاً ما ينتج كلام أثناسيوس من إيجاد شخصيتين مختلفتين للمسيح لا مجرد طبيعتين فإن الآباء الكنسيين الأوائل لم يقبلوا مقترح أثناسيوس واقترحوا تبريرات أخرى لا تقل ركاكة عما قاله أثناسيوس.

      تعليق


      • #4
        رد: المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

        التبرير الثاني
        عدم علم المسيح بيوم القيامة ("ولا الابن إلا الآب") ترجمة خاطئة فيجب تعديلها إلى "ولا الابن ما لم يكن الآب":


        بمعنى أن الابن لن يعلم إذا لم يعلم الآب موعد يوم القيامة، أي أن الابن يعلم طالما أن الآب يعلم، وصاحب هذا الرأي هو باسيليوس القيصري (ت 379) والذي يعتبر أحد أهم آباء الكنيسة في القرن الرابع، والذي لعب دوراَ رئيسياً في تشكيل عقيدة التثليث على ما هي عليه اليوم.

        وبالطبع لأن باسيليوس لن يقبل رأي أثناسيوس (الذي تجاهل لقب "الابن" اللاهوتي) فإن باسيليوس أخذ يبحث عن مبرر يستطيع به دفع المشكلة العويصة.

        ارتأى باسيليوس بأن حل المعضلة يكمن في تفسير كلام المسيح بأنه لا ينكر علمه بوقت القيامة بل كلامه يثبته، وذلك أن إفراد المسيح لله الآب بعلم وقت يوم القيامة يقع في إنجيلين هما: إنجيل متى (24 : 36) وإنجيل مرقس (13 : 32)، وإليك النصان من قراءة باسيليوس ولاحظ الاختلاف بين النصين فيما سأضع تحته خط:
        نص متى: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده."
        نص مرقس: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب."

        لقد حاول باسيليوس أن يستغل أسلوب اللغة اليونانية (والتي هي لغة العهد الجديد)، ذلك أن نص مرقس يستخدم عبارة "ει μη ο πατηρ" (إِيْ مِيْه هُوْ بَاتِير) أي "إلا الآب"، ولفظة "إي ميه" (ει μη) مع أنها عادة تعني "إلا" إلا أنها في حالات نادرة قد تأتي بمعنى "ما لم"، وبالتالي أخذ باسيليوس من هنا أن كاتب إنجيل مرقس لم يقصد إلا المعنى الثاني (أي "ما لم")، وبالتالي أصبح النص بحسب فهم باسيليوس كما يذكره هو بنفسه قائلاً:
        "لا يعلم بهما أحد ولا ملائكة الله ولا حتى الابن ليعلم بهما ما لم يعلم بهما الآب: ذلك أن السبب في علم الابن يأتي من الآب." (رسالة باسيليوس رقم 236)
        "No man knows, neither the angels of God; nor yet the Son would have known unless the Father had known: that is, the cause of the Son's knowing comes from the Father."

        وهذا التفسير العجيب الذي جلبه باسيليوس له ثلاثة مشاكل: فهو أولاً: يتناقض مع أبجديات تعريف الألوهية، فالإله كما هو متفق عند جميع الناس بأنه صاحب الكمال المطلق، ومن كماله علمه المطلق (والذي حاول باسيليوس مناقشته هنا)، كما أن العلم المطلق هذا يقتضي أن علمه تعالى ذاتي، أي أنه لا يتعلمه من أحد، فكلام باسيليوس أن الابن يستقي علمه من الآب لهي دلالة كافية على عدم ألوهية الابن لأن الله هو مصدر العلم فلا يتعلم ولا يستقي علمه من أحد.

        ثانياً: لو أخذنا "إي ميه" اليونانية بمعنى "ما لم" فإن هذا يقتضي أن البشر والملائكة أيضاَ يعلمون، ذلك أن النفي جاء على البشر والملائكة إلى جانب الابن ("لا يعلم بهما أحد ولا الملائكة ولا الابن")، فتخصيص باسيليوس الابن وإخراجه من هذا الصف يعد تكلفاً ينبئ عن مدى جهده في التهرب من المشكلة.
        وأما المشكلة الثالثة في تفسير باسيليوس، والتي تعد أهم من المشكلتين السابقتين: هي أن باسيليوس اعتمد في تفسيره هذا على تحريف وقع على إنجيل متى! فاستناد باسيليوس في تفسيره لما ورد في إنجيل مرقس من عدم علم المسيح واختياره لمعنى "ما لم" له شرط في اللغة اليونانية، وهو عدم وجود المخصص، الذي هو كلمة "وحده" مثلاً، فإنجيل متى (على خلاف مرقس) حينما أفرد العلم للآب خصصها بكلمة "وحده" ليكون نص متى هكذا: "إلا أبي وحده"، فإضافة كلمة "وحده" (التي هي في اليونانية "مونوس μονος ") تجعل معنى الجملة أن الكل لا يعلم إلا الآب فقط هو وحده الذي يعلم، وبالتالي تجعل "إي ميه" تعني "إلا" وليست "ما لم"، وهذا ما قاله باسيليوس نفسه حينما تحدث عن اختياره لمعنى "ما لم" في مرقس حيث قال:
        "بالنسبة للسامع المنصف فإنه لا يوجد تحريف في هذا التفسير، وذلك لأن كلمة "وحده" لم يتم إضافتها [هنا في مرقس] كما هو الحال مع متّى." (رسالة باسيليوس رقم 236)
        "To a fair hearer there is no violence in this interpretation, because the word only is not added as it is in Matthew."

        وإنجيل متى مع أنه يستخدم كلمة "وحده" إلا أنه ليس به كلمة "ولا الابن" أي أن نفي العلم عن غير الله الآب لا يدخل فيه المسيح؛ يقول باسيليوس:
        "ومن هنا في نص متّى لم يذكر الرب نفس شخصه كمسألة مفروغ منها، وقال بأن الملائكة لا يعلمون، وأن أباه وحده يعلم ليؤكد ضمنياً بأن علم أبيه هو نفس علمه أيضاً." (رسالة باسيليوس رقم 236)
        "In the passage in Matthew, then, the Lord made no mention of His own Person, as a matter beyond controversy, and said that the angels knew not and that His Father alone knew, tacitly asserting the knowledge of His Father to be His own knowledge too."

        وهذا التبرير الذي تمسك به باسيليوس إنما هو مبني على تحريف وقع على إنجيل متّى، فمخطوطات متّى اليونانية القديمة تشير إلى أن قراءة باسيليوس لإنجيل متى قد تم بعد حذف كلمة "ولا الابن"، أي أن إنجيل متى في الأصل يحتوي على كلمة "ولا الابن"، بينما المخطوطة التي قرأ منها باسيليوس فمحذوف منها هذه الكلمة، وسوف أشرح هذا التحريف في المخطوطات لاحقاً.

        وبالتالي فإن إنجيل متى فيه كلمة "وحده" بعد "إلا الآب" وفيه أيضاً "ولا الابن"، والنتيجة هي أن الابن لا يعلم متى يوم القيامة! وإليك قراءة إنجيل متى قبل التحريف:
        "وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ وَلاَ الاِبْنُ إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ." (متى 24 : 36)، وقد يتفاجأ القارئ حينما يعلم بأن النص بهذا الشكل (أي بإرجاع كلمة "ولا الابن") أصبح هو النص المعتمد لدى التراجم العربية الحديثة للكتاب المقدس مثل الترجمة العربية المشتركة والنسخة اليسوعية والنسخة البولسية ونسخة الإنجيل الشريف.

        تعليق


        • #5
          رد: المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

          --يتبع--

          تعليق


          • #6
            رد: المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

            التبرير الثالث والرابع والخامس

            3- التبرير الثالث: المسيح يعلم ولكنه صرّح بعدم علمه حتى لا يسأله تلاميذه عنها! وهذا رأي جيروم (ت 420)، وهو الذي كان سكرتير بابوية روما، والذي قام بعمل ترجمة للكتاب المقدس والتي عرفت بنسخة الفولجاتا، ولخبرة جيروم بالمخطوطات أدرك أن هناك اختلافاً بين المخطوطات حول عبارة "ولا الابن" في إنجيل متى؛ حيث قال: "بعض النسخ اللاتينية تضيف هنا "ولا الابن" ولكن النسخ اليونانية وخصوصاً تلك التي لأدامانتوس وبيريوس لا توجد بها، ولكن لوجودها في بعض [المخطوطات] يبدو أنها تحتاج إلى اهتمامنا." (السلسلة الذهبية لتوما الأكويني)
            "In some Latin copies is added here, "neither the Son:" but in the Greek copies, and particularly those of Adamantius and Pierius, it is not found. But because it is read in some, it seems to require our notice."

            وبالتالي لأن جيروم عرف أن هناك تحريفاً وقع على المخطوطات حيث وجد في بعض المخطوطات اللاتينية (وسنبين لاحقاً أن أصل الاختلاف موجود في المخطوطات اليونانية) وجود "ولا الابن" أدرك بأن إجابة مثل تلك التي قال بها سابيليوس لا تنفع، وبالتالي بحث عن إجابة بديلة، وهي أن المسيح لا يجهل وقت يوم القيامة ولكنه أنكر علمه حتى لا يسأله تلاميذه! وقد حاول أن يدلل على أن هذه إرادة المسيح ألا يعلموا بما ورد في سفر الأعمال: "فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ." (الأعمال 1: 7)
            ولا أدري هنا ما وجه الدلالة لدى جيروم بين تصريح المسيح بأنه هو نفسه لا يعلم وبين هذا النص الذي استدل به والذي يبين المسيح فيها أنه ليس على تلاميذه معرفتها؟ بل وفي هذا النص يبين المسيح بأن الأزمنة والأوقات هي في سلطان الآب (وليس الابن) والذي في نصنا الجدلي أقر بأن علم القيامة لا يعلمه إلا الآب فقط (وأن الابن لا يعلمها).

            كما أن إجابة جيروم تخلق مشكلة جديدة: إذا كان المسيح يعلم وقت يوم القيامة ثم يصرّح بأنه لا يعلم فإن هذا اتهام خطير للمسيح بالكذب! وكأن جيروم هنا يريد أن يحل مصيبة بمصيبة أخرى! وقد حاول ثيؤوكلاتيوس (ت 1107) أن يقلل من حجم هذه المصيبة (أي اتهام المسيح بالكذب) بقوله أن المسيح أعلن عدم علمه لأنه لم يرد أن يقول لهم إذا سألوه عنها بأنه يخفيها عنهم فيجرح مشاعرهم ويحزنهم! وهذه من أعجب الإجابات؛ فهل حينما أجابهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات" لم يهتم بمشاعرهم حينها فكان مجرماً قاسياً؟ هذه الإجابات الهشة من آباء الكنيسة تبين لك حجم وقوعهم تحت ضغط نفسي كبير مع هذا النص حتى لم يدركوا ما الذي يقولونه.

            4- التبرير الرابع: المسيح يعلم ولكنه يقصد بعدم علمه إخفاءه عن الناس: وهذا رأي أغسطينوس (ت 430)، فمن دون شك نجد أن فكرة كون المسيح كاذباً في ادعائه عدم العلم مع كونه عالماً فكرة مرفوضة، وبالتالي يجب البحث عن إجابة تجعل المسيح عالماً مع إنكاره لعلمه من دون أن يكون كاذباً، كانت هذه المحاولة من أغسطينوس، والذي يرى بأن المسيح يقصد بقوله: "ولا الابن" ليس أنه هو نفسه لا يعلم بل المقصود منها أن الابن أخفى علمها عن الناس، أي أن المقصود بعدم علم المسيح عدم كشفه للناس عن وقتها؛ يقول القس تدارس يعقوب ملطي في تفسيره على هذا النص: "يرى القديس أغسطينوس أن السيد المسيح لا يجهل اليوم، إنما يعلن أنه لا يعرفه، إذ لا يعرفه معرفة من يبيح بالأمر."
            ولاشك بأن هذا الكلام مردود على أغسطينوس من ناحيتين:
            أولاً: حينما تحدث المسيح عن عدم علمه بوقت يوم القيامة وضع نفسه بجانب البشر والملائكة، وبالتالي لو أن عدم علمه يعني علمه مع عدم كشفه فماذا عن البشر والملائكة؟ هل يعلمون وقتها ولكنهم يخفونها أيضاً؟
            ثانياً: الآب يعلم وقتها ولكنه لم يكشفها، وبالتالي لأن الآب لم يكشفها من المفترض أن يكون الكلام هكذا: "لا يعلم بهما أحد ولا الملائكة ولا الابن ولا الآب"! أي بدلاً من "إلا الآب" أن يكون "ولا الآب"، ومن دون شك أن الواضح من كلام المسيح أنه ينكر علمها (وليس مجرد كشفها) عن نفسه والملائكة والناس أجمعين واستثنى من عدم العلم الله وحده.

            5- التبرير الخامس: المقصود بقول المسيح: "ولا الابن" المؤمنين لأن المؤمن هو ابن الله بالتبني: وهذه إجابة ربانوس (ت 856)، والذي كان رئيس أساقفة ماينز بألمانيا، فكما يبدو أن كل تلك التبريرات السابقة لم تعجب ربانوس، فأي تبرير مما سبق يضع تأليه المسيح في موقف محرج أو كانت متناقضة مع سياق النص، وبالتالي قام بإخراج الموضوع برمته عن المسيح، فبدلاً من أن يكون المسيح يصرح عن نفسه بجهل يوم القيامة يرى ربانوس أن المسيح صرّح عوضاً عن ذلك بجهل المؤمن لأن قوله: "ولا الابن" يقصد به المؤمن وليس المسيح، ذلك أن المؤمن هو ابن الله بالتبني، وبالتالي المؤمن هو الابن هنا (راجع السلسلة الذهبية لتوما الأكويني)، وأظن أن هذه النقطة لا تحتاج إلى تعليق مني، فصحيح أن كلمة "الابن" تعني ابن الله، وأن المؤمنين أبناء الله، إلا أن كل من يقرأ العهد الجديد يدرك بأنه متى جاء لقب "الابن" فإن المقصود به المسيح نفسه!

            تعليق


            • #7
              رد: المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

              اللجوء إلى التحريف حينما تكون الإجابات ركيكة

              قد رأينا في إجابة باسيليوس القيصري (ت 379) أنه قام بإنكار عدم علم المسيح بوقت يوم القيامة بالاستناد إلى نسخة لإنجيل متى (24 : 36) ليس بها عبارة "ولا الابن" (لا يشترط بالطبع أن تكون نسخته تقرأها هكذا فقد يكون سمعها من آخرين بهذه الطريقة).

              ونفس ما وقع فيه باسيليوس وقع فيه أيضاً يوحنا ذهبي الفم (ت 407) حيث اعتمد أيضاً على نسخة لإنجيل متى ليس بها "ولا الابن"، واستنتج من نسخته أن المسيح فقط سكت عن مسألة علمه بموعد يوم القيامة (راجع السلسلة الذهبية لتوما الأكويني).

              ثم إن باسيليوس نفسه يصرّح بأن تفسيره إنما استلمه من معلمين قبله! وبالتالي نرى بأن حذف "ولا الابن" وقع بين بعض آباء الكنيسة في القرن الرابع الميلادي، وهو القرن الذي شهد صراعاً مريراً بين الموحدين المسيحيين الذين أنكروا ألوهية المسيح وبين أصحاب التثليث الذين كانوا يزعمون بأن المسيح هو الله.

              ليس فقط باسيليوس ويوحنا ذهبي الفم قاما بقراءة نص إنجيل متى من دون "ولا الابن" بل إن هذا ما نجده في ترجمتين عربيتين نقرأهما اليوم؛ وهما:
              - نسخة الفاندايك: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده."
              - نسخة كتاب الحياة: "أما ذلك اليوم وتلك الساعة، فلا يعرفهما أحد، ولا ملائكة السماوات، إلا الآب وحده."

              ومثل نص هاتين النسختين العربيتين نجد نسخاً إنجليزية أيضاً ليس بها "ولا الابن" (nor the Son) مثل King James Version و Darby و Douay-Rheims Bible، وكذلك أيضاً لا نجد في بعض النسخ الإسبانية عبارة "ولا الابن" (ni el Hijo) مثل Reina-Valera و Sagradas Escrituras (1569) ولا نجد كذلك في بعض النسخ الفرنسية "ولا الابن" (ni le Fils) مثل نسخة Martin ونسخة Ostervald ونسخة Darby الفرنسية.

              وكما ذكرت بأن كل تلك النسخ في الأعلى العربية والإنجليزية والإسبانية والفرنسية حذفت عبارة "ولا الابن" من إنجيل متى 24 : 36، بينما نجد نسخاً عربية وإنجليزية وإسبانية وفرنسية أخرى أضافت عبارة "ولا الابن" على نفس النص، بل هي أغلب نسخ وتراجم تلك اللغات.

              ومن هذه النسخ العربية التي أضافت "ولا الابن" هي:
              - الترجمة العربية المشتركة: "أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعرفهما أحد، لا ملائكة السماوات ولا الابن، إلا الآب وحده."
              - النسخة اليسوعية: "فأما ذلك اليوم وتلك الساعة، فما من أحد يعلمها، لا ملائكة السموات ولا الابن إلا الآب وحده"
              - النسخة البولسية: "أما ذلك اليوم وتلك الساعة، فلا يعلمهما أحد، ولا ملائكة السماوات، ولا الابن، إلا الآب وحده."
              - نسخة الإنجيل الشريف: "لا أحد يعرف متى يحين ذلك اليوم وتلك الساعة، لا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إنما الأب وحده هو الذي يعرف."
              - الترجمة العربية المبسطة: "لكن لا يعرف أحد متى يكون ذلك اليوم وتلك الساعة، ولا ملائكة السماء يعرفون، ولا الابن، لكن الآب وحده يعلم."

              وكما أن عبارة "ولا الابن" تم إضافتها في أغلب النسخ العربية فإن أيضاً غالبية النسخ الإنجليزية والإسبانية والفرنسية أضافتها؛ فمن النسخ الإنجليزية: New International Version و Revised Standard Version و American Standard Version و Good News Bible، ومن الإسبانية: Nueva Versiَn Internacional و La Biblia de Jerusalén و La Biblia de las Américas و Nueva Biblia Espaٌola و Nueva Traducciَn Viviente ، ومن الفرنسية: Louis Segond وLa Bible du Semeur و Nouvelle Edition de Genève ، بينما وضعتها نسخة Segond 21 الفرنسية (طبعة 2007) بين قوسين معكوفين [ ] تاركة الأمر للقارئ في أن يقبلها أو أن يردها.

              ولا شك بأن القارئ يتساءل كيف اتفقت بعض النسخ والترجمات من مختلف اللغات على حذفها وأخرى اتفقت على إضافتها؟ الإجابة تكمن بمعرفتنا أن العهد الجديد قد كُتِب باللغة اليونانية، وهذا المكتوب باللغة اليونانية تم تناقله من مخطوطة إلى أخرى على مدى قرون كثيرة (حيث لم تكن في ذلك الوقت مطابع بعد، وإنما كانوا يتناقلون الكتب عن طريق نسخها وخطها باليد، ولذلك تسمى تلك الكتب المنسوخة بـ"المخطوطات").

              وهذه المخطوطات حينما كان المسيحيون الأوائل يتناقلونها وينسخونها كانت تحدث بعض الاختلافات والأخطاء والتغييرات (سواءً تغييرات مقصودة أو غير مقصودة)، وهذا النص الذي نناقشه يعتبر أحد تلك التغييرات التي وقعت على المخطوطات اليونانية.

              فهناك مخطوطات يونانية نجد بها عبارة "ولا الابن" (والتي هي في اليونانية: "أودي هو أيوس" ουδε ο υιος)، ومخطوطات أخرى حذفتها.

              ثم إن المخطوطات التي بها "ولا الابن" هي أقدم من تلك التي حذفتها مما يؤكد على أن "ولا الابن" هي الأصلية وأن حذفها يُعدّ تحريفاً (وبالمناسبة لا توجد المخطوطات الأصلية التي خطها كتبة الأناجيل بأيديهم، ولذلك إحدى أساليب محاولة معرفة ماهي القراءة الأصلية وماهي المحرفة بالعودة إلى أقدم المخطوطات المكتشفة باعتبار أنها أقرب إلى المخطوطات الأصلية في زمنها)، فالمخطوطات التي بها "ولا الابن" هي المخطوطة السينائية والفاتيكانية، وكلتاهما تعودان إلى القرن الرابع الميلادي، وكذلك المخطوطة البيزائية (التي تعود إلى القرن الخامس الميلادي)، بينما كان أول شاهد على تحريفها بحذف "ولا الابن" هي المخطوطة الواشنطونية في القرن الخامس الميلادي! ولذلك نجد غالبية النسخ والتراجم العربية والإنجليزية والإسبانية والفرنسية أثبتت عبارة "ولا الابن"، وذلك لأن هذه النسخ والتراجم هي حديثة عُملت بعد فحص تلك المخطوطات وإدراك أصالة "ولا الابن"، بينما تلك التراجم والنسخ (العربية وغيرها) حذفتها اعتمدت على مخطوطات يونانية متأخرة.

              وكما رأينا مسبقاً أن تحريف المخطوطات اليونانية بحذف "ولا الابن" إنما هو بسبب أن النص يثبت أن المسيح لا يعلم متى يوم القيامة، وبالتالي يقف النص ضد مؤلهي المسيح، فكان الحل منهم هو حذف الدليل وتحريفه.

              وهذا يبين لماذا اهتم المحرفون أكثر بتحريف "ولا الابن" التي في إنجيل متى بينما لم يهتموا بتحريف ما ورد في إنجيل مرقس، ذلك لأن إنجيل متى يضيف كلمة "وحده" بعد "إلا أبي" كما شرحته مسبقاً من كلام باسيليوس، ومع ذلك ليس معنى قولي هنا أن المحرفون لم يهتموا بتحريف ما ورد في مرقس أنهم لم يحرفوها، بل هناك بعض المخطوطات اليونانية التي تم فيها تحريف نص مرقس 13 : 32 بحذف "ولا الابن" (مثل المخطوطة X وكذلك 983 وأيضاً 1689، وتاريخ هذه المخطوطات على التوالي: القرن 9 و12 و13) ولكن الاهتمام بتحريف مرقس ليس بحجم تحريف نص متّى للسبب الذي ذكرته آنفاً.

              تعليق


              • #8
                رد: المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

                التفسير الصريح: مسيحيوا ما قبل القرن الرابع

                قد ذكرت خمسة تبريرات متصادمة قام بها آباء الكنيسة ومعلموها منذ القرن الرابع الميلادي لصعوبة الجمع بين إعلان المسيح بعدم علمه بميقات يوم القيامة وبين ما يؤمنون به من ألوهية للمسيح، وذكرت أيضاً كيف أن المسيحيون السابقون قاموا بتحريف نص إنجيل متى بحذف عبارة "ولا الابن" لإزالة هذه الصعوبة، وبقي أن أذكر كيف كان المسيحيون ما قبل القرن الرابع الميلادي يقبلون كون المسيح لا يعلم متى يوم القيامة لأن هذا فعلاً ما أعلنه هو بنفسه، بل مع أن هؤلاء كانوا أيضاً يؤمنون بألوهية المسيح إلا أنهم بسبب هذا النص وغيره من النصوص الأخرى كانوا يؤمنون بأنه كان إلهاً بالدرجة الثانية (أو جزء من الله)، إنه إله ولكنه ليس في مستوى الله الآب (وهذه العقيدة تسمى بالخضوعية أو التابعية، وبالطبع كان هناك مسيحيون ينكرون ألوهية المسيح لكني هنا أذكر من يعتبرهم أصحاب التثليث كعلماء كبار بالنسبة لهم).

                وبالعودة إلى ما قبل القرن الرابع الميلادي نجد بأن مثلاً إيريناوس الذي عاش في القرن الثاني الميلادي (ت 202 م - والذي يلقب بأبي التقليد الكنسي) يقول:

                "فحتى الرب ابن الله الحقيقي اعترف بأن الآب وحده يعلم بالتحديد [وقت] يوم وساعة الدينونة، وذلك حينما أعلن بوضوح: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الابن إلا الآب." [مرقس 13 : 32] فإذا كان الابن لم يستحِ من أن ينسب علم ذلك اليوم للآب وحده وإنما أعلن حقيقة الأمر فعلينا أيضاً ألا نستح من أن نترك لله تلك الأسئلة الكبرى التي تأتينا." (ضد الهراطقة 2 : 28 : 6)
                "while even the Lord, the very Son of God, allowed that the Father alone knows the very day and hour of judgment, when He plainly declares, “But of that day and that hour knoweth no man, neither the Son, but the Father only.” If, then, the Son was not ashamed to ascribe the knowledge of that day to the Father only, but declared what was true regarding the matter, neither let us be ashamed to reserve for God those greater questions which may occur to us." (Against Heresies, 2.28.6)

                ثم يشرح إيريناوس لماذا الآب وحده يعلم متى يوم القيامة ولا يعلمها المسيح فيقول:

                "وذلك لنتعلم منه أن الآب فوق الكل، لأنه كما يقول [المسيح]: "الآب أعظم مني" [يوحنا 14 : 28]، لذلك فإن ربنا أُعلن تفوق الآب فيما يتعلق بالعلم." (ضد الهراطقة 2 : 28 : 8)
                "that we may learn through Him that the Father is above all things. For “the Father,” says He, “is greater than I.” The Father, therefore, has been declared by our Lord to excel with respect to knowledge." (Against Heresies, 2.28.8 )

                وفي القرن الثالث نجد بأن ترتليانوس (الملقب بـ"أبي المسيحية اللاتينية" - ت 225م، ومات بعد إيريناوس بـ23 سنة تقريباً) وهو يذكر خصائص الابن يقول:
                "وهو أيضاً يجهل اليوم والساعة الأخيرة التي هي معروفة لدى الآب وحده." (ضد براكسيس 26)
                "He is also ignorant of the last day and hour, which is known to the Father only." (Against Praxeas, ch. 4)


                وقال ترتليانوس أيضاً:

                "لأن الآب هو الجوهر الكامل بينما الابن اشتقاق وجزء من الكل، كما اعترف هو بنفسه: "أبي أعظم مني." [يوحنا 14 : 28] وفي المزامير تم وصف دنوه بأنه "أخفض من الملائكة بقليل" [المزامير 8 : 5]، ولذلك فالآب مختلف عن الابن، وهو أعظم من الابن، مثلما أن الذي يلد هو واحد والذي يولد هو آخر، وأيضاً الذي يرسِل هو واحد والمرسَل هو آخر، والذي يخلق هو واحد والذي من خلاله الأشياء خُلقت هو آخر. ولحسن الحظ الرب نفسه استخدم هذا التعبير على شخص المعزي [أي الروح القدس] . . . وبذلك بيّن أن المرتبة الثالثة للمعزي كما نؤمن بأن المرتبة الثانية للابن، وذلك بمنطقية الترتيب الملاحظ من التدبير." (ضد براكسيس 4)
                "For the Father is the entire substance, but the Son is a derivation and portion of the whole, as He Himself acknowledges: “My Father is greater than I.” In the Psalm His inferiority is described as being “a little lower than the angels.” Thus the Father is distinct from the Son, being greater than the Son, inasmuch as He who begets is one, and He who is begotten is another; He, too, who sends is one, and He who is sent is another; and He, again, who makes is one, and He through whom the thing is made is another. Happily the Lord Himself employs this expression of the person of the Paraclete . . . so that He showed a third degree in the Paraclete, as we believe the second degree is in the Son, by reason of the order observed in the Economy." (Against Praxeas, ch. 4)

                وهكذا نجد بأن علماء المسيحية قبل القرن الرابع الميلادي كانوا يقبلون نصي إنجيلي متى (24 : 36) ومرقس (13 : 32) كما أعلنه المسيح بأنه لا يعلم متى وقت يوم القيامة، ولم يحاولوا أن يلتفوا حول النصوص ويلووا أعناقها أو أن يدخلوا في تبريرات تهربية أو أن يحرفوا قول المسيح كما عمله علماء القرن الرابع وما بعده.

                فالسبب الذي جعل علماء القرن الرابع (وما بعده) لأن يختلقوا تبريرات ومعاني لم يقل بها المسيح إنما هي بسبب أن القرن الرابع شهد رفع المسيح من مرتبة تحت الله إلى مرتبة مساوية لله وجعلوه هو الله ذاته، ومن معلمي القرن الرابع أولئك نشأت عقيدة التثليث بالشكل الذي نراه اليوم، وخصوصاً بدأ أمر مساواة المسيح بالآب على يد أثناسيوس (والذي عرضت تبريره وتهربه باختراع عِلمين للمسيح: لاهوتي وناسوتي)، وباسيلوس القيصري (وهو صاحب التبرير الثاني الذي اعتمد فيه على تحريف نص إنجيل متى)؛ تقول الموسوعة البريطانية الحديثة (The New Encyclopedia Britannica) (ط 1976) نقرأ تحت عنوان "التثليث" (TRINITY):

                "إن مجمع نيقية عام 325 أعلن عن صيغة حاسمة لتلك العقيدة والتي فيها يكون الاعتراف بأن الابن "له نفس جوهر [هومووسيوس] الآب"، وبالرغم من ذلك قيل القليل جداً عن الروح القدس، وبعد نصف قرن قام أثناسيوس بالدفاع عن الصيغة النيقاوية وصقلها، ومع نهاية القرن الرابع الميلادي تحت قيادة باسيليوس القيصري وغيريغوريوس النيصيّ وغريغوريوس النازينازي (الآباء الكبّادوكيّون) أخذت عقيدة التثليث بشكل جوهري الشكل الذي حُفظت عليه منذ ذلك الحين."
                " The Council of Nicaea in 325 stated the crucial formula for that doctrine in its confession that the Son is 'of the same substance [homoousios] as the Father,' even though it said very little about the Holy Spirit. Over the next half century, Athanasius defended and refined the Nicene formula, and, by the end of the 4th century, under the leadership of Basil of Caesarea, Gregory of Nyssa, and Gregory of Nazianzus (the Cappadocian Fathers), the doctrine of the Trinity took substantially the form it has maintained ever since."

                وكما ذكرت بأن ما قبل مجيء أثناسيوس كان آباء الكنيسة ومعلموها لا يؤمنون بمساواة المسيح بالله الآب (وهي تمسى بالعقيدة الخضوعة أو التابعية)؛ ففي كتاب "صناعة الأرثوذوكسية" (ص 153، ط 2002) (The Making of Orthodoxy: Essays in Honour of Henry Chadwick) والذي شارك في تأليفه نخبة من علماء اللاهوت البريطانيين؛ نقرأ فيه:

                "بالفعل، إلى أن بدأ أثاناسيوس في الكتابة [في القرن الرابع]، فإن كل عالم لاهوتي، سواء أكان في الشرق أو في الغرب، كان يؤمن بشكل معين من عقيدة الخضوعية، وفي حوالي عام 300 يمكن أن تعتبر جزء ثابتاً في لاهوت الكنيسة الجامعة."
                "Indeed, until Athanasius began writing, every single theologian, East and West, had postulated some form of Subordinationism. It could, about the year 300, have been described as a fixed part of catholic theology."

                وبالتالي كما رأينا بأن تطور العقيدة المسيحية واختلافها عما كان قبل القرن الرابع هي التي جعلت علماء القرن الرابع لأن يغيروا مفهوم كلام المسيح حتى يتكيف مع مبادئهم وقناعاتهم وذلك حتى لو كان كلام المسيح مغايراً لما يعتقدون.
                التعديل الأخير تم بواسطة فتى يسوع; 5 أبر, 2015, 02:03 ص.

                تعليق


                • #9
                  رد: المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

                  وأختم هنا بالقول أن المسيح عليه السلام إلى جانب عدم تصريحه بأنه الله صرّح بأنه إنسان نبي مبعوث من الله: "وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ." (يوحنا 8 : 40)، وصرّح بأنه ليس الله صاحب الصلاح المطلق: "وَسَأَلَهُ رَئِيسٌ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ»." (لوقا 18 : 18-19)، وصرّح بأنه ليس الله صاحب العلم، فهو لا يعلم وقت يوم القيامة (والذي هو موضوع هذا المبحث)، فوضوح تصادم عدم علم المسيح بيوم القيامة مع مؤلهي المسيح جعلهم يحاولون بكل ما أوتوه من قوة أن يزيلوا هذه الإشكالية تارة بالتحريف وتارة بتبريرات مختلفة غريبة.

                  هدا الله من أراد الحق ومن لم يريده، وجعلنا ممن لا يخالفون ما أمر الله به، موحدين له منزهين له لا نعبد غيره، ونحب الخير للناس أجمعين! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                  تعليق


                  • #10
                    رد: المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

                    جزاكم الله خيرا
                    أيهما نصدق المسيح أم بولس و الكهنة ؟
                    أشفق على النصارى الحيارى !
                    كفاية نفاق يا مسيحيين !!
                    الطرق البوليسية لتثبيت الرعية !
                    تعصب و عنصرية الأقباط الأورثوذوكس
                    موقع أليتيا الكاثوليكي يبرر فضيحة زواج "المنذورين للرب " !
                    فضيحة "نشتاء السبوبة "الأقباط
                    أورثوذوكسي يعترف !
                    د.وسيم السيسى :لا توجد لغة تسمى بالقبطية
                    كل يوم اية و تفسيرها
                    حقيقة المنتديات المسيحية !
                    بولس الدجال
                    لماذا يرفض النصارى الحجاب ؟!
                    التاتو لا يجوز و الكنائس تضللكم يا نصارى
                    فضيحة زرائبية حول عمر مريم حين تزوجت يوسف النجار (حسب المصادر النصرانية )
                    حول عمر مريم حين تزوجت يوسف النجار (بحث من مصادر نصرانية -يهودية )
                    سؤال للطلبة النصارى
                    كشف عوار شبهات الكفار
                    محنة الثالوث مع مزمور 2
                    النصارى في لحظة صدق نادرة !



                    تعليق


                    • #11
                      رد: المسيح لا يعلم وقت يوم القيامة!عرض لتخبطات آباء الكنيسة وتناقضاتهم بسبب قوة النص

                      بارك الله فيك و زادك علما و عملا


                      مدونتي باللغة الكوردية لمقارنة الاديان:
                      ------ ئاين و مه‌زهه‌به‌كان ------
                      battarduhoki1.wordpress.com


                      تعليق

                      مواضيع ذات صلة

                      تقليص

                      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ أسبوع واحد
                      ردود 0
                      5 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                      بواسطة *اسلامي عزي*
                       
                      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 2 أسابيع
                      رد 1
                      12 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                      بواسطة *اسلامي عزي*
                       
                      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 ينا, 2024, 02:46 ص
                      ردود 2
                      21 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                      بواسطة *اسلامي عزي*
                       
                      ابتدأ بواسطة رمضان الخضرى, 18 ديس, 2023, 02:45 م
                      ردود 0
                      75 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة رمضان الخضرى  
                      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 سبت, 2023, 02:21 ص
                      ردود 0
                      71 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                      بواسطة *اسلامي عزي*
                       
                      يعمل...
                      X