الملحد واستدلاله الخاطئ بالصدفة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

د/ربيع أحمد مسلم سلفي العقيدة اكتشف المزيد حول د/ربيع أحمد
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الملحد واستدلاله الخاطئ بالصدفة

    الملحد واستدلاله الخاطئ بالصدفة


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغُر الميامين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة؛ إذ يفتك بالإيمان، ويعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا.
    ومن عوامل انتشار هذا المرض: الجهل بالدين، وضعف العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس الكفرية، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.
    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل، وادعاءات بلا مستند، ورغم ضعفها وبطلانها فإنها قد تؤثر في بعض المسلمين؛ لقلة العلم، وازدياد الجهل بالدين؛ ولذلك كان لا بد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوى أهل الإلحاد، شبهة تلو الأخرى، ومغالطة تلو المغالطة، ودعوى تلو الدعوى؛ حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشُبَههم.
    وفي هذا المقال سنتناول - بإذن الله - استدلال الملحد الخاطئ بالصدفة.
    الملاحدة والصدفة:
    الصدفة عند الملاحدة لها عدة معانٍ، منها: حدوث الشيء دون علة؛ أي: الحدث لا تعليل له[1]، ومنها: حدوث الشيء بعلة مجهولة[2]،ومنها: حدوث الكون وانتظامه عبر سلسلة من العلل غير العاقلة وغير المدركة، ومنها: التقاء عرضي لسلسلتين من الأسباب[3]، ومنها:توفر مجموعة من العوامل بطريقة غير واعية لتُشكل ظاهرة.
    ومن الملاحدة من يدعي أن الكون نشأ صدفة من لاشيء دون علة؛لأن القول بأن كل حادث يحتاج إلى محدِث قولٌ بلا دليل، ولا سبيل للبرهنة عليه، ومهما جمعمن أدلة من العالمفإنها لا تكفي للوصول إلى الكلية؛ لاستحالة اختباركل الحوادث، ومعرفة هل هي محتاجة إلى محدث أو لا، والسببية ما هي إلا عادة ذهنية ترسخت في الذهن عن طريق التكرار.
    ومنهم من يدعي أن الكون بهذا الانتظام قد وُجد صدفة نتيجة سلسلة من التفاعلات الطويلة، دون تنظيم أو تخطيط سابق.
    وبالغ بعضهم فقال: لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة، وظلت تضرب على حروفها لملايين السنين، فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير، فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات عمياء خلال بلايين السنين.
    ومنهم من يدعي أن الحياة نشأت صدفة عبر سلسلة طويلة من التطور الكيميائي ما قبل الحيوي Prebiotic Chemical Evolution استمر لملايين السنين، ابتداءً من الكيميائيات البسيطة، مرورًا بالجزيئات المتعددة polymers، والجزيئات المتعددة الناسخة ذاتيًّا داخلة بدورات تحفيزية، وصولًا إلى كائنات "ما قبل بكتيرية"، وأخيرًا وصولًا إلى بكتريا بسيطة.
    ويقول البعض: إذا كان هناك احتمال - ولو ضئيلاً- في أن تنشأ الحياة من المادة صدفة بلا خالق عبر ملايين السنين، فمن الممكن أن تنشأ الحياة من المادة صدفة عبر ملايين السنين، وفي ظل وجود الكثير من الوقت المستحيل يصبح ممكنًا، والممكن يصبح من المحتمل، والمحتمل قد يصبح مؤكدًا، وما على المرء إلا الانتظار، والوقت نفسه ينفذ المعجزات.
    ويقول البعض:مادة الكون كانت موجودة قبل نشأة الكون، ثم انفجرت وتباعدت أجزاؤها وتناثرت، وفي اللحظات الأولى من الانفجار الهائل ارتفعت درجة الحرارة إلى عدة تريليونات؛ حيث كونت فيها أجزاء الذرات، ومن هذه الأجزاء كونت الذرات، وهي ذرات الهيدروجين والهليوم، ومن هذه الذرات تألَّف الغبار الكوني الذي نشأت منه المجرات فيما بعد، ثم تكونت النجوم والكواكب، وما زالت تتكون حتى وصل الكون إلى ما نراه عليه اليوم، وكل هذا صدفة دون تدخُّل قوى عاقلة مريدة.
    ومن الملاحدة من يدعي أن الكون نشأ صدفة من لاشيء دون علة لوجود الفوضى في الكون.
    ومنهم من يدعي أن الكون بهذا الانتظام قد تكوَّن صدفة نتيجة سلسلة من العلل المادية غير العاقلة وغير المدركة، وتوافر الظروف والعلل المادية لنشأة الكون أدى لنشأة الكون دون الحاجة لقوة عاقلة.
    وقبل الرد على دعاوى الملاحدة حول الصدفة لا بد من بيان مفهوم الصدف
    ة في اللغة وفي الفلسفة.

    [1] - حدوث الشيء دون علة يعتبر صدفة مطلقة؛ كغليان الماء دون أي سبب، وهذا مستحيل؛ فمن المستحيل حدوث شيء دون علة وسبب.
    [2] - الجهل بالعلة يعني عدم العلم بالعلة، وليس معناه انعدام العلة.
    [3] - التقاء عرضي لسلسلتين من الأسبابيعني حدوث حدث معين نتيجة توافر سببه، ويتفق اقترانه بحدث آخر صدفة، وهذا يعتبر صدفة نسبية، وهذا ممكن الوقوع، مثل صديق كان يمشي في شارع لزيارة أحد أقاربه، فوجد صديقًا له كان ذاهبًا لشراء طعام من السوق صدفة، وهنا ترافق وتزامن مشي الصديق الأول مع مشي الصديق الثاني في نفس الشارع، ومثال آخر: يمكن أن تجد في مكان واحد في لحظة واحدة ماءً يتجمد، وماءً يغلي.
    د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
    بعض كتاباتي على الألوكة
    بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

  • #2
    رد: الملحد واستدلاله الخاطئ بالصدفة

    مفهوم الصدفة في اللغة:
    الصدفة: من صادف الشخص مصادفة؛ أي: وجده، ولقِيه، ووافقه[1]، ومعنى وافقه؛ أي: لاقاه ووجده من غير موعد ولا قصد، وصادف صديقه في الطريق:لقيه مصادفةً[2]، وتصادفا:تقابلا على غير وعد[3]، ومن هنا نعلم أن المصادفة في اللغة تدل على وقوع الشيء اتفاقًا من غير قصد ولا توقُّع ولا ترتيب مسبق.
    مفهوم الصدفة في الفلسفة:
    مفهوم الصدفة في الفلسفة بوجه عام: ما يخرج على النظام والقانون المعروف، ولا يبدو له سبب ولا غاية واضحة، وهو أشبه ما يكون بالاتفاق، والمصادفة من الناحية العلمية: هي النتائج غير المتوقعة والمترتبة على تداخل الظواهر الخاضعة لقوانين ثابتة دون أن تكون هذه النتائج أقل ضرورة من النتائج المتوقعة، ويستخدم حساب الاحتمال في تحديدها[4]، ويمكن أن تعرَّف الصدفة بأنها كل عارض للإنسان لا يتوقعه، أو لا يعرف أسباب ظهوره[5]، ويمكن أن تعرف الصدفة بأنها حدوث حدث معين خلال علة لا تخضع لقانون عام، ولا يمكن اعتبار ظهور الحدثبعد تلك العلة قانونًا كليًّا؛ أي: هذا الحدث ليس ملازمًا لنوع العلة[6].
    ولعل أرسطو هو أول من حدد معنى المصادفة فقال: إن من الموجودات ما هو بالطبع، ومنها ما هو بالصناعة أو الفن، ومنها ما هو بالمصادفة؛ أي: بالاتفاق والبخت، والمصادفة: هي اللقاء العرضي الشبيه باللقاء القصدي، أو هي العلة العرضية المتبوعة بنتائج غير متوقعة، تحمل طابع الغائية [7].
    والمصادفة عند المحدثين تطلق على معنيين: أحدهماذاتي، والآخر موضوعي، أما المعنى الذاتي فهو القول:إن المصادفة هي الأمر الذي يبدو لنا مخالفًا للسوي من الطبائع؛ كالحوادث المتعلقة بالشخص الإنساني، أو بأمواله ومصالحه، فإنها إذا كانت مخالفة للنظام المألوف ومستعصية على التنبؤ كان وقوعها بالمصادفة...وأما المعنى الموضوعي: فهو القول:إن المصادفة هي الأمر الذي لا يمكن تفسيره بالعلل الفاعلة ولا بالعلل الغائية، أما الأول فمثاله الأمر المتولد من تلاقي سلسلتين من الأسباب المستقلة[8]، وأما الثاني فمثاله الأمر الذي ليس له غاية واضحة[9].
    وقد بين كورنو أن المصادفة هي التلاقي الممكن بين حادثين أو أكثر تلاقيًا عرضيَّا لا يمكن تفسيره بالعلل المعلومة، وإن كان لكل حادثة من هذه الحوادث علل تخصها، فليست المصادفة إذًا خروجًا عن قوانين الطبيعة، وإنما هي أمر طبيعي يعجِز العقل عن الإحاطة بشروطه المعقدةوعلله كثيرة الاشتباك، لنفرض أن قرميدة سقطت على رأس أحد السائرين في الطريق، فسقوطها خاضعٌ لسلسلة من العلل الفيزيائية الميكانيكية، ومرور أحد المشاة بذلك المكان تابع لسلسلة أخرى من العلل الفيزيولوجية والنفسية، والمصادفة في هذا المثال هي التلاقي العرضي بين هاتين السلسلتين[10]؛ أي:رافَق وزامَن سقوط القرميدة مرور أحد المشاة.


    [1] - تاج العروس للزبيدي 24/10 مادة صدف.
    [2] - معجم اللغة العربية المعاصرة للدكتور أحمد مختار 2/1281.
    [3] - المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية بالقاهرة 1/510
    [4] - المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية بالقاهرة ص 185.
    [5] - مثل صديق كان يمشي في شارع لزيارة أحد أقاربه فوجد صديقًا له كان ذاهبًا لشراء طعام من السوق صدفة، فكل صديق لم يتوقع أن يلتقي بصديقه الآخر، وهذا الالتقاء حدث عارض؛ أي: مؤقت، وليس دائمًا، أما لو كان أحدهم يعلم أنه سيلتقي بصديقه فلا يعتبر الأمر صدفة بالنسبة له، ومثال آخر: يمكن أن تجد في مكان واحد في لحظة واحدة ماءً يتجمد وماءً يغلي، فأنت لا تتوقع أن هذا الماء سيتجمد لحظة غليان الماء الآخر.
    [6] - مثل رجل يحفِرُ الأرض بحثًا عن الماء، فوجد كنزًا، فهو لم يتوقع أن يجد كنزًا، وقد عثر على الكنز من غير قصد، وليس كل من يحفِر أرضًا بحثًا عن الماء يجد كنزًا؛ أي: ليس حفر الأرض بحثًا عن الماء ملازمًا للعثور على كنز، ومثال آخر: رجل كان يقود سيارته ذاهبًا إلى عمله، فاصطدم برجل يعبر الطريق ذاهبًا لمنزله، فصاحب السيارة لم يتوقع أن يصطدم بالرجل الذي كان يعبر الطريق، وقد اصطدم به من غير قصد، وليس كل من يقود سيارة ذاهبًا إلى عمله يصطدم برجل.
    [7] - المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا ص 383.
    [8] - مثل صاعقة كهربائية ضربت مبنى تجاريًّا في لحظة افتتاحه صدفة، وهنا ترافق وتزامن سقوط الصاعقة الكهربائية مع لحظة افتتاح المبنى التجاري، ومثال آخر: صديق كان يمشي في شارع لزيارة أحد أقاربه، فوجد صديقًا له كان ذاهبًا لشراء طعام من السوق صدفة، وهنا ترافق وتزامن مشي الصديق الأول مع مشي الصديق الثاني في نفس الشارع.
    [9] - مثل رجل يحفر الأرض بحثًا عن الماء فوجد كنزًا، فهذا الكنز قد عثر عليه من غير قصد في العثور عليه؛ أي: لم يكن في ذهنه وهو يحفِر أن يحصل على كنز.
    [10] - المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا ص 383-384.
    د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
    بعض كتاباتي على الألوكة
    بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

    تعليق


    • #3
      رد: الملحد واستدلاله الخاطئ بالصدفة

      الصدفة تصف كيفية الحدث، ولا تنفي وجود فاعل للحدث:
      مما ينبغي معرفته: أن الصدفة تصف كيفية الحدث، ومعنى أن الفعل حدث صدفة؛ أي: الفعل حدث دون قصد وترتيب مسبق من الفاعل، ووصف كيفية حدوث الفعل لا ينفي وجود فاعل له، وعندما نسمع أن أثرًا من الآثار الفرعونية اكتشف صدفة لا نفهم من ذلك أن الأثر ليس له مكتشف[1]،وعندما نسمع أن أحد القوانين الفيزيائية اكتشف صدفة لا نفهم من ذلك أن القانون ليس له مكتشف[2]، وعندما نسمع أن شيئًا من الأشياء اخترع صدفة لا نفهم من ذلك أن هذا الشيء ليس له مخترع [3]،وعندما نسمع أن جريمة من الجرائم اكتشفت صدفة لا نفهم من ذلك أن هذه الجريمة ليس لها مرتكب[4].
      والملاحدة الذي يقولون: "نشأة الكون ليست دليلاً على وجود خالق؛ لأن الكون نشأ صدفة نتيجة سلسلة من التفاعلات الطويلة، دون تنظيم أو تخطيط سابق" كلامهم هذا لا يصح، وينم عن جهلهم بمفهوم الصدفة؛ إذ على التسليم الجدلي - تنزلاً معهم - أن الكون نشأ صدفة نتيجة سلسلة من التفاعلات الطويلة دون تنظيم أو تخطيط سابق هذا لا ينفي وجود خالق للكون، ومكون للكون؛ لأن الصدفة ليست فاعلة، ولكنها صفة للفعل الصادر من الفاعل، والفعل لا يوجد بدون فاعل.
      ولو كان الكون قد نشأ نتيجة سلسلة من التفاعلات الطويلة دون تنظيم أو تخطيط سابق، فلابد من وجود موجِد للكون أنشأ المادة التي كونت الكون، وجعلجزيئاتها تتفاعل، وأعطاها القابلية للتفاعل والتشكل، وهذه السلسلة من التفاعلات لها شروط معينة للحدوث، فتحتاج إلى من يهيئ لها الشروط المعينة لحدوثها، وهذه السلسلة من التفاعلات تحتاج إلى من يحافظ عليها كي تعطي نتائجها.
      وإن قيل: قابلية التفاعل في المادة التي نشأ منها الكون هي التي كونت الكون، فمعنى هذا أن خصائص مادة الكون قد أنشأت الكون[5]، ومحصلة هذا القول أن الكون قد أنشأ نفسه بنفسه؛أي: الكون علة لنفسه، وهذا يقتضيأن يكون الكون سابقًا على نفسه في الوجود من حيث هو علة، ومتأخرًا على نفسه في الوجود من حيث هو معلول، وهذا ظاهر التناقض.
      والصدفة وحدها أصغر من أن تفسر نشأة الكون، وتكوين هذا الكون من ذرات على النحو الذي هو عليه يستلزم أن تكون هذه الذرات قد صممت وهيئت، بحيث إنها إذا اجتمعت بطريقة معينة يتكون منها شيء معين في الكون، مثلاً تتجمع الذرات بطريقة معينة تكون ماءً، وبطريقة أخرى تكون أكسجين، وبطريقة أخرى تكون نيتروجين، وبطريقة أخرى تكون ذهبًا، وهكذا، فلا بد من وجود مصمم لها ومهيئ لهاقبل وجودها وقبل نشأة الكون.
      إن فروع العلم كافة تثبت أن هنالك نظامًا معجزًا يسود هذا الكون، أساسه القوانين والسنن الكونية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل، والتي يعمل العلماء جاهدين على كشفها والإحاطة بها، وقد بلغت كشوفنا من الدقة قدرًا يمكننا من التنبؤ بالكسوف والخسوف وغيرهما من الظواهر قبل وقوعها بمئات السنين.
      فمن الذي سن هذه القوانين وأودعها كل ذرة من ذرات الوجود، بل في كل ما هو دون الذرة عند نشأتها الأولى؟ ومن الذي خلق كل ذلك النظام والتوافق والانسجام؟ من الذي صمم فأبدع وقدَّر فأحسن التقدير؟ هل خلق كل ذلك من غير خالق أم هم الخالقون؟ إن النظام والقانون وذلك الإبداع الذي نلمسه في الكون حيثما اتجهت أبصارنا يدل على أنه القدير، وعلى أنه العليم الخبير من وراء كل شيء[6].
      والملاحدة الذي يقولون: "نشأة الحياة ليست دليلاً على وجود خالق؛ لأنها نشأت صدفة عبر سلسلة طويلة من التطور الكيميائي ما قبل الحيوي Prebiotic Chemical Evolution استمر لملايين السنين ابتداءً من الكيميائيات البسيطة، مرورًا بالجزيئات المتعددة polymers، والجزيئات المتعددة الناسخة ذاتيًّا داخلة بدورات تحفيزية، وصولًا إلى كائناتما قبل بكتيرية، وأخيرًا وصولًا إلى بكتريا بسيطة"كلامهم هذا لا يصح، وينم عن جهلهم بمفهوم الصدفة؛ إذ على التسليم الجدلي - تنزلاً معهم - أن الحياة نشأة صدفة نتيجة سلسلة من التفاعلات فهذا لا ينفي وجود خالق للحياة؛ لأن الصدفة ليست فاعلة، ولكنها صفة للفعل الصادر من الفاعل، والفعل لا يوجد بدون فاعل.
      وعلى التسليم الجدلي أن الملاحدة قدموا الآلية الصحيحة لنشأة الحياة، فهم تكلموا عن كيفية نشأة الحياة، وليس لماذا نشأت الحياة،ومن الذي أنشأها؟ ومن الذي جعلها تنشأ بهذه الطريقة؟ إذالعلم يبحث عن الفعل، ولا يبحث عن الفاعل، ويبحث عن الحدث، ولا يبحث عن الحادث.
      ولو كانت الحياة قد نشأت نتيجة سلسلة من التفاعلات، فلا بد من وجود موجِد للمواد التي تتفاعل، ولابد من وجود من أعطى هذه المواد القابلية للتفاعل، وهذه السلسلة من التفاعلات لها شروط معينة للحدوث، فتحتاج إلى من يهيئ لها الشروط المعينة لحدوثها، وهذه السلسلة من التفاعلات تحتاج إلى من يحافظ عليها كي تعطي نتائجها.
      ولو كانت الحياة قد تطورت من مادة غير حية، فمن الذي طور هذه المادة؟ إذ أي تطور لا بد له من مطوِّر، وإن قيل: المادة هي التي طورت نفسها عبر ملايين السنين، فالجواب: هذا الكلام يستلزم أن الأدنى يتطور بنفسه إلى الأعلى، والتطور الذاتي إلى الأكمل دون تدبير حكيم عليم قدير خالق، أمرٌ مستحيل عقلًا؛ إذ الناقص لا ينتج الكامل في خطةٍ ثابتة، وهو بمثابة إنتاج العدم للوجود[7]، ويلزم من هذا الكلام قبول تحول الناقص إلى الكامل بنفسه، وهذا نظير وجود الشيء من العدم الكلي المحض[8].


      [1] - يوجد الكثير من المقابر الفِرعونية التي اكتشفت صدفة، ومن ذلك اكتشاف أهالي إحدى قرى أشمون المنوفية مصر بالصدفة مدخل مقبرة فرعونية أثناء إجراء حفائر لتشييد مسجد، وقاموا بإبلاغ مسؤولي المجلس الأعلى للآثار، الذين أوفدوا لجنة فنية وأثرية متخصصة، وتبين لهم أنه من الاكتشافات الأثرية المهمة، ويعود إلى العصر الفرعوني المتأخر للدولة الفرعونية القديمة.
      [2] - يوجد الكثير من القوانين الفيزيائية التي اكتشفت صدفة، ومن ذلك اكتشاف أرشميدس لقانون الطفو، واكتشاف نيوتن للجاذبية.
      [3] - من الأشياء التي اخترعت عن طريق الصدفة: اختراع هانز ليبرش للنظارة الطبية، واختراع جون واكر لأعواد الثقاب، واختراع ليبارون سبنسر للميكروويف.
      [4] - ومن أشهر الجرائم التي اكتشفت صدفة: جريمة ريا وسكينة.
      [5] - القابلية للتفاعل خاصية من خصائص المادة.
      [6] - من مقدمة مترجم كتاب: الله يتجلى في عصر العلم،الدكتور الدمرداشعبدالمجيد ص 7.
      [7] - كواشف زيوف للشيخ عبدالرحمنحبنكة الميداني ص 331.
      [8] - كواشف زيوف للشيخ عبدالرحمنحبنكة الميداني ص 446.
      د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
      بعض كتاباتي على الألوكة
      بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

      تعليق


      • #4
        رد: الملحد واستدلاله الخاطئ بالصدفة


        احتمال وقوع الحدث لا يستلزم وقوعه:
        ولا يعني إمكانية وقوعه بمعزل عن الأسباب الموجِدة له
        ومما ينبغي التنبيه عليه أن احتمال وقوع الحدث لا يستلزم وقوعه، واحتمالية وقوعه تكون في كل مرة، فلوأن عندنا قطعة معدنية بها وجه صورة ووجه كتابة عندما نلقيها على الأرض، فاحتمال وقوع وجه الصورة في كل مرة واحد من اثنين 1/2، ويمكن أن تلقي القطعة المعدنية عشر مرات ولا تحصل على وجه الصورة، ويمكن أيضًا تلقيها عشرين مرة ولا تحصل على وجه الصورة.
        ولوأن عندنا حجر نرد به ستة وجوه،فاحتمال الحصول على وجه "1" في كل مرة سيكون واحدًا من ستة 1/6، ويمكن أن تلقي حجر النرد عشر مرات ولا تحصل على وجه "1"، ويمكن أيضًا تلقيه عشرين مرة أوثلاثين مرة ولا تحصل على وجه "1".
        وليس معنى أن الحدث يمكن حساب احتمالية وقوعه بالصدفة أنه ممكن الوقوع بمعزل عن الأسباب الموجِدة له،فالاحتمالية الرياضيةلا تعني أن الحدث قابل لأن يخرج إلى حيز الواقع دون أن تتوافر له المقدمات التي تنسجم مع القوانين الموجدة للظاهرة [1]، وعلى سبيل المثال: إن قال طالب لا يذاكر:إن من المحتمل أن أنجح بنسبة 50%، قيل له: النجاح له أسبابه، وليس معنى احتمالية نجاحك في الامتحان إمكان أن تنجح دون مذاكرة؛ فمن جد وجد، ومن زرع حصد.
        ومن الملاحدة من يقول: "إذا كان هناك احتمال - ولو ضئيلاً- في أن تنشأ الحياة من المادة صدفة بلا خالق عبر ملايين السنين، فمن الممكن أن تنشأ الحياة من المادة صدفة عبر ملايين السنين، وفي ظل وجود الكثير من الوقت المستحيل يصبح ممكنًا، والممكن يصبح من المحتمل، والمحتمل قد يصبح مؤكدًا، وما على المرء إلا الانتظار، والوقت نفسه ينفذ المعجزات"، والجواب: على التسليم الجدلي، تنزلاً معكم أيها الملاحدة، أن من المحتمل أن تنشأ الحياة من المادة صدفة بلا خالق عبر ملايين السنين، هذا الاحتمال لا يستلزم أن تنشأ الحياةصدفة بلا خالق، وليس معنى أن الحياة يمكن أن تنشأ صدفة عبر ملايين السنين أنها يمكن أن تنشأ بمعزل عن الأسباب الموجدة لها.
        وقولهم: "من الممكن أن تنشأ الحياة من المادة صدفة عبر ملايين السنين، وفي ظل وجود الكثير من الوقت المستحيل يصبح ممكنًا، والممكن يصبح من المحتمل، والمحتمل قد يصبح مؤكدًا" يستلزم أن المادة التي لا حياة فيها يمكن أن تعطي الحياة لغيرها، وهذا باطل؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه إذا كان لا يملِكه ولا يملك أسبابه، والمادة تفتقد الحياة، فكيف تهب الحياة لغيرها؟! والحياة شيء غير مادي، فكيف تكون ناتجة من شيء مادي؟! ما هذه العقول التي تصدق أن الشيء (وهو المادة) يمكن أن يتحول لغير جنسه (وهو الحياة) بنفسه دون تدخل قوة خارجية قادرة مريدة؟!
        والحياة لا تأتي إلا من حي، والكائنات الحية لا يمكن أن تأتي إلا من كائنات حية مثلها، وكلام هؤلاء الملاحدة يستلزم قبول تحول الناقص إلى الكامل بنفسه، وهذا نظير وجود الشيء من العدم الكلي المحض[2].
        والبون الشاسع بين المادة والكائنات الحية لا يمكن تغافله؛ إذ المادة لا حياة فيها، ولا نمو ولا حركة ولا تكاثر، والكائن الحي كالإنسان والحيوان يتمتع بالحياة والنمو، والحركة والتكاثر.
        وقولهم: "وفي ظل وجود الكثير من الوقت المستحيل يصبح ممكنًا، والممكن يصبح من المحتمل، والمحتمل قد يصبح مؤكدًا" قول لا يصح؛ لأن الوقت عامل هدم لا عامل بناء؛ فالكائنات من إنسان وحيوان ونبات وأسماك وطيور وحشرات كلها تهرَمُ وتموت بمرور الوقت، والجمادات من بيوت وقصور وغير ذلك تفسُدُ وتبلىبمرور الوقت، وإذا تركت طعامًا أو لحمًا تجده يفسد بعد مدة معينة، حتى النجوم بمرور الوقت تجدهاتفقد وقودها من غاز الهيدروجينالذي يزودها بالطاقة، أضِفْ إلى ذلك أن الشيء الممكن قد يصير مستحيلاً بمرور الوقت.
        وهؤلاء الملاحدة الذين يرون أن المادة قد أدت إلى ظهور عناصر متجاوزة لها - كالحياة مثلاً- هم في نهاية الأمر ينسبون للمادة مقدرات غير مادية، ومن ثم فإنهم يكونون قد خرجوا من مقاصد الفلسفة المادية، خصوصًا وأن فرضياتهم لا تخرج عن كونها تكهنات عنيدة طفولية تضمن لهم الاستمرار في ماديتهم، وتضمن لهم في الوقت ذاته تفسير ما حولهم من تركيب ووعي وغائية[3].
        تكرار الحدث يقلل من احتمالية الصدفة:
        مما ينبغي معرفته أن تكرار الحدث يقلل من احتمالية الصدفة حتى يصبح احتمالها في حكم العدم والمستحيل، وعندما يتكرر حدث معين بنفس النمط تستبعد الصدفة من الحسبان، وتبحث عن سبب؛فالصدفة لا تکونأکثرية أو دائميةفي الحدوث، بل عشوائية، لا قصد فيها ولا ترتيب، ولا يمكن التنبؤ بها قبل حدوثها.
        مثال 1: لو وجدت حادثة من الحوادث تتكرر من حين لآخر في نفس المكانوبنفس النمط، لاشك أنك ستستبعد الصدفة، وتبحث عن سبب وراء ذلك، وهذا السبب ربما يكون خللاً ما في هذا المكان، أو شخصًا معينًا يتسبب في ذلك.
        مثال 2: لو رسب طلاب مدرسة معينة في امتحان معين دون باقي المدارس، لاشك أنك ستستبعد الصدفة، وتبحث عن سبب وراء ذلك، ربما يكون خللاً في المنظومة التعليمية، أو إهمال أُسَرِ الطلاب لأبنائهم.
        مثال 3: شخص يسكن في شقة وحيدًا، يذهب لعمله صباحًا ويأتي ليلاً، وعندما عاد لشقته يومًا وجد نافذة حجرة النوم مفتوحة، رغم أنه يغلق جميع نوافذ الشقة قبل خروجه منها، ثم تكرر هذا الأمر، لاشك أنه سيستبعد الصدفة، ويبحث عن سبب وراء ذلك، ويفكر في أن شخصًا ما يتسللإلى شقته.
        ومن الملاحدة من يقول: "إن مادة الكون كانت موجودة ثم انفجرت وتباعدت أجزاؤها وتناثرت، وفي اللحظات الأولى من الانفجار الهائل ارتفعت درجة الحرارة إلى عدة تريليونات، حيث كونت فيها أجزاء الذرات، ومن هذه الأجزاء كونت الذرات، وهي ذرات الهيدروجين والهليوم، ومن هذه الذرات تألَّف الغبار الكوني الذي نشأت منه المجرات فيما بعد، ثم تكونت النجوم والكواكب، وما زالت تتكون حتى وصل الكون إلى ما نراه عليه اليوم، وكل هذا صدفة دون تدخُّل قوى عاقلة مريدة".
        وحسب قانون نيوتن الأول: الجسم الساكن يبقى ساكنًا ما لم تؤثر عليه قوة خارجية فتحركه، والجسم المتحرك بسرعة ثابتة في خط مستقيم يبقى على هذه الحالة ما لم تؤثر عليه قوة خارجية فتغير الحالة الحركية له، ومادة الكون الأولى كانت ساكنة ثم انفجرت، فلا بد من وجود قوة خارجية أدت إلى ذلك؛ فكل حدث لا بد له من محدِث.
        ومن المعلوم أن أي انفجار يتبعه تناثر لأشلاء عديدة وجسيمات صغيرة، فكيف يتبع الانفجارتجمُّع للجزئيات والجسيمات، وتكوين أرض وجبال وكواكب ونجوم ومجرات وغير ذلك دون وجود قوة خارجية حكيمة عالمة أدت لذلك؟! وقلنا:قوة عالِمة حكيمة؛لأن تناسق الكون وانتظامه يشهد بذلك، وكل شيء في الكون يوجد في المكان المناسب له، وجمال الطبيعة دليل على حكمة وعلم وإبداع خالقها، والعشوائية لا تنتج نظامًا، ولو سلمنا جدلاً وتنزُّلاً أنها أنتجت نظامًا، فسرعان ما يزولُ هذا النظام.
        ومن المعلوم أن أي انفجار يتبعه دمار،فكيف يتبع الانفجار الكوني العظيم عمار وتكوين أرض وجبال وبحار ومحيطات وأنهار وكواكب وأقمار ونجوم ومجرات دون وجود قوة عالمة حكيمة؟!
        ومن المعلوم أن أي انفجار يتبعه هدم، فكيف يتبع الانفجار الكوني بناء أرض وجبال وكواكب وأقمار ونجوم ومجرات دون وجود قوة عالمة حكيمة؟!
        وعلى التسليم الجدلي أن الانفجار الكوني أدى إلى تكوين الكون ونشأته صدفة، فكيف يبقى ويستمر دون وجود قوة خارجية تحافظ على بقائه واستمراره؟!
        وإذا كان الكون قد تطور من المادة الأولى له، فمن الذي طور هذه المادة؛ إذ أي تطور لا بد له من مطور؟ وإن قيل: المادة هي التي طورت نفسها عبر ملايين السنين، فالجواب: هذا الكلام يستلزم أن الأدنى يتطور بنفسه إلى الأعلى، والتطور الذاتي إلى الأكمل دون تدبير حكيم عليم قدير خالق، أمرٌ مستحيل عقلًا؛ إذ الناقص لا ينتج الكامل[4]، ويلزم من هذا الكلام قبول تحول الناقص إلى الكامل بنفسه، وهذا نظير وجود الشيء من العدم الكلي المحض[5].
        وإذا كان وجود هذا الكون عن طريقة الصدفة، أليس من الممكن، والحال هكذا، أن توجد صدفة أخرى تقضي على هذا الكون كله؟ وتتعطل كل هذه المصالح من شمس وقمر ونجوم وغير ذلك، مما في هذا الكون المترابط المنتظم بصورة تضمن استمرار الحياة سليمة عن الخراب والتداخل؛ إذ الشمس تجري لمستقر لها، والنجوم زينة للسماء، والقمر ضياء، والرياح لواقح، والسحب تحمل المطر، والليل في وقته، والنهار في وقته، كلها تجري لصالح الإنسان، ولبقاء الحياة هذه الدهور التي لا يعرف لها وقتًا إلا الله تعالى، بل والإنسان نفسه أعظم آية، كيف أوجدته الصدفة من العدم؟ وكيف وجد الإنسان الحي من مادة ليس لها حياة؟![6].
        وعلى التسليم الجدلي أن تكوين كوكب من الكواكب كان صدفة، فكيف تفسر الصدفة تكوين الكواكب الأخرى؟ ولو كان تكوين أحد الأقمار صدفة، فكيف تفسر الصدفة تكوين الأقمار الأخرى؟ولو كان تكوين أحد النجوم صدفة، فكيف تفسر الصدفة تكوين النجوم الأخرى؟ فإذا سلمنا جدلاً أن الصدفة أحدثت كوكبًا، فلا يمكنها أن تكرر إحداث كوكب آخر كل مرة.
        وإذا سلمنا جدلاً أن الصدفة أحدثت قمرًا، فلا يمكنها أن تكرر إحداث قمر آخر كل مرة، وإذا سلمنا جدلاً أن الصدفة أحدثت نجمًا، فلا يمكنها أن تكرر إحداث نجم آخر كل مرة، وإذا سلمنا جدلاً أن الصدفة أحدثت مجرة، فلا يمكنها أن تكرر إحداث مجرة أخرى كل مرة؛ أي: نحن أمام كمٍّ هائل من الأحداث المتكررة، التي يحيل العقل حدوثها دون وجود قوة عالمة حكيمة أدت لذلك،نحن أمام سلسلة من الصدف المنظمة،وليس صدفة واحدة.
        وما دام الكون لم يكن إلا مادة راكدة ركودًا رهيبًا، ولم يكن هناك شيء غير المادة الراكدة، فمن أين أتت هذه "الصدفة" التي حركت الكون كله، مع أن هذا الحادث الذي وقع لم تكن له أية أسباب موجودة، لا داخل المادة ولا خارجها؟! وأطرف تناقض هنا: أن هذا التفسير يقرر وجوب واقعة قبل حدوث واقعة أخرى، حتى يمكن إرجاع نسبة هذه الواقعة الأخيرة إلى التي سبقتها، ولكن بالرغم من هذا يبدأ هذا التفسير نفسه من واقعة لا سابقة لها؛ فهذا هو الافتراض القائم بدون أي أساس، وهو الافتراض الذي أقيم عليه البناء الكامل لنظرية الخلق الصدفي (الاعتباطي) للكون.
        وشيء آخر: أن هذا الكون، إذا كان مرهونًا بوقوع بعض المصادفات، فكيف نفسر اضطرار كل الوقائع والحوادث على نهج طرق معينة ثابتة نهجنا بالفعل، لولا هذا النهج لما كنا اليوم موجودين لنفكر في هذه القضايا، ألم يكن من الممكن أن يحدث شيء آخر نقيض تمامًا لما حدث؟
        ألم يكن من الممكن أن ترتطم النجوم ببعضهاالبعض وتتحطم؟ وبعد حدوثالحركةفي المادة، أما كان من الممكن أن تبقى حركة مجردة دون أن تصبح حركة "ارتقائية"، تجري في سلسلة مدهشة من العمل التطوري لإيجاد الكون الخالي؟
        ما هو ذلك المنطق الذي جعل النجوم والسيارات تتحرك بهذا النظام العجيب في الكون اللامتناهي؟وما هو ذلك المنطق الذي أوجد النظام الشمسي في ركن بعيد من أركان الكون؟ وما هو ذلك المنطق الذي أمكن بواسطته إجراء تغيرات مدهشة أتاحت الفرصة لنشأة الحياة الإنسانية على كرة الأرض؟
        وهذه التغيرات التي قد حدثت بالفعل على كرتنا لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت موجودة على ظهر سيار أو نجم آخر من ملايين المجرات المنتشرة في أركان الكون، فما هو المنطق الذي تسبب في إيجاد مخلوق حي من مادة بدون حياة؟ هل لأحد أن يقدم لنا تفسيرًا معقولًا لتوضيح: كيف وجدت الحياة على سطح الأرض؟ ولماذا؟ وتحت أي قانون تستأنف الحياة وجودها المدهش بهذا التسلسل؟!
        ثم ما هو ذلك المنطق الذي أوجد في حيز مكاني صغير كل تلك الأشياء اللازمة لحياتنا ومدنيتنا؟ ثم ما هو ذلك المنطق الذي يعمل على إبقاء هذه الأحوال دائمًا في صالحنا كما هي؟ أي صدفة واتفاق يتيحان حدوث هذه الإمكانات بهذا التسلسل والترتيب الجميل، ثم استمرارها لملايين السنين بحيث لا يطرأ عليها أدنى تغير يخالف مصالح الإنسان؟
        هل لديكم أيها المعارضون تفسير واقعي به صفة "اللزوم" التي التزمت بها وقائع مادية حدثت - بزعمكم- بمحض الصدفة؟ ومن أين أتت بحنينها للارتقاء الدائم نحو الأصلح بطريقة غريبة؟[7].
        أجيبوا أيها الملاحدة: من أين حصل لهذا العالم هذا النظام العجيب، والترتيب الحكيم، الذي حارت فيه العقول؟ كيف ينسب ذلك إلى الاتفاق والمصادفة ومجرد البخت؟ وكيف اجتمعت تلك الأجزاء على اختلاف أشكالها، وتباين مواردها وقواعدها؟ وكيف حفظت وبقيت على تآلفها؟ وكيف تجددت المرة بعد المرة؟![8].
        إن الصدفة في مجال الكون مستحيلة في ذاتها، فضلًا عن أن ينبثق عنها هذا الإحكام والنظام، ولو سلمنا جدلًا بصدفة واحدة في البداية، فهل يقبل عقلنا بسلسلة طويلة متتابعة من المصادفات؟[9].
        والعلامة المميزة للمصادفة:هي عدم الاطراد وعدم النظام، بينما النظام السائد في هذا الكون ثابت كل الثبات، مطرد بلا تخلُّف، على تعقُّده، تحكمه قوانين نتوقع معلولاتها توقعًا يقينيًّا: فكيف يدعى أن مثل هذا النظام المطرد ناتج مصادفة؛أي: من عدم النظام وعدم الاطراد؟
        ومن الملاحدة من يقول: "نشأة الحياة ليست دليلاً على وجود خالق؛ لأنها نشأت صدفة عبر سلسلة طويلة من التطور الكيميائي ما قبل الحيوي Prebiotic Chemical Evolution استمر لملايين السنين، ابتداءً من الكيميائيات البسيطة، مرورًا بالجزيئات المتعددة polymers، والجزيئات المتعددة الناسخة ذاتيًّا داخلة بدورات تحفيزية، وصولًا إلى كائناتما قبل بكتيرية،وأخيرًا وصولًا إلى بكتريا بسيطة"،وحال كلام هؤلاء الملاحدة أن جزئيات غير عضويةكونت أحماضًا أمينية بالصدفة، وهذه الأحماض الأمينية كونت بروتينات بالصدفة، والبروتينات كونت المادة الوراثية وباقي مكونات الخلية الأولى؛ أي: نحن أمام سلسلة من الصدف المنظمة، وليس صدفة واحدة، وهذا غير مسلَّم.
        وعلى فرض إيجاد الصدفة لمركب معقد يكون خلية، فهل الصدفة تبث فيه الحياة وتجعله ينمو ويتحرك ويتغذى ويتكاثر ويخرج الفضلات؟!
        وعلى فرض أن الصدفة أوجدت الخلية الأولى بكل مكوناتها، فإنها لا يمكنها أن توجد العديد من هذه الخلايا كل مرة.
        وعلى فرض أن الصدفة أوجدت ذكَرًا بكامل أعضائه وأجهزته، فهل يمكن للصدفة أن توجد أنثى مماثلة للذكَر تمامًا ومخالفة له في الجهاز التناسلي، بهدف التناسل واستمرار الحياة علىالأرض؟!
        وعلى فرض أن الصدفة أوجدت كائنًا حيًّا، فكيف توجد الغذاء الذي يناسبه صدفة؟!
        وعلى فرض أن الصدفة أوجدت كائنًا حيًّا، فكيف تحافظ عليه وتضمن له الحياة حتى يتكاثروينتج كائنًا مثله؟!
        لسان هؤلاء الملاحدة:إن جمع أجزاء ومكونات الخلية الأولى كفيل بأن تتجمع هذه المكونات، وكفيل بنشأة الحياة، وهذا كلام في غاية السخف والسقوط؛ إذ الحياة شيء منفصل عن هذه المكونات والأجزاء؛ أي: شيء من غير جنس هذه المكونات والأجزاء؛ أي: شيء متجاوز لهذه المكونات والأجزاء، وتجمع أجزاء ومكونات الكائن الحي لا يكفي لأن ينشأ كائن حي، وهذا المنطق شبيه بمن يقول تجمع أجزاء ومكونات السيارة كفيل بأن تتكون السيارة دون مجمع ومركب لهذه المكونات والأجزاء، وهل وجدنا أجزاء سيارة تتجمع وتتركب بالصدفة دون مجمع ومركب؟!
        ولو سلمنا جدلاً وتنزلاً مع الملاحدة أن أجزاء ومكونات الخلية الأولى تجمعت بذاتها، فهل تجمع أجزاء ومكونات الخلية كافٍ لبث الحياة فيها؟ ثم بث الحياة وحده ليس كافيًا لحياة الخلية، فالخلية تحتاج طاقة وغذاءً، فكيف ستوفر لنفسها الطاقة والغذاء؟ ومن الذي يلهمها بأن هذا الغذاء يناسبها دون غيره من الأغذية؟ وكيف تستفيد من هذا الغذاء لتنمو وتتكاثر دون أن تكون مهيأة للنمو والتكاثر؟! والحياة والطاقة للخلية كالوقود للسيارة، فلن تعمل الخلية الأولى إذا لم تكن حية وبها طاقة، كما أن السيارة لن تعمل دون وقود.


        [1] - خرافة الإلحاد للدكتور عمر شريف ص 337.
        [2] - كواشف زيوف للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني ص 446.
        [3] - الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان للدكتور عبدالوهاب المسيري ص 27.
        [4] - كواشف زيوف للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني ص 331.
        [5] - كواشف زيوف للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني ص 446.
        [6] - المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات للدكتور غالب عواجي 2/1174-1175.
        [7] - الدين في مواجهة العلم لوحيد الدين خان ص 46- 47.
        [8] - الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، للدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني ص 352.
        [9] - عقيدة التوحيد للدكتور محمد ملكاوي ص 150.
        د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
        بعض كتاباتي على الألوكة
        بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

        تعليق


        • #5
          رد: الملحد واستدلاله الخاطئ بالصدفة

          ]أمثلة تبين تفاهة القول بالصدفة في نشأة الكون والحياة:[/COLOR]
          يقال للقائلين بالصدفة: لو أن هزة أرضية قلبت صناديق الحروف في مطبعة، بها نصف مليون حرف، فخلطتها ببعضها، فأخبرنا صاحب المطبعة أنه تكون من اختلاط الحروف صدفة عشر كلمات متفرقة؛ فالمسألة تحتمل التصديق وتحتمل النفي، لكنه لو أخبرنا بأن الكلمات العشر كونت جملة مفيدة، لازدادت درجة النفي والاستبعاد، لكننا قد لا نجزم بالاستحالة، ولو أخبرنا بأن الحروف المبعثرة كونت كتابًا من مائة صفحة، وبه قصيدة كاملة منسجمة بألفاظها، وأوزانها، فالاستحالة في هذه الحالة بحكم البديهية.
          والمسألة في الكون وأجزائه، وما فيها من إتقان وإحكام وعناية: أعقد بكثير من مثال حروف المطبعة؛ لأن الحروف هنا جاهزة معبأة في صناديقها، إن الصدفة في مجال الكون مستحيلة في ذاتها، فضلًا عن أن ينبثق عنها هذا الإحكام والنظام، ولو سلمنا جدلًا بصدفة واحدة في البداية، فهل يقبل عقلنا بسلسلة طويلة متتابعة من المصادفات؟[1].
          ولو قال شخص: وجدت قصرًا شديد الجمال، مكونًا من خمسة طوابق، فيه ثلاثون غرفة، كل غرفة مفروشة بأجمل أنواع الفرش، ومزخرفة بأجمل أنواع الزخارف، وهذا القصر ليس له بانٍ، ولا مصمم، وإنما تكوَّن صدفة عبر عشرات السنين، أترى أحدًا يصدق هذا الكلام؟! وإذا لم يصدق أحد أن هذا القصر تكون صدفة، وهو جماد لا حياة فيه، ولا وعي ولا إدراك ولا مشاعر ولا أحاسيس، فكيف يصدق أحدٌ أن هذا الكون تكون صدفة دون قوة عالمة حكيمة رغم ما في الكون من جمال وإبداع، وتجد حيوانات مختلفة الأنواع، وطيورًا مختلفة الأنواع، وأسماكًا مختلفة الأنواع، وحشرات مختلفة الأنواع، ونباتات مختلفة الأنواع، وأشجارًا مختلفة الأنواع؟!
          ويقال لكل قائلبالصدفة: ما تقول في دولاب دائر على نهر، قد أحكمت آلاته، وأحكم تركيبه، وقدرت أدواته أحسن تقدير وأبلغه، بحيث لا يرى الناظر فيه خللًا في مادته ولا في صورته، وقد جعل على حديقة عظيمة فيها من كل أنواع الثمار والزروع يسقيها حاجتها، وفي تلك الحديقة من يلم شعثها، ويحسن مراعاتها وتعهدها والقيام بجميع مصالحها، فلا يختل منها شيء، ولا يتلف ثمارها، ثم يقسم قيمتها عند الجذاذ على سائر المخارج بحسب حاجاتهم وضروراتهم، فيقسم لكل صنف منهم ما يليق به، ويقسمه هكذا على الدوام، أترى هذا اتفاقًا بلا صانع ولا مختار ولا مدبر، بل اتفق وجود ذلك الدولاب والحديقة وكل ذلك اتفاقًا من غير فاعل ولا مدبر؟ أفترى ما يقول لك عقلك في ذلك لو كان؟ وما الذي يفتيك به؟ وما الذي يرشدك إليه؟[2].
          ولو قال شخص: وجدت كتابًا محكَمًا في علم من العلوم، يتكون من مجلدين، والمجلد يتكون من جزأين، وكل جزء مكون من ثلاثمائة صفحة، وكل صفحة بها عشرون سطرًا، وكل سطر به عشرون كلمة، وهذا الكتاب ليس له مؤلف، ولا كاتب، وإنما تألف وكتب صدفة عبر عشرات السنين، أترى أحدًا يصدق هذا الكلام؟! وإذا لم يصدق أحد أن هذا الكتاب كُتب وأُلِّف صدفة، وهو جماد لا حياة فيه، ولا وعي ولا إدراك ولا مشاعر ولا أحاسيس، فكيف يصدق أحد أن هذا الكون تكوَّن صدفة بما فيه من آلاف الحيوانات، وآلاف الطيور، وآلاف الزواحف، وآلاف النباتات، ويمكن أن تكتب عشرات المجلدات في إحكام ونظام كل نوع من هذه الكائنات؟!
          ولحظة تأمل في خلية من خلايا الإنسان تجعل القول بالصدفة في غاية السخف والسقوط؛ فخلية الإنسان تشبه المصنع، وأي مصنع به مدير ومشرف على المصنع، وأرضية للمصنع، وقسم للتسوق والاستقبال، وعمال لهم دور في تصنيع منتجات المصنع، وقسم لتعبئة المنتجات وتهيئتها، وحراس أمن، ومولد للطاقة، وخلية الإنسان كالمصنع؛ ففيها النواة، وهي كالمدير للخلية، تتحكم في جميع أنشطة الخلية،وصفات البروتين الذي سوف يصنع، وفي الخلية السيتوبلازم، وهو كالأرضية للخلية، تسبح فيه عضيات الخلية،وفي الخلية غشاء خلوي، وهو يشبه قسم التسوق والاستقبال؛ حيثإن أي جسم يحاول دخول الخلية عليه أن يبرز هويته، وينظم مرور المواد عبر الخلية، وما الذي يدخل، وما الذي يخرج، وفي الخلية الريبوسومات، وهي تشبه العمال، حيث لها الدور في تصنيع البروتينات.
          وفي الخلية الشبكة الإندوبلازمية، وهي مكان عمل الريبوسومات(منطقة عمل)، وفي الخلية جهاز جولجي، وهو يشبه قسم التعبئة والتهيئة والتغليف؛ فهو يقوم بإعداد وتهيئة البروتين للاستعمال أو التصدير.
          وفي الخلية الأجسام الحالة، وهي تشبه رجال الأمن؛ حيث تهاجم كل جسم يحاول الإضرار بالخلية، وفي الخلية الميتوكوندريا، وهي كمولدات الطاقة،انظروا أيها الإخوة أي خلية من خلايا الإنسان مصنع متكامل، وكل شيء فيها يجري بنظام ودقة، فهل سمعتم أنعاقلاً يفكر في وجود مصنع صدفة دون قوة عالمة مريدة حكيمة؟ وها هي الخلية أحد المصانع الربانية يعجز عن وظائفها عشرات المصانع، ومع ذلك هناك مِن البشرمَن ينكر وجود موجِد عالم مريد حكيم!
          وإني أسأل عن شخص يفكر في وجود جهاز دقيق الحجم معقد التركيب محكم الوظائف وجد بلا موجد، ما حكمه عند العقلاء؟ وأيهما أعظم في الحكم، هذا الجهاز الدقيق أم هذه الخلية الحية، الدقيقة الحجم، المعقدة التركيب، المحكمة الوظائف، أضف إلى ذلك أنها تنمو وتتكاثر وتتنفس وتتغذى وتقوم بعمليات حيوية تعجز عن محاكاتها أكبر المصانع في العالم، والأعجب من هذا أنالمواد الميتة خارج الخلية- كالكربوهيدرات والبروتينات - عندما تعبر غشاءالخلية ويسمح لها بالاندماج مع مكونات الخلية وعضياتها تتحول هذه المواد من مواد ميتة لا حياة فيها إلى عضيات حية تتغذىوتتنفس؟!
          وإني أسأل عن شخص يفكر في وجود أجزاء ساعة تجمعت وكونت ساعة في غاية الروعة والدقةوالساعة تعمل دون الحاجة لمجمع ومركب ومحرك عالم حكيم، ما حكمه عند العقلاء؟ والخلية الحية أعظم وأعقد بكثير من الساعة؛فهي حية ذاتية الحركة، تستجيب للمؤثرات، تنمو تتكاثر،تنتج طاقة تخرج فضلاتها.
          وإني أسأل عن شخص يفكر في وجود أجزاء سيارة تجمعت وكونت سيارة في غاية الروعة والدقةوالسيارة تعمل دون الحاجة لمجمع ومركب ومحرك عالم حكيم، ما حكمه عند العقلاء؟ والخلية الحية أعظم وأعقد بكثير من السيارة؛ فهي حية ذاتية الحركة، تستجيب للمؤثرات، تنمو تتكاثر، تنتج طاقة تخرج فضلاتها.
          وإني أسأل عن شخص يفكر في لوحة فنية رآهاكشجرة مثمرة حولها زهور جميلة قرب نهر جارٍ، وادعى أن هذه الصورة تكونت صدفة دون رسام مبدع رسمها، ما حكمه عند العقلاء؟ فكيف إذا كانت هذه الصورة مجسمة؟ وإذا لم يصدق أحد أن هذه الصورة الجميلة المجسمة تكونت صدفة دون تدخل كائن مريد مبدع، فكيف بهذا الكون الشاسع المليء بالمناظر الخلابة، والكائنات العجيبة المدهشة؟!
          والدلائل العلمية المادية المستندة إلى الوسائل الإنسانية ترفض المصادفة في أي ظاهرة كونية ذات إتقان دقيق معقد، والباحثون العلميون سواء أكانوا مثاليين أم ماديين، يبحثون باستمرار عن سبب أية ظاهرة كونية يشاهدونها، ويرفضون ادعاء المصادفة فيها رفضًا قاطعًا؛ لأن المناهج العلمية الاستقرائية قد أثبتت للعلماء أنه ما من ظاهرة تحدث في الكون دون أن تكون مسبوقة بسببٍ مكافئ لحدوثها، وإذا كانت هذه الظاهرة من الظواهر التي تحتاج إلى صاحب علم ومهارة حتى يكون قادرًا على إنتاجها، قرروا أن منتجها صاحب علم ومهارة، وهكذا[3].


          التشكيك في مبدأ السببية
          يشكك بعض الملاحدة في مبدأ السببية، ويدَّعون أن قول المؤمنين: كل حادث يحتاج إلى محدِث، قول بلا دليل، ولا سبيل للبرهنة عليه، ومهما جمعمن أدلة من العالمفإنها لا تكفي للوصول إلى الكلية؛ لاستحالة اختباركل الحوادث، ومعرفة هل هي محتاجة إلى محدث أو لا؟ويدعي هؤلاء أن السببية عادة ذهنية ترسخت في الذهن عن طريق التكرار، وكلامهم هذا سفسطة لا أثارة عليها من علم؛إذ مقولة: الحادث لا بد له من محدِث، من البديهيات.
          والبديهيات هي حقائق ضرورية لا تحتاج إلى برهان؛ أي:إنها تفرض نفسها على الذهن، بحيثلا يحتاج إلى برهان لإثباتها، ويجمع العقلاء على صحتها واعتمادها كأصول ضروريةلازمة، وهي تعتبر أسسًا وقواعد أولية ومقاييس تبنى عليها باقي الأفكار، وبراهينلإثبات صِدقِ غيرها من الأفكار.
          ومقولة: كل حادث لا بد له من محدِث، هي كمقولة: كل كتابة لا بد لها من كاتب، ولو رأى شخص كتابة فقال: لا بد لها من كاتب، فاعترض عليه آخر قائلاً:(أثبت لي أن هذه الكتابة تحتاج لكاتب، وهل اختبرتَكل الكتابات لتعرف هل تحتاج إلى كاتب أم لا؟)- لعدَّه الناس مجنونًا.
          ومقولة: كل حادث لا بد له من محدِث، بديهية، مستغنية أن يُذَبَّ عنها، يُستدَل بها، ولا يُستدَل لها؛ فالسؤال عن إثباتها يعتبر خطأ فادحًا،كالتصديق بأن النار حارة لا يحتاج إلى إثبات وجمع الأدلة عليه من كل العالم.
          ولا يجوز القدح في البديهيات بالنظريات؛لأن البديهيات أصل للنظريات، فلو جاز القدح بالنظريات في البديهيات، والنظريات لا تصح إلا بصحة البديهيات، كان ذلك قدحًا في أصل النظريات؛ فلزم من القدح في البديهيات بالنظريات فساد النظريات، وإذا فسدت لم يصحَّ القدح بها، والقدح في البديهيات بالنظريات يستلزم فساد النظريات وفساد العلوم.
          وإذا لم يجُزِالقدح في البديهيات بالنظريات، فمن باب أولى لا يجوزالسؤال عن إثبات البديهيات؛ فالبديهيات لا تحتاج في حصولها إلى كسْبٍ ونظر وفكر؛ إذ إنها تحصل بالبداهة والضرورة، من غير تعبٍ، ومن غير إجراء عملية فكرية.
          ومبدأ العِلِّيَّة مبدأ عقلي، لا مبدأ حسي نابع من الاستقراء، وليس مبدأ العلية مقصورًا على الكون فحسب؛ فما مادام هناك فعلفلا بد أن يكون له فاعل، سواء في عالمنا أو في غير عالمنا، وتخصيص العِلِّية بالكون الذي نعيش فيه فقط تخصيص بلا مخصص.
          وجميع العلوم الكونية مبنية على السببية؛ ولذلك لا يمكن للعلوم الاستغناء عن السببية، وبسقوط السببية تنهار جميع العلوم.
          وعدم اعتبار أصل السببية يؤدي إلى عدم الاستدلال؛ لأن الإثبات والدليل عامل مهم من عوامل قبول النتائج، وإذا لم يرتبط الإثبات بالنتائج، فلا يؤدي الإثبات إلى نتيجة.
          ومبدأ العِلِّية مبدأ ضروري، لا يمكن الاستدلال على رده؛ وذلك لأن الدليل علة للعلم بالشيء المستدل عليه، وإذًا محاولة الاستدلال على رد مبدأ العلية تنطوي على الاعتراف بمبدأ العلية وتطبيقه.
          ولو لم تكن السببية موجودة في الواقع، لما أمكن التفكير، ولا تناول الطعام، ولا المشي أيضًا، ولا الشرب، وغير ذلك من أمور الحياة.
          ولو لم تكن السببية موجودة في الواقع، لما تمكن العلماء من تفسير الظواهر الكونية.
          ولو لم تكن السببيةموجودة في الواقع، لما تمكن الأطباء من علاج الأمراض والوقاية منها.
          وقولهم: السببية عادة ذهنية ترسخت في الذهن عن طريق التكرار،يُبطِله الواقع؛ فمن يرى كتابة يعرف أن لها كاتبًا، ولو كانت أول كتابة يراها، ومن يرى كرسيًّا يعرف أن له صانعًا، ولو كان أول كرسي يراه،ومن يرى لوحة فنية يعرف أن لها فنانًا، ولو كانت أول لوحة فنية يراها في حياته، وحتى الطفل الصغير إذا سمع صوتًا انتبه إلى مكانه ليعرف سببه، وإذا جاع طلب الطعام.
          دعوى أن الكون نشأ صدفة بدليل وجود الفوضى في الكون
          يدعي بعض الملاحدة أن الكون نشأ صدفة، بدليل وجود بعض الظواهر الفوضوية، والجواب:هذه الظواهر التي يدَّعون أنها فوضوية لا تُلغي وجود نظام في الكون، فكم يوجد في الكون من أشياء منظمة منسقة بهرت علماء الفيزياء والأحياء والكيمياء والفلكوالجولوجيا، وغيرهم!
          والفوضى تستلزم عدم وجود أنظمة وقوانين تحكم هذه الظواهر الفوضوية، وإمكان استنتاج قوانين عامة تحكم هذه الأمور: يدلُّ على انتظامها، وليس على عدم انتظامها.
          وما دامت الفوضى تخضع لقوانين فليست فوضى، ولكن نظام مرتب لم يتم الكشف عن ماهيته الحقيقية.
          والنظام هو السائد في الكون، بدليل تمكُّنِ العلماء من وضع قوانين للظواهر الفيزيائية والطبيعية، فلو كانت الفوضى هي السائدة لَمَا تمكن العلماء من وضع قوانين تحكم الكون.



          [1] - عقيدة التوحيد للدكتور محمد ملكاوي ص 149 - 150.

          [2] - مفتاح دار السعادة لابن القيم 1/214.

          [3] - كواشف زيوف للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني ص 542.
          د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
          بعض كتاباتي على الألوكة
          بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

          تعليق


          • #6
            رد: الملحد واستدلاله الخاطئ بالصدفة

            العلل المادية لا تكفي لتفسير نشأة الكون دون خالق
            يدَّعي بعض الملاحدة أن الكون بهذا الانتظام قد تكوَّن صدفة، نتيجة سلسلة من العلل المادية غير العاقلة وغير المدركة، وتوافر الظروف والعلل المادية لنشأة الكون أدى إلى نشأة الكون دون الحاجة لقوة عاقلة، وهذا الكلام في غاية السخف والسقوط، وهو كمن يقول: توافر الظروف لحدوث الجريمة أدىإلى حدوث الجريمة، وعليه فليس للجريمة مرتكب، وكمن يقول: توافر الخشب والمسامير أدى إلى صنع الكرسي،وعليه فليس للكرسي صانع، وكمن يقول: توافر العوامل المادية لصنع السيارة أدى إلى صنع السيارة، وعليه فليس للسيارة صانع.
            وكيف للعلل المادية تفسير النظام والإبداع الذي في الكون؟!ووجود النظاموالإبداع يستلزم وجود كائن ذي علم وإرادة قد نظمه وأبدعه، هو الله، لا المادة غير العاقلة وغير العالمة وغير الحكيمة، والمادة من جهة ذاتها لا علم لها، فلا يصح أن تكون هي العلة المنظمة المبدِعة.
            وكيف للعلل المادية تفسير نشأة الحياة، والحياة ليست من جنس المادة؟
            وكيف للعلل المادية تفسير نشأة الأخلاق، والأخلاق ليست من جنس المادة؟ الإنسان قد يوصف بالكرم والعدل والوفاء، أو البخل والظلم والغدر، والمادة لا توصف بذلك.
            وكيف للعلل المادية تفسير نشأة الإدراك، والإدراك ليس من جنس المادة؟ الإنسان يدرك ما حوله، والمادة لا توصف بذلك.
            وكيف للعلل المادية تفسير نشأة المشاعر والأحاسيس؛ كالسعادة والحبِّ، والكُره والألم، وكل هذه المشاعر والأحاسيس ليست من جنس المادة؟ الإنسان يحب ويكره، يفرح ويحزن، والمادة لا توصف بذلك.


            سخافة مبرهنة القردة:
            يقول بعض الملاحدة: لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة، وظلت تضرب على حروفها لملايين السنين، فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير، فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات عمياء خلال بلايين السنين.
            وهذا القول في غاية السخف والسقوط؛ إذ احتمال أن يقوم قرد يخبط على آلةكاتبة فيخرج لنا بالمصادفة قصيدة من قصائد شكسبير أبسط بكثير من إنشاء كون في الدقة والإحكام ويسير وَفْق سنن وقوانين لا يحيد عنها.
            ولو سلمنا أن القرود استطاعت كتابة قصيدة من قصائد شكسبير، فهل يمكن أن تتذوقها أو تنطق كلماتها، أو تجعل كلمات القصيدة ناطقة؟! وهل هناك قرد يعيش ملايين السنين؟! وهل هناك آلة كاتبة تظل تطبع لملايين السنين؟! وهل هناك أوراق تكفي للكتابة عليها لملايين السنين؟! من الذي صنع له الحبر ووفر الحبر لهفي نفس المكان الذي هو فيه؟ من الذي وفر له الأوراق في نفس المكان الذي هو فيه؟
            لو سلمنا أن الصدفة يمكن أن تنتج أشياء غير متوقعة، فليس معنى ذلك أنها يمكن أن تنتج حدثًا مستحيلاً، ونشأة نظام مستمر قابل للتفسير بلا منظم عاقل: حدَثٌ مستحيل لا يمكن وقوعه مهما طال الزمان، وتحول مادة غير حية بنفسها لمادة حية: حدث مستحيل لا يمكن وقوعه مهما طال الزمان، وتحول مادة غير واعية بنفسها إلى كائن واعي: حدث مستحيل لا يمكن وقوعه مهما طال الزمان، وتحول مادة لا تسمع بنفسها إلى كائن يسمع: حدث مستحيل لا يمكن وقوعه مهما طال الزمان،وتحول مادة لا تضحك إلى كائن يضحك: حدث مستحيل لا يمكن وقوعه مهما طال الزمان.

            كلام نفيس في نفي الصدفة والعشوائية[1]:
            إن ملاءمة الأرض للحياة تتخذ صورًا عديدة لا يمكن تفسيرها على أساس المصادفة أو العشوائية؛ فالأرض كرة معلقة في الفضاء تدور حول نفسها، فيكون في ذلك تتابع الليل والنهار، وهي تسبَحُحول الشمس مرة في كل عام، فيكون في ذلك تتابع الفصول، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة مساحة الجزيء الصالح للسكنى من سطح كوكبنا، ويزيد من اختلاف الأنواع النباتية أكثر مما لو كانت الأرض ساكنة، ويحيط بالأرض غلاف غازي يشتمل على الغازات اللازمة للحياة، ويمتد حولها إلى ارتفاع كبير (يزيد على 500 ميل).
            ويبلغ هذا الغلاف الغازي من الكشافة درجة تحول دون وصول ملايين الشهب القاتلة إلينا، منقضة بسرعة ثلاثين ميلاً في الثانية، والغلاف الذي يحيط بالأرض يحفظ درجة حرارتها في الحدود المناسبة للحياة، ويحمل بخار الماء من المحيطات إلى مسافات بعيدة داخل القارات؛ حيث يمكن أن يتكاثف مطرًا يحيي الأرض بعد موتها، والمطر مصدر الماء العذب، ولولاهلأصبحت الأرض صحراء جرداء خالية من كل أثر للحياة، ومن هنا نرى أن الجو والمحيطات الموجودة على سطح الأرض تمثل عجلة التوازن في الطبيعة.
            ويمتاز الماء بأربع خواص هامة تعمل على صيانة الحياة في المحيطات والبحيرات والأنهار، وخاصة حيثما يكون الشتاء قارسًا وطويلاً؛ فالماء يمتص كميات كبيرة من الأوكسجين عندما تكون درجة حرارته منخفضة، وتبلغ كثافة الماء أقصاها في درجة أربعة مئوية، والثلج أقل كثافة من الماء، مما يجعل الجليد المتكون في البحيرات والأنهار يطفو على سطح الماء؛ لخفته النسبية، فيهيئ بذلك الفرصة لاستمرار حياة الكائنات التي تعيش في الماء في المناطق الباردة، وعندما يتجمد الماء تنطلق منه كميات كبيرة من الحرارة تساعد على صيانة حياة الأحياء التي تعيش في البحار.
            أما الأرض اليابسة فهي بيئة ثابتة لحياة كثير من الكائنات الأرضية؛ فالتربة تحتوي العناصر التي يمتصها النبات، ويمثلها ويحولها إلى أنواع مختلفة من الطعام يفتقر إليها الحيوان، ويوجد كثير من المعادن قريبًا من سطح الأرض، مما هيأ السبيل لقيام الحضارة الراهنة، ونشأة كثير من الصناعات والفنون، وعلى ذلك فإن الأرض مهيأة على أحسن صورة للحياة، ولا شك أن كل هذا من تيسير حكيم خبير، وليس من المعقول أن يكون مجرد مصادفة أو خبط عشواء، ولقد كان أشعياء على حق عندما قال مشيرًا إلى الله: (لم يخلقها باطلًا، للسكن صورها) (45: 18).
            وكثيرًا ما يسخر البعض من صغر حجم الأرض بالنسبة لما حولها من فراغ لانهائي،ولو أن الأرض كانت صغيرة كالقمر، أو حتى لو أن قُطرها كان ربع قطرها الحالي لعجزت عن احتفاظها بالغلافين الجوي والمائي اللذين يحيطان بها، ولصارت درجة الحرارة فيها بالغة حد الموت،أما لو كان قطر الأرض ضِعفَ قُطرها الحالي لتضاعفت مساحة سطحها أربعة أضعاف،وأصبحتجاذبيتها للأجسام ضعف ما هي عليه، وانخفض تبعًا لذلك ارتفاع غلافها الهوائي، وزاد الضغط الجوي من كيلو غرام واحد إلى كيلو غرامين على السنتيمتر المربع، ويؤثر كل ذلك أبلغ الأثر في الحياة على سطح الأرض، فتتسع مساحة المناطق الباردة اتساعا كبيرًا، وتنقص مساحة الأراضي الصالحة للسكنى نقصًا ذريعًا، وبذلك تعيش الجماعات الإنسانية منفصلة، أو في أماكن متنائية، فتزداد العزلة بينها، ويتعذر السفر والاتصال، بل قد يصير ضربًا من ضروب الخيال.
            ولو كانت الأرض في حجم الشمس - مع احتفاظها بكثافتها - لتضاعفت جاذبيتها للأجسام التي عليها 150 ضعفًا، ولنقص ارتفاع الغلاف الجوي إلى أربعة أميال، ولأصبح تبخر الماء مستحيلاً، ولارتفع الضغط الجوي إلى ما يزيد على 150 كيلو غرامًا على السنتيمتر المربع، ولوصل وزن الحيوان الذي يزن حاليًّا رطلاً واحدًا إلى 150 رطلاً، ولتضاءل حجم الإنسان حتى صار في حجم ابن عرس أو السنجاب، ولتعذرت الحياة الفكرية لمثل هذه المخلوقات.
            ولو أزيحتالأرض إلى ضعف بُعدها الحالي عن الشمس، لنقصت كمية الحرارة التي تتلقاها من الشمس إلى ربع كميتها الحالية، وقطعت الأرض دورتها حول الشمس في وقت أطول، وتضاعف تبعًا لذلك طول فصل الشتاء، وتجمدت الكائنات الحية على سطح الأرض.
            ولو نقصت المسافة بين الأرض والشمس إلى نصف ما هي عليها الآن، لبلغت الحرارة التي تتلقاها الأرض أربعة أمثال، وتضاعفت سرعتها المدارية حول الشمس، ولآلت الفصول إلى نصف طولها الحالي إذا كانت هناك فصول مطلقًا، ولصارت الحياة على سطح الأرض غير ممكنة.
            وعلى ذلك، فإن الأرض بحجمها وبُعدها الحاليين عن الشمس وسرعتها في مدارها، تهيئ للإنسان أسباب الحياة والاستمتاع بها في صورها المادية والفكرية والروحية على النحو الذي نشاهده اليوم في حياتنا.
            فإذا لم تكن الحياة قد نشأت بحكمة وتصميم سابق، فلا بد أن تكون قد نشأت عن طريق المصادفة، فما هي تلك المصادفة إذًا حتى نتدبرها ونرى كيف تخلق الحياة؟
            إن نظريات المصادفة والاحتمال لها الآن من الأسس الرياضية السليمة ما يجعلها تطبق على نطاق واسع حيثما انعدم الحكم الصحيح المطلق، وتضع هذه النظريات أمامنا الحكم الأقرب إلى الصواب مع تقدير احتمال الخطأ في هذا الحكم..
            ولقد تقدمت دراسة نظرية المصادفة والاحتمال من الوجهة الرياضية تقدمًا كبيرًا، حتى أصبحنا قادرين على التنبؤ بحدوث بعض الظواهر التي نقول:إنها تحدث بالمصادفة، والتي لا نستطيع أن نفسر ظهورها بطريقة أخرى (مثل قذف الزهر في لعبة النرد).
            وقد صِرنا - بفضل تقدم هذه الدراسات - قادرين على التمييز بين ما يمكن أن يحدث بطريق المصادفة، وما يستحيل حدوثه بهذه الطريقة، وأن نحسب احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر في مدى معين من الزمان، ولننظر الآن إلى الذي تستطيع أن تلعبه المصادفة في نشأة الحياة:
            إن البروتينات من المركبات الأساسية في جميع الخلايا الحية، وهي تتكون من خمسة عناصر، هي: الكربون، والأيدروجين، والنيتروجين، والأوكسجين، والكبريت، ويبلغ عدد الذرات في الجزيء البروتيني الواحد 40000 ذرة.
            ولما كان عدد العناصر الكيماوية في الطبيعة 92 عنصرًا موزعة كلها توزيعًا عشوائيًّا، فإن احتمال اجتماع هذه العناصر الخمسة لكي تكوِّن جُزَيئًا من جُزَيئات البروتين يمكن حسابه لمعرفة كمية المادة التي ينبغي أن تخلط خلطًا مستمرًا لكي تؤلف هذا الجزيء، ثم لمعرفة طول الفترة الزمنية اللازمة لكي يحدث هذا الاجتماع بين ذرات الجزيء الواحد.
            وقد قام العالم الرياضي السويسري تشارلز يوجين جاي بحساب هذه العوامل جميعًا، فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزيء بروتيني واحد إلا بنسبة 1 إلى ‍‍‍‍10 160؛أي: بنسبة 1 إلى رقم عشرة مضروبًا في نفسه 160 مرة، وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبير عنه بكلمات، وينبغي أن تكون كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالمصادفة بحيث ينتج جزيء واحد أكثر مما يتسع له كل هذا الكون بملايين المرات، ويتطلب تكوين هذا الجزيء على سطح الأرض وحدها عن طريق المصادفة بلايين لا تحصى من السنوات، قدرها العالم السويسري بأنها عشرة مضروبة في نفسها 243 مرة من السنين (10 243سنة).
            إن البروتينات تتكون من سلاسل طويلة من الأحماض الأمنية، فكيف تتألف ذرات هذه الجزيئات؟ إنهاإذا تآلفت بطريقة أخرى غير التي تتآلف بها، تصير غير صالحة للحياة، بل تصير في بعض الأحيان سمومًا، وقد حسب العالم الإنجليزي ج. ب. ليثزJ. B. Leathesالطرق التي يمكن أن تتألف بها الذرات في أحد الجزيئات البسيطة من البروتينات، فوجد أن عددها يبلغ البلايين (10 48)، وعلى ذلك فإنه من المحال عقلاً أن تتآلف كل هذه المصادفات لكي تبني جزيئًا بروتينيًّا واحدًا.
            ولكن البروتينات ليست إلا مواد كيماوية عديمة الحياة، ولا تدب فيها الحياة إلا عندما يحل فيها ذلك السر العجيب الذي لا ندري مِن كُنهه شيئًا، والله وحده هو الذي استطاع أن يدرك ببالغ حكمته أن مِثل ذلك الجزيء البروتيني يصلح لأن يكون مستقرًّا للحياة، فبناه وصوَّره وأغدق عليه سر الحياة.
            هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
            مراجع البحث:
            1. الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى للدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
            2. الدين في مواجهة العلملوحيد الدين خان.
            3. الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان للدكتور عبدالوهاب المسيري.
            4. الله يتجلى في عصر العلم لنخبة من العلماء الأمريكيين،ترجمة الدكتور الدمرداشعبدالمجيد.
            5. المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات للدكتور غالب عواجي.
            6. المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية بالقاهرة.
            7. المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا.
            8. المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية بالقاهرة.
            9. تاج العروس للزبيدي.
            10. خرافة الإلحاد للدكتور عمر شريف.
            11. عقيدة التوحيد للدكتور محمد ملكاوي.
            12. كواشف زيوف للشيخ عبدالرحمنحبنكة الميداني.
            13. معجم اللغة العربية المعاصرة للدكتور أحمد مختار.
            14. مفتاح دار السعادة لابن القيم.


            [1] - هذا الكلام للدكتور فرانك ألن من كتاب: الله يتجلى في عصر العلم، لنخبة من العلماء الأمريكيين، ترجمة الدكتور الدمرداشعبدالمجيد ص12-16.
            د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
            بعض كتاباتي على الألوكة
            بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

            تعليق


            • #7
              رد: الملحد واستدلاله الخاطئ بالصدفة

              للتحميل من هنا أو هنا
              د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
              بعض كتاباتي على الألوكة
              بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

              تعليق

              مواضيع ذات صلة

              تقليص

              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
              ابتدأ بواسطة الكاتب عزالدين بن راشو, 29 يول, 2022, 09:44 ص
              ردود 0
              59 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة الكاتب عزالدين بن راشو  
              ابتدأ بواسطة أحمد محمدالألفى, 31 ماي, 2022, 07:13 م
              ردود 0
              49 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة أحمد محمدالألفى  
              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 26 فبر, 2022, 01:32 م
              ردود 0
              39 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة عادل خراط
              بواسطة عادل خراط
               
              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 24 سبت, 2021, 08:29 م
              ردود 11
              112 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة عادل خراط
              بواسطة عادل خراط
               
              ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 3 أغس, 2021, 12:28 م
              ردود 0
              85 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة Mohamed Karm
              بواسطة Mohamed Karm
               
              يعمل...
              X