صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

تقليص

عن الكاتب

تقليص

إيمان أحمد مسلمة اكتشف المزيد حول إيمان أحمد
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

    ثم دخلت سنة إحدى وأربعين
    ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث

    ذكر الخبر بذلك:
    حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال: بايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة، فطفق يشترط عليهم الحسن:
    إنكم سامعون مطيعون، تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت، فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط، وقالوا: ما هذا لكم بصاحب، وما يريد هذا القتال، فلم يلبث الحسن ع بعد ما بايعوه إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته، فازداد لهم بغضا، وازداد منهم ذعرا، فكاتب معاوية، وأرسل إليه بشروط، قال: إن أعطيتني هذا فأنا سامع مطيع، وعليك أن تفي لي به ووقعت صحيفة الحسن في يد معاوية، وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.
    فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده، وامسك معاوية صحيفة الحسن عليه السلام التي كتب إليه يسأله ما فيها، فلما التقى معاويه والحسن عليه السلام، سأله الحسن أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله، فأبى معاوية أن يعطيه ذلك، فقال: لك ما كنت كتبت إلى أو لا تسألني أن أعطيكه، فإني قد أعطيتك حين جاءني كتابك قال الحسن عليه السلام : وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن عليه السلام من الشروط شيئا، وكان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة قد كلم معاوية، وأمره أن يأمر الحسن أن يقوم ويخطب الناس، فكره ذلك معاوية، وقال: ما تريد إلي ان يخطب الناس! فقال عمرو: لكني أريد أن يبدو عيُّه للناس، فلم يزل عمرو بمعاوية حتى أطاعه، فخرج معاوية فخطب الناس، ثم أمر رجلا فنادى الحسن بن على عليه السلام ، فقال: قم يا حسن فكلم الناس، فتشهد في بديهة أمر لم يرو فيه، ثم قال: أما بعد، يا أيها الناس، فإن الله قد هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دول، وإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: «وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين» ، فلما قالها قال معاوية: اجلس، فلم يزل ضرما على عمرو، وقال: هذا من رأيك ولحق الحسن عليه السلام بالمدينة.
    [إسناده مرسل ضعيف]

    حدثني عمر، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: سلم الحسن بن على عليه السلام إلى معاوية الكوفة، ودخلها معاوية لخمس بقين من ربيع الأول، ويقال من جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين.
    [إسناده معضل]

    ذكر خبر الصلح بين معاوية وقيس بن سعد

    وفي هذه السنة جرى الصلح بين معاوية وقيس بن سعد بعد امتناع قيس من بيعته.

    ذكر الخبر بذلك:
    حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان ابن الفضل، قال: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال: لما كتب عبيد الله بن عباس حين علم ما يريد الحسن من معاوية من طلب الأمان لنفسه إلى معاوية يسأله الأمان، ويشترط لنفسه على الأموال التي قد أصاب، فشرط ذلك له معاوية، بعث إليه معاوية ابن عامر في خيل عظيمة، فخرج إليهم عبيد الله ليلا حتى لحق بهم، ونزل وترك جنده الذي هو عليه لا أمير لهم، فيهم قيس بن سعد، واشترط الحسن عليه السلام لنفسه، ثم بايع معاوية، وأمرت شرطة الخميس قيس بن سعد على أنفسهم، وتعاهدوا هو وهم على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة عليّ عليه السلام ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم وما أصابوا في الفتنة، فخلص معاوية حين فرغ من عبيد الله ابن عباس والحسن عليه السلام إلى مكايدة رجل هو أهم الناس عنده مكايدة، ومعه أربعون ألفا، وقد نزل معاوية بهم وعمرو وأهل الشام، وأرسل معاوية إلى قيس بن سعد يذكره الله ويقول: على طاعة من تقاتل، وقد بايعني الذي أعطيته طاعتك؟ فأبى قيس أن يلين له، حتى أرسل إليه معاوية بسجل قد ختم عليه في أسفله، فقال: اكتب في هذا السجل ما شئت، فهو لك.
    قال عمرو لمعاوية: لا تعطه هذا، وقاتله، فقال معاوية: على رسلك! فإنا لا نَخلُص إلى قتل هؤلاء حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشام، فما خير العيش بعد ذلك! وإني والله لا أقاتله أبدا حتى لا أجد من قتاله بدا فلما بعث إليه معاوية بذلك السجل اشترط قيس فيه له ولشيعة عليّ الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال، ولم يسأل معاوية في سجله ذلك مالا، وأعطاه معاوية ما سأل، فدخل قيس ومن معه في طاعته، وكانوا يعدون دهاة الناس حين ثارت الفتنة خمسة رهط، فقالوا: ذوو رأي العرب ومكيدتهم: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وقيس بن سعد، ومن المهاجرين عبد الله بن بديل الخزاعي، وكان قيس وابن بُديل مع عليّ عليه السلام ، وكان المغيرة بن شعبة وعمرو مع معاوية، إلا أن المغيرة كان معتزلا بالطائف حتى حُكِّم الحَكمان، فاجتمعوا بأذرح.

    وقيل: إن الصلح تم بين الحسن عليه السلام ومعاوية في هذه السنة في شهر ربيع الآخر، ودخل معاوية الكوفة في غرة جمادى الأولى من هذه السنة، وقيل: دخلها في شهر ربيع الآخر، وهذا قول الواقديّ .
    [إسناده مرسل ضعيف]

    دخول الحسن والحسين المدينة منصرفين من الكوفة

    وفي هذه السنة دخل الحسن والحسين ابنا عليّ عليه السلام منصرفين من الكوفة إلى المدينة

    ذكر الخبر بذلك:
    ولما وقع الصلح بين الحسن عليه السلام وبين معاوية بمسكن، قام- فيما حُدِّثت عن زياد البكائي، عن عوانة- خطيبا في الناس فقال: يا أهل العراق، إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي . قال: ثم إن الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر خرجوا بحشمهم وأثقالهم حتى أتوا الكوفة، فلما قدمها الحسن وبرأ من جراحته، خرج إلى مسجد الكوفة فقال: يا أهل الكوفة، اتقوا الله في جيرانكم وضيفانكم، وفي أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فجعل الناس يبكون، ثم تحملوا إلى المدينة قال:
    وحال أهل البصرة بينه وبين خراج دارابجرد، وقالوا: فيئنا، فلما خرج إلى المدينة تلقاه ناس بالقادسية فقالوا: يا مذل العرب!
    [إسناده ضعيف جدا]

    ذكر خروج الخوارج على معاوية

    وفيها خرجت الخوارج التي اعتزلت أيام عليّ عليه السلام بشهرزور على معاوية.

    ذكر خبرهم:
    حدثت عن زياد، عن عوانة، قال: قدم معاوية قبل أن يبرح الحسن من الكوفة حتى نزل النخيله، فقالت الحرورية الخمسمائة التي كانت اعتزلت
    بشهرزور مع فروة بن نوفل الأشجعي: قد جاء الآن ما لا شك فيه، فسيروا إلى معاوية فجاهدوه فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل حتى دخلوا الكوفة، فأرسل إليهم معاوية خيلا من خيل أهل الشام، فكشفوا أهل الشام، فقال معاوية لأهل الكوفة: لا أمان لكم والله عندي حتى تكفوا بوائقكم، فخرج أهل الكوفة إلى الخوارج فقاتلوهم، فقالت لهم الخوارج: ويلكم! ما تبغون منا! أليس معاوية عدونا وعدوكم! دعونا حتى نقاتله، وإن أصبناه كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا، قالوا: لا والله حتى نقاتلكم، فقالوا: رحم الله إخواننا من أهل النهر، هم كانوا أعلم بكم يا أهل الكوفة وأخذت أشجع صاحبهم فروة بن نوفل- وكان سيد القوم- واستعملوا عليهم عبد الله بن عمرو بن العاص على الكوفة ، فأتاه المغيرة بن شعبة وقال لمعاوية: استعملت عبد الله بن عمرو على الكوفة وعمرا على مصر، فتكون أنت بين لَحيَي الأسد! فعزل عبد الله، واستعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة، وبلغ عمرا ما قال المغيرة لمعاوية، فدخل عمرو على معاوية فقال: استعملت المغيرة على الكوفة؟ فقال: نعم، فقال: أجعلته على الخراج؟ فقال: نعم، قال: تستعمل المغيرة على الخراج فيغتال المال، فيذهب فلا تستطيع أن تأخذ منه شيئا، استعمل على الخراج من يخافك ويهابك ويتقيك . فعزل المغيرة عن الخراج، واستعمله على الصلاة، فلقي المغيرة عمرا فقال: أنت المشير على أمير المؤمنين بما أشرت به في عبد الله؟ قال: نعم، قال: هذه بتلك، ولم يكن عبد الله بن عمرو بن العاص مضى فيما بلغني إلى الكوفة ولا أتاها .
    [إسناده ضعيف جدا وفي متنه نكارة وطعن في عدالة المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ]

    ذكر ولاية بسر بن أبي أرطاة على البصرة

    وفي هذه السنة غلب حمران بن أبان على البصرة، فوجه إليه معاوية بُسرا، أمره بقتل بني زياد.
    ذكر الخبر عما كان من أمره في ذلك:
    حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثني علي بن محمد، قال: لما صالح الحسن بن عليّ عليه السلام معاوية أول سنة إحدى وأربعين، وثب حمران ابن أبان على البصرة فأخذها، وغلب عليها، فأراد معاوية أن يبعث رجلا من بني القين إليها، فكلمه عبيد الله بن عباس ألا يفعل ويبعث غيره، فبعث بسر بن أبي أرطاة، وزعم أنه أمره بقتل بني زياد.
    [إسناده معضل]

    فحدثني مسلمة بن محارب، قال: أخذ بعض بني زياد فحبسه- وزياد يومئذ بفارس، كان عليّ عليه السلام بعثه إليها إلى أكراد خرجوا بها، فظفر بهم زياد، وأقام بإصطخر- قال: فركب أبو بكرة إلى معاوية وهو بالكوفة، فاستأجل بُسرا، فأجله أسبوعا ذاهبا وراجعا، فسار سبعة أيام، فقتل تحته دابتين، فكلمه، فكتب معاوية بالكف عنهم.
    قال: وحدثني بعض علمائنا، أن أبا بكرة أقبل في اليوم السابع وقد طلعت الشمس، وأخرج بُسر بني زياد ينتظر بهم غروب الشمس ليقتلهم إذا وجبت، فاجتمع الناس لذلك وأعينهم طامحة ينتظرون أبا بكرة، إذ رُفِع علم على نجيب أو برذون يكده ويجهده، فقام عليه، فنزل عنه، وألاح بثوبه، وكبّر وكبّر الناس، فأقبل يسعى على رجليه حتى أدرك بُسرا قبل أن يقتلهم، فدفع إليه كتاب معاوية، فأطلقهم.
    [إسناده مرسل]

    حدثني عمر، قال: حدثنا عليّ بن محمد، قال: خطب بُسر على منبر البصرة ، فشتم عليّا عليه السلام ، ثم قال: نشدت الله رجلا علم أني صادق إلا صدقني، أو كاذب إلا كذبني! قال: فقال أبو بكرة: اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذبا، قال: فأمر به فخُنِق، قال: فقام أبو لؤلؤة الضّبيّ فرمى بنفسه عليه، فمنعه، فأقطعه أبو بكرة بعد ذلك مائة جريب. قال: وقيل لأبي بكرة: ما أردتَ إلى ما صنعت! قال: أيناشدنا بالله ثم لا نصدّقه! قال: فأقام بُسر بالبصرة ستة أشهر، ثم شخص لا نعلمه ولَّى شرطته أحدا.
    [إسناده معضل وفي متنه نكارة]

    حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا عليّ ، قال: أخبرني شيخ من ثقيف، عن بُسر بن عبيد الله، قال: خرج أبو بكرة إلى معاوية بالكوفة فقال له معاوية: يا أبا بكرة، أزائرا جئت أم دعتك إلينا حاجة؟ قال:
    لا أقول باطلا، ما أتيت إلا في حاجة! قال: تُشفَّع يا أبا بكرة ونرى لك بذلك فضلا، وأنت لذلك أهل، فما هو؟ قال: تؤمن أخي زيادا، وتكتب إلى بُسر بتخلية ولده وبترك التعرض لهم، فقال: أما بنو زياد فنكتب لك فيهم ما سألت، وأما زياد ففي يده مال للمسلمين، فإذا أداه فلا سبيل لنا عليه، قال: يا أمير المؤمنين، إن يكن عنده شيء فليس يحبسه عنك إن شاء الله . فكتب معاوية لأبي بكرة إلى بُسر ألا يتعرض لأحد من ولد زياد، فقال معاوية لأبي بكرة: أتعهد إلينا عهدا يا أبا بكرة؟ قال:
    نعم، أعهد إليك يا أمير المؤمنين أن تنظر لنفسك ورعيتك، وتعمل صالحا فإنك قد تقلدت عظيما، خلافة الله في خلقه، فاتق الله فإن لك غاية لا تعدوها، ومن ورائك طالب حثيث، فأوشك أن تبلغ المدى، فيلحق الطالب، فتصير إلى من يسألك عما كنت فيه، وهو أعلم به منك، وإنما هي محاسبة وتوقيف، فلا تؤثرن على رضا الله عز وجل شيئا.
    [في إسناده مبهم ]

    حدثني أحمد، قال: حدثنا علي، عن سلمة بن عثمان، قال: كتب بُسر إلى زياد: لئن لم تقدم لأصلبن بنيك فكتب إليه: إن تفعل فأهل ذلك أنت، إنما بعث بك ابن آكلة الأكباد . فركب أبو بكرة إلى معاوية، فقال: يا معاوية، إن الناس لم يعطوك بيعتهم على قتل الأطفال، قال: وما ذاك يا أبا بكرة؟ قال: بُسر يريد قتل أولاد زياد، فكتب معاوية إلى بُسر: أن خلّ من بيدك من ولد زياد .
    وكان معاوية قد كتب إلى زياد بعد قتل عليّ عليه السلام يتوعده.
    [إسناده معضل وفي متنه نكارة]

    فحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي عن حبان بن موسى، عن المجالد، عن الشعبي، قال: كتب معاوية حين قتل عليّ عليه السلام إلى زياد يتهدده، فقام خطيبا فقال: العجب من ابن آكلة الأكباد، وكهف النفاق، ورئيس الأحزاب، كتب إلي يتهددني وبيني وبينه ابنا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني ابن عباس والحسن بن عليّ- في تسعين ألفا، واضعي سيوفهم على عواتقهم، لا ينثنون، لئن خلص إلي الأمر ليجدني أحمز ضرابا بالسيف . فلم يزل زياد بفارس واليا حتى صالح الحسن عليه السلام معاوية، وقدم معاوية الكوفة، فتحصن زياد في القلعة التي يقال لها : قلعة زياد .
    [إسناده مرسل ضعيف ومتنه منكر وعلته مجالد والله أعلم ]

    ولاية عبد الله بن عامر البصرة وحرب سجستان وخراسان
    وفي هذه السنة ولى معاوية عبد الله بن عامر البصرة وحرب سجستان وخراسان.
    ذكر الخبر عن سبب ولاية ذلك وبعض الكائن في أيام عمله لمعاوية بها:

    حدثني أبو زيد، قال: حدثنا عليّ ، قال: أراد معاوية توجيه عتبة بن أبي سفيان على البصرة، فكلمه ابن عامر وقال: إن لي بها أموالا وودائع، فإن لم توجهني عليها ذهبت . فولاه البصرة، فقدمها في آخر سنة إحدى وأربعين وإليه خراسان وسجستان، فأراد زيد بن جبلة على ولاية شرطته فأبى، فولى حبيب بن شهاب الشاميّ شرطته- وقد قيل: قيس بن الهيثم السلمي- واستقضى عميرة بن يثربي الضبي أخا عمرو بن يثربي الضبي.
    [إسناده معضل]

    حدثني أبو زيد، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: خرج في ولاية ابن عامر لمعاوية يزيد مالك الباهلي، وهو الخطيم- وإنما سمي الخطيم لضربة أصابته على وجهه- فخرج هو وسهم بن غالب الهجيمي فأصبحوا عند الجسر، فوجدوا عبادة بن قرص الليثي أحد بني بُجير- وكانت له صحبة- يصلي عند الجسر، فأنكروه فقتلوه، ثم سألوه الأمان بعد ذلك، فآمنهم ابن عامر، وكتب إلى معاوية : قد جعلت لهم ذمتك فكتب إليه معاوية: تلك ذمة لو أخفرتها لسُئلت عنها، فلم يزالوا آمنين حتى عُزل ابن عامر.
    [إسناده معضل]

    وفي هذه السنة ولد عليّ بن عبد الله بن عباس وقيل: ولد في سنة أربعين قبل أن يُقتل عليّ عليه السلام، وهذا قول الواقديّ.
    وحج بالناس في هذه السنة عتبة بن أبي سفيان في قول أبي معشر، حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عنه.
    وأما الواقدي فإنه ذكر عنه : أنه كان يقول: حج بالناس في هذه السنة- أعني سنة إحدى وأربعين- عنبسة بن أبي سفيان .
    [ في إسناده مبهم , وكذلك ذكر الذهبي في تأريخ الإسلام (عهد معاوية /8) . وأما الخليفة فقد وافق الواقدي في قوله فقال : وأقام الحج عنبسة بن أبي سفيان بن حرب ]




    وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
    أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار


  • #2
    رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

    هل يوجد ملاحظات ..

    وللتنويه يوجد بالمكتبة الشاملة في نسخة تاريخ الطبري أخطاء تمت مراجعتها ولله الحمد

    وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
    أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

    تعليق


    • #3
      رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

      ممتاز جدًا، جزاكم الله خيرًا لم ألحظ أن محقق الكتاب لم يرقم الكتاب في الجزء التاسع لكنه قام بالترقيم في الجزء الثامن.
      عمومًا مسألة مراجعة المتن، لست مطالبة بها، لكن لو ظهر لك شيء قومي بتصحيحه، ربما يقوم بمراجعة المتن بعض الأإخوة من ملتقى أهل الحديث، لو أنهينا تفريغ هذا الكتاب بإذن الله.
      أدوات للباحثين على الشبكة: البحث في القرآن الكريم هنا تفاسيره هنا القرآن بعدة لغات هنا سماع القرآن هنا القراءات القرآنية هنا
      الإعجاز العلمي هنا بحث في حديث بإسناده هنا و هنا معاجم عربية هنا معاجم اللغات هنا
      كتب وورد
      هنا المكتبة الشاملة هنا كتب مصورة هنا و هنا وهنا وهنا وهنا وهنا و هنا وهنا وهناوهنا وهنا وهنا وهنا وهنا كتب مخطوطة هنا
      للتأكد من الأخبار العصرية موقع فتبينوا

      تعليق


      • #4
        رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

        ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين
        ذكر ما كان فيها من الأحداث
        ففيها غزا المسلمون اللّان، وغزوا أيضا الروم، فهزموهم هزيمة منكرة- فيما ذكروا- وقتلوا جماعة من بطارقتهم.
        [لم نجد مصدرا تأريخيا متقدما موثوقا كالمعرفة والتأريخ للبلاذري ، وأما تأريخ ابن خياط يذكر فيها هذه الغزوة برواية مسندة موصولة صحيحة والله أعلم]

        وقيل: في هذه السنة وُلد الحجاج بن يوسف.
        وذكر عليّ بن محمد عن محمد بن الفضل العبسي، عن أبيه، قال: بعث عبد الله بن عامر قيس بن الهيثم على خراسان حين ولاه معاوية البصرة وخراسان، فأقام قيس بخراسان سنتين.
        [إسناده ضعيف جدا]

        وقد قيل في أمر ولاية قيس ما ذكره حمزة بن أبي صالح السلمي عن زياد بن صالح، قال: بعث معاوية حين استقامت له الأمور قيس بن الهيثم إلى خراسان، ثم ضمها إلى ابن عامر، فترك قيسا عليها.
        [إسناده ضعيف جدا]

        ذكر الخبر عن تحرك الخوارج
        وفي هذه السنة تحركت الخوارج الذين انحازوا عمن قتل منهم بالنهروان ومن كان ارتُثّ من جرحاهم بالنهروان، فبرَؤوا، وعفا عنهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
        [ضعيف]

        ذكر الخبر عما كان منهم في هذه السنة:
        ذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، قال: حدثنى النضر بن صالح بن حبيب، عن جرير بن مالك بن زهير بن جذيمة العبسي، عن أبيّ بن عمارة العبسي: أن حيان بن ظبيان السلمي كان يرى رأي الخوارج، وكان ممن ارتث يوم النهروان، فعفا عنه عليّ عليه السلام في الأربعمئة الذين كان عفا عنهم من المرتثين يوم النهر، فكان في أهله وعشيرته، فلبث شهرا أو نحوه ثم إنه خرج إلى الري في رجال كانوا يرون ذلك الرأي، فلم يزالوا مقيمين بالري حتى بلغهم قتل علي كرم الله وجهه، فدعا أصحابه أولئك- وكانوا بضعة عشر رجلا، أحدهم سالم بن ربيعة العبسي- فأتوه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الإخوان من المسلمين، إنه قد بلغني أن أخاكم ابن ملجم أخا مراد قعد لقتل علي بن أبي طالب عند أغباش الصبح مقابل السُّدة التي في المسجد مسجد الجماعة، فلم يبرح راكدا ينتظر خروجه حتى خرج عليه حين أقام المقيم الصلاة صلاة الصبح، فشد عليه فضرب رأسه بالسيف، فلم يبق إلا ليلتين حتى مات، فقال سالم بن ربيعة العبسي: لا يقطع الله يمينا علت قذاله بالسيف، قال: فأخذ القوم يحمدون الله على قتله عليه السلام ورضي الله عنه ولا رضي عنهم ولا رحمهم!
        قال النضر بن صالح: فسألت بعد ذلك سالم بن ربيعة في إمارة مصعب ابن الزبير عن قوله ذلك في عليّ عليه السلام ، فأقر لي به، وقال: كنت أرى رأيهم حينا، ولكن قد تركته، قال: فكان في أنفسنا أنه قد تركه، قال: فكان إذا ذكروا له ذلك يرمضه قال: ثم إن حيان بن ظبيان قال لأصحابه: إنه والله ما يبقى على الدهر باق، وما تلبث الليالي والأيام والسنون والشهور على ابن آدم حتى تذيقه الموت، فيفارق الإخوان الصالحين، ويدع الدنيا التي لا يبكي عليها إلا العجزة، ولم تزل ضارة لمن كانت
        له هما وشجنا، فانصرِفوا بنا رحمكم الله إلى مصرِنا، فلنأت إخواننا فلندعُهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى جهاد الأحزاب، فإنه لا عذر لنا في القعود، وولاتنا ظلمة، وسنة الهدى متروكة، وثأرنا الذين قتلوا إخواننا في المجالس آمنون، فإن يظفرنا الله بهم نعمد بعد إلى التي هي أهدى وأرضى وأقوم، ويشفي الله بذلك صدور قوم مؤمنين، وإن نقتل فإن في مفارقة الظالمين راحة لنا، ولنا بأسلافنا أسوة . فقالوا له: كلنا قائل ما ذكرت، وحامد رأيك الذي رأيت، فرِد بنا المصر فإنا معك ، راضون بهداك وأمرك ؛ فخرج وخرجوا معه مقبلين إلى الكوفة، فذلك حين يقول:
        خليلي ما بي من عزاء ولا صبر ... ولا إربة بعد المصابين بالنهر
        سوى نهضات في كتائب جمة ... إلى الله ما تدعو وفي الله ما تفري
        إذا جاوزت قسطانة الري بغلتي ... فلست بسار نحوها آخر الدهر
        ولكنني سار وإن قل ناصري ... قريبا فلا أخزيكما مع من يسري
        قال: وأقبل حتى نزل الكوفة، فلم يزل بها حتى قدم معاوية، وبعث المغيرة بن شعبة واليا على الكوفة، فأحب العافية، وأحسن في الناس السيرة، ولم يفتش أهل الأهواء عن أهوائهم، وكان يؤتى فيقال له: إن فلانا يرى رأي الشيعة، وإن فلانا يرى رأي الخوارج . وكان يقول: قضى الله ألا تزالون مختلفين، وسيحكم الله بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون ، فأمنه الناس، وكانت الخوارج يلقى بعضهم بعضا، ويتذاكرون مكان إخوانهم بالنهروان ويرون أن في الإقامة الغبن والوكف، وأن في جهاد أهل القبلة الفضل والأجر.
        [إسناده تالف وفي متنه نكارة ومخالفة لما في الروايات الصحيحة التي ذكرنا في معركة النهروان وغير ذلك]

        قال أبو مخنف: فحدثني النضر بن صالح، عن أبيّ بن عمارة، أن الخوارج في أيام المغيرة بن شعبة فزعوا إلى ثلاثة نفر، منهم المستورد بن علفة، فخرج في ثلاثة رجال مقبلا نحو جرجرايا على شاطئ دجلة.
        [إسناده تالف]

        قال أبو مخنف: وحدثني جعفر بن حذيفة الطائي من آل عامر بن جوين عن المحل بن خليفة : أن الخوارج في أيام المغيرة بن شعبة فزعوا إلى ثلاثة نفر، منهم المستورد بن علفة التيمى من تيم الرباب، وإلى حيان بن ظبيان السلمي، وإلى معاذ بن جوين بن حصين الطائي السنبسي- وهو ابن عم زيد بن حصين، وكان زيد ممن قتله عليّ عليه السلام يوم النهروان، وكان معاذ بن جوين هذا في الأربعمئة الذين ارتثوا من قتلى الخوارج، فعفا عنهم عليّ عليه السلام- فاجتمعوا في منزل حيان بن ظبيان السلمي، فتشاوروا فيمن يولون عليهم .
        قال: فقال لهم المستورد: يا أيها المسلمون والمؤمنون، أراكم الله ما تحبون، وعزل عنكم ما تكرهون، ولوا عليكم من أحببتم، فو الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ما أبالي من كان الوالي عليّ منكم! وما شرف الدنيا نريد، وما إلى البقاء فيها من سبيل، وما نريد إلا الخلود في دار الخلود . فقال حيان بن ظبيان: أما أنا فلا حاجة لي فيها وأنا بك وبكل امرئ من إخواني راض، فانظروا من شئتم منكم فسموه، فأنا أول من يبايعه . فقال لهم معاذ بن جوين بن حصين: إذا قلتما أنتما هذا ؛ وأنتما سيدا المسلمين ، وذوا أنسابهم في صلاحكما ودينكما وقدركما، فمن يرأس المسلمين، وليس كلكم يصلح لهذا الأمر! وإنما ينبغي أن يلي على المسلمين إذا كانوا سواء في الفضل أبصرهم بالحرب، وأفقههم في الدين، وأشدهم اضطلاعا بما حمل، وأنتما بحمد الله ممن يرضى بهذا الأمر، فليتوله أحدكما قالا: فتوله أنت، فقد رضيناك، فأنت والحمد لله الكامل في دينك ورأيك، فقال لهما: أنتما أسن مني، فليتوله أحدكما، فقال حينئذ جماعة من حضرهما من الخوارج : قد رضينا بكم أيها الثلاثة، فولوا أيكم أحببتم، فليس في الثلاثة رجل إلا قال لصاحبه: تولها أنت، فإني بك راض، وإني فيها غير ذي رغبة. فلما كثر ذلك بينهم قال حيان بن ظبيان، فإن معاذ بن جوين قال: إني لا ألي عليكما وأنتما أسن مني، وأنا أقول لك مثل ما قال لي ولك، لا ألي عليك وأنت أسن مني، ابسط يدك أبايعك . فبسط يده فبايعه، ثم بايعه معاذ بن جوين، ثم بايعه القوم جميعا، وذلك في جمادى الآخرة . فاتعد القوم أن يتجهزوا ويتيسروا ويستعدوا، ثم يخرجوا في غرة الهلال شعبان سنة ثلاث وأربعين، فكانوا في جهازهم وعدتهم.
        [إسناده تالف]

        وقيل: في هذه السنة سار بُسر بن أبي أرطاة العامري إلى المدينة ومكة واليمن، وقتل من قتله في مسيره ذلك من المسلمين.
        وذلك قول الواقدي، وقد ذكرت من خالفه في وقت مسيره هذا السير.
        [ضعيف]

        وزعم الواقدي أن داود بن حيان حدثه عن عطاء بن أبي مروان، قال: أقام بُسر بن أبي أرطاة بالمدينة شهرا يستعرض الناس، ليس أحد ممن يقال هذا أعان على عثمان إلا قتله.
        [في إسناده متروك]

        وقال عطاء بن أبي مروان: أخبرني حنظلة بن علي الأسلمي، قال: وجد قوما من بنى كعب وغلمانهم على بئر لهم فألقاهم في البئر .
        [إسناده ضعيف]

        ذكر قدوم زياد على معاوية
        وفي هذه السنة قدم زياد- فيما حدثني عمر- قال: حدثنا أبو الحسن عن سليمان بن أرقم : قدم على معاوية من فارس، فصالحه على مال يحمله إليه.
        [إسناده مرسل وسليمان ضعيف من السابعة]

        وكان سبب قدومه بعد امتناعه بقلعة من قلاع فارس، ما حدثني عمر قال: حدثنا أبو الحسن عن مسلمة بن محارب، قال: كان عبد الرحمن بن أبي بكرة يلي ما كان لزياد بالبصرة، فبلغ معاوية : أن لزياد أموالا عند عبد الرحمن، وخاف زياد على أشياء كانت في يد عبد الرحمن لزياد، فكتب إليه يأمره بإحرازها، وبعث معاوية إلى المغيرة بن شعبة لينظر في أموال زياد، فقدم المغيرة، فأخذ عبد الرحمن، فقال: لئن كان أساء إليّ أبوك لقد أحسن زياد . وكتب إلى معاوية: إني لم أصب في يد عبد الرحمن شيئا يحل لي أخذه . فكتب معاوية إلى المغيرة أن عذبه قال: وقال بعض المشيخة:
        إنه عذب عبد الرحمن بن أبي بكرة إذ كتب إليه معاوية، وأراد أن يعذر ويبلغ معاوية ذلك، فقال: احتفظ بما أمرك به عمك، فألقى على وجهه حريرة ونضحها بالماء، فكانت تلتزق بوجهه، فغشي عليه، ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم خلاه، وكتب إلى معاوية: إني عذبته، فلم أصب عنده شيئا، فحفظ لزياد يده عنده.
        [إسناده مرسل ضعيف]

        حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن عبد الملك بن عبد الله الثقفي، عن أشياخ من ثقيف، قالوا: دخل المغيرة بن شعبة على معاوية، فقال معاوية حين نظر إليه :
        إنما موضع سر المرء إن ... باح بالسر أخوه لمنتصح
        فإذا بحت بسر فإلى ... ناصح يستره أو لا تبح
        فقال: يا أمير المؤمنين، إن تستودعني تستودع ناصحا شفيقا ورعا وثيقا، فما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: ذكرت زيادا واعتصامه بأرض فارس، وامتناعه بها، فلم أنم ليلتي، فأراد المغيرة أن يطأطئ من زياد، فقال: ما زياد هناك يا أمير المؤمنين! فقال معاوية : بئس الوطء العجز، داهية العرب معه الأموال، متحصن بقلاع فارس، يدبر ويربص الحيل، ما يؤمنني أن يبايع لرجل من أهل هذا البيت، فإذا هو قد أعاد علي الحرب خدعة. فقال المغيرة: أتأذن لي يا أمير المؤمنين في إتيانه؟ قال: نعم، فائته وتلطف له، فأتى المغيرة زيادا، فقال زياد حين بلغه قدوم المغيرة: ما قدم إلا لأمر، ثم أذن له، فدخل عليه وهو في بهو له مستقبل الشمس، فقال زياد: أفلح رائد! فقال: إليك ينتهي الخبر أبا المغيرة، إن معاوية استخفه الوجل حتى بعثني إليك، ولم يكن يعلم أحدا يمد يده إلى هذا الأمر غير الحسن، وقد بايع معاوية، فخذ لنفسك قبل التوطين، فيستغنى عنك معاوية، قال: أشر علي، وارم الغرض الأقصى، ودع عنك الفضول، فإن المستشار مؤتمن، فقال المغيرة: في محض الرأي بشاعة، ولا خير في المذيق، أرى أن تصل حبلك بحبله، وتشخص إليه، قال: أرى ويقضي الله.
        [في إسناده من لم يسم]

        حدثني عمر، قال: حدثنا علي، عن مسلمة بن محارب، قال: أقام زياد في القلعة أكثر من سنة، فكتب إليه معاوية: علام تهلك نفسك؟ إلي فأعلمني علم ما صار إليك مما اجتبيت من الأموال، وما خرج من يديك، وما بقي عندك، وأنت آمن، فإن أحببت المقام عندنا أقمت، وإن أحببت أن ترجع إلى مأمنك رجعت ، فخرج زياد من فارس، وبلغ المغيرة بن شعبة : أن زيادا قد أجمع على إتيان معاوية، فشخص المغيرة إلى معاوية قبل شخوص زياد من فارس، وأخذ زياد من اصطخر إلى أرجان، فأتى ماه بهزاذان، ثم أخذ طريق حلوان حتى قدم المدائن، فخرج عبد الرحمن إلى معاوية يخبره بقدوم زياد، ثم قدم زياد الشام، وقدم المغيرة بعد شهر، فقال له معاوية: يا مغيرة ! زياد أبعد منك بمسيرة شهر، وخرجت قبله وسبقك . فقال: يا أمير المؤمنين، إن الأريب إذا كلم الأريب أفحمه، قال: خذ حذرك، واطو عنى سرك، فقال: إن زيادا قدم يرجو الزيادة، وقدمت أتخوف النقصان، فكان سيرنا على حسب ذلك، قال: فسأل معاوية زيادا عما صار إليه من أموال فارس، فأخبره بما حمل منها إلى علي رضي الله عنه، وما أنفق منها في الوجوه التي يحتاج فيها إلى النفقة، فصدقه معاوية على ما أنفق، وما بقي عنده، وقبضه منه، وقال: قد كنت أمين خلفائنا.
        [إسناده مرسل ضعيف]

        حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أبو مخنف وأبو عبد الرحمن الأصبهاني وسلمة بن عثمان وشيخ من بني تميم وغيرهم ممن يوثق بهم، قال: كتب معاوية إلى زياد وهو بفارس يسأله القدوم عليه، فخرج زياد من فارس مع المنجاب بن راشد الضبي ، وحارثة بن بدر الغداني، وسرح عبد الله بن خازم في جماعة إلى فارس، فقال: لعلك تلقى زيادا في طريقك فتأخذه . فسار ابن خازم إلى فارس، فقال بعضهم: لقيه بسوق الأهواز، وقال بعضهم: لقيه بأرجان، فأخذ ابن خازم بعنان زياد، فقال: انزل يا زياد، فصاح به المنجاب بن راشد: تنح يا بن سوداء، وإلا علقت يدك بالعنان قال: ويقال: انتهى إليهم ابن خازم وزياد جالس، فأغلظ له ابن خازم، فشتم المنجاب بن خازم، فقال له زياد: ما تريد يا بن خازم؟ قال: أريد أن تجيء إلى البصرة، قال: فإني آتيها، فانصرف ابن خازم استحياء من زياد.
        وقال بعضهم: التقى زياد وابن خازم بأرجان، فكانت بينهم منازعة، فقال زياد لابن خازم قد أتاني أمان معاوية، فأنا أريده، وهذا كتابه إلي. قال: فإن كنت تريد أمير المؤمنين فلا سبيل عليك، فمضى ابن خازم إلى سابور، ومضى زياد إلى ماه بهزاذان، وقدم على معاوية، فسأله عن أموال فارس، فقال: دفعتها يا أمير المؤمنين في أرزاق وأعطيات وحمالات، وبقيت بقية أودعتها قوما، فمكث بذلك يردده، وكتب زياد كتبا إلى قوم منهم شعبة بن القلعم: قد علمتم ما لي عندكم من الأمانة، فتدبروا كتاب الله عز وجل : «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال ... » الآية، فاحتفظوا بما قبلكم وسمى في الكتب بالمبلغ الذي أقرّ به لمعاوية، ودسّ الكتب مع رسوله، وأمره أن يعرض لبعض من يبلغ ذلك معاوية، فتعرض رسوله حتى انتشر ذلك، وأخذ فأتي به معاوية، فقال معاوية لزياد: لئن لم تكن مكرت بي إن هذه الكتب من حاجتي . فقرأها، فإذا هي بمثل ما أقر به، فقال معاوية: أخاف أن تكون قد مكرت بي، فصالحني على ما شئت، فصالحه على شيء مما ذكره إنه عنده، فحمله، وقال زياد: يا أمير المؤمنين، قد كان لي مال قبل الولاية، فوددت أن ذلك المال بقي، وذهب ما أخذت من الولاية . ثم سأل زياد معاوية أن يأذن له في نزول الكوفة فأذن له، فشخص إلى الكوفة، فكان المغيرة يكرمه ويعظمه، فكتب معاوية إلى المغيرة: خذ زيادا وسليمان بن صرد وحجر بن عدي وشبث بن ربعي وابن الكواء ، وعمرو بن الحمق بالصلاة في الجماعة، فكانوا يحضرون معه في الصلاة.
        [إسناده تالف]

        حدثني عمر بن شبة، قال: حدثنا علي عن سليمان بن أرقم، قال: بلغني أن زيادا قدم الكوفة، فحضرت الصلاة، فقال له المغيرة: تقدم فصلِّ، فقال: لا أفعل، أنت أحق مني بالصلاة في سلطانك قال: ودخل عليه زياد وعند المغيرة أم أيوب بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط، فأجلسها بين يديه، وقال: لا تستترى من أبي المغيرة، فلما مات المغيرة تزوجها زياد وهي حدثة، فكان زياد يأمر بفيل كان عنده، فيوقف، فتنظر إليه أم أيوب، فسمي باب الفيل.
        [إسناده مرسل ضعيف لضعف سليمان بن أرقم]

        وحج بالناس في هذه السنة عنبسة بن أبي سفيان، كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر .
        [إسناده ضعيف وكذلك قال خليفة بن خياط (تأريخ خليفة / 205 )]


        وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
        أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

        تعليق


        • #5
          رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

          طيب تمام الحمد لله ..

          لو ما مهم أراجع خلاص ممكن أتجاوز هذه المسألة حتى يكون أسرع بكثير

          وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
          أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

          تعليق


          • #6
            رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

            ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين
            ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
            فمن ذلك غزوة بسر بن أبي أرطاة الروم ومشتاه بأرضهم حتى بلغ القسطنطينية- فيما زعم الواقدي- وقد أنكر ذاك قوم من أهل الأخبار، فقالوا: لم يكن لبسر بأرض الروم مثتى قط.
            [ضعيف]

            وفيها ولى معاوية، عبد الله بن عمرو بن العاص مصر بعد موت أبيه، فوليها له- فيما زعم الواقدي- نحوا من سنتين .
            [ضعيف]

            خبر قتل المستورد بن علفة الخارجي
            وفيها قتل المستورد بن علفة الخارجي، فيما زعم هشام بن محمد ، وقد زعم بعضهم أنه قتل في سنة اثنتين وأربعين.
            ذكر الخبر عن مقتله:
            قد ذكرنا ما كان من اجتماع بقايا الخوارج الذين كانوا ارتثوا يوم النهر، ومن كان منهم انحاز إلى الري وغيرهم إلى النفر الثلاثة الذين سميت قبل، الذين أحدهم المستورد بن علفة، وذكرنا بيعتهم المستورد، واجتماعهم على الخروج في غرة هلال شعبان من سنة ثلاث وأربعين.
            فذكر هشام، عن أبي مخنف : أن جعفر بن حذيفة الطائي حدثه عن المحل بن خليفة : أن قبيصة بن الدمون أتى المغيرة بن شعبة- وكان على شرطته- فقال: إن شمر بن جعونة الكلابي جاءني فخبرني : أن الخوارج قد اجتمعوا في منزل حيان بن ظبيان السلمي، وقد اتعدوا أن يخرجوا إليك
            في غرة شعبان، فقال المغيرة بن شعبة لقبيصة بن الدمون- وهو حليف لثقيف، وزعموا أن أصله كان من حضرموت من الصدف: سر بالشرطة حتى تحيط بدار حيان بن ظبيان فأتني به، وهم لا يرون إلا أنه أمير تلك الخوارج فسار قبيصة في الشرطة وفي كثير من الناس، فلم يشعر حيان بن ظبيان إلا والرجال معه في داره نصف النهار، وإذا معه معاذ بن جوين ونحو من عشرين رجلا من أصحابهما، وثارت امرأته، أم ولد له، فأخذت سيوفا كانت لهم، فألقتها تحت الفراش، وفزع بعض القوم إلى سيوفهم فلم يجدوها، فاستسلموا، فانطلق بهم إلى المغيرة بن شعبة، فقال لهم المغيرة: ما حملكم على ما أردتم من شق عصا المسلمين؟ فقالوا: ما أردنا من ذلك شيئا، قال: بلى، قد بلغني ذلك عنكم، ثم قد صدق ذلك عندي جماعتكم، قالوا له: أما اجتماعنا في هذا المنزل فإن حيان بن ظبيان أقرأنا القرآن، فنحن نجتمع عنده في منزله فنقرأ القرآن عليه.
            فقال: اذهبوا بهم إلى السجن، فلم يزالوا فيه نحوا من سنة، وسمع إخوانهم بأخذهم فحذروا، وخرج صاحبهم المستورد بن علفة فنزل دارا بالحيرة إلى جنب قصر العدسيين من كلب، فبعث إلى إخوانه، وكانوا يختلفون إليه ويتجهزون، فلما كثر اختلاف أصحابه إليه قال لهم صاحبهم المستورد بن علفة التيمي: تحولوا بنا عن هذا المكان، فإني لا آمن أن يطلع عليكم فإنهم في ذلك يقول بعضهم لبعض: نأتي مكان كذا وكذا، ويقول بعضهم: نأتي مكان كذا وكذا، إذ أشرف عليهم حجار بن أبجر من دار كان هو فيها وطائفة من أهله، فإذا هم بفارسين قد أقبلا حتى دخلا تلك الدار التي فيها القوم، ثم لم يكن بأسرع من أن جاء آخران فدخلا، ثم لم يكن إلا قليل حتى جاء آخر فدخل، ثم آخر فدخل، وكان ذلك بعينه ، وكان خروجهم قد اقترب، فقال حجار لصاحبة الدار التي كان فيها نازلا وهي ترضع صبيا لها: ويحك! ما هذه الخيل التي أراها تدخل هذه الدار؟ قالت: والله
            ما أدري ما هم! إلا أن الرجال يختلفون إلى هذه الدار رجالا وفرسانا لا ينقطعون، ولقد أنكرنا ذلك منذ أيام، ولا ندري من هم! فركب حجار فرسه، وخرج معه غلام له، فأقبل حتى انتهى إلى باب دارهم، فإذا عليه رجل منهم، فكلما أتى إنسان منهم إلى الباب دخل إلى صاحبه فأعلمه، فأذن له، فإن جاءه رجل من معروفيهم دخل ولم يستأذن، فلما انتهى إليه حجار لم يعرفه الرجل، فقال: من أنت رحمك الله؟ وما تريد؟ قال: أردت لقاء صاحبي، قال له: وما اسمك؟ قال له: حجار بن أبجر، قال: فكما أنت حتى أوذنهم بك ثم أخرج إليك فقال له حجار: ادخل راشدا! فدخل الرجل، واتبعه حجار مسرعا، فانتهى إلى باب صفة عظيمة هم فيها، وقد دخل إليهم الرجل فقال: هذا رجل يستأذن عليك أنكرته فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا حجار بن أبجر، فسمعهم يتفزعون ويقولون: حجار بن أبجر! والله ما جاء حجار بن أبجر بخير فلما سمع القول منهم أراد أن ينصرف ويكتفي بذلك من الاسترابة بأمرهم، ثم أبت نفسه أن ينصرف حتى يعاينهم، فتقدم حتى قام بين سجفي باب الصفة وقال: السلام عليكم، فنظر فإذا هو بجماعة كثيرة، وإذا سلاح ظاهر ودروع، فقال حجار: اللهم اجمعهم على خير، من أنتم عافاكم الله؟ فعرفه علي بن أبى شمر بن الحصين، من تيم الرباب- وكان أحد الثمانية الذين انهزموا من الخوارج يوم النهر، وكان من فرسان العرب ونساكهم وخيارهم- فقال له: يا حجار بن أبجر، إن كنت إنما جاء بك التماس الخبر فقد وجدته، وإن كنت إنما جاء بك أمر غير ذلك فادخل، وأخبرنا ما أتى بك، فقال: لا حاجة لي في الدخول، فانصرف، فقال بعضهم لبعض: أدركوا هذا فاحبسوه، فإنه مؤذن بكم، فخرجت منهم جماعة في إثره- وذلك عند تطفيل الشمس للإياب- فانتهوا إليه وقد ركب فرسه، فقالوا له: أخبرنا خبرك، وما جاء بك؟ قال: لم آت لشيء يروعكم ولا يهولكم، فقالوا له: انتظر حتى ندنو منك ونكلمك، أو تدنو منا، أخبرنا فنعلمك أمرنا، ونذكر حاجتنا، فقال لهم: ما أنا بدان منكم، ولا أريد أن يدنو مني منكم أحد، فقال له
            علي بن أبي شمر بن الحصين: أفمؤمننا أنت من الإذن بنا هذه الليلة وأنت محسن، فإن لنا قرابة وحقا؟ قال: نعم، أنتم آمنون من قبلي هذه الليلة وليالي الدهر كلها، ثم انطلق حتى دخل الكوفة وأدخل أهله معه وقال الآخرون بعضهم لبعض: إنا لا نأمن أن يؤذن بنا هذا، فأخرجوا بنا من هذا الموضع ساعتنا هذه، قال: فصلوا المغرب، ثم خرجوا من الحيرة متفرقين، فقال لهم صاحبهم: الحقوا بي في دار سليم بن محدوج العبدي من بني سلمة، فخرج من الحيرة، فمضى حتى أتى عبد القيس، فأتى بني سلمة، فبعث إلى سليم بن محدوج- وكان له صهرا- فأتاه، فأدخله وأصحابا له خمسة أو ستة، ورجع حجار بن أبجر إلى رحله، فأخذوا ينتظرون منه أن يبلغهم منه ذكر لهم عند السلطان أو الناس، فما ذكرهم عند أحد منهم، ولا بلغهم عنه في ذلك شيء يكرهونه .
            فبلغ الخبر المغيرة بن شعبة أن الخوارج خارجة عليه في أيامه تلك، وأنهم قد اجتمعوا على رجل منهم، فقام المغيرة بن شعبة في الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فقد علمتم أيها الناس أني لم أزل أحب لجماعتكم العافية، وأكف عنكم الأذى، وأنِّي والله لقد خشيت أن يكون ذلك أدب سوء لسفهائكم، فأما الحلماء الأتقياء فلا، وايم الله لقد خشيت ألا أجد بدا من أن يعصب الحليم التقي بذنب السفيه الجاهل، فكفوا أيها الناس سفهاءكم قبل أن يشمل البلاء عوامكم ، وقد ذكر لي أن رجالا منكم يريدون أن يظهروا في المصر بالشقاق والخلاف، وايم الله لا يخرجون في حي من أحياء العرب في هذا المصر إلا أبدتهم وجعلتهم نكالا لمن بعدهم، فنظر قوم لأنفسهم قبل الندم، فقد قمت هذا المقام إرادة الحجة والإعذار.
            فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال: أيها الأمير، هل سمي لك أحد من هؤلاء القوم؟ فإن كانوا سموا لك فأعلمنا من هم؟ فإن كانوا منا كفيناكهم، وإن كانوا من غيرنا أمرت أهل الطاعة من أهل
            مصرنا، فأتتك كل قبيلة بسفهائها، فقال: ما سمي لي أحد منهم، ولكن قد قيل لي: إن جماعة يريدون أن يخرجوا بالمصر، فقال له معقل: أصلحك الله! فإني أسير في قومي، وأكفيك ما هم فيه، فليكفك كل امرئ من الرؤساء قومه فنزل المغيرة بن شعبة، وبعث إلى رؤساء الناس فدعاهم، ثم قال لهم: إنه قد كان من الأمر ما قد علمتم، وقد قلت ما قد سمعتم، فليكفني كل امرئ من الرؤساء قومه، وإلا فو الذى لا إله غيره لأتحولن عما كنتم تعرفون إلى ما تنكرون، وعما تحبون إلى ما تكرهون، فلا يلم لائم إلا نفسه، وقد أعذر من أنذر فخرجت الرؤساء إلى عشائرهم، فناشدوهم الله والإسلام إلا دلوهم على من يرون أنه يريد أن يهيج فتنة، أو يفارق جماعة، وجاء صعصعة بن صوحان فقام في عبد القيس.
            [إسناده تالف]

            قال هشام: قال أبو مخنف: فحدثني الأسود بن قيس العبدي، عن مرة بن النعمان، قال: قام فينا صعصعة بن صوحان وقد والله جاءه من الخبر بمنزل التيمي وأصحابه في دار سليم بن محدوج، ولكنه كره على فراقه إياهم وبغضه لرأيهم، أن يؤخذوا في عشيرته، وكره مساءة أهل بيت من قومه، فقال: قولا حسنا، ونحن يومئذ كثير أشرافنا، حسن عددنا، قال: فقام فينا بعد ما صلى العصر، فقال: يا معشر عباد الله، إن الله- وله الحمد كثيرا- لما قسم الفضل بين المسلمين خصكم منه بأحسن القسم، فأجبتم إلى دين الله الذي اختاره الله لنفسه، وارتضاه لملائكته ورسله، ثم أقمتم عليه حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم اختلف الناس بعده فثبتت طائفة، وارتدت طائفة، وأدهنت طائفة، وتربصت طائفة، فلزمتم دين الله إيمانا به وبرسوله، وقاتلتم المرتدين حتى قام الدين، وأهلك الله الظالمين، فلم يزل الله يزيدكم بذلك خيرا في كل شيء، وعلى كل حال، حتى اختلفت الأمة بينها، فقالت طائفة: نريد طلحة والزبير وعائشة، وقالت طائفة: نريد أهل المغرب، وقالت طائفة: نريد عبد الله بن وهب الراسبي، راسب الأزد، وقلتم أنتم: لا نريد إلا أهل البيت الذين ابتدأنا الله من قبلهم بالكرامة، تسديدا من الله لكم وتوفيقا، فلم تزالوا على الحق لازمين له، آخذين به، حتى أهلك الله بكم وبمن كان على مثل هداكم ورأيكم الناكثين يوم الجمل، والمارقين يوم النهر- وسكت عن ذكر أهل الشام، لأن السلطان كان حينئذ سلطانهم- ولا قوم أعدى لله ولكم ولأهل بيت نبيكم ولجماعة المسلمين من هذه المارقة الخاطئة، الذين فارقوا إمامنا، واستحلوا دماءنا، وشهدوا علينا بالكفر، فإياكم أن تؤووهم في دوركم، أو تكتموا عليهم، فإنه ليس ينبغي لحي من أحياء العرب أن يكون أعدى لهذه المارقة منكم، وقد والله ذكر لي أن بعضهم في جانب من الحي، وأنا باحث عن ذلك وسائل، فإن كان حكي لي ذلك حقا تقربت إلى الله تعالى بدمائهم، فإن دماءهم حلال ، ثم قال: يا معشر عبد القيس! إن ولاتنا هؤلاء هم أعرف شيء بكم وبرأيكم، فلا تجعلوا لهم عليكم سبيلا، فإنهم أسرع شيء إليكم وإلى أمثالكم ثم تنحى فجلس، فكل قومه قال: لعنهم الله! وقال: برئ الله منهم، فلا والله ، فلا نؤويهم، ولئن علمنا بمكانهم لنطلعنك عليهم، غير سليم بن محدوج، فإنه لم يقل شيئا، فرجع إلى قومه كئيبا واجما، يكره أن يخرج أصحابه من منزله فيلوموه، وقد كانت بينهم مصاهرة، وكان لهم ثقة، ويكره أن يطلبوا في داره فيهلكوا ويهلك وجاء فدخل رحله، وأقبل أصحاب المستورد يأتونه، فليس منهم رجل إلا يخبره بما قام به المغيرة بن شعبة في الناس وبما جاءهم رؤساؤهم، وقاموا فيهم، وقالوا له: اخرج بنا، فو الله ما نأمن أن نؤخذ في عشائرنا قال: فقال لهم: أما ترون رأس عبد القيس قام فيهم كما قامت رؤساء العشائر في عشائرهم؟ قالوا: بلى والله نرى قال: فإن صاحب منزلي لم يذكر لي شيئا، قالوا: نرى والله : أنه استحيا منك، فدعاه فأتاه، فقال: يا بن محدوج، إنه قد بلغني أن رؤساء العشائر قاموا إليهم، وتقدموا إليهم في وفي أصحابي، فهل قام فيكم أحد يذكر لكم شيئا من ذلك؟ قال: فقال: نعم، قد قام فينا صعصعة ابن صوحان، فتقدم إلينا في ألا نؤوي أحدا من طلبتهم، وقالوا أقاويل كثيرة كرهت أن أذكرها لكم فتحسبوا أنه ثقل علي شيء من أمركم، فقال له المستورد: قد أكرمت المثوى، وأحسنت الفعل، ونحن إن شاء الله مرتحلون عنك، ثم قال: أما والله لو أرادوك في رحلي ما وصلوا إليك ولا إلى أحد من أصحابك حتى أموت دونكم، قال: أعاذك الله من ذلك!
            وبلغ الذين في محبس المغيرة ما أجمع عليه أهل المصر من الرأي في نفي من كان بينهم من الخوارج وأخذهم، فقال معاذ بن جوين بن حصين في ذلك:
            ألا أيها الشارون قد حان لامرئ ... شرى نفسه لله أن يترحلا
            أقمتم بدار الخاطئين جهالة ... وكل امرئ منكم يصاد ليقتلا
            فشدوا على القوم العداه فإنما ... أقامتكم للذبح رأيا مضللا
            ألا فاقصدوا يا قوم للغاية التي ... إذا ذكرت كانت أبر وأعدلا
            فيا ليتني فيكم على ظهر سابح ... شديد القصيرى دارعا غير أعزلا
            ويا ليتني فيكم أعادي عدوكم ... فيسقيني كأس المنية أولا
            يعز علي أن تخافوا وتطردوا ... ولما أجرد في المحلين منصلا
            ولما يفرق جمعهم كل ماجد ... إذا قلت قد ولى وأدبر أقبلا
            مشيحا بنصل السيف في حمس الوغى ... يرى الصبر في بعض المواطن أمثلا
            وعز علي أن تضاموا وتنقصوا ... وأصبح ذا بث أسيرا مكبلا
            ولو أنني فيكم وقد قصدوا لكم ... أثرت إذا بين الفريقين قسطلا
            فيا رب جمع قد فللت وغارة ... شهدت وقرن قد تركت مجدلا
            فبعث المستورد إلى أصحابه فقال لهم: اخرجوا من هذه القبيلة لا يصب امرأ مسلما في سببنا بغير علم معرة . وكان فيهم بعض من يرى رأيهم، فاتعدوا سورا، فخرجوا إليها متقطعين من أربعة وخمسة وعشرة، فتتاموا بها ثلاثمئة رجل، ثم ساروا إلى الصراة، فباتوا بها ليلة.
            ثم إن المغيرة بن شعبة أخبر خبرهم، فدعا رؤساء الناس، فقال: إن هؤلاء الأشقياء قد أخرجهم الحين وسوء الرأي، فمن ترون أبعث إليهم؟ قال: فقام إليه عدي بن حاتم، فقال: كلنا لهم عدو، ولرأيهم مسفه، وبطاعتك مستمسك، فأينا شئت سار إليهم.
            فقام معقل بن قيس، فقال: إنك لا تبعث إليهم أحدا ممن ترى حولك من أشراف المصر إلا وجدته سامعا مطيعا، ولهم مفارقا، ولهلاكهم محبا، ولا أرى أصلحك الله أن تبعث إليهم أحدا من الناس أعدى لهم ولا أشد عليهم مني، فابعثني إليهم فإني أكفيكهم بإذن الله، فقال اخرج على اسم الله، فجهز معه ثلاثة آلاف رجل.
            وقال المغيرة لقبيصة بن الدمون: الصق لي بشيعة علي، فأخرجهم مع معقل بن قيس، فإنه كان من رءوس أصحابه، فإذا بعثت بشيعته الذين كانوا يعرفون فاجتمعوا جميعا، استأنس بعضهم ببعض وتناصحوا، وهم أشد استحلالا لدماء هذه المارقة، وأجرأ عليهم من غيرهم، وقد قاتلوا قبل هذه المرة.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: فحدثني الأسود بن قيس، عن مرة بن منقذ بن النعمان، قال: كنت أنا فيمن ندب معه يومئذ، قال: لقد كان صعصعة بن صوحان قام بعد معقل بن قيس وقال: ابعثني إليهم أيها الأمير،
            فأنا والله لدمائهم مستحل، وبحملها مستقل، فقال: اجلس، فإنما أنت خطيب، فكان أحفظه ذلك، وإنما قال ذلك لأنه بلغه أنه يعيب عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويكثر ذكر عليّ ويفضله، وقد كان دعاه، فقال: إياك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان عند أحد من الناس، وإياك أن يبلغني عنك أنك تظهر شيئا من فضل علي علانية، فإنك لست بذاكر من فضل عليّ شيئا أجهله، بل أنا أعلم بذلك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس، فنحن ندع كثيرا مما أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بدا، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية، فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سرا، وأما علانية في المسجد فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا، ولا يعذرنا به، فكان يقول له: نعم أفعل، ثم يبلغه أنه قد عاد إلى ما نهاه عنه، فلما قام إليه وقال له: ابعثني إليهم، وجد المغيرة قد حقد عليه خلافه إياه، فقال: اجلس فإنما أنت خطيب، فأحفظه، فقال له: أوما أنا إلا خطيب فقط! أجل والله، إني للخطيب الصليب الرئيس، أما والله لو شهدتني تحت راية عبد القيس يوم الجمل حيث اختلفت القنا، فشؤون تفرى، وهامة تختلى، لعلمت أني أنا الليث الهزبر، فقال: حسبك الآن، لعمري لقد أوتيت لسانا فصيحا، ولم يلبث قبيصة بن الدمون أن أخرج الجيش مع معقل، وهم ثلاثة آلاف نقاوة الشيعة وفرسانهم.
            [إسناده تالف ، وفي متنه نكارة ]

            قال أبو مخنف: فحدثني النضر بن صالح، عن سالم بن ربيعة، قال: إني جالس عند المغيرة بن شعبة حين أتاه معقل بن قيس يسلم عليه ويودعه، فقال له المغيرة: يا معقل بن قيس، إني قد بعثت معك فرسان أهل المصر، أمرت بهم فانتخبوا انتخابا، فسر إلى هذه العصابة المارقة الذين فارقوا جماعتنا، وشهدوا عليها بالكفر، فادعهم إلى التوبة، وإلى الدخول في الجماعة، فإن فعلوا فاقبل منهم، واكفف عنهم، وإن هم لم يفعلوا فناجزهم، واستعن بالله عليهم .
            فقال معقل بن قيس: سندعوهم ونعذر، وايم الله ما أرى أن يقبلوا، ولئن لم يقبلوا الحق لا نقبل منهم الباطل، هل بلغك- أصلحك الله- أين منزل القوم؟ قال: نعم، كتب إلي سماك بن عبيد العبسي- وكان عاملا له على المدائن- يخبرني أنهم ارتحلوا من الصراة، فأقبلوا حتى نزلوا بهرسير، وأنهم أرادوا أن يعبروا إلى المدينة العتيقة التي بها منازل كسرى وأبيض المدائن، فمنعهم سماك أن يجوزوا، فنزلوا بمدينة بهرسير مقيمين، فاخرج إليهم، وانكمش في آثارهم حتى تلحقهم، ولا تدعهم والإقامة في بلد ينتهي إليهم فيه أكثر من الساعة التي تدعوهم فيها، فإن قبلوا وإلا فناهضهم، فإنهم لن يقيموا ببلد يومين إلا أفسدوا كل من خالطهم.
            فخرج من يومه فبات بسورا، فأمر المغيرة مولاه ورادا، فخرج إلى الناس في مسجد الجماعة، فقال: أيها الناس، إن معقل بن قيس قد سار إلى هذه المارقة، وقد بات الليلة بسورا، فلا يتخلفن عنه أحد من أصحابه.
            ألا وأن الأمير يحرج على كل رجل من المسلمين منهم، ويعزم عليهم أن يبيتوا بالكوفة، ألا وأيما رجل من هذا البعث وجدناه بعد يومنا بالكوفة فقد أحل بنفسه.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: وحدثني عبد الرحمن بن جندب، عن عبد الله بن عقبة الغنوي، قال: كنت فيمن خرج مع المستورد بن علفة، وكنت أحدث رجل فيهم قال: فخرجنا حتى أتينا الصراة، فأقمنا بها حتى تتامت جماعتنا، ثم خرجنا حتى انتهينا إلى بهرسير، فدخلناها ونذر بنا سماك بن عبيد العبسي، وكان في المدينة العتيقة، فلما ذهبنا لنعبر الجسر إليهم قاتلنا عليه، ثم قطعه علينا، فأقمنا ببهرسير قال: فدعاني المستورد بن علفه، فقال: اتكتب يا بن أخي؟ قلت: نعم، فدعا لي برق ودواة، وقال: اكتب: من عبد الله المستورد أمير المؤمنين إلى سماك بن عبيد، أما بعد، فقد نقمنا على قومنا الجور في الأحكام، وتعطيل الحدود، والاستئثار بالفيء، وإنا ندعوك إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وولاية أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما، والبراءة من عثمان وعلي، لإحداثهما في الدين، وتركهما حكم الكتاب، فإن تقبل فقد أدركت رشدك، وإلا تقبل فقد بالغنا في الإعذار إليك، وقد آذناك بحرب، فنبذنا إليك على سواء، إن الله لا يحب الخائنين قال: فقال المستورد: انطلق إلى سماك بهذا الكتاب فادفعه إليه، واحفظ ما يقول لك، والقني .
            قال: وكنت فتى حدثا حين أدركت، لم أجرب الأمور، ولا علم لي بكثير منها، فقلت: أصلحك الله! لو أمرتني أن أستعرض دجلة فألقي نفسي فيها ما عصيتك، ولكن تأمن علي سماكا أن يتعلق بي، فيحبسني عنك، فإذا أنا قد فاتني ما اترجاه من الجهاد! فتبسم وقال: يا بن أخي، إنما أنت رسول، والرسول لا يعرض له، ولو خشيت ذلك عليك لم أبعثك، وما أنت على نفسك بأشفق مني عليك قال: فخرجت حتى عبرت إليهم في معبر، فأتيت سماك بن عبيد، وإذا الناس حوله كثير قال: فلما أقبلت نحوهم أبدوني أبصارهم، فلما دنوت منهم ابتدرني نحو من عشرة، وظننت والله أن القوم يريدون أخذي، وأن الأمر عندهم ليس كما ذكر لي صاحبي، فانتضيت سيفي، وقلت: كلا، والذي نفسي بيده، لا تصلون إلي حتى أعذر إلى الله فيكم، قالوا لي: يا عبد الله، من أنت؟ قلت: أنا رسول أمير المؤمنين المستورد بن علفة، قالوا: فلم انتضيت سيفك؟ قلت: لابتداركم إلي، فخفت أن توثقوني وتغدروا بي قالوا: فأنت آمن، وإنما أتيناك لنقوم إلى جنبك، ونمسك بقائم سيفك، وننظر ما جئت له، وما تسأل، قال: فقلت لهم: لست آمنا حتى تردوني إلى أصحابي؟ قالوا: بلى، فشمت سيفي، ثم أتيت حتى قمت على رأس سماك بن عبيد وأصحابه قد ائتشبوا بي، فمنهم ممسك بقائم سيفي، ومنهم ممسك بعضدي، فدفعت إليه كتاب صاحبي، فلما قرأه رفع رأسه إلي، فقال: ما كان المستورد عندي خليقا لما كنت أرى من إخباته وتواضعه أن يخرج على المسلمين بسيفه، يعرض علي المستورد البراءة من علي وعثمان، ويدعوني إلى ولايته! فبئس والله الشيخ أنا إذا! قال: ثم نظر إلي فقال: يا بني، اذهب إلى صاحبك فقل له: اتق الله وارجع عن رأيك، وادخل في جماعة المسلمين، فإن أردت أن أكتب لك في طلب الأمان إلى المغيرة فعلت، فإنك ستجده سريعا إلى الإصلاح، محبا للعافية: قال: قلت له، وإن لي فيهم يومئذ بصيرة، هيهات! إنما طلبنا بهذا الأمر الذي أخافنا فيكم في عاجل الدنيا الأمن عند الله يوم القيامة، فقال لي: بؤسا لك! كيف أرحمك! ثم قال لأصحابه: إنهم خلوا بهذا ثم جعلوا يقرءون عليه القرآن ويتخضعون ويتباكون، فظن بهذا أنهم على شيء من الحق، إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا، والله ما رأيت قوما كانوا أظهر ضلالة، ولا أبين شؤما، من هؤلاء الذين ترون!
            قلت: يا هذا ! إنني لم آتك لأشاتمك ولا أسمع حديثك وحديث أصحابك، حدثني، أنت تجيبني إلى ما في هذا الكتاب أم لا تفعل فارجع إلى صاحبي؟ فنظر إلي ثم قال لأصحابه: ألا تعجبون إلى هذا الصبي! والله إني لأراني أكبر من أبيه، وهو يقول لي: أتجيبني إلى ما في هذا الكتاب! انطلق يا بني إلى صاحبك، إنما تندم لو قد اكتنفتكم الخيل، وأشرعت في صدوركم الرماح، هناك تمنى لو كنت في بيت أمك! قال: فانصرفت من عنده فعبرت إلى أصحابي، فلما دنوت من صاحبي قال: ما رد عليك؟ قلت: ما رد خيرا، قلت له: كذا وقال لي: كذا، فقصصت عليه القصة، قال: فقال المستورد: «إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم»
            قال: فلبثنا بمكاننا ذاك يومين أو ثلاثة ايام، ثم استبان لنا مسير معقل بن قيس إلينا قال: فجمعنا المستورد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن هذا الخرق معقل بن قيس قد وجه إليكم وهو من السبئية المفترين الكاذبين، وهو لله ولكم عدو، فأشيروا علي برأيكم قال: فقال له بعضنا: والله ما خرجنا نريد إلا الله، وجهاد من عادى الله، وقد جاءونا فأين نذهب عنهم! بل نقيم حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين وقالت طائفة أخرى: بل نعتزل ونتنحى، ندعو الناس ونحتج عليهم بالدعاء.
            فقال: يا معشر المسلمين، إني والله ما خرجت ألتمس الدنيا ولا ذكرها ولا فخرها ولا البقاء، وما أحب أنها لي بحذافيرها، وأضعاف ما يتنافس فيه منها بقبال نعلي! وما خرجت إلا التماس الشهادة، وأن يهديني الله إلى الكرامة بهوان بعض أهل الضلالة، وإني قد نظرت فيما استشرتكم فيه فرأيت ألا أقيم لهم حتى يقدموا عليّ وهم جامون متوافرون، ولكن رأيت أن أسير حتى أمعن، فإنهم إذا بلغهم ذلك خرجوا في طلبنا، فتقطعوا وتبددوا، فعلى تلك الحال ينبغي لنا قتالهم، فاخرجوا بنا على اسم الله عز وجل.
            قال: فخرجنا فمضينا على شاطئ دجلة حتى انتهينا إلى جرجرايا، فعبرنا دجلة، فمضينا كما نحن في أرض ***ى حتى بلغنا المذار، فأقمنا فيها، وبلغ عبد الله بن عامر مكاننا الذي كنا فيه، فسأل عن المغيرة بن شعبة، كيف صنع في الجيش الذي بعث إلى الخوارج؟ وكم عدتهم؟ فأخبر بعدتهم، وقيل له: إن المغيرة نظر إلى رجل شريف رئيس قد كان قاتل الخوارج مع على ع، وكان من أصحابه، فبعثه وبعث معه شيعة علي لعداوتهم لهم، فقال: أصاب الرأي، فبعث إلى شريك بن الأعور الحارثي- وكان يرى رأي عليّ عليه السلام- فقال له: اخرج إلى هذه المارقة فانتخب ثلاثة آلاف رجل من الناس، ثم أتبعهم حتى تخرجهم من أرض البصرة أو تقتلهم وقال له بينه وبينه: اخرج إلى أعداء الله بمن يستحل قتالهم من أهل البصرة، فظن شريك به انما يعنى شيعه على ع، ولكنه يكره أن يسميهم، فانتخب الناس، وألح على فرسان ربيعة الذين كان رأيهم في الشيعة، وكان تجيبه العظماء منهم ثم إنه خرج فيهم مقبلا إلى المستورد بن علفة بالمذار.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: وحدثني حصيرة بن عبد الله بن الحارث، عن أبيه عبد الله بن الحارث، قال: كنت في الذين خرجوا مع معقل بن قيس، فأقبلت معه، فو الله ما فارقته ساعة من نهار منذ خرجت، فكان أول منزل نزلناه سورا.
            قال: فمكثنا يوما حتى اجتمع إليه جل أصحابه، ثم خرجنا مسرعين مبادرين لعدونا أن يفوتنا، فبعثنا طليعة، فارتحلنا فنزلنا كوثى، فأقمنا بها يوما حتى لحق بنا من تخلف، ثم أدلج بنا من كوثى، وقد مضى من الليل هزيع، فأقبلنا حتى دنونا من المدائن، فاستقبلنا الناس فأخبرونا أنهم قد ارتحلوا، فشق علينا والله ذلك، وأيقنا بالعناء وطول الطلب.
            قال: وجاء معقل بن قيس حتى نزل باب مدينة بهرسير، ولم يدخلها، فخرج إليه سماك بن عبيد، فسلم عليه، وأمر غلمانه ومواليه فأتوه بالجزر والشعير وألقت، فجاءوه من ذلك بكل ما كفاه وكفى الجند الذين كانوا معه.
            ثم إن معقل بن قيس بعد أن أقام بالمدائن ثلاثا جمع أصحابه فقال: إن هؤلاء المارقة الضلال إنما خرجوا فذهبوا على وجوههم إرادة أن تتعجلوا في آثارهم، فتقطعوا وتبددوا، ولا تلحقوا بهم إلا وقد تعبتم ونصبتم، وأنه ليس شيء يدخل عليكم من ذلك إلا وقد يدخل عليهم مثله، فخرج بنا من المدائن، فقدم بين يديه ابو الرواغ الشاكري في ثلاثمائة فارس، فاتبع آثارهم، فخرج معقل في أثره، فاخذ ابو الرواع يسأل عنهم، ويركب الوجه الذي أخذوا فيه، حتى عبروا جرجرايا في آثارهم، ثم سلك الوجه الذي أخذوا فيه، فاتبعهم، فلم يزل ذلك دأبه حتى لحقهم بالمذار مقيمين، فلما دنا منهم استشار أصحابه في لقائهم وقتالهم قبل قدوم معقل عليه، فقال له بعضهم: أقدم بنا عليهم فلنقاتلهم، وقال بعضهم: والله ما نرى أن تعجل إلى قتالهم حتى يأتينا أميرنا، ونلقاهم بجماعتنا.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: فحدثني تليد بن زيد بن راشد الفائشي أن أباه كان معه يومئذ قال: فقال لنا أبو الرواغ: إن معقل بن قيس حين سرحني أمامه أمرني أن أتبع آثارهم، فإذا لحقتهم لم أعجل إلى قتالهم حتى يأتيني.
            قال: فقال له جميع أصحابه: فالرأي الآن بين، تنح بنا فلنكن قريبا منهم حتى يقدم علينا صاحبنا، فتنحينا- وذلك عند المساء- قال: فبتنا ليلتنا كلها متحارسين حتى أصبحنا، فارتفع الضحى، وخرجوا علينا، قال: فخرجنا إليهم وعدتهم ثلاثمائة ونحن ثلاثمائة، فلما اقتربوا شدوا علينا، فلا والله ما ثبت لهم منا إنسان، قال: فانهزمنا ساعة، ثم إن أبا الرواغ صاح بنا وقال: يا فرسان السوء، قبحكم الله سائر اليوم! الكرة الكرة! قال: فحمل وحملنا معه، حتى إذا دنونا من القوم كر بنا، فانصرفنا وكروا علينا، وكشفونا طويلا، ونحن على خيل معلمة جياد، ولم يصب منا أحد، وقد كانت جراحات يسيرة، فقال لنا أبو الرواغ: ثكلتكم أمهاتكم! انصرفوا بنا فلنكر قريبا منهم، لا نزايلهم حتى يقدم علينا أميرنا، فما أقبح بنا أن نرجع إلى الجيش، وقد انهزمنا من عدونا ولم نصبر لهم حتى يشتد القتال وتكر القتلى قال: فقال رجل منا يجيبه: إن الله لا يستحيي من الحق، قد والله هزمونا، قال أبو الرواغ: لا أكثر الله فينا ضربك! إنا ما لم ندع المعركة فلم نهزم، وإنا متى عطفنا عليهم وكنا قريبا منهم فنحن على حال حسنة حتى يقدم علينا الجيش، ولم نرجع عن وجهنا، إنه والله لو كان يقال: انهزم أبو حمران حمير بن بجير الهمداني، ما باليت، إنما يقال: انهزم أبو الرواغ، فقفوا قريبا، فإن أتوكم فعجزتم عن قتالهم فانحازوا، فإن حملوا عليكم فعجزتم عن قتالهم فتأخروا وانحازوا إلى حامية، فإذا رجعوا عنكم فاعطفوا عليهم، وكونوا قريبا منهم، فإن الجيش آتيكم إلى ساعة قال: فأخذت الخوارج كلما حملت عليهم انحازوا وهم كانوا حامية، وإذا أخذوا في الكرة عليهم فتفرق جماعتهم قرب أبو الرواغ وأصحابه على خيلهم في آثارهم، فلما رأوا أنهم لا يفارقونهم، وقد طاردوهم هكذا من ارتفاع الضحى إلى الأولى فلما حضرت صلاة الظهر نزل المستورد للصلاة، واعتزل أبو الرواغ وأصحابه على رأس ميل منهم أو ميلين، ونزل أصحابه فصلوا الظهر، وأقاموا رجلين ربيئة، وأقاموا مكانهم حتى صلوا العصر ثم إن فتى جاءهم بكتاب معقل بن قيس الى ابن الرواغ، وكان اهل القرى وعابر والسبيل يمرون عليهم ويرونهم يقتتلون، فمن مضى منهم على الطريق نحو الوجه الذي يأتي من قبله معقل استقبل معقلا فأخبره بالتقاء أصحابه والخوارج، فيقول: كيف رأيتموهم يصنعون؟
            فيقولون: رأينا الحرورية تطرد أصحابك، فيقول: أما رأيتم أصحابي يعطفون عليهم ويقاتلونهم؟ فيقولون: بلى، يعطفون عليهم وينهزمون: فقال: إن كان ظني بأبي الرواغ صادقا لا يقدم عليكم منهزما أبدا ثم وقف عليهم، فدعا محرز بن شهاب بن بجير بن سفيان بن خالد بن منقر التميمي فقال له: تخلف في ضعفة الناس، ثم سر بهم على مهل، حتى تقدم بهم علي، ثم ناد في أهل القوة: ليتعجل كل ذي قوة معي، اعجلوا إلى إخوانكم، فإنهم قد لاقوا عدوهم، وإني لأرجو أن يهلكهم الله قبل أن تصلوا إليهم.
            قال: فاستجمع من أهل القوة والشجاعة وأهل الخيل الجياد نحو من سبعمائة، وسار فأسرع، فلما دنا من أبي الرواغ قال أبو الرواغ: هذه
            غبرة الخيل، تقدموا بنا إلى عدونا حتى يقدم علينا الجند، ونحن منهم قريب، فلا يرون اننا تنحينا عنهم ولاهبناهم قال: فاستقدم أبو الرواغ حتى وقف مقابل المستورد وأصحابه، وغشيهم معقل في أصحابه، فلما دنا منهم غربت الشمس، فنزل فصلى بأصحابه، ونزل أبو الرواغ فصلى بأصحابه في جانب آخر، وصلى الخوارج أيضا ثم إن معقل بن قيس أقبل بأصحابه حتى إذا دنا من أبي الرواغ دعاه فأتاه، فقال له: أحسنت أبا الرواغ! هكذا الظن بك، الصبر والمحافظة فقال: أصلحك الله! إن لهم شدات منكرات، فلا تكن أنت تليها بنفسك، ولكن قدم بين يديك من يقاتلهم، وكن أنت من وراء الناس ردءا لهم، فقال: نعم ما رايت! فو الله ما كان إلا ريثما قالها حتى شدوا عليه وعلى أصحابه، فلما غشوه انجفل عنه عامة أصحابه، وثبت ونزل، وقال: الأرض الأرض يا أهل الإسلام! ونزل معه أبو الرواغ الشاكري وناس كثير من الفرسان وأهل الحفاظ نحو مائتي رجل، فلما غشيهم المستورد وأصحابه استقبلوهم بالرماح والسيوف، وانجفلت خيل معقل عنه ساعة، ثم ناداهم مسكين بن عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس- وكان يومئذ من أشجع الناس وأشدهم بأسا- فقال:
            يا أهل الإسلام، أين الفرار، وقد نزل أميركم! ألا تستحيون! أن الفرار مخزاة وعار ولؤم، ثم كر راجعا، ورجعت معه خيل عظيمة، فشدوا عليهم ومعقل بن قيس يضاربهم تحت رايته مع ناس نزلوا معه من أهل الصبر، فضربوهم حتى اضطروهم إلى البيوت، ثم لم يلبثوا إلا قليلا حتى جاءهم محرز بن شهاب فيمن تخلف من الناس، فلما أتوهم أنزلهم ثم صف لهم، وجعل ميمنة وميسرة، فجعل أبا الرواغ على ميمنته ومحرز بن بجير بن سفيان على ميسرته ومسكين بن عامر على الخيل، ثم قال لهم: لا تبرحوا مصافكم حتى تصبحوا، فإذا أصبحتم ثرنا إليهم فناجزناهم، فوقف الناس مواقفهم على مصافهم.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: وحدثني عبد الرحمن بن جندب، عن عبد الله بن عقبة الغنوي، قال: لما انتهى إلينا معقل بن قيس قال لنا المستورد: لا تدعوا معقلا حتى يعبي لكم الخيل والرجل، شدوا عليهم شدة صادقة، لعل الله يصرعه فيها قال: فشددنا عليهم شدة صادقة، فانكشفوا فانفضوا ثم انجفلوا ووثب معقل عن فرسه حين رأى إدبار أصحابه عنه، فرفع رايته، ونزل معه ناس من أصحابه، فقاتلوا طويلا، فصبروا لنا، ثم إنهم تداعوا علينا، فعطفوا علينا من كل جانب، فانحزنا حتى جعلنا البيوت في ظهورنا، وقد قاتلناهم طويلا، وكانت بيننا جراحة وقتل يسير .
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: حدثني حصيرة بن عبد الله، عن أبيه أن عمير بن أبي أشاءة الأزدي قتل يومئذ، وكان فيمن نزل مع معقل بن قيس، وكان رئيسا.
            قال: وكنت أنا فيمن نزل معه، فو الله ما أنسى قول عمير بن أبي أشاءة ونحن نقتتل وهو يضاربهم بسيفه قدما:
            قد علمت أني إذا ما أقشعوا ... عني والتاث اللئام الوضع
            أحوس عند الروع ندب أروع.
            وقاتل قتالا شديدا ما رأيت أحدا قاتل مثله، فجرح رجالا كثيرا، وقتل وما أدري أنه قتل، ما عدا واحدا وقد علمت أنه اعتنقه، فخر على صدره فذبحه، فما حز رأسه حتى حمل عليه رجل منهم فطعنه بالرمح في ثغرة نحره، فخر عن صدره، وانجدل ميتا، وشددنا عليهم، وحزناهم إلى القرية، ثم انصرفنا إلى معركتنا، فأتيته وأنا أرجو أن يكون به رمق، فإذا هو قد فاظ، فرجعت إلى أصحابي فوقفت فيهم .
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: وحدثني عبد الرحمن بن جندب، عن عبد الله بن عقبة الغنوي، قال: إنا لمتواقفون أول الليل إذ أتانا رجل كنا بعثناه أول الليل، وكان بعض من يمر الطريق قد أخبرنا أن جيشا قد أقبل إلينا من البصرة، فلم نكترث، وقلنا لرجل من أهل الأرض وجعلنا له جعلا: اذهب فاعلم هل أتانا من قبل البصرة جيش؟ فجاء ونحن مواقفو أهل الكوفة، وقال لنا: نعم، قد جاءكم شريك بن الأعور، وقد استقبلت طائفة على رأس فرسخ عند الأولى، ولا أرى القوم إلا نازلين بكم الليلة، او مصبحيكم غدوه فأسقط في أيدينا.
            وقال المستورد لأصحابه: ماذا ترون؟
            قلنا: نرى ما رأيت، قال: فإني لا أرى أن أقيم لهؤلاء جميعا، ولكن نرجع إلى الوجه الذي جئنا منه، فإن أهل البصرة لا يتبعونا إلى أرض الكوفة، ولا يتبعنا حينئذ إلا أهل مصرنا، فقلنا له: ولم ذاك؟ فقال: قتال أهل مصر واحد أهون علينا من قتال أهل المصرين، قالوا: سر بنا حيث أحببت، قال: فانزلوا عن ظهور دوابكم فأريحوا ساعة، وأقضموها، ثم انظروا ما آمركم به، قال: فنزلنا عنها، فأقضمناها، قال: وبيننا وبينهم حينئذ ساعة قد ارتفعوا عن القرية مخافة أن نبيتهم، قال: فلما أرحناها وأقضمناها أمرنا فاستوينا على متونها، ثم قال: ادخلوا القرية، ثم اخرجوا من ورائها، وانطلقوا معكم بعلج يأخذ بكم من ورائها، ثم يعود بكم حتى يردكم إلى الطريق الذي منه أقبلتم، ودعوا هؤلاء مكانهم، فإنهم لم يشعروا بكم عامة الليل، أو حتى تصبحوا قال: فدخلنا القرية وأخذنا علجا، ثم خرجنا به أمامنا، فقلنا: خذ بنا من وراء هذا الصف حتى نعود إلى الطريق الذي منه أقبلنا ففعل ذلك، فجاء بنا حتى أقامنا على الطريق الذي منه أقبلنا، فلزمناه راجعين، ثم أقبلنا حتى نزلنا جرجرايا.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: حدثني حصيرة بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن الحارث، قال: إني أول من فطن لذهابهم، قال: فقلت: أصلحك الله! لقد رابني أمر هذا العدو منذ ساعة طويلة، إنهم كانوا مواقفين نرى سوادهم، ثم لقد خفي علي ذلك السواد منذ ساعة، وإني لخائف أن يكونوا زالوا من مكانهم ليكيدوا الناس، فقال: وما تخاف أن يكون من كيدهم؟ قلت: أخاف أن يبيتوا الناس، قال، والله ما آمن ذلك، قال: فقلت له: فاستعد لذلك، قال: كما أنت حتى أنظر يا عتاب، انطلق فيمن أحببت حتى تدنو من القرية فتنظر هل ترى منهم أحدا او تسمع لهم ركزا! وسل أهل القرية عنهم.
            فخرج في خمس الغزاة يركض حتى نظر القرية فأخذ لا يرى أحدا يكلمه، وصاح بأهل القرية، فخرج إليه منهم ناس، فسألهم عنهم، فقالوا: خرجوا فلا ندري كيف ذهبوا! فرجع إليه عتاب فأخبره الخبر، فقال معقل: لا آمن البيات، فأين مضر؟ فجاءت مضر فقال: قفوا هاهنا، وقال: أين ربيعة؟ فجعل ربيعة في وجه وتميما في وجه وهمدان في وجه، وبقية أهل اليمن في وجه آخر، وكان كل ربع من هؤلاء في وجه وظهره مما يلي ظهر الربع الآخر، وجال فيهم معقل حتى لم يدع ربعا إلا وقف عليه، وقال: ايها الناس، لو أتوكم فبدءوا بغيركم فقاتلوهم فلا تبرحوا أنتم مكانكم أبدا حتى يأتيكم أمري، وليغن كل رجل منكم الوجه الذي هو فيه، حتى نصبح فنرى رأينا فمكثوا متحارسين يخافون بياتهم حتى أصبحوا، فلما أصبحوا نزلوا فصلوا، وأتوا فأخبروا أن القوم قد رجعوا في الطريق الذي أقبلوا منه عودهم على بدئهم، وجاء شريك بن الأعور في جيش من أهل البصرة حتى نزلوا بمعقل بن قيس فلقيه، فتساءلا ساعة، ثم إن معقلا قال لشريك: أنا متبع آثارهم حتى ألحقهم لعل الله أن يهلكهم، فإني لا آمن إن قصرت في طلبهم أن يكثروا فقام شريك فجمع رجالا من وجوه أصحابه، فيهم خالد بن معدان الطائي وبيهس بن صهيب الجرمي، فقال لهم: يا هؤلاء، هل لكم في خير؟ هل لكم في أن تسيروا مع إخواننا من أهل الكوفة في طلب هذا العدو الذي هو عدو لنا ولهم حتى يستأصلهم
            الله ثم نرجع؟ فقال خالد بن معدان وبيهس الجرمي: لا والله، لا نفعل، إنما أقبلنا نحوهم لننفيهم عن أرضنا، ونمنعهم من دخولها، فان كفانا الله مئونتهم فإنا منصرفون إلى مصرنا، وفي أهل الكوفة من يمنعون بلادهم من هؤلاء الأكلب، فقال لهم: ويحكم! أطيعوني فيهم، فإنهم قوم سوء، لكم في قتالهم أجر وحظوة عند السلطان، فقال له بيهس الجرمي: نحن والله إذا كما قال أخو بني كنانة:
            كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بنيها فلم ترقع بذلك مرقعا
            أما بلغك أن الأكراد قد كفروا بجبال فارس! قال: قد بلغني، قال: فتأمرنا أن ننطلق معك نحمي بلاد أهل الكوفة، ونقاتل عدوهم، ونترك بلادنا، فقال له: وما الأكراد! إنما يكفيهم طائفة منكم، فقال له: وهذا العدو الذي تندبنا إليه إنما يكفيه طائفة من أهل الكوفة، إنهم لعمري لو اضطروا إلى نصرتنا لكان علينا نصرتهم، ولكنهم لم يحتاجوا إلينا بعد، وفي بلادنا فتق مثل الفتق الذي في بلادهم، فليغنوا ما قبلهم، وعلينا أن نغني ما قبلنا، ولعمري لو أنا أطعناك في اتباعهم فاتبعتهم كنت قد اجترأت على أميرك، وفعلت ما كان ينبغي لك أن تطلع فيه رأيه، ما كان ليحتملها لك فلما رأى ذلك قال لأصحابه: سيروا فارتحلوا، وجاء حتى لقي معقلا- وكانا متحابين على رأي الشيعة متوادين عليه- فقال: أما والله لقد جهدت بمن معي أن يتبعوني حتى أسير معكم إلى عدوكم فغلبوني، فقال له معقل: جزاك الله من أخ خيرا! إنا لم نحتج إلى ذلك، أما والله إني أرجو أن لو قد جهدوا لا يفلت منهم مخبر.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: حدثني الصقعب بن زهير، عن ابى امامه عبيد الله بن جنادة، عن شريك بن الأعور، قال: حدثنا بهذا الحديث شريك ابن الأعور قال: فلما قال: والله إني لأرجو أن لو جهدوا لا يفلت منهم مخبر، كرهتها والله له، وأشفقت عليه، وحسبت أن يكون شبه كلام البغي، قال: وايم الله ما كان من أهل البغي.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: حدثني حصيرة بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن الحارث الأزدي، قال: لما أتانا أن المستورد بن علفة وأصحابه قد رجعوا عن طريقهم سررنا بذلك، وقلنا: نتبعهم ونستقبلهم بالمدائن، وإن دنوا من الكوفة كان أهلك لهم، ودعا معقل بن قيس أبا الرواغ فقال له: اتبعه في أصحابك الذين كانوا معك حتى تحبسه علي حتى ألحقك، فقال له: زدني منهم فإنه أقوى لي عليهم إن هم أرادوا مناجزتي قبل قدومك، فإنا كنا قد لقينا منهم برحا، فزاده ثلاثمائة، فاتبعهم في سمائه، وأقبلوا سراعا حتى نزلوا جرجرايا، وأقبل أبو الرواغ في إثرهم مسرعا حتى لحقهم بجرجرايا، وقد نزلوا، فنزل بهم عند طلوع الشمس، فلما نظروا إذا هم بأبي الرواغ في المقدمة، فقال بعضهم لبعض: إن قتالكم هؤلاء أهون من قتال من يأتي بعدهم.
            قال: فخرجوا إلينا، فأخذوا يخرجون لنا العشرة فرسان منهم والعشرين فارسا، فنخرج لهم مثلهم، فتطارد الخيلان ساعة ينتصف بعضنا من بعض، فلما رأوا ذلك اجتمعوا فشدوا علينا شدة واحدة صدقوا فيها الحملة.
            قال: فصرفونا حتى تركنا لهم العرصة ثم إن أبا الرواغ نادى فيهم، فقال: يا فرسان السوء، يا حماة السوء، بئس ما قاتلتم القوم! إلي إلي! فعالج نحوا من مائة فارس، فعطف عليهم، وهو يقول:
            إن الفتى كل الفتى من لم يهل ... إذا الجبان حاد عن وقع الأسل.
            قد علمت أني إذا البأس نزل ... أروع يوم الهيج مقدام بطل
            ثم عطف عليهم فقاتلهم طويلا، ثم عطف أصحابه من كل جانب، فصدقوهم القتال حتى ردوهم إلى مكانهم الذي كانوا فيه، فلما رأى ذلك المستورد وأصحابه ظنوا أن معقلا إن جاءهم على تفئه ذلك لم يكن دون قتله لهم شيء، فمضى هو وأصحابه حتى قطعوا دجلة، ووقعوا في أرض بهرسير، وقطع أبو الرواغ في آثارهم فاتبعهم، وجاء معقل بن قيس فاتبع إثر أبي الرواغ، فقطع في أثره دجلة، ومضى المستورد نحو المدينة العتيقة، وبلغ ذلك سماك بن عبيد، فخرج حتى عبر إليها، ثم خرج بأصحابه وبأهل المدائن، فصف على بابها، وأجلس رجالا رماة على السور، فبلغهم ذلك، فانصرفوا حتى نزلوا ساباط، وأقبل أبو الرواغ في طلب القوم حتى مر بسماك ابن عبيد بالمدائن، فخبره بوجههم الذي أخذوا فيه، فاتبعهم حتى نزل بهم ساباط.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب، عن عبد الله بن عقبة الغنوي، قال: لما نزل بنا أبو الرواغ دعا المستورد أصحابه، فقال:إن هؤلاء الذين نزلوا بكم مع أبي الرواغ هم حر أصحاب معقل، ولا والله ما قدم إليكم إلا حماته وفرسانه، والله لو أعلم أنى إذا بادرت أصحابه هؤلاء إليه أدركته قبل أن يفارقوه بساعة لبادرتهم إليه، فليخرج منكم خارج فيسأل عن معقل أين هو؟ وأين بلغ؟ قال: فخرجت أنا فاستقبلت علوجا أقبلوا من المدائن، فقلت لهم: ما بلغكم عن معقل بن قيس؟ قالوا: جاء فيج لسماك بن عبيد من قبله كان سرحه ليستقبل معقلا فينظر أين انتهى؟ وأين يريد أن ينزل؟ فجاءه فقال: تركته نزل ديلمايا- وهي قرية من قرى إستان بهرسير إلى جانب دجلة، كانت لقدامة بن العجلان الأزدي- قال: له: كم بيننا وبينهم من هذا المكان؟ قالوا: ثلاثة فراسخ، أو نحو ذلك.
            قال: فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر، فقال لأصحابه: اركبوا، فركبوا، فأقبل حتى انتهى بهم إلى جسر ساباط- وهو جسر نهر الملك، وهو من جانبه الذي يلي الكوفة- وأبو الرواغ وأصحابه مما يلي المدائن، قال: فجئنا حتى وقفنا على الجسر، قال: ثم قال لنا: لتنزل طائفة منكم: قال:
            فنزل منا نحو من خمسين رجلا، فقال: اقطعوا هذا الجسر، فنزلنا فقطعناه، قال: فلما رأونا وقوفا على الخيل ظنوا أنا نريد أن نعبر إليهم، قال: فصفوا لنا، وتعبوا، واشتغلوا بذلك عنا في قطعنا الجسر ثم إنا أخذنا من أهل ساباط دليلا فقلنا له: احضر بين أيدينا حتى ننتهي إلى ديلمايا، فخرج بين أيدينا يسعى، وخرجنا تلمع بنا خيلنا، فكان الخبب والوجيف، فما كان إلا ساعة حتى أطللنا على معقل وأصحابه وهم يتحملون، فما هو الا أن بصر بنا وقد تفرق أصحابه عنه، ومقدمته ليست عنده، وأصحابه قد استقدم طائفة منهم، وطائفة تزحل، وهم غارون لا يشعرون فلما رآنا نصب رايته، ونزل ونادى: يا عباد الله، الأرض الأرض! فنزل معه نحو من مئتي رجل، قال: فأخذنا نحمل عليهم فيستقبلونا بأطراف الرماح جثاة على الركب فلا نقدر عليهم فقال لنا: المستورد: دعوا هؤلاء إذا نزلوا وشدوا على خيلهم حتى تحولوا بينها وبينهم، فإنكم إن أصبتم خيلهم فإنهم لكم عن ساعة جزر، قال: فشددنا على خيلهم، فحلنا بينهم وبينها، وقطعنا أعنتها، وقد كانوا قرنوها، فذهبت في كل جانب، قال: ثم ملنا على الناس المتزحلين والمتقدمين، فحملنا عليهم حتى فرقنا بينهم، ثم أقبلنا إلى معقل بن قيس وأصحابه جثاة على الركب على حالهم التي كانوا عليها، فحملنا عليهم، فلم يتحلحلوا، ثم حملنا عليهم أخرى، ففعلوا مثلها، فقال لنا المستورد: نازلوهم، لينزل إليهم نصفكم، فنزل نصفنا، وبقي نصفنا معه على الخيل، وكنت في أصحاب الخيل.
            قال: فلما نزل إليهم رجالتنا قاتلتهم، وأخذنا نحمل عليهم بالخيل، وطمعنا والله فيهم قال: فو الله إنا لنقاتلهم ونحن نرى أن قد علوناهم إذ طلعت علينا مقدمة أصحاب أبي الرواغ، وهم حر أصحابه وفرسانهم، فلما دنوا منا حملوا علينا، فعند ذلك نزلنا بأجمعنا فقاتلناهم حتى أصيب صاحبنا وصاحبهم قال: فما علمته نجا منهم يومئذ أحد غيري قال: وإني أحدثهم رجلا فيما أرى.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب، عن عبد الله بن عقبة الغنوي، قال: وحدثنا بهذا الحديث مرتين من الزمن، مرة في إمارة مصعب بن الزبير بباجميرا، ومرة ونحن مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بدير الجماجم قال: فقتل والله يومئذ بدير الجماجم يوم الهزيمة، وإنه لمقبل عليهم يضاربهم بسيفه وأنا أراه، قال: فقلت له بدير الجماجم: إنك قد حدثتني بهذا الحديث بباجميرا مع مصعب بن الزبير، فلم أسألك كيف نجوت من بين أصحابك؟ قال: أحدثك، والله إن صاحبنا لما أصيب قتل أصحابه إلا خمسة نفر أو ستة، قال: فشددنا على جماعة من أصحابه نحو من عشرين رجلا، فانكشفوا.
            قال: وانتهيت إلى فرس واقف عليه سرجه ولجامه، وما أدري ما قصة صاحبه أقتل أم نزل عنه صاحبه يقاتل وتركه! قال: فأقبلت حتى أخذت بلجامه، وأضع رجلي في الركاب وأستوي عليه قال: وشد والله أصحابه علي، فانتهوا إلي، وغمزت في جنب الفرس، فإذا هو والله أجود ما سخر، وركض منهم ناس في أثري فلم يعلقوا بي، فأقبلت أركض الفرس، وذلك عند المساء، فلما علمت أني قد فتهم وأمنت، أخذت أسير عليه خببا وتقريبا ثم إني سرت عليه بذلك من سيره، ولقيت علجا فقلت له: اسع بين يدي حتى تخرجني الطريق الأعظم، طريق الكوفة، ففعل، فو الله ما كانت إلا ساعة حتى انتهيت إلى كوثى، فجئت حتى انتهيت إلى مكان من النهر واسع عريض، فأقحمت الفرس فيه، فعبرته، ثم أقبلت عليه حتى آتى دير كعب، فنزلت فعقلت فرسي وأرحته وهومت تهويمة، ثم انى هببت سريعا، فخلت في ظهر الفرس، ثم سرت في قطع من الليل فاتخذت بقية الليل جملا، فصليت الغداة بالمزاحمية على رأس فرسخين من قبين، ثم أقبلت حتى أدخل الكوفة حين متع الضحى، فآتى من ساعتي شريك بن نملة المحاربي، فأخبرته خبري وخبر أصحابه، وسألته أن يلقى المغيرة بن شعبة فيأخذ لي منه أمانا، فقال لي: قد أصبت الأمان إن شاء الله، وقد جئت ببشارة، والله لقد بت الليلة وإن أمر الناس ليهمني .
            قال: فخرج شريك بن نملة المحاربي حتى أتى المغيرة مسرعا فاستأذن عليه، فأذن له، فقال: إن عندي بشرى، ولي حاجة، فاقض حاجتي حتى أبشرك ببشارتي، فقال له: قضيت حاجتك، فهات بشراك، قال: تؤمن عبد الله بن عقبة الغنوي، فإنه كان مع القوم، قال: قد آمنته، والله لوددت أنك أتيتني بهم كلهم فآمنتهم قال: فأبشر، فإن القوم كلهم قد قتلوا، كان صاحبي مع القوم، ولم ينج منهم فيما حدثني غيره قال: فما فعل معقل بن قيس؟ قال: أصلحك الله! ليس له بأصحابنا علم قال: فما فرغ من منطقه حتى قدم عليه أبو الرواغ ومسكين بن عامر بن أنيف مبشرين بالفتح، فأخبروا أن معقل بن قيس والمستورد بن علفة مشى كل واحد منهما إلى صاحبه، بيد المستورد الرمح وبيد معقل السيف، فالتقيا، فأشرع المستورد الرمح في صدر معقل حتى خرج السنان من ظهره، فضربه معقل بالسيف على رأسه حتى خالط السيف أم الدماغ، فخرا ميتين.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: حدثني حصيرة بن عبد الله، عن أبيه، قال: لما رأينا المستورد بن علفة وقد نزلنا به ساباط أقبل إلى الجسر فقطعه، كنا نظن أنه يريد أن يعبر إلينا قال: فارتفعنا عن مظلم ساباط إلى الصحراء التي بين المدائن وساباط فتعبأنا وتهيأنا، فطال علينا أن نراهم يخرجون إلينا. قال: فقال أبو الرواغ: إن لهؤلاء لشأنا، ألا رجل يعلم لنا علم هؤلاء؟ فقلت: أنا ووهيب بن أبي أشاءة الأزدي: نحن نعلم لك علم ذلك، ونأتيك بخبرهم، فقربنا على فرسينا إلى الجسر فوجدناه مقطوعا، فظننا القوم لم يقطعوه إلا هيبة لنا ورعبا منا، فرجعنا نركض سراعا حتى انتهينا إلى صاحبنا، فأخبرناه بما رأينا، فقال: ما ظنكم؟ قال: فقلنا: لم يقطعوا الجسر إلا لهيبتنا ولما أدخل الله في قلوبهم من الرعب منا. قال: لعمري ما خرج القوم وهم يريدون الفرار، ولكن القوم قد كادوكم، أتسمعون! والله ما أراهم إلا قالوا: إن معقلا لم يبعث إليكم أبا الرواغ إلا في حر أصحابه، فإن استطعتم فاتركوا هؤلاء بمكانهم هذا، ووجدوا في السير نحو معقل وأصحابه، فإنكم تجدونهم غارين آمنين إن تأتوهم، فقطعوا الجسر لكيما يشغلوكم به عن لحاقكم إياهم حتى يأتوا أميركم على غره، النجاء النجاء في الطلب! قال: فوقع في أنفسنا أن الذي قال لنا كما قال قال: فصحنا بأهل القرية، قال: فجاءوا سراعا: فقلنا لهم: عجلوا عقد الجسر، واستحثثناهم فما لبثوا أن فرغوا منه، ثم عبرنا عليه، فاتبعناهم سراعا ما نلوي على شيء، فلزمنا آثارهم، فو الله ما زلنا نسأل عنهم، فيقال: هم الآن أمامكم، لحقتموهم، ما أقربكم منهم، فو الله ما زلنا في طلبهم حرصا على لحاقهم حتى كان أول من استقبلنا من الناس فلهم وهم منهزمون لا يلوي أحد على أحد فاستقبلهم أبو الرواغ، ثم صاح بالناس: إلي إلي، فأقبل الناس إليه، فلاذوا به، فقال: ويلكم! ما وراءكم؟ فقالوا: لا ندري، لم يرعنا إلا والقوم معنا في عسكرنا ونحن متفرقون، فشدوا علينا، ففرقوا بيننا، قال: فما فعل الأمير؟ فقائل يقول: نزل وهو يقاتل، وقائل يقول: ما نراه إلا قتل، فقال لهم: أيها الناس، ارجعوا معي، فإن ندرك أميرنا حيا نقاتل معه، وإن نجده قد هلك قاتلناهم، فنحن فرسان أهل المصر المنتخبون لهذا العدو، فلا يفسدن فيكم رأي أميركم بالمصر، ولا رأي أهل المصر، وايم الله لا ينبغي لكم إن عاينتموه وقد قتلوا معقلا أن تفارقوهم حتى تبيروهم أو تباروا، سيروا على بركة الله فساروا وسرنا، فأخذ لا يستقبل أحدا من الناس إلا صاح به ورده، ونادى وجوه أصحابه وقال: اضربوا وجوه الناس وردوهم قال: فأقبلنا نرد الناس حتى انتهينا إلى العسكر، فإذا نحن براية معقل بن قيس منصوبة، فإذا معه مائتا رجل أو أكثر فرسان الناس ووجوههم ليس فيهم إلا راجل، وإذا هم يقتتلون أشد قتال سمع الناس به، فلما طلعنا عليهم إذا نحن بالخوارج قد كادوا يعلون أصحابنا، وإذا أصحابنا على ذلك صابرون يجالدونهم، فلما رأونا كروا ثم شدوا على الخوارج، فارتفعت الخوارج عنهم غير بعيد، وانتهينا إليهم، فنظر أبو الرواغ إلى معقل فإذا هو مستقدم يذمر أصحابه ويحرضهم، فقال له: أحي أنت فداك عمي وخالي! قال: نعم، فشد القوم، فنادى أبو الرواغ أصحابه: ألا ترون أميركم حيا،! شدوا على القوم، قال: فحمل وحملنا على القوم بأجمعنا، قال: فصدمنا خيلهم صدمة منكرة، وشد عليهم معقل وأصحابه، فنزل المستورد، وصاح بأصحابه: يا معشر الشراة، الأرض الأرض، فإنها والله الجنة! والذي لا إله غيره لمن قتل صادق النية في جهاد هؤلاء الظلمة وجلاحهم، فتنازلوا من عند آخرهم، فنزلنا من عند آخرنا، ثم مضينا إليه منصلتين بالسيوف، فاضطربنا بها طويلا من النهار كأشد قتال اقتتله الناس قط، غير أن المستورد نادى معقلا فقال: يا معقل، ابرز لي، فخرج إليه معقل، فقلنا له: ننشدك أن تخرج إلى هذا الكلب الذي قد آيسه الله من نفسه! قال: لا والله لا يدعوني رجل إلى مبارزة أبدا فأكون أنا الناكل، فمشى إليه بالسيف، وخرج الآخر إليه بالرمح، فناديناه أن ألقه برمح مثل رمحه، فأبى، وأقبل عليه المستورد فطعنه حتى خرج سنان الرمح من ظهره، وضربه معقل بالسيف حتى خالط سيفه أم الدماغ، فوقع ميتا، وقتل معقل، وقال لنا حين برز إليه: إن هلكت فأميركم عمرو بن محرز بن شهاب السعدي ثم المنقري: قال: فلما هلك معقل أخذ الراية عمرو بن محرز، وقال عمرو: إن قتلت فعليكم أبو الرواغ، فإن قتل أبو الرواغ فأميركم مسكين بن عامر بن أنيف، وإنه يومئذ لفتى حدث، ثم شد برايته، وأمر الناس أن يشدوا عليهم، فما لبثوهم ان قتلوهم .
            [إسناده تالف]

            ذكر ولاية عبد الله بن خازم خراسان
            ومما كان في هذه السنة تولية عبد الله بن عامر عبد الله بن خازم بن ظبيان خراسان وانصراف قيس بن الهيثم عنه، وكان السبب في ذلك- فيما ذكر أبو مخنف عن مقاتل بن حيان- أن ابن عامر استبطأ قيس بن الهيثم بالخراج، فأراد أن يعزله، فقال له ابن خازم: ولني خراسان فأكفيكها وأكفيك قيس بن الهيثم فكتب له عهده أو هم بذلك، فبلغ قيسا أن ابن عامر وجد عليه لاستخفافه به، وإمساكه عن الهدية، وأنه قد ولى ابن خازم، فخاف ابن خازم أن يشاغبه ويحاسبه، فترك خراسان، وأقبل فازداد عليه ابن عامر غضبا، وقال: ضيعت الثغر! فضربه وحبسه، وبعث رجلا من بني يشكر على خراسان.
            [إسناده تالف]

            قال أبو مخنف: بعث ابن عامر أسلم بن زرعه الكلابى حين عزل قيس بن الهيثم، قال علي بن محمد: أخبرنا أبو عبد الرحمن الثقفي، عن أشياخه، أن ابن عامر استعمل قيس بن الهيثم على خراسان أيام معاوية، فقال له ابن خازم: إنك وجهت إلى خراسان رجلا ضعيفا، وإني أخاف إن لقي حربا أن ينهزم بالناس، فتهلك خراسان، وتفتضح أخوالك. قال ابن عامر: فما الرأي؟ قال: تكتب لي عهدا: إن هو انصرف عن عدوك قمت مقامه فكتب له، فجاشت جماعه من طخارستان، فشاور قيس ابن الهيثم فأشار عليه ابن خازم أن ينصرف حتى يجتمع إليه أطرافه، فانصرف، فلما سار من مكانه مرحلة أو مرحلتين أخرج ابن خازم عهده، وقام بأمر الناس، ولقي العدو فهزمهم، وبلغ الخبر المصرين والشام فغضب القيسية وقالوا: خدع قيسا وابن عامر، فأكثروا في ذلك حتى شكوا إلى معاوية، فبعث إليه فقدم، فاعتذر مما قيل فيه، فقال له معاوية: قم فاعتذر إلى الناس غدا، فرجع ابن خازم إلى أصحابه فقال: إني قد أمرت بالخطبة، ولست بصاحب كلام، فاجلسوا حول المنبر، فإذا تكلمت فصدقوني، فقام من الغد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنما يتكلف الخطبة إمام لا يجد منها بدا، أو أحمق يهمر من رأسه لا يبالي ما خرج منه، ولست بواحد منهما، وقد علم من عرفني أني بصير بالفرص، وثاب عليها، وقاف عند المهالك، أنفذ بالسرية، وأقسم بالسوية، أنشدكم بالله من كان يعرف ذلك مني لما صدقني! قال أصحابه حول المنبر: صدقت، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ممن نشدت فقل بما تعلم، قال: صدقت.
            [إسناده تالف]

            قال علي: أخبرنا شيخ من بني تميم يقال له معمر، عن بعض أهل العلم أن قيس بن الهيثم قدم على ابن عامر من خراسان مراغما لابن خازم، قال: فضربه ابن عامر مائة وحلقه وحبسه، قال: فطلبت إليه أمه، فأخرجه .
            [ذكر الطبري هذا عن علي المدائني معلقا]
            وحج بالناس في هذه السنة- فيما قيل- مروان بن الحكم، وكان على المدينة، وكان على مكة خالد بن العاص بن هشام، وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة، وعلى قضائها شريح، وعلى البصرة وفارس وسجستان وخراسان عبد الله بن عامر، وعلى قضائها عمير بن يثربي .
            [قلنا : ذكر الطبري حج مروان بن الحكم بالناس بصيغة التمريض وأما خليفة فقد ذكر ذلك بصيغة الجزم فقال : وأقام الحج مروان بن الحكم (تأريخ خليفة/206) وكذلك قال الذهبي (وأقام الحج مروان)(تأريخ الإسلام/عهد معاوية/11)



            وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
            أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

            تعليق


            • #7
              رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

              ثم دخلت سنة أربع وأربعين
              ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
              فمما كان فيها من ذلك دخول المسلمين مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بلاد الروم ومشتاهم بها، وغزو بسر بن أبي أرطاة البحر.
              [ضعيف]

              عزل عبد الله بن عامر عن البصرة
              وفي هذه السنة عزل معاوية عبد الله بن عامر عن البصرة.
              ذكر الخبر عن سبب عزله:
              كان سبب ذلك أن ابن عامر كان رجلا لينا كريما، لا يأخذ على أيدي السفهاء، ففسدت البصرة بسبب ذلك أيام عمله بها لمعاوية فحدثني عمر بن شبة، قال: أخبرنا يزيد الباهلي، قال: شكا ابن عامر إلى زياد فساد الناس وظهور الخبث، فقال: جرد فيهم السيف، فقال: إني أكره أن أصلحهم بفساد نفسي.
              [إسناده معضل]

              حدثني عمر، قال: قال أبو الحسن: كان ابن عامر لينا سهلا، سهل الولاية، لا يعاقب في سلطانه، ولا يقطع لصا، فقيل له في ذلك، فقال:
              أنا أتألف الناس، فكيف أنظر إلى رجل قد قطعت أباه وأخاه!
              [إسناده معضل]

              حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا مسلمة بن محارب، قال:
              وفد ابن الكواء - واسم ابن الكواء عبد الله بن أبي أوفى - إلى معاوية، فسأله عن الناس، فقال ابن الكواء: أما أهل البصرة فقد غلب عليها سفهاؤها، وعاملها ضعيف، فبلغ ابن عامر قول ابن الكواء، فاستعمل طفيل بن عوف اليشكري على خراسان، وكان الذي بينه وبين ابن الكواء متباعدا، فقال ابن الكواء: إن ابن دجاجة لقليل العلم في، أظن أن ولاية طفيل خراسان تسوءني! لوددت أنه لم يبق في الأرض يشكري إلا عاداني، وأنه ولاهم فعزل معاوية ابن عامر، وبعث الحارث بن عبد الله الأزدي قال: وقال القحذمي: قال ابن عامر: أي الناس أشد عداوة لابن الكواء؟ قالوا: عبد الله بن أبي شيخ، فولاه خراسان، فقال ابن الكواء ما قال.
              [إسناده مرسل]

              وذكر عن عمر، عن أبي الحسن، عن شيخ من ثقيف وأبي عبد الرحمن الأصبهاني، أن ابن عامر أوفد إلى معاوية وفدا، فوافقوا عنده وفد أهل الكوفة، وفيهم ابن الكواء اليشكري، فسألهم معاوية عن العراق وعن أهل البصرة خاصة، فقال له ابن الكواء: يا أمير المؤمنين، إن أهل البصرة أكلهم سفهاؤهم، وضعف عنهم سلطانهم، وعجز ابن عامر وضعفه.
              فقال له معاوية: تكلم عن أهل البصرة وهم حضور! فلما انصرف الوفد إلى البصرة بلغوا ابن عامر ذلك، فغضب، فقال: أي أهل العراق أشد عداوة لابن الكواء! فقيل له: عبد الله بن أبي شيخ اليشكري، فولاه خراسان، وبلغ ابن الكواء ذلك فقال ما قال.
              [إسناده مرسل ضعيف]

              حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: لما ضعف ابن عامر عن عمله، وانتشر الأمر بالبصرة عليه، كتب إليه معاوية يستزيره، قال عمر: فحدثني أبو الحسن أن ذلك كان في سنة أربع وأربعين، وأنه استخلف على البصرة قيس ابن الهيثم، فقدم على معاوية، فرده على عمله، فلما ودعه قال له معاوية: إني سائلك ثلاثا، فقل: هن لك قال: هن لك وأنا ابن أم حكيم، قال: ترد علي عملي ولا تغضب، قال: قد فعلت، قال: وتهب لي مالك بعرفة، قال: قد فعلت قال: وتهب لي دورك بمكة، قال: قد فعلت، قال:
              وصلتك رحم! قال: فقال ابن عامر: يا أمير المؤمنين، إني سائلك ثلاثا فقل: هن لك، قال: هن لك وأنا ابن هند، قال: ترد علي مالي
              بعرفة، قال: قد فعلت، قال: ولا تحاسب لي عاملا، ولا تتبع لي أثرا.
              قال: قد فعلت، قال: وتنكحني ابنتك هندا، قال: قد فعلت.
              قال: ويقال: إن معاوية قال له: اختر بين أن أتتبع أثرك وأحاسبك بما صار إليك، وأردك إلى عملك، وبين أن أسوغك ما أصبت، وتعتزل، فاختار أن يسوغه ذلك ويعتزل .
              [إسناده معضل]

              استلحاق معاويه نسب زياد ابن سمية بأبيه
              وفي هذه السنة استلحق معاوية نسب زياد بن سمية بأبيه أبي سفيان فيما قيل.
              حدثني عمر بن شبة، قال: زعموا أن رجلا من عبد القيس كان مع زياد لما وفد على معاوية، فقال لزياد: إن لابن عامر عندي يدا، فإن أذنت لي أتيته، قال: على أن تحدثني ما يجري بينك وبينه، قال: نعم، فأذن له فأتاه، فقال له ابن عامر: هيه هيه! وابن سمية يقبح آثاري، ويعرض بعمالي! لقد هممت أن آتي بقسامة من قريش يحلفون أن أبا سفيان لم ير سمية، قال: فلما رجع سأله زياد، فأبى أن يخبره، فلم يدعه حتى أخبره، فأخبر ذلك زياد معاوية، فقال معاوية لحاجبه: إذا جاء ابن عامر فاضرب وجه دابته عن أقصى الأبواب، ففعل ذلك به، فأتى ابن عامر يزيد، فشكا إليه ذلك، فقال له: هل ذكرت زيادا؟ قال: نعم، فركب معه يزيد حتى أدخله، فلما نظر إليه معاوية قام فدخل، فقال يزيد لابن عامر: اجلس فكم عسى أن تقعد في البيت عن مجلسه! فلما أطالا خرج معاوية وفي يده قضيب يضرب به الأبواب، ويتمثل:
              لنا سياق ولكم سياق ... قد علمت ذلكم الرفاق
              ثم قعد فقال: يا بن عامر! أنت القائل في زياد ما قلت! أما والله لقد علمت العرب أني كنت أعزها في الجاهلية، وأن الإسلام لم يزدني إلا عزا، وأني لم أتكثر بزياد من قلة، ولم أتعزز به من ذلة، ولكن عرفت حقا له فوضعته موضعه، فقال: يا أمير المؤمنين، نرجع إلى ما يحب زياد، قال:
              إذا نرجع إلى ما تحب، فخرج ابن عامر إلى زياد فترضاه.
              [ذكر ابن شبة هذا الخبر تعليقا]

              حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، قال:
              حدثنا عمرو بن هاشم، عن عمر بن بشير الهمداني، عن أبي إسحاق، أن زيادا لما قدم الكوفة، قال: قد جئتكم في امر ما طلبته الا إليكم، قالوا: ادعنا إلى ما شئت، قال: تلحقون نسبي بمعاوية، قالوا: أما بشهادة الزور فلا، فأتى البصرة، فشهد له رجل.
              [إسناده ضعيف جدا وعبد الرحمن بن صالح معروف بوضعه في مثالب الصحابة وعمر بن بشير ضعيف كذلك وعمرو بن هشام ضعفه غير واحد فالإسناد مسلسل من الضعفاء]

              وحج بالناس في هذه السنة معاوية.
              وفيها عمل مروان المقصورة، وعملها- أيضا فيما ذكر- معاوية بالشام.
              [ضعيف]



              وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
              أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

              تعليق


              • #8
                رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                ثم دخلت سنة خمس وأربعين
                ذكر الأحداث المذكورة التي كانت فيها
                فمن ذلك استعمال معاوية الحارث بن عبد الله الأزدي فيها على البصرة.
                فحدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد، قال: عزل معاوية ابن عامر وولى الحارث بن عبد الله الأزدي البصرة في أول سنة خمس وأربعين، فأقام بالبصرة أربعة أشهر، ثم عزله قال: وقد قيل: هو الحارث بن عمرو وابن عبد عمرو، وكان من أهل الشام، وكان معاوية عزل ابن عامر ليولي زيادا، فولى الحارث كالفرس المحلل، فولى الحارث شرطته عبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي، ثم عزله معاوية وولاها زيادا.
                [إسناده معضل]

                ذكر الخبر عن ولاية زياد البصرة
                حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا بعض أهل العلم أن زيادا لما قدم الكوفة ظن المغيرة أنه قدم واليا على الكوفة، فأقام زياد في دار سلمان بن ربيعة الباهلي، فأرسل إليه المغيرة وائل بن حجر الحضرمي أبا هنيدة، وقال له: اعلم لي علمه فأتاه فلم يقدر منه على شيء، فخرج من عنده يريد المغيرة، وكان زاجرا، فرأى غرابا ينعق، فرجع إلى زياد فقال: يا أبا المغيرة، هذا الغراب يرحلك عن الكوفة ثم رجع إلى المغيرة، وقدم رسول معاوية على زياد من يومه: أن سر إلى البصرة.
                [إسناده معضل وفي متنه نكارة]

                وأما عبد الله بن أحمد المروزي فحدثني، قال: حدثني أبي، قال:
                حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن إسحاق- يعني ابن يحيى-
                عن معبد بن خالد الجدلي، قال: قدم علينا زياد- الذي يقال له ابن أبي سفيان- من عند معاوية، فنزل دار سلمان بن ربيعة الباهلي ينتظر أمر معاوية. قال: فبلغ المغيرة بن شعبة- وهو أمير على الكوفة- أن زيادا ينتظر أن تجيء إمارته على الكوفة، فدعا قطن بن عبد الله الحارثي فقال: هل فيك من خير؟ تكفيني الكوفة حتى آتيك من عند أمير المؤمنين، قال: ما أنا بصاحب ذا، فدعا عتيبة بن النهاس العجلي، فعرض عليه فقبل، فخرج المغيرة إلى معاوية، فلما قدم عليه سأله أن يعزله، وأن يقطع له منازل بقرقيسيا بين ظهري قيس، فلما سمع بذلك معاوية خاف بائقته، وقال: والله لترجعن إلى عملك يا أبا عبد الله فأبى عليه، فلم يزده ذلك إلا تهمة، فرده إلى عمله، فطرقنا ليلا، وإني لفوق القصر أحرسه، فلما قرع الباب أنكرناه، فلما خاف أن ندلي عليه حجرا تسمى لنا، فنزلت إليه فرحبت له وسلمت، فتمثل:
                بمثلي فافزعي يا أم عمرو ... إذا ما هاجني السفر النعور
                اذهب إلى ابن سمية فرحله حتى لا يصبح إلا من وراء الجسر فخرجنا فأتينا زيادا، فاخرجناه حتى طرحناه من وراء الجسر قبل أن يصبح.
                [في إسناده إسحاق بن يحيى ضعيف ، وقال أحمد : متروك الحديث]

                فحدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا مسلمة والهذلي وغيرهما أن معاوية استعمل زيادا على البصرة وخراسان وسجستان، ثم جمع له الهند والبحرين وعمان، وقدم البصرة في آخر شهر ربيع الآخر- أو غرة جمادى الأولى- سنة خمس، والفسق بالبصرة ظاهر، فاش، فخطب خطبة بتراء لم يحمد الله فيها، وقيل: بل حمد الله فقال:
                الحمد لله على إفضاله وإحسانه، ونسأله المزيد من نعمه، اللهم كما رزقتنا نعما، فألهمنا شكرا على نعمتك علينا.
                أما بعد، فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والفجر الموقد لآهله النار، الباقي عليهم سعيرها، ما يأتي سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم، من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى منها الكبير، كأن لم تسمعوا بآي الله، ولم تقرءوا كتاب الله، ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمد الذي لا يزول أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا، وسدت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية، ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا به، من ترككم هذه المواخير المنصوبة، والضعيفة المسلوبة، في النهار المبصر، والعدد غير قليل! ألم تكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار! قربتم القرابة، وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر، وتغطون على المختلس، كل امرئ منكم يذب عن سفيهه، صنيع من لا يخاف عقابا، ولا يرجو معادا ما أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السفهاء، ولم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم، حتى انتهكوا حرم الإسلام، ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الريب . حرم علي الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدما وإحراقا . إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لين في غير ضعف، وشدة في غير جبرية وعنف وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالولي، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم إن كذبة المنبر تبقى مشهورة، فإذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي، [وإذا سمعتموها منى فاغتمزوها في واعلموا أن عندي أمثالها ] من بيت منكم فأنا ضامن لما ذهب له إياي ودلج الليل، فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وقد أجلتكم في ذلك بقدر ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع الى وإياي ودعوى الجاهلية، فإنى لا أجد أحدا دعا بها إلا قطعت لسانه وقد أحدثتم أحداثا لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرق قوما غرقته، ومن حرق على قوم حرقناه، ومن نقب بيتا نقبت عن قلبه، ومن نبش قبرا دفنته [فيه] حيا، فكفوا عني أيديكم وألسنتكم أكفف يدي وأذاي، لا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه.
                وقد كانت بيني وبين أقوام إحن، فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي، فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان مسيئا فلينزع عن إساءته إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعا، ولم أهتك له سترا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره، فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على أنفسكم، فرب مبتئس بقدومنا سيسر، ومسرور بقدومنا سيبتئس.
                أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا، فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم واعلموا أني مهما قصرت عنه فإني لا أقصر عن ثلاث:
                لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقا بليل، ولا حابسا رزقا ولا عطاء عن إبانه، ولا مجمرا لكم بعثا فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدبون لكم، وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى تصلحوا يصلحوا ولا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتد لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع أنه لو استجيب لكم كان شرا لكم.
                أسأل الله ان يعين كلا على كل، وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على إذلاله، وايم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي.
                قال: فقام عبد الله بن الأهتم فقال: أشهد أيها الأمير أنك قد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب، فقال: كذبت، ذاك نبي الله داود عليه السلام.
                قال الأحنف: قد قلت فأحسنت أيها الأمير، والثناء بعد البلاء، والحمد بعد العطاء، وإنا لن نثني حتى نبتلى، فقال زياد: صدقت.
                فقام أبو بلال مرداس بن أدية يهمس وهو يقول: أنبأ الله بغير ما قلت، قال الله عز وجل: «وإبراهيم الذي وفى. ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى» ، فأوعدنا الله خيرا مما واعدت يا زياد، فقال زياد: إنا لا نجد إلى ما تريد أنت وأصحابك سبيلا حتى نخوض إليها الدماء.
                [في إسناده مرسل ضعيف والهذلي متروك ولم نجد خبر الخطبة البتراء برواية صحيحة السند والله اعلم ]

                حدثني عمر، قال: حدثنا خلاد بن يزيد، قال: سمعت من يخبر عن الشعبي، قال: ما سمعت متكلما قط تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفا أن يسيء إلا زيادا، فإنه كان كلما أكثر كان أجود كلاما.
                [في إسناده مبهم]

                حدثني عمر، قال: حدثنا علي، عن مسلمة، قال: استعمل زياد
                على شرطته عبد الله بن حصن، فأمهل الناس حتى بلغ الخبر الكوفة، وعاد إليه وصول الخبر إلى الكوفة، وكان يؤخر العشاء حتى يكون آخر من يصلي ثم يصلي، يأمر رجلا فيقرأ سورة البقرة ومثلها، يرتل القرآن، فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أن إنسانا يبلغ الخريبة، ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج، فيخرج ولا يرى إنسانا إلا قتله قال: فأخذ ليلة أعرابيا، فأتى به زيادا فقال: هل سمعت النداء؟ قال: لا والله، قدمت بحلوبة لي، وغشيني الليل، فاضطررتها إلى موضع، فأقمت لأصبح، ولا علم لي بما كان من الأمير قال: أظنك والله صادقا، ولكن في قتلك صلاح هذه الأمة، ثم أمر به فضربت عنقه.
                وكان زياد أول من شد أمر السلطان، وأكد الملك لمعاوية، وألزم الناس الطاعة، وتقدم في العقوبة، وجرد السيف، وأخذ بالظنة، وعاقب على الشبهة، وخافه الناس في سلطانه خوفا شديدا، حتى أمن الناس بعضهم بعضا، حتى كان الشيء يسقط من الرجل أو المرأة فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه، وتبيت المرأة فلا تغلق عليها بابها، وساس الناس سياسة لم ير مثلها، وهابه الناس هيبة لم يهابوها أحدا قبله، وأدر العطاء، وبنى مدينة الرزق.
                قال: وسمع زياد جرسا من دار عمير، فقال: ما هذا؟ فقيل: محترس قال: فليكف عن هذا، أنا ضامن لما ذهب له، ما أصاب من إصطخر.
                قال: وجعل زياد الشرط أربعة آلاف، عليهم عبد الله بن حصن، أحد بني عبيد بن ثعلبة صاحب مقبرة ابن حصن، والجعد بن قيس النميرى
                صاحب طاق الجعد، وكانا جميعا على شرطه، فبينا زياد يوما يسير وهما بين يديه يسيران بحربتين، تنازعا بين يديه، فقال زياد: يا جعد، ألق الحربة، فألقاها، وثبت ابن حصن على شرطه حتى مات زياد.
                وقيل: انه ولى الجعد أمر الفساق، وكان يتبعهم، وقيل لزياد: إن السبل مخوفة، فقال: لا أعاني شيئا سوى المصر حتى أغلب على المصر وأصلحه، فإن غلبني المصر فغيره أشد غلبة، فلما ضبط المصر تكلف ما سوى ذلك فأحكمه وكان يقول: لو ضاع حبل بيني وبين خراسان علمت من أخذه.
                وكتب خمسمائة من مشيخة أهل البصرة في صحابته، فرزقهم ما بين الثلاثمئة الى الخمسمئة، فقال فيه حارثة بن بدر الغداني:
                ألا من مبلغ عني زيادا ... فنعم أخو الخليفة والأمير!
                فأنت إمام معدلة وقصد ... وحزم حين تحضرك الأمور
                أخوك خليفة الله ابن حرب ... وأنت وزيره، نعم الوزير!
                تصيب على الهوى منه وتأتي ... محبك ما يجن لنا الضمير
                بأمر الله منصور معان ... إذا جار الرعية لا تجور
                يدر على يديك لما أرادوا ... من الدنيا لهم حلب غزير
                وتقسم بالسواء فلا غني ... لضيم يشتكيك ولا فقير
                وكنت حيا وجئت على زمان ... خبيث، ظاهر فيه شرور
                تقاسمت الرجال به هواها ... فما تخفي ضغائنها الصدور
                وخاف الحاضرون وكل باد ... يقيم على المخافة أو يسير
                فلما قام سيف الله فيهم ... زياد قام أبلج مستنير
                قوي لا من الحدثان غر ... ولا جزع ولا فان كبير
                [إسناده مرسل ضعيف]

                حدثني عمر بن شبة، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: استعان زياد بعدة من اصحاب النبي ص، منهم عمران بن الحصين الخزاعي ولاه قضاء البصرة، والحكم بن عمرو الغفاري ولاه خراسان، وسمره ابن جندب، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن سمرة، فاستعفاه عمران فأعفاه واستقضى عبد الله بن فضالة الليثي، ثم أخاه عاصم بن فضالة، ثم زرارة بن أوفى الحرشي، وكانت أخته لبابة عند زياد.
                وقيل: إن زيادا أول من سير بين يديه بالحراب، ومشي بين يديه بالعمد، واتخذ الحرس رابطه خمسمائة، واستعمل عليهم شيبان صاحب مقبرة شيبان، من بني سعد، فكانوا لا يبرحون المسجد.
                [إسناده معضل]

                حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: جعل زياد خراسان أرباعا، واستعمل على مرو أمير بن أحمر اليشكري، وعلى أبرشهر خليد بن عبد الله الحنفي، وعلى مرو الروذ والفارياب والطالقان قيس بن الهيثم، وعلى هراة وباذ غيس وقادس وبوشنج نافع بن خالد الطاحي.
                [إسناده معضل]

                حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا مسلمة بن محارب وابن أبي عمرو، شيخ من الأزد، أن زيادا عتب على نافع بن خالد الطاحي، فحبسه، وكتب عليه كتابا بمئة ألف، وقال بعضهم: ثمانمئة ألف، وكان سبب موجدته عليه أنه بعث بخوان بازهر قوائمه منه، فأخذ نافع قائمة، وجعل مكانها قائمة من ذهب، وبعث بالخوان إلى زياد مع غلام له يقال له زيد، كان قيمه على أمره كله، فسعى زيد بنافع، وقال لزياد: إنه قد خانك، وأخذ قائمة من قوائم الخوان، وجعل مكانها قائمة من ذهب، قال: فمشى رجال من وجوه الأزد إلى زياد، فيهم سيف بن وهب المعولي، وكان شريفا، وله يقول الشاعر:
                اعمد بسيف للسماحة والندى ... واعمد بصبرة للفعال الأعظم
                قال: فدخلوا على زياد وهو يستاك، فتمثل زياد حين رآهم:
                اذكر بنا موقف أفراسنا ... بالحنو إذ أنت إلينا فقير
                قال: وأما الأزد فيقولون: بل تمثل سيف بن وهب أبو طلحة المعولي بهذا البيت حين دخل على زياد، فقال: نعم قال: وإنما ذكره أيام أجاره صبرة، فدعا زياد بالكتاب فمحاه بسواكه وأخرج نافعا.
                [إسناده مرسل]

                حدثني عمر بن شبة، قال: حدثنا علي، عن مسلمة، أن زيادا عزل نافع بن خالد الطاحي وخليد بن عبد الله الحنفي وأمير بن أحمر اليشكري، فاستعمل الحكم بن عمرو بن مجدع بن حذيم بن الحارث بن نعيلة بن مليك- ونعيلة أخو غفار بن مليك- ولكنهم قليل، فصاروا إلى غفار.
                قال مسلمة: أمر زياد حاجبه فقال: ادع لي الحكم- وهو يريد الحكم ابن أبي العاص الثقفي- فخرج الحاجب فرأى الحكم بن عمرو الغفاري فأدخله، فقال: زياد: رجل له شرف وله صحبة من رسول الله ص، فعقد له على خراسان، ثم قال له: ما أردتك، ولكن الله عز وجل أرادك.
                [إسناده مرسل]

                حدثني عمر قال: حدثنا علي قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن الثقفي ومحمد بن الفضل، عن أبيه، أن زيادا لما ولي العراق استعمل الحكم بن
                عمرو الغفاري على خراسان، وجعل معه رجالا على كور، وأمرهم بطاعته، فكانوا على جباية الخراج، وهم أسلم بن زرعة، وخليد بن عبد الله الحنفي، ونافع بن خالد الطاحي، وربيعة بن عسل اليربوعي، وأمير بن أحمر اليشكري، وحاتم بن النعمان الباهلي، فمات الحكم بن عمرو، وكان قد غزا طخارستان، فغنم غنائم كثيرة، واستخلف أنس بن أبي أناس بن زنيم، وكان كتب إلى زياد: أني قد رضيته لله وللمسلمين ولك، فقال زياد: اللهم إني لا أرضاه لدينك ولا للمسلمين ولا لي وكتب زياد إلى خليد بن عبد الله الحنفي بولاية خراسان، ثم بعث الربيع بن زياد الحارثي إلى خراسان في خمسين ألفا، من البصرة خمسة وعشرين ألفا، ومن الكوفة خمسة وعشرين ألفا، على أهل البصرة الربيع، وعلى أهل الكوفة عبد الله ابن أبي عقيل، وعلى الجماعة الربيع بن زياد.
                [في إسناده محمد بن الفضل . قال الحافظ في التقريب كذبوه]

                وقيل: حج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم وهو على المدينة.
                [ضعيف]

                وفي هذه السنة كان مشتى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بأرض الروم.
                [ضعيف ، وكذلك قال خليفة بن خياط (تأريخ خليفة/207)]



                وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                تعليق


                • #9
                  رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                  ثم دخلت سنة ست وأربعين
                  ذكر ما كان فيها من الأحداث
                  فمما كان فيها من ذلك مشتى مالك بن عبد الله بأرض الروم، وقيل:
                  بل كان ذلك عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وقيل بل كان مالك بن هبيرة السكوني.
                  [وقال خليفة نقلا عن ابن الكلبي (فيها شتى مالك بن عبد الله أبو حكيم بأرض الروم ويقال بل شتى ابن مالك بن هبيرة ، تأريخ خليفة/208)]

                  خبر انصراف عبد الرحمن بن خالد إلى حمص وهلاكه
                  وفيها انصرف عبد الرحمن بن خالد بن الوليد من بلاد الروم إلى حمص، فدس ابن أثال النصراني إليه شربة مسمومة- فيما قيل- فشربها فقتلته.
                  ذكر الخبر عن سبب هلاكه:
                  وكان السبب في ذلك ما حدثني عمر، قال: حدثنى على، عن مسلمه ابن محارب، أن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام، ومال إليه أهلها، لما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد، ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم وبأسه، حتى خافه معاوية، وخشي على نفسه منه، لميل الناس إليه، فأمر ابن أثال أن يحتال في قتله، وضمن له إن هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش، وأن يوليه جباية خراج حمص، فلما قدم عبد الرحمن بن خالد حمص منصرفا من بلاد الروم دس إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه، فشربها فمات بحمص، فوفى له معاوية بما ضمن له، وولاه خراج حمص، ووضع عنه خراجه.
                  قال: وقدم خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المدينة، فجلس يوما إلى عروة بن الزبير، فسلم عليه، فقال له عروة: من أنت؟ قال: أنا خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فقال له عروة: ما فعل ابن أثال؟ فقام خالد من عنده، وشخص متوجها إلى حمص، ثم رصد بها ابن أثال، فرآه يوما راكبا، فاعترض له خالد بن عبد الرحمن، فضربه بالسيف، فقتله، فرفع إلى معاوية، فحبسه أياما، وأغرمه ديته، ولم يقده منه ورجع خالد إلى المدينة، فلما رجع إليها أتى عروة فسلم عليه، فقال له عروة: ما فعل ابن أثال؟ فقال: قد كفيتك ابن أثال، ولكن ما فعل ابن جرموز؟ فسكت عروة وقال خالد بن عبد الرحمن حين ضرب ابن أثال:
                  أنا ابن سيف الله فاعرفوني ... لم يبق إلا حسبي وديني
                  وصارم صل به يميني
                  [إسناده مرسل وفي متنه نكارة]

                  ذكر خروج سهم والخطيم
                  وفيها خرج الخطيم وسهم بن غالب الهجيمي، فحكما، وكان من أمرهما ما حدثني به عمر، قال: حدثنا علي، قال: لما ولي زياد خافه سهم ابن غالب الهجيمي والخطيم- وهو يزيد بن مالك الباهلي- فأما سهم فخرج إلى الأهواز فأحدث وحكم، ثم رجع فاختفى وطلب الأمان، فلم يؤمنه زياد، وطلبه حتى أخذه وقتله وصلبه على بابه وأما الخطيم فإن زيادا سيره إلى البحرين، ثم أذن له فقدم، فقال له: الزم مصرك، وقال لمسلم ابن عمرو: اضمنه، فأبى وقال: إن بات عن بيته أعلمتك ثم أتاه مسلم فقال: لم يبت الخطيم الليلة في بيته، فأمر به فقتل، وألقي في باهلة.
                  [إسناده معضل]

                  وحج بالناس في هذه السنة عتبة بن أبي سفيان .
                  [ضعيف]



                  وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                  أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                  تعليق


                  • #10
                    رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                    ثم دخلت سنة سبع وأربعين
                    ذكر الأحداث التي كانت فيها
                    ففيها كان مشتى مالك بن هبيرة بأرض الروم، ومشتى أبي عبد الرحمن القينى بأنطاكية.
                    [ضعيف وانظر تاريخ خليفة(208)]

                    ذكر عزل عبد الله بن عمرو عن مصر وولاية ابن حديج
                    وفيها عزل عبد الله بن عمرو بن العاص عن مصر، ووليها معاوية بن حديج، وسار- فيما ذكر الواقدي- في المغرب، وكان عثمانيا.
                    قال: ومر به عبد الرحمن بن أبي بكر وقد جاء من الإسكندرية، فقال له:
                    يا معاوية، قد لعمري أخذت من معاوية جزاءك، قتلت محمد بن أبي بكر لأن تلي مصر، فقد وليتها قال: ما قتلت محمد بن أبي بكر إلا بما صنع بعثمان، فقال عبد الرحمن: فلو كنت إنما تطلب بدم عثمان لم تشرك معاوية فيما صنع حيث صنع عمرو بن العاص بالأشعري ما صنع، فوثبت أول الناس فبايعتهز
                    [ضعيف]

                    ذكر غزو الغور
                    وقال بعض أهل السير: وفي هذه السنة وجه زياد الحكم بن عمرو الغفاري إلى خراسان أميرا، فغزا جبال الغور وفراونده، فقهرهم بالسيف عنوة ففتحها، وأصاب فيها مغانم كثيرة وسبايا، وسأذكر من خالف هذا القول بعد إن شاء الله تعالى.
                    وذكر قائل هذا القول أن الحكم بن عمرو قفل من غزوته هذه،
                    فمات بمرو.
                    [ضعيف]

                    واختلفوا فيمن حج بالناس في هذه السنة، فقال الواقدي: أقام الحج في هذه السنة عتبة بن أبي سفيان وقال غيره: بل الذي حج في هذه السنة عنبسة بن أبي سفيان.
                    [ضعيف]

                    وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                    أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                    تعليق


                    • #11
                      رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                      ثم دخلت سنة ثمان وأربعين
                      ذكر الأحداث التي كانت فيها
                      وكان فيها مشتى أبي عبد الرحمن القيني أنطاكية، وصائفة عبد الله ابن قيس الفزاري وغزوة مالك بن هبيرة السكوني البحر، وغزوة عقبة بن عامر الجهني بأهل مصر البحر، وبأهل المدينة، وعلى أهل المدينة المنذر بن الزهير، وعلى جميعهم خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
                      وقال بعضهم: فيها وجه زياد غالب بن فضالة الليثى على خراسان، وكانت له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
                      [ضعيف]

                      وهو يتوقع العزل لموجدة كانت من معاوية عليه، وارتجاعه منه فدك، وقد كان وهبها له.
                      [ضعيف]

                      ثم دخلت سنة تسع وأربعين
                      ذكر ما كان فيها من الأحداث
                      وفيها كانت غزوة فضالة بن عبيد جربة، وشتا بجربة، وفتحت على يديه، وأصاب فيها سبيا كثيرا.
                      وفيها كانت صائفة عبد الله بن كرز البجلي.
                      وفيها كانت غزوة يزيد بن شجرة الرهاوي في البحر، فشتا بأهل الشام.
                      وفيها كانت غزوة عقبة بن نافع البحر، فشتا بأهل مصر.
                      وفيها كانت غزوة يزيد بن معاوية الروم حتى بلغ قسطنطينية، ومعه ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري.
                      وفيها عزل معاوية مروان بن الحكم عن المدينة في شهر ربيع الأول.
                      وأمر فيها سعيد بن العاص على المدينة في شهر ربيع الآخر، وقيل في شهر ربيع الأول.
                      وكانت ولاية مروان كلها بالمدينة لمعاوية ثمان سنين وشهرين.
                      وكان على قضاء المدينة لمروان- فيما زعم الواقدي- حين عزل عبد الله بن الحارث بن نوفل، فلما ولي سعيد بن العاص عزله عن القضاء، واستقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
                      وقيل: في هذه السنة وقع الطاعون بالكوفة، فهرب المغيرة بن شعبة من الطاعون، فلما ارتفع الطاعون قيل له: لو رجعت إلى الكوفة! فقدمها فطعن فمات، وقد قيل: مات المغيرة سنة خمسين، وضم معاوية الكوفة إلى زياد، فكان أول من جمع له الكوفة والبصرة .
                      [ضعيف]

                      وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص .
                      [ضعيف]


                      وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                      أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                      تعليق


                      • #12
                        رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                        ثم دخلت سنة خمسين
                        ذكر ما كان فيها من الأحداث
                        ففيها كانت غزوة بسر بن أبي أرطاة ، وسفيان بن عوف الأزدي أرض الروم.
                        وقيل: كانت فيها غزوة فضالة بن عبيد الأنصاري البحر.
                        [ضعيف]

                        ذكر وفاة المغيرة بن شعبة وولاية زياد الكوفة
                        وفيها- في قول الواقدي والمدائني- كانت وفاة المغيرة بن شعبة قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن أبي موسى الثقفي، عن أبيه، قال: كان المغيرة بن شعبة رجلا طوالا، مصاب العين، أصيب باليرموك، توفي في شعبان سنة خمسين وهو ابن سبعين سنة.
                        [في إسناده الواقدي وهو متروك]

                        وأما عوانة فإنه قال- فيما حدثت عن هشام بن محمد، عنه - هلك المغيرة سنة إحدى وخمسين.
                        وقال بعضهم: بل هلك سنة تسع وأربعين.
                        [إسناده ضعيف جدا]

                        حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي بن محمد، قال: كان زياد على البصرة وأعمالها إلى سنة خمسين، فمات المغيرة بن شعبة بالكوفة وهو أميرها، فكتب معاوية إلى زياد بعهده على الكوفة والبصرة، فكان أول من جمع له الكوفة والبصرة، فاستخلف على البصرة سمرة بن جندب، وشخص إلى الكوفة، فكان زياد يقيم ستة أشهر بالكوفة، وستة أشهر بالبصرة.
                        [إسناده معضل]

                        حدثني عمر، قال: حدثني علي، عن مسلمة بن محارب، قال: لما مات المغيرة جمعت العراق لزياد، فأتى الكوفة فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا الأمر أتاني وأنا بالبصرة، فأردت أن أشخص إليكم في ألفين من شرطة البصرة، ثم ذكرت أنكم أهل حق، وأن حقكم طالما دفع الباطل، فأتيتكم في أهل بيتي، فالحمد لله الذي رفع مني ما وضع الناس، وحفظ مني ما ضيعوا حتى فرغ من الخطبة، فحصب على المنبر، فجلس حتى أمسكوا، ثم دعا قوما من خاصته، وأمرهم، فأخذوا أبواب المسجد، ثم قال: ليأخذ كل رجل منكم جليسه، ولا يقولن: لا أدري من جليسي؟ ثم أمر بكرسي فوضع له على باب المسجد، فدعاهم أربعة أربعة يحلفون بالله ما منا من حصبك، فمن حلف خلاه، ومن لم يحلف حبسه وعزله، حتى صار إلى ثلاثين، ويقال: بل كانوا ثمانين، فقطع أيديهم على المكان.
                        [إسناده مرسل]

                        قال الشعبى: فو الله ما تعلقنا عليه بكذبة، وما وعدنا خيرا ولا شرا إلا أنفذه.
                        حدثني عمر قال: حدثنا علي، عن سلمة بن عثمان، قال: بلغني عن الشعبي أنه قال: أول رجل قتله زياد بالكوفة أوفى بن حصن، بلغه عنه شيء فطلبه فهرب، فعرض الناس زياد، فمر به، فقال: من هذا؟ قالوا:
                        أوفى بن حصن الطائي، فقال زياد: أتتك بحائن رجلاه، فقال أوفى:
                        إن زيادا أبا المغيرة لا ... يعجل والناس فيهم عجله
                        خفتك والله فاعلمن حلفي ... خوف الحفافيث صولة الأصله
                        فجئت إذ ضاقت البلاد فلم ... يكن عليها لخائف وأله
                        قال: ما رأيك في عثمان؟ قال ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، ولم أنكره، ولي محصول رأي، قال: فما تقول في معاوية؟ قال:
                        جواد حليم، قال: فما تقول فيّ؟ قال: بلغني أنك قلت بالبصرة: والله لآخذن البريء بالسقيم، والمقبل بالمدبر، قال: قد قلت ذاك، قال:
                        خبطتها عشواء، قال زياد: ليس النفاخ بشر الزمرة، فقتله، فقال عبد الله بن همام السلولي:
                        خيب الله سعي أوفى بن حصن ... حين أضحى فروجة الرقاء
                        قاده الحين والشقاء إلى ليث ... عرين وحية صماء
                        قال: ولما قدم زياد الكوفة أتاه عمارة بن عقبة بن أبي معيط، فقال:
                        إن عمرو بن الحمق يجتمع إليه من شيعة أبي تراب، فقال له عمرو بن حريث: ما يدعوك إلى رفع ما لا تيقنه ولا تدري ما عاقبته! فقال زياد:
                        كلا كما لم يصب، أنت حيث تكلمني في هذا علانية وعمرو حين يردك عن كلامك، قوما إلى عمرو بن الحمق فقولا له: ما هذه الزرافات التي تجتمع عندك! من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد.
                        قال: ويقال: إن الذي رفع على عمرو بن الحمق وقال له: قد أنغل المصرين، يزيد بن رويم، فقال عمرو بن الحريث: ما كان قط أقبل على ما ينفعه منه اليوم، فقال زياد ليزيد بن رويم: أما أنت فقد أشطت بدمه، وأما عمرو فقد حقن دمه، ولو علمت أن مخ ساقه قد سال من بغضي ما هجته حتى يخرج علي.
                        واتخذ زياد المقصورة حين حصبه أهل الكوفة.
                        [في إسناده انقطاع]

                        وولى زياد حين شخص من البصرة إلى الكوفة سمرة بن جندب فحدثني عمر، قال: حدثني إسحاق بن إدريس، قال: حدثني محمد ابن سليم قال: سألت أنس بن سيرين: هل كان سمرة قتل أحدا؟ قال: وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب! استخلفه زياد على البصرة، وأتى الكوفة، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس، فقال له: هل تخاف أن تكون قد قتلت أحدا بريئا؟ قال: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت- أو كما قال.
                        [في إسناده محمد بن سليم وهو ضعيف وفي متنه نكارة]

                        حدثني عمر، قال: حدثني موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا نوح بن قيس، عن أشعث الحداني، عن أبي سوار العدوي، قال: قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلا قد جمع القرآن.
                        [في إسناده نوح بن قيس صدوق كان يتشيع ولا تقبل روايته هذه لأنه طعن في سمرة رضي الله عنه لانه عمل واليا في عهد الأمويين فهذه الرواية تتماشى مع هواه في بدعته]

                        حدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد، عن جعفر الصدفي، عن عوف، قال: أقبل سمرة من المدينة، فلما كان عند دور بني أسد خرج رجل من بعض أزقتهم، ففجأ أوائل الخيل، فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة قال: ثم مضت الخيل، فأتى عليه سمرة بن جندب، وهو متشحط في دمه، فقال: ما هذا؟ قيل: أصابته أوائل خيل الأمير، قال: إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا.
                        [في إسناده جعفر الصدفي لم نجد له ترجمة والإسناد مرسل
                        سمرة بن جندب وما حاكته الروايات الواهية حول شخصيته
                        لقد استغل أعداء التاريخ الإسلامي (من المبتدعة والمستشرقين وغيرهم) كل رواية واهية أو موضوعة للنيل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابي الجليل سمرة بن جندب رضي الله عنه من هؤلاء ، والسبب في ذلك كما قال الإمام الجزري : وكان شديدا على الخوارج وكان إذا أتى بواحد منهم قتله ، ويقول : شر قتلى تحت أديم السماء يكفرون المسلمين ويسفكون الدماء فالحرورية ومن قاربهم في مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه (أسد الغابة 2/ت2243).
                        ولقد أورد الطبري روايات ثلاث لا يحتج بهن لضعف إسنادهن ونكارة متنهن أما الأولى فهي من طريق محمد بن سليم وهو ضعيف .
                        والرواية الثانية في إسناده نوح بن قيس وهو صدوق قال عنه الإمام أحمد : كان يتشيع وطبيعي من راوٍ كهذا أن يروي ما يقوي بدعته ويطعن في صحابي مثل سمرة ويحمل عليه لأنه يكره من عمل واليا لمعاوية رضي الله عنه وسمرة كان أميرا للبصرة في عهد معاوية رضي الله عنه ولذلك ذكر أئمة الجرح والتعديل هذه المسائل وبيَّنوا بدعة كل راوٍ .
                        أما الرواية الثالثة ففي إسنادها جعفر الصدفي لم نجد له ترجمة وكذلك فالرواية عن عوف المعروف بالتشيع – إضافة إلى أنه توفي سنة (146ه) وله ست وثمانون أي أنه ولد في السنة التي توفي فيها معاوية رضي الله عنه فروايته مرسلة هنا – إضافة إلى الضعف السابق الذي ذكرنا – ولقد روج الرواة الضعفاء والمبتدعة لحديث (آخركم موتا في النار) وخلاصة هذه الرواية : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمجموعة من الصحابة (لعشرة أو أقل ) : ( آخركم موتا في النار ) وكان من ضمن هؤلاء سمرة بن جندب والذي كان آخرهن موتا .
                        ولكن روايات هذا الحديث ضعيفة لا تصلح للاحتجاج بها إضافة إلى أن متنها مخالف لما تواتر عن عدالة الصحابة وفي روايات هذا الحديث ما رواه أبو سلمة عن أبي نضرة عن أبي هريرة ، وقال الذهبي معقبا على هذه الرواية :
                        أبو نضرة لم يسمع من أبي هريرة – والرواية الأخرى من طريق إسماعيل بن حكيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي .
                        قلنا : وإسماعيل هذا مجهول الحال .
                        والرواية الأخرى من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أوس بن خالد قال : كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة وإذا قدمت على سمرة سالني عن أبي محذورة ، فسألته فقال : إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " آخركم موتا في النار " فمات أبو هريرة ثم مات أبو محذورة .
                        قلنا : وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف من الرابعة .
                        والرواية الأخرى من طريق عبد الله بن طاووس وغيره مرفوعا وهذا إسناد معضل والله أعلم .
                        وهذه الروايات ذكرها الحافظ الذهبي في ترجمة سمرة (عهد معاوية/233) ورواية أخرى لم يذكرها الذهبي أخرجها ابن عبد البر ، وفي إسنادها أحمد بن محمد بن الحجاج قال ابن عدي في ترجمته : كذبوه وأنكرت عليه أشياء :
                        قلنا : وذكر الذهبي في بواطيله (ميزان الاعتدال 1/537) .
                        فهل هذه أسانيد يعتمد عليها ويحتج بها في مخالفة عدالة الصحابة ؟
                        ثم : إن صح متن هذه الروايات فالمقصود بها نار الدنيا لا نار الآخرة فسمرة هذا مات حرقا رضي الله عنه وارضاه ولقد ذكر الحافظ الذهبي من طريق وهب بن جرير عن أبيه سمع أبا يزيد المديني يقول : لما مرض أصابه برد شديد ، فأوقدت له نار في كانون بين يديه ، وكانون خلفه ، وكانون عن يمينه ، وآخر عن شماله ، فجعل لا ينتفع بذلك ، وكان يقول : كيف أصنع بما في جوفي فلم يزل كذلك حتى مات ، ثم قال الذهبي : وإن صح هذا فيكون إن شاء الله قوله عليه الصلاة والسلام : "آخركم موتا في النار " متعلقا بموته في النار لا بذاته (عهد معاوية /234) .
                        وكذلك قال الحافظ ابن عبد البر في ترجمة سمرة : سقط في قدر مملوء ماء حارا كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز شديد أصابه فسقط في القدر الحار فمات فكان ذلك تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولثالث معهما آخركم موتا في النار .(الاستيعاب /2/653).
                        قلنا : ومعروف عند أئمة التابعين المشهورين بالعلم والتقوى والصدق كانوا يقولون عن الصحابي الجليل سمرة بن جندب خلاف ما يروجه المبتدعة تماما كما أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب قال حدثنا عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير ثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الصمد ثنا أبو هلال ثنا عبد الله بن صبيح عن محمد بن سيرين قال : " كان سمرة ما علمت عظيم الأمانة صدوق الحديث يحب الإسلام وأهله " وأخرجه ابن عبد البر في طريق آخر :" عبد الرحمن بن يحيى حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : ثنا محمد بن علي بن مروان (الاستيعاب 2/214) .
                        وقال ابن الجزري في ترجمته : وكان شديدا على الخوارج وكان إذا أتى بواحد منهم قتله ، ويقول : شر قتلى تحت أديم السماء يكفرون المسلمين ويسفكون الدماء فالحرورية ومن قاربهم في مذهيهم يطعنون عليه وينالون منه / أسد الغابة (2/ت2243) ] .

                        حدثني عمر، قال: حدثنا أبو عبيدة، قال: قال زياد يومئذ على المنبر:
                        يا أهل البصرة، والله لتكفني هؤلاء أو لأبدأن بكم، والله لئن أفلت منهم رجل لا تأخذون العام من عطائكم درهما، قال: فثار الناس بهم فقتلوهم .
                        [إسناده معضل]

                        ذكر إرادة معاوية نقل المنبر من المدينة
                        قال محمد بن عمر: وفي هذه السنة أمر معاوية بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يحمل إلى الشام، فحرك، فكسفت الشمس حتى رئيت النجوم بادية يومئذ، فأعظم الناس ذلك، فقال: لم أرد حمله، إنما خفت أن يكون قد أرض، فنظرت إليه ثم كساه يومئذ .
                        [ذكر الطبري هذا الخبر عن محمد بن عمر الواقدي وهو متروك وانظر تعليقنا بعد (5 : 239/240) ]

                        وذكر محمد بن عمر، أنه حدثه بذلك خالد بن القاسم، عن شعيب بن عمرو الأموي.
                        [في إسناده الواقدي وهو متروك]

                        قال محمد بن عمر: حدثني يحيى بن سعيد بن دينار، عن أبيه، قال:
                        قال معاوية: إني رأيت أن منبر رسول الله ص وعصاه لا يتركان بالمدينة، وهم قتلة أمير المؤمنين عثمان وأعداؤه، فلما قدم طلب العصا وهي عند سعد القرظ، فجاءه أبو هريرة وجابر بن عبد الله، فقالا: يا أمير المؤمنين، نذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا، فإن هذا لا يصلح، تخرج منبر رسول الله ص من موضع وضعه، وتخرج عصاه إلى الشام، فانقل المسجد، فأقصر وزاد فيه ست درجات، فهو اليوم ثماني درجات، واعتذر إلى الناس مما صنع.
                        [ذكر الطبري هذا الخبر منقطعا بينه وبين الواقدي والواقدي متروك وانظر تعليقنا بعد الرواية (5 : 239/240) ]

                        قال محمد بن عمر: وحدثني سويد بن عبد العزيز، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبان بن صالح، عن قبيصة بن ذؤيب، قال:
                        كان عبد الملك قد هم بالمنبر، فقال له قبيصة بن ذؤيب: أذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا، وأن تحوله! إن أمير المؤمنين معاوية حركه فكسفت الشمس، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حلف على منبري آثما فليتبوأ مقعده من النار" ، فتخرجه من المدينة وهو مقطع الحقوق بينهم بالمدينة! فأقصر عبد الملك عن ذلك، وكف عن أن يذكره فلما كان الوليد وحج هم بذلك وقال: خبراني عنه، وما أراني إلا سأفعل: فأرسل سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبد العزيز، فقال: كلم صاحبك يتق الله عز وجل ولا يتعرض لله سبحانه ولسخطه، فكلمه عمر بن عبد العزيز، فأقصر وكف عن ذكره، فلما حج سليمان بن عبد الملك أخبره عمر بن عبد العزيز بما كان الوليد هم به وإرسال سعيد بن المسيب إليه، فقال سليمان: ما كنت أحب أن يذكر هذا عن أمير المؤمنين عبد الملك ولا عن الوليد، هذا مكابرة، وما لنا ولهذا! أخذنا الدنيا فهي في أيدينا، ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يوفد إليه، فنحمله إلى ما قبلنا! هذا ما لا يصلح.
                        [الواقدي متروك , قلنا : هذه الروايات ثلاث من طريق الواقدي المتهم بالكذب ، والوضع من قبل الشافعي ، والنسائي وأبو حاتم الرازي وقال الذهبي : (استقر الإجماع على وصف الواقدي ) . ( تهذيب التهذيب 9/367) .
                        فليس من الغريب أن تصدر هذه الروايات المكذوبة والمفتراة من أمثال الواقدي ولم نجد تأييدا لما ذكر ولو من رواية مرسلة والحمد لله على نعمة الإسناد – وسيدنا معاوية كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلُّ وأرفع من أن يفكر بهذه الصورة ولكن ماذا نقول لقوم أعمى الحقد على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بصائرهم فاتكؤوا على هذه الروايات الواهية المكذوبة وروَّجوا لها مع صنوهم من المستشرقين الحاقدين على التاريخ الإسلامي والمرء يحشر مع من أحب نسأل الله الستر والسلامة]

                        وفيها عزل معاوية بن حديج عن مصر وولي مسلمة بن مخلد مصر وأفريقية، وكان معاوية بن أبي سفيان قد بعث قبل أن يولى مسلمة مصر وأفريقية عقبة بن نافع الفهري إلى أفريقية، فافتتحها، واختط قيروانها، وكان موضعه غيضة- فيما زعم محمد بن عمر- لا ترام من السباع والحيات وغير ذلك من الدواب فدعا الله عز وجل عليها فلم يبق منها شيء إلا خرج هاربا، حتى أن السباع كانت تحمل أولادها.
                        [ضعيف]

                        قال محمد بن عمر: حدثني موسى بن علي، عن أبيه، قال: نادى عقبة بن نافع:
                        إنا نازلونا فاظعنوا عزينا.
                        فخرجن من جحرتهن هوارب.
                        [الواقدي متروك]

                        قال: وحدثني المفضل بن فضالة، عن زيد بن أبي حبيب، عن رجل من جند مصر، قال: قدمنا مع عقبة بن نافع، وهو أول الناس اختطها وأقطعها للناس مساكن ودورا، وبنى مسجدها فأقمنا معه حتى عزل، وهو خير وال وخير أمير.
                        ثم عزل معاوية في هذه السنة- أعني سنة خمسين- معاوية بن حديج عن مصر، وعقبة بن نافع عن أفريقية، وولى مسلمة بن مخلد ومصر والمغرب كله، فهو أول من جمع له المغرب كله ومصر وبرقة وأفريقية وطرابلس، فولى مسلمة بن مخلد مولى له يقال له: أبو المهاجر إفريقية، وعزل عقبه ابن نافع، وكشفه عن أشياء، فلم يزل واليا على مصر والمغرب، وأبو المهاجر على أفريقية من قبله حتى هلك معاوية بن أبي سفيان.
                        [الواقدي متروك]

                        واختلف فيمن حج بالناس في هذه السنة، فقال بعضهم: حج بهم معاوية، وقال بعضهم: بل حج بهم ابنه يزيد، وكان الوالي في هذه السنة على المدينة سعيد بن العاص، وعلى البصرة والكوفه والمشرق سجستان وفارس والسند والهند زياد .
                        [ضعيف]

                        ذكر هرب الفرزدق من زياد
                        وفي هذه السنة طلب زياد الفرزدق، واستعدت عليه بنو نهشل وفقيم، فهرب منه إلى سعيد بن العاص- وهو يومئذ والي المدينة من قبل معاوية- مستجيرا به، فأجاره.
                        [ضعيف]

                        ذكر الخبر عن ذلك:
                        حدثني عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو عبيدة وأبو الحسن المدائني وغيرهما، أن الفرزدق لما هجا بني نهشل وبني فقيم لم يزد أبو زيد في إسناد خبره على ما ذكرت.
                        [إسناده ضعيف]

                        وأما محمد بن علي فإنه حدثني عن محمد بن سعد، عن أبي عبيدة، قال: حدثني أعين بن لبطة بن الفرزدق، قال: حدثني أبي عن أبيه، قال: لما هاجيت الأشهب بن رميلة والبعيث فسقطا، استعدت علي بنو نهشل وبنو فقيم زياد بن أبي سفيان وزعم غيره أن يزيد بن مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل استعدى أيضا عليه فقال أعين: فلم يعرفه زياد حتى قيل له: الغلام الأعرابي الذي أنهب ورقه وألقى ثيابه، فعرفه.
                        قال أبو عبيدة: أخبرني أعين بن لبطة، قال: أخبرني أبي، عن أبيه، قال: بعثني أبي غالب في عير له وجلب ابيعه وامتار له واشترى لأهله كسا، فقدمت البصره، فبعث الجلب، فأخذت ثمنه فجعلته في ثوبي أزاوله، إذ عرض لي رجل أراه كأنه شيطان، فقال: لشد ما تستوثق منها! فقلت: وما يمنعني! قال: أما لو كان مكانك رجل أعرفه ما صبر عليها، فقلت: ومن هو؟ قال: غالب بن صعصعة، قال: فدعوت أهل المربد فقلت: دونكموها- ونثرتها عليهم- فقال لي قائل: الق رداءك يا بن غالب، فألقيته وقال آخر: ألق قميصك، فألقيته، وقال آخر: الق عمامتك فألقيتها حتى بقيت في إزار، فقالوا: ألق إزارك، فقلت: لن ألقيه وأمشي مجردا، إني لست بمجنون فبلغ الخبر زيادا، فأرسل خيلا إلى المربد ليأتوه بي، فجاء رجل من بني الهجيم على فرس، قال: أتيت فالنجاء! وأردفني خلفه، وركض حتى تغيب، وجاءت الخيل وقد سبقت، فأخذ زياد عمين لي: ذهيلا والزحاف ابني صعصعة- وكانا في الديوان على ألفين ألفين، وكانا معه- فحبسهما فأرسلت إليهما: إن شئتما أتيتكما، فبعثا إلي: لا تقربنا، إنه زياد! وما عسى أن يصنع بنا، ولم نذنب ذنبا! فمكثا أياما ثم كلم زياد فيهما، فقالوا: شيخان سامعان مطيعان، ليس لهما ذنب مما صنع غلام أعرابي من أهل البادية، فخلي عنهما، فقالا لي: أخبرنا بجميع ما أمرك أبوك من ميرة أو كسوة، فخبرتهما به أجمع، فاشترياه وانطلقت حتى لحقت بغالب، وحملت ذلك معي أجمع، فأتيته وقد بلغه خبري، فسألني: كيف صنعت؟ فأخبرته بما كان، قال: وإنك لتحسن مثل هذا! ومسح رأسي ولم يكن يومئذ يقول الشعر، وإنما قال الشعر بعد ذلك، فكانت في نفس زياد عليه.
                        ثم وفد الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة، من بني ربيعة بن كعب ابن سعد والجون بن قتادة العبشمي والحتات بن يزيد أبو منازل، أحد بني حوي بن سفيان بن مجاشع إلى معاوية بن أبي سفيان، فأعطى كل رجل منهم مائة ألف، وأعطى الحتات سبعين ألفا، فلما كانوا في الطريق سأل بعضهم بعضا، فأخبروه بجوائزهم، فكان الحتات أخذ سبعين ألفا، فرجع إلى معاوية، فقال: ما ردك يا أبا منازل؟ قال: فضحتني في بني تميم،
                        أما حسبي بصحيح! أولست ذا سن! أولست مطاعا في عشيرتي! فقال معاوية: بلى، قال: فما بالك خسست بي دون القوم! فقال: إني اشتريت من القوم دينهم ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفان- وكان عثمانيا- فقال: وأنا فاشتر مني ديني، فأمر له بتمام جائزة القوم.
                        وطعن في جائزته، فحبسها معاوية، فقال الفرزدق في ذلك:
                        أبوك وعمي يا معاوي أورثا ... تراثا فيحتاز التراث أقاربه
                        فما بال ميراث الحتات أخذته ... وميراث حرب جامد لك ذائبه!
                        فلو كان هذا الأمر في جاهلية ... علمت من المرء القليل حلائبه
                        ولو كان في دين سوى ذا شنئتم ... لنا حقنا أو غص بالماء شاربه
                        ولو كان إذ كنا وفي الكف بسطة ... لصمم عضب فيك ماض مضاربه
                        - وأنشد محمد بن علي "وفي الكف مبسط"-
                        وقد رمت شيئا يا معاوي دونه ... خياطف علود صعاب مراتبه
                        وما كنت أعطى النصف من غير قدرة ... سواك، ولو مالت علي كتائبه
                        ألست أعز الناس قوما وأسرة ... وأمنعهم جارا إذا ضيم جانبه
                        وما ولدت بعد النبي وآله ... كمثلي حصان في الرجال يقاربه
                        أبي غالب والمرء ناجية الذي ... إلى صعصع ينمي، فمن ذا يناسبه!
                        وبيتي إلى جنب الثريا فناؤه ... ومن دونه البدر المضيء كواكبه
                        أنا ابن الجبال الصم في عدد الحصى ... وعرق الثرى عرقي، فمن ذا يحاسبه!
                        أنا ابن الذي أحيا الوئيد وضامن ... على الدهر إذ عزت لدهر مكاسبه
                        وكم من أب لي يا معاوي لم يزل ... أغر يباري الريح ما ازور جانبه
                        نمته فروع المالكين ولم يكن ... أبوك الذي من عبد شمس يقاربه
                        تراه كنصل السيف يهتز للندى ... كريما يلاقي المجد ما طر شاربه
                        طويل نجاد السيف مذ كان لم يكن ... قصي وعبد الشمس ممن يخاطبه
                        فرد ثلاثين ألفا على أهله، وكانت أيضا قد أغضبت زيادا عليه ، قال: فلما استعدت عليه نهشل وفقيم ازداد عليه غضبا، فطلبه فهرب، فأتى عيسى بن خصيلة بن معتب بن نصر بن خالد البهزي، ثم أحد بني سليم، والحجاج بن علاط بن خالد السلمي.
                        [لم نجد ترجمة لأعين بن لبطة ، ولا لأبيه . والله أعلم]

                        قال ابن سعد: قال أبو عبيدة: فحدثني أبو موسى الفضل بن موسى ابن خصيلة، قال: لما طرد زياد الفرزدق جاء الى عمى عيسى بن خصيله ليلا فقال: يا أبا خصيلة، إن هذا الرجل قد أخافني، وإن صديقي وجميع من كنت أرجو قد لفظوني، وإني قد أتيتك لتغيبني عندك، قال: مرحبا بك! فكان عنده ثلاث ليال، ثم قال: إنه قد بدا لي أن ألحق بالشام، فقال:
                        ما أحببت، أن أقمت معي ففي الرحب والسعة، وإن شخصت فهذه ناقة أرحبية أمتعك بها قال: فركب بعد ليل، وبعث عيسى معه حتى جاوز البيوت، فأصبح وقد جاوز مسيرة ثلاث ليال، فقال الفرزدق في ذلك:
                        حباني بها البهزي حملان من أبى ... من الناس والجاني تخاف جرائمه
                        ومن كان يا عيسى يونب ضيفه ... فضيفك محبور هني مطاعمه
                        وقال تعلم أنها أرحبية ... وأن لها الليل الذي أنت جاشمه
                        فأصبحت والملقى ورائي وحنبل ... وما صدرت حتى علا النجم عاتمه
                        تزاور عن أهل الحفير كأنها ... ظليم تباري جنح ليل نعائمه
                        رأت بين عينيها دوية وانجلى ... لها الصبح عن صعل أسيل مخاطمه
                        كأن شراعا فيه مجرى زمامها ... بدجلة إلا خطمه وملاغمه
                        إذا أنت جاوزت الغريين فاسلمي ... وأعرض من فلج ورائي مخارمه
                        وقال أيضا:
                        تداركني أسباب عيسى من الردى ... ومن يك مولاه فليس بواحد
                        وهي قصيدة طويلة.
                        قال: وبلغ زيادا أنه قد شخص، فأرسل علي بن زهدم، أحد بني نولة بن فقيم في طلبه.
                        قال أعين: فطلبه في بيت نصرانية يقال لها ابنة مرار، من بني قيس ابن ثعلبه تنزل قصيمه كاظمه، قال: فسلته من كسر بيتها، فلم يقدر عليه، فقال في ذلك الفرزدق:
                        أتيت ابنة المرار أهبلت تبتغي ... وما يبتغى تحت السوية أمثالي
                        ولكن بغائي لو أردت لقاءنا ... فضاء الصحاري لا ابتغاء بأدغال
                        وقيل: إنها ربيعة بنت المرار بن سلامة العجلي أم أبي النجم الراجز.
                        قال أبو عبيدة: قال مسمع بن عبد الملك: فأتى الروحاء، فنزل في بكر بن وائل، فأمن، فقال يمدحهم:
                        وقد مثلت أين المسير فلم تجد ... لفورتها كالحي بكر بن وائل
                        أعف وأوفى ذمة يعقدونها ... إذا وازنت شم الذرا بالكواهل
                        وهي قصيده طويلة ومدحهم بقصائد أخر غيرها.
                        قال: فكان الفرزدق إذا نزل زياد البصرة نزل الكوفة، وإذا نزل زياد الكوفة نزل الفرزدق البصرة، وكان زياد ينزل البصرة ستة أشهر والكوفة ستة أشهر، فبلغ زيادا اما صنع الفرزدق، فكتب إلى عامله على الكوفة عبد الرحمن ابن عبيد: إنما الفرزدق فحل الوحوش يرعى القفار، فإذا ورد عليه الناس ذعر ففارقهم إلى أرض أخرى فرتع، فاطلبه حتى تظفر به قال الفرزدق:
                        فطلبت أشد طلب، حتى جعل من كان يؤويني يخرجني من عنده، فضاقت علي الأرض، فبينا أنا ملفف رأسي في كسائي على ظهر الطريق، إذ مر بي الذي جاء في طلبي، فلما كان الليل أتيت بعض أخوالي من بني ضبة وعندهم عرس- ولم أكن طعمت قبل ذلك طعاما، فقلت: آتيهم فأصيب من الطعام- قال: فبينا أنا قاعد إذ نظرت إلى هادي فرس وصدر رمح قد جاوز باب الدار داخلا إلينا، فقاموا إلى حائط قصب فرفعوه، فخرجت منه، وألقوا الحائط فعاد مكانه، ثم قالوا: ما رأيناه، وبحثوا ساعة ثم خرجوا، فلما أصبحنا جاءوني فقالوا: أخرج إلى الحجاز عن جوار زياد لا يظفر بك، فلو ظفر بك البارحة أهلكتنا، وجمعوا ثمن راحلتين، وكلموا لي مقاعسا احد بنى تيم الله ابن ثعلبة- وكان دليلا يسافر للتجار- قال: فخرجنا إلى بانقيا حتى انتهينا إلى بعض القصور التي تنزل، فلم يفتح لنا الباب، فألقينا رحالنا إلى جنب الحائط والليلة مقمرة، فقلت: يا مقاعس، أرأيت إن بعث زياد بعد ما نصبح إلى العتيق رجالا، أيقدرون علينا؟ قال: نعم، يرصدوننا- ولم يكونوا جاوزوا العتيق وهو خندق كان للعجم- قال: فقلت: ما تقول العرب؟ قال: يقولون: أمهله يوما وليلة ثم خذه فارتحل، فقال إني أخاف السباع، فقلت: السباع أهون من زياد، فارتحلنا لا نرى شيئا إلا خلفناه، ولزمنا شخص لا يفارقنا، فقلت: يا مقاعس، أترى هذا الشخص! لم نمرر بشيء إلا جاوزناه غيره، فإنه يسايرنا منذ الليلة قال: هذا السبع، قال: فكأنه فهم كلامنا، فتقدم حتى ربض على متن الطريق، فلما رأينا ذلك نزلنا فشددنا أيدي ناقتينا بثنايين وأخذت قوسي وقال مقاعس:
                        يا ثعلب، أتدري ممن فررنا إليك؟ من زياد، فأحصب بذنبه حتى غشينا غباره وغشي ناقتينا، قال: فقلت: أرميه، فقال: لا تهجه، فإنه إذا أصبح ذهب، قال: فجعل يرعد ويبرق ويزئر، ومقاعس يتوعده حتى انشق الصبح، فلما رآه ولى، وأنشأ الفرزدق يقول:
                        ما كنت أحسبني جبانا بعد ما ... لاقيت ليلة جانب الأنهار
                        ليثا كأن على يديه رحالة ... شثن البراثن مؤجد الأظفار
                        لما سمعت له زمازم أجهشت ... نفسي إلي وقلت أين فراري!
                        وربطت جروتها وقلت لها اصبري ... وشددت في ضيق المقام إزاري
                        فلأنت أهون من زياد جانبا ... إذهب إليك مخرم الأسفار
                        [إسناده ضعيف]

                        قال ابن سعد: قال أبو عبيدة: فحدثني أعين بن لبطة، قال: حدثني أبي، عن شبث بن ربعي الرياحي، قال: فأنشدت زيادا هذه الأبيات فكأنه رق له، وقال: لو أتاني لآمنته وأعطيته، فبلغ ذلك الفرزدق، فقال:
                        تذكر هذا القلب من شوقه ذكرا ... تذكر شوقا ليس ناسيه عصرا
                        تذكر ظمياء التي ليس ناسيا ... وإن كان أدنى عهدها حججا عشرا
                        وما مغزل بالغور غور تهامة ... ترعى أراكا في منابته نضرا
                        من الادم حواء المدامع ترعوى ... الى رشاء طفل تخال به فترا
                        أصابت بوادي الولولان حبالة ... فما استمسكت حتى حسبن بها نفرا
                        بأحسن من ظمياء يوم تعرضت ... ولا مزنة راحت غمامتها قصرا
                        وكم دونها من عاطف في صريمة ... وأعداء قوم ينذرون دمي نذرا!
                        إذا أوعدوني عند ظمياء ساءها ... وعيدي وقالت لا تقولوا له هجرا
                        دعاني زياد للعطاء ولم أكن ... لآتيه ما ساق ذو حسب وفرا
                        وعند زياد لو يريد عطاءهم ... رجال كثير قد يري بهم فقرا
                        قعود لدى الأبواب طلاب حاجة ... غوان من الحاجات أو حاجة بكرا
                        فلما خشيت أن يكون عطاؤه ... أداهم سودا أو محدرجة سمرا
                        نميت إلى حرف أضر بنيها ... سرى الليل واستعراضها البلد القفرا
                        تنفس في بهو من الجوف واسع ... إذا مد حيزوما شراسيفها الضفرا
                        تراها إذا صام النهار كأنما ... تسامي فنيقا أو تخالسه خطرا
                        تخوض إذا صاح الصدى بعد هجعة ... من الليل ملتجا غياطله خضرا
                        فإن أعرضت زوراء أو شمرت بها ... فلاة ترى منها مخارمها غبرا
                        تعادين عن صهب الحصى وكأنما ... طحن به من كل رضراضة جمرا
                        وكم من عدو كاشح قد تجاوزت ... مخافته حتى تكون لها جسرا
                        يوم بها الموماة من لا يرى له ... إلى ابن أبي سفيان جاها ولا عذرا
                        ولا تعجلاني صاحبي فربما ... سبقت بورد الماء غادية كدرا
                        وحضنين من ظلماء ليل سريته ... بأغيد قد كان النعاس له سكرا
                        رماه الكرى في الرأس حتى كأنه ... أميم جلاميد تركن به وقرا
                        من السير والإدلاج تحسب أنما ... سقاه الكرى في كل منزلة خمرا
                        جررنا وفديناه حتى كأنما ... يرى بهوادي الصبح قنبلة شقرا
                        قال: فمضينا وقد منا المدينة وسعيد بن العاص بن أمية عليها، فكان في جنازة، فتبعته فوجدته قاعدا والميت يدفن حتى قمت بين يديه، فقلت:
                        هذا مقام العائذ من رجل لم يصب دما ولا مالا! فقال: قد أجرت إن لم تكن أصبت دما ولا مالا، وقال: من أنت؟ قلت: أنا همام بن غالب بن صعصعة، وقد أثنيت على الأمير، فإن رأى أن يأذن لي فأسمعه فليفعل، قال: هات، فأنشدته:
                        وكوم تنعم الأضياف عينا ... وتصبح في مباركها ثقالا
                        حتى أتيت إلى آخرها، قال: فقال مروان:
                        قعودا ينظرون إلى سعيد.
                        قلت: والله إنك لقائم يا أبا عبد الملك.
                        قال: وقال كعب بن جعيل: هذه والله الرؤيا التي رأيت البارحة، قال سعيد: وما رأيت؟ قال: رأيت كأني أمشي في سكة من سكك المدينة، فإذا انا بابن قتره في جحر، فكأنه أراد أن يتناولني، فاتقيته، قال: فقام الحطيئة فشق ما بين رجلين حتى تجاوز إلي، فقال: قل ما شئت فقد أدركت من مضى، ولا يدركك من بقي وقال لسعيد: هذا والله الشعر، لا يعلل به منذ اليوم قال: فلم نزل بالمدينة مرة وبمكة مرة وقال الفرزدق في ذلك:
                        ألا من مبلغ عني زيادا ... مغلغلة يخب بها البريد
                        بأني قد فررت إلى سعيد ... ولا يسطاع ما يحمي سعيد
                        فررت اليه من ليث هزبر ... تفادى عن فريسته الأسود
                        فإن شئت انتسبت إلى النصارى ... وان شئت انتسبت الى اليهود
                        وإن شئت انتسبت إلى فقيم ... وناسبني وناسبت القرود
                        ويروى:
                        وناسبنى وناسبت اليهود. ... وأبغضهم إلي بنو فقيم
                        ولكن سوف آتي ما تريد
                        وقال أيضا:
                        أتاني وعيد من زياد فلم أنم ... وسيل اللوى دوني فهضب التهائم
                        فبت كأني مشعر خيبرية ... سرت في عظامي او سمام الاراقم
                        زياد بن حرب لن أظنك تاركي ... وذا الضغن قد خشمته غير ظالم
                        قال: وأنشدنيه عمرو:
                        وبالضغن قد خشمتني غير ظالم. ... وقد كافحت مني العراق قصيدة
                        رجوم مع الماضي رءوس المخارم ... خفيفة أفواه الرواة ثقيلة
                        على قرنها نزالة بالمواسم
                        وهي طويلة .
                        فلم نزل بين مكة والمدينة حتى هلك زياد.
                        [إسناده ضعيف]

                        ذكر الخبر
                        عن غزوة الحكم بن عمرو جبل الأشل وسبب هلاكه

                        حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني حاتم بن قبيصة، قال: حدثنا غالب بن سليمان، عن عبد الرحمن بن صبح، قال: كنت مع الحكم بن عمرو بخراسان، فكتب زياد إلى عمرو: أن أهل جبل الأشل سلاحهم
                        اللبود، وآنيتهم الذهب فغزاهم حتى توسطوا، فأخذوا بالشعاب والطرق، فأحدقوا به، فعي بالأمر، فولى المهلب الحرب، فلم يزل المهلب يحتال حتى أخذ عظيما من عظمائهم، فقال له: اختر بين أن أقتلك، وبين أن تخرجنا من هذا المضيق، فقال له: أوقد النار حيال الطريق من هذه الطرق، ومر بالأثقال فلتوجه نحوه، حتى إذا ظن القوم أنكم قد دخلتم الطريق لتسلكوه فإنهم يستجمعون لكم، ويعرون ما سواه من الطرق، فبادرهم إلى غيره فإنهم لا يدركونك حتى تخرج منه ففعلوا ذلك، فنجا وغنموا غنيمة عظيمة.
                        [في إسناده حاتم بن قبيصة مجهول الحال]

                        حدثني عمر، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: لما قفل الحكم بن عمرو من غزوة جبل الأشل ولي المهلب ساقته، فسلكوا في شعاب ضيقة، فعارضه الترك فأخذوا عليهم بالطرق، فوجدوا في بعض تلك الشعاب رجلا يتغنى من وراء حائط ببيتين:
                        تعز بصبر لا وجدك لا ترى ... سنام الحمى أخرى الليالي الغوابر
                        كأن فؤادي من تذكري الحمى ... وأهل الحمى يهفو به ريش طائر
                        فأتى به الحكم، فسأله عن أمره، فقال: غايرت ابن عم لي، فخرجت ترفعني أرض وتخفضني أخرى، حتى هبطت هذه البلاد فحمله الحكم إلى زياد بالعراق.
                        قال: وتخلص الحكم من وجهه حتى أتى هراة، ثم رجع إلى مرو.
                        [إسناده معضل]

                        قال عمر: قال علي بن محمد: لما حضرت الحكم الوفاة بمرو، استخلف أنس بن أبي أناس، وذلك في سنة خمسين .
                        [إسناده معضل]



                        وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                        أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                        تعليق


                        • #13
                          رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                          ثم دخلت سنة إحدى وخمسين
                          ذكر ما كان فيها من الأحداث
                          فمما كان فيها مشتى فضالة بن عبيد بأرض الروم، وغزوة بسر بن أبي أرطاة الصائفة، ومقتل حجر بن عدى وأصحابه.

                          ذكر مقتل حجر بن عدي وأصحابه
                          ذكر سبب مقتله:
                          قال هشام بن محمد، عن أبي مخنف، عن المجالد بن سعيد، والصقعب ابن زهير، وفضيل بن خديج، والحسين بن عقبة المرادي، قال: كل قد حدثني بعض هذا الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث حجر ابن عدي الكندي وأصحابه: أن معاوية بن أبي سفيان لما ولي المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة إحدى وأربعين دعاه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، وقد قال المتلمس:
                          لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما
                          وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة، فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني، ويصلح به رعيتي، ولست تاركا إيصاءك بخصلة: لا تتحم عن شتم علي وذمه، والترحم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب علي، والإقصاء لهم، وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه، والإدناء لهم، والاسماع منهم فقال المغيرة: قد جربت وجربت، وعملت قبلك لغيرك، فلم يذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع، فستبلو فتحمد أو تذم قال:
                          بل نحمد إن شاء الله.
                          [إسناده تالف وفي متنه نكارة]

                          قال أبو مخنف: قال الصقعب بن زهير: سمعت الشعبي يقول: ما ولينا وال بعده مثله، وإن كان لاحقا بصالح من كان قبله من العمال.
                          وأقام المغيرة على الكوفة عاملا لمعاوية سبع سنين وأشهرا، وهو من أحسن شيء سيرة، وأشده حبا للعافية، غير أنه لا يدع ذم علي والوقوع فيه والعيب لقتلة عثمان، واللعن لهم، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له، والتزكية لأصحابه، فكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك قال: بل إياكم فذمم الله ولعن! ثم قام فقال: إن الله عز وجل يقول: «كونوا قوامين بالقسط شهداء لله» ، وأنا أشهد أن من تذمون وتعيرون لأحق بالفضل، وأن من تزكون وتطرون أولى بالذم فيقول المغيرة: يا حجر، لقد رمي بسهمك، إذ كنت أنا الوالي عليك، يا حجر ويحك! اتق السلطان، اتق غضبه وسطوته، فإن غضبة السلطان أحيانا مما يهلك أمثالك كثيرا ثم يكف عنه ويصفح.
                          فلم يزل حتى كان في آخر إمارته قام المغيرة فقال في علي وعثمان كما كان يقول، وكانت مقالته: اللهم ارحم عثمان بن عفان وتجاوز عنه، وأجزه بأحسن عمله، فإنه عمل بكتابك، واتبع سنه نبيك صلى الله عليه وسلم ، وجمع كلمتنا، وحقن دماءنا، وقتل مظلوما، اللهم فارحم أنصاره وأولياءه ومحبيه والطالبين بدمه! ويدعو على قتلته فقام حجر بن عدي فنعر نعرة بالمغيرة سمعها كل من كان في المسجد وخارجا منه، وقال: إنك لا تدري بمن تولع من هرمك! أيها الإنسان، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا، فإنك قد حبستها عنا، وليس ذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين، وتقريظ المجرمين قال: فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون: صدق والله حجر وبر، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا، فإنا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدي علينا شيئا، وأكثروا في مثل هذا القول ونحوه فنزل المغيرة، فدخل واستأذن عليه قومه، فأذن لهم، فقالوا: علام تترك هذا الرجل يقول هذه المقالة، ويجترئ عليك في سلطانك هذه الجرأة! إنك تجمع على نفسك بهذا خصلتين: أما أولهما فتهوين سلطانك، وأما الأخرى فإن ذلك إن بلغ معاوية كان اسخط له عليه- وكان أشدهم له قولا في أمر حجر والتعظيم عليه عبد الله أبي عقيل الثقفي- فقال لهم المغيرة: إني قد قتلته، إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة، إنه قد اقترب أجلي، وضعف عملي، ولا أحب أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم، وسفك دمائهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز في الدنيا معاوية، ويذل يوم القيامة المغيرة، ولكني قابل من محسنهم، وعاف عن مسيئهم، وحامد حليمهم، وواعظ سفيههم، حتى يفرق بيني وبينهم الموت، وسيذكروننى لو قد جربوا العمال بعدي .
                          [إسناده تالف وفي متنه نكارة]

                          قال أبو مخنف: سمعت عثمان بن عقبة الكندي، يقول: سمعت شيخا للحي يذكر هذا الحديث يقول: قد والله جربناهم فوجدناه خيرهم، احمدهم للبرىء، وأغفرهم للمسيء، وأقبلهم للعذر.
                          [إسناده تالف]

                          قال هشام: قال عوانة: فولي المغيرة الكوفة سنة إحدى وأربعين في جمادى، وهلك سنة إحدى وخمسين، فجمعت الكوفة والبصرة لزياد بن أبي سفيان، فأقبل زياد حتى دخل القصر بالكوفة، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإنا قد جربنا وجربنا، وسسنا وساسنا السائسون، فوجدنا هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما صلح أوله، بالطاعة اللينة المشبه سرها بعلانيتها، وغيب أهلها بشاهدهم، وقلوبهم بألسنتهم، ووجدنا الناس لا يصلحهم إلا لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، وإني والله لا أقوم فيكم بأمر إلا أمضيته على أذلاله، وليس من كذبة
                          الشاهد عليها من الله والناس أكبر من كذبة إمام على المنبر ثم ذكر عثمان وأصحابه فقرظهم، وذكر قتلته ولعنهم فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة، وقد كان زياد قد رجع إلى البصرة وولي الكوفة عمرو بن الحريث، ورجع إلى البصرة فبلغه أن حجرا يجتمع إليه شيعة علي، ويظهرون لعن معاوية والبراءة منه، وأنهم حصبوا عمرو بن الحريث، فشخص إلى الكوفة حتى دخلها، فأتى القصر فدخله، ثم خرج فصعد المنبر وعليه قباء سندس ومطرف خز أخضر، قد فرق شعره، وحجر جالس في المسجد حوله أصحابه أكثر ما كانوا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن غب البغي والغي وخيم، إن هؤلاء جموا فأشروا، وأمنوني فاجترءوا علي، وايم الله لئن لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم، وقال: ما أنا بشيء إن لم أمنع باحة الكوفة من حجر وأدعه نكالا لمن بعده! ويل أمك يا حجر! سقط العشاء بك على سرحان، ثم قال:
                          أبلغ نصيحة أن راعي إبلها ... سقط العشاء به على سرحان
                          وأما غير عوانة، فإنه قال في سبب أمر حجر :
                          [إسناده ضعيف جدا وفي متنه نكارة]

                          حدثني علي بن حسن قال: حدثنا مسلم الجرمي، قال: حدثنا مخلد بن الحسن، عن هشام، عن محمد بن سيرين، قال: خطب زياد يوما في الجمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقال له حجر بن عدي: الصلاة! فمضى في خطبته، ثم قال: الصلاة! فمضى في خطبته، فلما خشي حجر فوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من الحصا، وثار إلى الصلاة وثار الناس معه، فلما رأى ذلك زياد نزل فصلى بالناس، فلما فرغ من صلاته كتب إلى معاوية في أمره، وكثر عليه.
                          فكتب إليه معاوية أن شده في الحديد، ثم احمله إلي فلما أن جاء كتاب معاوية أراد قوم حجر أن يمنعوه، فقال: لا، ولكن سمع وطاعة، فشد
                          في الحديد، ثم حمل إلى معاوية، فلما دخل عليه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال له معاوية: أمير المؤمنين! أما والله لا أقيلك ولا أستقيلك، أخرجوه فاضربوا عنقه، فأخرج من عنده، فقال حجر للذين يلون أمره: دعوني حتى أصلي ركعتين، فقالوا: صل، فصلى ركعتين خفف فيهما، ثم قال: لولا أن تظنوا بي غير الذى انا عليه لا حببت أن تكونا أطول مما كانتا، ولئن لم يكن فيما مضى من الصلاة خير فما في هاتين خير، ثم قال لمن حضره من أهله: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما، فإني ألاقي معاوية غدا على الجادة ثم قدم فضربت عنقه.
                          قال مخلد: قال هشام: كان محمد إذا سئل عن الشهيد يغسل، حدثهم حديث حجر.
                          قال محمد: فلقيت عائشة أم المؤمنين معاوية- قال مخلد: أظنه بمكة- فقالت: يا معاوية، أين كان حلمك عن حجر! فقال لها: يا أم المؤمنين، لم يحضرني رشيد!
                          قال ابن سيرين: فبلغنا أنه لما حضرته الوفاة جعل يغرغر بالصوت ويقول:
                          يومي منك يا حجر يوم طويل!
                          [في إسناده مسلم الجرمي مجهول الحال إن لم يكن مجهول العين ، ومخلد بن الحسن البصري مقبول (أي : إذا توبع وإلا فلين الحديث) وكذلك أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ت537) وفي إسناده أحمد بن محمد بن الحجاج ، قال ابن عدي : كذبوه وأنكرت عليه أشياء وذكر الذهبي بعضا من بواطيله في الميزان وقال ابن أبي حاتم : سمعت منه بمصر ولم أحدث عنه لما تكلموا فيه (الجرح والتعديل 1/1/ت103).
                          وتوهم عبد السلام علوش في تحقيقه للمستدرك إذ قال في الحاشية (4/591/ح6035) : وأخرجه ابن عبد من وجه آخر .... فثبتت الواقعة.
                          قلنا : كيف تثبت ورواية ابن عبد البر هذه حالها وطريقها ؟ ]

                          قال هشام، عن أبي مخنف، قال: حدثني إسماعيل بن نعيم النمري، عن حسين بن عبد الله الهمداني، قال: كنت في شرط زياد، فقال زياد: لينطلق بعضكم إلى حجر فليدعه، قال: فقال لي أمير الشرطه- وهو شداد ابن الهيثم الهلالي: اذهب إليه فادعه، قال: فأتيته، فقلت: أجب الأمير، فقال أصحابه: لا يأتيه ولا كرامة! قال: فرجعت إليه فأخبرته، فأمر صاحب الشرطة أن يبعث معي رجالا، قال: فبعث نفرا، قال: فأتيناه فقلنا: أجب الأمير، قال: فسبونا وشتمونا، فرجعنا إليه فأخبرناه الخبر، قال: فوثب زياد بأشراف أهل الكوفة، فقال: يا أهل الكوفة، أتشجون بيد وتأسون بأخرى! أبدانكم معي وأهواؤكم مع حجر! هذا الهجهاجة الأحمق المذبوب أنتم معي وإخوانكم وأبناؤكم وعشائركم مع حجر! هذا والله من دحسكم وغشكم! والله لتظهرن لي براءتكم أو لآتينكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم! فوثبوا إلى زياد، فقالوا: معاذ الله سبحانه أن يكون لنا فيما هاهنا رأي إلا طاعتك وطاعة أمير المؤمنين، وكل ما ظننا أن فيه رضاك، وما يستبين به طاعتنا وخلافنا لحجر فمرنا به، قال: فليقم كل امرئ منكم إلى هذه الجماعة حول حجر فليدع كل رجل منكم أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته، حتى تقيموا عنه كل من استطعتم أن تقيموه ففعلوا ذلك، فأقاموا جل من كان مع حجر بن عدي، فلما رأى زياد أن جل من كان مع حجر أقيم عنه، قال لشداد بن الهيثم الهلالي- ويقال: هيثم بن شداد أمير شرطته-: انطلق إلى حجر، فإن تبعك فأتني به، وإلا فمر من معك فلينتزعوا عمد السوق، ثم يشدوا بها عليهم حتى يأتوني به ويضربوا من حال دونه فأتاه الهلالي فقال: أجب الأمير، قال: فقال أصحاب حجر: لا ولا نعمة عين! لا نجيبه فقال لأصحابه: شدوا على عمد السوق، فاشتدوا إليها، فأقبلوا بها قد انتزعوها، فقال عمير بن يزيد الكندي من بنى هند- وهو أبو العمر: إنه ليس معك رجل معه سيف غيري، وما يغني عنك! قال: فما ترى؟ قال: قم من هذا المكان فالحق بأهلك يمنعك قومك فقام زياد ينظر إليهم وهو على المنبر، فغشوا بالعمد، فضرب رجل من الحمراء- يقال له بكر بن عبيد- رأس عمرو بن الحمق بعمود فوقع، وأتاه أبو سفيان بن عويمر والعجلان بن ربيعة- وهما رجلان من الأزد- فحملاه، فأتيا به دار رجل من الأزد- يقال له : عبيد الله بن مالك- فخبأه بها، فلم يزل بها متواريا حتى خرج منها.
                          ثم رجع إلى أول الحديث قال: فلما ضرب عمرا تلك الضربة وحمله ذانك الرجلان، انحاز أصحاب حجر إلى أبواب كندة، ويضرب رجل من جذام كان في الشرطة رجلا يقال له عبد الله بن خليفة الطائي بعمود، فضربه ضربة فصرعه، فقال وهو يرتجز:
                          قد علمت يوم الهياج خلتي ... أني إذا ما فئتي تولت
                          وكثرت عداتها أو قلت ... أني قتال غداة بلت
                          وضربت يد عائذ بن حملة التميمي وكسرت نابه، فقال:
                          إن تكسروا نابي وعظم ساعدي ... فإن في سورة المناجد
                          وبعض شغب البطل المبالد.
                          وينتزع عمودا من بعض الشرطة، فقاتل به وحمى حجرا وأصحابه، حتى خرجوا من تلقاء أبواب كندة، وبغلة حجر موقوفة، فأتى بها أبو العمرطة إليه، ثم قال: اركب لا أب لغيرك! فو الله ما أراك إلا قد قتلت نفسك،
                          وقتلتنا معك، فوضع حجر رجله في الركاب، فلم يستطع أن ينهض، فحمله أبو العمرطة على بغلته، ووثب أبو العمرطة على فرسه، فما هو إلا أن استوى عليه حتى انتهى إليه يزيد بن طريف المسلي- وكان يغمز- فضرب أبا العمرطة بالعمود على فخذه، ويخترط أبو العمرطة سيفه، فضرب به رأس يزيد بن طريف، فخر لوجهه ثم إنه برأ بعد، فله يقول عبد الله بن همام السلولي:
                          ألؤم ابن لؤم ما عدا بك حاسرا ... إلى بطل ذي جراه وشكيم!
                          معاود ضرب الدار عين بسيفه ... على الهام عند الروع غير لئيم
                          إلى فارس الغارين يوم تلاقيا ... بصفين قرم خير نجل قروم
                          حسبت ابن برصاء الحتار قتاله ... قتالك زيدا يوم دار حكيم
                          وكان ذلك السيف أول سيف ضرب به في الكوفة في الاختلاف بين الناس ومضى حجر وأبو العمرطة حتى انتهيا إلى دار حجر، واجتمع إلى حجر ناس كثير من أصحابه، وخرج قيس بن فهدان الكندي على حمار له يسير في مجالس كندة، يقول:
                          يا قوم حجر دافعوا وصاولوا ... وعن أخيكم ساعة فقاتلوا
                          لا يلفيا منكم لحجر خاذل ... أليس فيكم رامح ونابل
                          وفارس مستلئم وراجل ... وضارب بالسيف لا يزايل!
                          فلم يأته من كندة كثير أحد وقال زياد وهو على المنبر: ليقم همدان وتميم وهوازن وأبناء أعصر ومذحج وأسد وغطفان فليأتوا جبانة كندة، فليمضوا من ثم إلى حجر فليأتوني به ثم إنه كره أن يسير طائفة من مضر مع طائفة من أهل اليمن فيقع بينهم شغب واختلاف، وتفسد ما بينهم الحمية، فقال: لتقم تميم وهوازن وأبناء أعصر وأسد وغطفان، ولتمض
                          مذحج وهمدان إلى جبانة كندة، ثم لينهضوا إلى حجر فليأتوني به، وليسر سائر أهل اليمن حتى ينزلوا جبانة الصائديين فليمضوا إلى صاحبهم، فليأتوني به فخرجت الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وخزاعة وقضاعة، فنزلوا جبانة الصائديين، ولم تخرج حضرموت مع أهل اليمن لمكانهم من كندة، وذلك أن دعوة حضرموت مع كندة، فكرهوا الخروج في طلب حجر.
                          [إسناده تالف]

                          قال أبو مخنف: حدثني يحيى بن سعيد بن مخنف، عن محمد بن مخنف، قال: إني لمع أهل اليمن في جبانة الصائديين إذ اجتمع رءوس أهل اليمن يتشاورون في أمر حجر، فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف: أنا مشير عليكم برأي إن قبلتموه رجوت أن تسلموا من اللائمة والإثم، أرى لكم أن تلبثوا قليلا فإن سرعان شباب همدان ومذحج يكفونكم ما تكرهون أن تلوا من مساءة قومكم في صاحبكم قال: فأجمع رأيهم على ذلك، قال: فو الله ما كان إلا كلا ولا حتى أتينا، فقيل لنا: إن مذحج وهمدان قد دخلوا فأخذوا كل من وجدوا من بني جبلة قال: فمر أهل اليمن في نواحي دور كنده معذره، فبلغ ذلك زيادا، فأثنى على مذحج وهمدان وذم سائر أهل اليمن وإن حجرا لما انتهى إلى داره فنظر إلى قلة من معه من قومه، وبلغه أن مذحج وهمدان نزلوا جبانة كندة وسائر أهل اليمن جبانة الصائديين قال لأصحابه: انصرفوا فو الله ما لكم طاقة بمن قد اجتمع عليكم من قومكم، وما أحب أن أعرضكم للهلاك، فذهبوا لينصرفوا، فلحقتهم أوائل خيل مذحج وهمدان فعطف عليهم عمير بن يزيد وقيس بن يزيد وعبيدة بن عمرو البدي وعبد الرحمن بن محرز الطمحي وقيس ابن شمر، فتقاتلوا معهم، فقاتلوا عنه ساعة فجرحوا، وأسر قيس بن يزيد، وأفلت سائر القوم، فقال لهم حجر: لا أبا لكم! تفرقوا لا تقاتلوا فإني آخذ في بعض السكك ثم آخذ طريقا نحو بني حرب، فسار حتى انتهى إلى دار رجل منهم يقال له سليم بن يزيد، فدخل داره، وجاء القوم في طلبه حتى انتهوا إلى تلك الدار، فأخذ سليم بن يزيد سيفه، ثم ذهب ليخرج إليهم، فبكت بناته، فقال له حجر: ما تريد؟ قال: أريد والله أسألهم أن ينصرفوا عنك، فإن فعلوا وإلا ضاربتهم بسيفي هذا ما ثبت قائمه في يدي دونك، فقال حجر: لا أبا لغيرك! بئس ما دخلت به إذا على بناتك! قال: انى والله ما أمونهن، ولا رزقهن إلا على الحي الذي لا يموت، ولا أشتري العار بشيء أبدا، ولا تخرج من داري أسيرا أبدا وأنا حي أملك قائم سيفي، فإن قتلت دونك فاصنع ما بدا لك قال حجر: أما في دارك هذه حائط أقتحمه، أو خوخة أخرج منها، عسى أن يسلمني الله عز وجل منهم ويسلمك، فإذا القوم لم يقدروا علي عندك لم يضروك! قال: بلى هذه خوخة تخرجك إلى دور بني العنبر وإلى غيرهم من قومك، فخرج حتى مر ببني ذهل، فقالوا له: مر القوم آنفا في طلبك يقفون أثرك.
                          فقال: منهم أهرب، قال: فخرج ومعه فتية منهم يتقصون به الطريق، ويسلكون به الأزقة حتى أفضى إلى النخع، فقال لهم عند ذلك: انصرفوا رحمكم الله! فانصرفوا عنه، وأقبل إلى دار عبد الله بن الحارث أخي الأشتر فدخلها، فإنه لكذلك قد ألقى له الفرش عبد الله، وبسط له البسط، وتلقاه ببسط الوجه، وحسن البشر، إذ أتى فقيل له: إن الشرط تسأل عنك في النخع- وذلك أن أمة سوداء يقال لها: أدماء، لقيتهم، فقالت: من تطلبون؟ قالوا: نطلب حجرا، قالت: ها هو ذا قد رأيته في النخع، فانصرفوا نحو النخع- فخرج من عند عبد الله متنكرا، وركب معه عبد الله بن الحارث ليلا حتى أتى دار ربيعة بن ناجد الأزدي في الأزد، فنزلها يوما وليلة، فلما أعجزهم أن يقدروا عليه دعا زياد بمحمد بن الأشعث فقال له: يا أبا ميثاء، أما والله لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة إلا قطعتها، ولا دارا إلا هدمتها ثم لا تسلم مني حتى أقطعك إربا إربا، قال: أمهلني حتى أطلبه، قال: قد أمهلتك ثلاثا، فإن جئت به وإلا عد نفسك مع الهلكى وأخرج محمد نحو السجن منتقع اللون يتل تلا عنيفا، فقال حجر بن يزيد الكندي لزياد: ضمنيه وخل سبيله يطلب صاحبه، فإنه مخلى سربه- أحرى أن يقدر عليه منه إذا كان محبوسا فقال أتضمنه؟ قال: نعم، قال: أما والله لئن حاص عنك لأزيرنك شعوب، وإن كنت الآن علي كريما ، قال: إنه لا يفعل فخلي سبيله .
                          ثم إن حجر بن يزيد كلمه في قيس بن يزيد، وقد أتي به أسيرا، فقال لهم: ما على قيس بأس، قد عرفنا رأيه في عثمان، وبلاءه يوم صفين مع أمير المؤمنين، ثم أرسل إليه فأتي به، فقال له: إني قد علمت إنك لم تقاتل مع حجر، أنك ترى رأيه، ولكن قاتلت معه حمية قد غفرتها لك لما أعلم من حسن رأيك، وحسن بلائك، ولكن لن أدعك حتى تأتيني بأخيك عمير، قال: أجيئك به إن شاء الله، قال: فهات من يضمنه لي معك، قال: هذا حجر بن يزيد يضمنه لك معي، قال حجر بن يزيد: نعم أضمنه لك، على أن تؤمنه على ماله ودمه، قال: ذلك لك، فانطلقا فأتيا به وهو جريح، فأمر به فأوقر حديدا، ثم أخذته الرجال ترفعه، حتى إذا بلغ سررها ألقوه، فوقع على الأرض، ثم رفعوه وألقوه، ففعلوا به ذلك مرارا، فقام إليه حجر بن يزيد فقال: ألم تؤمنه على ماله ودمه أصلحك الله! قال: بلى، قد آمنته على ماله ودمه، ولست أهريق له دما، ولا آخذ له مالا قال: أصلحك الله! يشفى به على الموت، ودنا منه وقام من كان عنده من أهل اليمن، فدنوا منه وكلموه، فقال: أتضمنونه لي بنفسه، فمتى ما أحدث حدثا أتيتموني به؟ قالوا: نعم، قال: وتضمنون لي أرش ضربة المسلي، قالوا: ونضمنها، فخلي سبيله.
                          ومكث حجر بن عدي في منزل ربيعة بن ناجد الأزدي يوما وليلة، ثم بعث حجر إلى محمد بن الأشعث غلاما له يدعى رشيدا من أهل أصبهان:
                          إنه قد بلغني ما استقبلك به هذا الجبار العنيد، فلا يهولنك شيء من أمره، فإني خارج إليك، أجمع نفرا من قومك ثم أدخل عليه فأسأله أن يؤمنني حتى يبعث بي إلى معاوية فيرى فيّ رأيه.
                          فخرج ابن الأشعث إلى حجر بن يزيد وإلى جرير بن عبد الله وإلى عبد الله بن الحارث أخي الأشتر، فأتاهم فدخلوا إلى زياد فكلموه وطلبوا إليه أن يؤمنه حتى يبعث به إلى معاوية فيرى فيه رأيه، ففعل، فبعثوا إليه رسوله ذلك يعلمونه أن قد أخذنا الذي تسأل، وأمروه أن يأتي، فأقبل حتى دخل على زياد فقال زياد: مرحبا بك أبا عبد الرحمن! حرب في أيام الحرب، وحرب وقد سالم الناس! على أهلها تجني براقش قال: ما خالعت طاعة، ولا فارقت جماعة، وإني لعلى بيعتي، فقال: هيهات هيهات يا حجر! تشج بيد وتأسو بأخرى، وتريد إذا أمكن الله منك أن نرضى! كلا والله.
                          قال: ألم تؤمني حتى آتى معاوية فيرى في رأيه! قال: بلى قد فعلنا، انطلقوا به إلى السجن، فلما قفي به من عنده قال زياد: أما والله لولا أمانة ما برح أو يلفظ مهجة نفسه.
                          [إسناده تالف]

                          قال هشام بن عروة: حدثني عوانة، قال: قال زياد: والله لا حرصن على قطع خيط رقبته.
                          [إسناده تالف]

                          قال هشام بن محمد، عن أبي مخنف، وحدثني المجالد بن سعيد، عن
                          الشعبي وزكرياء بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، أن حجرا لما قفي به من عند زياد نادى بأعلى صوته: اللهم إني على بيعتي، لا أقيلها ولا أستقيلها، سماع الله والناس وكان عليه برنس في غداة باردة، فحبس عشر ليال، وزياد ليس له عمل إلا طلب رؤساء أصحاب حجر، فخرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن، ثم ارتحلا حتى أتيا أرض الموصل، فأتيا جبلا فكمنا فيه، وبلغ عامل ذلك الرستاق أن رجلين قد كمنا في جانب الجبل، فاستنكر شأنهما- وهو رجل من همدان يقال له عبد الله بن أبي بلتعة- فسار إليهما في الخيل نحو الجبل ومعه أهل البلد، فلما انتهى إليهما خرجا، فأما عمرو بن الحمق فكان مريضا، وكان بطنه قد سقى، فلم يكن عنده امتناع، وأما رفاعة بن شداد- وكان شابا قويا- فوثب على فرس له جواد، فقال له: أقاتل عنك؟ قال: وما ينفعني أن تقاتل! انج بنفسك إن استطعت، فحمل عليهم، فأفرجوا له، فخرج تنفر به فرسه، وخرجت الخيل في طلبه- وكان راميا- فأخذ لا يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقره، فانصرفوا عنه، وأخذ عمرو بن الحمق، فسألوه: من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضر لكم، فسألوه: فأبى أن يخبرهم، فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل- وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي- فلما رأى عمرو بن الحمق عرفه، وكتب إلى معاوية بخبره، فكتب إليه معاوية: أنه زعم انه طعن عثمان ابن عفان تسع طعنات بمشاقص كانت معه، وإنا لا نريد أن نعتدي عليه، فأطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان، فأخرج فطعن تسع طعنات، فمات في الأولى منهن أو الثانية .
                          [إسناده تالف]

                          قال أبو مخنف: وحدثني المجالد، عن الشعبي وزكرياء بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق قال: وجه زياد في طلب أصحاب حجر، فأخذوا يهربون منه، ويأخذ من قدر عليه منهم، فبعث إلى قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي صاحب الشرطة- وهو شداد بن الهيثم- فدعا قبيصة في قومه، وأخذ سيفه، فأتاه ربعي بن خراش بن جحش العبسي ورجال من قومه ليسوا بالكثير، فاراد ان يقاتل، فقال له صاحب الشرطة: أنت آمن على دمك ومالك، فلم تقتل نفسك؟ فقال له أصحابه: قد أومنت، فعلام تقتل نفسك وتقتلنا معك! قال: ويحكم! إن هذا الدعي ابن العاهرة، والله لئن وقعت في يده لا أفلت منه أبدا أو يقتلني، قالوا: كلا، فوضع يده في أيديهم، فأقبلوا به إلى زياد، فلما دخلوا عليه قال زياد: وحى عبس تعزوني على الدين، أما والله لأجعلن لك شاغلا عن تلقيح الفتن، والتوثب على الأمراء، قال: إني لم آتك إلا على الأمان، قال: انطلقوا به إلى السجن، وجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له: إن امرأ منا من بني همام يقال له: صيفي بن فسيل من رءوس أصحاب حجر، وهو أشد الناس عليك، فبعث إليه زياد، فأتي به، فقال له زياد: يا عدو الله، ما تقول في أبي تراب؟ قال: ما أعرف أبا تراب، قال: ما أعرفك به! قال: ما أعرفه، قال: أما تعرف علي بن أبي طالب؟ قال: بلى، قال: فذاك أبو تراب، قال: كلا، ذاك أبو الحسن والحسين، فقال له صاحب الشرطة:
                          يقول لك الأمير: هو أبو تراب، وتقول أنت: لا! قال: وإن كذب الأمير أتريد أن أكذب وأشهد له على باطل كما شهد! قال له زياد: وهذا أيضا مع ذنبك! علي بالعصا، فاتى بها، فقال: ما قولك في على؟، قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله اقوله في المؤمنين، قال: اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض، فضرب حتى لزم الأرض ثم قال: اقلعوا عنه، إيه، ما قولك في على؟ قال: والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ما قلت إلا ما سمعت مني، قال لتلعننه أو لأضربن عنقك، قال:
                          إذا تضربها والله قبل ذلك، فإن أبيت إلا أن تضربها رضيت بالله، وشقيت أنت، قال: ادفعوا في رقبته، ثم قال: أوقروه حديدا، وألقوه في السجن.
                          ثم بعث إلى عبد الله بن خليفة الطائي- وكان شهد مع حجر وقاتلهم قتالا شديدا- فبعث إليه زياد بكير بن حمران الأحمري- وكان تبيع العمال- فبعثه في أناس من أصحابه، فأقبلوا في طلبه فوجدوه في مسجد عدي بن حاتم، فأخرجوه، فلما أرادوا أن يذهبوا به- وكان عزيز النفس- امتنع منهم فحاربهم وقاتلهم، فشجوه ورموه بالحجارة حتى سقط، فنادت ميثاء أخته: يا معشر طيئ، أتسلمون ابن خليفة لسانكم وسنانكم!
                          فلما سمع الأحمري نداءها خشي أن تجتمع طيئ فيهلك، فهرب وخرج نسوة من طيئ فأدخلنه دارا، وينطلق الأحمري حتى أتى زيادا فقال: إن طيئا اجتمعت إلي فلم أطقهم، فأتيتك، فبعث زياد إلى عدي- وكان في المسجد- فحبسه وقال: جئني به- وقد أخبر عدي بخبر عبد الله- فقال عدي: كيف آتيك برجل قد قتله القوم؟ قال: جئني حتى أرى أن قد قتلوه، فاعتل له وقال: لا أدري أين هو، ولا ما فعل! فحبسه، فلم يبق رجل من أهل المصر من أهل اليمن وربيعة ومضر إلا فزع لعدي، فأتوا زيادا فكلموه فيه، وأخرج عبد الله فتغيب في بحتر، فأرسل إلى عدي: إن شئت أن أخرج حتى أضع يدي في يدك فعلت، فبعث إليه عدي: والله لو كنت تحت قدمي ما رفعتهما عنك فدعا زياد عديا، فقال له: إني أخلي سبيلك على أن تجعل لي لتنفيه من الكوفة، ولتسير به إلى الجبلين، قال: نعم، فرجع وأرسل إلى عبد الله بن خليفة: اخرج، فلو قد سكن غضبه لكلمته فيك حتى ترجع إن شاء الله، فخرج إلى الجبلين.
                          وأتي زياد بكريم بن عفيف الخثعمي فقال: ما اسمك؟ قال: انا كريم ابن عفيف، قال: ويحك، أو ويلك! ما أحسن اسمك واسم أبيك، وأسوأ عملك ورأيك! قال: أما والله إن عهدك برأيي لمنذ قريب، ثم بعث زياد إلى أصحاب حجر حتى جمع اثني عشر رجلا في السجن ثم إنه دعا رءوس الأرباع، فقال: اشهدوا على حجر بما رأيتم منه- وكان رءوس الأرباع يومئذ: عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان، وقيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة على ربع ربيعة وكندة، وأبو بردة بن أبي موسى على مذحج وأسد- فشهد هؤلاء الأربعة أن حجرا جمع إليه الجموع، وأظهر شتم الخليفة، ودعا إلى حرب أمير المؤمنين، وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل أبي طالب، ووثب بالمصر وأخرج عامل أمير المؤمنين، وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه، والبراءة من عدوه وأهل حربه، وأن هؤلاء النفر الذين معه هم رءوس أصحابه، وعلى مثل رأيه وأمره ثم أمر بهم ليخرجوا، فأتاه قيس بن الوليد فقال: إنه قد بلغني أن هؤلاء إذا خرج بهم عرض لهم فبعث زياد إلى الكناسة فابتاع إبلا صعابا، فشد عليها المحامل، ثم حملهم عليها في الرحبة أول النهار، حتى إذا كان العشاء قال زياد: من شاء فليعرض، فلم يتحرك من الناس أحد، ونظر زياد في شهادة الشهود فقال: ما أظن هذه الشهادة قاطعة، وإني لأحب أن يكون الشهود أكثر من أربعة.
                          [إسناده تالف]

                          قال أبو مخنف: فحدثني الحارث بن حصيرة، عن أبي الكنود- وهو عبد الرحمن بن عبيد- وأبو مخنف، عن عبد الرحمن بن جندب وسليمان بن أبي راشد، عن أبي الكنود بأسماء هؤلاء الشهود:
                          بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين، شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة، وفارق الجماعة، ولعن الخليفة، ودعا إلى الحرب والفتنة، وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية، وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء.
                          فقال زياد: على مثل هذه الشهادة فاشهدوا، أما والله لأجهدن على قطع خيط عنق الخائن الأحمق، فشهد رءوس الارباع الثلاثة الآخرون على مثل شهادته- وكانوا أربعة- ثم إن زيادا دعا الناس فقال: اشهدوا على مثل شهادة رءوس الأرباع فقرأ عليهم الكتاب، فقام أول الناس عناق بن شرحبيل بن أبي دهم التيمي تيم الله بن ثعلبة، فقال: بينوا اسمي، فقال زياد: ابدءوا بأسامي قريش، ثم اكتبوا اسم عناق في الشهود، ومن نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالنصيحة والاستقامة.
                          فشهد إسحاق بن طلحة بن عبيد الله، وموسى بن طلحه، واسماعيل بن طلحه ابن عبيد الله، والمنذر بن الزبير، وعمارة بن عقبه بن ابى معيط، وعبد الرحمن ابن هناد، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، وعامر بن مسعود بن أمية بن خلف، ومحرز بن جارية بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس، وعبيد الله بن مسلم ابن شعبة الحضرمي، وعناق بن شرحبيل بن أبي دهم، ووائل بن حجر الحضرمي، وكثير بن شهاب بن حصين الحارثي، وقطن بن عبد الله بن حصين، والسري بن وقاص الحارثي- وكتب شهادته وهو غائب في عمله- والسائب بن الأقرع الثقفى، وشبث بن ربعي، وعبد الله بن أبي عقيل الثقفي، ومصقلة بن هبيرة الشيباني، والقعقاع بن شور الذهلي، وشداد بن المنذر بن الحارث بن وعلة الذهلي- وكان يدعى ابن بزيعة، فقال: ما لهذا أب ينسب إليه! ألقوا هذا من الشهود، فقيل له: إنه أخو الحضين، وهو ابن المنذر، قال: فانسبوه إلى أبيه، فنسب إلى أبيه، فبلغت شدادا، فقال: ويلي على ابن الزانية! او ليست أمه أعرف من أبيه! والله ما ينسب إلا إلى أمه سمية وحجار بن أبجر العجلي فغضبت ربيعة على هؤلاء الشهود الذين شهدوا من ربيعة وقالوا لهم: شهدتم على أوليائنا وحلفائنا! فقالوا: ما نحن إلا من الناس، وقد شهد عليهم ناس من قومهم كثير- وعمرو بن الحجاج الزبيدي ولبيد بن عطارد التميمي، ومحمد بن عمير بن عطارد التميمي، وسويد بن عبد الرحمن التميمي من بني سعد، وأسماء بن خارجة الفزاري- كان يعتذر من أمره- وشمر بن ذي الجوشن العامري، وشداد ومروان ابنا الهيثم الهلاليان، ومحفز بن ثعلبة من عائذة قريش، والهيثم بن الأسود النخعي- وكان يعتذر إليهم- وعبد الرحمن بن قيس الأسدي، والحارث وشداد ابنا الأزمع الهمدانيان، ثم الوادعيان، وكريب بن سلمة بن يزيد الجعفي، وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي، وزحر بن قيس الجعفي، وقدامة بن العجلان الأزدي وعزرة بن عزرة الأحمسي- ودعا المختار بن أبي عبيد وعروة بن المغيرة بن شعبة ليشهدوا عليه، فراغا- وعمر بن قيس ذي اللحية وهانئ بن أبي حية الوادعيان.
                          فشهد عليه سبعون رجلا، فقال زياد: ألقوهم إلا من قد عرف بحسب وصلاح في دينه، فألقوا حتى صيروا إلى هذه العدة، وألقيت شهادة عبد الله بن الحجاج الثعلبى، وكتبت شهادة هؤلاء الشهود في صحيفة، ثم دفعها إلى وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب الحارثي، وبعثهما عليهم، وأمرهما أن يخرجا بهم وكتب في الشهود شريح ابن الحارث القاضي وشريح بن هانئ الحارثي، فأما شريح فقال: سألني عنه، فأخبرته أنه كان صواما قواما، واما شريح بن هاني الحارثي فكان يقول: ما شهدت، ولقد بلغني أن قد كتبت شهادتي، فأكذبته ولمته، وجاء وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأخرج القوم عشية، وسار معهم صاحب الشرطة حتى أخرجهم من الكوفة.
                          فلما انتهوا إلى جبانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره وهي في جبانة عرزم، فإذا بناته مشرفات، فقال لوائل وكثير: ائذنا لي فأوصي أهلي، فأذنا له، فلما دنا منهن وهن يبكين، سكت عنهن ساعة ثم
                          قال: اسكتن، فسكتن، فقال: اتقين الله عز وجل، واصبرن، فإني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدى الحسنيين: إما الشهادة، وهي السعادة، وإما الانصراف إليكن في عافية، وإن الذى كان يرزقكن ويكفيني مئونتكن هو الله تعالى- وهو حي لا يموت- أرجو ألا يضيعكن وأن يحفظني فيكن ثم انصرف فمر بقومه، فجعل القوم يدعون الله له بالعافية، فقال: إنه لمما يعدل عندي خطر ما أنا فيه هلاك قومي يقول: حيث لا ينصرونني، وكان رجاء أن يتخلصوه.
                          [إسناده تالف]

                          قال أبو مخنف: فحدثني النضر بن صالح العبسي، عن عبيد الله بن الحر الجعفي، قال: والله إني لواقف عند باب السري بن أبي وقاص حين مروا بحجر وأصحابه، قال: فقلت: ألا عشرة رهط استنقذ بهم هؤلاء! ألا خمسة! قال: فجعل يتلهف، قال: فلم يجبني أحد من الناس، قال:
                          فمضوا بهم حتى انتهوا بهم إلى الغريين، فلحقهم شريح بن هانئ معه كتاب، فقال لكثير: بلغ كتابي هذا إلى أمير المؤمنين، قال: ما فيه؟
                          قال: لا تسألني فيه حاجتي، فأبى كثير وقال: ما أحب أن آتي أمير المؤمنين بكتاب لا أدري ما فيه، وعسى الا يوافقه! فأتى به وائل بن حجر فقبله منه ثم مضوا بهم حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء، وبينها وبين دمشق اثنا عشر ميلا.
                          [إسناده تالف]


                          تسمية الذين بعث بهم إلى معاوية
                          حجر بن عدي بن جبلة الكندي، والأرقم بن عبد الله الكندي من بني الأرقم، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل، وقبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي، وكريم بن عفيف الخثعمي، من بني عامر بن شهران ثم من قحافة، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، وكدام بن حيان، وعبد الرحمن بن حسان العنزيان من بني هميم، ومحرز بن شهاب التميمي من بني منقر، وعبد الله بن حوية السعدي من
                          بني تميم، فمضوا بهم حتى نزلوا مرج عذراء، فحبسوا بها ثم ان زيادا أتبعهم برجلين آخرين مع عامر بن الأسود العجلي، بعتبة بن الأخنس من بني سعد بن بكر بن هوازن، وسعيد بن نمران الهمداني ثم الناعطي، فتموا أربعة عشر رجلا، فبعث معاوية إلى وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأدخلهما، وفض كتابهما، فقرأه على أهل الشام، فإذا فيه:
                          بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من زياد بن أبي سفيان أما بعد، فإن الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء، فكاد له عدوه، وكفاه مؤنة من بغى عليه ان طواغيت من هذه الترابية السبئيه، رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونصبوا لنا الحرب، فأظهرنا الله عليهم، وأمكننا منهم، وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي السن والدين منهم، فشهدوا عليهم بما رأوا وعملوا، وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين، وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا.
                          فلما قرأ الكتاب وشهادة الشهود عليهم، قال: ماذا ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تستمعون؟ فقال له يزيد بن أسد البجلي: أرى أن تفرقهم في قرى الشام فيكفيكهم طواغيتها.
                          ودفع وائل بن حجر كتاب شريح بن هانئ إلى معاوية، فقرأه فإذا فيه:
                          بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من شريح بن هانئ أما بعد، فإنه بلغني أن زيادا كتب إليك بشهادتي على حجر بن عدي، وأن شهادتي على حجر أنه ممن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويديم الحج والعمرة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حرام الدم والمال، فإن شئت فاقتله، وإن شئت فدعه فقرأ كتابه على وائل بن حجر وكثير، فقال:
                          ما أرى هذا إلا قد أخرج نفسه من شهادتكم .
                          فحبس القوم بمرج عذراء، وكتب معاوية إلى زياد: أما بعد، فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حجر وأصحابه، وشهادة من قبلك عليهم، فنظرت في ذلك، فأحيانا أرى قتلهم أفضل من تركهم، وأحيانا أرى العفو عنهم أفضل من قتلهم والسلام.
                          فكتب إليه زياد مع يزيد بن حجية بن ربيعة التيمي: أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت رأيك في حجر وأصحابه، فعجبت لاشتباه الأمر عليك فيهم، وقد شهد عليهم بما قد سمعت من هو أعلم بهم، فإن كانت لك حاجة في هذا المصر فلا تردن حجرا وأصحابه إلي.
                          فأقبل يزيد بن حجية حتى مر بهم بعذراء فقال: يا هؤلاء، أما والله ما أرى براءتكم، ولقد جئت بكتاب فيه الذبح، فمروني بما أحببتم مما ترون أنه لكم نافع أعمل به لكم وأنطق به فقال حجر: أبلغ معاوية أنا على بيعتنا، لا نستقيلها ولا نقيلها، وأنه إنما شهد علينا الأعداء والأظناء. فقدم يزيد بالكتاب إلى معاوية فقرأه، وبلغه يزيد مقالة حجر، فقال معاوية: زياد أصدق عندنا من حجر، فقال عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي- ويقال: عثمان بن عمير الثقفي: جذاذها جذاذها، فقال له معاوية: لا تعن أبرا فخرج أهل الشام ولا يدرون ما قال معاوية وعبد الرحمن، فأتوا النعمان بن بشير فقالوا له مقالة ابن أم الحكم، فقال النعمان: قتل القوم، وأقبل عامر بن الأسود العجلي وهو بعذراء يريد معاوية ليعلمه علم الرجلين اللذين بعث بهما زياد، فلما ولى ليمضي قام إليه حجر بن عدي يرسف في القيود، فقال: يا عامر، اسمع مني، أبلغ معاوية أن دماءنا عليه حرام، وأخبره أنا قد أومنا وصالحناه، فليتق الله، ولينظر في أمرنا فقال له نحوا من هذا الكلام، فأعاد عليه حجر مرارا، فكان الآخر عرض، فقال قد فهمت لك- أكثرت، فقال له حجر: إني ما سمعت بعيب، وعلى أية تلوم! إنك والله تحبى وتعطى، وأن حجرا يقدم ويقتل، فلا ألومك ان تستقل كلامي، اذهب عنك، فكأنه استحيا، فقال: لا والله ما ذلك بي، ولابلغن ولا جهدن، وكأنه يزعم أنه قد فعل، وأن الآخر أبى .
                          فدخل عامر على معاوية فأخبره بأمر الرجلين قال: وقام يزيد بن أسد البجلي فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي ابني عمي- وقد كان جرير بن عبد الله كتب فيهما: ان امرءين من قومي من أهل الجماعة والرأي الحسن، سعى بهما ساع ظنين إلى زياد، فبعث بهما في النفر الكوفيين الذين وجه بهم زياد إلى أمير المؤمنين وهما ممن لا يحدث حدثا في الإسلام ولا بغيا على الخليفة، فلينفعهما ذلك عند أمير المؤمنين- فلما سألهما يزيد ذكر معاوية كتاب جرير، فقال: قد كتب إلي ابن عمك فيهما جرير، محسنا عليهما الثناء، وهو أهل أن يصدق قوله، وتقبل نصيحته، وقد سألتني ابني عمك، فهما لك وطلب وائل بن حجر في الأرقم فتركه له، وطلب أبو الأعور السلمي في عتبة بن الأخنس فوهبه له، وطلب حمرة بن مالك الهمدانى في سعيد ابن نمران الهمداني فوهبه له، وكلمه حبيب بن مسلمة في ابن حوية، فخلى سبيله.
                          وقام مالك بن هبيرة السكوني، فقال لمعاوية: يا أمير المؤمنين، دع لي ابن عمي حجرا، فقال: إن ابن ابن عمك حجرا رأس القوم، وأخاف إن خليت سبيله أن يفسد علي مصري، فيضطرنا غدا إلى أن نشخصك وأصحابك إليه بالعراق فقال له: والله ما أنصفتني يا معاوية، قاتلت معك ابن عمك فتلقاني منهم يوم كيوم صفين، حتى ظفرت كفك، وعلا كعبك ولم تخف الدوائر، ثم سألتك ابن عمي فسطوت وبسطت من القول بما لا أنتفع به، وتخوفت فيما زعمت عاقبة الدوائر! ثم انصرف فجلس في بيته، فبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي من بنى سلامان بن سعد والحصين ابن عبد الله الكلابي وأبا شريف البدي، فأتوهم عند المساء، فقال الخثعمي حين رأى الأعور مقبلا: يقتل نصفنا وينجو نصفنا، فقال سعيد بن نمران:
                          اللهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض، فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي: اللهم اجعلنى ممن يكرم بهوانهم وأنت عني راض، فطالما
                          عرضت نفسي للقتل، فأبى الله إلا ما أراه! .
                          فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية، فقال لهم رسول معاوية: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له، فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وإن أمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت له بشهادة أهل مصركم عليكم، غير أنه قد عفا عن ذلك، فابرءوا من هذا الرجل نخل سبيلكم قالوا: اللهم إنا لسنا فاعلي ذلك فأمر بقبورهم فحفرت، وأدنيت أكفانهم، وقاموا الليل كله يصلون، فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء، لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة، وأحسنتم الدعاء، فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أول من جار في الحكم، وعمل بغير الحق، فقال أصحاب معاوية: أمير المؤمنين كان أعلم بكم، ثم قاموا إليهم فقالوا: تبرءون من هذا الرجل! قالوا: بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه، فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله، ووقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبي شريف البدي، فقال له قبيصة: ان الشربين قومي وقومك أمن، فليقتلني سواك، فقال له: برتك رحم! فأخذ الحضرمي فقتله، وقتل القضاعي قبيصة بن ضبيعة.
                          قال: ثم إن حجرا قال لهم: دعوني أتوضأ، قالوا له: توضأ، فلما أن توضأ قال لهم: دعوني أصل ركعتين فايمن الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين، قالوا: لتصل، فصلى، ثم انصرف فقال: والله ما صليت صلاة قط أقصر منها، ولولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها ثم قال: اللهم إنا نستعديك على أمتنا، فإن أهل الكوفة شهدوا علينا، وإن أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين هلك في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها فمشى إليه الأعور هدبة بن فياض بالسيف، فأرعدت خصائله، فقال: كلا، زعمت أنك لا تجزع من الموت، فأنا أدعك فابرأ من صاحبك، فقال: ما لي لا أجزع وأنا أرى قبرا محفورا، وكفنا منشورا، وسيفا مشهورا، وإني والله إن جزعت من القتل لا أقول ما يسخط الرب فقتله، وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي: ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين، فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته، فبعثوا إلى معاوية يخبرونه بمقالتهما، فبعث إليهم أن ائتوني بهما.
                          فلما دخلا عليه قال الخثعمي: الله الله يا معاوية، فإنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة، ثم مسئول عما أردت بقتلنا، وفيم سفكت دماءنا، فقال معاوية: ما تقول في علي؟ قال: أقول فيه قولك، قال: أتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به؟ فسكت، وكره معاوية أن يجيبه .
                          وقام شمر بن عبد الله من بني قحافة، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي ابن عمي، قال: هو لك، غير أني حابسه شهرا، فكان يرسل إليه بين كل يومين فيكلمه، وقال له: إني لأنفس بك على العراق أن يكون فيهم مثلك.
                          ثم إن شمرا عاوده فيه الكلام، فقال: نمرك على هبة ابن عمك، فدعاه فخلى سبيله على الا يدخل إلى الكوفة ما كان له سلطان، فقال: تخير أي بلاد العرب أحب إليك أن أسيرك إليها، فاختار الموصل، فكان يقول:
                          لو قد مات معاوية قدمت المصر، فمات قبل معاوية بشهر.
                          ثم أقبل على عبد الرحمن العنزي فقال: إيه يا أخا ربيعة! ما قولك في علي؟ قال: دعني ولا تسألني فإنه خير لك، قال: والله لا أدعك حتى تخبرني عنه، قال: أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا، ومن الآمرين بالحق، والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس، قال: فما قولك
                          في عثمان؟ قال: هو أول من فتح باب الظلم، وأرتج أبواب الحق، قال:
                          قتلت نفسك، قال: بل إياك قتلت، ولا ربيعة بالوادي- يقول حين كلم شمر الخثعمي في كريم بن عفيف الخثعمي، ولم يكن له أحد من قومه يكلمه فيه- فبعث به معاوية إلى زياد، وكتب إليه: أما بعد، فإن هذا العنزي شر من بعثت، فعاقبه عقوبته التي هو أهلها واقتله شر قتلة.
                          فلما قدم به على زياد بعث به زياد إلى قس الناطف، فدفن به حيا.
                          قال: ولما حمل العنزي والخثعمي إلى معاوية قال العنزي لحجر:
                          يا حجر، لا يبعدنك الله، فنعم أخو الإسلام كنت! وقال الخثعمي:
                          لا تبعد ولا تفقد، فقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ثم ذهب بهما وأتبعهما بصره، وقال: كفى بالموت قطاعا لحبل القرائن! فذهب بعتبة بن الأخنس وسعيد بن نمران بعد حجر بأيام، فخلى سبيلهما.

                          تسمية من قتل من أصحاب حجر رحمه الله :
                          حجر بن عدي، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب السعدي ثم المنقري، وكدام بن حيان العنزي، وعبد الرحمن بن حسان العنزي، فبعث به إلى زياد فدفن حيا بقس الناطف، فهم سبعة قتلوا وكفنوا وصلى عليهم.
                          قال: فزعموا أن الحسن لما بلغه قتل حجر وأصحابه، قال: صلوا عليهم، وكفنوهم، واستقبلوا بهم القبلة، قالوا: نعم، قال: حجوهم ورب الكعبة!


                          تسمية من نجا منهم :
                          كريم بن عفيف الخثعمي، وعبد الله بن حوية التميمي، وعاصم بن
                          عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، والأرقم بن عبد الله الكندي، وعتبة بن الأخنس، من بني سعيد بن بكر، وسعيد بن نمران الهمداني فهم سبعة.
                          وقال مالك بن هبيرة السكوني حين أبى معاوية أن يهب له حجرا وقد اجتمع إليه قومه من كندة والسكون وناس من اليمن كثير، فقال:
                          والله لنحن أغنى عن معاوية من معاوية عنا، وإنا لنجد في قومه منه بدلا، ولا يجد منا في الناس خلفا، سيروا إلى هذا الرجل فلنخله من أيديهم، فأقبلوا يسيرون ولم يشكوا أنهم بعذراء لم يقتلوا، فاستقبلتهم قتلتهم قد خرجوا منها، فلما رأوه في الناس ظنوا إنما جاء بهم ليخلص حجرا من أيديهم، فقال لهم: ما وراءكم؟ قال: تاب القوم، وجئنا لنخبر معاوية.
                          فسكت عنهم، ومضى نحو عذراء، فاستقبله بعض من جاء منها فأخبره أن القوم قد قتلوا، فقال: علي بالقوم! وتبعتهم الخيل وسبقوهم حتى دخلوا على معاوية فأخبروه خبر ما أتى له مالك بن هبيرة ومن معه من الناس، فقال لهم معاوية: اسكنوا، فإنما هي حرارة يجدها في نفسه، وكأنها قد طفئت، ورجع مالك حتى نزل في منزله، ولم يأت معاوية، فأرسل إليه معاوية فأبى أن يأتيه، فلما كان الليل بعث إليه بمائة ألف درهم، وقال له: إن أمير المؤمنين لم يمنعه أن يشفعك في ابن عمك إلا شفقة عليك وعلى أصحابك أن يعيدوا لكم حربا أخرى، وأن حجر بن عدي لو قد بقي خشيت أن يكلفك وأصحابك الشخوص إليه، وأن يكون ذلك من البلاء على المسلمين ما هو أعظم من قتل حجر، فقبلها، وطابت نفسه، وأقبل إليه من غده في جموع قومه حتى دخل عليه ورضي عنه.
                          [ذكر الطبري هذه التفاصيل بلا إسناد والأغلب أنها امتداد لرؤية أبي مخنف (5/271/م101) والله أعلم]

                          قال أبو مخنف: وحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق، أن عائشة رضي الله عنها بعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية في حجر وأصحابه، فقدم عليه وقد قتلهم، فقال له عبد الرحمن: أين غاب عنك حلم أبي سفيان؟ قال: غاب عني حين غاب عني مثلك من حلماء قومي، وحملني ابن سمية فاحتملت.
                          [إسناده تالف ، وراجع تعليقنا على الرواية (5:256/257)]

                          قال أبو مخنف: قال عبد الملك بن نوفل: كانت عائشة تقول: لولا أنا لم تغير شيئا إلا آلت بنا الأمور إلى أشد مما كنا فيه لغيرنا قتل حجر، أما والله إن كان ما علمت لمسلما حجاجا معتمرا .
                          [إسناده تالف]

                          قال أبو مخنف: وحدثني عبد الملك بن نوفل، عن سعيد المقبري، أن معاوية حين حج مر على عائشة- رضوان الله عليها- فاستأذن عليها، فأذنت له، فلما قعد قالت له: يا معاوية، أأمنت أن أخبأ لك من يقتلك؟ قال: بيت الأمن دخلت، قالت: يا معاوية، أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه؟ قال: لست أنا قتلتهم، إنما قتلهم من شهد عليهم.
                          [إسناده تالف]

                          قال أبو مخنف: حدثني زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، قال:
                          أدركت الناس وهم يقولون: إن أول ذل دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر بن عدي، ودعوة زياد.
                          [إسناده تالف]

                          قال أبو مخنف: وزعموا أن معاوية قال عند موته: يوم لي من ابن الأدبر طويل! ثلاث مرات- يعني حجرا.
                          [إسناده تالف]

                          قال أبو مخنف: عن الصقعب بن زهير، عن الحسن، قال: أربع خصال كن في معاوية، لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" . وقتله حجرا، ويلا له من حجر! مرتين.
                          وقالت هند ابنة زيد بن مخرمة الأنصارية، وكانت تشيع ترثي حجرا:
                          ترفع أيها القمر المنير ... تبصر هل ترى حجرا يسير
                          يسير إلى معاوية بن حرب ... ليقتله كما زعم الأمير
                          تجبرت الجبابر بعد حجر ... وطاب لها الخورنق والسدير
                          واصبحت البلاد بها محولا ... كأن لم يحيها مزن مطير
                          ألا يا حجر حجر بني عدي ... تلقتك السلامة والسرور
                          أخاف عليك ما أردى عديا ... وشيخا في دمشق له زئير
                          يرى قتل الخيار عليه حقا ... له من شر أمته وزير
                          ألا يا ليت حجرا مات موتا ... ولم ينحر كما نحر البعير!
                          فان تهلك فكل زعيم قوم ... من الدنيا إلى هلك يصير
                          وقالت الكندية ترثي حجرا- ويقال: بل قائلها هذه الأنصارية:
                          دموع عيني ديمة تقطر ... تبكي على حجر وما تفتر
                          لو كانت القوس على أسره ... ما حمل السيف له الأعور
                          وقال الشاعر يحرض بني هند من بني شيبان على قيس بن عباد حين سعى بصيفي بن فسيل:
                          دعا ابن فسيل يال مرة دعوة ... ولاقى ذباب السيف كفا ومعصما
                          فحرض بني هند إذا ما لقيتهم ... وقل لغياث وابنه يتكلما
                          لتبك بني هند قتيلة مثل ما ... بكت عرس صيفي وتبعث مأتما
                          غياث بن عمران بن مرة بن الحارث بن دب بن مرة بن ذهل بن شيبان، وكان شريفا، وقتيلة أخت قيس بن عباد، فعاش قيس بن عباد حتى
                          قاتل مع ابن الأشعث في مواطنه، فقال حوشب للحجاج بن يوسف: إن منا امرأ صاحب فتن ووثوب على السلطان، لم تكن فتنة في العراق قط إلا وثب فيها، وهو ترابي، يلعن عثمان، وقد خرج مع ابن الأشعث فشهد معه في مواطنه كلها، يحرض الناس حتى إذا أهلكهم الله، جاء فجلس في بيته، فبعث إليه الحجاج فضرب عنقه، فقال بنو أبيه لآل حوشب: إنما سعيتم بنا سعيا، فقالوا لهم: وأنتم إنما سعيتم بصاحبنا سعيا.
                          [إسناده تالف وفي متنه نكارة وأما الحديث المرفوع (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فصحيح]

                          فقال أبو مخنف: وقد كان عبد الله بن خليفة الطائي شهد مع حجر ابن عدي، فطلبه زياد فتوارى، فبعث إليه الشرط، وهم أهل الحمراء يومئذ، فأخذوه، فخرجت أخته النوار فقالت: يا معشر طيئ، أتسلمون سنانكم ولسانكم عبد الله بن خليفة! فشد الطائيون على الشرط فضربوهم وانتزعوا منهم عبد الله بن خليفة، فرجعوا إلى زياد، فأخبروه، فوثب على عدى ابن حاتم وهو في المسجد، فقال: ائتني بعبد الله بن خليفة، قال: وما له! فأخبره، قال: فهذا شيء كان في الحي لا علم لي به، قال: والله لتأتيني به، قال: لا، والله لا آتيك به أبدا، أجيئك بابن عمي تقتله! والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه قال: فأمر به إلى السجن، قال: فلم يبق بالكوفة يماني ولا ربعي إلا أتاه وكلمه، وقالوا: تفعل هذا بعدي بن حاتم صاحب رسول الله ص! قال: فإني أخرجه على شرط، قالوا: ما هو؟ قال: يخرج ابن عمه عني فلا يدخل الكوفة ما دام لي بها سلطان فأتى عدي فأخبر بذلك، فقال: نعم، فبعث عدى الى عبد الله ابن خليفه فقال: يا بن أخي، إن هذا قد لج في أمرك، وقد أبى إلا إخراجك عن مصرك ما دام له سلطان، فالحق بالجبلين، فخرج، فجعل عبد الله ابن خليفة يكتب إلى عدي، وجعل عدي يمنيه، فكتب إليه:
                          تذكرت ليلى والشبيبة أعصرا ... وذكر الصبا برح على من تذكرا
                          وولى الشباب فافتقدت غضونه ... فيا لك من وجد به حين ادبرا!
                          فدع عنك تذكار الشباب وفقده ... وآثاره إذ بان منك فأقصرا
                          وبك على الخلان لما تخرموا ... ولم يجدوا عن منهل الموت مصدرا
                          دعتهم مناياهم ومن حان يومه ... من الناس فاعلم أنه لن يؤخرا
                          أولئك كانوا شيعة لي وموئلا ... إذا اليوم ألفي ذا احتدام مذكرا
                          وما كنت أهوى بعدهم متعللا ... بشيء من الدنيا ولا أن أعمرا
                          أقول ولا والله أنسى ادكارهم ... سجيس الليالي أو أموت فأقبرا
                          على أهل عذراء السلام مضاعفا ... من الله وليسق الغمام الكنهورا
                          ولاقى بها حجر من الله رحمة ... فقد كان أرضى الله حجر وأعذرا
                          ولا زال تهطال ملث وديمة ... على قبر حجر أو ينادى فيحشرا
                          فيا حجر من للخيل تدمى نحورها ... وللملك المغزي إذا ما تغشمرا
                          ومن صادع بالحق بعدك ناطق ... بتقوى ومن إن قيل بالجور غيرا
                          فنعم أخو الإسلام كنت وإنني ... لأطمع أن تؤتى الخلود وتحبرا
                          وقد كنت تعطي السيف في الحرب حقه ... وتعرف معروفا وتنكر منكرا
                          فيا أخوينا من هميم عصمتما ... ويسرتما للصالحات فأبشرا
                          ويا أخوي الخندفيين أبشرا ... فقد كنتما حييتما أن تبشرا
                          ويا إخوتا من حضرموت وغالب ... وشيبان لقيتم حسابا ميسرا
                          سعدتم فلم أسمع بأصوب منكم ... حجاجا لدى الموت الجليل وأصبرا
                          سأبكيكم ما لاح نجم وغرد ... الحمام ببطن الواديين وقرقرا
                          فقلت ولم أظلم أغوث بن طيئ ... متى كنت أخشى بينكم أن أسيرا!
                          هبلتم ألا قاتلتم عن أخيكم ... وقد ذب حتى مال ثم تجورا
                          ففرجتم عني فغودرت مسلما ... كأني غريب في إياد وأعصرا
                          فمن لكم مثلي لدى كل غارة ... ومن لكم مثلي إذا البأس أصحرا
                          ومن لكم مثلي إذا الحرب قلصت ... وأوضع فيها المستميت وشمرا
                          فها انا ذا داري بأجبال طيئ ... طريدا ولو شاء الإله لغيرا
                          نفاني عدوي ظالما عن مهاجري ... رضيت بما شاء الإله وقدرا
                          وأسلمني قومي لغير جناية ... كأن لم يكونوا لي قبيلا ومعشرا
                          فإن ألف في دار بأجبال طيئ ... وكان معانا من عصير ومحضرا
                          فما كنت أخشى أن أرى متغربا ... لحا الله من لاحى عليه وكثرا
                          لحا الله قتل الحضرميين وائلا ... ولاقى الفنا من السنان الموفرا
                          ولاقى الردى القوم الذين تحزبوا ... علينا وقالوا قول زور ومنكرا
                          فلا يدعني قوم لغوث بن طيئ ... لأن دهرهم أشقى بهم وتغيرا
                          فلم اغزهم في المعلمين ولم أثر ... عليهم عجاجا بالكويفة أكدرا
                          فبلغ خليلي أن رحلت مشرقا ... جديلة والحيين معنا وبحترا
                          ونبهان والأفناء من جذم طيئ ... ألم أك فيكم ذا الغناء العشنزرا!
                          الم تذكروا يوم العذيب أليتي ... امامكم الا أرى الدهر مدبرا!
                          وكري على مهران والجمع حاسر ... وقتلي الهمام المستميت المسورا
                          ويوم جلولاء الوقيعة لم ألم ... ويوم نهاوند الفتوح وتسترا
                          وتنسونني يوم الشريعة والقنا ... بصفين في أكتافهم قد تكسرا
                          جزى ربه عني عدي بن حاتم ... برفضي وخذلاني جزاء موفرا
                          أتنسى بلائي سادرا يا بن حاتم ... عشية ما أغنت عديك حزمرا!
                          فدافعت عنك القوم حتى تخاذلوا ... وكنت أنا الخصم الألد العذورا
                          فولوا وما قاموا مقامي كأنما ... رأوني ليثا بالأباءة مخدرا
                          نصرتكم إذ خام القريب وأبعط ... البعيد وقد أفردت نصرا مؤزرا
                          فكان جزائي أن أجرد بينكم ... سجينا وأن أولى الهوان وأوسرا
                          وكم عدة لي منك انك راجعي ... فلم تعن بالميعاد عني حبترا
                          فأصبحت أرعى النيب طورا وتارة ... أهرهر إن راعي الشويهات هرهرا
                          كأني لم أركب جوادا لغارة ... ولم أترك القرن الكمي مقطرا
                          ولم أعترض بالسيف خيلا مغيرة ... إذا النكس مشى القهقرى ثم جرجرا
                          ولم أستحث الركض في إثر عصبة ... ميممة عليا سجاس وأبهرا
                          ولم أذعر الإبلام مني بغارة ... كورد القطا ثم انحدرت مظفرا
                          ولم أر في خيل تطاعن بالقنا ... بقزوين أو شروين أو أغز كندرا
                          فذلك دهر زال عني حميده ... وأصبح لي معروفه قد تنكرا
                          فلا يبعدن قومي وإن كنت غائبا ... وكنت المضاع فيهم والمكفرا
                          ولا خير في الدنيا ولا العيش بعدهم ... وإن كنت عنهم نائي الدار محصرا
                          فمات بالجبلين قبل موت زياد.
                          وقال عبيدة الكندي ثم البدي، وهو يعير محمد بن الأشعث بخذلانه حجرا:
                          أسلمت عمك لم تقاتل دونه ... فرقا ولولا أنت كان منيعا
                          وقتلت وافد آل بيت محمد ... وسلبت أسيافا له ودروعا
                          لو كنت من أسد عرفت كرامتي ... ورأيت لي بيت الحباب شفيعا
                          [إسناده تالف .
                          -خلاصة القول في قتل حجر بن عدي –
                          ذكر الطبري روايات عدة في هذه المسألة استغرقت الصفحات (253-285) وجميعها من طريق التالف الهالك أبي مخنف وهو متروك غير موثوق به ، ومعروف بطعنه في عدالة الصحابة ويعمد إلى الخبر الصحيح فيزيد عليه أضعافا من الكذب والافتراء والطعن – سوى رواية واحدة أخرجها الطبري من طريق آخر (5/256) وفي إسناده مسلم الجرمي مجهول الحال إن لم يكن مجهول العين ومخلد بن الحسن البصري مقبول (أي : إذا توبع ، وإلا فلين) وكذلك أخرجها ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ت537) وفي إسناده أحمد بن محمد بن الحجاج ، قال ابن عدي : كذبوه وأنكرت عليه أشياء وذكر الذهبي من بواطيله في ترجمته في الميزان وقال ابن أبي حاتم : سمعت منه بمصر ولم أحدث عنه لما تكلموا فيه . (الجرح والتعديل 1/1/103) واخرجه الحاكم في المستدرك (3/469) عن ابن سيرين مع بعض الاختلاف وفي أول إسناده علي بن عيسى جاء ذكره في تكملة الإكمال لابن نقطة (2/484) والمشتبه للذهبي (1/185) ولم نجد من يوثقه (والله أعلم) .
                          وتوهم عبد السلام علوش في تحقيقه للمستدرك إذ قال في الحاشية (4/591/ح6035) واخرجه ابن عبد البر من وجه آخر ... فثبتت الرواية .
                          قلنا إن كان ذلك من أجل تقوية رواية الحاكم برواية ابن عبد البر فقد بينا قبل قليل : أن في إسناده أحمد بن محمد بن الحجاج الذي قال فيه ابن عدي كذبوه وذكر الذهبي في بواطيله ولم يحدث عنه ابن أبي حاتم لما تكلموا فيه والله أعلم .
                          وسنذكر هنا ما ورد في هذه المسألة :
                          أخرج يعقوب بن سفيان عن أبي الأسود قال : دخل معاوية على عائشة فعاتبته في قتل حجر وأصحابه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يقتل من بعدي أناس يغضب الله لهم وأهل السماء )(المعرفة والتاريخ 3/320) وقال الحافظ في إسناده انقطاع (الإصابة 1/314)
                          وأخرج يعقوب بن سفيان من طريق حرملة عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال : دخل معاوية على عائشة فقالت : ما حملك على قتل أهل عذراء حجرا واصحابه . فقال : يا أم المؤمنين إني رأيت في قتلهم صلاحا للأمة ... إلخ (المعرفة والتاريخ 3/320) .
                          وقال الحافظ ابن كثير : وهذا إسناد ضعيف منقطع (البداية والنهاية 8/57) .
                          ثم أخرج ابن كثير رواية مغايرة فقال : وقد رواه عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن أبي الأسود : أن عائشة قالت : بلغني أنه سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء (8/57)
                          وأخرج يعقوب بن سفيان (3/321) حدثني ابن لهيعة حدثني الحارث عن يزيد عن عبد الله بن أبي رزين الغافقي قال سمعت عليا يقول : (يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر من عذراء ، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود قال : يقتل حجر وأصحابه ) وقال الحافظ ابن كثير : ابن لهيعة ضعيف (البداية والنهاية 8/57).
                          وقال الأستاذ العمري في حاشية المعرفة والتاريخ (3/331) : في السند انقطاع وأقل ما يكون بين يعقوب وابن لهيعة راو وأحسبه هنا يحيى بن عبد الله بن بكير .اهـ.
                          قلنا : ورواية أخرجها البلاذري من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن مروان بن الحكم قال : دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال : يا معاوية قتلت حجرا واصحابه وفعلت الذي فعلت ... الخبر ... وفي آخره قال معاوية : فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا عزوجل (المعرفة والتاريخ 3/321).
                          قلنا : وفي إسناده علي بن يزيد وهو ضعيف والله أعلم .
                          وأخرج أحمد بن عفان عن ابن عليه عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكه (أو غيره) : لما قدم معاوية المدينة دخل على عائشة فقالت : أقتلت حجرا ؟ ... الحديث وفي آخره قال : فدعيني وحجرا نلتقي عند ربنا عزوجل (البداية والنهاية 8/58) .
                          قلنا : وإن صح هذا فقد تأول معاوية واجتهد فاخطأ في اجتهاده وتأويله وكان يعتقد أن ذلك سيقطع الطريق على بقية من خرج على طاعة أمير المؤمنين ومن قبله أخطأ خالد أو أخطأ أصحابه على الأصح (كما بينا في عهد الخلفاء الراشدين ) ثم بيَّن عذره لأبي بكر رضي الله عنه فقبل عذره وامتنع من عزله وقال لسيدنا عمر تأوَّل فأخطأ كف لسانك عن خالد ، لا أشيم سيفا سله الله على المشركين ) .
                          والروايات الواردة في هذا الباب تبين لنا بعض الغموض ، ففي إحدى الروايات : أنه رضي الله عنه كان يرى قتل رجلٍ خيرا من قتل ألف أي أنه لو لم يقتله لاستفحل أمره وظهرت الفتنة مرة أخرى بين المسلمين ويكفيهم فتنة الجمل وصفِّين ... ونحن بصدد تاريخ بشر غير معصومين (الصحابة ) ولكنهم خير القرون ، وكفي بالمرء فخرا أن تُعدُّ مساوئه ، فإن كان المبتدعة الجهال ينبشون ويبحثون بين الروايات عسى أن يتشبثوا ولو برواية واحدة تثبت ان سيدنا معاوية يتحمل قسطا من مسوولية قتل حجر بن عدي فالبشر يخطئون وسبحان من لا يخطىء .
                          والصحابة اجتهد بعضهم فاخطأ كذلك فقد عفا بعضهم أحيانا كما في عصيان الصحابة أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم والنزول من جبل الرواة في غزوة أحد ، وأحد الصحابة كان يشرب الخمر فيأمر رسول الله بجلده ، وكذلك أخطأ خالد ودخل مكة من إحدى الطرق وخرج وعلى سيفه دم فماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد " ولكن لم يتبرأ من خالد وإنما من فعلته ومن قبل تاب الله على الذين عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوادث متفرقة وغيرها ولكنها حوادث معدودة على عدد الأصابع ولا تخرج الصحابة من عدالتهم التي أصبحت سمة عامة مميزة لهم ثم إن حجرا اعترف بخطئه وسار مختارا إلى دار الخلافة وكانه باستطاعته أن يسمع كلام قومه ويبدأ بعصيان عسكري يقود فيها بني قومه ضد أمير المؤمنين ولكنه لم يفعل وقُتل رضي الله عنه وأرضاه ].

                          ذكر استعمال الربيع بن زياد على خراسان
                          وفي هذه السنة وجه زياد الربيع بن زياد الحارثي أميرا على خراسان بعد موت الحكم بن عمرو الغفاري، وكان الحكم قد استخلف على عمله بعد موته أنس بن أبي أناس، وأنس هو الذي صلى على الحكم حين مات فدفن في دار خالد بن عبد الله أخي خليد بن عبد الله الحنفي، وكتب بذلك الحكم إلى زياد، فعزل زياد أنسا، وولى مكانه خليد بن عبد الله الحنفي.
                          [ضعيف]

                          فحدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد، قال: لما عزل زياد أنسا وولي مكانه خليد بن عبد الله الحنفي قال أنس:
                          ألا من مبلغ عني زيادا ... مغلغلة يخب بها البريد
                          أتعزلني وتطعمها خليدا ... لقد لاقت حنيفة ما تريد
                          عليكم باليمامة فاحرثوها ... فأولكم وآخركم عبيد
                          فولى خليدا شهرا ثم عزله، وولى خراسان ربيع بن زياد الحارثي في أول سنة إحدى وخمسين، فنقل الناس عيالاتهم إلى خراسان، ووطنوا بها، ثم عزل الربيع.
                          [إسناده معضل]

                          فحدثني عمر، قال: حدثني علي، عن مسلمة بن محارب وعبد الرحمن ابن أبان القرشي، قالا: قدم الربيع خراسان ففتح بلخ صلحا، وكانوا قد أغلقوها بعد ما صالحهم الأحنف بن قيس، وفتح قهستان عنوة، وكانت بناحيتها أتراك، فقتلهم وهزمهم، وكان ممن بقي منهم نيزك طرخان، فقتله قتيبة بن مسلم في ولايته.
                          [إسناده مرسل ضعيف]

                          حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: غزا الربيع فقطع النهر ومعه غلامه فروخ وجاريته شريفة، فغنم وسلم، فأعتق فروخا، وكان قد قطع النهر قبله الحكم بن عمرو في ولايته ولم يفتح.
                          [إسناده معضل]

                          فحدثني عمر، عن علي بن محمد، قال: كان أول المسلمين شرب من النهر مولى للحكم، اغترف بترسه فشرب، ثم ناول الحكم فشرب، وتوضأ وصلى من وراء النهر ركعتين، وكان أول الناس فعل ذلك، ثم قفل.
                          [إسناده معضل]

                          وحج بالناس في هذه السنة يزيد بن معاوية، حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال الواقدي.
                          [ضعيف]




                          وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                          أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                          تعليق


                          • #14
                            رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                            ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين
                            فزعم الواقدي أن فيها كانت غزوة سفيان بن عوف الأزدي، ومشتاه بأرض الروم، وأنه توفي بها، واستخلف عبد الله بن مسعدة الفزاري.
                            وقال غيره: بل الذي شتا بأرض الروم في هذه السنة بالناس بسر بن أبي أرطاة، ومعه سفيان بن عوف الأزدي، وغزا الصائفة في هذه السنة محمد بن عبد الله الثقفي.
                            وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص في قول أبي معشر والواقدي وغيرهما.
                            [ضعيف]


                            ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين
                            ذكر ما كان فيها من الأحداث
                            فمما كان فيها من ذلك مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم.
                            وفيها فتحت رودس، جزيرة في البحر، ففتحها جنادة بن ابى اميه الأزدي، فنزلها المسلمون- فيما ذكر محمد بن عمر- وزرعوا واتخذوا بها أموالا ومواشي يرعونها حولها، فإذا أمسوا أدخلوها الحصن، ولهم ناطور يحذرهم ما في البحر ممن يريدهم بكيد، فكانوا على حذر منهم، وكانوا أشد شيء على الروم، فيعترضونهم في البحر فيقطعون سفنهم، وكان معاوية يدر لهم الأرزاق والعطاء، وكان العدو قد خافهم، فلما مات معاوية أقفلهم يزيد بن معاوية.
                            [ضعيف لأن الواقدي متروك ، وأما خليفة ويعقوب بن سفيان فقد أخرجا روايات في فتح رودس ضمن أحداث سنة (59) ه والله أعلم ]

                            وفيها كانت وفاة زياد بن سمية.
                            حدثني عمر، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن الزبير، عن فيل مولى زياد، قال: ملك زياد العراق خمس سنين، ثم مات سنة ثلاث وخمسين.
                            [في إسناده مجهول الحال]

                            حدثني عمر، قال، حدثنا علي بن محمد، قال: لما نزل زياد على العراق بقي إلى سنة ثلاث وخمسين، ثم مات بالكوفة في شهر رمضان وخليفته على البصرة سمرة بن جندب.
                            [إسناده معضل]

                            ذكر سبب مهلك زياد بن سمية
                            حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: حدثنا أبي، قال حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله بن المبارك، قال: أخبرني عبد الله بن شوذب، عن كثير بن زياد، أن زيادا كتب إلى معاوية: إني ضبطت العراق بشمالي،
                            ويميني فارغة فضم إليه معاوية العروض- وهي اليمامة وما يليها- فدعا عليه ابن عمر، فطعن ومات فقال ابن عمر حين بلغه الخبر: اذهب إليك ابن سمية، فلا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت.
                            [إسناده مرسل وقال ابن حبان : زياد بن كثير يروي عن الحسن وأهل العراق الأشياء المقلوبة استحب مجانبة ما انفرد به من روايات (المجروحين 2/224)]

                            حدثني عمر، قال: حدثني علي، قال: كتب زياد إلى معاوية:
                            قد ضبطت لك العراق بشمالي ويميني فارغة، فاشغلها بالحجاز، وبعث في ذلك الهيثم بن الأسود النخعي، وكتب له عهده مع الهيثم، فلما بلغ ذلك أهل الحجاز أتى نفر منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، فذكروا ذلك له، فقال: ادعوا الله عليه يكفيكموه، فاستقبل القبلة واستقبلوها فدعوا ودعا، فخرجت طاعونة على أصبعه، فأرسل إلى شريح- وكان قاضيه- فقال: حدث بي ما ترى، وقد أمرت بقطعها، فأشر علي، فقال له شريح: إني أخشى أن يكون الجراح على يدك، والألم على قلبك، وأن يكون الأجل قد دنا، فتلقى الله عز وجل أجذم، وقد قطعت يدك كراهية للقائه، أو أن يكون في الأجل تأخير وقد قطعت يدك فتعيش أجذم وتعير ولدك. فتركها، وخرج شريح فسألوه، فأخبرهم بما أشار به، فلاموه وقالوا:
                            هلا أشرت عليه بقطعها! فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المستشار مؤتمن" .
                            [إسناده معضل]

                            حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان، قال: قال عبد الله: سمعت بعض من يحدث أنه أرسل إلى شريح يستشيره في قطع يده، فقال: لا تفعل، إنك إن عشت صرت أجذم، وإن هلكت إياك جانيا على نفسك، قال: أنام والطاعون في لحاف! فعزم أن يفعل، فلما نظر إلى النار والمكاوي جزع وترك ذلك.
                            [في إسناده مبهم]

                            حدثني عمر، قال: حدثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي، قال:
                            حدثني ابن أبي زياد، قال: لما حضرت زيادا الوفاة قال له ابنه: يا أبت، قد هيأت لك ستين ثوبا أكفنك فيها، قال: يا بني، قد دنا من أبيك
                            لباس خير من لباسه هذا، أو سلب سريع، فمات فدفن بالثوية إلى جانب الكوفة، وقد توجه يزيد إلى الحجاز واليا عليها، فقال مسكين بن عامر بن شريح بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم:
                            رأيت زيادة الإسلام ولت ... جهارا حين ودعنا زياد
                            [في إسناده يزيد بن أبي زياد ، وقال ابن معين لا يحتج بحديثه وقال أبو زرعة : لين يكتب حديثه ولا يحتج به.
                            وقال ابن عدي : ومع ضعفه يكتب حديثه (تهذيب الكمال 32/140/ت7592) وقال الحافظ في التقريب ضعيف (ت7717)]

                            وقال الفرزدق لمسكين- ولم يكن هجا زيادا حتى مات:
                            أمسكين أبكى الله عينك إنما ... جرى في ضلال دمعها فتحدرا
                            بكيت امرأ من آل ميسان كافرا ... ككسرى على عدانه أو كقيصرا
                            أقول له لما أتاني نعيه ... به لا بظبي بالصريمة أعفرا
                            فأجابه مسكين، فقال:
                            ألا أيها المرء الذي لست ناطقا ... ولا قاعدا في القوم إلا انبرى ليا
                            فجئني بعم مثل عمي أو أب ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا
                            كعمرو بن عمرو أو زرارة والدا ... أو البشر من كل فرعت الروابيا
                            وما زال بي مثل القناة وسابح ... وخطارة غب السرى من عياليا
                            فهذا لأيام الحفاظ وهذه ... لرحلي وهذا عدة لارتحاليا!
                            وقال الفرزدق:
                            أبلغ زيادا إذا لاقيت مصرعه ... أن الحمامة قد طارت من الحرم
                            طارت فما زال ينميها قوادمها ... حتى استغاثت إلى الأنهار والأجم
                            [ضعيف]

                            حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، عن سليمان، قال:
                            حدثني عبد الله، عن جرير بن حازم، عن جرير بن يزيد، قال: رأيت زيادا فيه حمرة، في عينه اليمنى انكسار، أبيض اللحية مخروطها، عليه قميص مرقوع، وهو على بغلة عليها لجامها قد أرسنها.
                            [في إسناده جريد بن يزيد ضعيف]

                            ذكر الخبر عن وفاة الربيع بن زياد الحارثى
                            ذكر الخبر عن سبب وفاته:
                            حدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد، قال: ولي الربيع بن زياد خراسان سنتين وأشهرا، ومات في العام الذي مات فيه زياد، واستخلف ابنه عبد الله بن الربيع، فولي شهرين، ثم مات عبد الله قال: فقدم عهده من قبل زياد على خراسان وهو يدفن، واستخلف عبد الله بن الربيع على خراسان خليد بن عبد الله الحنفي.
                            [إسناده معضل]

                            قال علي: وأخبرني محمد بن الفضل، عن أبيه، قال: بلغنى ان الربيع ابن زياد ذكر يوما بخراسان حجر بن عدي، فقال: لا تزال العرب تقتل صبرا بعده، ولو نفرت عند قتله لم يقتل رجل منهم صبرا، ولكنها أقرت فذلت، فمكث بعد هذا الكلام جمعة، ثم خرج في ثياب بياض في يوم جمعة، فقال: أيها الناس، إني قد مللت الحياة، وإني داع بدعوة فأمنوا ثم رفع يده بعد الصلاة، وقال: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك عاجلا وأمن الناس فخرج، فما توارت ثيابه حتى سقط فحمل إلى بيته، واستخلف ابنه عبد الله، ومات من يومه، ثم مات ابنه، فاستخلف خليد بن عبد الله الحنفي، فأقره زياد، فمات زياد وخليد على خراسان، وهلك زياد وقد استخلف على عمله على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى البصرة سمرة بن جندب الفزاري.
                            [إسناده معضل]

                            فحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي، قال: مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب خليفة له، وعلى الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد، فأقر سمرة على البصرة ثمانية عشر شهرا.
                            [إسناده معضل]

                            قال عمر: وبلغني عن جعفر بن سليمان الضبعي، قال: أقر معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر، ثم عزله، فقال سمرة: لعن الله معاوية! والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا.
                            [ذكره الطبري من قول عمر بلا إسناد – وقال الحافظ ابن كثير تعقيبا على هذه الرواية : وهذا لا يصح عنه (أي عن سمرة) (البداية والنهاية/8/69)]

                            حدثني عمر، قال: حدثني موسى بن إسماعيل، قال: حدثنى سليمان ابن مسلم العجلي، قال: سمعت أبي يقول: مررت بالمسجد، فجاء رجل إلى سمرة فأدى زكاة ماله، ثم دخل فجعل يصلي في المسجد، فجاء رجل فضرب عنقه، فإذا رأسه في المسجد، وبدنه ناحية، فمر أبو بكرة، فقال: يقول الله سبحانه: «قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى» ، قال أبي: فشهدت ذاك، فما مات سمرة حتى أخذه الزمهرير، فمات شر ميتة، قال: وشهدته وأتي بناس كثير وأناس بين يديه فيقول للرجل: ما دينك؟ فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأني بريء من الحرورية، فيقدم فيضرب عنقه حتى مر بضعة وعشرون.
                            [سليمان بن مسلم العجلي مجهول الحال وكذلك أبوه وفي متن هذه الرواية نكارة شديدة]

                            وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص في قول أبي معشر والواقدى وغيرهما.
                            [ضعيف]




                            وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                            أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                            تعليق


                            • #15
                              رد: صحيح وضعيف تاريخ الطبري حققه وخرج رواياته وعلق عليه محمد بن طاهر البرزنجي[ج9]

                              ثم دخلت سنة أربع وخمسين
                              ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
                              ففيها كان مشتى محمد بن مالك أرض الروم، وصائفة معن بن يزيد السلمي.
                              وفيها- فيما زعم الواقدي- فتح جنادة بن أبي أمية جزيرة في البحر قريبة من قسطنطينية يقال لها أرواد.
                              وذكر محمد بن عمر أن المسلمين أقاموا بها دهرا، فيما يقال سبع سنين، وكان فيها مجاهد بن جبر قال: وقال تبيع ابن امرأة كعب: ترون هذه الدرجة؟ إذا انقلعت جاءت قفلتنا قال: فهاجت ريح شديدة فقلعت الدرجة، وجاء نعي معاوية وكتاب يزيد بالقفل فقفلنا، فلم تعمر بعد ذلك وخربت، وأمن الروم.
                              [ضعيف والواقدي متروك]

                              ذكر عزل سعيد بن العاص عن المدينة واستعمال مروان
                              وفيها عزل معاوية سعيد بن العاص عن المدينة، واستعمل عليها مروان بن الحكم.

                              ذكر سبب عزل معاوية سعيدا واستعمال مروان:
                              حدثني عمر، قال: حدثنا علي بن محمد، عن جويرة بن أسماء، عن أشياخه، أن معاوية كان يغري بين مروان وسعيد بن العاص، فكتب إلى سعيد بن العاص وهو على المدينة: أهدم دار مروان، فلم يهدمها، فأعاد عليه الكتاب بهدمها، فلم يفعل، فعزله وولى مروان.
                              عاد الحديث إلى حديث عمر، عن علي بن محمد، قال: فلما ولى مروان كتب إليه: اهدم دار سعيد، فأرسل الفعلة، وركب ليهدمها، فقال له سعيد: يا أبا عبد الملك، أتهدم داري! قال: نعم، كتب إلي أمير المؤمنين، ولو كتب في هدم داري لفعلت، قال: ما كنت لأفعل، قال: بلى، والله لو كتب إليك لهدمتها، قال: كلا أبا عبد الملك وقال لغلامه: انطلق فجئني بكتاب معاوية، فجاء بكتاب معاوية إلى سعيد بن العاص في هدم دار مروان بن الحكم، قال: مروان كتب إليك يا أبا عثمان في هدم داري، فلم تهدم ولم تعلمني قال: ما كنت لأهدم دارك، ولا أمن، عليك، وإنما أراد معاوية أن يحرض بيننا، فقال مروان: فداك أبى وأمي! أنت والله أكثر منا ريشا وعقبا ورجع مروان ولم يهدم دار سعيد.
                              [في إسناده من لم يسم]

                              وأما محمد بن عمر، فإنه ذكر أن معاوية كتب إلى سعيد بن العاص يأمره بقبض أموال مروان كلها فيجعلها صافية، ويقبض فدك منه- وكان
                              وهبها له، فراجعه سعيد بن العاص في ذلك، وقال: قرابته قريبة فكتب إليه ثانية يأمره باصطفاء أموال مروان، فأبى، وأخذ سعيد بن العاص الكتابين فوضعهما عند جارية، فلما عزل سعيد عن المدينة فوليها مروان، كتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره بقبض اموال سعيد بن العاص بالحجار، وأرسل إليه بالكتاب مع ابنه عبد الملك، فخبره أنه لو كان شيئا غير كتاب أمير المؤمنين لتجافيت، فدعا سعيد بن العاص بالكتابين اللذين كتب بهما معاوية إليه في أموال مروان يأمره فيهما بقبض أمواله، فذهب بهما إلى مروان، فقال: هو كان أوصل لنا منا له! وكف عن قبض أموال سعيد.
                              وكتب سعيد بن العاص إلى معاوية: العجب مما صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا، أن يضغن بعضنا على بعض! فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره من الاجنبين، وعفوه وإدخاله القطيعة بيننا والشحناء، وتوارث الأولاد ذلك، فو الله لو لم نكن بني أب واحد إلا بما جمعنا الله عليه من نصر الخليفة المظلوم، واجتماع كلمتنا، لكان حقا علينا أن نرعى ذلك، والذي أدركنا به خير فكتب إليه يتنصل من ذلك، وأنه عائد إلى أحسن ما يعهده.
                              [خبر منكر ولا غرابة فقد ذكره الواقدي هكذا بلا إسناد وهو متروك]

                              حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أبو محمد بن ذكوان القرشي، قال: قدم سعيد بن العاص على معاوية، فقال له: يا أبا عثمان، كيف تركت أبا عبد الملك؟ قال: تركته ضابطا لعملك، منفذا لأمرك قال: إنه كصاحب الخبزة كفي نضجها فأكلها، قال: كلا، والله يا أمير المؤمنين، إنه لمع قوم لا يحمل بهم السوط، ولا يحل لهم السيف، يتهادون كوقع النبل، سهم لك وسهم عليك، قال: ما باعد بينك وبينه؟ قال: خافني على شرفه، وخفته على شرفي، قال: فماذا له عندك؟ قال: أسره غائبا، وأسره شاهدا، قال: تركتنا يا أبا عثمان في هذه الهنات، قال: نعم يا أمير المؤمنين، فتحملت الثقل، وكفيت الحزم، وكنت قريبا لو دعوت أجبت، ولو ذهبت رفعت.
                              [إسناده معضل]

                              وفي هذه السنة كان عزل معاوية سمرة بن جندب عن البصرة، واستعمل عليها عبد الله بن عمرو بن غيلان فحدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد قال: عزل معاوية سمرة وولى عبد الله بن عمرو بن غيلان، فأقره ستة أشهر، فولى عبد الله بن عمرو شرطته عبد الله بن حصن.
                              [إسناده معضل]

                              ذكر تولية معاوية عبيد الله بن زياد على خراسان
                              وفي هذه السنة ولى معاوية عبيد الله بن زياد خراسان.
                              [أما خليفة فقد ذكر أن عبيد الله بن زياد قد غزا خراسان في هذه السنة (تأريخ خليفة/222) .
                              وأما الذهبي فقد ذكر أن معاوية أمَّر عبيد الله في سنة (53)ه(عهد معاوية/156)]

                              (ذكر سبب ولاية ذلك) :
                              حدثني عمر، قال: حدثني علي بن محمد، قال: حدثنا مسلمة بن محارب ومحمد بن أبان القرشي، قالا: لما مات زياد وفد عبيد الله إلى معاوية فقال له: من استخلف أخي على عمله بالكوفة؟ قال: عبد الله بن خالد بن أسيد، قال: فمن استعمل على البصرة؟ قال: سمرة بن جندب الفزاري، فقال له معاوية: لو استعملك أبوك استعملتك، فقال له عبيد الله: أنشدك الله أن يقولها إلي أحد بعدك: لو ولاك ابوك وعمك لوليتك!
                              قالا: وكان معاوية إذا أراد أن يولي رجلا من بني حرب ولاه الطائف، فإن رأى منه خيرا وما يعجبه ولاه مكة معها، فإن أحسن الولاية وقام بما ولي قياما حسنا جمع له معهما المدينة، فكان إذا ولي الطائف رجلا قيل:
                              هو في أبي جاد، فإذا ولاه مكة قيل: هو في القرآن، فإذا ولاه المدينة قيل: هو قد حذق.
                              قالا: فلما قال عبيد الله ما قال ولاه خراسان، ثم قال له حين ولاه:
                              إني قد عهدت إليك مثل عهدي إلى عمالي، ثم أوصيك وصية القرابة لخاصتك عندي: لا تبيعن كثيرا بقليل، وخذ لنفسك من نفسك، واكتف فيما بينك وبين عدوك بالوفاء تخف عليك المئونة وعلينا منك، وافتح بابك للناس تكن في العلم منهم أنت وهم سواء، وإذا عزمت على أمر فأخرجه إلى الناس، ولا يكن لأحد فيه مطمع، ولا يرجعن عليك وأنت تستطيع، وإذا لقيت عدوك فغلبوك على ظهر الأرض فلا يغلبوك على بطنها، وان احتاج أصحابك الى ان تؤاسيهم بنفسك فآسهم.
                              [إسناده معضل]

                              حدثني عمر، قال: حدثني علي، قال: أخبرنا علي بن مجاهد، عن ابن إسحاق، قال: استعمل معاوية عبيد الله بن زياد وقال:
                              استمسك الفسفاس إن لم يقطع.
                              وقال له: اتق الله ولا تؤثرن على تقوى الله شيئا، فإن في تقواه عوضا، وق عرضك من أن تدنسه، وإذا أعطيت عهدا فف به، ولا تبيعن كثيرا بقليل، ولا تخرجن منك أمرا حتى تبرمه، فإذا خرج فلا يردن عليك، وإذا لقيت عدوك فكن اكثر من معك، وقاسمهم على كتاب الله، ولا تطمعن أحدا في غير حقه، ولا تؤيسن أحدا من حق له ثم ودعه.
                              [في إسناده علي بن مجاهد فإن كان الكابلي فهو متروك بالإضافة إلى كون السند مجهول]

                              حدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا مسلمة، قال: سار عبيد الله إلى خراسان في آخر سنة ثلاث وخمسين وهو ابن خمس وعشرين سنة من الشام وقدم إلى خراسان اسلم بن زرعه الكلابى، فخرج، فخرج معه من الشام الجعد بن قيس النمري يرجز بين يديه بمرثية زياد يقول فيها:
                              [إسناده معضل]

                              وحدثني عمر مرة أخرى في كتابه الذي سماه كتاب أخبار أهل البصرة، فقال: حدثني أبو الحسن المدائني قال: لما عقد معاوية لعبيد الله بن زياد على خراسان خرج وعليه عمامة- وكان وضيئا- والجعد بن قيس ينشده مرثية زياد:
                              أبق علي عاذلي من اللوم ... فيما أزيلت نعمتي قبل اليوم
                              قد ذهب الكريم والظل الدوم ... والنعم المؤثل الدثر الحوم
                              والماشيات مشية بعد النوم ... ليت الجياد كلها مع القوم
                              سقين سم ساعة قبل اليوم ... لأربع مضين من شهر الصوم
                              وحج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم، كذلك حدثنى أحمد بن ثابت، عمن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال الواقدي وغيره.
                              [إسناده ضعيف]



                              وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                              أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 19 فبر, 2023, 10:23 م
                              ردود 0
                              37 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                              ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 20 سبت, 2021, 07:32 م
                              ردود 3
                              82 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 أبر, 2021, 03:16 ص
                              ردود 0
                              93 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 11 أبر, 2021, 12:20 م
                              ردود 0
                              63 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                              ابتدأ بواسطة أكرمنى ربى بالاسلام, 1 فبر, 2021, 08:35 م
                              ردود 13
                              134 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة أكرمنى ربى بالاسلام  
                              يعمل...
                              X