سنة الله في الظلم والظالمين

تقليص

عن الكاتب

تقليص

سيف الكلمة مسلم اكتشف المزيد حول سيف الكلمة
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سنة الله في الظلم والظالمين

    سنة الله في الظلم والظالمين



    قانون الظلم :



    تعريف الظلم في اللغة :


    جاء في لسان العرب : الظلم وضع الشيء في غير موضعه , وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد , ويقال : ظلمه يظلمه ظلماً ومظلمة ، الظلم صار مصدرا حقيقيا , وهو ظالم وظلوم , والظلمة هم المانعون أهل الحقوق حقوقهم , والظلامة ما تظلمه وهي الظلمة , وتظالم القوم : ظلم بعضهم بعضاً , وفي المفردات للراغب الأصفهاني : والظلم عند أهل اللغة وكثير من أهل العلم : وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة ، وإما بعدول عن وقته أو مكانه , وقال الفيروزآبادي : والظلم يقال في مجاوزة الحق , ويقال في الكثير والقليل.




    المعنى الشرعي للظلم :


    قال الإمام العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري : والظلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي , وقال الإمام العيني : الظلم أصله الجور ومجاوزة الحد و , معناه الشرعي وضع الشيء في غير موضعه الشرعي.



    الظلم ضد العدل :



    والظلم ضد العدل ونقيضه ، فما معنى العدل ؟ جاء في لسان العرب : العدل ما قام في النفوس أنه مستقيم وهو ضد الجور , وعدل الحاكم في الحكم يعدل عدلاً وهو عادل , والعدل الحكم بالحق , والعدل من الناس المرضي (قوله وحكمه ) , وجاء في المفردات للراغب الأصفهاني : العدل هو المساواة في المكأفاة , وجاء في النهاية لابن الأثير : العدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم , وقال الفيروزآبادي : العدل خلاف الجور , وعدل عليه في القضية فهو عادل.



    التعريف المختار للعدل :



    وفي ضوء ما قيل في تعريف العدل أنه ضد الجور والظلم ، ومن تعريف الظلم ، يمكن تعريف العدل بأنه وضع الشيء في موضعه الشرعي ، وإعطاء كل شيء حقه من المكانة أو المنزلة أو الحكم أو العطاء.



    تحريم الظلم في كل شيء ولكل إنسان :



    في القرآن الكريم آيات كثيرة صريحة في تحريم الظلم بذكر اسمه ، وآيات كثيرة في تحريم الظلم بصورة غير مباشرة , وذلك بالأمر بالعدل لأن الأمر بالعدل نهي عن الظلم , فمن ذلك قوله تعالى " إن الله يأمر بالعدل " ، هكذا أمراً مطلقاً بالعدل بكل ما هو عدل , ولكل إنسان فلا يجوز ظلمه , ولو كان كافراً أو ظالماً ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :"ولهذا كان العدل أمراً واجباً في كل شيء , وعلى كل أحد , والظلم محرماً في كل شيء ولكل أحد , فلا يحل ظلم أحد أصلاً سواء كان مسلماً أو كافرأً او كان ظالماً " قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " ومعنى شنآن قوم أي بغض قوم وهم الكفار".



    وقال ابن تيمية أيضاً : "لأنه – أي العدل – هو الذي أنزلت به الكتب , وأرسل به الرسل – ضده الظلم , وهو محرم كما جاء في الحديث القدسي , كما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه : "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا".



    توبة الظالم وهل تدفع عنه عقوبة الآخرة :


    من المعلوم أن الظلم معصية ، وأن الظالم إذا لم يتب من ظلمه عوقب عليه في الآخرة ، وأنه إذا تاب توبة نصوحاً مقبولة فتوبته تسقط عنه عقوبة ظلمه , ولكن إذا كان ظلمه يتعلق بحقوق الناس , كما لو قتل غيره ظلماً أ, و آذاه في بدنه بغير القتل , أوغصبه حقاً له ثم تاب , فهل تسقط توبته عقوبة ظلمه هذا في الآخرة ؟.



    تعرض شيح الإسلام ابن تيمية لهذه المسألة فقال : "إن التوبة المجردة تسقط حق الله من العقاب , وأما حق المظلوم فلا يسقط بمجرد التوبة ، فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم ، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته , وإن لم يعوضه في الدنيا فلا بد له من العوض في الآخرة ، فينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلساً ، ومع هذا فإذا شاء الله تعالى أن يعوض المظلوم من عنده فلا راد لفضله , كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء".



    عقوبة الظالم في الدنيا :



    والغالب أن الظالم – حسب سنة الله في الظلم والظالمين ـ يعاقب في الدنيا على ظلمه للغير ، يدل على ذلك حديث رسول الله صلى الله الذي أخرجه أبو داود : "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصحابه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم " وجاء في شرحه : ما من ذنب أحق وأولى لصحابه (أي البغي) وهو الظلم والخروج على السلطان أو الكبر وقطيعة الرحم أي ومن قطع صلة ذوي الأرحام.



    وأيضاً فإن المظلوم مستجاب الدعوة , جاء في الصحيح الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن "واتق دعوة المظلوم , فإنها ليس بينها وبين الله حجاب " وجاء في شرحه للعسقلاني : "أي تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم. وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم ".



    وقوله : "وليس بينها وبين الله حجاب" أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع ، والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصياً كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعاً : "دعوة الظالم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه ".



    ومما يكمل الاستدلال بهذا الحديث النبوي الشريف أن نقول : إن المظلوم يدعو عادة على ظالمه لينتقم الله منه في الدنيا ليشفي ما في صدره من غيظ على ظالمه ، وحيث إن دعوة المظلوم مستجابة ، فإجابته – إذا شاء الله – تكون بمعاقبة الظالم بالدنيا.



    استدراك وتوضيح :



    ولكن ما قلناه من أن الغالب في الظالم معاقبته في الدنيا على ظلمه ، لا يعني كما هو واضح من قولنا : إن الغالب في الظلم ألخ – إن كل ظالم يناله العقاب على ظلمه في الدنيا حتماً , وفوراً أو عاجلاً ؛لأن من سنة الله أيضاً إمهال الظالم ولكن دون إهماله , وقد يكون في عدم تعجيل عقوبته في الدنيا لحكمة يعلمها الله , ولا نعلمها مثل استدراجه ، أو لكون المظلوم قد ظلم غيره وما حل فيه من ظلم هو جزاء ظلمه لغيره ، أو لعلم الله بصلاح هذا الظالم مستقبلاً , وتوبته توبة نصوحاً , وتحلله من ظلمه ، أو لغير ذلك من موانع تعجيل العقوبة على الظالم , فنحن لا نحيط بكل جوانب حكمة الله , ومفردات سنته من عباده ، وإنما نستطيع القول بأن الظلم جدير بأن يعجل العقاب على مرتكبه كما جاء في الحديث الذي ذكرناه ، وإن المظلوم مستجاب الدعوة , وهو في الغالب يدعو على ظالمه بالانتقام العاجل ، فيكون ذلك كله من أسباب تعجيل العقوبة على الظالم , ولكن يبقى وراء الأسباب حكمة الله ومشيئته النافذة في العباد.



    من عقاب الظالم تسليط ظالم عليه :



    من سنة الله تعالى في الظلم والظالمين أن الرعية الظالمة أي التي يتظالم أفرداها فيما بينهم يُولى عليها حاكم ظالم , يكون تسلطه عليهم من العقاب لهم على ظلمهم , قال تعالى : "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون".



    وجاء في تفسيرها: نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله. وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالماً آخر.



    ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الرعية , أو التاجر يظلم الناس في تجارته. وقال الإمام الرازي في تفسير هذه الآية : " الآية تدل على أن الرعية متى كانوا ظالمين فالله تعالى يسلط عليهم ظالماً مثلهم ، فإن أرادوا أن يتخلصوا من ذلك الأمير الظالم فليتركوا الظلم " وقال الآلوسي في تفسير هذه الآية : " وقد استدل بالآية على أن الرعية إذا كانوا ظالمين , فإن الله تعالى يسلط عليهم ظالماً مثلهم ، وفي الحديث : "كما تكونوا يولى عليكم ".



    لا يفلح الظالمون :



    ومن سنته تعالى في الظلم والظالمين أنهم لا يفلحون ولا يفوزون في الدنيا كما لا يفلحون ولا يفوزون في الآخرة قال تعالى : "قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون " ، وهذا خطاب من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمصرين على كفرهم ما هو مذكور في الآية ، وهو تهديد شديد ووعيد أكيد ، أي استمروا في طريقتكم وناحيتكم , إن كنتم تظنون أنكم على هدى , فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي , فسوف تعلمون بعد حين من تكون له العاقبة الحسنى في هذه الدار ، وهي لا تكون إلا لرسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين , كما وعد الله تعالى , ووقع ما وعد الله , فنصر رسوله صلى الله عليه وسلم على الكافرين .



    وأشار إلى السبب في هذه العاقبة الحسنى لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين , وهذا السبب هو أن مخالفيهم ظالمون ، وأن سنته تعالى : " إنه لا يفلح الظالمون " وإنما وضع الظلم موضع الكفر لأنه أعم منه , وهو أكثر فائدة لأنه إذا لم يفلح الظالم فكيف يفلح الكافر المتصف بأعظم أفراد الظلم ؟



    والظالمون الذين لا يفلحون يشمل الظالمين لأنفسهم بالكفر بنعم الله أو باتخاذ الشركاء له في ألوهيته , كما يشمل الظالمين للناس في حقوقهم , فالسنة لا تتخلف وهي أن الظالمين لا يفلحون فلا ينتصرون ولا يظفرون بمطلوبهم.



    وإذا كان الفلاح منتفياً عن الظالمين بموجب شرعه انحصر الفلاح والفوز في أهل الحق والعدل , هؤلاء هم رسل الله وأتباعهم المؤمنون كما قال تعالى : "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" وقوله تعالى : "ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون".



    هلاك الأمة بظلمها :



    من سنة الله في الظلم والظالمين هلاك الأمة بظلمها ، وفي بيان هذه السنة العامة آيات كثيرة في كتاب الله العزيز منها : "فقطع دابر القوم الذين ظلموا " ، وقوله تعالى : "هل يهلك إلا القوم الظالمون" ، وقوله تعالى : "ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا".



    وكلمة (لما) ظرف يدل على وقوع فعل لوقوع غيره مما هو سبب له , وهذا يدل على وقوع هلاك الأمة لوقوع سببه وهو الظلم , وهذا الظلم نوعان , الأول : ظلم الأفراد لأنفسهم بالفسق والفجور والخروج عن طاعة الله , والتظالم فيما بينهم .



    والثاني: ظلم الحكام لهم على نحو يهدر حقوقهم , ويذهب بعزتهم , ويعودهم على حياة الذل والمهانة , مما يجعل الأمة ضعيفة غير صالحة للبقاء , فيسهل على الأعداء الاستيلاء عليها واستعبادها , فيكون هذا محقاً لها وفناء لشخصيتها , فيصدق عليها قول الله تعالى : "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين" وهذه السنة دائمة في الأمم , ولها مواقيت لهلاكها بسبب الظلم ، تختلف هذه المواقيت باختلاف أحوالها وأحوال أعدائها , وهي آجالها المشار إليها في قوله تعالى : "ولكل أمة أجل ، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".



    هلاك الأمم الظالمة له أجل محدود :



    وهلاك الأمم الظالمة له أجل محدود ، بمعنى أن بقاء الأمة الظالمة بقاء محدود المدة , إذا انقضت هذه المدة جاء أجلها , فتهلك كما يهلك الإنسان , يموت إذا حان أجله بمضي مدة عمره , وتوضيح ذلك أن الظلم في الأمة كالمرض في الإنسان , يعجل في موته بعد أن يقضي المدة المقدرة له وهو مريض , وبانتهاء هذه المدة يحين أجل موته ، فكذلك الظلم في الأمة يعجل في هلاكها بما يحدثه فيها من آثار مدمرة , تؤدي إلى هلاكها واضمحلالها خلال مدة معينة يعملها الله هي الأجل المقدر لها ، أي الذي قدره الله تعالى لها بموجب سنته العامة التي وضعها لآجال الأمم , بناء على ما يكون فيها من عوامل البقاء كالعدل ، أو من عوامل الهلاك ـ كالظلم ـ التي يظهر أثرها وهو هلاكها بعد مضي مدة محددة يعلمها الله .



    قال تعالى : "ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" قال الآلوسي في هذه الآية "ولكل أمة أجل" ، أي لكل أمة من الأمم الهالكة أجل أي وقت معين مضروب لاستئصالهم , ولكن هلاك الأمم وإن كان شيئاً مؤكداً ولكن وقت حلوله مجهول لنا ، أي إننا نعلم يقيناً أن الأمة الظالمة تهلك حتماً بسبب ظلمها حسب سنة الله تعالى في الظلم والظالمين ، ولكننا لا نعرف وقت هلاكها بالضبط ، فلا يمكن لأحد أن يحدده بالأيام ولا بالسنين ، وهو محدد عند الله تعالى بالساعات , ولذلك قال تعالى : "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".



    سنة الله مطردة في هلاك الأمم الظالمة :



    وسنة الله مطردة في هلاك الأمم الظالمة قال تعالى : "ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" وقوله تعالى : "وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم" أي ما ظلمناهم بإهلاكنا إياهم ولكن ظلموا أنفسهم بارتكاب ما به أهلكوا .



    وقوله تعالى : "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة" أي إن عذاب الله ليس بمقتصر على من تقدم من الأمم الظالمة ، بل إن سنته تعالى في اخذ كل الظالمين سنة واحدة فلا ينبغي أن يظن أحد أن هذا الهلاك قاصر بأولئك الظلمة السابقين ، لأن الله تعالى لما حكى أحوالهم قال : "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة" فبين الله تعالى أن كل من شارك أولئك المتقدمين في أفعالهم التي أدت إلى هلاكهم فلا بد أن يشاركهم في ذلك الأخذ الأليم الشديد ، فالآية تحذير من وخامة الظلم ، فلا يغتر الظالم بالإمهال.



    تبقى الدولة مع الكفر ولا تبقى من الظلم :



    قال تعالى : "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" إن الدولة الكافرة قد تكون عادلة بمعنى أن حكامها لا يظلمون الناس , والناس أنفسهم لا يتظالمون فيما بينهم ، فهذه الدولة مع كفرها تبقى ، إذ ليس من سنته تعالى إهلاك الدولة بكفرها فقط ، ولكن إذا انضم إلى كفرها ظلم حكامها للرعية , وتظالم الناس فيما بينهم



    وبهذا قال المفسرون وأهل العلم ، قال الإمام الرازي في تفسيره "إن المراد من الظلم في هذه الآية الشرك والمعنى أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين ، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم , يعامل بعضهم بعضاً على الصلاح ، وعدم الفساد".



    وفي تفسير القرطبي قوله تعالى : "بظلم" أي بشرك وكفر "وأهلها مصلحون" أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق , ومعنى الآية : إن الله تعالى لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد , كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان , وقوم لوط باللواط.



    قول ابن تيمية في هلاك الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة :



    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "وأمور الناس إنما تستقيم في الدنيا مع العدل الذي قد يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق , وإن لم تشترك في إثم ، ولهذا قيل : إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة ، ويقال : الدنيا تدوم مع العدل والكفر , ولا تدوم مع الظلم والإسلام , وذلك أن العدل نظام كل شيء , فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت , وإن لم يكن لصحابها من خلاق – أي في الآخرة – وإن لم تقم بالعدل لم تقم , وإن كان لصحابها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة".



    من الظلم المهلك المحاباة في تطبيق القانون :



    تطبيق القانون على الجميع بالسوية وبدون محاباة يبعث الطمأنينة في النفوس ، ويجعل الضعيف المحق يوقن بانه في مأمن من ظلم القوي ، لأن الدولة معه ممثلة بقانونها الذي تطبقه محاكمها بعدل وبجدية , وعلى الجميع وبدون محاباة لأحد ، ومن كانت معه الدولة وقانونها فهو أقوى من غيره مهما كان هذا الغير ذا نفوذ وجاه وسلطان.



    فإذا اختل هذا الوضع فلم يطبق القانون على الجميع , وأخذت المحاباة تفعل فعلها , وهي التي يأخذ بها الحاكم ، كان ذلك من الظلم الذي تباشره الدولة , أن تعين على وقوعه أو تسكت عنه فلا تمنعه ، فتتلبس الدولة بالظلم , وتغشاها ظلمته , فيقوم فيها سبب الهلاك فتهلك.



    وهذا ما حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقد جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمها شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكلمه فيها , فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ فقال له أسامة : استغفر لي يا رسول الله.



    فلمان كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد : فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها.



    وجاء في شرحه : وفيه ترك المحاباة في قامة الحد على من وجب عليه , ولو كان ولداً أو قريباً أو كبير القدر , والتشديد في ذلك , والإنكار على من رخص فيه.



    تعليل هلاك الدولة بالظلم :



    في الحديث الذي ذكرناه في المرأة التي سرقت جاء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : "فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" ، فالمحاباة في تطبيق القانون ظلم تقوم به الدولة أو تعين عليه ، وكان المأمول أن تمنع الدولة الظلم , وتحمي المظلومين , وتعاقب الظالم , وأشد الظلم وأوجعه ما جاءك ممن واجبه أن يحميك.



    وهذا الظالم وغيره من أنواعه المشينة ، إذا قامت به الدولة أو تسترت عليه أو أعانت عليه ، فسيترك أثراً بليغاً في نفوس المواطنين , يتمثل بخيبة أملهم في الدولة وزعزعة ثقتهم بها , وتسلمهم هذه الحالة إلى حالة عدم الاهتمام بالدولة , وضعف الولاء لها وعدم الحرص على بقائها , ولا الدفاع عنها , وتسلمهم هذه الحالة إلى حالة أسوأ منها , وهي رغبتهم في هلاكها واضمحلالها ولو باستيلاء الغير عليها , ولو كان من أعدائها , ولسان حالهم يقول في تبرير رغبتهم هذه : إن الدولة لم تعد لنا البيت الكبير الذي نجد فيه الأمن والأمان والحماية والطمأنينة على حقوقنا , وعدم اعتداء الظالمين علينا.



    وإذا استمر الظلم وانتشر وشاع بفعل الدولة أو بتسترها عليه وعدم منعها له وتغافلها عنه فإن الأمر يؤول بالناس المظلومين والمنتصرين لهم من أقارب وأصدقاء إلى معاونة الأعداء على تهديم الدولة التي صارت في نظرهم عدواً لهم .



    إن ما أقوله ليس تبريراً لفعل المظلومين , وإنما هو وصف لواقعهم الذي صاروا إليه بسبب الظلم الذي توقعه الدولة , أو تعين الظالمين على وقوعه , أو لا تمنع وقوعه مع قدرتها على المنع.



    من آثار الظلم خراب البلاد :



    ومن آثار الظلم الذي يعجل في هلاك الدولة خراب البلاد اقتصادياً وعمرانياً ؛ لزهد الناس في العمل والإنتاج ، وسعيهم الدائم إلى الفرار والخروج منها , وكل هذا يؤثر في قوة الدولة اقتصادياً وعسكرياً , ويقلل مواردها المالية التي كان يمكن أن تنفقها على إعداد قوتها في مختلف المجالات ، مما يجعل الدولة ضعيفة أمام أعدائها الخارجيين , وإن بقيت قوية طاغية على مواطنيها الضعفاء المساكين المظلومين , وكل هذا يؤدي إلى إغراء أعدائها من الدول القوية لتهجم عليها , وتستولي عليها أو على بعض أقاليمها , أو إلحاق الأذى والضرر بها , مما يعجل في هلاكها.



    وقد أشار علماؤنا رحمهم الله تعالى إلى أثر الظلم في خراب البلاد ، ففي تفسير القرطبي قوله رحمه الله : "فإن الجور والظلم يخرب البلاد بقتل أهلها وانجلائهم منها ، وترفع من الأرض البركة" وفي تفسير الآلوسي : "وروي عن ابن عباس أنه قال : أجد في كتاب الله تعالى أن الظلم يخرب البيوت ، وقرأ قوله تعالى : "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون".



    تأخير عقاب الظالمين :



    إن من أسماء الله الحسنى "الحليم" فحلمه تعالى واسع يسع الناس جمعياً ، فلا يعجل عقوبتهم لظلمهم , قال تعالى "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" ، أي لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة أي لأهلك جميع دواب الأرض تبعاً لإهلاك بني آدم ، ولكن الله جل جلاله يحلم ويستر وينظر إلى أجل مسمى , أي لا يعاجلهم بالعقوبة , إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحداً.



    سبل وقاية الأمة من عقوبة الظلم :



    وإذا كان الظلم سبباً في هلاك الأمة فمن الواجب شرعاً الإنكار على الظالم ومنعه من الظلم , وعدم الاستكانة له , ولا الركون إليه , وبهذا تنجو الأمة مما قد يحل بها من عقاب أو هلاك بسبب الظلم الواقع فيها ، ونتكلم فيما يلي عن سبل الوقاية من الظلم وعقابه , والتي أشرت إليها.



    أولاً : الإنكار على الظالم :



    أخرج الترمذي في جامعة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : "يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية : "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الناس إذا رأوا ظالماً فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".



    وجاء في شرحه : أي إذا لم يمنعوه عن ظلمه مع القدرة على منعه أن يعمهم الله بعقاب منه أي بنوع من العذاب.



    ومن الواضح أن الظالم الواجب منعه من الظلم والإنكار عليه يشمل الحاكم الظالم وغيره من الظلمة ، كما أن العذاب أو العقاب الذي يعمهم قد يكون به هلاك الأمة , وقد يكون بما دون الهلاك.



    ثانياً : عدم الاستكانة للظالم :



    رفض الظلم وعدم الاستكانة للظالم والانتصار منه ، كل ذلك مما يجب أن يتربى عليه الفرد المسلم ؛لأنه شيء ضروري لتكوين شخصيته الإسلامية , ومن مقوماتها الأساسية ومن الصفات الأصلية للمسلم قال تعالى : "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" وانتصارهم هو أن يقتصروا على ما جعله الله لهم ولا يعتدوا ، وهم محمودون على الانتصار , لأن من أخذ حقه غير متعد حد الله وما أمر به , فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم , أو رد على سفيه محاماة على عرضه وردعاً له فهو مطيع وهو محمود.



    وفي تفسير القرطبي في هذه الآية : "أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه".



    وفي صحيح البخاري ، قال إبراهيم النخعي كانوا – أي الصحابة – يكرهون أن يستذلوا , فإذا قدروا عفوا.



    وقال الآلوسي في تفسير الآية التي ذكرناها "أي ينتقمون ممن بغي عليهم على ما جعله الله تعالى لهم ولا يعتدون , والعفو عن العاجز المعترف بجرمه محمود ، والانتصار من المخاصم المصر محمود.



    ثالثاً : عدم الركون إلى الذين ظلموا :



    ومن سبل الوقاية من وقوع الظلم أو شيوعه وانتشاره وما يترتب على ذلك من العقاب أو الهلاك بالأمة ، عدم الركون إلى الذين ظلموا بأي نوع من أنواع الركون إليهم حتى يعجزوا أو يضعفوا عن ارتكاب الظلم , لا سيما الحكام الظلمة ، لأنهم لا يرتكبون المظالم إلا بأعوانهم , وبسكوت أهل الحق عنهم أو بركونهم إليهم , قال تعالى محذراً من الركون إلى الذين ظلموا : "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون".



    قال الزمخشري في تفسيرها : "ولا تركنوا ، من أركنه إذا أماله ، والنهي متناول للانحطاط في هواهم ، والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم ، والتشبه بهم , والتزيي بزيهم , ومد العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيما لهم , وتأمل قوله تعالى : "ولا تركنوا" فإن الركون هو الميل اليسير وقوله تعالى : "إلى الذين ظلموا" أي إلى الذين وجد منهم الظلم ، ولم يقل إلى الظالمين.



    رابعاً : لا يعان الظالم على ظلمه :



    أعوان الظالم ظلمة مثله ، فلا تجوز إعانة الظالم ، لأنه إذا كان الركون بجميع أشكاله وأنواعه لا يجوز ، فما يكون فيه إعانة فعلية للظالم أولى أن لا يجوز ، والواقع أن الحاكم الظالم إنما يتمكن من ظلمه بمعاونة أعوانه وأتباعه , وليس بنفسه فقط.



    فالمعاونة له بأي شكل من أشكالها لا تجوز ؛ لأنها تقوية له ومساعدة له لتنفيذ ظلمه , ولهذا إذا نزل العذاب بالحاكم الظالم نزل بأعوانه أيضاً ؛ لأنهم مثله ظالمون كما حصل لفرعون وأعوانه قال تعالى : "إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين" ، فالله تعالى جمعهم بوصف الخطيئة ، ومن خطيئتهم : الظلم الذي كان يقترفه فرعون , ويعاونه عليه هامان وجنودهما , فلما نزل العذاب بفرعون نزل بأعوانه قال تعالى : "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم" وقال تعالى في آية أخرى : "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" فجعلهم الله تعالى جميعاً ظالمين : فرعون وجنوده لمعاونة جنوده له ، فأهلكهم جمعياً.



    خامساً : لا يعان الظالم على بقائه :



    ولا يعان الظالم على بقائه في مركزه الذي يمكنه على الظلم ، ولا يُدعى له بالبقاء لأن في بقائه استمراراً لظلمه ، جاء في الحديث النبوي الشريف : "من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه" وسئل الإمام سفيان الثوري عن ظالم أشرف على الهلاك في برية ، هل يسقى شربة ماء ؟ فقال : لا فقيل له : يموت ؟ فقال : دعه يموت.



    الجماعة المسلمة وسنة الله في الظلم والظالمين :



    الجماعة المسلمة قامت في المجتمع استجابة لأمر الله تعالى : "ولتكن منكم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون" فعليها أن تقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومن المنكر وقوع الظلم , أو توقع وقوعه في المجتمع , وأقبح الظلم ظلم الحاكم ، فعليها أن تحدد موقفها وتميزه وتظهره في ضوء قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومنها ما جاء في الحديث النبوي الشريف : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".



    ما تستحضره الجماعة في نفسها ولا تنساه :



    وعلى الجماعة المسلمة أن تستحضر في نفسها وتذكره ولا تنساه أنها أقوى من الفرد , وأضعف من الدولة , وأن الحاكم الظالم يتربص بها ما دامت على المنهج الجهادي الإسلامي الصحيح ، فعليها أن تتصرف في ضوء هذه الحقائق , وفي الأسلوب الممكن الذي يأذن به الشرع.



    على الجماعة المسلمة أن تحذر الركون إلى الظلمة:



    وعلى الجماعة المسلمة أن تحذر كل الحذر من الوقوع في معاني الركون إلى الذين ظلموا ، ولو بحسن نية ، لأن حسن النية لا يقلب الخطأ صواباً , ولا الحرام حلالاً ، وإن كان قد يرفع الإثم عن صاحب النية الحسنة بشروط معينة.



    وعلى هذا لا يجوز للجماعة المسلمة ممثلة بأميرها وأعضائها مخالطة الحكام الظلمة والظهور معهم أمام الناس دون إعلان الإنكار عليهم مما يوحي إلى الناس أن الجماعة تداهن الحكام الظلمة أو تؤيدهم ، مما يجعل الناس يشكون في إخلاص الجماعة ، بل ويشركونها في مسؤولية الحكام الظلمة ، وبالتالي ينفض الناس عنها , ولا يسمعون منها , ولو أن ما تقوله لهم هو حق وصواب ، لأن الناس جبلوا على عدم قبول القول , ولو كان حقاً مما يخالفه عملاً , لا سيما في مداهنة الحكام الظلمة والركون إليهم , ولا سيما إذا كان المداهن والراكن جماعة مسلمة تدعو الناس إلى معاني الإسلام.



    استثناء من حظر الدخول إلى الظلمة :



    ويستثنى من مباشرة معاني الركون إلى الظلمة حسب الظاهر – مثل الدخول عليهم أو مجالستهم أو الطلب منهم – وجود حالة ضرورة تدعو لذلك , أو وجود المبرر الشرعي الذي يبيح ذلك ـ أي يبيح مباشرة بعض ما يندرج في معاني الركون إلى الذين ظلموا ـ كالتي مثلنا لها , قال الإمام الرازي وهو يفسر قوله تعالى : "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" قال : فأما مداخلتهم لدفع ضرر أو اجتلاب منفعة عاجلة فغير داخل في الركون إليهم , وقال الآلوسي في معاني الركون إلى الذين ظلموا : "ومجالستهم من غير داع شرعي" ومعنى ذلك جواز مجالستهم لداع شرعي.



    لا يجوز التوسع ولا التسرع في الاستثناء :



    وعلى الجماعة المسلمة أن لا تتوسع في الأخذ بالاستثناء عن طريق القياس لأن الاستثناء لا يتوسع فيه ، وأن لا تتسرع في الأخذ به , بل عليها أولاً أن تتأكد أن لا سبيل لها إلا الأخذ بهذا الاستثناء ، وأن مصلحته أكبر من مفسدته لأنه يدفع عنها ضرراً أكبر من مصلحة تركه ، وهذه مسألة تقديرية متروكة للجماعة ، ومع تقوى الله وإخلاص النية توفق الجماعة إن شاء الله تعالى إلى الصواب ، وقد قال تعالى : "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" .



    وإذا انبهم عليها الأمر , ولم تعد تعرف أيهما الأصلح لها , الأخذ بالاستثناء أو تركه , فعليها أن تأخذ بدعاء الاستخارة وصلاتها , وتسأل الله أن يعرفها بالصواب في الأخذ بالاستثناء أو في تركه.



    جزاء الركون إلى الذين ظلموا :



    ويلحق الجماعة المسلمة بركونها إلى الذين ظلموا الجزاء المذكور في قوله تعالى : "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون" أي إذا ركنتم إلى الذين ظلموا فهذه هي عاقبة الركون إليهم وهي "فتمسكم النار" أي فتصيبكم النار التي هي جزاء الظالمين ، وجزاء من يركن إليهم ؛ لأن الركون إلى الظلم وأهله ظلم ، "وما لكم من دون الله من أولياء" أي ليس لكم من أولياء يخلصونكم من عذاب الله "ثم لا تنصرون" بسبب من الأسباب " ولا تنصرون بنصر الله وتأييده لأن الذين يركنون إلى الظالمين يكونون منهم ، والله تعالى لا ينصر الظالمين كما قال تعالى : "وما للظالمين من أنصار".



    على الجماعة المسلمة أن تبصر الأمة بتقصيرها وواجبها :



    على الجماعة المسلمة أن تبصر الأمة بتقصيرها وبواجبها , أما تقصيرها فبسكوتها عن الحاكم الظالم ورضوخها إليه , واستكانتها له وركونها إليه , بل ومعاونتها له , ولولا هذا التقصير منها لما بقي هذا الظالم في الحكم ولا استمر في ظلمه .



    فإذا أرادت الأمة أن تتخلص منه فعليها القيام بواجبها نحوه, والعمل الجاد لاستئصال كل الأسباب التي أدت إلى تسلط هذا الحاكم الظالم عليها سواء كانت هذه الأسباب تظالم الأمة فيما بينها أو انتشار المعاصي فيها , أو تفرق كلمتها أو إعانة الحاكم الظالم بأي شكل ونوع من أشكال وأنواع الإعانة , ثم إن عليها أن تقوم بواجب الإنكار عليه , وتهيئة القوة اللازمة لتحقيق الإنكار الفعلي عليه , وإزالة منكر الظلم فعلاً , وهذا يقتضيها أن تلتف حول الجماعة المسلمة التي ترفع راية الإسلام والجهاد في سبيل الله.



    وعلى كل الخيرين المؤمنين الانضمام إلى هذه الجماعة المسلمة ليكون لها صوت مسموع , وقوة مرهبة تجبر الحاكم الظالم : إما على ترك ظلمه والرجوع على مقتضيات العدل , والالتزام بشرع الله وهديه , وإما أن يترك السلطة ويتخلى عن الحكم , فليست البلاد أو الدولة ضيعة أو بستاناً أو مزرعة له أو لآبائه , ولا الرعية عبيداً له.



    تحذير الناس من الكفر بسبب الظلم :



    وعلى الجماعة المسلمة أن تحذر الناس من الوقوع في الكفر والردة عن الإسلام باعتراضهم على الله واتهامهم إياه – نعوذ بالله – بتأييد الحكم الظالم بدليل بقائه في الحكم والسلطة , ومما يزيد لهم الشيطان كفرهم قولهم أو احتجاجهم بأنهم مسلمون ومع هذا يسلط الله عليهم حاكماً ظالماً , بل وقد يكون مع ظلمه كافراً أو مرتداً ، ويبقيه في السلطة , ولا ينزل عليه عذابه ليخلص من شره البلاد والعباد , وينتقم منه للناس المظلومين , فعلى الجماعة المسلمة أن تبين لهم جهلهم , وأن ما يقولونه كفر وردة عن الإسلام .



    وأنهم إذا أرادوا حاكماً عادلاً بمقاييس الشرع الإسلامي , وبالالتزام بهذا الشرع فعليهم أن يقيموا العدل فيما بينهم ، لأن الرعية التي تريد حاكماً عادلاً كعمر بن الخطاب عليها أن تكون رعية عادلة كرعية عمر بن الخطاب لأن القاعدة : "كيفما تكونوا يول عليكم".



    فعلى الجماعة المسلمة أن تبين للناس أن أمور الحياة تجري وفق سنن الله العامة , منها سنته في الأسباب والمسببات ، وسنته تعالى في تدافع الحق والباطل ، وأن الله تعالى لن يخرق من أجل عيونهم قوانين الحياة وسننها العامة في الاجتماع ، فهم ليسوا بأحسن حالاً , ولا أكرم على الله تعالى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .



    وقد قص الله علينا ما لقوه من شدائد وأذى , وما تحملوه في سبيل الله , وما قدموه من تضحية وفداء حتى أتاهم نصر الله بإزالة الطواغيت من الأرض , فعلى المسلمين أن يعلموا أن إزاحة الطواغيت والحكام الظلمة لا يكون بمجرد تأففهم أو تضجرهم أو تحسرهم أو بالاحتجاج بأنهم مسلمون , فلا بد أن يهلك الله الحكام الظلمة وهم في بيوتهم قاعدون , يمنون على الله أن أسلموا فيريدون أن يرسل الله ملائكة تقاتل عنهم , وتزيح الحاكم الظالم فتخلصهم من شره ، لا ، لا يكون هذا, فالمسلم الحقيقي هو الذي يطيع الشرع , وينفذ أوامره , ويهتدي بسننه العامة .



    فإذا أرادوا الخلاص من الحاكم الظالم أو الكافر فعليهم سلوك الجهاد الشرعي بأنواعه , وإعداد القوة اللازمة لذلك ، ومن أولى خطواته ومستلزماته وحدة الكلمة , وضم الجهود بعضها إلى بعض ، بالتجمع حول الجماعة المسلمة والانضمام إلى عضويتها ، لأنها جماعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر , ومن المنكر إزالة الظلم وتنحيه أهله عن الحكم والسلطان إذا لم يقلعوا عنه.



    المصدر : (كتاب السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية د. عبد الكريم زيدان)


    http://www.altareekh.com/doc/article.php?sid=1176
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 06:01 ص.
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

  • #2
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 06:01 ص.

    تعليق

    مواضيع ذات صلة

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
    ردود 0
    167 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة Islam soldier
    بواسطة Islam soldier
     
    ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
    ردود 0
    22 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة Islam soldier
    بواسطة Islam soldier
     
    ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
    ردود 0
    40 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة Islam soldier
    بواسطة Islam soldier
     
    ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
    ردود 0
    32 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عادل خراط
    بواسطة عادل خراط
     
    ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
    ردود 3
    84 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
    بواسطة Ibrahim Balkhair
     
    يعمل...
    X