دروس في كتابة القرآن الكريم

تقليص

عن الكاتب

تقليص

المهندس زهدي جمال الدين مسلم اكتشف المزيد حول المهندس زهدي جمال الدين
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    الحقيقة الأولى موضوع آيات القرآن



    القرآن الكريم نصفان



    النصف الأول من القرآن هو السور السبع وخمسون في الترتيب من (1–57) .
    النصف الثاني من القرآن هو السور السبع وخمسون في الترتيب من(58–114) .

    نأخذ النصف الأول من القرآن


    نجد الآتي:
    1ـ في النصف الأول من القرآن في السور زوجية الآيات زوجية الترتيب نجد مجموع الآيات = 1310
    ومجموع أرقام ترتيب الآيات = 318
    في النصف الأول من القرآن في السور زوجية الآيات فردية الترتيب نجد مجموع الآيات = 1380
    ومجموع أرقام ترتيب الآيات = 442
    في النصف الأول من القرآن في السور فردية الآيات فردية الترتيب نجد مجموع الآيات = 1099
    ومجموع أرقام ترتيب الآيات = 399
    4ـ في النصف الأول من القرآن في السور فردية الآيات زوجية الترتيب نجد مجموع الآيات = 1315
    ومجموع أرقام ترتيب الآيات = 494

    نأخذ النصف الثاني من القرآن


    1ـ في النصف الثاني من القرآن في السور زوجية الآيات زوجية الترتيب نجد مجموع الآيات =398
    ومجموع أرقام ترتيب الآيات = 1434
    2ـ في النصف الثاني من القرآن في السور زوجية الآيات فردية الترتيب نجد مجموع الآيات =426
    ومجموع أرقام ترتيب الآيات = 1256
    3ـ في النصف الثاني من القرآن في السور فردية الآيات فردية الترتيب نجد مجموع الآيات =126
    ومجموع أرقام ترتيب الآيات = 1152
    4ـ في النصف الثاني من القرآن في السور فردية الآيات زوجية الترتيب نجد مجموع الآيات =182
    ومجموع أرقام ترتيب الآيات = 1060

    المجاميع
    إجمالي مجموع الآيات = 6236
    إجمالي مجموع أرقام ترتيب الآيات = 6555

    نعيد صياغة ما سبق بطريقة أخرى.

    إليك أمثلة على السور المتجانسة وغير المتجانسة :


    سور متجانسة مثل :

    الفاتحة - ترتيبها ( 1 ) وهو رقم فردي ، وآياتـها ( 7 ) وهـو رقم فردي
    إذن ترتيب السورة والآيات : فـرديفـردي

    البقرة - ترتيبها (2) وهو رقم زوجي ، وآياتـها (286) وهـو رقم زوجي
    إذن ترتيب السورة والآيات : زوجي - زوجي

    النساء - ترتيبها (4) وهو رقم زوجي , وآياتـها (176) وهـو رقم زوجي
    إذن ترتيب السورة والآيات : زوجي - زوجي
    سور غير متجانسة مثل :
    آل عمران - ترتيبها (3) وهو رقم فردي ، وآياتـها (200) وهو رقم زوجي
    إذن ترتيب السورة والآيات : فردي - زوجي
    المائدة - ترتيبها ( 5 ) وهو رقم فردي ، وآياتـها (120) وهـو رقم زوجي
    إذن ترتيب السورة والآيات : فردي - زوجي
    الأنعام - ترتيبها ( 6 ) وهو رقم زوجي ، وآياتـها (165) وهـو رقم فردي
    إذن ترتيب السورة والآيات : زوجي- فردي
    والآن : إذا قمنا بجمع أرقام ترتيب السور المتجانسة ، وأضفنا إليها عدد آياتـها فسنجد
    أن حاصل الجمع هو (6236) وهذا هو مجموع آيات القرآن الكريم .
    وإذا قمنا بجمع أرقام ترتيب السور الـ (57) غير المتجانسة ، وأضفنا إليها عدد آياتـها ، فسنجد أن حاصل الجمع هو (6555) وهذا هو مجموع أرقام ترتيب سور القرآن الكريم من (1-114) .

    النتيجة بلغة أخرى :
    1 ـ مجموع ترتيب السور المتجانسة + مجموع الآيات المتجانسة = مجموع آيات القرآن الكريم = (6236) آية كريمة .
    2 ـ مجموع ترتيب السور الغير متجانسة + مجموع الآيات الغير متجانسة = مجموع ترتيب سور القرآن الكريم = (6555) .
    بـهذا يثبت أن هناك علاقة بين رقم كل سورة وعدد آياتـها ، بحيث يكون لدينا إحداثية تقتضي ارتباط رقم السورة بعدد آياتـها ، وارتباط هذا بكل سور القرآن الكريم.

    3 ـ حتى ندرك عمق المسألة نقوم بإنقاص سورة البقرة آية واحدة فتصبح (285) آية ، وبالتالي تصبح فردية الآيات ، مما يعني أن السور الفردية ستصبح (55) والزوجية (59) ، عندها ينهار كل شيء ، وإذا حافظنا على عدد آيات البقرة (286) وقمنا بجعلها السورة رقم (3) ، وجعلنا سورة آل عمران رقم (2) فستصبح سورة البقرة غير متجانسة ، وتصبح سورة آل عمران متجانسة ، أي أن المجموع(286+3) يصبح ضمن السور غير المتجانسة، والمجموع (200+2) في السور المتجانسة ، مما يعني أن مجموع الـ (57) سورة المتجانسة سوف لا يكون (6236) ، ومجموع الـ(57) سورة غير المتجانسة لن يكون (6555) .
    هذا ينطبق على كل سورة من السور الـ (114) وعلى ضوء ذلك إذا قمنا بحساب احتمال الصدفة وفق نظرية الاحتمالات ، فسوف نجد أنفسنا أمام عجيبة من عجائب القرآن الكريم ، تُثبت أن ترتيب السور وعدد الآيات هو وحيٌ من الله العزيز الحكيم .

    * يقوم الباحث "جلغوم" بتجزئة قانون الجمع السالف :-
    السور الزوجية : (114+1) 60 ÷ 2 = 3450
    السور الفرديـة : (114+1) 54 ÷ 2 = 3105
    المجمــــوع = 6555
    من الأمـور المدهشة أن نجـد مجموع أرقام السور (60) الزوجية في القرآن الكريم هو (3450) ، وبالتالي يكون مجموع ترتيب الـ (54) الفردية هو (3105) لأن المجموع الكلي لا بد أن يكـون (6555) لأن (114+1) 114÷ 2 هـو في حقيقته (114+1) ( 60 + 54) ÷ 2 = 13110÷2= 6555

    * تعليق :- تم التحقق وكانت النتيجـة صحيحة .
    وحتى ندرك أن هذا البناء الرياضي المحكم مرتبط ارتباطا وثيقا بترتيب السور وعدد آياتـها كما هي في المصحف ، نقوم بعملية تبديل للمواقع بين سورة آل عمران وسورة الإسراء لتصبح سورة (آل عمران) هي السورة (17) وسورة (الإسراء) هي السورة (3) وبما أننا استبدلنا الترتيب الفردي (3) بالترتيب الفردي (17) ، فإن الكثير مما قلناه لا يتغير ولكننا سنجد أن مجموع أرقام السور الـ(60) زوجية الآيات ومنها آل عمران، سيصبح (3464) ، وسيصبح مجموع أرقام السور الـ (54) الفردية هو (3091) وبالتالي لن يكون مجموع السور الـ (60) الزوجية - بعد هذا التبديل - مطابقا للقانون الرياضي : ( 114 +1 ) 60 ÷ 2 = 3450 ، وكذلك الأمر في السور الفردية،وهذا الكلام ينطبق على كل سورة من السور الـ (114)

    الحقيقة الثانية : موضوع ترتيب سور القرآن الكريم



    * يقوم الباحث "جلغوم" بقسمة السور القرآنية من حيث العدد إلى نصفين متساويين :
    (1-57) ، (58-114) ، إن الأرقام الفردية في النصف الأول هي (29) رقما وبالتالي تكون الزوجية (28) أما في النصف الثاني فتكون الأرقام الفردية (28) وبالتالي تكون الزوجية (29) ، وقد وجد "جلغوم" أن السور المتجانسة في النصف الأول هي (28) سورة ، وغير المتجانسة (29) سورة ، وفي النصف الثاني يكون عدد السور المتجانسة (29) وغير المتجانسة (28) .

    * تعليق :- تم التحقق وكانت النتيجـة صحيحة ، وهنا يظهر أن هناك توازناً في السور المتجانسة وغير المتجانسة في النصف الأول والنصف الثاني من القرآن الكريم .

    لاحظ الباحث "جلغوم" أن السور زوجية الآيات في النصف الأول من القرآن الكريم هي (27) سورة ، وبالتالي تكون السور الزوجية في النصف الثاني (33) سورة ، وقد لاحظ أن مجموع آيات السور الزوجية الـ (27) في النصف الأول هو(2690) وهو مجموع أرقام ترتيب السور الزوجية الـ(33) في النصف الثاني

    * تعليق :
    أ ـ تم التحقق وكانت النتيجـة صحيحة.
    ب ـ النصف الأول من سور القرآن الكريم هو (57) سورة ، أي (19×3).
    وإذا ضربنا ( 3 × 10 ) يكون (30)، و (3 × 9 ) يكون (27).
    ومن هنا نجد أن هناك (27) سورة زوجية ، و(30) سورة فردية ، هذا عندما تعاملنا مع النصف الأول ، ولكن عندما تعاملنا مع القرآن كله كما سلف، كانت السور الزوجية (60) أي (6×10) والسور الفردية (54) أي (6 × 9) .
    رسم توضيحي :
    114 = 19 × 6 = (60+54)
    57 = 19 × 3 = (30+27)


    * بعد استعراض أهم ما ورد في بحث "عبد الله جلغوم" نقوم الآن باستعراض بعض الملاحظات التالية والتي يصح أن تكون ملاحظات تكميلية، وامتداداً لهذا المسار الرياضي المحكم :-
    أ ـ السورة رقم (57) هي سورة "الحديد" وينتهي عندها النصف الأول من سور القرآن الكريم ، وعدد آياتـها هو (29) آية ، وإذا ضربنا رقم ترتيب السورة في عدد آياتـها يكون الناتج : (57 × 29 = 1653 ) ، وهذا هو مجموع أرقام السور من (1-57) أي (57+1) 57 ÷ 2 = ( 1653) .
    ب ـ وفق حساب (الجُمّل) المستخدم في اللغات السامية ومنها اللغة العربية، نجد أن (جُمّل) كلمة (الحديد) هو(1+30+8+4+10+4)=(57) وهذا هو رقم سورة (الحديد) كما رأينا، أما كلمة (حديد) فمجموع جُمّلها هو (8+4+10+4) =(26) وهذا هو العدد الذري للحديد ، في حين أن الوزن الذري للحديد هو(57) فتأمل !!
    ج ـ للحديد (5) نظائر ، أوزانـها الذرية (59,58,57,56,55) ويقع النظير (57) في الوسط كما هو ملحوظ ومجموع هذه الأوزان هو (285) .
    د ـ في كتاب "معجزة القرآن العددية" للكاتب السوري صدقي البيك توصل بالاستقراء إلى أن مجموع تكرار ذكر الأعداد الصحيحة في القرآن الكريم (285) عددا ، فالواحد مثلا تكرر (145) مرة ، والعدد (اثنان) تكرر في القرآن الكريم كله (15) مرة ، والعدد (3) تكرر (17) مرة ……وهكذا ، فيكون المجموع (285) عددا صحيحا ، ويشمل هذا الإحصاء العددين (309) العدد المذكور في سورة الكهف و(950) عمر سيدنا نوح عليه السلام كما هو في القرآن الكريم واللذين عبر عنهما القرآن الكريم بشكل غير مباشر.
    ولو سألنا : ما هـو العـدد الذي لو جمعنا الأعداد من واحد حتى نصله ، يكون المجموع هو (285) ، أي (1+2+3..........+ س)=(285) ؟ الجواب : أقرب عدد صحيح هو (23) .
    إذا ضربنا هذا العدد بعدد الأعداد يكون الناتج :
    (23×285) = (6555) ، وهو مجموع أرقام سور القرآن الكريم ، وهذا يثبت أن هناك علاقة بين ترتيب المصحف والأعداد في القرآن الكريم فتأمل !!
    ﻫ ـ السورة الوحيدة التي تنتهي بكلمة (عدد) هي سورة الجن:
    ﭧ ﭨ ﭽ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ [الجن: ٢٨].
    عدد كلمات سورة الجن (285)، أي أن كلمة هي الكلمة رقم (285) .
    فسبحان من لا تنقضي عجائبه.
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:37 ص.

    تعليق


    • #47
      الله أكبر الله أكبر الله أكبر

      ماشاء الله تبارك الله

      بحث قيِّم وأكثر من رائع أستاذنا الغالي ....

      ____________________________

      يا إخوة بارك الله فيكُم ... من منكم يستطيع رفع جميع الآيات المكتوبة التي كتبها المهندس في مبحثه الرائع , و بالخط العُثماني ... نُريد أخذ صُور لجميع الآيات التي جائت في البحث أعلاه ...و مكتوبة بالخط العُثماني .... لوضعها مكان الحروف المتقطعة الظاهرة في الرسائل أعلاه ....

      من مِن الإخوة يتبرع بهذه المهمة ؟!!!... وجزاكم الله خيراً
      التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 29 أكت, 2020, 02:03 ص.
      "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
      رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
      *******************
      موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
      ********************
      "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
      وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
      والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
      (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

      تعليق


      • #48
        نماذج من إعجاز القرآن الكريم


        الإعجاز الرياضي في قصة أصحاب الكهف


        والسورة الكريمة



        مقدمة لابد منها:

        عندما تدور الأرض دورة واحدة حول الشمس، تكون قد دارت حول نفسها (365) دورة، ويكون القمر قد دار حول الأرض (12) دورة. فالدورة الواحدة للأرض حول الشمس تضمنت (365) دورة حول النفس، و(12) دورة للقمر حول الأرض وحول نفسه أيضاً. ومن هنا قال العلماء إنّ السنة شمسية والشهر قمري.

        عندما تدور الأرض دورة واحدة حول الشمس تكون قد دارت حول نفسها (365) دورة، ويكون القمر قد دار حول نفسه وحول الأرض (12) دورة، وهذه الدورة تسمى (سنة).
        فالسنة إذن هي عودة الأرض إلى النقطة نفسها التي كانت فيها في مدارها حول الشمس، وعندما تحصل هذه العودة للأرض لا يكون القمر قد عاد إلى النقطة نفسها التي كان فيها عند بداية الدورة. ومن هنا تكون (السنة) تعني عودة الأرض إلى النقطة نفسها وليس القمر. أمّا متى يرجع الأرض والقمر معاً إلى النقطة نفسها، أي إلى الإحداثية نفسها؟ إنّ العلماء يقولون إنّ ذلك يحصل مرة كل (19) سنة.

        أي أنه يحصل عندما تدور الأرض حول الشمس (19) مرة، ويدور القمر حول الأرض (235) مرة، ويسمي علماء الفلك هذه الدورة بـ ( الدورة الخسوفية)، وقد استخدمت هذه الدورة علمياً للتوفيق بين السنة الشمسية والسنة القمرية. ومن هنا لا تخلو كتب التقاويم من إشارة إلى هذه الدورة والعدد (19), كل (19) سنة إذن يتكون لدينا دورة للشمس والقمر معا، فيعودان إلى الإحداثية نفسها.

        وقد تكررت كلمة سنة في القرآن الكريم 7 مرات، وتكررت كلمة سنين في القرآن (12) مرة. وعليه يكون مجموع تكرار سنة وسنين =19 مرة.
        ومن الجدير بالذكر أنّ كل 19 سنة قمرية فيها 7 سنين كبيسة أيامها 355، و12 سنة بسيطة أيامها 354.

        إذن عندما تدور الأرض ومعها القمر دورة واحدة حول الشمس، ينتج عن ذلك 365 دورة للأرض حول النفس، و12 دورة للقمر حول الأرض وحول نفسه.

        فهي إذن دورة تضمنت دورات. كذلك الدورة الخسوفية والتي هي (واحدة) فقد تضمنت 19دورة للأرض حول الشمس، وتسمى كل دورة (سنة)، وهي تعادل ما يقارب (19,58) سنة قمرية, ومن هنا تكررت (سنة وسنين) في القرآن (19)مرة.

        ويمكننا أن نوضح المسألة بطريقة أخرى فنقول:

        عندما تكررت (يوم، يوما) في القرآن الكريم (365) مرة، كان ذلك إشارة إلى دورة واحدة للأرض حول الشمس، وكذلك عندما تكررت (شهر، شهراً) (12) مرة، كان ذلك أيضاً إشارة إلى دورة واحدة للأرض حول الشمس، وهذه الدورة تسمى (سنة).
        أمّا عندما تكررت كلمة (سنة، سنين) (19) مرة، فهذه إشارة إلى دورة أكثر تعقيداً لا تتعلق بالأرض فقط، بل بالأرض والقمر معاً.

        وعلى ضوء ذلك لو تساءلنا:
        في أي سنوات من التاريخ الميلادي كانت الدورة الـ"19"؟ فسنجد أن الدورة "19" بدأت سنة 604م، وانتهت سنة 638م.

        ومن اللافت للانتباه أنه بعد بداية الدورة بـ 6 سنوات كانت السنة 610م، وهي السنة التي بعث فيها الرسول صلى الله عليه وسلم.

        وقبل نـهاية الدورة بـ 6 سنوات كانت السنة 632م, وهي السنة التي توفي فيها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

        وهذا يعني أن فترة الرسالة كانت بؤرة الدورة "19" من التاريخ الميلادي.

        يقول سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت آية 14..في حق نوح عليه السلام :
        ﭧ ﭨ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ العنكبوت: ١٤

        والسؤال الآن:
        إذا كان المقصود من هذه الآية الكريمة القول إن (نوحاً) عليه السلام قد لبث في قومه (950) سنة، أفلا يتم المعنى عند قوله تعالى"…إلا خمسين…"؟!.
        فلماذا قال: ﯱ ﯲ ، في حين أنه قد سبق قوله قبلها
        ؟!..
        ألا يدل ذلك على أنّ مفهوم (السنة) يختلف عن مفهوم (العام)؟!.
        إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أنّ هناك آيات تدل بوضوح على أن كلمة (عام) تطلق على السنة القمرية، مثل قوله تعالى في سورة التوبة:

        ﭧ ﭨ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ التوبة: ٢٨
        ومعلوم أن الآية تتحدث عن الحج وهو مرتبط بالسنة القمرية.
        وكذلك ﭧ ﭨ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭩ ﭪ ﭫ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ التوبة: ٣٧
        ومعلوم أن الآية تتحدث عن تلاعب المشركين بترتيب الأشهر الحرم وهي أشهر في السنة القمرية.
        في المقابل لا توجد في القرآن كلمة (سنة ) تدل بوضوح على السنة القمرية، ولا توجد كلمة (عام) تدل بوضوح على السنة الشمسية. ولا يعني هذا أن مفهوم السنة لا يشمل السنة القمرية. ويلحظ أن القرآن الكريم عندما يُكَثِّر يستعمل كلمة (سنة) كقوله تعالى في الشعراء 18:
        ﭧ ﭨ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ الشعراء: ١٨
        وﭧ ﭨ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭞ ﭟ ﭠ [الحج: ٤٧]
        ومعلوم أن السنة الشمسية أطول من السنة القمرية. وفي الآية التي نحن بصدد فهمها جاءت الـ (1000)سنة لتدل على طول المدة التي لبثها نوح عليه السلام. وجاءت الـ(50)عاما لتقلل من المستثنى. وبناءً عليه كم كان عمر نوح عليه السلام ؟.
        السنة الشمسية تساوي 365.2422 يوما × 1000سنة = 200 ,365242 يوما شمسيا.
        السنة القمرية تساوي 36707, 354 يوما × 50 سنة = 350, 17718 يوماً قمرياً
        نطرح
        200, 365242 يوما شمسيا – 350, 17718يوماً قمرياً = 850, 347523 يوم
        850, 347523 يوم ÷ 30 يوم = 120, 11584 شهراً
        120, 11584 شهراً ÷ 12 سنة = 965 سنة تقريباً وليس 950 سنة كما يتصور البعض.
        وعلى أية حال ليس بإمكاننا أن نعكس المفهوم فنجعل (السنة) تدل على القمرية و(العام) يدل على الشمسية.
        وبما أن هذه الآية ذكرت السنة والعام، فيرجح أن تكون السنة شمسية والعام قمرياً.


        نعود إلي سورة الكهف الكريمة:

        سورة الكهف هي السورة 18 في ترتيب المصحف، واللافت للانتباه أنّ عدد آيات قصة أصحاب الكهف في السورة هو 18 آية.

        عدد حروف قصة أصحاب الكهف هو: 1401، فإذا أضفنا إلى هذا العدد جُمّل عبارة:
        (سورة الكهف) يكون الناتج: 1401+ 407 = 1808 واللافت للانتباه أنّ هذا العدد هو جُمّل قوله تعالى: ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ، والتي تساوي 1808
        فهل هي معجزة قرآنية أم صدف رقمية .
        وذلك طبقاً للجدول التالي راجع بنفسك :

        جدول حساب الأبجدية

        أ ب ج د ﻫ و ز ح ط
        1 2 3 4 5 6 7 8 9
        ى ك ل من س ع
        10 20 30 40 50 60 70

        ف ص ق ر ش ت ث
        80 90 100 200 300 400 500
        خ ذ ض ظ غ
        600 700 800 900 1000
        والآن نحسب:
        ث500 ل30 ث500 م40 ا1 ء1 ة5 س60 ن50 ي10 ن50 = 1247
        و6 ا1 ز7 د4 ا1 د4 و6 ا1 ت400 س60 ع70 ا1 = 561
        الإجمالي ﯜ ﯝ = 1247 + 561 = 1808

        لاحظ أن مكتوبة بالألف في حين أن الرسم الإملائي الحديث يكتبها هكذا مِئَةٍ. أي بدون ألف ولو حذفت الألف من الرسم العثماني لاختل النظم.
        ﭧ ﭨ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ الكهف: ٢٥
        كما أن قوله تعالى: يقصد به تبيان الزيادة التي تحصل عند تحويل الـ (300) سنة شمسية إلى قمرية :

        300 سنة مدة أللبث في الكهف ×2422 ,365السنة الشمسية المدارية =66, 109572

        300 مدة أللبث في الكهف × 36707 ,354 السنة المدارية القمرية = 120, 106310

        الفرق بينهما = 660, 109572- 120, 106310= 540, 3262 يوما

        540, 3262 يوما ÷ 30 يوما = 750, 108شهراَ

        750, 108 شهراً ÷ 12 سنة = 06, 9 سنين

        وعندما نتكلم بلغة السنين لا يكون هناك وزن للأعشار القليلة التي تزيد عن (9) سنوات

        ملاحظة جديرة بالانتباه
        الـ (300) سنة شمسية هي (66, 109572) يوما، في حين أن الـ (300) سنة قمرية هي (120, 106310) يوما، وهذا يعني أن الفرق هو: (540, 3262) يوماً.
        وهذا العدد من الأيام أقرب إلى أن يكون (9) سنوات شمسية، وليس (9) سنوات قمرية، مما يعني أن أصحاب الكهف لبثوا(300) سنة شمسية. أي (300) سنة قمرية مضافاً إليها (9) سنوات شمسية.
        فالعدد (300) هو هو، وتأتي الزيادة عن اختلاف مفهوم السنة الشمسية والقمرية وتكون هذه الزيادة عندها (9) سنوات شمسية.
        وقد يشير إلى هذا الفرق قوله تعالى (تسعاً) أي من السنين.
        ولو قال (تسعة) لكان المقصود (من الأعوام)، وقد تعزز هذه الملاحظة ملاحظاتنا السابقة حول هذا الموضوع.

        يدل اسم سورة الكهف على أهمية قصة في السورة.
        وتبدأ القصة بالآية (9) وتنتهي بالآية رقم (25):

        وإذا بدأنا عد الكلمات من بداية قصة أصحاب الكهف، أي من بداية الآية 9
        ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌالكهف: ٩

        إلى قوله تعالى في الآية رقم 25:
        ﯖ ﯗ ﯙ ﯚ ﯜ ﯝ

        فسنجد أنّ ترتيب الكلمة التي تأتي بعد لفظة هو 309 هكذا:
        308 309 وهذا هو عدد السنين التي لبثها أصحاب الكهف، كما هو واضح في تكملة الآية الكريمة . فسبحان من لا تنقضي عجائبه.

        تعليق


        • #49
          والآن مع قصة


          12345678910111213141516171819 20 21 22 23 24 2526ﮞﮟ27282930313233 34 35 3637 38 3940 4142 4344 45 46 47 484950 51 52 53ﯞ ﯟ 54 55565758596061 62 636465َ 66 67ِ 68697071 727374757677787980 8182ﯿ 83 8485 8687 88899091 92 93 94 959697 98 99 100 101 102 103104105106107108109ﭤ ﭦ110111
          112113 114115116117118119120 121 122123 124 125 126127128 129130131132ﭿ 133 134
          135136137 138 139 14041 142143144145 146147 148149150151152153 154 155156157 158 159160 161 162163164165ﮥﮦ166167168169170171172 173174175 176 177 178 179180 181182 183184185 186 187 188 189190191 192 193 194 195196197198199 200 201202203204205206 207 208209210ﯸ ﯹ211 212 213 214 215 216 217 218 219220 221222 223 224 225 226 227 228 229 230 231232 233 234235236237238239240241242 243 244245 246 247ﭴ ﭵ248 249 250 251 252 253254255256257258 259260261 262 263 264 265266 267 268269 270271 272 273274 275 276 277 278 279 280281 282 283 284 285 286 287 288289 290291292 293 294295 296297298299300301302303 304 305306307308 309ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ .

          لاحظ أنه عند كلمتي 309 كان المعدود هو 309 فتأمل...
          فسبحان الله الذي لا تحصى عجائبه،،،،،.

          تعليق


          • #50
            سورة الكهف الكريمة :


            في الدرس السابق رأينا أن كلمة هي الكلمة رقم (309) في القصة فهل لهذا دلالة غير الإعجاز العددي المتوافق مع الإعجاز البياني؟.
            إن سورة الكهف هي السورة رقم (18) في ترتيب المصحف,واللافت للانتباه أنّ عدد آيات قصة الكهف هو (18) أيضا ، وهذا يعزز قولنا بضرورة متابعة الأمر عدديا .
            ودعوني أنقل لكم العلاقة بين سور القرآن الكريمة: الحج والمائدة والإسراء والكهف لنرى الإعجاز العددي الفريد في السور الثلاثة وعلاقتها بعضها ببعض :

            أولا : الآية 27 من سورة الحج :

            تكررت كلمة (الحج) في القرآن الكريم (8) مرّات:
            ﯔ ﯕ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰋ ﰌ ﰍ ﰏ ﰐ ﰑ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﭒ ﭓ ﭕ ﭖ ﭗ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ البقرة: ١٩٦– ١٩٧

            ﭧ ﭨ ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ التوبة: ٣


            3ـ وجاءت الكلمة الثامنة في سورة الحج، أي أن آخر تكرار لكلمة الحج جاء في الآية 27 من سورة الحج :
            ﭧ ﭨ ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ الحج: ٢٧
            عدد كلمات آية سورة الحج هو (14) كلمة ، فإذا ضربنا عدد الكلمات برقم الآية (27) يكون الناتج : (14×27) = (378) .
            كما أن العدد (456) هو ترتيب كلمة الحج في سورة الحج ولسوف تلاحظ أن لهذا العدد دلالة خاصة كما سنرى بعد قليل.

            اللافت للانتباه أن العدد (378) هو مجموع الأعداد من 1 إلى 27 :

            ( 1 + 2 + 3 + .... + 27 ) = 378 .


            كما أن الحديث حول الحج في سورة الحج يبدأ بالآية (26) :
            ﭧ ﭨ ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ الحج: ٢٦

            وينتهي بالآية (37) :
            ﭧ ﭨ ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯹ ﯺ ﯻ [الحج: ٣٧]

            وإذا جمعنا أرقام هذه الآيات يكون المجموع :

            (26+27+28+29+30+31+32+33+34+35+36+37)= 378 .

            إذا أضفنا إلى العدد (378) عدد آيات سورة الحج تكون المفاجأة :378+78=456

            وهذا هو ترتيب كلمة الحج في سورة الحج ..

            تعليق


            • #51
              ثانياً: سورة المائدة

              والسؤال الآن .
              ما علاقة الآية (27) من سورة الحج بالآية (3) من سورة المائدة ؟ وما هو العدد (456) وما هي أسرارهُ المتعلقة بالحج. ؟! .

              ﭧ ﭨ في سورة المائدة الكريمة آية 3:
              ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭮ ﭯ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ [المائدة: ٣]

              1ـ إنّ ترتيب كلمة في سورة المائدة هو (114) وهذا هو عدد سور القرآن الكريم المعبّر عن اكتماله وتمامه، وعند هذه الكلمة يكون مجموع ترتيب الكلمات من قوله عز وجل : ... إلى قوله عز وجلّ : =990 وهو العدد المعبّر عن تاريخ نزول ﭱ ﭲ ... فما علاقة هذه الكلمة بألفاظ الحج ، وعلى وجه الخصوص الآية (27) من سورة الحج .
              جُمّل ﭹﭺ = 963 وإذا أضفنا إلى هذا العدد رقم الآية (27) يكون الناتج :963+27=990 وهذا العدد معلوم لديك .
              ويلفت الانتباه أنّ كلمة في آية المائدة هذه لم تُكتب كما جاءت في الآية 150 من سورة البقرة :
              ﭧ ﭨﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ البقرة: ١٥٠

              ولو كتبت بياء لأصبح جُمّلها هو 973 وليس963 .
              جُمّل عبارة: ﭷ ﭸ هو(2425) فما هو هذا العدد 2425 ؟!.

              إن أول آية ورد فيها لفظة (الحج) هي الآية (189) من سورة البقرة ، وعليه يكون عدد الآيات التي تسبق الآية (3) من سورة المائدة ، والتي هي محل الدراسة الآن هو(475) آية ، ويكون عدد الآيات التي تلي الآية (3) من سورة المائدة وحتى الآية(27) من سورة الحج ، والتي هي آخر آية ذكر فيها لفظ (الحج) هو (1950) وعليه يكون المجموع : (1950+475) = 2425 وهو جمّل عبارة : فتأمل.

              2ـ جُمّل : ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ

              هو 3895 وهذا هو المضاعف 205 للعدد 19 أي ( 19×205) =3895
              فما هو العدد 205 ؟! المفاجأة أنّ العدد 205 هو مجموع كلمات آيات الحج في سورة الحج ، أي من الآية26 إلى الآية 37 من سورة الحج.
              هذه بعض العلاقات الرياضية القائمة بين الآية (3) من سورة المائدة ، وألفاظ الحج في القرآن الكريم والتي آخرها لفظة (الحج) الواردة في الآية (27) من سورة الحج ، والتي هي الأساس في دراستنا هذه ،على اعتبار أنها تشتمل على آخر لفظة (الحج) , من هنا سوف نجد أنّ كل العلاقات الرياضيّة تتكامل في الآية (27) من سورة الحج ولسوف نجد أن لكلمة (الحج) في سورة الحج أهميّة خاصة، وعلى وجه الخصوص ترتيبها في السورة، فهي الكلمة رقم (456) ولهذا العدد عجائب نراها تباعاً في الآتي، ويجدر لفت الانتباه أخيراً إلى أن الآية الأولى والثانية من سورة المائدة ، والتي تسبق الآية الثالثة محل دراستنا هذه تتحدث حول الإحرام واحترام شعائر الله المتعلقة بالحج .
              ﭧ ﭨ ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯝ ﯞ ﯟ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯸ ﯹ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ [المائدة: ٢]

              ثالثاً: سورة الإسراء
              سورة الإسراء هي السورة (17) في ترتيب المصحف، وأحداث الإسراء ونبوءات السورة تتعلق بالأرض المقدّسة فلسطين، ولما كان ترتيب سورة مريم هو (19) ومعلوم أنّ أحداث قصة مريم وعيسى عليهما السلام هي أيضاً في فلسطين. فلماذا لا تكون أحداث السورة (18) أي قصة الكهف في فلسطين أيضاً ؟! إنه مجرد احتمال.

              والذي يهمنا هنا هو لفت الانتباه إلى بعض الملاحظات العددية المتعلقة بهذه المسألة:

              لما كانت هنا علاقة بين قصة أصحاب الكهف وسورتي المائدة والحج كما رأينا فما هي العلاقة بينها وبين سورة الإسراء؟.
              1ـ تتألف قصة أصحاب الكهف من (18) آية، ولا ننسى أن ترتيب سورة الكهف في المصحف هي السورة رقم(18) أيضاً، ثم هي (1401)، حرفاً وتنتهي قصة أصحاب الكهف بالآية (25) وهذه الآية هي الآية (2166) في ترتيب آيات المصحف.
              وأبرز عدد في قصة أصحاب الكهف هو مدّة لبثهم وهي: ﯖ ﯗ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ[الكهف: ٢٥.] أي 309 .


              2 : عدد حروف قصة أصحاب الكهف هو 1401 حرفاً ، ولهذا العدد مفاجآت منها:
              أ ـ عدد السنين من عام الإسراء ـ حيث نزلت السورة ـ إلى عام 2022م هو :
              (2022-621) =1401 .
              ( ملحوظة: عام 2022م هذا العام طبقاً لمعطيات رياضية قد تنبأ الأستاذ بسام نهاد جرار ـ والذي ننقل عنه هذا الكلام الآن وذلك من خلال كتابه " إرهاصات الإعجاز العددي" ـ بزوال إسرائيل فيه، وإن كانت لنا عليه تحفظات وملاحظات إلا أننا ننظر إلى الدراسة باعتبارها عطاءً فكرياً يوضح التناسق القرآني من منظور عددي بحت وليس من خلال المنظور البياني المتعارف عليه وسط علماء علوم القرآن الكريم.).

              ب ـ جُمّل:"ألفان واثنان وعشرون" = 1401 مع ملاحظة أن كلمة (اثنان) وردت في رسم المصحف هكذا: (اثنان) و (اثنن) .

              ج ـ إذا أضفنا إلى العدد 1401 جُمّل (سورة الكهف) يكون الناتج: (1401+407) = 1808 ولهذا العدد أيضاً مفاجآت كما هو في البندين التاليين(د، ﻫ).

              د ـ العام الهجري تاريخ زوال إسرائيل إن شاء الله تعالى1443 يوافق العام 2022م ، والمفاجأة هنا أنّ جُمّل: "ألف وأربعمائة وثلث وأربعون" هو (1808) مع ملاحظة أن همزة كلمة (مائة) في الجُمّل يمكن تحسب (1) على اعتبار أنها همزة، ويمكن أن تحسب (10) على اعتبار أنها ترسم على ياء، ونحن في بحوثنا كلها نلتزم اعتبارها في الجُمّل همزة وبالتالي تكون قيمتها العددية (1) ، ثم لا بد من لفت الانتباه إلى أنّ كلمة ثلاث ترسم في المصحف هكذا (ثلث) .

              ﻫ ـ المفاجأة الثانية للعدد (1808) هي أنّ جُمّل قوله تعالى:
              ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ = 1808 مع ملاحظة ما ورد في البند (د) يساوي جُمّل :"ألف وأربعمائة وثلث وأربعون" أي (1808) .
              فهل سورتي الإسراء الكهف إرهاصات لزوال دولة إسرائيل؟. الله تعالى أعلم ، فهذا الأمر خارج عن منهجية الدراسة ولكنني أحببت أن أثبت من خلالها التناسق العددي بين سور

              وأخيراً نخلص من هذا البحث إلى النتائج التالية :
              1ـ ترتيب سور القران الكريم هو توقيفي، إذ لا يعقل أن تأتي هذه البنية الرياضية مصادفة ، وإلى هذا ذهب جمهور أهل السنة والجماعة .
              2ـ عدد آيات كل سورة هو أيضاً توقيفي ، وهذا لا يعني أن الأقوال الأخرى في العدد غير صحيحة ، لإمكان احتمال الأوجه المختلفة كما في القراءات.
              3ـ ما نحن بصدده هو اكتشافات معاصرة ، وبذلك يتجلى الإعجاز القرآني بثوب جديد، ولا ننسى أن عالم العدد هو عالم الحقائق، وأن لغته هي الأكثر وضوحا والأشد جزما.
              4ـ بذلك تنهار كل المحاولات الاستشراقية التي حاولت أن تنال من مصداقية ترتيب المصحف الشريف .

              يلحظ القارئ الكريم أن القضية استقرائية وليست قضية اجتهادية ، ومن هنا لا مجال لرفضها أو إنكارها إلا باستقراء أدقّ يُثبت عدم واقعية النتائج .

              ومن هنا قد يقفز سؤال إلى ذهن القارئ الكريم في منتهى الأهمية وهو: ألا يعتبر هذا الدرس والذي قبله خارجا عن منهجية الدراسة، سيما وأن من يقرأ دراستي حول رسم القرآن والمعنونة بـ ( فتح الرحمن في رسم القرآن ) والتي تم إعدادها في تسع سنين متواصلة. يجدني قد انتحيت جانباً وأعرضت عن الخوض في مثل هذه الأمور ولم أقحمها فيها ولم أشر حتى مجرد الإشارة إليها لأنها تقلل من جدية الدراسة؟.
              وأقول:
              كنت قد عزمت على ألا أخوض بالفعل في الحديث عن هذه الأمور لولا أن قضية الإعجاز العددي افتتن بها كثيراً من الشباب الغير دارس لدينه ولقرآنه الكريم..
              ونظراً لأن علم حساب الجمل هو في الأصل من حساب اليهود ولقد سبقت الإشارة إليه في سفر الرؤية:
              [17وَأَنْ لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ، إِّلاَّ مَنْ لَهُ السِّمَةُ أَوِ اسْمُ الْوَحْشِ أَوْ عَدَدُ اسْمِهِ. 18هُنَاالْحِكْمَةُ! مَنْ لَهُ فَهْمٌ فَلْيَحْسُبْ عَدَدَ الْوَحْشِ، فَإِنَّهُ عَدَدُ إِنْسَانٍ، وَعَدَدُهُ: سِتُّمِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ.] يوحنا 13 :17، 18

              كما أنه قد ورد في سفر التكوين 17: 20 النص التالي:
              [20وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً..].

              وهو نبوءة عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بحساب الجمل كشف عنها المهتدون من علماء يهود.
              إذ أن ترجمة كَثِيرًا جِدًّا الواردة في النص باللغة العبرية هيبماد ماد، وترجمة أُمَّةً كَبِيرَةً الواردة في ذات نفس النص هي لجوي جدول . الأمر الذي جعل كتاب العهد القديم يعدلون النص في نسخة الإنترنت[
              [http://www.elkalima.comhttp://www.biblesociety.org.lb] هكذا:

              [ 20وأمَّا إسماعيلُ فسَمِعْتُ لكَ، وها أنا أبارِكُه وأُنمِّيه وأكثِّرُهُ جدُا، ويَلِدُ اَثني عشَرَ رئيسًا وأجعَلُ نَسلَه أُمَّةً عظيمةً. ] فتراهم قد حذفوا كلمة كثيرا من النص الأصلي وأبدلوا كلمة كبيرة بأخرى هي كلمة عظيمةً. لأن هذا النص سبب إحراجا كبيرا للكنيسة.
              و النص العبري:
              [ ول يشماعل شمع تيخا هبنني بتراحتي إث وهفريتي إث وهرباتي إث بماد ماد شنيم عسر نساييم ونستيو لجوي جدول].

              بماد ماد = ب ( 2 ) + م (40 ) + أ ( 1 ) + د ( 4 ) + م (40 ) + أ ( 1 ) + د ( 4 )
              = 92
              لجوي جدول = ل ( 30 ) + ج ( 3 ) + و ( 6 9 ) + ي ( 10 ) + ج ( 3 ) + د ( 4 ) + و ( 6 ) + ل ( 30 ) = 92

              محمد = م ( 40 ) + ح ( 8 ) + م ( 40 ) + د ( 4 ) = 92

              كما أن النص الوارد في إنجيل متى 11: 14 هو نبوءة عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
              [14وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا فَهَذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ. 15مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ.].

              إيلياء = إ (1) + ي (10 ) + ل ( 30 ) + ي ( 10 ) + أ (1 ) + ء (1) = 53
              أحمد = أ (1 ) + ح ( 8 ) + م ( 40 ) + د ( 4 ) = 53

              والتعليق على النص السابق نأخذه من نفس النص:[ 15مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ.]

              وللاستزادة حول هذا الموضوع اقرءوا كتابي صيحة الحق
              http://www.4shared.com/file/19020799...0/_-_.html

              كما أنه كانت قد ظهرت في ثمانينات القرن الماضي دراسات رشاد خليفة (بهائي العقيدة) حول علم حساب الجمل وعلاقة الرقم 19 بنظم القرآن الكريم ، الأمر الذي جعل الكثير من شباب الأمة وعلمائها يفتتنون بالدراسة المذكورة و لم يتنبه الكل إلى السم الموضوع في العسل حتى كشفت النقاب عنه الدكتورة بنت الشاطئ رحمها الله، وأصدرت كتابها " قراءة في وثائق البهائية " بعد أن كان مقالات يومية في صحيفة الأهرام القاهرية والتي نالت عنه جائزة الملك فيصل .
              لهذا كله وجدت نفسي أتناول الموضوع من هذه الزاوية حتى لا أهمل جانباً تناولته الأقلام بين مؤيد ومعارض.
              اسأل الله الهدية والتوفيق.
              والحديث موصول بإذن الله تعالى.
              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:36 ص.

              تعليق


              • #52
                من صور الإعجاز القرآني



                أولا: أسلوب الخطاب للعرب


                لقد تحدى الله سبحانه وتعالى أهل الفصاحة في آيات كثيرة أن يأتوا بمثله أو بعضه، وسلك في ذلك طريقاً كأنها قضية من قضايا التاريخ، فحكمة هذا التحدي وذكره في القرآن الكريم ـ ولم يأت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في صورة حديث, بل في صورة آيات تتلى ـ إنما هي أن يشهد التاريخ في كل عصر بعجز العرب عنه وهم الفصحاء اللُسنْ والخطباء اللُدْ, وهم كانوا في العهد الذي لم يكن للغتهم خيرٌ منه ولا خير منهم في الطبع والقوة, فكانوا مظنة المعارضة والقدرة عليها, فالإعجاز كائن في رصف القرآن الكريم ونظمه وبيانه بلسان عربي مبين, بالإضافة إلى أنه لم يكن لتحديهم به معنى إلا أن تجتمع لهم وللغتهم صفات بعينها.
                أولها: أن اللغة التي نزل بها القرآن الكريم تحتمل هذا القدر الهائل من المفارقة بين كلامين, كلام هو كلامهم وكلام هو كلام الله عز وجل.
                ثانيها: أن أهلها قادرون على إدراك هذا الحاجز الفاصل بين الكلامين، وهذا إدراك دال على أنهم قد أوتوا من لطف تذوق البيان ومن العلم بأسراره ووجوهه قدرا وافراً يصح معه أن يتحداهم بهذا القرآن وان يطالبهم بالشهادة عند سماعه وأن تاليه عليهم نبي مرسل من عند الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم عاش إلى سن الأربعين وما عُرف عنه أنه كان يقرض الشعر ولم تكن له مثلاً بلاغة ( قس بن ساعدة ) أو ( أكثم بن صيفي )، ولم يثبت عليه على مدي سني عمره أنه قال شعراً، بل من المعروف أن كل شاعر من الشعراء قد تخصص في لون معين من الشعر لا يجيده غيره حتى أنهم قالوا: إن شعر امرئ ألقيس يحسن عند الطرب وذكر النساء ووصف الخيل، وشعر نابغة الذبياني يحسن عند الخوف, وشعر الأعشى عند الطلب ووصف الخمر، وشعر زهير عند الرغبة والرجاء, وهكذا, فكل شاعر يحسن كلامه في فن معين فإن كلامه يضعف في غير هذا الفن, والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن طوال الأربعين سنة له علاقة بهذه الدوائر أو ذلك المجال, وهكذا كانت مفاجأة السماء, لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يختار رجلاً لم يُعرف عنه التفوق في لغته وإن اشتهر بكل صفات الخلق الطيب, اختار الله جل علاه محمداً صلى الله عليه وسلم لتنزل عليه الرسالة التي يتحدى بها أكبر أهل عصره بلاغة رغم أنه لم يشهد له أحد أو عنه قبل الرسالة بأي شيء من البلاغة, لقد أُعطِىَ البلاغة وجوامع الكلم بعد ذلك, والقرآن الكريم يحسم هذه المسألة في أكثر من موضع .
                ﭧ ﭨ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮏ ﮐ ﮑ العنكبوت: ٤٨

                إن الوحي الرباني يخاطب المعاندين على الرسالة فيقول لهم قل يا محمد إنني قد عشت بينكم أربعين عاماً لم أقل شعراً ولم ألق خطباً ولم أشارك في مجالس البلاغة, ألا تعقلون أن ما أقوله ليس من عندي ولكنه من وحي الخالق الذي لو شاء ما عرفتم بهذا الوحي.
                ﭧ ﭨ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮏ ﮐ ﮑ [يونس: ١٦]

                وﭧ ﭨ ﭑ ﭒ ﭓ[الفتح: ٢٩]....
                الذي تعرفونه...
                فأي تحد أكثر من هذا.. ...بصفاته عندكم ... ﭓﭔ.
                مرة أخرى:
                ﭧ ﭨ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮄ ﮅ ﮆ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮏ ﮐ ﮑ [يونس: ١٦]

                والذي يقرأ أي كلام بليغ منثور لأي كاتب ثم جاء هذا الكاتب فاستشهد ببيت من الشعر في كلامه ثم عاد إلى النثر من جديد، فإن الأذن والذوق لا يخطئان هذا الانتقال، وهذه العودة خصوصاً طبقة الشعراء الذين جبل كلامهم على الأوزان والتفاعيل أو ما يعرف بالميزان الشعري ، فمثلاً في رسالة ( ابن زيدون ) الشهيرة والتي يستعطف فيها الوزير( ابن جَهْور) والتي يقول فيها: " ما هذا الذنب الذي لم يسعه عفوك ، والجهل الذي لم يأت من وراءه حلمك، والتطاول الذي لم تستغرقه تطولك، والتحمل الذي لم يف به احتمالك ولا أخلو من أن أكون بريئاً فأين العدل؟ أو مسيئاً فأين الفضل؟ .
                إلا يكن ذنب فعدلك أوسع أو كان لي فضل ففضلك أوسع
                حنانيك..... فقد بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي وكفى ..." .
                هنا وفي هذا النص نلتفت إلى أننا قد انتقلنا من النثر إلى الشعر في كلام هو في غاية البلاغة والفصاحة والانسجام وندرك هذا الانتقال ببساطة شديدة، ولكننا حينما نقرأ القرآن الكريم والذي فيه آيات على أوزان الشعر لا نحس أبداً بالانتقال من النثر إلى الشعر والعودة إلى النثر مرة أخرى لأن القرآن الكريم ليس شعراً على رصف الشعر وليس نثراً على رصف النثر, ولكنه نسيج وحده ، ولنأخذ على سبيل المثال الآيات 45ـ 52 من سورة الحجر فهذه الآيات الكريمة بها آيات على وزن الشعر وبها آيات على وزن النثر الخالص ولكن القارئ أو المستمع لا يحس بالانتقال من نثر إلى شعر ثم العودة إلى النثر مرة أخرى، كما لاحظنا في النص السابق من رسالة ابن زيدون، ولا يستطيع إدراك ذلك إلا من عنده ملكة الشعر بالفطرة، أو الدارس للميزان الشعري .
                ولنتناول الآيات البينات من سورة الحجر45ـ 52:
                ﭧ ﭨ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ [الحجر: ٤٥ - ٥٢]

                في هذا النص الكريم نجد انتقال من النثر إلى الشعر وعودة من الشعر إلى النثر مرة أخرى, ولكن القارئ أو المستمع إلى القرآن الكريم لا يحس بهذا الانتقال من فن مرسل من الكلام إلى فن مقيد بالوزن الشعري والعودة مرة أخرى إلى الفن المرسل، ولننظر في قوله تعالى في هذه الآيات : ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ .
                إننا هنا أمام شعر من الممكن معرفة وزنه العروضي وهو بحر المجتث ( مستفعلن فاعلات ... مستفعلن فاعلات ) ومع ذلك لا تحس الأذن بهذا الانتقال من النثر إلى الشعر ثم العودة مرة أخرى، وهذا كثير جداً في القرآن جمعه العلامة عباس محمود العقاد في كتابه اللغة الشاعرة.ولا يعرف هذا كله إلا من كان له إمام بهذا الفن, والسؤال الآن هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك؟ إن التاريخ ينفي ذلك تماماً.
                ثالثاً: أن البيان كان في أنفسهم أجلّ من أن يخونوا الأمانة أو يجوروا عن الإنصاف في الحكم عليه، فلقد قرعهم وعيّرهم وسفه أحلامهم وأديانهم حتى استخرج أقصى الضراوة في عداوتهم له , وظل مع ذلك يتحداهم، فنهتهم أمانتهم على البيان عن معارضته ومناقضته.
                أما الطريقة التي سلكها إلى ذلك فهي أن التحدي كان مقصوراً على طلب المعارضة بمثل القرآن، ففي يونس 38:
                ﭧ ﭨ ﮱ ﯓ ﯔ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ [يونس: ٣٨]
                ثم بعشر سور مثله مفتريات ـ مختلفات ـ لا يلتزمون فيها الحكمة ولا الحقيقة، وليس إلا النظم والأسلوب، وهم أهل اللغة ولن تضيق أساطيرهم وعلومهم أن تسعها عشر سور ففي هود13:
                ﭧ ﭨ ﭑ ﭒ ﭓ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ [هود: ١٣]
                ثم قرن التحدي بالتأنيب والتقريع ثم استفزهم بعد ذلك جملة واحدة:
                ﭧ ﭨ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰃ ﰄ ﰅ [البقرة: ٢٣ - ٢٤]

                فقطع لهم أنهم لن يفعلوا, وهي كلمة يستحيل أن تصدر من عربي إطلاقاً، لا يقولها عربي في العرب أبداً, وقد سمعوها واستقرت فيهم ودارت على ألسنتهم، وعرفوا أنها تنفي عنهم الدهر نفياً, وأنها تعجزهم آخر الأبد، فما فعلوا ولا طمعوا قط أن يفعلوا، بل إنه قد بالغ في اهتياجهم واستفزازهم ليثبت أن القدرة فيهم على المعارضة كقدرة الميت على أعمال الحياة، لن تكون ولن تقع، فقال لهم [ﯺ ﯻ ].

                وهذا التحدي يمكننا أن نستخرج منه تسعة حقائق ألا وهي:



                الحقيقة الأولى: أن قليل القرآن الكريم وكثيره في شأن الإعجاز سواء.

                الحقيقة الثانية: أن الإعجاز كان في بيان القرآن الكريم ونظمه ومبانيه.

                الحقيقة الثالثة: أن الذين تحداهم بهذا القرآن قد أُتوا القدرة على الفصل بين الذي هو كلام الله عز وجل و كلام البشر.

                الحقيقة الرابعة: أن الذين تحداهم به كانوا يدركون أن ما طُلِبوا به من الإتيان بمثله أو بعشر سور مثله مختلفات, هو هذا الضرب من البيان الذي يجدون في أنفسهم أنه خارج عن بيان البشر.

                الحقيقة الخامسة: أن هذا التحدي لم يقصد به الإتيان بمثله مطابقاً لمعانيه، بل أن يأتوا بما يستطيعون افتراءه واختلاقه من كل معنى أو غرض مما يعتلج في نفوس البشر.
                الحقيقة السادسة: أن هذا التحدي للثقلين جميعهم، انسهم وجنهم متظاهرين وهو تحد مستمر قائم إلى يوم الدين.
                الحقيقة السابعة:أن ما في القرآن الكريم من مكنون الغيب ومن دقائق التشريع ومن عجائب آيات الله في خلقه, كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز, وإن كان ما فيه من ذلك كله ليعد دليلاً على أنه من عند الله جل وعلا.

                الحقيقة الثامنة :نفهم من طبيعة هذا التحدي أن محمد بن عبد الله رسول الله إلى الناس كافة:
                يقول سبحانه وتعالى في سورة سبأ:ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ [سبأ: ٢٨]
                ويقولالله سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء:
                ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ [الأنبياء: ١٠٧]

                وإشعيا يطالب بتسبيح الرب تسبيحاًجديدا:
                [10غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا المنحدر ون فِي الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا.]..وهذا مالا ينطبق إلا على أمة الإسلام فنحن أكثر أهل الأرض تسبيحاً لله ولمتسبقنا أمة في أن يكون التسبيح لله فرضاً عليها كل يوم أكثر من مائة مرة في الصلوات الخمس وهذا في الفرائض فقط من الصلوات ويليها تسبيحالله عز وجلأكثر من ثلاثة وثلاثين مرة بعد كل صلاةهذا فقط في الفرائض ولم أقل في السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم وهذا تسبيح جديد لم تسبقنا به أمة من الأمم.
                ويأمرنا الله عز وجل ويأمرنبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن بالتسبيح فيقول سبحانه في الطورﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ [الطور: ٤٨ - ٤٩]

                ويقول سبحانه وتعالى في سورة طه:
                ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ [طه: ١٣٠[/font]
                ويقول عز وجل في سورة الحجر:
                ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ [الحجر: ٩٨ - ٩٩]

                ويقول سبحانه وتعالى في سورة الفرقان:
                ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ [الفرقان: ٥٨]
                وهناك العشرات من الآيات في القرآن تأمرنا بالتسبيح فظهر يقيناً أنه لا أمة أمرت بالتسبيح كما أمرنا نحن ولم يفرض على أمة تسبيحاً جديداً غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
                التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:36 ص.

                تعليق


                • #53
                  الحقيقة التاسعة: موجودة في آية التحدي الكبرى:

                  ﭧ ﭨ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰃ ﰄ ﰅ [البقرة: ٢٣ – ٢٤]
                  ما هو المقصود بقوله تعالي الواردة في النص السابق؟.
                  من المهم جداً أن نذكر النبوءة الواردة في إشعياء 42/1-21:

                  الإصْحَاحُ الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ


                  [ 1هُوَذَا عَبْدِي הן עבדי الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ].
                  التعليق على النص السابق:


                  فمن هو المقصود بهذه النبوءة؟.والموجود في النص:[1«هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ.].


                  إن المدقق في لفظ عَبْدِيעבדי هكذا مجرداً لابد وأن ينصرف الذهن إلى شخص واحد محدد هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه من المألوف عند وصف أي نبي من الأنبياء بصفة العبودية لابد وأن يذكر اسمه بعدها إلا محمد عليه الصلاة والسلام:
                  يقول سبحانه وتعالى في سورة ص/17:
                  ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭘ ﭙ ﭛ ﭜ ﭝ [ص: ١٧]
                  ويقول سبحانه وتعالى في ص:ﯿ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ص: ٤١]
                  ويقول سبحانه وتعالى في مريم: ﭓ ﭔ مريم: ٢
                  كما أنه قد ورد نفس الشيء في الكتاب المقدس:

                  لقد ورد في أخبار 6/49 [وَأَمَّا هَارُونُ وَبَنُوهُ فَكَانُوا يُوقِدُونَ عَلَىمَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ وَعَلَى مَذْبَحِ الْبَخُورِ مَعَ كُلِّ عَمَلِ قُدْسِالأَقْدَاسِ, وَلِلتَّكْفِيرِ عَنْ إِسْرَائِيلَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى عَبْدُاللَّهِ].

                  والنص العبري هكذا:
                  وفي دانيال فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى الْجُبِّ نَادَى دَانِيآلَ بِصَوْتٍ أَسِيفٍ: يَادَانِيآلُ عَبْدَاللَّهِالْحَيِّ هَلْ إِلَهُكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِماً قَدِرَعَلَى أَنْ يُنَجِّيَكَ مِنَ الأُسُودِ؟].

                  وهكذا في سائر القرآن الكريم إلا الحديث عن النبي الخاتم لا يذكر اسمه أبداً:
                  ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ [البقرة: ٢٣]


                  ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ الأنفال: ٤١


                  ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ [القمر: ٩]


                  ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ[الكهف: ١]


                  ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯚ ﯛ ﯜ [الفرقان: ١]


                  ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ [الزمر: ٣٦]


                  ﭼ ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ [النجم: ١٠]


                  ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ [الحديد: ٩]

                  ما هو المقصود بـ مُوسَى عَبْدُاللَّهِ].الواردة في النص التالي:
                  أخبار 6/49[ وَأَمَّا هَارُونُ وَبَنُوهُ فَكَانُوا يُوقِدُونَ عَلَى مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ وَعَلَى مَذْبَحِ الْبَخُورِ مَعَ كُلِّ عَمَلِ قُدْسِ الأَقْدَاسِ, وَلِلتَّكْفِيرِ عَنْ إِسْرَائِيلَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى عَبْدُاللَّهِ].

                  لقد قالوا في شرحهم، أن المقصود بـ [عَبْدُاللَّهِ]، أي خادم الله.في حين أن النص الأصلي العبري يصفه بالعبودية الصريحة :
                  [ فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى الْجُبِّ نَادَى دَانِيآلَ بِصَوْتٍ أَسِيفٍ: يَادَانِيآلُ عَبْدَاللَّهِ الْحَيِّ هَلْ إِلَهُكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِماً قَدِرَعَلَى أَنْ يُنَجِّيَكَ مِنَ الأُسُودِ؟].
                  المشكلة إن معتقد النصراني دائما يضعه في مواقف محرجة والغريب في الموضوع أن الكلمة لو كانت تعني خادم لا أكثر فلها بديل في العبرية وهذا ما يجهله كل نصراني غير متخصص.
                  فانظر مثلا يشوع خادم موسى كما هو في خروج 24/13 [فَقَامَ مُوسَى وَيَشُوعُ خَادِمُهُ وَصَعِدَ مُوسَى الَى جَبَلِ اللهِ.].
                  وأكبر دليل على أن الكلمة تعني عبد هو النص التالي[يشوع 1/1[وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى عَبْدِ الرَّبِّ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لِيَشُوعَ بْنِ نُونٍ خَادِمِ مُوسَى].

                  هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ

                  فلماذا يذكر النبي محمد بدون ذكر اسمه؟ .

                  الإجابة ببساطة شديدة جاءت في قوله تعالى في سورة البقرة:
                  ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ [البقرة: ١٤٦ – ١٤٧t]
                  التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:36 ص.

                  تعليق


                  • #54
                    ثانياً: قضية الإعجاز و البلاغة


                    نأخذ كلمة . الموجودة في عموم القرآن الكريم نجدها مكتوبة بالتاء المفتوحة .
                    لماذا كتبت بهذه الصورة ولم تكتب بالتاء المربوطة.؟.والمدقق في رسم القرآن الكريم يجدها تكون مضافة وبعدها مضاف إليه هو زوجها، كما هو الحال في يوسف و آل عمران والقصص والتحريم وذلك على النحو التالي:
                    ﭧ ﭨ ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰅ ﰆ ﰇ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ [يوسف: ٣٠]

                    ﭧ ﭨ ﭽ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ [يوسف: ٥١]
                    ﭧ ﭨ ﭽ ﮡ ﮢ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ [آل عمران: ٣٥]
                    ﭧ ﭨ ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ القصص: ٩

                    ﭧ ﭨ ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ [التحريم: ١٠ - ١٢]
                    نلاحظ هنا أن (امرأة) وردت في سبعة مواضع وكلها رسمت بالتاء المفتوحة وهي في خمس من النساء : امرأت عمران , امرأت العزيز , امرأت فرعون امرأت نوح وامرأت لوط ، يقول الإمام الحافظ بدر الدين محمد الزركشي في كتابه " البرهان في علوم القرآن " تعليقاً على التاء المفتوحة بقوله :
                    (كلها ممدودة تنبيهاً على فعل التَبعُّل والصحبة وشدة المواصلة والمخالطة والائتلاف في الموجود والمحسوس ..وأربع منهن منفصلات في بواطن أمرهن عن بعولتهن بأعمالهن .. وواحدة خاصة واصلت بعلها باطناً وظاهراً وهي امرأت عمران فجعل الله لها ذرية طيبة , وأكرمها بذلك وفضلها على العالمين .. وواحدة من الأربع انفصلت بباطنها عن بعلها طاعة لله , وتوكلاً عليه وخوفاً منه , فنجاها وأكرمها وهي امرأت فرعون .. واثنتان منهن انفصلتا عن أزواجهما كفراً بالله فأهلكهما الله ودمرهما , ولم ينتفعا بالوصلة الظاهرة مع أنها أقرب وصلة بأفضل أحباب الله سبحانه وتعالى كما لم تضرّ امرأت فرعون وصلتُها الظاهرة بأخبث عبيد الله ،وواحدة انفصلت عن بعلها بالباطن إتباعا للهوى وشهوة نفسها , فلم تبلغ من ذلك مرادها , مع تمكنها من الدنيا واستيلائها على من مالت إليه بحبها وهو في بيتها وقبضتها , فلم يغنِ ذلك عنها شيئا , فهذه كلُّها عبر وقعت بالفعل في الوجود في شأن كل امرأة منهن , فلذلك مدت تاءاتهن ).
                    أما إذا جاءت امرأة منكرة وغير مضافة تكتب بالتاء المربوطة (الهاء) كما هو الحال في قولـه تعالى في سورة الأحزاب آية 50 والنساء آية 128 على النحو التالي :

                    ﭧ ﭨ ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ [الأحزاب: ٥٠]

                    ﭧ ﭨ ﭽ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭡ ﭢ ﭤ ﭥ ﭦ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ [النساء: ١٢٨]

                    وهناك ملاحظة أخرى بخلاف ما قاله الإمام الزركشي تتعلق بالتاء المفتوحة والخاصة بالمرأة ، فالله سبحانه وتعالى حينما ذكر امرأت العزيز وفرعون ولوط ونوح لم يقل زوجة العزيز وفرعون ولوط ونوح, والسر في ذلك والله تعالى أعلم بمراده هو أنه لكي يتعين على المرأة أن تحصل على لقب زوجة أن يشترط فيها شروط أربع :
                    وهي السكن ، والمودة ، والرحمة ، والذرية .
                    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:35 ص.

                    تعليق


                    • #55
                      أولا:[شروط السكن و المودة والرحمة ]



                      ﭧ ﭨ ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ [الروم: ٢١]


                      ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ [الممتحنة: ١]

                      فامرأت نوح وامرات لوط وفرعون والعزيز انعدمت المودة بينهن وأزواجهن فكل منهن امرأة وليست زوجة .

                      ثانياً:[شرط الذرية]



                      ﭧ ﭨ ﭽ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ النحل: ٧٢



                      فالذرية شرط أساسي لكي تحصل المرأة على لقب زوجة , ولك أن تتأمل قوله تعالى في سورة القصص على لسان امرأت فرعون والتي حرمت من النسل :
                      ﭧ ﭨ ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ [القصص: ٩]

                      وقبل أن تلد زوجة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وتصيح صيحة الدهشة بعد أن بشرتها الملائكة بأنها ستلد غلاماً اسمه إسحاق وأنها ستعيش حتى ترى حفيدها منه واسمه يعقوب , فهذه ذرية وحفدة , فتأمل قوله تعالى في سورة هود آية 72 حيث وصفها الله بأنها امرأت إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام :

                      ﭧ ﭨ ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ[هود: ٧٠ - ٧١]

                      ونقرأ قوله سبحانه وتعالى حكاية عن سيدنا زكريا عليه السلام في سورة مريم 8:
                      ﭧ ﭨ ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ [مريم: ٨].
                      وبعد أن استجاب الله سبحانه وتعالى لدعائه ووهب له يحي أخذت امرأته لقب زوجة.


                      ﭧ ﭨ ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ [الأنبياء: ٩٠].فشرط الذرية والمودة هما الباعثان على الرحمة والسكن.
                      ويستثنى من هذا كله زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لقوله في سورة الأحزاب :

                      ﭧ ﭨ ﭽ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ [الأحزاب: ٣٢]
                      ولأنهن لسن كأحد من النساء أفرد الله لهن هذا الخطاب في سورة الأحزاب الآيات30:

                      ﭧ ﭨ ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ [الأحزاب: ]
                      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:35 ص.

                      تعليق


                      • #56
                        ثالثاً:الإعجاز النفسي


                        نكتفي بنموذج واحد فقط من نماذج متعددة:
                        في سورة آل عمران ترد هذه الآيات :
                        ﭧ ﭨ ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭒ ﭓ ﭔ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ [آل عمران: ٣٧ - ٣٨]
                        المشهد هو مريم منقطعة للعبادة فى المحراب، وزكريا لا يفتأ يدخل عليها يتفقد أحوالها، فهو كفيلها المسئول عن تربيتها ورعايتها، فيجد عندها رزقا متجددا فيسألها:
                        من أين لها هذا وهى لا تبارح المكان ولا تسعى على الرزق، فتجيبه فى براءة وبساطة :
                        ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ
                        فتجيش نفس زكريا بمشاعر هائلة، وهو يرى الفيض الإلهي يفيض على مريم، وهى الطفلة التي لا حول لها ولا طول. فيشتاق.. يشتاق إلى الذرية، ولم يكن قد رزق بالولد بعد، ويشتاق إلى أن يفيض الله عليه من نعمائه كما أفاض على هذه الطفلة الصغيرة التي كلفه الله برعايتها.. . دعا زكريا ربه00
                        . .. ما دلالة اللام فى هنالك؟!.
                        إن اللغويين والبلاغيين يقولون إنها تعبر عن البعد. فالشيء يشار له بكلمة (هنا)،إذا كان حاضرا قريبا تدركه العين أو اليد لقربه.
                        ويشار إليه بكلمة (هناك) إذا كان بعيداً عن متناول اليد..
                        ثم إذا اشتد بعده يشار إليه بكلمة بزيادة اللام لتعطى مزيدا من البعد..

                        فأين البعد هنا ؟
                        هذا هو المحراب، وهذه هي مريم، كلاهما حاضر قريب. وهذا هو زكريا معها فى نفس المكان00
                        لا بعد فى المكان، ولا بعد فى الزمان....إنما البعد في أغوار النفس !.
                        في أعماق نفس زكريا تحرك الشوق.. الشوق إلى الذرية. والشوق إلى الفيض الإلهي الذي يفيض بالخير، وبالرحمة وبالعطاء، وبالرضوان..
                        هل تحس مدى العمق في المشهد .. العمق الواغل في أعماق النفس؟.

                        رابعاً: الإعجاز الغيبي



                        وينقسم الإعجاز الغيبي إلى مستقبلي وتاريخي:
                        الإعجاز الغيبي المستقبلي:
                        هناك العديد من الآيات القرآنيّة التي تتحدث عن الغيب المستقبلي، منها غيوب تتعلق بزمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخرى تتعلق بعصور مستقبليّة مختلفة. وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
                        1ـ نزل القرآن الكريم على مدى 23 سنة هي عمر الرسالة الإسلاميّة. ومن يقرأ السور المكيّة، التي نزلت في بداية الدعوة، يُدهش من كثرة الآيات التي تؤكد حتميّة اكتمال الرسالة، وانتصار الإسلام على كل القوى التي كانت تقف في وجهه.

                        2ـ سورة الروم هي سورة مكيّة، ومعلوم أنّ الهجرة النبوية كانت سنة 622 ﻫ، وتستهل السورة بالحديث عن هزيمة الرومان الشرقيين أمام الفرس، وقد تمّ ذلك بالكامل سنة 619م. وهذا يعني أنّ السورة قد نزلت في حدود 619، 620م. وتُقرّر السورة في مستهلها هذه الحقيقة:
                        ﭧ ﭨ ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯬ ﯭ ﯮ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭑ ﭒ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ [الروم: ١ - ٦]

                        في الآيات ثلاث نبوءات:
                        ويلفت انتباهك أنّ الآيات لم تقتصر على إعلان حقيقة تاريخيّة بل وأخبرت عن المستقبل.

                        1ـ أنّ الإمبراطوريّة المغلوبة والمنهزمة ستستعيد قوتها وتهزم إمبراطوريّة الفرس المنتصرة. ومن غير المألوف أن نتوقع هزيمة القوي الغالب، وعلى وجه الخصوص عندما تكون المعارك بين دول عُظمى. وقد جاءت هزيمة الروم بعد سنوات طويلة من معارك استمرت على مدى عشر سنوات وانتهت بهزيمة نكراء للروم. وينص التاريخ الغربي على أنّ الهزيمة كانت ساحقة إلى درجة أنّ هرقل قد فكّر في الهروب عبر البحر، ولم يتوقع أحد أن تقوم للروم قائمة لمئات السنين، وقد وجدنا من المستشرقين من يَعجب ويُدهش من جزم القرآن بانتصار الروم على الرُّغم من الظروف الموضوعيّة التي لا تسمح بتصور ذلك.

                        2ـ سيكون هذا الانتصار في مدّة زمنيّة محددة:ﯚ ﯛ ﯜ، والبِضع في اللغة العربية من ثلاثة إلى تسعة، وهذا يعني أنّ زمن الانتصار لن يكون قبل ثلاث سنوات من نزول السورة، ولن يزيد على تسع سنوات. وعندما نعلم أنّ أول معركة فاصلة بين الروم والفرس كانت سنة 623م ندرك أنّ الانتصار لم يحصل قبل مضي ثلاث سنوات. وعندما نعلم أنّ نهاية المعارك بالكامل كان سنة 629م، ندرك أنّ مدى استمرار الحرب لم يتعد تسع سنوات من وقت نزول سورة الروم.

                        3ـ في الوقت الذي سينتصر فيه الروم على الفرس سيكون النصر للمسلمين أيضاً على أعدائهم، وسيفرحون بنصر الله لهم: ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ.. وقد جاء في السيرة أنّه بينما كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، راجعاً من غزوة بدر منتصراً جاءته أخبار انتصار الروم على الفُرس وكانت الغزوة في 17رمضان عام 2هجرية الموافق 624 للميلاد. ومعلوم أنّ ظروف المسلمين في المرحلة المكيّة، عند نزول السورة، لم تكن تُرهص بمثل هذا الأمر، وعلى الرُّغم من ذلك فقد جاءت الكلمات الخاتمة لآيات النبوءة جازمة وحاسمة: ﭑ ﭒ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ [الروم: ٦]

                        وفي الآية الكريمة إعجاز آخر:
                        قال الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابه الإعجاز العلمي في القرآن :
                        التقيت مع واحد من أساتذة علوم الجيولوجيا في أمريكا اسمه البروفيسور - بالما - وهو من كبار علماء الجيولوجيا في أمريكا جاء في زيارة ، جاء ومعه نموذج للكرة الأرضية بها تفاصيل الارتفاعات والانخفاضات وأعماق البحار وكم طول الارتفاع وكم عمقه كله مبين في التضاريس بالمتر محسوب ... فلما جلس قلت له : عندنا عبارة في القرآن .. آية في القرآن تقول بأن منطقة بيت المقدس - حيث دارت المعركة - هي أخفض منطقة في العالم.. في أدنى الأرض .. لأن لفظ أدنى لفظ مشتق تأتي بمعنيين بمعنى الأقرب ومعنى الأخفض .
                        فقلت له : الله عز وجل يقول :ﮰ ﮱ ﯓ.
                        لكن لما عرف العالم الأمريكي أنها من القرآن قال: ليست أخفض الأرض, فيه منخفضات موجودة في هولندا, وتحت مستوى البحر ومنخفضات كذا, وأخذ يتذكر أخفض المناطق في العالم. قلت له : أنا متأكد مما أقول ..
                        استغرب الرجل وأنا أقول : أنا متأكد مما أقول .. هذه الكرة الأرضية التي فيها الارتفاعات والانخفاضات أدارها بسرعة فلما أدارها على منطقة بيت المقدس والمنطقة حولها وجد سهما طويلا خارجا من المنطقة ومكتوب بخط واضح أخفض منطقة في العالم ! فلما رآها قال : صحيح ! صحيح ! الأمر كما قلت.. إنها أخفض منطقة في الأرض..

                        فهذا القرآن الكريم نزل بعلم الذي أحاط بكل شيء علما- سبحانه وتعالى.


                        الإعجاز الغيبي في الماضي (التاريخي):



                        هناك العديد من الآيات القرآنيّة التي تحدثت عن الماضي التاريخي، وقد كان المسلمون في الماضي يأخذون ذلك مسلمات قرآنيّة، ولكنّهم لم يكونوا قادرين على إثبات مصِداقيّتها عن طريق البحث العلمي. وعندما حصل الانفجار المعرفي، في القرون الأخيرة، وتطورت مناهج ووسائل البحث التاريخي، وجدنا ذلك ينعكس إيجابياً على الدراسات المتعلقة بالقرآن الكريم.

                        قصة غرق فرعون :
                        ﭧ ﭨ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ [يونس: ٩٢]
                        وفعلا فإن جثمان الفرعون رمسيس الثاني اكتشفه عالم الآثار لوريت عام 1898 م محنطا في وادي الملوك . وبعد نقل الجثة إلى القاهرة، وفحصها وضعت في متحف القاهرة بعد أن كشف الرأس والعنق، وما زالت حتى الآن.
                        فكيف عرف النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرعون رمسيس الثاني أخرجت جثته من البحر وأنقذت من الغرق ، مع أن هذا الأمر لم يعرف إلا بعد ألف وثلاث مئة عام تقريبا من نزول القرآن الكريم . ومن منتدى البحوث القرآنية أنقل لكم قصة إسلام الطبيب الفرنسي موريس بوكاوي بقلم الدكتور يحيى الغوثاني مدير المنتدى ..قال:
                        عندما تسلم الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران زمام الحكم في فرنسا عام 1981 طلبت فرنسا من مصر في نهاية الثمانينات استضافة مومياء فرعون لإجراء اختبارات وفحوصات أثرية .. فتم نقل جثمان أشهر طاغوت عرفته الأرض .. وهناك عند سلم الطائرة اصطف الرئيس الفرنسي منحنياً هو ووزراؤه وكبار المسئولين الفرنسيين ليستقبلوا فرعون
                        وعندما انتهت مراسم الاستقبال الملكي لفرعون على أرض فرنسا .. حُملت مومياء الطاغوت بموكب لا يقل حفاوة عن استقباله وتم نقله إلى جناح خاص في مركز الآثار الفرنسي ليبدأ بعدها أكبر علماء الآثار في فرنسا وأطباء الجراحة والتشريح دراسة تلك المومياء واكتشاف أسرارها ، وكان رئيس الجراحين والمسئول الأول عن دراسة هذه المومياء هو البروفيسور موريس بوكاي كان المعالجون مهتمين بترميم المومياء ، بينما كان اهتمام موريس هو محاولة أن يكتشف كيف مات هذا الملك الفرعوني ، وفي ساعة متأخرة من الليل ظهرت النتائج النهائية .. لقد كانت بقايا الملح العالق في جسده أكبر دليل على أنه مات غريقا، وأن جثته استخرجت من البحر بعد غرقه فورا، ثم أسرعوا بتحنيط جثته لينجو بدنه.
                        لكن أمراً غريباً مازال يحيره وهو كيف بقيت هذه الجثة أكثر سلامة من غيرها رغم أنها استُخرجت من البحر ! كان موريس بوكاي يعد تقريراً نهائيا عما كان يعتقده اكتشافاً جديداً في انتشال جثة فرعون من البحر وتحنيطها بعد غرقه مباشرة ، حتى همس أحدهم في أذنه قائلا : لا تتعجل .. فإن المسلمين يتحدثون عن غرق هذه المومياء .
                        ولكنه استنكر بشدة هذا الخبر واستغربه ، فمثل هذا الاكتشاف لا يمكن معرفته إلا بتطور العلم الحديث وعبر أجهزة حاسوبية حديثة بالغة الدقة ، فقال له أحدهم إن قرآنهم الذي يؤمنون به يروي قصة عن غرقه وعن سلامة جثته بعد الغرق ، فازداد ذهولا وأخذ يتساءل .. كيف هذا وهذه المومياء لم تُكتشف إلا في عام 1898، أي قبل مائتي عام تقريبا، بينما قرآنهم موجود قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام؟ وكيف يستقيم في العقل هذا، والبشرية جمعاء وليس العرب فقط لم يكونوا يعلمون شيئا عن قيام قدماء المصريين بتحنيط جثث الفراعنة إلا قبل عقود قليلة من الزمان فقط؟
                        جلس موريس بوكاي ليلته محدقا بجثمان فرعون يفكر بإمعان عما همس به صاحبه له من أن قرآن المسلمين يتحدث عن نجاة هذه الجثة بعد الغرق .. بينما كتابهم المقدس يتحدث عن غرق فرعون أثناء مطاردته لسيدنا موسى عليه السلام دون أن يتعرض لمصير جثمانه.. وأخذ يقول في نفسه: هل يُعقل أن يكون هذا المحنط أمامي هو فرعون الذي كان يطارد موسى؟ وهل يعقل أن يعرف محمدهم هذا قبل أكثر من ألف عام؟
                        لم يستطع موريس أن ينام ، وطلب أن يأتوا له بالتوراة ، فأخذ يقرأ في التوراة قوله : فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر لم يبق منهم ولا واحد .. وبقي موريس بوكاي حائراً .. فحتى الإنجيل لم يتحدث عن نجاة هذه الجثة وبقائها سليمة
                        بعد أن تمت معالجة جثمان فرعون وترميمه أعادت فرنسا لمصر المومياء ، ولكن موريس لم يهنأ له قرار ولم يهدأ له بال منذ أن هزه الخبر الذي يتناقله المسلمون عن سلامة هذه الجثة ، فحزم أمتعته وقرر السفر لبلاد المسلمين لمقابلة عدد من علماء التشريح المسلمين
                        وهناك كان أول حديث تحدثه معهم عما اكتشفه من نجاة جثة فرعون بعد الغرق .. فقام أحدهم وفتح له المصحف وأخذ يقرأ له قوله سبحانه وتعالىﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ [يونس: ٩٢]
                        لقد كان وقع الآية عليه شديدا.. ورجت له نفسه رجة جعلته يقف أمام الحضور ويصرخ بأعلى صوته : لقد دخلت الإسلام وآمنت بهذا القرآن.
                        رجع موريس بوكاي إلى فرنسا بغير الوجه الذي ذهب به .. وهناك مكث عشر سنوات ليس لديه شغل يشغله سوى دراسة مدى تطابق الحقائق العلمية والمكتشفة حديثا مع القرآن الكريم ، والبحث عن تناقض علمي واحد مما يتحدث به القرآن ليخرج بعدها بنتيجة قوله تعالى في سورة فصلت 42:
                        ﭧ ﭨ ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ [فصلت: ٤٢]
                        كان من أثر هذه السنوات التي قضاها الفرنسي موريس أن خرج بتأليف كتاب عن القرآن الكريم هز الدول الغربية قاطبة ورج علماءها رجا ، لقد كان عنوان الكتاب : القرآن والتوراة والإنجيل والعلم .. دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة، فماذا فعل هذا الكتاب؟ .
                        من أول طبعة له نفد من جميع المكتبات ثم أعيدت طباعته بمئات الآلاف بعد أن ترجم من لغته الأصلية إلى العربية والإنجليزية والاندونيسية والفارسية والصربكرواتية والتركية والأردية والكجوراتية والألمانية لينتشر بعدها في كل مكتبات الشرق والغرب ولقد حاول ممن طمس الله على قلوبهم وأبصارهم من علماء اليهود والنصارى أن يردُّوا على هذا الكتاب فلم يكتبوا سوى تهريج جدلي ومحاولات يائسة يمليها عليهم وساوس الشيطان . وآخرهم الدكتور وليم كامبل في كتابه المسمى : القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم ، فلقد شرّق وغرّب ولم يستطع في النهاية أن يحرز شيئاً،بل الأعجب من هذا أن بعض العلماء في الغرب بدأ يجهز رداً على الكتاب ، فلما انغمس بقراءته أكثر وتمعن فيه زيادة .. أسلم ونطق بالشهادتين على الملأ. ويقول الدكتور الفرنسي موريس بوكاي عن الحقائق العلميةالتي وردت في القرآن في آخر جملة له في كتابه "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ص 222 بعد أن فند مزاعم التوراة الكاذبة في التكوين وأثبت خطأها:
                        "IN VIEW OF THE STATE OF KNOWLEDGE IN MUHAMMAD'S DAYS, IT IS INCONCEIVABLE THAT MANY OF THE STATEMENTS IN THE QUR'AN WHICH ARE CONNECTED WITH SCIENCE COULD HAVE BEEN THE WORK OF MAN. IT IS MOREOVER, PERFECTLY HAS BEEN LIGITIMATE, NOT ONLY TO REGARD THE QUR'AN AS THE EXPRESSION OF A REVELATION, BUT ALSO TO AWARD IT A VERY SPECIAL PLACE ON ACCOUNT OF THE GURANTEE OF AUTHENTICITY ، IT PROVIDES AND THE PRESENCE IN IT OF SCIENTIFIC STATEMENTS WHICH , WHEN STUDIED TODAY, APPEAR AS A CHALLENGE TO HUMAN EXPLANATION"




                        وترجمتها كالآتي:
                        (بالنظر إلى مستوى المعرفة في أيام محمد فإنه لا يمكن تصور الحقائق العلمية التي وردت في القرآن على أنها من تأليف بشر. لذا فمن الإنصاف تماما أن لاينظر فقط إلى القرآن على أنه التنزيل الإلهي فحسب بل يجب أن تعطى له منزلة خاصةجداَ للأصالة التي تقدمها المعطيات العلمية التي وردت فيه والتي إذا ما درست اليومتبدو وكأنها تتحدى تفسير البشر).

                        بل الأعجب من هذا أن بعض العلماء في الغرب بدأ يجهز رداً على الكتاب ، فلما انغمس بقراءته أكثر وتمعن فيه زيادة .. أسلم ونطق بالشهادتين على الملأ.
                        فسبحان الله الذي لا تنقضي عجائبه،،،..
                        التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:35 ص.

                        تعليق


                        • #57
                          الدرس الثالث عشر


                          دراسة الطعون الموجهة إلى القرآن الكريم


                          رد أحاديث الخطأ في القرآن


                          أولا: دعوى أن في المصاحف العثمانية لحنًا



                          وردت آثار عن بعض الصحابة والتابعين فيها أن القرآن العظيم قد وقع فيه لحنٌ عند جمعه في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه.
                          فعن عكرمة الطائي قال: لَمَّا كتبت المصاحف عُرِضَتْ على عثمانَ، فوجدَ فيها حروفًا من اللَّحْن، فقال: لا تُغَيِّرُوها؛ فإن العرب ستُغَيِّرُها ـ أو قال ستعربُها ـ بألسنتها، لو كان الكاتب من ثقيفٍ، والمملي من هذيلٍ لم توجد فيه هذه الحروف. ( رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن الأنباري في كتاب الردِّ على من خالف عثمان وابن أشتة في كتاب المصاحف، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/269-270)، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف، عن يحيى ابن يعمر وقتادة وعكرمة. ص 41-42.).

                          وعن سعيد بن جبيرٍ، قال: في القرآن أربعة أحـرفٍ لحـنٌ:
                          ، ( من الآية 69 من سورة المائدة.) :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ [المائدة: ٦٩].
                          ﯿ ، ( من الآية 162 من سورة النساء.):ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯿ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ [النساء: ١٦٢]

                          ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ( من الآية 10 من سورة المنافقون.)
                          ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ[المنافقون: ١٠]
                          4ـ وﯯ ﯰ. ( من الآية 63 من سورة طه).

                          ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ [طه: ٦٣] أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب اختلاف ألحان العرب في المصاحف ص 42، ورواه ابن الأنباري أيضًا، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/270).).
                          قال السيوطي: وهذه الآثار مشكلة جدًّا. ( الإتقان في علوم القرآن (2/270).).
                          وقد تعلَّق بِها بعض الطاعنين على القرآن ونقله، وزعموا أنَّها تدل على أن جمع الصحابة للقرآن لا يوثق به.

                          والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:



                          الأول: أن ذلك لا يصح عن عثمان، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع. ( فقد رواه قتادة عن عثمان مرسلاً، ورواه نصر بن عاصم عنه مسندًا، ولكن فيه عبد الله بن فطيمة، وهو مجهول، لا يُقبل خبره. انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 125، والإتقان في علوم القرآن (2/270).).

                          الثاني: مِمَّا يدل على ضعف هذه الآثار أن وقوع اللحن في القرآن وسكوت الصحابة عنه مِمَّا يستحيل عقلاً وشرعًا وعادةً، لوجوه:

                          1ـ أنه لا يُظَنُّ بالصحابة أنَّهم يلحنون في الكلام، فضلاً عن القرآن، فقد كانوا أهل الفصاحة والبيان.
                          2ـ أنه لا يُظَنُّ بِهم اللحن في القرآن الذي تلقوه من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كما أنزل، وحفظوه وضبطوه وأتقنوه.
                          3ـ أن افتراض صحة هذا النقل يعني أن الصحابة اجتمعوا على الخطأ وكتابته، وهذا مما لا يُظَنُّ بِهم.
                          4ـ أنه لا يُظَنُّ بِهم عدم تنبههم للخطأ ورجوعهم عنه، مع كثرتهم، وحرصهم، وتوافر الدواعي إلى حفظ الكتاب الكريم.
                          5ـ أنه لا يُظَنُّ بعثمان أنه ينهى عن تغيير الخطأ، ولو فعل ذلك لَما سكت عنه الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
                          6ـ أنه لا يُظَنُّ أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهي مروية بالتواتر خلفًا عن سلفٍ. ( الإتقان في علوم القرآن (2/270).).
                          فقد جَعَلَ عثمانُ للناسِ إمامًا يقتدون به، فكيف يرى فيه لحنًا ويتركه تقيمه العرب بألسنتها؟ فإذا كان الذين تولَّوا جمعه لم يقيموا ذلك ـ وهم الخيارـ فكيف يقيمه غيرهم؟ فهذه الأوجه مِما يدل على أن هذه الآثار غير صحيحة.
                          قال ابن الأنباري ( في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان.) في الأحاديث المروية في ذلك عن عثمان رضي الله تعالى عنه:
                          لا تقوم بِها حجةٌ؛ لأنَّها منقطعةٌ غير متصلة، وما يشهد عقلٌ بأن عثمان ـ وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته، وقدوتُهم ـ يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام، فيتبينُ فيه خللاً، ويشاهد في خطه زللاً، فلا يصلحه، كلاَّ والله، ما يَتَوَهَّم عليه هذا ذو إنصافٍ وتمييزٍ، ولا يعتقد أنه أخَّر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه، والوقوف عند حكمه.

                          ومن زعم أن عثمان أراد بقوله:
                          "أرى فيه لحنًا": أرى في خطه لحنًا، إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسدٍ ولا محرِّفٍ، من جهة تحريف الألفاظ وفساد الإعراب ـ فقد أبطل ولم يُصِبْ؛ لأن الخط منبئ عن النطق، فمن لحن في كتبه، فهو لاحنٌ في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادًا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتبٍ ولا نطقٍ، ومعلومٌ أنه كان مواصلاً لدرس القرآن، متقنًا لألفاظه، موافقًا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي. ( انظر الإتقان في علوم القرآن (2/271).).

                          ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد عن هانئ البربري مولى عثمان، قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاةٍ إلى أُبَيِّ بن كعبٍ، فيها: (لَمْ يَتَسَنَّ)، وفيها: (لاَتَبْدِيلَ لِلْخَلْقِ)، وفيها: (فَأَمْهٍلِ الْكَافِرِينَ)، قال: فدعا بالدواة، فمحا أحد اللامين، فكتب:
                          ﯢ ﯣﯤ ، ( من الآية 30 من سورة الروم.)
                          ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ [الروم: ٣٠]

                          ومحا (فَأَمْهٍلِ) وكتب: [ فَمَهِّلِ ]، ( من الآية 17 من سورة الطارق.)
                          ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ [الطارق: ١٧]

                          وكتب: ﯨ ﯩﯪ ، ( من الآية 209 من سورة البقرة.) ألحق فيها الهاء.
                          ( رواه أبو عبيد، انظر الإتقان في علوم القرآن (2/271).).

                          قال ابن الأنباري: فكيف يُدَّعى عليه أنه رأى فسادًا فأمضاه، وهو يوقَف على ما كُتِب، ويُرْفع الخلافُ إليه الواقع من الناسخين، ليحكم بالحق، ويُلزمهم إثبات الصواب وتخليده. ( انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272).).

                          قال السيوطي: ويؤيد ذلك أيضًا ما رواه ابن أشتة في كتاب المصاحف عن عبد الله بن الزبير أنه قال: فجمع عثمان المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة، فجئت بالصحف، فعرضناها عليها، حتى قوَّمناها، ثم أمر بسائرها فشققت.
                          فهذا يدل على أنَّهم ضبطوها وأتقنوها، ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم. ( انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272).).

                          الثالث: أن عثمان لَم يكتب مصحفًا واحدًا، بل كتب عدة مصاحف، فإن قيل: إن اللحن وقع في جميعها، فبعيد اتفاقها على ذلك، أو في بعضها، فهو اعترافٌ بصحة البعض، ولم يذكر أحدٌ من الناس أن اللحن كان في مصحفٍ دون مصحفٍ، ولم تأت المصاحف قطُّ مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة، وليس ذلك بلحنٍ. ( الإتقان في علوم القرآن (2/270)، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) (6/26-27).).

                          الرابع: على تقدير صحة الرواية أن ذلك محمولٌ على الرَّمْز والإشارة، ومواضع الحذف، نحو و وما أشبه ذلك.


                          الخامس: أن المراد به أن فيه لحنًا عند من تَوَهَّم ذلك، وخفي عليه وجه إعرابه، وأنه أراد بقوله: "وستقيمه العرب بألسنتها"، أي: محتجين عليه، مظهرين لوجهه. ( انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 128.).


                          السادس: أن المراد باللحن ليس الخطأ، بل هو مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها، كما كتبوا: ، ( سورة النمل من الآية 21.) بألفٍ بعد (لا).
                          ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ النمل: ٢١
                          و[ جزاؤا الظالمين ]، ( سورة المائدة من الآية 29.) بواو وألف،ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯟ ﯠ [المائدة: ٢٩]
                          وﯰ ﯱ ﯳ ﯴ ﯵ [الذاريات: ٤٧] بيائيين.
                          فلو قرئ بظاهر الخط كان لحنًا، وبِهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشتة في كتاب المصاحف.
                          ( نكت الانتصار لنق القرآن ص 128-129، والإتقان في علوم القرآن (2/270)، وانظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 51.).

                          السابع: أن المراد باللحن القراءة واللغة، وليس المراد به الخطأ، فيكون المراد بكلمة (لحن) في الروايات المذكورة: قراءة، ولغة، كقوله تعالى:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ [محمد: ٣٠]


                          والمعنى أن في القرآن ورسم مصحفه وجهًا في القراءة لا تلين به ألسنة جميع العرب، ولكنها لا تلبث أن تلين بالمران وكثرة تلاوة القرآن بِهذا الوجه.

                          ويكون قول سعيد ابن جبير: "لحن"، بمعنى أنَّها لغة الذي كتبها وقراءته، وأن فيها قراءةً أخرى. ( انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 125، ومناهل العرفان (1/387-388)، والإتقان في علوم القرآن (2/273).).
                          ويدل على ذلك الوجه قول عمر رضي الله تعالى عنه في الحديث عن قراءة أُبَيٍّ:
                          عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه: عَلِيٌّ أَقْضَانَا، وَأُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا، وَإِنَّا لَنَدَعُ كَثِيرًا مِنْ لَحْنِ أُبَيٍّ … الحديث.
                          ( رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/131) ح 20581.).
                          وقد روى أثر عثمان هذا ابن أشتة في كتاب المصاحف بلفظ خالٍ من هذا الإشكال.
                          فعن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: لَمَّا فُرِغ من المصحف، أُتِي به عثمانُ، فنظر فيه، فقال: أحسنتم وأجملتم! أرى شيئًا سنقيمه بألسنتنا.

                          قال السيوطي: فهذا الأثر لا إشكال فيه، وبه يتضح معنى ما تقدم، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته ، فرأى فيه شيئًا كُتِب على غير لسان قريشٍ، كما وقع لهم في (التابوة) و
                          ، فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريشٍ، ثم وفَّى بذلك عند العرض والتقويم، ولم يترك فيه شيئًا، ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرَّفها، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان، فلزم منه ما لزم من الإشكال، فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك، ولله الحمد. ( انظر الإتقان في علوم القرآن (2/272)).

                          الثامن: قال الطبري بعد ذكر مختارة : « وإنما اخترنا هذا على غيره لأنه قد ذكر أن ذلك في قراءة أبى بن كعب ﯿوكذلك هو في مصحفه فيما ذكروا فلو كان ذلك خطأ من الكاتب لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه بخلاف ما هو في مصحفنا وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبى ما يدل على أن الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ ، مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخط لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون من علموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن ، ولا صلحوه بألسنتهم ولقنوه للأمة تعليما على وجه الصواب وفي نقل المسلمين جميعا ذلك قراءة على ما هو به في الخط مرسوما أدل دليل على صحة ذلك وصوابه ، وأن لا صنع في ذلك للكاتب » [ تاريخ القرآن ـ لمحمد طاهر الكردي ـ ص 65 عن المقنع.] .

                          التاسع: وقال الداني : « فإن قال قائل : فما تقول في الخبر الذي رويتموه عن يحيى ابن يعمر وعكرمة مولى ابن عباس عن عثمان أن المصاحف لما نسخت عرضت عليه فوجد فيها حروفا من اللحن ، فقال : اتركوها فإن العرب ستقيمها ـ أو ستعربها ـ بلسانها ، إذ ظاهره يدل على خطأ في الرسم .

                          قُلت: هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة، ولا يصح به دليل من جهتين ، إحداهما:
                          أنه ـ مع تخليط في إسناده واضطراب في ألفاظه ـ مرسل ، لان ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئا ، ولا رأياه ، وأيضا فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان ، لما فيه من الطعن عليه ، مع محله من الدين ومكانه من الإسلام ، وشدة اجتهاده في بذل النصيحة واهتباله بما فيه الصلاح للأمة ، فغير متمكن أن يقول لهم ذلك وقد جمع المصحف مع سائر الصحابة الأخيار الأتقياءالأبرار نظرا لهم ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم ، ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنا وخطأ يتولى تغييره من يأتي بعده ، ممن لا شك أنه لا يدرك مداه ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده ، هذا مالا يجوز لقائل أن يقوله ، ولا يحل لأحد أن يعتقده .
                          فإن قال : فما وجه ذلك عندك لو صح عن عثمان ؟.
                          قلت : وجهه أن يكون عثمان أراد باللحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم». [ تفسير الطبري 6 | 19.].
                          العاشر: وقال النيسابوري:
                          « روي عن عثمان وعائشة أنهما قالا: إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها ، ولا يخفى ركاكة هذا القول ، لان هذا المصحف منقول بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه ؟ !»[ تفسير ابن كثير 3 | 280 .] . وقال ابن كثير في «... حتى تستأنسوا...» بعد نقل قول ابن عباس: « وهذا غريب جدا عن ابن عباس».[ تفسير الخازن 1 | 422 .].


                          حادي عشر: وقال الزمخشري :
                          ﯿنصب على المدح لبيان فضل الصلاة وهو باب واسع قد ذكره سيبويه على أمثلة وشواهد ، ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف ، وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان ، وغبي عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم ، وخرقا يرفوه من يلحق بهم...» .[ الكشاف 1 | 582.].

                          ثاني عشر: وقال الرازي :
                          وأما قوله تعالى : ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯿ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ [النساء: ١٦٢]
                          ففيه أقوال الأول: روي عن عثمان وعائشة أنهما قالا: إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها.
                          واعلم: أن هذا بعيد، لان هذا المصحف منقول بالنقل المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه ؟ !».[ التفسير الكبير 11 | 105 ـ 106.].
                          ثالث عشر: وقال الخازن في ﯿ: «اختلف العلماء في وجه نصبه ، فحكي عن عائشة وأبان بن عثمان: أنه غلط من الكتاب ، ينبغي أن تكتب: والمقيمون الصلاة وقال عثمان بن عفان: إن في المصحف لحنا ستقيمه العرب بألسنتهم، فقيل له: أفلا تغيره ؟! فقال: دعوه، فإنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وذهب عامة الصحابة وسائر العلماء من بعدهم إلى أنه لفظ صحيح ليس فيه خطأ من كاتب ولا غيره. وأجيب عما روي عن عثمان بن عفان وعن عائشة وأبان بن عثمان: بأن هذا بعيد جدا، لان الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والفصاحة والقدرة على ذلك فكيف يتركون في كتاب الله لحنا يصلحه غيرهم ، فلا ينبغي أن ينسب هذا لهم قال ابن الأنباري : ما روي عن عثمان لا يصح لأنه غير متصل ، ومحال أن يؤخر عثمان شيئا فاسدا ليصلحه غيره ، وقال فذكرها ووصفها بالشذوذ ، ثم قال :

                          رابع عشر: وقال أبوحيان الأندلسي فيﯿبعدما ذكر عن عائشة وأبان بن عثمان فيها :
                          « ولا يصح عنهما ذلك ، لأنهما عربيان فصيحان»[ البحر المحيط 3 | 394 .].

                          خامس عشر: وقال القنوجي : « وعن عائشة أنها سئلت عن ﯿوعن قوله
                          ﯮ ﯯ ﯰ و[المائدة: ٦٩] ، فقالت: يا ابن أخي ،الكتاب أخطئوا.
                          وروي عن عثمان بن عفان أنه لما فرغ عن المصحف وأتى به قال: أرى فيه شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها، فقيل له: ألا تغيره ؟! فقال: دعوه، فإنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا.
                          سادس عشر:قال ابن الانباري : وما روي عن عثمان لا يصح ، لأنه غير متصل ، ومحال أن يؤخر عثمان شيئا فاسدا ليصلحه غيره ، ولان القرآن منقول بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه ؟ .
                          سابع عشر: وقال الألوسي في ﯿ: « ولا يلتفت إلى من زعم أن هذا من لحن القرآن وأن الصواب (والمقيمون) بالواو كما في مصحف عبد الله وهي قراءة مالك بن دينار والجحدري وعيسى الثقفي ، إذ لا كلام في نقل النظم متواترا فلا يجوز اللحن فيه أصلا ، وأما ما روي أنه لما فرغ من المصحف أتى به إلى عثمان فقال: قد أحسنتم وأجملتم... فقد قال السخاوي : إنه ضعيف ، والإسناد فيه اضطراب وانقطاع ، فإن عثمان جعل للناس إماما يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها ، وقد كتب عدة مصاحف وليس فيها اختلاف أصلا إلا فيما هو من وجوه القراءات ، وإذا لم يقمه هو ومن باشر الجمع - وهم هم - كيف يقيمه غيرهم ؟ ! »[ روح المعاني 6 | 13 ـ 14.] ، فهذه كلمات في رد هذه الأحاديث، ويلاحظ أن بعضهم يكتفي « بالاستبعاد » وآخر يقول : « فيه نظر» ، وثالث يقول : « لا يخفى ركاكة هذا القول » ، ورابع يقول : « لا يلتفت...» وخامس يقول: « غريب ».
                          ومنهم من يجرأ على التضعيف بصراحة فيقول:
                          قالوا: وهذا يدل على أنَّهم جمعوا القرآن على حرف واحد، وهو لسان قريش وتركوا ما سوى ذلك من الأحرف الستة، أن الأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة؛ للضرورة لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع « لا يصح» ، وفي « الإتقان» عن ابن الانباري أنه جنح إلى تضعيف هذه الروايات[الإتقان 2 | 329.] وعليه الباقلاني في « نكت الانتصار»[ نكت الانتصار : 127.] وجماعة . لكن بعضهم يستدل ويبرهن على بطلان هذه الأحاديث ، لان القول بها يفضي إلى القدح في تواتر القرآن ، والطعن في الصحابة وخاصة في جامعي المصحف وعلى رأسهم عثمان ، فهذه الأحاديث باطلة لاستلزامها للباطل...
                          وجماعة ذهبوا إلى أبعد من كل هذا ، وقالوا بوضع هذه الأحاديث واختلاقها ، من قبل أعداء الإسلام...فيقول الحكيم الترمذي[وهو الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي ، صاحب التصنيف ، من أئمة علم الحديث ، له ترجمة في تذكرة الحفاظ 2 | 645 .
                          ]:« ما أرى مثل هذه الروايات إلا من كيد الزنادقة»[ نوادر الأصول .] ويقول أبو حيان الأندلسي: «ومن روى عن ابن عباس أن قوله : (حتى تستأنسوا) خطأ أو وهم من الكاتب ، وأنه قرأ حتى (تستأذنوا) فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين ، وابن عباس برىَ من هذا القول»[ البحر المحيط 6 | 445 .] ، وهكذا عالج بعض العلماء والكتاب المتأخرين والمعاصرين هذه الأحاديث فنرى صاحب « المنار» يقول : « وقد تجرأ بعض أعداء الإسلام على دعوى وجود الغلط النحوي في القرآن وعد رفع (الصابئين) هنا من هذا الغلط ، وهذا جمع بين السخف والجهل، وإنما جاءت هذه الجرأة من الظاهر المتبادر من قواعد النحو، مع جهل أو تجاهل أن النحو استنبط من اللغة ولم تستنبط اللغة منه...»[ المنار 6 | 478 .] .
                          ويقول : « وقد عد مثل هذا بعض الجاهلين أو المتجاهلين من الغلط في أصح كلام وأبلغه وقيل: إن ﯿمعطوف على المجرور قبله وما ذكرناه أولا أبلغ عبارة وإن عده الجاهل أو المتجاهل غلطا ولحنا ، وروي أن الكلمة في مصحف عبد الله بن مسعود مرفوعة فإن صح ذلك عنه وعمن قرأها مرفوعة كمالك بن دينار والجحدري وعيسى الثقفي كانت قراءة ، وإلا فهي كالعدم ، وروى عن عثمان أنه قال : إن في كتابة المصحف لحنا ستقيمه العرب بألسنتها وقد ضعف السخاوي هذه الرواية وفي سندها اضطراب وانقطاع ، فالصواب أنها موضوعة ولو صحت لما صح أن يعد ما هنا من ذلك اللحن ، لأنه فصيح بليغ »[ المعجزة الكبرى : 43 .].
                          وهو رأي الرافعي ومحمد أبو زهرة ، فقد وصف محمد أبو زهرة هذه الأحاديث المنافية لتواتر القرآن بـ : « الروايات الغريبة البعيدة عن معنى تواتر القرآن الكريم ، التي احتوتها بطون بعض الكتب كالبرهان للزركشي والإتقان للسيوطي التي تجمع كما يجمع حاطب ليل يجمع الحطب والأفاعي ، مع أن القرآن كالبناء الشامخ الأملس الذي لا يعلق به غبار) .
                          ثم استشهد بكلام الرافعي القائل : « ... ونحسب أن أكثر هذا مما افترته الملحدة» وقال :
                          « وإن ذلك الذي ذكره هذا الكاتب الإسلامي الكبير حق لا ريب فيه».

                          ثامن عشر: واعلم أن المحققين قالوا : هذه القراءات لا يجوز تصحيحها لأنها منقولة بطريق الآحاد ، والقرآن يجب أن يكون منقولا بالتواتر ، إذ لو جوزنا إثبات زيادة في القرآن بطريق الآحاد لما أمكننا القطع بأن هـذا الذي هو عندنـا كل القرآن ، لأنه لما جاز في هذه القراءات أنها مع كونها من القرآن ما نقلت بالتواتر جاز في غيرها ذلك ، فثبت أن تجويز كون هذه القراءات من القرآن يطرق جواز الزيادة والنقصان والتغيير إلى القرآن وذلك يخرج القرآن عن كونه حجة ، ولما كان ذلك باطلا فكذلك ما أدى إليه .
                          تاسع عشر: وأما الطعن في القراءة المشهورة فهو أسوأ مما تقدم من وجوه :

                          أولاً : أنه لما كان نقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن ، وذلك يفضي إلى القدح في التواتر وإلى القدح في كل القرآن ، وأنه باطل وإذا ثبت ذلك امتنع صيرورته معارضا بخبر الواحد المنقول عن بعض الصحابة .

                          ثانياً : أن المسلمين أجمعوا على أن ما بين الدفتين كلام الله عز وجل ، وكلام الله عز وجل لا يجوز أن يكون لحنا وغلطا ، فثبت فساد ما ينقل عن عثمان وعائشة أن فيه لحنا وغلطا.

                          ثالثاً : قال ابن الانباري : إن الصحابة هم الأئمة والقدوة ، فلو وجدوا في المصحف لحنا لما فوضوا إصلاحه إلى غيرهم من بعدهم ، مع تحذيرهم من الابتداع وترغيبهم في الإتباع.»
                          [ تفسير الكبير 22 | 74 .].
                          وقال ابن الانباري في كتاب « الرد على من خالف مصحف عثمان» في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك : « لا تقوم بها حجة ، لأنها منقطعة غير متصلة وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته وقدوتهم يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام فيتبين فيه خللا ويشاهد في خطه زللا فلا يصلحه ، كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز ، ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده ، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه والوقوف عند حكمه .
                          ومن زعم أن عثمان أراد بقوله : أرى فيه لحنا، أرى في خطه إذا أقمناه بألسنتنا كان الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الأعراب ـ فقد أبطل ولم يصب ـ ، لان الخط منبئ عن النطق ، فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه ، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق ، ومعلوم أنه كان مواصلا لدرس القرآن متقنا لألفاظه ، موافقا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي...
                          ثم قال ابن أشتة : أنبأنا محمد بن يعقوب ، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث أنبأنا أحمد بن مسدة ، أنبأنا إسماعيل ، أخبرني الحارث بن عبد الرحمن ، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، قال : لما فرغ من المصحف أتى به عثمان فنظر فيه فقال : أحسنتم وأجملتم أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا .
                          فهذا الأثر لا إشكال فيه ، ويتضح معنى ما تقدم ، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته فرأى فيه شيئا كتب على غير لسان قريش ، كما وقع لهم في (التابوة) و(التابوت) ، فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش ، ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم ، ولم يترك فيه شيئا ، ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرفها، ولم يتيقن اللفظ الذي صدر عن عثمان ، فلزم منه ما لزم من الأشكال ، فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك ، ولله الحمد .


                          وقال الرازي في الآية ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ:
                          ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ [طه: ٦٣]
                          «القراءة المشهورة إن هذان لساحران ، ومنهم من ترك هذه القراءة ، وذكروا وجهاً آخر وقال الرازي فيها : « واعلم أن هذا القول من ابن عباس فيه نظر ، لأنه يقتضي الطعن في القرآن الذي نقل بالتواتر ، ويقتضي صحة القرآن الذي لم ينقل بالتواتر وفتح هذين البابين يطرق الشك في كل القرآن ، وأنه باطل»[ تفسير الخازن 3 | 323 .].

                          وقال الزمخشري في الكشاف: ولا يلتفت..»[ فتح البيان 6 | 407 ـ 408 .] .
                          وقال في ﯮ ﯯ ﯰ « فهذه أقوال تتضمن توجيه هذه القراءة بوجه تصح به وتخرج به عن الخطأ. وبذلك يندفع ما روي عن عثمان وعائشة أنه غلط من الكاتب للمصحف»[ فتح البيان 6 | 94.].

                          فهذا موقف هؤلاء من هذا القسم من الأحاديث والآثار ، وعليه آخرون منهم لم نذكر كلماتهم هنا اكتفاء بمن ذكرناه... ، وقد اغتاظ من هذا الموقف جماعة واستنكروه بشدة ... ومن أشهرهم الحافظ ابن حجر العسقلاني ، الذي تحامل على الزمخشري ومن كان على رأيه قائلا بعد الحديث عن ابن عباس« كتبها وهو ناعس» : « وأما ما أسنده الطبري عن ابن عباس فقد اشتد إنكار جماعة ممن لا علم له بالرجال صحته ، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته - إلى أن قال - وهي والله فرية بلا مريه ، وتبعه جماعة بعده ، والله المستعان .
                          وقد جاء عن ابن عباس نحو ذلك في قوله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه. أخرجه سعيد بن منصور بإسناد جيد عنه . وهذه الأشياء ـ وإن كان غيرها المعتمد ـ لكن تكذيب المنقول بعد صحته ليس من دأب أهل التحصيل، فلينظر في تأويله بما يليق»[ فتح الباري 8 | 301 .].
                          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:35 ص.

                          تعليق


                          • #58
                            ثانياً: أحاديث جمع القرآن بين الرد والتأويل


                            وأما الأحاديث التي رووها حول جمع القرآن ، المتضاربة فيما بينها ، والتي اعترف بعضهم كالإمام محمد أبو زهرة بوجود روايات مدسوسة مكذوبة فيها[المعجزة الكبرى : 33] فقد حاولوا الجمع بينها ، ثم رفع التنافي بينها وبين أدلة عدم التحريف والبناء على أن القرآن مجموع في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبأمر منه...
                            وإليك بيان ذلك بالتفصيل :
                            الرد على طعن الْملاحدة في تواتر القرآن

                            تعلق بعض الْملاحدة بحديث أنس في حصر من جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
                            عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ قَالَ وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ. [رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ح 5004 (8/663).
                            وقد صرح أنس في هذه الرواية بصيغة الحصر، قال الحافظ: وقد استنكره جماعة من الأئمة.( يعني التصريح)، انظر فتح الباري (8/668)].
                            وفي رواية قتادة قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ.[ رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159) ح 3810، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.].
                            فقالوا: كيف يكون القرآن متواترًا، مع ما يروى عن أنس مِن حَصْر مَن جمع القرآن في هؤلاء الأربعة.
                            وتعلقوا أيضًا بأن أسانيد القراء تدور على ثمانية فقط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذا العدد لا يبلغ مبلغ التواتر.
                            ويجاب عن حديث أنس رضي الله تعالى عنه بوجوه:

                            أولاً: الجواب بأن الحصر في كلام أنس إضافي، لا حقيقي.
                            أي أن قول أنس (أَرْبَعَةٌ) لا مفهوم له؛ وليس الحصر في كلامه حقيقيًّا، بل هو حصر إضافي، أي: بالإضافة إلى غيرهم، وإلا فأين الخلفاء الأربعة، وأين سالْم مولى أبي حذيفة، وأين أبو موسى وغيرهم.
                            ولذلك ثلاثة أدلة:
                            الأول: كثرة الحفاظ من الصحابة:
                            فقد روي حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبت في الصحيح أنه قُتِل يوم بئر معونة سبعون مِمَّن جمع القرآن،[ رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب من يُنْكَب في سبيل الله. صحيح البخاري مع فتح الباري (6/23) ح2801، ومسلم في كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد ح 677. صحيح مسلم مع شرح النووي (13/46-47).]. وروي أنه قتل في وقعة اليمامة مثلهم [اليمامة من حروب الردة، وقعت سنة 11ﻫ].
                            فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ، فكيف الظن بِمن لم يُقتل مِمَّن حضرها، ومن لم يحضرها وبقي بالْمدينة أو بمكة أو غيرهما.
                            الثاني: استحالة إحاطة أنس بحال كل الصحابة وأنَّهم لم يجمعوا القرآن كله.
                            أي بتقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف له الإحاطة بكل من جمع القرآن مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلدان، وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا في غاية البعد في العادة.
                            وقد يكون مراده: الذين علمهم من الأنصار أربعة، وأما غيرهم من الْمهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم، ولو نفاهم كان الْمراد نفي علمه، وإذا كان الْمرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك.
                            كما أنه لم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة، الذين يبعد كل البعد أنَّهم لم يجمعوه،[ والذين منهم من كان يقول: وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. كما روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله تعالى عنه صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (8/662) ح 5002.]. مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات، وكيف نظن هذا بِهم، ونحن نرى أهل العصور اللاحقة يحفظ القرآن منهم في كل بلدة ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟. مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونَها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن، وما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف نظن بِهم إهماله ؟. فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد جمع القرآن إلا الأربعة الْمذكورون.[ نكت الانتصار لنقل القرآن ص 67، وفتح الباري (8/667-668)، وشرح النووي على صحيح مسلم (16/19)، والإتقان (1/200).].

                            الثالث: اختلاف الرواية عن أنس في تحديد الأربعة
                            فمِمَّا يدل على إرادة الحصر الإضافي اختلاف الرواية عن أنس رضي الله تعالى عنه في تحديد الأربعة، ففي رواية: أبي ومعاذ وزيد وأبو زيد،[ رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت ح 3810. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.].
                            وفي رواية أخرى أبو الدرداء مكان أبيٍّ،[ رواه البخاري في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . انظر الصحيح مع فتح الباري (8/663) ح 5004]. وهذا دليل على عدم إرادة الحصر الحقيقي، فهو صادق في كلتا الروايتين؛ لأنه ليس معقولاً أن يكذب نفسه، فتعين أن الْمراد بالحصر هنا حصر إضافي، بأن يقال: إن أنسًا رضي الله تعالى عنه تعلق غرضه في وقت ما بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبي بن كعب دون أبي الدرداء، ثم تعلق غرضه في وقت آخر بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبا الدَّرْداء دون أُبَيِّ بن كعبٍ.[ مناهل العرفان (1/243-245).].
                            كما اختلف العلماء في تحديد أبي زيدٍ الْمذكور في هذا الحديث، فبعضهم يَجعله سعد بن عبيد الأوسي، وبعضهم يجعله قيس بن السكن الخزرجي، وبعضهم يصحح أنَّهما جميعًا جمعا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.[أسد الغابة في معرفة الصحابة (6/128).]. وبعضهم يجعله قيس بن أبي صعصعة.[ ذكره ابن أبي داود فيمن جمع القرآن. انظر فتح الباري (8/669).].
                            والاختلاف في تحديد الْمعدود الْمحصور يدل على عدم إرادة الحصر الحقيقي.

                            ثانيًا: الجواب بتقدير مراد أنس بالحصر الإضافي:
                            وذلك بوجوه:
                            الأول: أن الْمراد به: لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بِها إلا أولئك.
                            الثاني: أن الْمراد: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته، وما لم ينسخ غيرهم.
                            الثالث: أن الْمراد بجمعه: تلَقِّيهِ من فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير واسطة، بخلاف غيرهم، فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة.
                            الرابع: أنَّهم تصدوا لإلقائه وتعليمه، فاشتهروا به، وخفي حال غيرهم عمن عُرف حالهم، فحصر ذلك فيهم بحسب علمه.
                            الخامس: أن الْمراد بالجمع في هذا الحديث الكتابة، فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظًا عن ظهر قلب، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة، وحفظوه عن ظهر قلب.
                            السادس: أن الْمراد أن أحدًا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هم، بخلاف غيرهم، فلم يفصح أحد منهم بأنه أكمل حفظه إلا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت آخر آية منه، فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة مِمَّن جمع جميع القرآن.[ نكت الانتصار لنقل القرآن ص 68-69، وفتح الباري (8/667)، والإتقان (1/200-201).].
                            وعليه فقد لقد تضاربت روايات أهل السنة حول جمع القرآن كما تقدم ، وعلى ضوئها اختلفت كلمات علمائهم.
                            والمتحصل من جميعها : أن الجمع للقرآن كان على مراحل ثلاث:
                            الأولى: على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كتب في الرقاع والعسب.

                            والثانية : على عهد أبي بكر وكان بانتساخه من العسب والرقاع وغيرها وجعله في مكان واحد...

                            والثالثة: على عهد عثمان والذي فعله ترتيبه وحمل الناس على قراءة واحدة... هذا ما كادت تجمع عليه كلماتهم، والجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان « حفظا » و«كتابة» معا، أما حفظا: فإن الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلمكثيرون..[مباحث في علوم القرآن : 65] .
                            وأما كتابة : فإن القرآن الكريم لم يكن كاملا في الكتابة على عهده عند الذين حفظوه كاملا لكن كانت كتابته كاملة عند الجميع ، فهو مكتوب كله عند جميعهم ، وما ينقص من عند واحد يكمله ما عند الآخرين ، إلا إنه كان متواترا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم في عصره حفظا[المعجزة الكبرى : 28.] ، فعمد أبو بكر إلى جمعه ، إذ أمر ـ بعد يوم اليمامة ـ بجمع تلك الكتابات وجمع القرآن منها بتأليفه وتدوينه[الإتقان 1 | 62 ،مناهل العرفان 1 | 242 ، إعجاز القرآن : 236.] ، ثم لم كثرت فيه القراءات ووقعت في لفظه الاختلافات جمع عثمان المصاحف من أصحابها وحمل الناس على قراءة واحدة من بينها وأعدم سائر المصاحف المخالفة لها.
                            لكن استخلاص هذه النتائج من تلك الأحاديث، ودفع الشبهات التي تلحق بالقرآن، يتوقف على النظر في ما ورد في هذا الباب سندا ومتنا والجمع بينها بحمل بعضها على البعض بقدرالإمكان ، وهذا أمر لا بد منه... فنقول :

                            أولاً : لقد وردت عن بعض الصحابة أحاديث فيها حصر من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد معين، اتفق عبد الله بن عمرو وأنس بن مالك على أنهم « أربعة » على اختلاف بينهما في بعض أشخاصهم...
                            فعن عبد الله بن عمرو أنهم : عبد الله بن مسعود ، سالم ، معاذ بن جبل ، أبي ابن كعب..[صحيح البخاري 6 | 102 ، صحيح مسلم 7 | 14. ].
                            وعن أنس بن مالك ـ في حديث عن قتادة عنه ـ هم : أبي بن كعب ، معاذ بن جبل ، زيد بن ثابت ، أبو زيد ، قال : من أبو زيد ؟ قال : أحد عمومتي.[صحيح البخاري 6 | 102. واختلف في اسم أبي زيد هذا. انظر الإتقان 1 | 74.].
                            وفي آخر ـ عن ثابت عنه ـ ، قال : « مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة :
                            أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد» .
                            فأي توجيه صحيح لحصر جماع القرآن في أربعة ؟ وكيف الجمع بين ما روي عن الصحابيين ، ثم بين الحديثين عن أنس ؟.
                            قال السيوطي : « قد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة ، وقال المازري : لا يلزم من قول أنس (لم يجمعه غيرهم) أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك... قال : وقد تمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا مستمسك لهم فيه ، فإنا لا نسلم حمله عليه ظاهره » ثم ذكر السيوطي كلاما للقرطبي ونقل عن الباقلاني وجوها من الجواب عن حديث أنس ثم قال: « قال ابن حجر : وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف »[ الإتقان 1 | 244 ـ 247 .].

                            ثانياً : قد اختلفت أحاديثهم في « أول من جمع القرآن » ففي بعضها أنه « أبو بكر» وفي آخر «عمر» وفي ثالث «سالم مولى أبي حذيفة» وفي رابع «عثمان» .
                            وطريق الجمع بينها أن يقال:
                            إن أبا بكر أول من جمع القرآن أي دونه تدوينا، وأن المراد من :«فكان [عمر] أول من جمعه في المصحف» أي : أشار على أبي بكر أن يجمعه وأن المراد فيما ورد في « سالم » : أنه من الجامعين للقرآن بأمر أبي بكر، وأما « عثمان » فجمع الناس على قراءة واحدة .

                            ثالثاً : في بيان الأحاديث الواردة في كيفية الجمع وخصوصياته في كل مرحلة.

                            أما في المرحلة الأولى : فقد رووا عن زيد قوله :« كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع...»[ المستدرك 2 | 662 .] ورووا عنه أيضا :« قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء »[ الإتقان 1 | 202 .] وأنه قال لأبى بكر لما أمره بجمع القرآن : «كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ !»[ صحيح البخاري 6 | 225 .].
                            إلا انه يمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل النافية على عدم تأليف القرآن وجمعة بصورة كاملة في مكان واحد، بل كانت كتابته كاملة عند الجميع... وهكذا تندفع الشبهة الأولى .

                            وأما في المرحلة الثانية : فإنه وإن كان أمر أبي بكر بجمع القرآن وتدوينه بعد حرب اليمامة لكن الواقع كثرة من بقي بعدها من حفاظ القرآن وقرائه ، مضافا إلى وجود القرآن مكتوبا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم... فلا تطرق الشبهة من هذه الناحية في تواتره، وأما الحديث: « إن عمر سأل من آية من كتاب الله كانت مع فلان قتل يوم اليمامة...» فإسناده منقطع[الإتقان 1 | 59 .] فالشبهة الثانية مندفعة كذلك .
                            وأما جمع القرآن من العسب واللخاف وصدور الرجال ـ كما عن زيد ـ فإنه لم يكن لان القرآن كان معدوما ، وإنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتبوا من حفظهم ، وأما قوله : وصدور الرجال : فإنه كتب الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن ، فكان يتتبعها من صدور الرجال ليحيط بها علما[المرشد الوجيز : 57 .] .
                            وأما قول أبي بكر لعمر وزيد : « اقعدا على باب المسجد فمن جاء كما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه » فقد قال الشيخ أبو الحسن السخاوي في « جمال القراء » : معنى هذا الحديث ـ والله أعلم ـ من جاء كم بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى. أي : من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن ولم يزد على شيء مما لم يقرأ أصلا ولم يعلم بوجه آخر[المرشد الوجيز : 75 .] ، وأما معنى قوله في الآية التي وجدها عند خزيمة فقال ابن شامة: « ومعنى قوله : فقدت آية كذا فوجدتها مع فلان ، أنه كان يتطلب نسخ القرآن من غير ما كتب بأمر النبي ، فلم يجد كتابة تلك الآية إلا مع ذلك الشخص ، وإلا فالآية كانت محفوظة عنده وعند غيره .
                            وهذا المعنى أولى مما ذكره مكي وغيره[كالزركشي في البرهان 1 | 234 .] : إنهم كانوا يحفظون الآية لكنهم نسوها فوجودها في حفظ ذلك الرجل فتذاكروها وأثبتوها ، لسماعهم إياها من النبي صلى الله عليه وسلم[المرشد الوجيز : 75 .] . وأما أن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده، فهي رواية مخالفة للمعقول والمنقول[الجواب المنيف في الرد على مدعي التحريف: 121 .] وإن أمكن تأويلها ببعض الوجوه، وهكذا تندفع الشبهة الثالثة.

                            وأما في المرحلة الثالثة: فإن عثمان ـ عندما اختلف المسلمون في القراءة ـ أرسل إلى حفصة يطلب منها ما جمع بأمر أبي بكر قائلا : « أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف...)[ صحيح البخاري 6 | 225 ـ 226 .] .
                            المصاحف ثم نردها عليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد ابن ثابت و... فنسخوها
                            هذا هو الواقع في هذه المرحلة ، وما خالفه يطرح أو يؤول كالحديث الذي روي : أنه كان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان. أوله ابن حجر على أن المراد من « الشاهدين » هو «الحفظ والكتابة» ،وناقش البيهقي في سنده وتبعه ابن شامة وصبحي الصالح [ مباحث في علوم القرآن : 76 .]، قال ابن شامة بعد أن رواه : « وأخرج هذا الحديث الحافظ البيهقي في كتاب المدخل بمخالفة لهذا في بعض الألفاظ وبزيادة ونقصان فقال : جلس عثمان على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنما عهد كم بنبيكم صلى الله عليه وسلم منذ ثلاث عشرة سنة ، وأنتم تختلفون في القراءة ، يقول الرجل لصاحبه : والله ما تقيم قراءتك ، قال : فعزم على كل من كان عنده شيء من القرآن إلا جاء به ، فجاء الناس بما عندهم ، فجعل يسألهم عليه البينة أنهم سمعوه من رسول الله ، ثم قال : من أعرب الناس ؟ قالوا : سعيد بن العاص ، قال : فمن أكتب الناس ؟ قالوا : زيد بن ثابت كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فليمل سعيد وليكتب زيد قال : فكتب مصاحف ففرقها في الأجناد فلقد سمعت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : لقد أحسن .
                            قال البيهقي : فيه انقطاع بين مصعب وعثمان ، وقد روينا عن زيد بن ثابت أن التأليف كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروينا عنه أن الجمع في الصحف كان في زمن أبي بكر والنسخ في المصاحف كان في زمن عثمان ، وكان ما يجمعون أو ينسخون معلوما لهم ، فلم يكن به حاجة إلى مسألة البينة . قلت : لم تكن البينة على أصل القرآن ، فقد كان معلوما كما ذكروا إنما كانت على ما أحضروه من الرقاع المكتوبة ، فطلب البينة عليها أنها كانت كتبت بين يدي رسول الله وبإذنه على ما سمع من لفظه على ما سبق بيانه ، ولهذا قال : فليمل سعيد ، يعني من الرقاع التي أحضرت ، ولو كانوا كتبوا من حفظهم لم يحتج زيد فيما كتبه إلى من يمليه عليه .
                            فإن قلت : كان قد جمع من الرقاع في أيام أبي بكر ، فأي حاجة إلى استحضارها في أيام عثمان ؟.
                            قلت : يأتي جواب هذا في آخر الباب »[ المرشد الوجيز : 58 ـ 59 .].
                            قال أبو شامة : « وأما ما روي من أن عثمان جمع القرآن أيضا من الرقاع كما فعل أبو بكر فرواية لم تثبت ، ولم يكن له إلى ذلك حاجة وقد كفيه بغيره... ويمكن أن يقال : إن عثمان
                            طلب إحضار الرقاع ممن هي عنده وجمع منها وعارض بما جمعه أبو بكر أو نسخ مما جمعه أبو بكر ، وعارض بتلك الرقاع أو جمع بين النظر في الجميع حالة النسخ ، ففعل كل ذلك أو
                            بعضه استظهارا ودفعا لوهم من يتوهم خلاف الصواب ، وسدا لباب القالة : إن الصحف غيرت أو زيد فيها أو نقص »[ المرشد الوجيز : 75 .] .
                            وأما ما رووا عن ابن مسعود من الطعن في زيد بن ثابت فكله موضوع[مباحث في علوم القرآن : 82 .] ، وإن عمل زيد لم يكن كتابة مبتدأه ولكنه إعادة لمكتوب، فقد كتب في عصر النبي صلى الله عليه وسلموإن عمله لم يكن عملا أحاديا بل كان عملا جماعيا[المعجزة الكبرى : 33 .].
                            وأما المصاحف التي أمر بتحريقها ـ قال بعضهم ـ: « فإنها ـ والله أعلم ـ كانت على هذا النظم أيضا ، إلا أنها كانت مختلفة الحروف على حسب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم سوغ لهم في القراءة بالوجوه إذا اتفقت في المعنى - وإن اختلفت في اللفظ »[ مقدمتان في علوم القرآن : 45 .]. قال:ويشهد ذلك ما روي عن محمد بن كعب القرظي ، قال: رأيت مصاحف ثلاثة:
                            مصحفا فيه قراءة ابن مسعود، ومصحفا فيه قراءة أبي، ومصحفا فيه قراءة زيد فلم أجد في كل منها ما يخالف بعضها بعضا »[ مقدمتان في علوم القرآن : 47 .].

                            التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:34 ص.

                            تعليق


                            • #59
                              ثالثاً: تنوير الأفهام في مصادر الإسلام


                              في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، نشرت الجمعية الإنجليزية المكلفة بالدعوة إلى النصرانية كتاب "تنوير الأفهام في مصادر الإسلام" ، لأحد الحاقدين على الإسلام وأهله الدكتور" سنكلير تِسدَل " والذي أورد في الفصل الثاني تحت عنوان " تأثيرات عرب الجاهلية " ما يلي:

                              (...إن بعض آيات القرآن مقتبسة من القصائد التي كانت منتشرة ومتداولة بين قريش قبل بعثة محمد. وأوردوا بعض قصائد منسوبة إلى امرئ القيس مطبوعة في الكتب باسمه تأييداً لقولهم. ولا شك أنه ورد في هذه القصائد بعض أبيات تشبه آيات القرآن، بل هي عينها، أو تختلف عنها في كلمة أو كلمتين، ولكنها لا تختلف معها في المعنى مطلقاً.

                              ثم أورد الأبيات هكذا:
                              دنت السـاعةُ وانشقَّ القمر عن غزالٍ صاد قلبي ونفر


                              أحور قد حرتُ في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حَوَر


                              مرَّ يوم العيـد في زيـنتـــه فرماني فتعاطى فعقر


                              بسهـامٍ من لـِحاظٍ فاتــكِ فتَرَكْني كهشيمِ المُحتظِر


                              وإذا ما غــاب عني ساعةً كانت الساعةُ أدهى وأمرّ


                              كُتب الحسنُ على وجنته بسَحيق المِسْك سطراً مُختصَر


                              عادةُ الأقمارِ تسري في الدجى فرأيتُ الليلَ يسري بالقمر


                              بالضحى والليلِ من طُرَّته فَرْقه ذا النور كم شيء زَهَر


                              قلـتُ إذ شقَّ العِذارُ خدَّه دنت الساـعةُ وانشقَّ القـمر


                              وله أيضاً:
                              أقبل والعشاقُ من خلفه كأنهم من كل حدبٍ يَنْسلون


                              وجاء يوم العيد في زينته لمثل ذا فليعملِ العاملون



                              ويقول: (.... أن الأبيات المذكورة واردة في سورة القمر 54:1 و27 و29؛ وفي سورة الضحى 93:1 و2؛ وفي سورة الأنبياء 21:96؛ وفي سورة الصافات 37:61، مع اختلاف طفيف في اللفظ وليس في المعنى. مثلاً ورد في القرآن «اقتربت» بينما وردت في القصيدة «دنت». فمن الواضح وجود مشابهة بين هذه الأبيات وبين آيات القرآن. فإذا ثبت أن هذه الأبيات هي لامرئ القيس حقيقةً، فحينئذ يصعب على المسلم توضيح كيفية ورودها في القرآن، لأنه يتعذر على الإنسان أن يصدق أن أبيات وثني كانت مسطورة في اللوح المحفوظ قبل إنشاء العالم.
                              ولستُ أرى مخرجاً لعلماء الإسلام من هذا الإشكال إلا أن يقيموا الدليل على أن امرئ القيس هو الذي اقتبس هذه الآيات من القرآن، أو أنها ليست من نظم امرئ القيس الذي توفي قبل مولد محمد بثلاثين سنة. ولو أنه سيصعب علينا أن نصدق أن ناظم هذه القصائد بلغ إلى هذا الحد من التهتك والاستخفاف والجراءة، بعد تأسيس مملكة الإسلام حتى يقتبس آياتٍ من القرآن ويستعملها بالكيفية المستعملة في هذه القصائد!..)أﻫ..

                              الرد على هذا الباطل


                              1ـ لقد تصدى العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله لهذه الفرية ، وردها بالأدلة والبراهين الدامغة، ونحن ننقل هنا شيئا من كلامه لأهميته.
                              قال رحمه الله :" لولا أن في القراء بعض العوام ، لما كنت في حاجة إلى التنبيه على أن هذه القصيدة يستحيل أن تكون لعربي ، بل يجب أن تكون لتلميذ أو مبتدئ ضعيف في اللغة من أهل الحضر المخنثين عشاق الغِلمان ، فهي في ركاكة أسلوبها وعبارتها وضعف عربيتها وموضوعها ، بريئة من شعر العرب لا سيما الجاهليين منهم ، فكيف يصح أن تكون لحامل لوائهم ، وأبلغ بلغائهم .
                              وهب أن امرأ القيس زير النساء كان يتغزل بالغلمان ـ وافرضه جدلا ـ ولكن هل يسهل عليك أن تقول : إن أشعر شعراء العرب صاحب ( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) يقول : أحور قد حرت في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حور ، وتضيق عليه اللغة فيكرر المعنى الواحد في البيت مرتين ؛ فيقول : أحور بعينيه حور .
                              أتصدق أن عربيا يقول : انشق القمر عن غزال ، وهو لغو من القول ؟ وما معنى : دنت الساعة في البيت ؟ وأي عيد كان عند الجاهلية يمر فيه الغلمان متزينين ؟.. وهل يسمح لك ذوقك بأن تصدق أن امرأ القيس يقول : فرماني فتعاطى فعقر، وأي شيء تعاطى بعد الرمي ، والتعاطي : التناول ... وهل يقول امرؤ القيس : لحاظ فاتك ؟ فيصف الجمع بالمفرد .
                              وهل يشبّه العربي طلوع الشعر في الخد بالسُرى في الليل؟ مع أنه سيرفي ضياء كالنهار؟
                              وكيف تفهم وتعرب قوله :
                              بالضحى والليل من طرته فرقه *** ذا النور كم شيء زهر


                              وهل يقول عربي، أو مستعرب فصيح في حبيبه: إن العذار شق خده شقًّا ؟!.... بعد هذه الإشارات الكافية في بيان أن الشعر ليس للعرب الجاهليين، ولا للمخضرمين، وإنما هو من خنوثة وضعف المتأخرين، أسمح لك بأن تفرض أنه لامرئ القيس إكراما واحتراما للمؤلف – أي مؤلف كتاب "تنوير الأفهام" - ، ولكن هل يمكن لأحد أن يكرمه ويحترمه فيقول : إن الكلمات التي وضع لها العلامات هي عين آيات القرآن ؟ .... وليس في القرآن ( فرماني فتعاطى فعقر ) وقد ذكرنا لك الآية آنفا ، وقوله ( تركني كهشيم المحتظر ) مثله ، وإنما الآية الكريمة ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ القمر: ٣١] ..فالمعنى مختلف والنظم مختلف ، وليس في البيت إلا ذكر المشبه به ، وهو فيه في غير محله ؛ لأن تشبيه الشخص الواحد بالهشيم يجمعه صاحب الحظيرة لغنمه لا معنى له ، وإنما يحسن هذا التشبيه لأمة فُنيت وبادت كما في الآية ...
                              وليس في القرآن أيضًا : كانت الساعة أدهى وأمر ، وإنما فيه ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ [القمر: ٤٥ - ٤٦]، فههنا وعيدان شرهما الساعة المنتظرة فصح أن يقال : إنها أدهى وأمر ، وليس في البيت شيء يأتي فيه التفضيل على بابه .
                              واعلم أن هذا الشعر من كلام المولدين المتأخرين هو أدنى ما نظموا في الاقتباس ، ولم ينسبه إلى امرئ القيس إلا أجهل الناس .
                              ثم إن المعنى مختلف، والنظم مختلف، فكيف يصح قول المؤلف ـ أي مؤلف كتاب "تنوير الأفهام" ـ : إن هذه الكلمات من آيات القرآن، وإنها لا تختلف عنها في المعنى، ولو فرضنا أن هذه الكلمات العربية استعملت في معنى سخيف في الشعر ليس فيه شائبة البلاغة، ثم جاءت في القرآن العربي بمعان أخرى وأسلوب آخر، وكانت آيات في البلاغة كما أنها في الشعر عبرة في السخافة، فهل يصح لعاقل أن يقول : إن صاحب هذا الكلام البليغ في موضوع الزجر والوعظ مأخوذ من ذلك الشعر الخنث في عشق الغلمان، وأن المعنى واحد لا يختلف؟. فمن كان معتبرا باستنباط هؤلاء الناس وتهافتهم في الطعن والاعتراض على القرآن فليعتبر بهذا، ومن أراد أن يضحك من النقد الفاضح لصاحبه، الرافع لشأن خصمه فليضحك، ومن أراد أن يزن تعصب هؤلاء النصارى بهذا الميزان فليزنه ، وإنه ليرجح بتعصب العالمين.". ا.ﻫ [ مجلة المنار 7 / الجزء 5 / ص 161 ].

                              2ـ وقال الأستاذ محمد أبو الفضل في مقدمة دراسته عن امرئ القيس وشعره :
                              " استفاضت أخباره على ألسنة الرواة ، وزخرت بها كتب الأدب والتراجم والتاريخ ، ونسجت حول سيرته القصص، وصيغت الأساطير، واختلط فيها الصحيح بالزائف، وامتزج الحق بالباطل، وتناول المؤرخون والأدباء بالبحث والنقد والتحليل وخاصة في العصر الحديث ... وفي جميع أطوار حياته منذ حداثته وطراءة سنه، إلى آخر أيامه، قال الشعر وصاغ القريض ... وأصبح عند الناس قدر وافر من قصيده ، فنحلوه كل شعر جهل قائله، أو خمل صاحبه، من جيد يعسر تمييزه عن شعره ، ورديء سفساف مهلهل النسج ، سقيم المعنى ، وللعلماء من القدماء حول هذا الشعر وتحقيق نسبته إليه أقوال معروفة مشهورة " .ا ﻫ.
                              [ امرؤ القيس ص 6 ].

                              فلو نسبت الأبيات التي هي موضع الشبهة إلى امرئ القيس دون سند أو برهان ، فلا شك حينئذ في أنها منحولة ومكذوبة عليه ، ومع ذلك فإنه حتى في المنحول الذي يذكره من جمع شعر امرئ القيس و ما نحل عليه لا تذكر هذه الأبيات .

                              وقد استدل بعضهم بما أورده الإمام عبد الرءوف المناوي في كتابه " فيض القدير شرح الجامع الصغير [ مسألة رقم 1625 الجزء 3 ص 187] "..
                              حيث قال ما نصه :"
                              1625 - (امرؤ القيس) بن حجر بضم الحاء بن الحارث الكندي الشاعر الجاهلي المشهور وهو أول من قصد القصائد (قائد الشعراء إلى النار) أي جاذبهم إلى جهنم (لأنه أول من أحكم قوافيها) أي أتقنها وأوضح معانيها ولخصها وكشف عنها وجانب التعويص والتعقيد، قيل كان إذا قيل أسرع وإذا مدح رفع وإذا هجا وضع قال التبريزي: وأشعر المَرَاقِسَة امرؤ القيس الزائد وهو أول من تكلم في نقد الشعر وقال العسكري في التصحيف أئمة الشعراء سبعة امرؤ القيس هذا ثم النابغة ثم زهير ثم الأعشى ثم جرير ثم الفرزدق ثم الأخطل وسئل كثير من أشعر الناس قال الملك الضليل قيل ثم من قال الغلام القتيل طرفة قيل ثم من قال الشيخ أبو عقيل يعني نفسه وقال ابن عبد البر: افتتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرّمة وقيل لبعضهم من أشعر الناس قال امرؤ القيس إذا ركب والأعشى إذا طرب وزهير [ص 187] إذا رغب والنابغة إذا رهب وأول شعر قاله امرؤ القيس إنه راهق ولم يقل شعراً فقال أبوه هذا ليس باني إذ لو كان كذلك لقال شعراً فقال لاثنين من جماعته خذاه واذهبا به إلى مكان كذا فاذبحاه فمضيا به حتى وصلا المحل المعين فشرعا ليذبحاه فبكى وقال:
                              قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوا بين الدخول فحومل
                              فرجعا به إلى أبيه وقالا هذا أشعر من على وجه الأرض قد وقف واستوقف وبكى واستبكى ونعى الحبيب والمنزل في نصف بيت فقام إليه واعتنقه وقبله وقال أنت ابني حقاً وآخر شعر قاله امرؤ القيس إنه وصل إلى جبل عسيب وهو يجود بنفسه فنزل إلى قبر فأخبر بأنها بنت ملك فقال:
                              أجارتنا إن المزار قريب * وإني مقيم ما أقام عسيب


                              أجارتنا إنا غريبان ههنا * وكل غريب للغريب نسيب



                              قال في الزاهر أنشد عمر هذين فأعجب بهما وقال وددت أنها عشرة وإني علي بذلك كذا وكذا، وفي الأوائل للمؤلف وغيره أن أول من نطق بالشعر آدم لما قتل ابنه أخاه وأول من قصد القصائد امرؤ القيس وقيل عبد الأحوص وقيل مهلهل وقيل الأفوه الأودي وقيل غير ذلك ويجمع بينهما بأنه بالنسبة للقائل وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل ، فقال :

                              يتمنى المرء في الصيف الشتاء *** حتى إذا جاء الشتاء أنكره


                              فهو لا يرضى بحال واحد *** قتل الإنسان ما أكفره


                              وقال:
                              اقتربت الساعة وانشق القمر * من غزال صاد قلبي ونفر


                              وقال:
                              إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها


                              تقوم الأنام على رسلها * ليوم الحساب ترى حالها


                              يحاسبها ملك عادل * فإما عليها وإما لها


                              وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ [عبس: ١٧.]
                              وقوله تعالى:ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ[القمر: ١].

                              وقوله تعالى:ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ الزلزلة: ١.

                              وقوله تعالى:ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ [القمر: ٣١] .
                              وقوله تعالى: ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ [القمر: ٢٩].

                              وقوله تعالى: ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ [القمر: ٤٦]

                              ونقول.. أن بعض الأبيات السابقة منسوبة بالفعل إلى غير امرئ القيس ، قال الذهبي المتوفى سنة 748 ﻫ ، في تاريخ الإسلام في ترجمة " محمد بن محمد بن عبد الكريم بن برز ـ المعروف بمؤيد الدين القمي ـ" :
                              " وكان كاتبا سديدا بليغا وحيدا ، فاضلا، أديبا، عاقلا، لبييا، كامل المعرفة بالإنشاء، مقتدرا على الارتجال ... وله يد باسطة في النّحو واللّغة، ومداخلةٌ في جميع العلوم ....إلى أن قال: أنشدني عبد العظيم بن عبد القويّ المنذري، أخبرنا عليّ بن ظافر الأزديّ، أنشدني الوزير مؤيّد الدّين القمّي النائب في الوزارة الناصرية، أنشدني جمال الدّين النّحويّ لنفسه في قينة:
                              سمّيتها شجراً صدقت لأنّـهـا **** كم أثمرت طرباً لقلب الواجد


                              يا حسن زهرتها وطيب ثمارها **** لو أنّها تسقى بـمـاءٍواحـد



                              وبه – يعني بالإسناد السابق - قال:
                              وأنشدنا لنفسه:
                              يشتهي الإنسان في الصّيف الشّتا **** فإذا مـا جـاءه أنــكـــره


                              فهو لا يرضى بـعـيشٍ واحـدٍ **** قتل الإنـسـان مـا أكـفـره "



                              فهذا الذهبي ـ وهو من المتقدمين ـ يروي البيتين السابقين بالسند منسوبين إلى غير امرئ القيس.
                              على أن "التيفاشي" ـ وهو من كبار أدباء العرب توفي سنة 651 ﻫ ـ صاحب كتاب " سرور النفوس بمدارك الحواس الخمسة" ينسب البيتين [ ص 89 ] إلى يحيى بن صاعد، قال :" يحيى بن صاعد :
                              يشتهي الإِنسانُ في الصيفِ الشتا *** فإذا جاء الـشـتـا أنـكـرَهُ


                              فهو لا يرضـى بـحـالٍ أبـداً *** قُتِلَ الإنـسـانُ مـاأكـفـره " ا.ﻫ



                              وأيا كان الأمر ، فإن "التيفاشي" والذهبي متقدمان على المناوي ، وقد نسبا كما رأيت البيتين إلى غير امرئ القيس.

                              5ـ أن البيتين المنسوبين إليه ، والذين ذكرهما المناوي، وهما :

                              يتمنى المرء في الصيف الشتاء *** حتى إذا جاء الشتاء أنكره
                              فهو لا يرضى بحال واحد *** قتل الإنسان ما أكفره

                              في هذين البيتين خلل من ناحية الوزن الشعري، وبيانه أن كل أشطار البيتين من بحر الرمل، إلا الشطر الثاني من البيت الأول ، فهو من بحر الرجز، ولا يمكن أن يقع هذا من مثل امرئ القيس، اللهم إلا إذا أخذنا بالرواية التي ذكرها الذهبي في تاريخه والتي نسب فيها البيتين إلى غير امرئ القيس، أو الرواية التي ذكرها "التيفاشي"، فحينئذ يستقيم البيت على بحر الرمل.

                              وعموما فلقد قال المناوي في المسألة رقم (244 ) في الجزء الأول تحت عنوان زلة العالم:

                              (احذروا زلة العالم) أي احذروا الاقتداء به فيها ومتابعته عليها .... (فإن زلته تكبكبه)... بضم المثناة فوق وفتح الكاف وسكون الموحدة (في النار)... أي تقلبه على رأسه وترديه لوجهه فيها لما يترتب على زلته من المفاسد التي لا تحصى لاقتداء الخلق.
                              غفر الله له ولنا ونعوذ بالله من الزلل.

                              6 ـ أن بعض المفسرين أنكر هذين البيتين صراحة ، قال محمود الألوسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ :" قال الإمام – أي الرازي - إن الجملة الأولى تدل على استحقاقهم أعظم أنواع العقاب عرفا ، والثانية تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعا ، ولم يسمع ذلك قبل نزول القرآن ، وما نسب إلى امرئ القيس من قوله :

                              يتمنى المرء في الصيف الشتا *** فإذا جاء الشتا أنكره


                              فهو لا يرضى بحال واحد *** قتل الإنسان ما أكفره



                              لا أصل له ، ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مولد أراد الاقتباس لا جاهلي " ا ﻫ [ روح المعاني 30 / 44 ] ، فانظر إلى كلام من ذاق أشعار العرب ، وألف أساليبهم ، حيث لم يخف عليه ركاكة الألفاظ وضعف السبك .
                              أن أي نقد يوجه إلى شيء من الأبيات المنسوبة إلى امرئ القيس ، يوضح ضعف سبكها ، وتهلهل نسجها ، وسقم معناها ، وسخف بعض التراكيب فيها ، فالبيت الذي فيه :

                              اقتربت الساعة وانشق القمر*** من غزال صاد قلبي ونفر



                              ما المراد بالساعة واقترابها، إن كان المراد بالساعة يوم القيامة، فالجاهليون لم يكونوا يؤمنون بالمعاد، فضلا عن أن يذكروه في أشعارهم أو يضعوه في قصائدهم، وإن كان المراد ساعة لقاء الحبيبة كما يزعم البعض، فما المراد حينئذ بقوله ( وانشق القمر)، فإن كان المراد انشقاق القمر فعلا، فهذا كذب ، إذ لم ينشق القمر في عهدهم أبدا، بل انشق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءت بذلك الروايات، وإن كان المراد بالقمر ذكر المحبوبة، فليس من عادة العرب التعبير عن جمال المحبوبة بانشقاق القمر، وأي جمال في انشقاق القمر إذا انشق، وما وجه الحسن في انشقاقه ليشبه به المحبوبة، وقد دأب العرب على تشبيه حسن النساء بالبدر حين اكتماله ، لا بانشقاق القمر، ثم انظر إلى ركاكة الأسلوب في البيت السابق وقارنه بقول امرئ القيس في معلقته :

                              قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل


                              فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها *** لما نسجتها من جنوب وشمأل


                              وقوله :
                              مكر مفر مقبل مدر معا *** كجلمود صخر حطه السيل من عل


                              وقوله :
                              ألا عم صباحا أيها الطلل البالي *** وهل يعمن من كان في العصر الخالي



                              بل قارن الأبيات التي هي موضع الشبهة ، والتي ذكرت أول البحث، بما ثبت نحله على امرئ القيس، وجزم بأنه ليس من قوله، مثل :
                              ترى القنة الحقباء منها كأنها *** كميت يبارى رعلة الخيل فارد


                              ومثل :
                              وآليت لا أعطي مليكا مقادتي *** ولا سوقة حتى يئوب ابن مندله


                              ومثل :
                              فجعت به في ملتقى الحي خيله *** تركت عناق الطير تحجل حوله


                              وإذا قرأت الأبيات السابقة، والتي ثبت أنها منحولة على امرئ القيس، علمت أن الأبيات التي هي موضع الشبهة مكذوبة لا شك في ذلك، وأنها من أردأ المنحول.

                              أن البيت الذي فيه :
                              مر يوم العيد بي في زينة *** فرماني فتعاطى فعقر
                              يظهر منه ركاكة الأسلوب ، فإن قوله ( فتعاطى) جاء بعد قوله ( فرماني)، فإذا كان قد رماه ، فأي شيء تعاطاه ، والتعاطي هو تناول الشيء، فلماذا يتعاطى شيئا بعد أن رماه، وكان المفترض أن يتعاطى شيئا ثم يرميه به ، لا أن يرميه ثم يتعاطى ، وقد جاء بعد هذا البيت : بسهام من لحاظ .. أي أنه قد رماه بسهام من سهام العيون ، وإذا كان الأمر كذلك فما فائدة قوله : ( فتعاطى فعقر) إلا الزيادة في قبح الأسلوب ورداءة المعنى، على أن العقر إن أريد به الذبح فإنه لا يأتي في اللغة إلا في الناقة والخيل، يقال : عقرت الناقة ، وعقرت الخيل، ولا يقال عقر بمعنى ذبح إلا في الناقة والخيل.
                              وإن أريد به الجرح، فإن البيت موضوع أصلا للدلالة على الرمي المعنوي بسهام العيون، لا على الرمي الحقيقي بآلة أو نحو ذلك، وأيا ما كان الأمر فإن ضعف الأسلوب وركاكة التعبير تخجل من نسبة هذا الشعر إلى شاعر مولد فضلا عن شاعر عربي جاهلي.

                              أن البيت الذي فيه :
                              بسهام من لحاظ فاتك*** فر عني كهشيم المحتظر

                              فيه ركاكة وخلل تركيب واضحين، فقوله ( كهشيم المحتظر) لا معنى له في البيت، فإن
                              ( هشيم المحتظر) هو حشيش الحظائر البالي الذي تدوسه الأغنام بأقدامها، أو هو العظام المحترقة، أو التراب المتناثر من الحائط كما جاء في تفسيرها [ انظر تفسير الطبري 11 / 561 ] ، فأي علاقة بين ذلك وبين فراره عنه، وما وجه الشبه، وهل يفر وهو كهشيم المحتظر؟ أم كان الأولى به أن يهلك ويموت إذا صار كهشيم المحتظر، وقارن بين ضعف التشبيه هنا، وقوته في قوله تعالى ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ [القمر: ٣١] ..
                              10ـ أن المناوي رحمه الله صاحب فيض القدير ، لم تكن له عناية في كتابه ذلك إلا بشرح أحاديث الجامع الصغير، فلم يعتن بجمع الشعر أو نسبته ، أو تمحيص رواياته، وكتابه "فيض القدير" ليس كتابا معتمدا في نقل الشعر أو نسبته، وإنما هو كتاب في شرح الحديث، هذا فضلا عن كونه من المتأخرين، حيث توفي سنة 1029 ﻫ ، فكيف يصبح كلامه مقدما على كلام من سبقه من أساطين اللغة وعلماء الأدب والبلاغة ولا شك في أن نسبته لتلك الأبيات إلى امرئ القيس خطأ محض ، كما سبق بيانه ، ولهذا لا يذكر لها سندا أو عزوا أو مصدرا .

                              11ـ أن كفار قريش كانوا أعلم الناس بأشعار العرب ، وأحفظهم له، وأعرفهم بمداخله ومخارجه، وقد كانوا مع ذلك أحرص الناس على بيان كذب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ما هو إلا ساحر أو كاهن أو شاعر، ومع ذلك كله لم يقل له أحد منهم : إن ما جئت به يشبه شعر امرئ القيس أو أحد غيره، فضلا عن أن يقول له إن ما جئت به مقتبس من شعر من سبق، وإذا كانوا قد ادعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر، ورد الله تعالى عليهم بقوله
                              ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ [الحاقة: ٤١]، فلم يستطيعوا تكذيب كلام الله تعالى ، ولم يقدروا على أن يأتوا بدليل على كلامهم إلا التهويش والتكذيب ، ولو كان ذلك الشعر من كلام امرئ القيس ، لكان كفار قريش وصناديد الكفر أول من يستعين به في رد كلام الله تعالى .

                              12ـ أن الوليد بن المغيرة شهد على نفسه وقومه من قبل بأن القرآن الكريم ليس من جنس شعر العرب ، فضلا عن أن يكون مقتبسا منه ، قال الوليد :" والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا " ، وإذا كان كذلك علم أن الأبيات السابقة مكذوبة لا محالة .
                              وقال ضماد بن ثعلبة الأزدي لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في صحيح مسلم :" لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر " .
                              وفي قصة عتبة بن ربيعة حين جاء يفاوض النبي - صلى الله عليه وسلم- على أن يترك دعوته ويعرض عليه المال والملك والسلطان ، فقرأ عليه - صلى الله عليه وسلم - شيئاً من القرآن ، فلما رجع إلى قومه وجلسوا إليه قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني والله قد سمعت قولاً ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا الكهانة ، يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها بي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، واعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم .
                              ولما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء ، فاسمع من قوله ثم ائتني ، فانطلق أخوه حتى قدم مكة وسمع من قوله ، ثم رجع إلى أبي ذر فقال : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ، وكلاما ما هو بالشعر ، فقال : ما شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة ليسمع منه ، ثم أسلم رضي الله عنه.

                              13ـ وختاما ، فإن أي محاولة للتشكيك في إعجاز القرآن وبلاغته ، إنما هي محاولة فاشلة يائسة ، فقد اجتمع في كفار قريش أقوى عاملين للتشكيك في القرآن الكريم.
                              العامل الأول: كونهم أهل اللغة العربية ، وفيهم فطاحل الشعراء والخطباء.
                              والعامل الثاني: رغبتهم الجامحة في إطفاء نور الله تعالى والصد عن سبيله.
                              ومع ذلك كله، لم يستطيعوا أن يخفوا أو ينكروا إعجاز القرآن وبلاغته وقوته، بل نسبوا إعجازه إلى ما لا يحسنه كل أحد كالسحر والكهانة، فأي تشكيك بعدهم في بلاغة القرآن الكريم وإعجازه، إنما هو ضرب من الكذب والهذيان، إذ إن أولى الناس بهذا التشكيك ـ وهم كفار قريش ـ وقفوا حائرين أمام عبارات القرآن وآياته، فكيف بالمولدين بعدهم ممن لا يحسن أحدهم إعراب جملة، أو بناء قصيدة، فضلا عن أن يعارض معلقة من المعلقات المشهورة.
                              ﭧ ﭨ ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ [الصف: ٨].
                              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:34 ص.

                              تعليق


                              • #60
                                ثالثا: ماذا يريد الملاحدة الجدد من القرآن الكريم



                                نأخذ على سبيل المثال الدكتور مهندس محمد شحرور


                                في كتابه


                                الكتاب والقرآن : قراءة معاصرة


                                دراسة وتقويم



                                ألّف الدكتور مهندس محمد شحرور كتاباً تحت عنوان (الكتاب والقرآن : قراءة معاصرة)
                                زعم فيه أنه أراد حل مشكلة الجمود الذي سيطر على الفكر الإسلامي لعدة قرون، والذي دعاني إلى كتابة هذه الدراسة عدة أمور :

                                الأول : تزكية روبرت بللترو - وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق - لكتاباته ووجهات
                                نظره، وقد جاءت هذه التزكية في تصريح أشاد فيه بثلاثة كتّاب هم : محمد سعيد العشماوي
                                من مصر ، ومحمد أركون من الجزائر ، ومحمد شحرور من سورية .

                                الثاني : تزويد القارئ المسلم بنموذج من صور الانحراف والضلال في بعض الكتابات التي
                                تزعم التجديد في الإسلام دون استخدام الأصول والمنطلقات الصحيحة التي رسمها الإسلام .
                                إن موكب ( القراءة المعاصرة ) يعتبر حلقة من سلسلة صراع طويلة ، وله جذوره التي بدأت من أكثر من سبعين عاماً فليس محمد شحرور هو أول من قام بها أو ابتدع هذا المركب البراق بل هو حلقة من سلِسلة تعود بدايتها إلى كتابات علي عبد الرزاق وطه حسين .

                                لقد ألف الأول ـ على عبد الزاق ـ كتابه " الإسلام وأصول الحكم " نفى الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام ، بينما ألف الثاني ـ طه حسين ـ " في الشعر الجاهلي " الذي روج فيه لآراء المستشرق الإنجليزي مارجليوث إذ طعن في كتابه أصول ومصداقية الشعر الجاهلي مستخدماً المنهج الديكارتي بحجة مواكبة الحضارة الغربية والسير في ركاب حركة التنوير التي تمسحت بالعقل والعقلانية .

                                ثم جاء محمد أحمد خلف الله وألف كتاب " الفن القصصي في القرآن " وطعن في واقعية الأحداث الواردة في القصص القرآنية .
                                ثم آزره أمين لطفي الخولي الذي انتهج سبيلاًً أدبياً في الحديث عن الدراسات القرآنية ليُخرج
                                النص القرآني عن كونه كتاباًً منزلاً من عند الله .

                                ثم تطورت اللعبة فنُحت لها هذا المصطلح الخُلَّبي " قراءة معاصرة " ولعب أدوار حلقاتها كلاً
                                من الدكاترة : حسن حنفي ، ونصر حامد أبو زيد وسيد محمود القمني ومحمد شحرور وطيب تيزيني .

                                فمنهم من اتخذ في كتاباته طابعاً فلسفياً ومنهم من اتخذ طابعاً أدبياً في قالب فلسفي ، كل ذلك مع أسلوب ماكر في اصطناع المصطلحات الغامضة كالغنوصية ، والأيستمولوجية، والأمبريقية ، والأنسنة ، والإسلاموية ، والسلفوية ، والماضوية ، والمستقبلوية ، والأنطولوجية، والبلشفية ، والمنشفية ، والديالكتيكية ، والسيوكولاستيكية ، والزمكانية ، والميكانزماتية، والسيميولوجية ، والهرمونوطيقية ، والديماغوجية ....الخ وألفاظ كثيرة غيرها انبهر منها كثير من السذج من المثقفين وظنوها علماً فلاكتها ألسنتهم في المجالس ورسمتها أقلامهم في الكتب لكي يقال عنهم : متنورون .. متحضرون ... عصريون .
                                فكلها تنتهي بالإيّة..فألف إيّة.. وتبقى إيّة واحدة هي إسلامية..

                                وقد تبنى جميعهم فيها المنهج المادي الديالكتيكي التاريخي الماركسي.

                                ولم تكن كتاباتهم هذه وليدة الدراسات الاستشراقية فقط بل كانت متممة وداعمة لها فسميت بعد
                                ذلك بـ " الدراسات الشرق أوسطية " ؛ وكانت الغاية منها هدم مفاهيم القرآن ومبادئ الإسلام
                                وإحلال المبادئ الماركسية محلها ، ولكنهم سلكوا لذلك سبيلاً ظنوا أنهم يبدعون فيه ، فادعوا بأنهم يواكبون الحداثة وروح العصر ويسيرون في طريق التقدم والتطور ومعانقة المستقبل فرفعوا شعار العلمية والموضوعية وجعلوه حكراً عليهم مقابل نعتهم لغيرهم بالجهالة والجمود
                                والسذاجة والعمالة والتخلف والظلامية والتحجر ووو..كما فعل ـ على سبيل المثال ـ نصر حامد أبو زيد في قراءاته المعاصرة لمقاصد الشريعة وأصول الفقه والقواعد الشرعية وكانت
                                مجلة العربي الكويتية تنشر مقالاته .

                                ولعل من المفيد ذكره بيان أن هذا الموكب المريب نشط في وقت يسعى فيه أعداء الإسلام لتغيير صورة الإسلام على النمط الغربي أو على النمط الأمريكي تحت شعار العولمة في محاولة لرسم صورة جديدة للإسلام تتوافق مع المخططات السياسية للقرن الواحد والعشرين.


                                أما الدكتور محمد شحرور فهو أستاذ جامعي في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق وقد قضى في تأليف كتابه ـ كما زعم هو ـ أكثر من عشرين عاماً فكان في أكثر من ثماني مئة صفحة وقد أشار المؤلف في مقدمة كتابه إلى المراحل التي مر بها في تأليف الكتاب ، فكان أولها عام 1970 في ايرلندا ، وكان آخرها عام 1990 عند عودته من روسيا .
                                ورغم ضخامة الكتاب إلا أنه طبع أربع مرات في خمسة عشر شهراً ، فكانت الأولى في ديسمبر عام 1990 ، والرابعة في يناير عام 1992 .

                                أولاً: وحتى لا أضيع وقت القارئ الكريم فإني سأعرض تلخيصاً للمنهج المطبق في " الكتاب والقرآن " استنتاجاً كما عرضها السيد ماهر المنجد في كتابه " الإشكالية المنهجية في الكتاب والقرآن " صـ 178 وما بعدها، بعدما قام بدراسته وبدراسة أهم الدود عليه.
                                فيقول :
                                ( وقد صار بإمكاننا الآن من خلال مجمل ما قدمنا وما وقفنا عليه من الدراسة أن نستنتج المنهج الحقيقي المطبق فعلاً في الكتاب فنلخصه في البنود التالية :
                                1 ـ تحطيم خصائص اللغة العربية وأنظمتها .
                                2 ـ عدم المقدرة لقراءة المعجم وفهمه وتفسير الكلمات بغير معناها .
                                3 ـ مخالفة معجم المقاييس لابن فارس وإهمال المعاجم الأخرى .
                                4 ـ تزييف حقائق اللغة والإدعاء بما ليس فيها .
                                5 ـ مخالفة نظرية الجرجاني في النظم من خلال اجتثاث المفردة من سياقها وتجريدها من معناها الحقيقي .
                                6 ـ إغفال علوم الصرف والاشتقاق التي كان من أئمتها أبو علي الفارسي وابن جني .
                                7 ـ مخالفة ما ورد في الشعر الجاهلي .
                                8 ـ الاستخفاف بعقل القارئ وغياب المنهج العلمي الحقيقي .
                                9 ـ إضفاء صفة العلمية والحقيقة على افتراضات وتصورات محضة فقدت أدلتها وبراهينها.
                                10 ـ الانطلاق من أفكار الماركسية ومبادئها وإكراه آيات القرآن وقسرها على التعبير عنها.
                                11 ـ اتخاذ آيات القرآن غطاءً لأفكاره وأطروحاته وانهيار العلاقة بين التشكيل اللغوي للآية
                                والمعنى الذي يوضع لها من خارجها .
                                12 ـ إقحام علم الرياضيات واستخدام ألفاظ العلم والتكنولوجيا بغرض الإرهاب العلمي.
                                13 ـ بناء نظرية فقهية على أسس فاسدة ومقدمات باطلة علمياً ومنطقياً ولغوياً .
                                14 ـ وضع النتائج قبل المقدمات والإتيان بمقدمات واهية غير مسلم بها ولا ملزمة ولا منطقية.
                                15 ـ عدم التوثيق وانعدام المرجعية مطلقاً وعدم مراعاة أبسط قواعد البحث العلمي .).أ.ﻫ.

                                ثانياً: ولا ريب أن ما تضمنه الكتاب من ملاقاته هوى في نفوس كثير من المتحللين والإباحيين الذين لا يعنيهم إلا إرضاء شهوتهم والاستمتاع الغريزي الحيواني ، وما تضمنه من إرهاب علمي ومصطلحات براقة جوفاء تبهر من يقرأها وما زعمه مؤلفه من الاعتماد على أرضية معارف القرن العشرين ومناقشاته لمواضيع وقضايا فكرية أو اجتماعية أو ... بأسلوب غير منضبط جذاب في محاولة للإقناع لتغيير الواقع ورافق ذلك دعاية إعلامية قوية روج لها منتفعون وداعمون للمشروع أدى إلى انتشار الكتاب بسرعة .

                                ثالثاً: ومن المناسب ذكره في هذا المقام ما قاله السيد ماهر المنجد في آخر كتابه عندما دعي من قبل الأستاذ الدكتور نعيم اليافي إلى حضور ندوة علمية خاصة مع المؤلف الدكتور محمد شحرور في دمشق نظمها اتحاد الكتاب العرب منذ أكثر من سنة وفي أثناء ذلك لا حظ المنجد أن المؤلف كان على العكس تماماً مما وجده في كتابه من تنظيم وتقسيم واصطلاحات فقد كان مشتتاً يتحدث دون ترابط سببي في كلامه ، فعندما طلب الدكتور اليافي أن يقدم الكتاب من خلال ثلاث نقاط :
                                1ـ تجربته مع الكتاب.
                                2ـ مقولته في الكتاب.
                                3ـ النتائج التي وصل إليها .
                                تحدث عن كل شيء إلا عن هذه النقاط الثلاث وكان حديثه مبعثراً ولغته سقيمة ركيكة لا تكاد تستقيم فيها جملة فصيحة ... حتى الآيات القرآنية التي كان يستشهد بها كان يغلط في قولها فيرده الحضور مرة والدكتور اليافي مرة أخرى ثم كانت الطامة الكبرى أن سمى نظرية " النَّظم " لعبد القاهر الجرجاني بنظرية " النُّظم " بضم النون وكررها أكثر من مرة ؟؟ !! .
                                فما النتيجة التي تخرج بها بعد ذلك يا رعاك الله ؟!.

                                رابعاً: وفي خريف عام 2005م جمعني لقاء مع فضيلة الدكتور العالم محمد سعيد رمضان البوطي وذلك في مدينة صلالة بسلطنة عمان بارك الله في عمره ونفعنا بعلمه، فسألته رأيه عن كتاب الدكتور شحرور وهل تفضل بالرد عليه أم لا وكنت قد عرضت عليه بعض من ردودي على الكتاب فإذا به يفجر قنبلة خطيرة لكل الحضور في هذا اللقاء، مؤداها أن فضيلة الدكتور العالم حينما تناقش مع شحرور فيما هو مكتوب واستعرض بعض النماذج الموجودة بالكتاب، فوجئ باستغراب الدكتور شحرور من أن هذه النماذج التي استشهد بها العالم الجليل الدكتور البوطي موجودة بكتابه!!!.. الأمر الذي أدرك معه الدكتور البوطي أن الكاتب ليس هو شحرور وأن هناك من كتب له هذا الكتاب حتى أن شحرور لم يعرف محتويات كتابه.. فأحجم عن الرد وأنهى الحديث...

                                خامساً: وأضيف هنا أيضاً ما قاله الدكتور محمد رفعت زنجير في كتابه " اتجاهات تجديدية متطرفة " صـ 41 وهو يعرض في نقد الكتاب أيضاً :
                                ( يبقى أن نشير إلى ما سماه الكاتب [ يريد شحرور ] بالقانون الثاني للجدل ، فهو هنا يحاول إسقاط التفسير المادي للتاريخ على التاريخ الإسلامي ، والجدلية نظرية فلسفية نادى بها إنجلز مثلما نادى ماركس بالشيوعية ، وكلاهما يهوديان ، وقد هوت الشيوعية وهوى معها التفسير المادي للتاريخ وكان من المفترض طبقاً للتفسير المادي أن تكون الشيوعية هي المحطة الأخيرة في سلسلة النظم الاجتماعية التي عرفتها البشرية ، لذا فإن إسقاط المصطلحات المستوردة الميتة على كتاب الله مع ثبوت بطلانها وفشلها وإخفائها فيه تجن كبير على كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .).

                                سادساً: وأود أن أنبه منذ البداية أنني لا أستطيع أن أرد على كل الأخطاء التي وردت في الكتاب وذلك لضخامة حجمه الذي يبلغ (819) صفحة من جهة ، ولكثرة الموضوعات التي تحدث عنها الكاتب من جهة ثانية ، ولكني سأرد على بعض النقاط التي أراها أكثر خطورة من غيرها ، والتي يتّسع المقام للرد عليها .

                                1ـ قال شحرور: بما أن القرآن علم بالحقيقة الموضوعية "الموجودة خارج الوعي الإِنساني" وفيه قوانين الوجود وقوانين التاريخ، نستنتج بالضرورة أن له وجوداً مسبقاً عن التنزيل.
                                لذا قال تعالى عن القرآن الكريم:ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ [FONT='Arial','sans-serif']البروج: ٢١ - ٢٢[/font]
                                وهو القوانين العامة الناظمة للوجود منذ الانفجار الكوني الأول وحتى البعث والجنة والنار والحساب، وأنه في إمامٍ مبينٍ وذلك بالنسبة لأحداث الطبيعة الجزئية "ظواهر الطبيعة" المتغيرة وأحداث التاريخ بعد وقوعها. ولم يقل ذلك أبداً عن أم الكتاب ولا عن الذكر ولا عن الفرقان.
                                وهذا يجرنا إلى الموضوع التالي: ما هو "اللوح المحفوظ" و"الكتاب المكنون" و"الإِمام المبين"؟
                                ـ اللوح المحفوظ: هو لوحة التحكم في الكون الذي نشأ فعلاً، وقد برمج القرآن المجيد في داخلها. ويمثل اللوح المحفوظ: (INFORMATION INACTION).
                                ـ الكتاب المكنون: هو البرنامج الذي بموجبه تعمل قوانين الكون العامة كمعلومات(INFORMATION)
                                ـ الإِمام المبين: فيه قوانين الطبيعة الجزئية (ظواهر الطبيعة المتغيرة) آيات الله. وفيه أرشفة الأحداث التاريخية بعد وقوعها:ﭧ ﭨ ﭽ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ[يس: ١٢]

                                من هذا الإِمام المبين جاءت قصص القرآن، لذا سماها "الكتاب المبين" ففي أول سورة يوسف ﭧ ﭨ ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ [يوسف: ١]
                                وفي أول سورة القصص ﭧ ﭨ ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ [القصص: ١ - ٢]
                                وفي أول الشعراء الآية ﭧ ﭨﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ [الشعراء: ١ – ٢] .

                                فإذا أخذنا محتويات هذه السور الثلاث نراها كلها قصص أحداث تاريخية.
                                أما إذا أخذنا سورة النمل فنراها تبدأ بقوله تعالى: ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ [النمل: ١]

                                فإذا نظرنا إلى محتويات السورة نرى أنّ فيها آيات كونية وقصصاً معا وجاء فيها ذكر "كتاب مبين" الآية رقم 75:
                                ﭧ ﭨ ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ [النمل: ٧٥].

                                لذا نجد هنا عطف "كتاب مبين" على "القرآن" من قبيل عطف الخاص على العام.

                                ولهذا فإن القرآن ليس له أسباب نزول لأن أسباب النزول هي للأحكام وتفصيل الكتاب وقد قال عنه إنه أنزل دفعة واحدة عربياً وفي رمضان
                                ﭧ ﭨ ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ [البقرة: ١٨٥]وﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ [القدر: ١]
                                (الكتاب والقرن/ د. محمد شحرور). [ص ـ92]"
                                التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 23 أكت, 2020, 10:34 ص.

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 1 أغس, 2023, 06:55 م
                                ردود 0
                                19 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 11 يول, 2023, 05:19 م
                                ردود 0
                                18 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 10 يول, 2023, 07:05 م
                                رد 1
                                20 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 4 يول, 2023, 10:07 م
                                ردود 0
                                12 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 30 يون, 2023, 04:06 م
                                ردود 0
                                15 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                يعمل...
                                X