رسالة تحكيم القوانين

تقليص

عن الكاتب

تقليص

أبوعبدالله الحنبلي طالب علم اكتشف المزيد حول أبوعبدالله الحنبلي
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة تحكيم القوانين

    رسالة تحكيم القوانين



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى في رسالته "تحكيم القوانين":

    إنّ من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرّدِّ إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله عزّ وجلّ: {فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً}[النساء:59]. وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عمن لم يُحَكِّموا النبي صلى الله عليه وسلم، فيما شجر بينهم، نفيا مؤكدا بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَر َبَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَوَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. ولم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، بقوله جل شأنه: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ}.والحرج: الضيق. بل لا بدّ من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب.

    ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين، حتى يضموا إليهما التسليم: وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم، بحيث يتخلّونها هنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء، ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتمّ تسليم، ولهذا أكّد ذلك بالمصدر المؤكّد، وهو قوله جلّ شأنه: {تسليمًا} المبيّن أنه لا يُكتفى بها هنا بالتسليم. بل لا بدّ من التسليم المطلق وتأمل ما في الآية الأولى، وهي قوله تعالى: {فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً..} .كيف ذكرالنّكِرة، وهي قوله: {شيء} في سياق الشرط، وهو قوله جلّ شأنه: {فإنْ تنازعتم} المفيد العمومَ فيما يُتصوّر التنازع فيه جنسا وقدرًا .

    ثم تأمل كيف جعل ذلك شرطا في حصول الإيمان بالله واليوم الآخر، بقوله: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} ، ثم قال جل شأنه: {ذلك خيرٌ} . . فشيء يُطلقِ اللهُ عليه أنه خير، لايتطرّق إليه شرّ أبدا، .بل هو خير محض عاجلا وآجلاً ثم قال: {وأحسنُ تأويلاً} أي: عاقبةً في الدنيا والآخرة، فيفيد أنّ الردَّ إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم عند التنازع شرٌّ محضٌ، وأسوأ عاقبة في الدنيا والآخرة. عكس ما يقوله المنافقون:{إنْ أَرَدْنا إلا إحْسانًا وتَوْفيقًا} [النساء:62]. وقولهم: {إنّما نحنُ مُصلِحون} [البقرة:11].

    ولهذا ردّ اللهُ عليهم قائلا: {ألاَ إنّهم هُمُ المُفْسِدونَ ولكن لايَشْعُرون}[البقرة:12].وعكس ما عليه القانونيون من حكمهم على القانون بحاجةالعالم (بل ضرورتهم) إلى التحاكم إليه، وهذا سوء ظن صِرْفٍ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحضُ استنقاص لبيان الله ورسوله، والحكم عليه بعدم الكفاية للناس عند التنازع، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة إن هذا لازمٌ لهم.

    وتأمّل أيضا ما في الآية الثانية من العموم، وذلك في قوله تعالى: {فيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم}،فإنّ اسم الموصول مع صِلته مع صيغ العموم عند الأصوليين وغيرهم، وذلك العمومُ والشمولُ هو من ناحية الأجناس والأنواع،كما أنه من ناحية القدْر، فلا فرقَ هنا بين نوع ونوع، كما أنّه لا فرق بين القليل والكثير، وقد نفى اللهُ الإيمانَ عن مَن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من المنافقين، كما قال تعالى: {أَلمْ تَرَ إلى الذينَ يَزْعُمونَ أنّهم آمنوا بما أُنْزِلَ إليكَ وما أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدونَ أنْ يتحاكموا إلى الطاغوتِ وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به ويُريدُ الشيطان ُأنْ يُضلّهم ضلالا بعيدًا} [النساء:60]
    فإنّ قوله عز وجل: {يَزْعُمونَ} تكذيب لهم فيما ادّعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبدٍ أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو: مجاوزة الحدّ فكلُّ مَن حَكَمَ بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حاكَمَ إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حَكَمَ بالطاغوت وحاكم إليه وذلك أنّه مِن حقِّ كل أحدٍ أن يكون حاكمًا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقط، لا بخلافه. كما أنّ من حقِّ كل أحدٍ أن يُحاكِمَ إلى ماجاء به النبي صلى الله عليه وسلم.. فمَن حَكَمَ بخلافه أو حاكم إلى خلافه فقد طغى،وجاوز حدّه، حُكْمًا أو تحكيما، فصار بذلك طاغوتا لتجاوزه حده.

    وتأمل قوله عز وجل: {وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به}، تعرف منه معاندة القانونيين، وإرادتهم خلاف مراد الله منهم حول هذا الصدد، فالمراد منهم شرعًا والذي تعبّدوا به هو: الكفر بالطاغوت لا تحكيمه.. {فبدَّل الذينَ ظَلموا قولاَ غيرَ الذي قيلَ لهُم..} [البقرة:59]ثم تأمل قوله: {ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهُم}كيف دلَّ على أنّ ذلك ضلالٌ، وهؤلاء القانونيون يرونه من الهدى،كما دلّت الآية على أنّه من إرادة الشيطان، عكس ما يتصور القانونيون من بُعدهم من الشيطان، وأنّ فيه مصلحة الإنسان، فتكون على زعمهم مرادات الشيطان هي صلاح الإنسان،ومراد الرحمن وما بُعث به سيدُ ولد عدنان معزولا من هذا الوصف، ومُنحىً عن هذا الشأن وقد قال تعالى منكرا على هذا الضرب من الناس، ومقررا ابتغاءهم أحكام الجاهلية، وموضحا أنه لا حُكم أحسن من حُكمه: {أَفَحُكمَ الجاهليةِ يَبْغونَ ومَنْ أحسنُ مِن اللهِ حُكمًا لِقومٍ يُوقِنون}[المائدة:50].فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلّت على أنّ قِسمة الحكم ثنائية، وأنّه ليس بعد حكم الله تعالى إلاّ حُكم الجاهلية، شاءوا أمْأبوا، بل هم أسوأ منهم حالاً، وأكذب منهم مقالاً، ذلك أنّ أهل الجاهلية لا تناقضَ لديهم حول هذا الصدد وأما القانونيون فمتناقضون، حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويناقضون ويريدون أنْ يتّخذوا بين ذلك سبيلاً، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء: {أُولئكَ هُمُ الكافرونَ حَقَّا وأَعْتدنا للكافرينَ عذابًا مُهينًا}[النساء:151]، ثم انظر كيف ردّت هذه الآية الكريمة على القانونيين ما زعموه من حُسن زبالة أذهانهم، ونحاتة أفكارهم،بقوله عزّ وجلّ:{ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقوْمٍ يُوقِنون}.
    قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "ينكر اللهُ على من خرج من حكم الله المُحْكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شرّ، وعَدَلَ إلى ماسواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله،كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتارُ من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكهم "جنكيزخان" الذي وضع لهم كتابًا مجموعًا من أحكامٍ قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية،والنصرانية، والإسلامية، وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره و هواه، فصارت في بَنيهِ شرعا مُتّبعا يقدِّمونها على الحكم بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافرٌ يجب قتاله حتى يرجعَ إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحَكِّم سواه في قليل ولا كثير. قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الجاهليةِ يَبْغون}، أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون{ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يوقِنونَ}، أي: ومن أعدل من الله في حكمه، لِمَن عَقَل عن الله شرعه وآمن به وأيقن، وعلِم أنّ الله أحكمُ الحاكمين، وأرحمُ بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء". (انتهى قول الحافظ ابنكثير).

    وقد قال عزّ شأنه قبل ذلك مخاطبا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: {وأَنِ احْكُمْ بَيْنهُم بما أنزل اللهُ ولا تَتَّبِعْ أهْواءهُم عَمّا جاءَك مِن الحقّ}، وقال تعالى: {وأنِ احْكُمْ بَيْنهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ واحْذَرْهُم أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إليك..} [المائدة:49]،وقال تعالى مُخيرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، بين الحُكم بين اليهود والإعراض عنهم إنْ جاءُوه لذلك: {فَإنْ جاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم أوْأَعْرِضْ عَنْهُمْ وإنْ تَعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وإنْ حَكَمْتَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ} [المائدة:42]، والقسط هو: العدل ولا عدل حقا إلاّ حُكم الله ورسوله، والحكم بخلافه هو الجور، والظلم، والضلال، والكفر، والفسوق، ولهذا قال تعالى بعد ذلك: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون} [المائدة:44]،

    {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظالِمُون} [المائدة:45]،
    {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقون} [المائدة:47].

    فانظر كيف سجّل تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل اللهُ الكفرَ والظلمَ والفسوقَ، ومِن الممتنع أنْ يُسمِّي اللهُ سبحانه الحاكمَ بغير ماأنزل اللهُ كافرًا ولا يكون كافرًا، بل كافرٌ مطلقًا، إمّا كفر عمل وإما كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في تفسير هذه الآية من رواية طاووس وغيره يدلُّ أنّ الحاكم بغير ما أنزل اللهُ كافرٌ إمّا كفرُ اعتقادٍ ناقلٌ عن الملّة، وإمّا كفرُ عملٍ لا ينقلُ عن الملّة.

    أمّا الأول: وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع،أحدها: أن يجحد الحاكمُ بغير ما أنزل الله أحقيّة حُكمِ الله ورسوله وهو معنى ما رُوي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير أنّ ذلك هو جحودُ ما أنزل اللهُ من الحُكم الشرعي، وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم، فإنّ الأصول المتقررة المتّفق عليها بينهم أنّ مَنْ جَحَدَ أصلاً من أصول الدين أو فرعًا مُجمعًا عليه،أو أنكر حرفًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، قطعيًّا، فإنّه كافرًا الكفرَ الناقل عن الملّة.

    الثاني: أنْ لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كونَ حُكم اللهِ ورسولِهِ حقًّا، لكن اعتقد أنّ حُكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسنُ من حُكمه، وأتمّ وأشمل... لما يحتاجه الناسُ من الحُكم بينهم عند التنازع، إمّا مُطلقا أو بالنسبة إلى ما استجدّ من الحوادث، التي نشأت عن تطوّر الزمان وتغير الأحوال،وهذا أيضًا لا ريب أنه كافرٌ، لتفضيله أحكامَ المخلوقين التي هي محضُ زبالةِ الأذهان، وصرْفُ حُثالة الأفكار، على حُكم الحكيم الحميد وحُكمُ اللهِ ورسولِه لايختلف في ذاته باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدّد الحوادث، فإنّه ما من قضية كائنة ما كانت إلاّ وحُكمها في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم،نصًّا أو ظاهرًا أو استنباطًا أو غير ذلك، عَلِمَ ذلك مَن علمه، وجَهِلَه مَن جهله وليس معنى ما ذكره العلماء من تغيّر الفتوى بتغير الأحوال ما ظنّه مَن قلَّ نصيبُهأ و عدم من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها، حيث ظنّوا أنّ معنى ذلك بحسب ما يُلائم إرادتهم الشهوانية البهيمية، وأغراضهم الدنيوية وتصوّراتهم الخاطئة ولهذا تجدُهم يحامون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها منقادة إليها، مهما أمكنهم فيحرفون لذلك الكَلِم عن مواضعه.

    وحينئذٍ معنى تغيُّر الفتوى بتغير الأحوال والأزمان مراد العلماء منه: "ما كان مُستصحبه فيه الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح التي جِنْسُها مرادٌ لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أنّ أرباب القوانين الوضعية عن ذلك بمعزل، وأنهم لا يقولون إلاّ على ما يلائم مراداتهم، كائنة ما كانت، والواقع أصدقُ شاهدٍ.

    الثالث: أنْ لا يعتقد كونَه أحسن من حُكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله، فهذا كالنوعين الذين قبله، في كونه كافرًا الكفر الناقل عن الملّة، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق والمناقضة والمعاندة لقوله عزّ وجلّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء..} [الشورى:11].ونحوها من الآيات الكريمة، الدالّة على تفرُّدِ الربّ بالكمال،وتنزيهه عن ممثالة المخلوقين، في الذات والصفات والأفعال والحُكم بين الناس فيما يتنازعون فيه.

    الرابع: أنْ لا يعتقد كون حُكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله، فضلاً عن أنْ يعتقدَ كونه أحسن منه، لكن اعتقد جوازالحُكم بما يخالف حُكم الله ورسوله، فهذا كالذي قبله يصدُقُ عليه ما يصدق عليه،لاعتقاده جوازَ ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه.

    الخامس: وهوأعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقّة لله ورسوله،ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعدادا وإمدادا وإرصادا وتأصيلا، وتفريعا وتشكيلا وتنويعا، وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات. فكما أنّ للمحاكم الشرعية مراجعَ مستمدّات، مرجعها كلُّها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجعٌ، هي: القانون المُلفّق من شرائعَ شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك.

    فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكملة، مفتوحةُ الأبواب، والناس إليها أسرابٌ إثْر أسراب،يحكُمُ حُكّامُها بينهم بما يخالف حُكم السُنّة والكتاب، من أحكام ذلك القانون،وتُلزمهم به، وتُقِرُّهم عليه، وتُحتِّمُه عليهم.. فأيُّ كُفر فوق هذا الكفر، وأيُّ مناقضة للشهادة بأنّ محمدًا رسولُ اللهِ بعد هذه المناقضة.

    وذِكْرُ أدلّة جميع ما قدّمنا على وجه البسْطِ معلومةٌ معروفة، لا يحتمل ذكرها في هذا الموضوع. فيا معشر العُقلاء، ويا جماعات الأذكياء وأولي النهى كيف ترضون أنْ تجري عليكم أحكامُ أمثالكم، وأفكارُ أشباهكم، أو مَن هم دونكم، مِمّن يجوز عليهم الخطأ، بل خطأهم أكثرُ من صوابهم بكثير، بل لا صواب في حُكمهم إلاّ ما هو مُستمدٌّ من حُكم اللهِ ورسولهِ، نصًّا أو استنباطًا، تَدَعونهم يحكمون في أنفسكم ودمائكم وأبشاركم،وأعراضكم وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم، وفي أموالكم وسائرحقوقكم؟؟ ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحُكم الله ورسوله، الذي لا يتطرّق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ..وخُضوع الناس ورضوخهم لحكم ربِّهم خضوعٌ ورضوخٌ لِحُكم مَنْ خلقهم تعالى ليعبدوه فكما لايسجدُ الخلقُ إلاّ للهِ، ولا يعبدونَ إلاّ إياه ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلاّ لحُكم الحكيم العليم الحميد، الرؤوف الرحيم،دون حُكم المخلوق، الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوكُ والشهواتُ والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات فيجب على العُقلاء أن يربئوا بنفوسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط والأخطاء، فضلاً عن كونه كفرًا بنصِّ قوله تعالى: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَاأَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون} [المائدة:44].

    السادس: مايحكُم به كثيرٌ من رؤساء العشائر، والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعاداتهم التي يسمُّونها "سلومهم"، يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به ويحُضُّون على التحاكم إليه عند النزاع، بقاء على أحكام الجاهلية، وإعراضًا ورغبةً عن حُكم الله ورسوله، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله .

    وأمّا القسم الثاني من قسمي كُفر الحاكم بما أنزل الله، وهو الذي لا يُخرجُ من الملة فقد تقدّم أنّ تفسيرابن عباس، رضي الله عنهما، لقول الله عزّ وجلّ: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون} [المائدة:44]،قد شمل ذلك القسم، وذلك في قوله ـ رضي الله عنه ـ في الآية: "كُفر دون كفر"، وقوله أيضًا: "ليس بالكفر الذي تذهبون إليه" وذلك أنْ تَحْمِلَهُ شهوتُه وهواهُ على الحُكم في القضية بغير ما أنزل الله، مع اعتقاده أنّ حُكم الله ورسوله هو الحقّ،واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى وهذا وإنْ لم يُخرِجْه كُفْرُه عن الملّة،فإنه معصية عُظمى أكبرُ من الكبائر، كالزنا وشُرب ..الخمر، والسّرِقة واليمين الغموس، وغيرها فإنّ معصية ً سمّاها اللهُ في كتابه كفرًا، أعظمُ من معصية لم يُسمِّها كُفرًا نسأل الله أنْ يجمع المسلمين على التحاكم إلى كتابه، انقيادا ورضاءً، إنّه وليُّ ذلك والقادر عليه.


    تمّت الرسالة ولله الحمد.
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 01:04 م.
    أبو عبدالله محمد العمري
    موقع الشيخ www.alomary.info

    أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىَ اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ


  • #2
    جزاك الله خير ورفع قدرك موضوع قيم اسال الله ان ينفع به
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 01:04 م.

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيك أخانا الفاضل .
      موضوع رائع ضمن موضوعاتك الجميلة .
      وننتظر منك المزيد .
      لكن لا تنسى أن تترك المسافات بين الكلمات . وأن تستخدم الياء ذات النقاط .عصمك الله من الزلات .وأنار قلبك بالطاعات . وجعل لك ذلك فى ميزان الحسنات.
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 01:04 م.

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
        وبعـــــــــــــــــــد

        نظرا لوقوع أخطاء في المقال الأول أعدت كتابته مرة أخرى.
        بارك الله فيك أخي / أبو عبد الله الحنبلي
        عي هذا النقل الطيب .
        تم تصحيح الأخطاء
        ولا داعي لإعادة المقال فيمكنك مراسلة المشرف المختص لتصحيح الأخطاء .
        ويفضل أن تقوم بمراجعة المقال فور كتابته فيمكنك تصحيح المقال في خلال ساعة من إرساله تقريبا .
        وهذا أفضل لك وأفضل لتفرغ المشرفين لمهامهم في الأعمال الأخري .
        التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 01:03 م.
        بين الشك واليقين مسافات , وبين الشر والخير خطوات فهيا بنا نقطع المسافات بالخطوات لنصل الي اليقين والثبات .

        (( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ))

        تعليق

        مواضيع ذات صلة

        تقليص

        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
        ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 26 ينا, 2023, 02:58 م
        ردود 0
        38 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة عاشق طيبة
        بواسطة عاشق طيبة
         
        ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 23 ينا, 2023, 12:27 ص
        ردود 0
        59 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة عطيه الدماطى  
        ابتدأ بواسطة د. نيو, 24 أبر, 2022, 07:35 ص
        رد 1
        63 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة د. نيو
        بواسطة د. نيو
         
        ابتدأ بواسطة محمد بن يوسف, 1 نوف, 2021, 04:00 م
        ردود 0
        21 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة محمد بن يوسف
        بواسطة محمد بن يوسف
         
        ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 يون, 2021, 02:47 ص
        ردود 0
        72 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة *اسلامي عزي*
        بواسطة *اسلامي عزي*
         
        يعمل...
        X