القرءان الكريم وليس التناخ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

تقليص

عن الكاتب

تقليص

المهندس زهدي جمال الدين مسلم اكتشف المزيد حول المهندس زهدي جمال الدين
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #91

    الفصل الثالث

    هذا نبيكم


    صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا


    مقدمة

    الفرع الأول


    قَدْرُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


    1ـ إن المدقق في قوله تعالى: ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ )الفتح: ٢٩
    يجد أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لقريش بكل بساطة: (مُحَمَّدٌ) ـ الذي تعرفونه ـ(رَسُولُ اللَّهِ)...فأنتم أدرى به من غيركم..فلماذا لم تؤمنوا به..
    والمدقق في التحدي الموجود في البقرة يجده يخص شخص الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا )..أي إن كنتم تشككون في محمد [ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا] الرعد: 43.
    [ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ] الرعد: 43. وبناء عليه فلتحضروا رجلاً (مِنْ مِثْلِهِ)..وتعرفونه جيداً مثل ما تعرفون محمد بن عبد الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    لقد تحدى الله سبحانه وتعالى أهل الفصاحة ، وسلك في ذلك طريقاً كأنها قضية من قضايا التاريخ، فحكمة هذا التحدي وذكره في القرآن الكريم ـ ولم يأت على لسان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صورة حديث, بل في صورة آيات تتلى ـ إنما هي أن يشهد التاريخ في كل عصر بعجز العرب عنه وهم الفصحاء اللُسنْ والخطباء اللُدْ, وهم كانوا في العهد الذي لم يكن للغتهم خيرٌ منه ولا خير منهم في الطبع والقوة, فكانوا مظنة المعارضة والقدرة عليها, فالإعجاز كائن في رصف القرآن الكريم ونظمه وبيانه بلسان عربي مبين, بالإضافة إلى أنه لم يكن لتحديهم به معنى إلا أن تجتمع لهم وللغتهم صفات بعينها.
    أولها: أن اللغة التي نزل بها القرآن الكريم تحتمل هذا القدر الهائل من المفارقة بين كلامين, كلام هو كلامهم وكلام هو كلام الله عز وجل.
    ثانيها: أن أهلها قادرون على إدراك هذا الحاجز الفاصل بين الكلامين، وهذا إدراك دال على أنهم قد أوتوا من لطف تذوق البيان ومن العلم بأسراره ووجوهه قدرا وافراً يصح معه أن يتحداهم بهذا القرآن وان يطالبهم بالشهادة عند سماعه وأن تاليه عليهم نبي مرسل من عند الله فرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاش إلى سن الأربعين وما عُرف عنه أنه كان يقرض الشعر ولم تكن له مثلاً بلاغة ( قس بن ساعدة ) أو ( أكثم بن صيفي )، ولم يثبت عليه على مدي سني عمره أنه قال شعراً، بل من المعروف أن كل شاعر من الشعراء قد تخصص في لون معين من الشعر لا يجيده غيره حتى أنهم قالوا: إن شعر امرئ ألقيس يحسن عند الطرب وذكر النساء ووصف الخيل، وشعر نابغة الذبياني يحسن عند الخوف, وشعر الأعشى عند الطلب ووصف الخمر، وشعر زهير عند الرغبة والرجاء, وهكذا, فكل شاعر يحسن كلامه في فن معين فإن كلامه يضعف في غير هذا الفن, والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن طوال الأربعين سنة له علاقة بهذه الدوائر أو ذلك المجال, وهكذا كانت مفاجأة السماء, لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يختار رجلاً لم يُعرف عنه التفوق في لغته وإن اشتهر بكل صفات الخلق الطيب, اختار الله جل علاه محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتنزل عليه الرسالة التي يتحدى بها أكبر أهل عصره بلاغة رغم أنه لم يشهد له أحد أو عنه قبل الرسالة بأي شيء من البلاغة, لقد أُعطِىَ البلاغة وجوامع الكلم بعد ذلك, والقرآن الكريم يحسم هذه المسألة في أكثر من موضع فيقول جل علاه في سورة العنكبوت :
    (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)العنكبوت: ٤٨
    إن الوحي الرباني يخاطب المعاندين على الرسالة فيقول لهم قل يا محمد إنني قد عشت بينكم أربعين عاماً لم أقل شعراً ولم ألق خطباً ولم أشارك في مجالس البلاغة, ألا تعقلون أن ما أقوله ليس من عندي ولكنه من وحي الخالق الذي لو شاء ما عرفتم بهذا الوحي.
    يقول جل شأنه وعز مقداره في سورة يونس: (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)يونس: ١٦
    فما معنى (مُحَمَّدٌ) في قوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ )إنها صيغة مبالغة من محمود والتي هي على وزن مفعول وهي صيغة مبالغة من الحمد فلو أننا قلنا فلان ( مُحَمَد ) كان معنى ذلك أن الحمد وقع عليه من غيره وهذا مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأحزاب: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب: ٥٦
    ولو تتبعنا اسمه الشريف أحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوجدناه مشتق من أفعل تفضيل لـ ( حامد ). فحامد على وزن فاعل أي أن الحمد وقع منه هو فلو قلنا أحمد ( أفعل تفضيل ) وهو أسلوب تفضيل بصيغة التعجب أي أن الحمد قد وقع منه هو فهو أكثرهم حمداً لله تعالى.
    يقول سبحانه وتعالى: ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) الصف: ٦
    2ـ والمتأمل في قوله تعالى: ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ )الزخرف: ٨١
    ففي هذه الآية الكريمة تكريم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و نفي لإلوهية المسيح عليه السلام ، لأن الله سبحانه وتعالى قال: ( لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) الزمر: ٤
    والله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأمره بقوله جلّ علاه:
    ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣
    ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول العابدين وأول الملسمين فهو المصطفى عند الله سبحانه وتعالى مما خلق جلّ علاه، وعليه فلو أراد الله سبحانه وتعالى أن يتخذ ولداً لاتخذ المصطفى من خلقه وهو محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    كما أن الله سبحانه وتعالى قد أعطاه الريادة عند كافة الأنبياء والمرسلين فأشهدهم على ذلك بأمر خاص بهم وذلك في عالم الذر بعد أن أخذ الميثاق على كافة خلقه في اليوم المعروف " بـ ( أَلَسْتُ ) حيث يقول سبحانه وتعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) الأعراف: ١٧٢
    و بعد ذلك أفرد أنبياءه ورسله بحديث خاص بهم وأخذ الميثاق عليهم بنصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران: ٨١
    وفي هذا إعلاء لشأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإشهار لمنزلته عند الله سبحانه وتعالى.
    قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه وغيره من السلف : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته : لئن بُعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه .
    قال ابن تيمية : فدل ذلك على أنه من أدرك محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمن الأنبياء وأتباعهم وإن كان معه كتاب وحكمة فعليه أن يؤمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينصره .
    وبعد ذلك نجد أن هذا النبي ذي القدر العظيم أخبرنا سبحانه وتعالى أنه عبداً له : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء: ١
    فإذا انتفت الإلوهية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن باب أولى نفيها عن السيد المسيح عليه والسلام، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: [ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ] البقرة: ١١٦.
    ويقول سبحانه وتعالى: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا *إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) مريم: ٨٨ – ٩٥..صَلَّى اللَّهُ عَلَى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.





    الفرع الثاني

    القسم بحياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

    يقول سبحانه وتعالى: [ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ] الحجر: ٧٢
    إعراب الآية: [لَعَمْرُكَ] اللام للابتداء، "عمرك" مبتدأ، خبره محذوف تقديره قَسَمي. والجار متعلق بالخبر، وجملة[يَعْمَهُونَ] حال من الضمير المستتر في متعلَّق الجار.
    تفسير الجلالين : [لَعَمْرُكَ] خطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي وحياتك [ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ] يترددون.
    تفسير ابن كثير : قال الله تعالى: [ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ] يقول وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا [ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ]. رواه ابن جرير وقال قتادة في سكرتهم أي في ضلالتهم " يَعْمَهُونَ " أي يلعبون وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " لَعَمْرُكَ " لعيشك[ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ] قال يترددون .

    تفسير القرطبي : فيه ثلاث مسائل :
    الأولى : قال القاضي أبو بكر بن العربي : قال المفسرون بأجمعهم أقسم الله تعالى هاهنا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفا له , أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يترددون .
    قلت : وهكذا قال القاضي عياض : أجمع أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأصله ضم العين من العمر ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال . ومعناه وبقائك يا محمد، وقيل وحياتك، وهذا نهاية التعظيم وغاية البر والتشريف .
    والعمر ( بضم العين وفتحها ) لغتان ومعناهما واحد ; إلا أنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح لكثرة الاستعمال.
    وتقول : عمرك الله , أي أسأل الله تعميرك. و" لعمرك " رفع بالابتداء وخبره محذوف. المعنى لعمرك مما أقسم به .
    الثانية: كره كثير من العلماء أن يقول الإنسان لعمري ; لأن معناه وحياتي.
    قال إبراهيم النخعي : يكره للرجل أن يقول لعمري ; لأنه حلف بحياة نفسه , وذلك من كلام ضعفة الرجال، ونحو هذا قال مالك : إن المستضعفين من الرجال والمؤنثين يقسمون بحياتك وعيشك , وليس من كلام أهل الذكران , وإن كان الله سبحانه أقسم به في هذه القصة , فذلك بيان لشرف المنزلة والرفعة لمكانه , فلا يحمل عليه سواه ولا يستعمل في غيره .
    وقال ابن حبيب: ينبغي أن يصرف " لعمرك " في الكلام لهذه الآية.
    الثالثة : قد مضى الكلام فيما يحلف به وما لا يجوز الحلف به في " المائدة " , وذكرنا هناك قول أحمد بن حنبل فيمن أقسم بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزمته الكفارة .
    قال ابن خويز منداد : من جوز الحلف بغير الله تعالى مما يجوز تعظيمه بحق من الحقوق فليس يقول إنها يمين تتعلق بها كفارة ; إلا أنه من قصد الكذب كان ملوما ; لأنه في الباطن مستخف بما وجب عليه تعظيمه .
    قالوا: وقوله تعالى[لَعَمْرُكَ] أي وحياتك، وإذا أقسم الله تعالى بحياة نبيه فإنما أراد بيان التصريح لنا أنه يجوز لنا أن نحلف بحياته.
    وعلى مذهب مالك معنى قوله: [لَعَمْرُكَ] في ما هو موجود في قوله تعالى:
    [ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2)] التين: ١ – ٢
    و[ وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)] الطور: ١ - ٢
    و[ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى] النجم: ١
    و[ وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى] الضحى: ١ - ٢
    و[ لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ] البلد: ١ - ٣
    كل هذا معناه : وخالق التين والزيتون , وبرب الكتاب المسطور, وبرب البلد الذي حللت به وخالق عيشك وحياتك , وحق محمد ; فاليمين والقسم حاصل به سبحانه لا بالمخلوق .
    تفسير العلامة عبد الحميد الفراهي:
    جاء في كتاب [إمعان في أقسام القرآن العلامة عبد الحميد الفراهي رحمه الله ] تحت عنوان " القسم على وجه الإكرام: للمقسم به ، والمتكلم ، والمخاطب" ما نصه:
    لما كان الصدق من أحب سجايا العرب ـ لا سيما إذا عاهدوا على أمر ، وأعطوا له أيمانهم وأشهدوا عليه ـ فإذا صاروا حلفاء ، أو عقدوا عقد الجوار، أو نذروا بأمر، أوفوا ذمتهم ، وعدوا الكذب فيها بعد القسم عاراً عظيماً وذلة كبيرة ، لأنفتهم وللحمية التي جبلوا عليها.
    وكان في رهن أيديهم للعقود عندهم آية على أنهم يخاطرون لها أنفسهم، فتضمن القسم مخاطرة النفس.
    ولذلك كثر قسمهم بقولهم: لعمري، أي أنا أخاطر على هذا القول حياتي، وربما بينوا هذا المراد كما قالت ريطة بنت العباس السلمي :
    لعمري وما عمري عليَّ بهين *** لنعم الفتى أرديتم آل خثعما
    وقال النابغة الذبياني :
    لعمري وما عمري عليَّ بهين *** لقد نطقت بطلا عليَّ الأقارع
    وهذا كثير ، ومن هذه الجهة انضم مفهوم الإكرام بالمقسم به، فإن المتكلم لا يدل على تأكيد قوله بهذا الطريق إلا إذا أقسم بما يكرمه ويضن به. فهذا أصل هذا النوع من القسم، ثم تجاوزوه إلى قولهم [لَعَمْرُكَ] أو ما يشبهه لما فيه من إكرام المخاطب. كأن القائل أراد أني لا أقسم بعمري بل بعمرك الذي هو أعز وأكرم عليَّ، وهذا هو الأصل، ثم ربما لا يراد به إلا تأكيد القول مع إكرام المخاطب، ولما كان هذا أحسن في التحاور كثر قولهم في القسم: لعمرك ولعمر أبيك، أو وَجَدِّكَ وبعزتك، وأمثالها.
    وهذه الكلمات التي ذكرنا كثر استعمالها للقسم فلا حاجة إلى نقل السند لها، ولكن يهمنا في هذا القسم النظر إلى أمور:
    الأول: أن المقسم به في هذه الأقسام ، وإن كان عند المتكلم كريماً ومضنوناً به ، لكنه لا يكون مما يعبده ويقدسه.
    الثاني: أنه إذا أضيف المقسم به إلى المخاطب دل على إكرامه ، كقوله تعالى: [ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ] فأكرم الله نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا الخطاب.
    ومنه قوله تعالى : [ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا]النساء: ٦٥
    وإذا أضيف إلى المتكلم دل على عزته ومنعته، كأنه قال: إن حياتي وعزي منيع لا يرام. ومن هذه الجهة لا ينبغي هذا القسم لعباد الله الخاشعين المتواضعين.
    الثالث: أنه لما كان من بعض وجوه القسم الدعاء بالسوء على الحانث ، وربما انضم بهذا النوع ذلك المفهوم ، كأن الحالف قال: إن كنت كاذباً أُبِيدَ عمري ، وأهينت عزتي.
    ولا يخفى عليك مما ذكرنا أن هذا النوع من القسم لا يكون إلا بإضافة المقسم به، إما إلى المتكلم أو إلى المخاطب، ولا يكون إلا بألفاظه الخاصة التي ذكرناها، ولا يكون إلا بأمور عرف عزتها على المتكلم، فبين أن أقسام القرآن بالذاريات والعاديات والخنس الجوار الكنس وأمثالها لا يكون من هذا النوع.

    واعلم أن هذه الأقسام ليست من جهد أيمانهم ، وعلى الأكثر تستعمل لمحض التأكيد بمعنى أقسمت ، ولذلك ربما قالوا: لعمر الله ، فلا يريدون بها تمام معناها الأصلي إلا إذا بينوه كما مر في قول ريطة
    السلمية والنابغة.

    تعليق


    • #92


      الفرع الثالث


      القسم بكلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



      [ وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ ] الزخرف: ٨٨
      إعراب الآية : الواو حرف قسم وجر، و [وَقِيلِهِ] اسم مجرور مقسم به متعلق بـ أقسم المقدر، والقول والقيل والقال بمعنى واحد. وجملة [إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ] جواب النداء لا محل لها مستأنفة، وجملة[ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ] " مقول القول ، وجواب القسم محذوف أي : لأفعلنَّ بهم ما أريد ، وجملة[ لَا يُؤْمِنُونَ] نعت لقوم.
      تفسير الجلالين : [وَقِيلِهِ] أي قول محمد النبي ونصبه بفعله المقدر أي وقال: [ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ]
      تفسير ابن كثير:
      أي وقال محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيله أي شكا إلى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه فقال يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون كما أخبر تعالى في الآية الأخرى " وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " وهذا الذي قلناه هو قول ابن مسعود رضي الله عنه ومجاهد وقتادة وعليه فسر ابن جرير قال البخاري وقرأ عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه " وقال الرسول يا رب " وقال مجاهد في قوله " وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " قال يؤثر الله عز وجل قول محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال قتادة هو قول نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكو قومه إلى ربه عز وجل ثم حكى ابن جرير في قوله تعالى " وقيله يا رب " قراءتين إحداهما النصب ولها توجيهان أحدهما أنه معطوف على قوله تبارك وتعالى " نسمع سرهم ونجواهم " والثاني أن يقدر فعل وقال قيله والثانية الخفض وقيله عطفا على قوله " وعنده علم الساعة " وتقديره وعلم قيله .
      تفسير القرطبي :
      في[وَقِيلِهِ] ثلاث قراءات :
      النصب , والجر , والرفع . فأما الجر فهي قراءة عاصم وحمزة . وبقية السبعة بالنصب. وأما الرفع فهي قراءة الأعرج وقتادة وابن هرمز ومسلم بن جندب .
      فمن جر حمله على معنى : وعنده علم الساعة وعلم قيله . ومن نصب فعلى معنى : وعنده علم الساعة ويعلم قيله ; وهذا اختيار الزجاج . وقال الفراء والأخ
      فش : يجوز أن يكون[ وَقِيلِهِ ] عطفا على قوله : [ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ] الزخرف: ٨٠.
      قال ابن الأنباري : سألت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد بأي شيء تنصب القيل ؟ فقال : أنصبه على[ وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويعلم قيله ] ..
      [ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ] الزخرف: ٨٥
      وأجاز الفراء والأخفش أيضا : أن ينصب على المصدر ; كأنه قال : وقال قيله , وشكا شكواه إلى الله عز وجل , كما قال كعب بن زهير :
      تمشي الوشاة جنابيها وقيلهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول أراد : ويقولون قيلهم .
      ومن رفع " قيله " فالتقدير : وعنده قيله , أو قيله مسموع , أو قيله هذا القول .
      الزمخشري : والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر النظم .
      وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه. والرفع على قولهم : أيمن الله وأمانة الله ويمين الله ولعمرك , ويكون قوله : [إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ] جواب القسم ; كأنه قال : وأقسم بقيله يا رب , أو قيله يا رب قسمي , [إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ].
      وقال ابن الأنباري : ويجوز في العربية [ وقيلهُ ] بالرفع , على أن ترفعه بإن هؤلاء قوم لا يؤمنون .
      المهدوي : أو يكون على تقدير وقيله قيله يا رب ; فحذف قيله الثاني الذي هو خبر , وموضع " يا رب " نصب بالخبر المضمر , ولا يمتنع ذلك من حيث امتنع حذف بعض الموصول وبقي بعضه ; لأن حذف القول قد كثر حتى صار بمنزلة المذكور . والهاء في " قيله " لعيسى , وقيل لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد جرى ذكره إذ قال : [ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ] الزخرف: ٨١
      وقرأ أبو قلابة " يا رب " بفتح الباء . والقيل مصدر كالقول ; ومنه الخبر [ نهى عن قيل وقال ] . ويقال : قلت قولا وقيلا وقالا . وفي النساء : [ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا] النساء: ١٢٢






      الفرع الرابع


      مكانته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الملأ الأعلى


      قال تعالى: [ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)] التحريم: ٣ – ٤
      فمع الآيات الكريمة نعيش هذه اللحظات..
      يقول سبحانه وتعالى: [وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ] وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أسر لزوجه السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها بأن أباها سوف يخلفه بعد مماته، ومن شدة فرحها أنبأت السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما بما أسر لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومن النص نطلع على نموذج من تلك الفترة العجيبة في تاريخ البشرية. الفترة التي يعيش فيها الناس مع السماء. والسماء تتدخل في أمرهم علانية وتفصيلا. ونعلم أن الله قد أطلع نبيه على ما دار بين زوجيه بشأن ذلك الحديث الذي أسره إلى بعض أزواجه. وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين راجعها فيه اكتفى بالإشارة إلى جانب منه. ترفعا عن السرد الطويل, وتجملا عن الإطالة في التفصيل ; وأنه أنبأها بمصدر علمه وهو المصدر الأصيل: [فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا] ولك أن تتأمل في رده صلى الله عليه وسلم حينما: [قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا]..[ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ] ..
      والإشارة إلى العلم والخبرة هنا إشارة مؤثرة في حالة إفشاء الأسرار من وراء الأستار ! ترد السائلة إلى هذه الحقيقة التي ربما نسيتها أو غفلت عنها وترد القلوب بصفة عامة إلى هذه الحقيقة كلما قرأت هذا القرآن .
      ويتغير السياق من الحكاية عن حادث وقع إلى مواجهة وخطاب للمرأتين كأن الأمر حاضر: [إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ]
      وحين نتجاوز صدر الخطاب, ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى الله, فقد بعدت عنه بما كان منها. . حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديدا رعيبا مخيفا . [ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ]
      ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة الله وجبريل وصالح المؤمنين. والملائكة بعد ذلك ظهير ! ليطيب خاطر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير !.
      ولا بد أن الموقف في حس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة.
      ولعلنا ندرك حقيقته من هذا النص ومما جاء في الرواية على لسان الأنصاري صاحب عمر - رضي الله عنهما - وهو يسأله بعد أن سمع عن هذه الحملة الربانية:أجاءت غسان ؟.
      فيقول لا بل أعظم من ذلك وأطول.
      وغسان هي الدولة العربية الموالية للروم في الشام على حافة الجزيرة, وهجومها إذ ذاك أمر خطير. ولكن الأمر الآخر في نفوس المسلمين كان أعظم وأطول ! فقد كانوا يرون أن استقرار هذا القلب الكبير, وسلام هذا البيت الكريم أكبر من كل شأن، وأن اضطرابه وقلقه أخطر على الآمة المسلمة من هجوم غسان عملاء الروم ! وهو تقدير يوحي بشتى الدلالات على نظرة أولئك الناس للأمور، وهو تقدير يلتقي بتقدير السماء للأمر , فهو إذن صحيح قويم عميق .






      الفرع الخامس


      فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


      معنى الصلاة والسلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
      قال تعالى:[ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] الأحزاب: ٥٦
      قال ابن كثير رحمه الله:
      ( المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه تصلي عليه الملائكة ثم أمر الله تعالى العالم السفلي بالصلاة والسلام عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً ) أ.ھ‍.
      قال ابن القيم رحمه الله تعالى في جلاء الأفهام:
      ( والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسوله فصلوا عليه أنتم أيضاً صلوا عليه وسلموا تسليماً لما نالكم ببركة رسالته ويمن سفارته، من خير شرف الدنيا والآخرة ) أ.ھ‍.
      وقد ذُكر في معنى الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقوال كثيرة، والصواب ما قاله أبو العالية:
      إن الصلاة من الله ثناؤه على المصلي عليه في الملأ الأعلى أي عند الملائكة المقربين . أخرجه البخاري في صحيحه تعليقاً مجزوماً به ، وهذا أخص منه في الرحمة المطلقة.
      والسلام: هو السلامة من النقائص والآفات فإن ضم السلام إلى الصلاة حصل به المطلوب وزال به المرهوب فبالسلام يزول المرهوب وتنتفي النقائص وبالصلاة يحصل المطلوب وتثبت الكمالات.
      حكم الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
      أما في التشهد الأخير فهو ركن من أركان الصلاة - عند الحنابلة.
      وقال القاضي أبو بكر بن بكير: ( افترض الله على خلقه أن يصلوا على نبيه ويسلموا تسليماً، ولم يجعل ذلك لوقت معلوم. فالواجب أن يكثر المرء منها ولا يغفل عنها ).
      المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام على النبي ويرغب فيها:
      1- قبل الدعاء:
      قال فضالة بن عبيد: سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ عجل هذا! ] ثم دعاه فقال له ولغيره: [ إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي، ثم ليدع بعد بما يشاء ] [رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد بإسناد صحيح وصححه ابن حبّان والحاكم ووافقه الذهبي].
      وقد ورد في الحديث: [ الدعاء محجوب حتى يصلي الداعي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] [رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات].
      وقال ابن عطاء: ( للدعاء أركان وأجنحة وأسباب وأوقات. فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته طار في السماء، وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه نجح.
      فأركانه: حضور القلب والرقة والاستكانة والخشوع وتعلق القلب بالله وقطعه الأسباب، وأجنحته الصدق، ومواقيته الأسحار، وأسبابه الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
      عند ذكره وسماع اسمه أو كتابته:
      قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ ] [رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه والحاكم وقال الألباني إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح].
      3 ـ الإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة:
      عن أوس بن أوس قال، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ.. ] الحديث [رواه أبو داود بإسناد صحيح وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي].
      الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرسائل وما يكتب بعد البسملة:
      قال القاضي عياض: ( ومن مواطن الصلاة التي مضى عليها عمل الأمة ولم تنكرها: ولم يكن في الصدر الأول، وأحدث عند ولاية بني هاشم - الدولة العباسية - فمضى عمل الناس في أقطار الأرض. ومنهم من يختم به أيضاً الكتب ).
      عند دخول المسجد وعند الخروج منه:
      عن فاطمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إذا دخلت المسجد فقولي بسم الله الرحمن الرحيم والسلام على رسول الله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لنا وسهل لنا أبواب رحمتك فإذا فرغت فقولي ذلك غير أن قولي: وسهل لنا أبواب فضلك ] [رواه ابن ماجه والترمذي وصححه الألباني بشواهده].
      كيفية الصلاة والتسليم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
      قال الله تعالى:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا]الأحزاب: ٥٦
      فالأفضل أن تقرن الصلاة والسلام سوياً استجابةً لله عز وجل فهذا هو المجزئ في صفة الصلاة عليه الصلاة والسلام.
      وعن أبي محمد بن عجرة قال: خرج علينا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: { قولوا اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد } [متفق عليه].
      وعن أبي حميد الساعد قال: قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: [ قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد } [متفق عليه].
      وفي هذين الحديثين دلالة على الصفة الكاملة للصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
      فضيلة الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلام عليه:
      عن عمر قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: [ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول وصلوا عليّ فإنه من صلّى عليّ مرة واحدة صلى الله عليه عشراً ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة ] [رواه مسلم].
      قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ من صلّى عليّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي ] [أخرجه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني].
      وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ من صلّى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً ] [رواه مسلم وأحمد والثلاثة].
      وعن عبد الرحمن بن عوف قال: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ساجد فأطال السجود قال: [ أتاني جبريل وقال: من صلّى عليك صليت عليه ومن سلّم عليك سلمت عليه فسجدت شكراً لله ] [رواه الحاكم وأحمد والجهضمي وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه وقال الألباني: صحيح لطرقه وشواهده].
      وعن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ أتاني آت من ربي فقال: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشراً ] فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أجعل نصف دعائي لك! قال: [ إن شئت ].
      قال: ألا أجعل ثلث دعائي!. قال: [ إن شئت ]. قال: ألا أجعل دعائي كله قال: [ إذن يكفيك الله هم الدنيا والآخرة ] [رواه الجهضمي وقال الألباني هذا مرسل صحيح الإسناد].
      وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
      [ إن لله ملائكة سياحين يبلغونني من أمتي السلام ] [رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الألباني إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح].
      وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ من صلّى عليّ واحدةً صلّى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ورفع له عشر درجات ]. [رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي والحاكم وصححه الألباني].
      وعن ابن مسعود مرفوعاً: [ أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة ] [رواه الترمذي وقال حسن غريب رواه ابن حبان].
      وعن جابر بن عبد الله، قال: قال النبي : [ من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له الشفاعة يوم القيامة ] [رواه البخاري في صحيحه].
      ذم من لم يصل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
      عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ رغم أنف رجل ذُكرت عنده فلم يصلّ عليّ، رغم أنف رجل دخل رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك أبواه عند الكبر فلم يُدخلاه الجنة ].
      قال عبد الرحمن وهو أحد رواة الحديث وعبد الرحمن بن إسحاق وأظنه قال:
      [ أو أحدهما ] [رواه الترمذي والبزار قال الألباني في صحيح الترمذي حسن صحيح].
      وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
      [ البخيل كل البخل الذي ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ ] [أخرجه النسائي والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع].
      عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ من نسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة ]. [صححه الألباني في صحيح الجامع].
      وعن أبي هريرة قال أبو القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ أيّما قوم جلسوا مجلساً ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله ويصلوا على النبي كانت عليهم من الله تره إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ]. [أخرجه الترمذي وحسنه أبو داود].
      وحكى أبو عيسى الترمذي عن بعض أهل العلم قال: ( إذا صلى الرجل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة في مجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس ).
      الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
      ذكر ابن القيم 19 فائدة للصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى منها:
      1ـ حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.
      2ـ يكتب له عشر حسنات ويمحو عنه عشر سيئات.
      3ـ أن يرفع له عشر درجات.
      4ـ أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه فهي تصاعد الدعاء إلى عند رب العالمين.
      5ـ أنها سبب لشفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قرنها بسؤال الوسيلة له، أو إفرادها.
      6ـ أنها سبب لغفران الذنوب.
      7ـ أنها سبب لكفاية الله ما أهمه.
      8 ـ أنها سبب لقرب العبد منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة.
      9ـ أنها سبب لصلاة الله على المصلي وصلاة الملائكة عليه.
      10ـ أنها سبب لرد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة والسلام على المصلي.
      11ـ أنها سبب لطيب المجلس، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة.
      12ـ أنها سبب لنفي الفقر.
      13ـ أنها تنفي عن العبد اسم ( البخيل ) إذا صلى عليه عند ذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
      14ـ أنها سبب لإلقاء الله سبحانه وتعالى الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض، لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك.
      15ـ أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه لأن المصلي داع ربه أن يبارك عليه وعلى آله وهذا الدعاء مستجاب والجزاء من جنسه.
      16ـ أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكره عنده كما تقدم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إن صلاتكم معروضة عليّ ] وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إن الله وكّل بقبري ملائكة يبلغونني عن أمتي السلام ] وكفى بالعبد نبلاً أن يذكر اسمه بالخير بين يدي رسول الله .
      17ـ أنها سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه لحديث عبد الرحمن بن سمرة الذي رواه عنه سعيد بن المسيب في رؤيا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه: [ ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحياناً ويتعلق أحياناً، فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته ] [رواه أبو موسى ألمديني وبنى عليه كتابه في "الترغيب والترهيب" وقال: هذا حديث حسن جداً].
      18ـ أنها سبب لدوام محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه فسيتضاعف حبّه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه يغلبه، نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه ولا أقر لقلبه من ذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه والحس شاهد بذلك.
      19ـ أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، فإنه كلما أكثر الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكره، استولت محبته على قلبه، حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره، ولا شك في شيء مما جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه ويقتبس الهدي والفلاح وأنواع العلوم منه، فأهل العلم العارفين بسنته وهديه المتبعين له كلما ازدادوا فيما جاء به من معرفة، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة له من الله.

      تعليق


      • #93
        الفرع السادس


        محبة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



        محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصل عظيم من أصول الدين , بل إن إيمان العبد متوقف على وجود هذه المحبة ,فلا يدخل المسلم في عِداد المؤمنين الناجين حتى يكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحبَّ إليه من نفسه التي بين جنبيه ومن ولده ووالده والناس أجمعين.
        قال عز وجل :[ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ] التوبة: ٢٤
        وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ).
        وهذه المحبة وإن كانت عملا قلبيا, إلا أن آثارها ودلائلها لابد وأن تظهر على جوارح الإنسان , وفي سلوكه وأفعاله , فالمحبة لها مظاهر وشواهد تميز المحب الصادق من المدعي الكاذب , وتميز من سلك مسلكا صحيحا ممن سلك مسالك منحرفة في التعبير عن هذه المحبة .
        وأول هذه الشواهد والدلائل طاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإتباعه , فإن أقوى شاهد على صدق الحب - أيا كان نوعه - هو موافقة المحب لمحبوبه , وبدون هذه الموافقة يصير الحب دعوى كاذبة , ولذلك كان أكبر دليل على صدق الحب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو طاعته وإتباعه , فالإتباع هو دليل المحبة الأول , وشاهدها الأمثل , بل كلما عظم الحب زادت الطاعة له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فالطاعة إذا هي ثمرة المحبة.
        ولذلك حسم القرآن دلائل المحبة لله ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آية المحبة وهي قوله عز و جل : [ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] آل عمران: ٣١
        فإذا كان الله عز وجل قد جعل إتباع نبيه دليلا على حبه سبحانه , فهو من باب أولى دليل على حب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قال الحسن البصري رحمه الله " زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية .
        وصدق القائل :
        تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع
        لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع

        فالصادق في حب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , هو من أطاعه واقتدى به , وآثر ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه . ومن دلائل محبته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعظيمه وتوقيره والأدب معه , بما يقتضيه مقام النبوة والرسالة من كمال الأدب وتمام التوقير , وهو من أعظم مظاهر حبه , ومن آكد حقوقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمته , كما أنه من أهم واجبات الدين .
        قال تعالى : [ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)] الفتح: ٨ - ٩
        فالتسبيح لله عز وجل , والتعزير والتوقير للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وهو بمعنى التعظيم .
        ومن الأدب معه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقديمه على كل أحد , والثناء عليه بما هو أهله , وتوقير حديثه , وعدم رفع الصوت عليه أو التقديم بين يديه , وكثرة الصلاة والسلام عليه.
        ومن دلائل هذه المحبة أيضا الاحتكام إلى سنته وشريعته , فقد أقسم الله عز وجل بنفسه أن إيمان العبد لا يتحقق حتى يرضى بحكم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع شؤونه وأحواله , وحتى لا يبقى في صدره أي حرج أو اعتراض على هذا الحكم .
        [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] النساء: ٦٥
        وجعل الإعراض عن سنته وترك التحاكم إليها من علامات النفاق والعياذ بالله .
        قال تعالى:[ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)] النساء: ٦٠ - ٦١
        ومن الدلائل أيضا على محبته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّبُّ عنه, والدفاع عن سنته, ضد كل مبطل ومشكك, والحرص على نشرها بين الناس صافية نقية من كل ما علق بها من شوائب البدع.
        وإن مما يؤسف له أن مفهوم محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد فسد وانحرف عند كثير من المسلمين , وخصوصاً في هذه العصور المتأخرة , فبعد أن كانت هذه المحبة تعني إيثار الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كل مخلوق , وطاعته وإتباعه , صار مفهومها عند البعض عبادته ودعاؤه , وتأليف الصلوات المبتدعة , وعمل الموالد , وإنشاد القصائد والمدائح في الاستغاثة به , وصرف وجوه العبادة إليه من دون الله عز وجل, وبعد أن كان تعظيم الرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتوقيره والأدب معه , صار التعظيم عندهم هو الغلو فيه بإخراجه عن حد البشرية , ورفعه إلى مرتبة الإلوهية , وكل ذلك من الفساد والانحراف الذي طرأ على معنى المحبة ومفهومها .
        قال تعالى :[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا] الأحزاب: ٢١
        اللهم أكسبنا حبك وحب نبيك محمد وارزقنا مرافقته في الجنة. اللهم وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد .
        وما أصدق قول حسان بن ثابت فيه إذ يقول:

        نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتـاب الله في كـل مشهد


        فإن قـال في يوم مقـالة غائب فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد

        ولله ودر القائل إذ يقول:

        يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم


        نفسي الفداء لقبر أنت ساكنـه فيه العفاف وفيه الجود والكرم









        الفرع السابع

        وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى


        مفهوم الضلال في الآية الكريمة ومعناه

        إن كلمة الضلال في اللغة لهي من المشترك اللفظي..
        فما هو مفهوم المشترك اللفظي في القرآن الكريم ؟..
        المشترك اللفظي يطلق على تسمية الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد ، أو بتعبير الإمام السيوطي هو: اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة.. وقد اختلف أهل اللغة في أمره، فمنهم من قال بوقوعه في اللغة كالأصمعي والخليل بن أحمد وسيبويه وابن فارس وابن قتيبة وأبي عبيدة وغيرهم، وأفردوا مؤلفات خاصة سردوا له فيها أمثلة كثيرة، وهو عندهم سمة إيجابية ودليل على ثراء اللغة وطواعيتها ومرونتها واتساعها في التعبير..
        والقرآن الكريم باعتباره كتاب الله عز وجل المنزل باللغة العربية، وعلى عادة العرب وطرائقهم في التعبير.. قد ورد فيه طائفة من الألفاظ المشتركة عني بجمعها وتصنيفها مجموعة من العلماء. وكان ذلك سببا من أسباب اختلاف المفسرين والفقهاء وعلماء الأصول في تأويل كثير من النصوص القرآنية، وقد أدى هذا الأمر إلى الاختلاف في الاستنباط وتقرير كثير من الأحكام الفقهية. لذلك حظيت هذه الظاهرة، أي ظاهرة وجود المشترك اللفظي في القرآن الكريم بعناية كبيرة من لدن المتقدمين، وعرفت باسم الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، قال الزركشي: (فالوجوه اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان، كلفظ «الأمَّة»، والنظائر كالألفاظ المتواطئة).
        بل الأكثر من ذلك أن الإمام السيوطي عد وجود الألفاظ المشتركة في القرآن الكريم من أعظم مظاهر إعجازه (حيث كانت الكلمة الواحدة تتصرف إلى عشرين وجها وأكثر وأقل، ولا يوجد ذلك فـي كـلام البشر).
        وكأنه يشير بذلك إلى قابلية اللفظ القرآني وقدرته على تحمل معاني متعددة. فهو إذن وسيلة من وسائل التوسع في التعبير عند العرب، وسبب من أسباب توفير معاني القرآن الكريم، وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى تعامل بعض العلماء مع هذه القضية.
        و لفظ الضلال يطلق في القرآن، وفي اللغة العربية على إطلاقات عدة..

        فيطلق الضلال مرادًا به الذهاب عن حقيقة الشيء ، حيث تقول العرب في كل من ذهب عن علم حقيقة شيء ضلّ عنه، وهذا الضلال ذهاب عن علم شيء ما، وليس من الضلال في الدين.
        ومن هذا المعنى قوله تعالى: ( وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ ) ، أي: من الذاهبين عن علم حقيقة العلوم، والأسرار التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي، لأني في ذلك الوقت لم يوحَ إليّ .

        ومن هذا المعنى قوله تعالىٰ: (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّى في كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبّى وَلاَ يَنسَى) .

        فقوله: ( لاَّ يَضِلُّ رَبّى )، أي: لا يذهب عنه علم شيء كائنًا ما كان .

        وقد يطلق وهو المشهور في اللغة، وفي القرءان على الذهاب عن طريق الإيمان إلى الكفر ، وعن طريق الحقّ إلى الباطل، وعن طريق الجنّة إلى النار، ومنه قوله تعالىٰ: ( غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ ).

        وقد يطلق على الغيبوبة والاضمحلال، تقول العرب: ضلّ الشيء إذا غاب واضمحلّ، ومنه قولهم: ضلّ السمن في الطعام، إذا غاب فيه واضمحلّ، ولأجل هذا سمّت العرب الدفن في القبر إضلالاً؛ لأن المدفون تأكله الأرض فيغيب فيها ويضمحلّ.

        ومن هذا المعنى قوله تعالىٰ: ( وَقَالُواْ أَءذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلاْرْضِ ) ، يعنون: إذا دفنوا وأكلتهم الأرض، فضلوا فيها، أي: غابوا فيها واضمحلّوا .. وقد ردت الكلمة بمشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من ( 375 ) مرة
        ويمكن إجمالها فيما يلي :
        1 ـ من معاني الضلال : التيه والانحراف : مثال هذا المعنى قوله تعالى في سورة المائدة " .. وأضلّوا كثيراً ، وضلوا عن سواء السبيل " ، فقد انحرفوا وأمالوا عن الحق كثيراً من أتباعهم ومن وثق بهم . وفي سورة السجدة ينفي الله تعالى الغواية والانحراف عن نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم " والنجم إذا هوى ؛ ما ضل صاحبكم وما غوى " .
        2 ـ وتعني كلمة الضلال بمعنى الوقوع في المتاهة والخطأ ، كقوله تعالى ينعى على الكفار تخبطهم في حديثهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ومحاولة تيئيسه من الدعوة ، والتضييق عليه ليتركها ، فوقعوا في أخطاء كبيرة : " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا ، فلا يستطيعون سبيلاً " .
        3ـ ومن معاني الضلال الخسران وإبطال الثواب : ومن أمثلة ذلك المعنى قوله تعالى في سورة سيدنا محمد " والذين كفروا فتعساً لهم ، وأضل أعمالهم " فالكافر ليس له في الآخرة نصيب ، وكل عمل لا يقوم على أساس الإيمان ليس لصاحبه خلاق في الأمن والنجاح يوم القيامة ، وأضل أعمالهم ، أحبطها فخسروها . وعلى هذا نرى في قوله تعالى في السورة نفسها : " والذين قتلوا في سبيل الله فلن يُضل أعمالهم ، سيهديهم ويصلح بالهم .. " فقوله : لن يضل أعمالهم : لن يحبطها ، ولن يبطل ثوابها ، بل يصلح بالهم فيزيدهم من فضله وكرمه .
        ومثال ذلك قوله تعالى في سورة غافر " وما كيد الكافرين إلا في ضلال " وقوله سبحانه في السورة نفسها " وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " فمكر الكافر وكيده في الدنيا عليه وليس له ، ودعاؤه في الآخرة لا يُقبل ، إنه لا ينجو هناك إلا المؤمن الموحّد.

        4ـ ويأتي الضلال بمعنى الغفلة والجهل بالشيء ، فقد كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الرسالة يبحث عن الحقيقة ، فهداه الله إليها بعد غفلة عنها وجهل بها ، هذا ما نجده في قوله تعالى في سورة الضحى " ووجدك ضالاًّ فهدى " ، يوضحها قوله تعالى : " وإن كنت من قبله لمن الغافلين ؟ " فالضلال هنا الجهل بالشيء والغفلة عنه .
        ولما اتهم فرعون سيدنا موسى بالكفر حين قتل القبطي ، فقال له " وفعلت فَعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين " رد عليه موسى نافياً الكفر ومثبتاً الجهل والغفلة إذ ذاك " فعلتها إذاً وأنا من الضالين " لم يكن رسولاً بعد ، وكان غافلاً عن أمر الرسالة .
        5 ـ وقد يأتي الضلال بمعنى الهلاك . مثال ذلك قوله تعالى " إن المجرمين في ضلال وسُعُر" قال القرطبي إن الضلال هنا الهلاك لمساوقته كلمة " سُعُر "
        وفي قوله تعالى في سورة الإسراء ، وقد جاءت الآية نفسها دون تغيير في سورة يونس " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها " ومعنى يضل عليها يهلكها ، ويدخلها عذاب جهنم .
        وفي قوله تعالى في سورة النساء " يبين الله لكم أن تضلوا " نجد معنى الهلاك واضحاً . فمن لم يتبع البينة ويعمل بها هلك . وكذلك في قوله تعالى " ... ضل سعيهم في الحياة الدنيا " فخاب وهلك .

        6ـ والضلال هو آخر مراتب الحب ..فالحب أوله العلاقة لتعلق القلب بالمحبوب ثم الصبابة لانصباب القلب إليه ثم الغرام وهو الحب الملازم للقلب ثم العشق وآخرها الضلال.
        ولقد ذكرتها بالتفصيل في كتابي ( قالوا عن المرأة ويا ليتهم ما قالوا)..فليرجع إليه .
        ففي قوله تعالىٰ عن أولاد يعقوب عليه السلام: (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلٰلٍ مُّبِينٍ) ،وقوله: (قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ ) ، على التحقيق في ذلك كلّه ،ولا يفهم من هذا كله أن أولاده ينعتونه بالضلال المتعارف عليه وهوالضلال في الدين ; إذ لو أرادوا ذلك لكانوا كفارا..

        ووصف النسوة لامرأة العزيز بقولهم: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) يوسف: 30
        فلقد اجتمعت كل معاني الحب في قلبها وقالبها الأمر الذي جعل النسوة يقولون ما قد قالوه..
        ومن هذا المعنى قول الشاعر: وتظنّ سلمى أنني أبغي بها... بدلاً أراها في الضلال تهيم

        وحينما تناول المفسرون قوله تعالى واصفا نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)..قالوا كلاما لا يقنع ويسيء إلى النبي ص صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أحب أن اذكر ما قالوا هنا..ولكنني أقول بخلاف قولهم فقوله الله تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)..أي وجدك مَضْلُولاً عنك فهدى الخلق إلى الإقرار بنبوتك والاعتراف بصدقك..

        وعليه فوجدك ضالا بمعنى مضلول كما قيل ماء دافق بمعنى مدفوق، وسر كاتم بمعنى كتوم..
        ومع ذلك فالمدقق في الآيات وفروعها يجد معنى أعمق من ذلك بكثير..
        أقول(كاتب المقال زهدي):
        قال تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ).. يتفرع منه قوله: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)
        فكان يتيما فآواه ومرتب عليه .. لا تقهر اليتيم

        قال تعالى : (وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى)..يتفرع منه قوله : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاتَنْهَرْ)
        وكان عائلا فأغناه ومرتب عليه.. لا تنهر السائل

        قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى).. يتفرع منه قوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَفَحَدِّثْ)

        فهل مرتب على من كان ضالا ..أن يحدث بنعمة ربه على ضلاله..مستحيل؟؟!!..إلا إذا كان المعنى بخلاف ذلك..
        فالمعنى الذي أرتاح إليه هو أن الله سبحانه وتعالى وجدك يا محمد محباً له سبحانه وتعالى تبحث عن بُرهان ودليل على الوحدانيّة ـ فهداك إليه ـ فجعلك رسولا نبيّا..وتلك نعمة أيما نعمة.. (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) ..فكان مُنذ صِغره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حنيفا) .. مِثل أبيه إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
        وهذا يعطينى معنى ومفهوم الضلال في آية الدين..
        فقد تكون المرأة التي كانت تجلس وتشهد العقد الموقع بين اثنين أن يكون أحدهما قريبا لها وتحبه كأن يكون ابن أختها مثلاً وتضمر في نفسها رغبة لأن تزوجه ابنتها..وهو أمر وارد..مما يجعلها قد تخالف ضميرها عندما تحدث لائمة له فتدعي أنها قد نسيت..فتقول:
        مش فاكره...فتذكرها الثانية وقد تكون ابنة أختها والتي قد لا ترضى باستعباط خالتها وهي تعلم تماما رغبة ابن أختها في بنتها وتتمناه لها وأن الولد قد ارتكب خطئاً كبيرا حينما تراجع عما قد ألزم نفسه بما هو مكتوب في العقد..فتقول لها:يا خالتي..يا خالتي.. يا خالتي ..بذمتك مش فاكره...فتبادرها خالتها لفورها قائلة: يوه؟!!..دانا نسيت..
        الحب يعمل عمايله..
        وما لنا نذهب بعيدا فلندقق جيدا في نفس الآية: ( وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)..
        إذا كانت الآية الكريمة على العموم بمعنى أن أحدهما قد تنسى فلماذا نفترض في الثانية أنها لا تنسى هي الأخرى؟..
        صدقوني الآية بخلاف ذلك بكثير
        محمد المبعوث للنــاس رحمـةً


        =


        يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلـح


        لئن سبَّحت صُمُّ الجبـال مجيبـةً


        =


        لـداود أو لان الحديـد المصفـح


        فإن الصخور الصـمَّ لانت بكفـه


        =


        وإن الحصــا في كـفه ليُسَبِّـح


        وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا


        =


        فمن كفه قد أصبح المـاء يَطـفح


        وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعـةً


        =


        سليمان لا تألـو تروح وتسـرح


        فإن الصبـا كانت لنصـر نبينـا


        =


        ورعبُ على شهر به الخصم يكلح


        وإن أوتي الملكَ العظـيم وسخِّرت


        =


        لـه الجن تسعى في رضاه وتكدح


        فإن مفاتيح الكنــوز بأسـرهـا


        =


        أتته فرَدَّ الـــزاهد المترجِّـح


        وخص بالحوض الرَّواء وباللِّـوا


        =


        ويشفع للعـاصين والـنار تَلْفـح


        وبالمقعد الأعلى المقـرَّب نــاله


        =


        عطـــاءً لعينيه أَقـرُّ وأفـرح


        وبالرتبة العليـا الوسيـلة دونهـا


        =


        مراتب أرباب المـواهب تَلمــح


        ولَهْوَ إلى الجـنات أولُ داخــلٍ


        =


        لــه بـابها قبـل الخلائق يُفْتَتح


        تعليق


        • #94

          الفصل الثاني

          فماذا عن زُبُرِ الصحابة والتابعين

          يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة:
          (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)البقرة: ١٤٦
          وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ تدل الآية الكريمة على أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى يعرفون محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَكما يعرفون أبناءهم ، والقول بعودة الهاء في قوله تعالى : (يعرفونه ) على النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه [الإمام ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير1/158 ]،وقال به مجاهد وقتادة وغيرهما [الإمام القرطبي في تفسيره 2/162]، وهذه المعرفة لم تكن بسيطة ، بل كانت في أعلى مستويات المعرفة ، بدلالة هذه الآية الكريمة .
          ويبين قوة هذه المعرفة جواب عبد الله بن سلام رضي الله تعالى تعالى عنه وكان عالم اليهود وسيدهم ، أسلم بعد وصول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة ، وكان ممن بشر بالجنة ـ لسؤال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو من كبار أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وثاني الخلفاء الراشدين ـ حين سأله قائلا له : أتعرف محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ كما تعرف ابنك ؟ قال : نعم ، وأكثر، بعث الله أمينه في السماء إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته ، وابني لا أدري ما كان من أمه.[ أورد الرواية عن عمر القرطبي في تفسيره 2/163 ] . فأهل الكتاب يجدون ذكر نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتبهم التوراة والإنجيل ، قال الله سبحانه وتعالىفي سورة الأعراف :(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)الأعراف: ١٥٧
          وهذا الذكر، هل هو بالصفة فقط دون الاسم، أو بالاسم والصفة ؟.
          أمّا على فرض أنه بالصفة دون الاسم فقد ذهب ابن القيم ـ رحمه الله ـ بوجاهة ذلك وحصول الحجية به، فقال: إن الإخبار عن صفته، ومخرجه، أبلغ من ذكره بمجرد اسمه، فإن الاشتراك قد يقع في الاسم فلا يحصل التعريف والتمييز.[ انظر هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى للإمام ابن قيم الجوزية، تحقيق رضوان جامع رضوان ، ص 60 ] .
          ومن تأمل قصة قيصر الروم هرقل ، وما جعله يعترف بنبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ من مطابقة صفاته لما يعرفه من البشارات التي جاءت بوصفه في التوراة ، والإنجيل خاصة ، فإنه يعلم ما لذكر الصفة من أثر في التعرف عليه ، فحين وصلت رسالة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ إلى هرقل يدعوه فيها إلى الإسلام ، جعل يبحث في مملكته عن من يأتيه بخبر وصفة هذا النبي الذي يدعوه للإسلام ، فظفر جنده بأبي سفيان بن حرب زعيم قريش وسيدها قبل أن يسلم ، وكان قد خرج في تجارة لقريش إلى الشام ، وذلك بعد صلح الحديبية ، فأدخل هو ومن معه على هرقل في قصره ، فأجلسهم بين يديه .
          فقال:أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟.
          فقال أبو سفيان : أنا .فأجلسوه بين يديه ،وأجلسوا أصحابه خلفه ،ثم دعا بترجمانه.
          فقال :قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ،فإن كذبَني فكذِّبوه،قال أبو سفيان :وأيم الله ، لولا أن يؤثروا علي الكذب لكذبت، ثم قال لترجمانه : سله كيف حسبه فيكم ؟ قلت :هو فينا ذو حسب .
          قال :فهل كان من آبائه ملك ؟.
          قلت : لا .
          قال:فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟.
          قلت : لا .
          قال: أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟.
          قلت : بل ضعفاؤهم .
          قال : يزيدون أو ينقصون؟.
          قلت : لا ، بل يزيدون .
          قال : هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ؟.
          قلت : لا .
          قال : فهل قاتلتموه ؟.
          قلت: نعم .
          قال:فكيف كان قتالكم إياه ؟.
          قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه.
          قال : فهل يغدر ؟.
          قلت : لا ، ونحن منه في هذه المدة لا ندري ما هو صانع فيها ، ووالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها غير هذه .
          قال : فهل قال هذا القول أحد قبله ؟.
          قلت : لا .
          ثم قال لترجمانه : قل له إني سألتك عن حسبه ؟ فزعمت أنه ذو حسب، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها، وسألتك هل كان في آبائه ملك ؟ فزعمت أن لا، فقلت لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه من الناس أضعفاؤهم أم أشرافهم ؟فقلت بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا ، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله ، وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ؟ فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب ، وسألتك هل يزيدون أم ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم ، وسألتك هل قاتلتموه ؟ فزعمت أنكم قاتلتموه،فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه ، وكذلك الرسل تبتلى ، ثم تكون لهم العاقبة ، وسألتك هل يغدر ؟ فزعمت أنه لا يغدر، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله ؟ فزعمت أن لا ، فقلت لو كان قال هذا القول أحد قبله قلت رجل ائتم بقول قيل قبله ، ثم قال : بم يأمركم ؟ قلت: يأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصلة، والعفاف.
          قال :إن يك ما تقول فيه حقا ،فإنه نبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ! ولم أك أظنه منكم ! ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ! ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ! وليبلغن ملكه ما تحت قدمي !!.
          ثم دعا بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأه فإذا فيه :
          بسم الله الرحمن الرحيم
          من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد :
          فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين يقول تعالى:(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)آل عمران: ٦٤
          فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده، وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا.[رواه الإمام البخاري ح/4278 ].
          فهذا دليل بين بأنهم كانوا يعرفون وقت خروجه ومكانه وأوصافه ، لكن حب الدنيا وحب الملك وخوف القتل صدت هرقل عن قبول الحق ، والإيمان به ، فأعلن رفضه له ، ولم يقف موقف الثبات الذي وقفه الأسقف الأكبر في مملكته ـ معنى الأسقف : رئيس دين النصارى ـ والذي أقر هرقل بأنه صاحب أمرهم .
          فقد أرسل هرقل بالكتاب إلى الأسقف واسمه ( ضغاطر ) ، فقال الأسقف: هذا الذي كنا ننتظر وبشرنا به عيسى ، أما أنا فمصدقه ومتبعه ، فقال له قيصر: أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي.
          ثم قال الأسقف لرسول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دحية: خذ هذا الكتاب واذهب إلى صاحبك فأقرئ عليه السلام ،وأخبره أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأني قد آمنت به وصدقته وأنهم قد أنكروا على ذلك، ثم خرج إليهم فقتلوه، فلما رجع دحية إلى هرقل قال له :قد قلت لك إنا نخافهم على أنفسنا ، فضغاطر كان أعظم عندهم مني .[ الإمام ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري 1/42-43 ].
          فدعا هرقل عظماء الروم، فجمعهم في دار له فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد، وأن يثبت لكم ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد غلقت ، فقال :علي بهم، فدعا بهم فقال :إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم ،فقد رأيت منكم الذي أحببت،فسجدوا له ورضوا عنه [رواه الإمام البخاري ح/4278 ].
          ومن هذا الحديث نقف على أمرين مهمين :
          أولا : أن بعث نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتاب إلى قيصر دليل على عموم رسالته لجميع الناس عربهم وعجمهم ، أبيضهم وأسودهم ، قال تعالى في سورة الأعراف:
          (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)الأعراف: ١٥٨
          وقال تعالى في سورة الفرقان:
          (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)الفرقان: ١
          وحياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ بعثته ، وحتى وفاته شاهدة على عموم رسالته لجميع الناس ، فقد دعا اليهود في المدينة للإسلام، وجاهدهم فأخرج بعضهم منها، وقتل بعضهم، وفي ذلك دليل على عموم رسالته ، ثم إنه دعا النصارى، فناظر نصارى نجران، ودعاهم للمباهلة، وخرج لقتال النصارى في تبوك ، وبعث الكتب لكسرى، وقيصر، والمقوقس، وغيرهم .
          إنه لم يفعل ذلك كله إلا لأنه رسول لكل الشعوب على اختلاف ألسنتهم وألوانهم ، بل وللجن أيضا ، قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مدللا على عموم رسالته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه مبعوث إلى جميع الناس أهل الكتاب ، وغير أهل الكتاب ، بل إلى الثقلين الإنس والجن : إنه كان يكفر اليهود والنصارى الذين لم يتبعوا ما أنزل الله عليه ، كما كان يكفر غيرهم ممن لم يؤمن بذلك ، وأنه جاهدهم وأمر بجهادهم .[ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية 3/10 ] .
          أما الأمر الثاني : أن هرقل فقه مسألة مهمة ، وهي مسألة يتخذها المعاندون من أهل الكتاب ذريعة لصد الناس عن إتباع الحق ، وهي أن وصول كتاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه هو بلاغ لرسالته وإن كان بلغة العرب ، فلم يرده ، ولم يرفضه ، بل بادر بترجمته ، وفهم معانيه ، وتحري الحق بحواره مع أبي سفيان ، وعرضه على علماء النصارى في مملكته ، وكذلك كان موقف ضغاطر أكبر علماء بلاده ، فلم يرفض الدعوة بحجة أن النبي عربي اللسان ، وهو للعرب خاصة دون غيرهم .
          وإن المتأمل اليوم لكثرة المسلمين في شتى بقاع الأرض ، ومن كل اللغات ، ومن كل الأجناس ليعلم أن هذه الرسالة عامة لكل العالمين ، وأن من يقول بخصوصيتها لأهل اللسان العربي ليعارض النصوص من الكتب السماوية الصريحة ، ويغمض عينيه عن ما يشهد به الواقع البشري اليوم ومن قبل ، منذ بعثة نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يومنا هذا .
          يقول ابن تيمية رحمه الله :أنزل عليه القرآن باللسان العربي ، كما أنزلت التوراة باللسان العبري وحده ، وموسى عليه السلام لم يكن يتكلم إلا بالقبطية ، وكذلك المسيح عليه السلام لم يكن يتكلم بالتوراة والإنجيل وغيرهما إلا بالآرامية ، وكذلك سائر الكتب لا ينزلها الله إلا بلسان واحد ، بلسان الذي أنزلت عليه ولسان قومه الذين يخاطبهم أولا ، ثم بعد ذلك تبلغ الكتب وكلام الأنبياء لسائر الأمم : إما بأن يترجم لمن لا يعرف لسان ذلك الكتاب ، كما حدث في قصة الكتاب لهرقل وغيره من الملوك ، وإما بأن يتعلم الناس لسان ذلك الكتاب فيعرفون معانيه ، وإما بأن يبين للمرسل إليه معاني ما أرسل به الرسول إليه بلسانه ، وإن لم يعرف سائر ما أرسل به .
          فالحجة تقوم على الخلق ويحصل لهم الهدى بمن ينقل عن الرسول تارة المعنى ، وتارة اللفظ ولهذا يجوز نقل حديثه بالمعنى ، والقرآن يجوز ترجمة معانيه لمن لا يعرف العربية باتفاق العلماء ، وأبناء فارس المسلمون لما اعتنوا بأمر الإسلام ، ترجموا معاني مصاحف كثيرة ، فيكتبونها بالعربي ، ويكتبون الترجمة بالفارسية ، وكانوا قبل الإسلام أبعد عن المسلمين من الروم والنصارى ، فإذا كان الفرس المجوس قد وصل إليهم معاني القرآن بالعربي وترجمته فكيف لا يصل إلى أهل الكتاب وهم أقرب إلى المسلمين منهم ؟! وعامة الأصول التي يذكرها القرآن عندهم شواهدها ، ونظائرها في التوراة والإنجيل والزبور، وغير ذلك من النبوات، بل كل من تدبر نبوات الأنبياء ، وتدبر القرآن ، جزم يقينا بأن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ رسول الله حقا ، وأن موسى عليه السلام رسول الله صدقا ، لما يرى من تصادق الكتابين التوراة والقرآن ، مع العلم بأن موسى عليه السلام لم يأخذ عن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأخذ عن موسى عليه السلام فإن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باتفاق أهل المعرفة بحاله ،كان أُمّيِّاً ، قال تعالى في سورة العنكبوت:
          (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ): ٤٨
          ومن قوم أميين ،قال تعالى في سورة الجمعة 2:(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) الجمعة: ٢
          ولم يكن عندهم من يحفظ التوراة والإنجيل ولا الزبور ، وكان محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ مقيما بمكة لم يخرج من بين ظهرانيهم ، ولم يسافر قط إلا سفرتين إلى الشام ، خرج مرة مع عمه أبي طالب قبل الاحتلام ولم يكن يفارقه ، ومرة أخرى مع ميسرة في تجارته ، وكان ابن بضع وعشرين سنة ، مع رفقة كانوا يعرفون جميع أحواله، ولم يجتمع قط بعالم أخذ عنه شيئا لا من علماء اليهود ولا النصارى ولا من غيرهم ، لا بحيرى ولا غيره ، ولكن كان بحيرى الراهب لما رآه عرفه لما كان عنده من ذكره ونعته ، فأخبر أهله بذلك ، وأمرهم بحفظه من اليهود ، ولم يتعلم لا من بحيرى ، ولا من غيره كلمة واحدة ، وقد دافع الله تعالى عن نبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتابه رداً على من يزعم تعليم البشر له بقوله :
          (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)النحل: ١٠٣
          ففي الآية تكذيب لهم، لأن لسان الذي نسبوا إليه تعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعجمي لا يفصح، والقرآن عربي غاية في الوضوح والبيان.
          هذا مع أن في القرآن من الرد على أهل الكتاب في بعض ما حرفوه مثل : دعواهم أن المسيح عليه السلام صلب ، وقول بعضهم أنه إله ، وقول بعضهم أنه ساحر ، وطعنهم على سليمان عليه السلام وقولهم أنه كان ساحراً ، وأمثال ذلك ما يبين أنه لم يأخذ عنهم ، وفي القرآن من قصص الأنبياء ـ عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ ما لا يوجد في التوراة والإنجيل ، مثل،قصة هود ، وصالح ، وشعيب وغير ذلك ، وفي القرآن من ذكر المعاد وتفصيله ، وصفة الجنة والنار ، والنعيم والعذاب ، ما لا يوجد مثله في التوراة والإنجيل .[ انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2/52، 54، 74، 78 ].
          كما أن اللسان العربي من أفصح لغات الآدميين ، وأوضحها ، والناس متفقون على أن القرآن في أعلى درجات البيان والبلاغة ، والفصاحة ، وفي القرآن من الدلالات الكثيرة على مقصود الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي يذكر فيها أن الله سبحانه وتعالى أرسله إلى أهل الكتاب وغيرهم مالا يحصى إلا بكلفة . [ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/371 ].
          أما القول بأن ذكره بالاسم ورد في الكتب السماوية فيشهد له عدة أمور:
          أولا: تصريح القرآن الكريم بذلك، قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)الصف: ٦
          ثانيا: تصريح بعض أهل الكتاب باسمه فيما كانوا يبشرون به من خروج نبي آخر الزمان فقد كان بعض العرب قد سمى ابنه محمدا طمعا في أن يكون النبي المنتظر لما سمعوه من التبشير بخروجه ، فقد خرج أربعة من بني تميم يريدون الشام وهم : أحيحة بن الجلاح بن الحريش ، وسفيان بن مجاشع ، وأسامة بن مالك ، ويزيد بن ربيعة ، فلما وصلوا الشام نزلوا على غدير ، فسمع حديثهم ديراني في صومعة له ، فأشرف عليهم الديراني فقال: إن هذه لغة ما هي بلغة أهل البلد، فقالوا :نعم ،نحن قوم من مضر، قال: من أي مضر ؟ قالوا : من خندف، قال :أما إنه سيبعث منكم وشيكا نبي ،فسارعوا وخذوا بحظكم منه ترشدوا ، فإنه خاتم النبيين، فقالوا:ما اسمه ؟ فقال:محمد.
          فلما انصرفوا من عنده ولد لكل واحد منهم غلاما فسماه محمد. [ المعجم الكبير للإمام الطبراني ح/273- ج 17/111 ].
          ولما سمع أكثم بن صيفي التميمي بخروج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بعث إليه ابنه ليأتيه بخبره ، فلما رجع ابنه، قال له أكثم : ماذا رأيت ؟ قال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ،وينهى عن ملائمها، فجمع أكثم قومه ، ودعاهم إلى إتباعه، وقال لهم : إن سفيان بن مجاشع سمى ابنه محمدا حبا في هذا الرجل ، وإن أسقف نجران كان يخبر بأمره وبعثه ، فكونوا في أمره أولا ولا تكونوا أخرا.[ الإصابة في تمييز الصحابة للإمام ابن حجر 1/211 ].
          ثالثا : التصريح باسمه في النبوءات والبشارات في الكتب السابقة ، وحديثنا عن النبوءات عند أهل الكتاب، يجعلنا نتساءل عن موقفنا منها ؟.
          ويبين ذلك الدكتور سفر الحوالي بقوله : وموقفنا من نبوءات أهل الكتاب هو نفس الموقف من عامة أحاديثهم وأخبارهم ، فهي ثلاثة أنواع :
          أولاً: ما هو باطل قطعاً:
          وهو ما اختلقوه من عند أنفسهم أو حرفوه عن مواضعه، كدعوى أن نبي آخر الزمان سيكون من نسل داود عليه السلام وأن المسيح الموعود يهودي ، وطمسهم للبشارة بالإسلام ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ وعموماً هو كل ما ورد الوحي المحفوظ (الكتاب والسنة الصحيحة) بخلافه.
          ثانياً: ما هو حق قطعاً، وهو نوعان:
          أ ) ما صدقه الوحي المحفوظ نصاً، ومن ذلك إخبارهم بختم النبوة، وإخبارهم بنـزول المسيح عليه السلام وخروج المسيح الدجال، وإخبارهم بالملاحم الكبرى في آخر الزمان بين أهل الكفر وأهل الإيمان، ومن هذا النوع ما قد يكون الخلاف معهم في تفصيله أو تفسيره.
          ب) ما صدقه الواقع ، كما في صحيح البخاري عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: كُنت بـاليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن :ذا كلاع و ذا عمرو فجعلت أحدثهم عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ذو عمرو : لئن كان الذي تذكره من أمر صاحبك؛ فقد مرَّ على أجله منذ ثلاث ـ قال ذلك عمرو ، لأنه كان على إطلاع بكتب اليهود باليمن ـ قال جرير: وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رُفِع لنا ركب من قبل المدينة ، فسألناهم، فقالوا: قُبِضَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستُخلف أبو بكر والناس صالحون.
          فقالا: أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله، ورجعا إلى اليمن ، فحدثت أبا بكر بحديثهم ، فقال: أفلا جئت بهم، فلما كان بعدُ قال لي ذو عمرو : يا جرير ! إن بك عليَّ كرامة، وإني مخبرك خبراً، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمَّرتم في آخر، فإذا كان بالسيف كانوا ملوكاً، يغضبون غضبَ الملوك ويرضون رضا الملوك .
          [ رواه الإمام البخاري ح/4101، وانظر فتح الباري 8/76].

          تعليق


          • #95

            ثالثاً: ما لا نصدقه ولا نكذبه:
            وهو ما عدا هذين النوعين، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ).[ رواه الإمام البخاري ح/ 4215].
            وكوننا لا نصدقه ولا نكذبه يعني: خروجه عن دائرة الاعتقاد والوحي إلى دائرة الرأي والرواية التاريخية التي تقبل الخطأ والصواب والتعديل والإضافة، أي أن النهي لا يعني عدم البحث فيه مطلقاً، ولكنه بحث مشروط، وضمن دائرة الظن والاحتمال.
            [ انظر يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟ للدكتور: سفر الحوالي ] .
            والحديث عن البشارات والنبوءات التي جاءت في التوراة والإنجيل ، هو حديث عن علامة من علامات نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه أداءٌ لحق البلاغ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.فعن عبد الله بن عمروـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( بلغوا عني ولو آية ).[ رواه الإمام البخاري ح/ 3274 ]، فالله سبحانه وتعالى جعل سعادة البشرية في الدنيا، وهدايتهم لكل خير في طاعته وإتباعه، قال تعالى في سورة النور:(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)النور: ٥٤
            وجعل نجاتهم في الآخرة متوقفة على إتباعه.
            قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا دخل النار ). [رواه الإمام مسلم ح/153].
            ولقد كان يُعجب النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسمع أصحابه قصص أهل الكتاب الدالة على نبوته ، كما ثبت ذلك في قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه فبعد أن قص سلمان قصته على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :فأعجب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ أن يسمع ذلك أصحابه رضي الله عنهم.
            [ أخرجه الإمام أحمد ( 5/441-444 )،قال شعيب الأرنؤوط ،و حسين الأسد في تحقيق سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي( 1/511 ) :رجاله ثقات وإسناده قوي ].
            والناظر في أسباب دخول الناس إلى دين الله أفواجا ، وإيمانهم بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ وخاصة أكثر العرب الذين لم يكن لديهم علم بتلك البشارات ، يجد أنهم آمنوا لما تبين لهم من آيات وعلامات دلت على صدق نبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بل إن أتباعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ من العرب وغيرهم كانوا أكثر بعد موته ، مع عدم إطلاع غالبيتهم على البشارات والنبوءات ، وهم في تزايد مستمر،وذلك لما رأوا من عدل ورحمة ويسر الشريعة التي جاء بها ، ولما وجدوا من حسن أثر دعوته في أتباعه على مر الأزمان ، ومن ذلك حسن أخلاقهم ، وما جاء به من علامات تدل على صدق نبوته ، والتي منها :

            أولا: القرآن الكريم ، وهو أعظم الآيات والدلائل ، وسائر العلامات له تبع ، والقرآن آية بينة معجزة من وجوه متعددة : من جهة اللفظ ،ومن جهة النظم ، ومن جهة البلاغة في دلالة اللفظ على المعنى ، ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته وملائكته وغير ذلك ، ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيب الماضي وعن الغيب المستقبل ، ومن جهة ما أخبر به عن المعاد ومن جهة ما بين فيه من الدلائل اليقينية والأقيسة العقلية ، التي هي الأمثال المضروبة كما قال تعالى في سورة الإسراء : (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)الإسراء: ٨٩وانظر الجواب الصحيح 5/428.
            والقرآن معجز بمعارفه وعلومه، ولم يقدر أحد من العرب وغيرهم ـ مع قوة عداوتهم وحرصهم على إبطال أمره بكل طريق، وقدرتهم على أنواع الكلام ـ أن يأتوا بمثله.
            ويقول تعالى في سورة الإسراء: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)الإسراء: ٨٨
            ويقول تعالى في سورة في سورة النساء فَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)النساء:82
            قال الإمام الطبري ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية الكريمة : إن الذي أتيتهم به ـ يا محمد ـ من التنزيل من عند ربهم لاتساق معانيه ، وائتلاف أحكامه ، وتأييد بعضه بعضا بالتصديق ، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق ، فإن ذلك لو كان من غير الله سبحانه وتعالى لاختلفت أحكامه ،وتناقضت معانيه ، وأبان بعضه عن فساد بعض.[تفسير الطبري 5/179].
            وقال تعالى في سورة يونس:(وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)يونس: ٣٧
            وتأمل أثر القرآن على ملك الحبشة النجاشي ، وبطارقته وكانوا نصارى ، ثم إقرار النجاشي أن ما جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ وهو القرآن ـ يخرج وما جاء به عيسى عليه السلام وهو الإنجيل من مشكاة واحدة ـ فقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بالهجرة إليه لما كانوا يلاقونه من تعذيب وتضييق من كفار مكة ، وكان ملكا عادلا لا يظلم عنده أحد ، وبعد أن وصلوا إليه عاشوا في خير جوار عنده ، آمنين على دينهم يعبدون الله لا يؤذون ولا يسمعون شيئا يكرهونه ،فلما بلغ ذلك قريشا أغضبها ما كانوا يسمعونه عن أمن المهاجرين ،فتآمروا ليلاحقوهم هناك !! وقرروا أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين جلدين ليهدوا للنجاشي هدايا مما يحبه من متاع مكة ،وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم ـ الجلد ـ فجمعوا له أدما كثيرا ، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي ، وأمروهما أمرهم ، وقالوا لهما :ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ليستميلوهم فيشيروا على النجاشي بما يريدون.
            فخرجا فقدما على النجاشي ،فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما ،ثم كلماه فقالا له :أيها الملك إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم ، فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه .
            فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم.
            فغضب النجاشي ،ثم قال :لا ها الله، أيم الله إذاً لا أسلمهم إليهما، ولا أُكاد قوما جاوروني ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم ، فاسألهم ما يقول هذان في أمرهم،فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاوروني .
            ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض:ما تقولون للرجل إذا جئتموه ؟.
            قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ كائن في ذلك ما هو كائن.
            فلما جاءوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم.
            فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟.
            فكلمه جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقال له: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام ،ونأكل الميتة ،ونأتي الفواحش ،ونقطع الأرحام ،ونسيء الجوار ، ويأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله سبحانه وتعالى إلينا رسولا منا ،نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ،فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ،ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ،وأمرنا بصدق الحديث ،وأداء الأمانة ،وصلة الرحم ،وحسن الجوار ،والكف عن المحارم والدماء ،ونهانا عن الفواحش ،وقول الزور ،وأكل مال اليتيم ،وقذف المحصنة ،وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ،وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام .
            فعدد عليه أمور الإسلام ،قال :فصدقناه ،وآمنا به واتبعناه على ما جاء به ،فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا ،وحرمنا ما حرم علينا ،وأحللنا ما أحل لنا ،فعدا علينا قومنا ،فعذبونا وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله ،وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وشقوا علينا ،وحالوا بيننا وبين ديننا ،خرجنا إلى بلدك ،واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ،ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .
            فقال له النجاشي :هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟.
            فقال له جعفر :نعم .
            فقال له النجاشي: فاقرأه علي .
            فقرأ عليه صدرا من (كهيعص).
            فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته ،وبكت أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم !!.
            ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فو الله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أُكاد.
            فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص :والله لأنبئنَّه غدا عيبهم ، ثم استأصل به خضراءهم فقال له عبد الله بن أبى ربيعة وكان أتقى الرجلين في قومه : لا تفعل ،فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا.
            قال :والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبدٌ .
            ثم غدا عليه ، فقال له : أيها الملك ! إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما ،فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه . فأرسل إليهم يسألهم عنه .
            فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض:ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه ؟.
            قالوا: نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ كائنا في ذلك ما هو كائن.
            فلما دخلوا عليه ،قال لهم : ما تقولون في عيسى بن مريم ؟.
            فقال له جعفر بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه:نقول فيه الذي جاء به نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .
            فضرب النجاشي يده إلى الأرض ، فأخذ منها عودا ،ثم قال :ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود. فتناخرت بطارقته حوله ، حين قال ما قال، فقال :وإن نخرتم والله ، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي ـ والسيوم الآمنون ـ من سبكم غرم ، من سبكم غرم ،فما أحب أن لي دبرا ذهباـ يعني جبل ـ وإني آذيت رجلا منكم . ردوا عليهم هداياهما ، فلا حاجة لنا بها، فو الله ما أخذ الله منى الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه .
            فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به ، وأقام المهاجرون ـ رضي الله عنهم ـ عنده بخير دار مع خير جار.
            [ حديث روته أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخرجه الإمام أحمد 1/ 202 ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح ].
            ثانيا:المعجزات الحسية التي جاء بها، وهي كثيرة جداً، منها:
            انشقاق القمر، وتكثير الطعام القليل، ونبع الماء من تحت أصابعه، وبكاء جذع النخلة، وسلام الحجارة عليه، وتقارب الأشجار له، و ....و.....وغيرها كثير مما جمعه أهل العلم في دلائل نبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.
            ثالثا: إخباره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المغيبات الماضية، والحاضرة، والمستقبلة، بأمور باهرة لا يوجد مثلها لأحد من النبيين قبله، فضلا عن غير النبيين، ففي القرآن من إخباره عن الغيوب شيء كثير وكذلك في الأحاديث الصحيحة مما أخبر بوقوعه فكان كما أخبر، [ الجواب الصحيح 6/80 ].
            وقد كان اليهود يدركون ذلك ، وأن الشريعة التي بعث بها أيسر الشرائع ، وأخفها على الناس فعندما زنى رجل من اليهود بامرأة ، قال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي ، فإنه نبي بعث بالتخفيف ـ وهذا هو الشاهد ـ فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها ، واحتججنا بها عند الله ، فقلنا نبي من أنبيائك !! ـ وهذا إقرار صريح بنبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فأتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ! ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا ؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ! ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن ؟ ).
            قالوا : نحممه ، ونجبيه ، ونجلده ـ والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار ويقابل أقفيتهما ويطاف بهما ـ وسكت شاب منهم ، فلما رآه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ساكتا ، أنشده ؟ فقال : اللهم إذ نشدتنا ، فإنا نجد في التوراة الرجم فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( فما أول ما ارتخصتم أمر الله ؟ ) .
            قال: زنى ذو قرابة ملك من ملوكنا ، فأخر عنه الرجم ، ثم زنى رجل في أسرة من الناس ، فأراد رجمه ، فحال قومه دونه ، وقالوا : لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه .فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:
            ( فإني أحكم بما في التوراة. فأمر بهما فرجما ).[ رواه الإمام أبو داود ح/4450 ] .
            رابعاً : اجتمع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدة أمور لا يجتمع مثلها إلا لنبي مثل : المعجزات ، ومثل صفاته ، فهذا عدي بن حاتم من سادة قبيلة طيء ، وكان نصرانيا ، يخبر بتأثره بأخلاق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك في أول لقاء له به ، قال عدي : فانطلق بي إلى بيته ، فو الله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة كبيرة فاستوقفته ، فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها!!.
            قال :قلت في نفسي والله ما هذا بملك !.
            [ ابن إسحاق رحمه الله، انظر السيرة النبوية لابن هشام رحمه الله 5/278].
            ومما اجتمع له إضافة لما ذكر ، قرائن أحواله منذ الصغر فلم يكذب ولم يخن ..الخ.
            ولكن هل من شرط النبي أن يبشر به من تقدمه ؟
            يقول ابن تيمية رحمه الله : ليس من شرط النبي أن يبشر به من تقدمه ، كما أن موسى عليه السلام كان رسولا إلى فرعون ولم يتقدم لفرعون به بشارة ، وكذلك الخليل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل إلى نمرود ولم يتقدم به بشارة نبي إليه ، وكذلك نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ـ عليهم السلام ـ لم يتقدم هؤلاء بشارة إلى قومهم بهم ، مع كونهم أنبياء صادقين ، فإن دلائل نبوة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ لا تنحصر في إخبار من تقدمه ، بل دلائل النبوة منها المعجزات ومنها غير المعجزات. [ أنظر الجواب الصحيح 2/ 32].
            وهذه الآيات والدلائل المبينة لنبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير البشارات كثيرة جدا ، وهي حجة على أهل الكتاب ، وعلى غيرهم من الأمم ، قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)المائدة: ١٩
            وقال تعالى في سورة آل عمران: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ)آل عمران: ٩٨
            والقرآن أعظم آية جاء بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ وهو حجة على من بلغه، قال تعالى في سورة الأنعام:(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)الأنعام: ١٩ - ٢٠
            فمن بلغه بعض القرآن دون بعض ، قامت عليه الحجة بما بلغه دون ما لم يبلغه ، فإذا اشتبه معنى بعض الآيات وتنازع الناس في تأويل الآية وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله ، فإذا اجتهد الناس في فهم ما أراده الرسول فالمصيب له أجران والمخطئ له أجر .[ الجواب الصحيح 2/293 ].
            فكيف يكون جوابهم ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ؟!.
            ويأتي الآن السؤال المهم: ما الدلالات القرآنية على أن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مذكور في التوراة والإنجيل، ليوصف أهل الكتاب بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ؟.
            والجواب بالإضافة لما بيناه في الفصول السابقة، يتمثل في الدلالات التالية :
            أولا: تصريح القرآن بذلك، قال تعالى في سورة الأعراف:(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)الأعراف: ١٥٧
            وقاله تعالى في سورة البقرة:(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)البقرة: ٨٩
            ثانيا: تصريح القرآن ببشارة الأنبياء ـ عليهم السلام ـ به، فقد بشر به عيسى عليه السلام قال تعالى في سورة الصف:(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)الصف: ٦
            وقال تعالى يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)الصف:8 ـ ٩
            بل أخذ العهد والميثاق على جميع الأنبياء لئن بعث محمد ليؤمنن به .
            قال تعالى في سورة آل عمران: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)آل عمران: ٨١
            قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه وغيره من السلف : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته : لئن بعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه .
            قال ابن تيمية : فدل ذلك على أنه من أدرك محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأنبياء وأتباعهم وإن كان معه كتاب وحكمة فعليه أن يؤمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينصره .[ انظر الجواب الصحيح 2/120- 123 ].
            ثالثا: شهادة من أسلم من علماء بني إسرائيل، أن ذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء في كتبهم:
            1ـ قال تعالى في سورة الشعراء:(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ)الشعراء: ١٩٦ - ١٩٧
            وقال تعالى في سورة آل عمران:(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)آل عمران: ١٩٩
            وقال تعالى في سورة القصص: (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)القصص: ٥٢ - ٥٤
            2ـ ومن ذلك أن عالم اليهود وابن عالمهم وسيدهم وابن سيدهم عبد الله بن سلام كان فوق نخلة له يجدها، فسمع رجة فقال: ما هذا ؟ قالوا: هذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ قد قدم. فألقى بنفسه من أعلى النخلة ثم خرج [ مجمع الزوائد 8/243 ].
            فكان فيمن أنجفل إليه ، يقول عبد الله بن سلام : فلما تبينت وجهه ، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول شيء سمعته يقوله : ( أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام )[ رواه الإمام أحمد 5/ 451 ].
            ثم رجع فقالت له أمه: لله أنت !! لو كان موسى بن عمران عليه السلام ما كان بذلك تلقي نفسك من أعلى النخلة. فقال: والله لأنا أشد فرحا بقدوم رسول الله من موسى إذ بعث.
            [ قال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله ثقات إلا أن حمزة بن يوسف لم يدرك جده عبد الله بن سلام ،مجمع الزوائد 8/243 ].
            وفي رواية ابن إسحاق: أنه قال لعمته خالدة: أي عمة، هو والله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه، بعث بما بعث به. فقالت : أي ابن أخي ! أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نَفَس الساعة ؟ فقلت لها : نعم . [ابن إسحاق في سيرة ابن هشام 3/50 ].
            ثم جاءه بعد ذلك فقال : إني سائلك عن ثلاث ، لا يعلمهن إلا نبي : فما أول أشراطالساعة ، وما أول طعام أهل الجنة ، وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أخبرني بهن جبريل آنفا ). قال: جبريل ؟!!قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( نعم ).قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة .
            فقرأ هذه الآية : (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)البقرة: ٩٧
            أما أول أشراط الساعة ؟ فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام أهل الجنة ؟ فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت ).
            فقال ابن سلام : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قوم بهت ، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني. فجاءت اليهود ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ :
            ( أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ ).قالوا : خيرنا ، وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا . قال: ( أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام ؟ ).فقالوا : أعاذه الله من ذلك . فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقالوا :شرنا وابن شرنا ، وانتقصوه . قال ابن سلام: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.[ رواه الإمام البخاري 4210 ، 3699 ].
            وفي رواية قال: يا معشر اليهود ! اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بحق .[ رواه الإمام البخاري 3621 ].
            3ـ وكان بعض أهل الكتاب يُذكِّر البعض الآخر ، ويقيم الحجة عليهم ، فهذا مخيريق من أحبار بني النضير وعلمائها وأغنيائها يقيم الحجة على يهود ، وكان يعرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بصفته وما يجد في علمه ، وكان قد غلب عليه إلف دينه ، فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أُحد ـ وكان يوم أُحد يوم السبت من شهر ،شوال من السنة الثالثة للهجرة ـ قال : يا معشر يهود ! والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا : إن اليوم يوم السبت .
            قال : لا سبت لكم . ثم أخذ سلاحه ، فخرج حتى أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأُحد ، وعهد إلى من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ يصنع فيها مشاء .
            فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول مخيريق خير يهود ).[ ابن إسحاق ، انظر السيرة النبوية لابن هشام 3/51 ].
            4ـ و شاهد آخر في موقف (ضغاطر) كبير الأساقفة زمن هرقل ، عندما أرسل إليه هرقل بكتاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ يستشيره فيه ، فقال الأسقف: هذا الذي كنا ننتظر ، وبشرنا به عيسى عليه السلام أما أنا فمصدقه ومتبعه . فقال له قيصر: أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي. ثم قال الأسقف لرسول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ : خذ هذا الكتاب واذهب إلى صاحبك ، فأقرئ عليه السلام ،وأخبره أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأني قد آمنت به وصدقته ،وأنهم قد أنكروا على ذلك .ثم خرج إليهم فقتلوه .[ ابن حجر في فتح الباري 1/42-43].
            5ـ وأورد شيخ الإسلام بن تيمية إقرار وشهادة الحسن بن أيوب ، و كان من أجلاء علماء النصارى ، وأخبرِ الناسِ بأقوالهم ، ومن أخبرِ الناس بمقالاتهم ، فأسلم على بصيرة ، وكتب رسالة إلى أخيه علي بن أيوب يذكر فيها سبب إسلامه ، ويذكر الأدلة على بطلان دين النصارى وصحة دين الإسلام ، قال في رسالته إلى أخيه لما كتب إليه يسأله عن سبب إسلامه ؟ ثم أعلمك أرشدك الله أن ابتداء أمري في الشك الذي دخلني فيما كنت عليه ،والاستبشاع بالقول به من أكثر من عشرين سنة !! لما كنت أقف عليه في المقالة من فساد التوحيد لله عز وجل ، بما أدخل فيه من القول بالثلاثة الأقانيم ، وغيرها مما تضمنته شريعة النصارى ،ووضع الاحتجاجات التي لا تزكو ، ولا تثبت في تقرير ذلك ، وكنت إذا تبحرته وأجلت الفكر فيه بان لي عواره ، ونفرت نفسي من قبوله ، وإذا فكرت في دين الإسلام الذي مَنّ الله علي به وجدت أصوله ثابتة ، وفروعه مستقيمة ، وشرائعه جميلة ، وأصل ذلك ما لا يختلف فيه أحد ممن عرف الله عز وجل منكم ومن غيركم ، وهو الإيمان بالله الحي القيوم السميع البصير الواحد الفرد الملك القدوس الجواد العدل ، إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وإله موسى وعيسى وسائر النبيين والخلق أجمعين ،....، إلى أن قال : ثم نؤمن بأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، ونؤمن بموسى وعيسى وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،لا نفرق بين أحد منهم ، ونؤمن بالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن وسائر الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، وأن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين ذلك بما كسبت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد .
            قال :وكان يحملني إلف ديني ، وطول المدة والعهد عليه ، والاجتماع مع الآباء والأمهات والإخوة والأخوات ، والأقارب والإخوان والجيران ،وأهل المودات على التسويف بالعزم والتلبث على إبرام الأمر ، ويعرض مع ذلك الفكر في إمعان النظر ، والازدياد في البصيرة ، فلم أدع كتابا من كتب أنبياء التوراة والإنجيل والزبور، وكتب الأنبياء ، والقرآن ، إلا نظرت فيه ،وتصفحته ، ولا شيئا من مقالات النصرانية إلا تأملته ، فلما لم أجد للحق مدفعا ، ولا للشك فيه موضعا ، ولا للأناة والتلبث وجها خرجت مهاجرا إلى الله عز وجل بنفسي ، هاربا بديني عن نعمة وأهل مستقر ومحل وعز ومتصرف في عمل ، فأظهرت ما أظهرته عن نية صحيحة ، وسريرة صادقة ، ويقين ثابت ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، لقد جاءت رسل ربنا بالحق ، وإياه تعالى نسأل أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.[ الجواب الصحيح 4/88].
            رابعا: إخبار علمائهم ، بصفته ، ومكانه ، ووقت خروجه ، وهو ما كان سببا في إسلام سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وإليكم قصة سلمان العجيبة.
            1ـ يرويها بنفسه فيقول:
            كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جى ، وكان أبي دهقان قريته ، وكنت أحب خلق الله إليه ، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية ، فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة .
            وكانت لأبي ضيعة عظيمة ـ الضيعة:هي تجارة الرجل، أو صناعته، أو زراعته ـ فشغل في بنيان له يوما، فقال لي:
            يا بني !إني قد شُغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدرى ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم ، دخلت عليهم انظر ما يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ، ورغبت في أمرهم.
            وقلت : هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه ؛ فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس. وتركت ضيعة أبي ولم آتها.
            فقلت لهم: أين أصل هذا الدين ؟ قالوا: بالشام. ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: أي بني! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟.
            قلت : يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس .
            قال: أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه.
            قلت:كلا والله إنه لخير من ديننا.
            قال: فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته .
            وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، فقدم عليهم من الشام تجار من النصارى ، فأخبروني بهم ، فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم ، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فأخبروني.
            فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام ، فلما قدمتها.
            قلت : من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا الأسقف في الكنيسة، فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين ، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك ، وأتعلم منك ، وأصلى معك.
            قال : فادخل ، فدخلت معه ، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ، ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قِلال من ذهب ووَرِق ، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع .
            ثم مات ، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء ، يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ، ولم يعط المساكين منها شيئا.
            قالوا : وما علمك بذلك ، قلت :أنا أدلكم على كنزه ، قالوا: فدلنا عليه ، فأريتهم موضعه ، فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، فلما رأوها قالوا :والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه ، ثم رجموه بالحجارة ، ثم جاؤوا برجل آخر، فجعلوه مكانه ، فما رأيت رجلا ـ يعني لا يصلي الخمس ـ أرى أنه أفضل منه ، أزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلا ونهارا منه ، فأحببته حبا لم أحبه من قبله ، وأقمت معه زمانا ، ثم حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله ، فإلى من توصى بي وما تأمرني ؟.
            قال : أي بني ، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه ، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل ، وهو فلان ، فهو على ما كنت عليه ، فالحق به .
            فلما مات وغيب، لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلانا أوصاني عند موته أن الحق بك، وأخبرني أنك على أمره.
            فقال لي : أقم عندي، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه ، فلما حضرته الوفاة قلت له :يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك ،وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى ،فإلى من توصى بي ؟ وما تأمرني ؟.
            قال: أي بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه، إلا رجلا بنصيبين، وهو فلان، فالحق به، فلما مات وغيب، لحقت بصاحب نصيبين ، فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي. قال : فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه ، فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت ، فلما حُضر قلت له : يا فلان إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصى بي ، وما تأمرني.
            قال : أي بني والله ما نعلم أحدا بقى على أمرنا آمرك أن تأتيه ، إلا رجلا بعمورية ، فإنه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، فإنه على أمرنا.
            فلما مات وغيب، لحقت بصاحب عمورية ، وأخبرته خبري.
            فقال :أقم عندي.
            فأقمت مع رجل على هدى أصحابه وأمرهم ، واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة ، ثم نزل به أمر الله ، فلما حُضر قلت له : يا فلان إلى من توصى بي ؟ وما تأمرني ؟ قال : أي بني ! والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ، ولكنه قد أظلك زمان نبي ، هو مبعوث بدين إبراهيم ، يخرج بأرض العرب ( وفي رواية :يبعث من أرض الحرم )، مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل ، به علامات لا تخفى : يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل .
            ثم مات وغيب ، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث.
            ثم مر بي نفر من تجار العرب من كلب فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه .
            قالوا: نعم .
            فأعطيتهم إياها وحملوني ، حتى إذا قدموا بي وادي القرى ـ هو وادٍ بين المدينة والشام كثير القرى ـ، ظلموني ، فباعوني عبداً من رجل من يهود ، فكنت عنده ورأيت النخل ، ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي ، ولم يحق لي في نفسي ، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة ، فابتاعني منه ، فاحتملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها ، فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ، وبعث الله رسوله ، فأقام بمكة ما أقام ، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة ، فوالله إني لفي رأس نخلة لسيدي ، وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه ، فقال :يا فلان ! قاتل الله بني قيلة ـ يعني الأوس والخزرج ـ والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي .
            فلما سمعتها أخذتني العرواء ـ يعني الرعدة ـ حتى ظننت سأسقط على سيدي ، ونزلت عن النخلة ، فجعلت أقول لابن عمه ذلك : ماذا تقول ؟ ماذا تقول ؟ قال: فغضب سيدي، فلكمني لكمة شديدة ،ثم قال : مالك ولهذا ؟ أقبل على عملك .
            فقلت:لا شيء إنما أردت أن استثبت عما قال.
            وقد كان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ، ثم ذهبت به إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح ، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم .
            فقربته إليه فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَلأصحابه : كلوا، وأمسك يده ، فلم يأكل .
            فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه، فجمعت شيئا وتحول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة ، ثم جئت به فقلت :إني رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية أكرمتك بها ، فأكل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ منها ، وأمر أصحابه فأكلوا معه ، فقلت في نفسي :هاتان اثنتان ، ثم جئت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ببقيع الغرقد ، وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ، ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ استدرته ، عرف أني استثبت في شيء وصف لي ، فألقى الرداء عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم ، فعرفته ، فانكببت عليه أقبله وأبكى .
            فقال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( تحول )، فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس.
            قال: فأعجب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسمع ذلك أصحابه .[ أخرجه الإمام أحمد 5/441-444،قال شعيب الأرنؤوط ،و حسين الأسد في تحقيق سير أعلام النبلاء للذهبي 1/511:رجاله ثقات وإسناده قوي ].
            2ـ وكان لأحبار اليهود الذين عرفوا صفة الأرض التي يهاجر إليها نبي آخر الزمان وهي يثرب ( المدينة ) دورهم في رد تُبّع عنها ـ تبع أحد ملوك اليمن واسمه : تبان أسعد من أبناء سبأ ، غزا الأنبار والحيرة والترك وغزا الصين حتى هابته الملوك وأهدت له الهدايا ، كان وثنياً ، ثم دخل اليهودية و أدخلها إلى اليمن ، وعن بن عباس قال :قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( لا تسبوا تبعا ، فإنه قد أسلم ) رواه الطبراني في المعجم الأوسط ح/1419، وقال عنه الألباني في سلسلة الصحيحة : صحيح بشواهده .وانظر تاريخ الطبري 1/331ـ وذلك عندما غزا الحجاز وأراد الهجوم على المدينة ، فخرج إليه حبران من أحبار اليهود حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها، فقالا له : أيها الملك لا تفعل ، فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ، ولم نأمن عليك، فقال لهما : ولم ذلك ؟ فقالا: هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزمان ، تكون داره وقراره . فتناهى عن ذلك، ورأى أن لهما علما، وأعجبه ما سمع منهما فانصرف عن المدينة واتبعهما على دينهما [ابن إسحاق ، انظر السيرة النبوية لابن هشام 1/133 ].
            3ـ ولمعرفتهم بزمان خروجه ومكانه ،كان هناك من يقدم إلى المدينة قبل الإسلام بسنين قلائل ، منهم رجل من أهل الشام يقال له ابن الهيّبان قدم المدينة قبيل الإسلام بسنين ، فسكنها وظهرت عليه علامات الصلاح ، فلما حضرته الوفاة وعرف أنه ميت.
            قال : أيا معشر يهود ! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع ؟ فقالوا : إنك أعلم .
            قال:فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف ـ يعني أنتظر ـ خروج نبي قد أظل زمانه ، وهذه البلدة مهاجره ، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه ، وقد أظلكم زمانه ، فلا تسبقن إليه يا معشر يهود.
            وكان ممن شهد قصة ابن الهيبان ثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، من بني قريظة ، فلما بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحاصر بني قريظة بعد نقضهم العهد الذي كان بينهم وبينه قال هؤلاء الفتية وكانوا شبابا أحداثا : يا بني قريظة ! والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان .قالوا :ليس به .قالوا : بلى ،والله إنه لهو بصفته .فنزلوا وأسلموا وأحرزوا دماءهم و أموالهم وأهليهم [ ابن إسحاق، انظر السيرة النبوية لابن هشام 2/40].

            تعليق


            • #96
              4ـ وكان سماع أهل المدينة من الأوس والخزرج للبشائر بخروج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ من اليهود أمراً متكرراً ، فمن ذلك ، ما رواه حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : والله ، إني لغلام يفعه ابن سبع سنين أو ثمان ، أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمه ـ يعني حصنه ـ: يا معشر يهود ! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك ! ما لك ؟ قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به .
              قال ابن إسحاق : فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقلت : ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة ؟ فقال : ابن ستين . وقدمها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين [ عن ابن إسحاق، انظر السيرة لابن هشام 1/249 ].
              5ـ ولم تقتصر البشائر على المدينة فحسب، بل كانت لمعرفتهم بزمن خروجه أثره في ترقبهم هجرته إلى المدينة ، فهذا رجل من اليهود يصعد فوق حصن له في الأيام التي كان المسلمون في المدينة يترقبون وصول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم بعدما سمعوا بخروجه مهاجرا إليهم ، فرأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته :يا معاشر العرب ـ وفي رواية : يا بني قيلة ـ يعني الأوس والخزرج ـ هذا جدكم الذي تنتظرون ـ فثار المسلمون ، فتلقوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بظهر الحرة [رواه الإمام البخاري ح/3964 ].
              6ـ وكان علماء النصارى يسدون النصائح لأقرباء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرصاً على سلامته من كيد الأعداء ، بل ويقومون بدور الحماية لما عرفوه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فهذا بحيرى الراهب ، كان ببصرى من أرض الشام ، وكان من علماء النصارى ، وكان لا ينزل من صومعته ، و لا يلتفت إلى قوافل التجار المارة به !!.
              لكنه في يوم من الأيام رأى ما أدهشه، وجعله يخرج ويتابع القافلة القادمة من مكة تريد الشام إنها علامات رآها دفعته للنزول من صومعته والاستعداد للقائهم، بل وتهيئة الطعام لهم !!
              لقد كانت تلك القافلة لأبي طالب عم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان معه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صغير، وكان عمه يحبه حبا شديدا، ولا يقوى على مفارقته، فاصطحبه في سفرته تلك.
              أما السبب في تغير تعامل بحيرى مع أهل هذه القافلة، على غير ما كان معتادا منه، فهو أنه رأى غمامة تظل غلاما صغيرا من بين القوم !!..
              فلما أقبلوا ، ونزلوا في ظل شجرة قريبا منه ، نظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة ، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استظل تحتها ، فلما رأى ذلك بحيري نزل من صومعته ، وقد أمر بذلك الطعام فصنع ، ثم أرسل إليهم ، فقال :إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، فأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم ، وعبدكم وحركم .فقال له رجل منهم : والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم ، ما كنت تصنع هذا بنا ، وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك اليوم ؟! قال له بحيرى :صدقت ، قد كان ما تقول ،ولكنكم ضيف ، وقد أحببت أن أكرمكم ،وأصنع لكم طعاما ،فتأكلوا منه كلكم ،فاجتمعوا إليه ،وتخلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَمن بين القوم لحداثة سنة في رحال القوم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده .فقال: يا معشر قريش،لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي.
              قالوا له: يا بحيرى ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك، إلا غلام وهو أحدث القوم سنا، فتخلف في رحالهم.
              فقال :لا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم . فقال رجل من قريش مع القوم : واللات والعزى إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا .ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم .
              فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا ، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى ، فقال :يا غلام ،أسألك بحق اللات والعزى ألا ما أخبرتني عما أسألك عنه .
              وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : لا تسألن باللات والعزى شيئا ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما. فقال له بحيرى: فبالله، إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه.
              فقال له :سلني عما بدا لك .فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره ، فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ،ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده .
              فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له:ما هذا الغلام منك ؟
              قال : ابني .
              قال له بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا !!
              قال : فإنه ابن أخي .
              قال : فما فعل أبوه ؟
              قال : مات وأمه حبلى به .
              قال :صدقت !! فارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه يهود ،فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغُنَّه شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم .
              فأسرع به إلى بلاده ، ثم إن نفراً من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ مثل ما رآه بحيرى في ذلك السفر ، فأرادوه ، فردهم عنه بحيرى ،وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته ، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه ، ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال ،فتركوه وانصرفوا عنه [ابن إسحاق ، انظر السيرة النبوية لابن هشام 1/119 ، وقال ابن حجر: هذه القصة بإسناد رجاله ثقات ، من حديث أبي موسى الأشعري أخرجها الترمذي وغيره.
              7ـ وكان رهبان النصارى يخبرون من يسألهم عن الدين الحق بزمان ومكان نبي آخر الزمان فقد رحل زيد بن عمرو الباحث عن الحقيقة من مكة إلى الشام يطلب دين إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ويسأل الرهبان والأحبار حتى بلغ الموصل ، ثم أقبل فجال الشام كله حتى انتهى إلى راهب بميفعة من أرض البلقاء ـ قرية بالشام ـ كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية في بلاده ، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم ؟فقال :إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ، ولكن قد أظل زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها ، يبعث بدين إبراهيم الحنيفية ، فالحق بها فإنه مبعوث الآن هذا زمانه - وقد كان رفض اليهودية والنصرانية - فخرج سريعا حين قال له ذلك الراهب ما قال يريد مكة حتى إذا توسط بلاد لخم هجموا عليه فقتلوه [ ابن إسحاق ، انظر السيرة النبوية لابن هشام 2/61 ] .
              خامسا: مواقف ملوكهم ، وزعمائهم من دعوته ، فقد سبق الإشارة إلى إسلام النجاشي رضي الله تعالى عنه وإقرار هرقل بالنبوة لكنه لم يسلم.
              1ـ ومثله ما كان من المقوقس ملك مصر وكان نصرانيا ، فقد أرسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ إليه بكتاب يدعوه فيه إلى الإسلام ، وكان رسوله إليه حاطب بن أبي بلتعة t قال حاطب : قدمت على المقوقس ( واسمه جريح بن مينا ) بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
              فقلت له :إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى ، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ، فانتقم به ثم انتقم منه ، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك .
              قال : هات .
              قلت : إن لك دينا لن تدعه إلا لما هو خير منه ، وهو الإسلام الكافي بعد ما سواه ،إن هذا النبي دعا الناس إلى الله فكان أشدهم عليه قريش ، وأعداهم له اليهود ، وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد ، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل ، وكل من أدرك نبيا فهو من أمته ، فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدركت هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ، ولكنا نأمرك به ، ثم ناوله كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما قرأه قال خيرا : قد نظرت في هذا ، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ، ولا ينهى عن مرغوب فيه ، ولم أجده بالساحر الضال ، ولا الكاهن الكاذب ، ووجدت معه آلة النبوة . ثم جعل الكتاب في حق من عاج ، وختم عليه ، ودفعه إلى خازنه ، وكتب جوابه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: فقد علمت أن نبيا قد بقي ، وقد أكرمت رسولك .
              وأهدى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاريتين ، وبغلة تسمى ( الدلدل ) ، فقبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ هديته ، واصطفى الجارية الواحدة واسمها مارية القبطية لنفسه ، فولدت منه إبراهيم ، وأعطى الأخرى لحسان بن ثابت ، فولدت منه عبد الرحمن .
              فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( ضن الخبيث بملكه ، ولا بقاء لملكه ). [ الجواب الصحيح 1/293 ].
              2ـ وممن أسلم من نصارى العرب ، وكان من أشرافهم عامل الروم على من يليهم من العرب فروة بن عمرو الجذامي ، لما رأى من آيات ، وعلامات دلت على صدق نبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام ، وبعث إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بإسلامه ولم ينقل أنه اجتمع به ، وأهدى له بغلة بيضاء ، فبلغ الروم إسلامه ، فطلبوه فحبسوه، ثم قتلوه .
              فقال في ذلك أبياتا منها قوله :أبلغ سراة المسلمين بأنني سلم لربي أعظمي وبناني .
              [ابن حجر، في الإصابة في تمييز الصحابة 5/386 ].
              ومن نصارى العرب الذين أسلموا ، الجارود بن عمرو ، وكان سيدا في قومه بني عبد آلاف ورئيسا فيهم ،وكان يسكن البحرين ، وفد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَسنة تسع من الهجرة ،وفرح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بمقدمه ، وقد كان صلبا في إسلامه ، فقد ثبت على الإسلام بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن تبعه من قومه ، ولم يرتد مع من ارتدوا . [ابن عبد البر ، في كتاب الاستيعاب 1/263، والإصابة 1-441 ].
              سادسا : إخبار من اطلع على كتبهم ، بأنه مذكور فيها ، ويشهد له ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ عن ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التوراة حيث قال : وهو موصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ،سميتك المتوكل ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ،ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا ، وآذانا صما وقلوبا غلفا . [ أخرجه البخاري حديث رقم 2018 ].
              وشاهد آخر حدث في خلافة عمررضي الله تعالى عنه قال أبو العالية :لما فتح المسلمون تستر ، وجدوا دانيال عليه السلام ميتا ، ووجدوا عنده مصحفا ، قال أبو العالية : أنا قرأت ذلك المصحف وفيه : صفتكم ،وأخباركم ، وسيرتكم ، ولحون كلامكم .[ هداية الحيارى لابن قيم الجوزية ص109 ].

              سابعا : أن المكذبين والجاحدين لنبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمكنهم إنكار البشارة والإخبار بنبوة نبي عظيم الشأن كمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جاء ذكره ، وجاءت صفته وصفة أمته ، ومكان وزمن خروجه في كتبهم ، لكنهم جحدوا أن يكون هو المقصود ، وأنه نبي آخر غيره حسدا من عند أنفسهم وكبرا وعلوا .
              1ـ يبين ذلك ما رواه رجل من الأوس اسمه سلمة بن سلامة ، قائلا : كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل ، قال : فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل ، وأنا يومئذ حدث ـ يعني صغير ـ علي بردة لي ، مضطجع فيها بفناء أهلي، فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار ، فقال ذلك في أهل يثرب ، والقوم أصحاب أوثان ، بعثا كائنا بعد الموت .
              فقالوا له :ويحك ! أترى هذا كائنا يا فلان، إن الناس يبعثون بعد موتهم إلى جنة ونار، ويجزون فيها بأعمالهم ؟ قال: نعم، والذي يحلف به.
              قالوا : يا فلان ويحك ! ما آية ذلك ؟ قال : نبي مبعوث من نحو هذه البلاد .وأشار بيده إلى مكة ، قالوا : ومتى نراه ؟ قال: فنظر إلي ، وأنا أصغرهم سنا ، فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه .قال سلمة : فوالله ، ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تبارك وتعالى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوهو حي بين أظهرنا ، فآمنا به وكفر بغيا وحسدا ، فقلنا له : ويحك يا فلان ! ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى ولكنه ليس به .[ رواه الإمام أحمد ، وابن حبان وصححه ، والحاكم في المستدرك ( ح/ 5764 ) ، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وانظر هداية الحيارى لابن قيم الجوزية ص 66].
              2ـ وكان اليهود بالمدينة يتوعدون الأوس والخزرج عندما ينالون منهم ما يكرهون بخروج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقولون لهم: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن ، نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجابه الأوس والخزرج حين دعاهم إلى الله تعالى ، فآمنوا به وكفر اليهود به . وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة:( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)البقرة: ٨٩.[ ابن إسحاق، انظر السيرة النبوية لابن هشام 2/37 ].
              لذلك كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يذكرون اليهود بما كانوا يذكرونه لهم قبل مبعثه، فقال لهم معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب رضي الله عنهم: يا معشر يهود ! اتقوا الله ، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه ، وتصفونه لنا بصفته .فقال رافع بن حريملة ، ووهب بن يهوذا : ما قلنا لكم هذا قط ، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى ، ولا أرسل بشيرا ، ولا نذيرا بعده ، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما :
              (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)المائدة: ١٩.ابن إسحاق انظر السيرة النبوية لابن هشام 3/101].
              2ـ وهاهم اليهود تتوالى أسئلتهم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رغم رؤيتهم لكثير من علامات النبوة التي يعرفونها من التوراة ، فجاءت مجموعة من اليهود نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ يوما ،فقالوا : يا أبا القاسم ، حدثنا عن خلال نسألك عنهن ، لا يعلمهن إلا نبي .
              قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ : ( سلوني عما شئتم ،ولكن اجعلوا لي ذمة الله ، وما أخذ يعقوب عليه السلام على نبيه ، لئن حدثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعني على الإسلام ).
              قالوا: فذلك لك . قال : ( فسلوني عما شئتم ) .
              قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن: أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل، كيف يكون الذكر منه؟ وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم ؟ ومن وليه من الملائكة ؟
              قال: ( فعليكم عهد الله وميثاقه، لئن أنا أخبرتكم لتتابعني ).
              قال : فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق .
              فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( فأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب عليه السلام مرض مرضا شديدا ، وطال سقمه ، فنذر لله نذرا ، لئن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحمان : الإبل ، وأحب الشراب إليه ألبانها ) . قالوا: اللهم نعم .قال : ( اللهم اشهد عليهم ، فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله :إن علا ماء الرجل على ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله ، وإن علا ماء المرأة على ماء الرجل كان أنثى بإذن الله ).
              قالوا : اللهم نعم.
              قال: ( اللهم اشهد عليهم، فأنشدكم بالذي انزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه ).
              قالوا: اللهم نعم .
              قال:( اللهم اشهد ).
              قالوا: وأنت الآن، فحدثنا من وليك من الملائكة ؟ فعندها نجامعك، أو نفارقك!.
              قال: ( فإن ولي جبريل عليه السلام، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه ).
              قالوا: فعندها نفارقك ! لو كان وليك سواه من الملائكة لتابعناك وصدقناك . قال: ( فما يمنعكم من أن تصدقوه ).
              قالوا : إنه عدونا.
              فعند ذلك قال الله عز وجل في البقرة: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) البقرة 97ـ 101،فعند ذلك باؤا بغضب على غضب الآية [رواه الإمام أحمد 1/278 ].
              3ـ وكان عمر يذهب إلى يهود، ويأتيهم، يقول عمر رضي الله عنه: فبينما أنا عندهم ذات يوم، قالوا: يا ابن الخطاب ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك. قلت : ولم ذلك ؟ قالوا : إنك تغشانا وتأتينا . قال قلت: إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة، ومن التوراة كيف تصدق الفرقان ؟! قال: ومر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ فقالوا : يا ابن الخطاب ! ذاك صاحبكم فالحق به .
              فقلت لهم عند ذلك: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم من حقه، واستودعكم من كتابه، أتعلمون أنه رسول الله ؟؟ قال : فسكتوا !! فقال عالمهم وكبيرهم : إنه قد عظم عليكم ، فأجيبوه . قالوا : أنت عالمنا وسيدنا ، فأجبه أنت . قال: أما إذ أنشدتنا به، فإنا نعلم أنه رسول الله !
              قلت ويحكم ! ـ أي هلكتم ـ قالوا : إنا لم نهلك . قال :قلت كيف ذاك ؟ وأنتم تعلمون أنه رسول الله ، ثم لا تتبعونه ، ولا تصدقونه؟!!
              قالوا: إن لنا عدواً من الملائكة وسلما من الملائكة، وإنه قرن به عدونا من الملائكة. قلت : ومن عدوكم ، ومن سلمكم ؟ قالوا : عدونا جبريل ، وسلمنا ميكائيل [تفسير الطبري 1/433 ، وانظر فتح الباري 8/661 ].
              4ـ وهذه شهادة ابن صوريا ، وكان أعلم من بقي من يهود بني قريظة بالتوراة ، فقد جاءهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة اليهودي واليهودية الذين زنيا ، فقال : ( يا معشر يهود ! أخرجوا إلي علماءكم ) .فأُخرج له عبد الله بن صوريا، ومعه أبا ياسر بن أخطب، ووهب بن يهوذا، فقالوا: هؤلاء علماؤنا، فسألهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى حصل أمرهم ، إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا : هذا أعلم من بقي بالتوراة ، فخلا به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان غلاما شابا من أحدثهم سنا فألظ به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ المسألة ، يقول له :
              ( يابن صوريا أنشدك الله ، وأذكرك بأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة ؟).
              قال: اللهم نعم ، أما والله يا أبا القاسم ! إنهم ليعرفون أنك لنبي مرسل ،ولكنهم يحسدونك.
              ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا، وجحد نبوة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله فيهم في سورة المائدة:(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)المائدة: ٤١.[ابن إسحاق ، انظر السيرة النبوية لابن هشام 3/103 ].
              5ـ وكانوا يصرحون بانطباق ما يعرفونه من صفات في كتبهم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ رجلا منهم جاء إلى مسجده ، فقال : ( يا فلان ).
              فقال: لبيك يا رسول الله.
              فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أتشهد أني رسول الله ).
              قال : لا .
              قال: ( أتقرأ التوراة ؟ ) .
              قال: نعم، والإنجيل.
              قال: ( والقرآن ؟ ) .
              قال : والذي نفسي بيده ، لو أشاء لقرأته . ثم ناشده : ( هل تجدني في التوراة والإنجيل ؟ ). قال : أجد مثلك ، ومثل هيأتك ، ومثل مخرجك !وكنا نرجو أن يكون منا ، فلما خرجت تحيرنا أن يكون أنت هو ، فنظرنا فإذا ليس أنت هو.
              قال: ( ولم ذاك ؟ ).
              قال: إن معه من أمته سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير نجاسة ولا عذاب، ومعك يسير.
              قال: ( فو الذي نفسي بيده لأنا هو، وإنهم لأمتي، إنهم لأكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا ).
              [ قال الهيثمي :رواه الطبراني ، ورجاله ثقات من أحد الطريقين ، انظر مجمع الزوائد للهيثمي 8 /242 ].
              ثم تأمل هذا المسلك الذي اتخذه اليهود ليحرفوا الكلم عن مواضعه ، ولينكروا نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ إذا خرج في الوقت والمكان وبالصفة التي علموها .
              ويكفي ما ذكرناه من البشارات الموجودة في كتبهم كما هو مذكور في الفصول السابقة.

              تعليق


              • #97
                ثامنا : أن من أهل الكتاب من صرح لخاصته ، وبطانته بأنه هو بعينه .
                1ـ فهذا ورقة بن نوفل ، وكان قد خرج لَّما كره عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسأل عن الدين ، فأعجبه دين النصرانية فتنصر ، وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل ، وتعلم منهم ، فجاءته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنهاـ زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما أخبرها بنزول الملك عليه ، فقالت خديجة ـ رضي الله عنها ـ لورقة : يا بن عم !
                اسمع من بن أخيك ـ يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ‏فقال له ورقة: يا بن أخي !ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذع ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك . فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( أو مخرجي هم ؟ ) قال: نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، ثم لم يلبث ورقة أن توفي [البخاري ح/2 ].
                2ـ أما خبر سيدا بني النضير :حيي بن أخطب ، وأبو ياسر ، فما أعجبه من خبر ، يدل على معرفتهم به ، ويدل على سبب جحدهم رسالته ، وهذا الخبر عنهما ترويه لنا أم المؤمنين صفية بنت حيي ـ رضي الله عنها ـ زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بعد إسلامها ، قالت :كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه . فلما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة ، ونزل قباء في بني عمرو بن عوف ، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى ، فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغم ،قالت :وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب : أهو هو ؟؟ قال : نعم ، والله .قال: أتعرفه، وتثبّتَّه ؟ قال: نعم .قال: فما في نفسك منه ؟قال :عداوته والله!! [ابن إسحاق، انظر السيرة النبوية لابن هشام 3/52 ].
                3ـ وهذا كعب بن أسد ـ سيد بني قريظة ـ ينصح قومه ، حين حاصرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بعد نقضهم للعهد الذي بينهم وبينه ، وتحزبهم مع الأحزاب ضد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ وصحابه فلما أيقنوا بأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن أسد لهم : يا معشر يهود! قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم .قالوا : وما هي ؟ فكان مما عرضه عليهم ، قوله : نتابع هذا الرجل ونصدقه ، فوالله ، لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل ،وإنه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم . فرفضوا وأبوا [ابن إسحاق ، انظر السيرة النبوية لابن هشام 4/195 ].
                4ـ وها هم نصارى نجران يصرحون بنبوته لبعضهم البعض ، فقد بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ بكتابه إليهم يدعوهم فيه إلى الإسلام ، فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به وذعر ذعراً شديدا ، ثم دعا أهل الرأي في نجران فأطلعهم على الكتاب ،وتشاوروا فيه ، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا وفداً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ فاختاروا ستين راكبا ، منهم أربعة عشر من أشرافهم ، يتزعمهم ثلاثة منهم ، وهم : العاقب ، وكان أمين القوم ، وذو رأيهم وصاحب مشورتهم ، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره ، واسمه عبد المسيح ، والسيد ، وكان عالمهم ، وصاحب رحلهم ومجتمعهم ، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل ، وكان أسقفهم وحبرهم ، وإمامهم وصاحب مراميهم،
                وكان أبو حارثة قد شرف فيهم حتى حسن علمه في دينهم ،وكانت ملوك الروم من النصرانية قد شرفوه وقبلوه وبنوا له الكنائس ، وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من اجتهاده في دينهم ،فلما توجهوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ من نجران ، جلس أبو حارثة على بغلة له موجها إلى المدينة ، وإلى جنبه أخ له يقال له :كرز بن علقمة يُسايره في الطريق، فعثرت بغلة أبي حارثة ، فقال كرز : تعس الأبعد . ـ يريد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ـ فقال له أبو حارثة :بل أنت تعست !
                فقال: ولم يا أخ ؟
                قال: والله إنه للنبي الذي كنا ننتظر !!.
                قال له كرز: وما يمنعك وأنت تعلم هذا أن تتبعه ؟!!
                قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم:شرفونا وأمرونا وأكرمونا، وقد أبوا إلا خلافه، ولو قد فعلت نزعوا منا كل ما ترى.فأضمر الإسلام أخوه كرز بن علقمة ، وأسلم بعد ذلك [ المعجم الأوسط رواه الطبراني في المعجم الأوسط ح/ 3906 ].
                فلما وصلوا المدينة جلسوا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ كلمه منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب عبد المسيح والسيد ألأيهم ـ وهم من النصرانية ـ على اختلاف في أمرهم :
                منهم من يقول عن عيسى هو الله، ومنهم من يقول هو ولد الله، ومنهم من يقول هو ثالث ثلاثة، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، فهم يحتجون في قولهم هو الله:
                بأنه كان يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص والأسقام ، ويخبر بالغيوب ، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا ، وذلك كله بأمر الله ، وليجعله الله آية للناس .
                ويحتجون في قولهم بأنه ابن الله ، يقولون :
                لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه أحد من بني آدم قبله.
                ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلاثة، يقولون:
                قال الله تعالى فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا ، فيقولون: لو كان واحدا ، ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت ، ولكنه هو وعيسى ومريم ـ تعالى الله وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون والجاهلون علوا كبيرا ـ ويقال لهم إن: معنى هذه الكلمات ، ومثلها قوله تعالى "نحن" من المتشابه ، فالواحد المعظم لنفسه يقول: نحن ، والجماعة يقولون : نحن ، وهذا لا يلتبس بكتاب الله؛ لأننا نرده إِلَى المحكم ، وهو قوله: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)العنكبوت: ٤٦
                وقوله تعالى :(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)الأنعام: ١٩
                وقوله تعالى:(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)المائدة: ٧٣
                فلما كلمه الحبران العاقب والسيد ، دعاهما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للإسلام ، فأبيا ، وجادلوه في عيسى عليه السلام ، وقالا :فمن أبوه يا محمد ؟. فأنزل الله عليه الوحي:(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)آل عمران: ٥٩
                قال ابن كثير رحمه الله : فالذي خلق آدم من غير أب وأم ، قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى ، ولكن الرب ـ جل جلاله أراد ـ أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم عليه السلام لا من ذكر ولا من أنثى ، وخلق حواء ـ عليها السلام ـ من ذكر بلا أنثى ، وخلق عيسى عليه السلام من أنثى بلا ذكر ،كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى ، ولهذا قال تعالى في سورة مريم 21 :(قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا)مريم: ٢١
                وقال هاهنا في سورة آل عمران:
                (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)آل عمران: ٥٩ - ٦٠
                أي هذا هو القول الحق في عيسى عليه السلام الذي لا محيد عنه ، ولا صحيح سواه ، وماذا بعد الحق إلا الضلال . [تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير 1/368 ، وانظر موقع الدكتور : سفر الحوالي على شبكة الإنترنت].
                5ـ ثم أمر الله تعالى رسوله محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُباهل من عاند الحق في عيسى عليه السلام وأكثر الجدال بعد ظهور الحق البين فيه ، فقال الله تعالى:
                (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)آل عمران: ٦١
                فلما دعاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ للمباهلة والملاعنة قالوا : يا أبا القاسم ، دعنا ننظر في أمرنا ، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه .
                ثم انصرفوا عنه ، وخلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم ، فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى ؟ فقال : والله يا معشر النصارى ! لقد عرفتم إن محمدا لنبي مرسل ،ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ،ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيا قط فبقى كبيرهم ، ولا نبت صغيرهم ، وإنه الاستئصال منكم إن فعلتم ،فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم ، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.[ ابن إسحاق ، انظر السيرة النبوية لابن هشام 3/125].
                فلما أصبح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إليهم ومعه الحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه. [قال ابن كثير : أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ، انظر تفسير القرآن العظيم 1/369 ]. فأتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ فقال العاقب والسيد: لا نلاعنك ،ولكنا نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلا أمينا، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( لأبعثن رجلا أمينا حق أمين ، حق أمين ) .
                فاستشرف لها أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ فقال : ( قم يا أبا عبيدة بن الجراح )، فلما قفا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( هذا أمين هذه الأمة ). [رواه الإمام أحمد 1 /414 ، وانظر تفسير القرآن العظيم 1/369] ، فعادوا إلى نجران ،وبقي من وفدهم قيس بن أبي وديعة مرض فأقام بالمدينة نازلا على سعد بن عبادة ، فعرض عليه الإسلام فأسلم و رجع إلى حضرموت وشهد قتال الأسود العنسي ثم انصرف إلى المدينة بعد موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.[الإصابة 5/508 ].ولم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلما، وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري. [ابن حجر في الإصابة 3/236، عن ابن سعد في الطبقات 1/358 ].
                أما حنان الأبوة المتمثل في الشفقة على الابن من النار فغلب صفة الحسد والكبر لدى والد ذلك الغلام الذي كان جاراً للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ فقد كان غلام يهودي يخدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ فمرض، فأتاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: ( أسلم ). فنظر إلى أبيه ، وهو عنده ، فقال له: أطع أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
                فخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ وهو يقول: ( الحمد لله الذي أنقذه من النار ). [رواه الإمام البخاري ح/1290 ].
                وعكسه ماِ فعله والد كعب الأحبار، حيث خشي أن يعلم ابنه عن النبي الخاتم فيتبعه، فقد سأل العباس كعب الأحبار: ما منعك أن تسلم في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ وأبي بكر ؟.
                قال إن أبي كان كتب لي كتابا من التوراة ، فقال اعمل بهذا ، وختم على سائر كتبه ،وأخذ عليَّ بحق الوالد على الولد ألا أفض الختم عنها ، فلما رأيت ظهور الإسلام قلت لعل أبي غيب عنى علما ، ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته ، فجئت الآن مسلما .[الإصابة 5/649. ].
                تاسعا: إخبار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه مذكور في كتبهم ، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بتأويل ذلك :أنا دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورؤيا أمي التي رأت ). [ رواه الإمام أحمد (4/128)، والبزار والطبراني ، ومعنى منجدلٌ في طينته :أي مطروح على وجه الأرض صورة من طين لم تجر فيه الروح بعد ، قاله الخطابي في الغريب 2/156 ].
                وهذا الإخبار منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو من علامات نبوته ، من جهة إخباره بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم ، ولم يكذبوه يوما واحدا في شيء منها ، في الوقت الذي كانوا فيه أحرص ما يمكن على أن يظفروا منه بكذبة واحدة ، أو غلطة أو سهو ، فينادون بها عليه ، ويجدون بها السبيل إلى تنفير الناس عنه ، وهذا من أعظم الأدلة على صدقه .[ انظر هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن قيم الجوزية ص66 ].
                كما أن القراَن اليوم اتخذ مكانته العلمية اللائقة بين الأوساط المسيحية المتعلمة بعد أن كان محجوراً عليها قراءته، فأصبح النقاد الغربيون والمثقفون أنفسهم يشهدون بصحته ويدهشون، لا للإعجاز اللغوي فحسب، بل للإعجاز العلمي في ميادين واسعة فيه كما مرمعنا، مما زخر به من العلوم التي نزلت على النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ قبل 1424 سنة، ولم تكن معروفة حتى اكتشفت هذا القرن، فجعل أولئك المسيحيين المتعلمين يؤمنون به ويسلّمون، من أمثال الأسقف البروفيسور (دافيد بنجامين كلداني) الذي ألف كتاباً بعد إسلامه سماه "محمد في الكتاب المقدس " وكتابأ آخر سماه "الإنجيل والصليب "، وتسمى هو باسم إسلامي"عبد الأحد د داود"، والقس "إبراهيم خليل فيلبس " الذي أعلن إسلامه أيضاً هو وجميع عائلته وألف كتاباً سماه "محمد في التوراة والإنجيل والقرآن " وتسمى باسم إسلامي هو (إبراهيم خليل أحمد) والقس الإسباني "أنسلم تورميدا" الذي تسمى باسم( عبد اللّه الترجمان )، وألف كتاباً أسماه "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب (ومحمد فؤاد الهاشمي ) الذي كان قسيساً أيضاً وأسلم، وكذا الدكتور (عبد الكريم جيرمانوس )، والمؤرخ الأمريكي المعروف ( توماس بالنتين ) الذي درّس التاريخ الإسلامي في عدد من أشهر الجامعات الأمريكية وتسمى (بالحاج تعليم علي) و(ليوبولد فايس ) الذي تسمى ( بمحمد أسد )، والفنانان الفرنسيان (ايتين دينيه) و(موريس بيجار) والعالم الصوفي (ميشيل شودكيوتز) واليساري الفرنسي (رجاء جارودي ) الذي كان قطباً من أقطاب الحزب الشيوعي الفرنسي وكاد يصل إلى رئاسته، والمغني البريطاني الشهير(كات ستيفنسون)الذي تسمى باسم (إسلام أحمد) وفتح مدرسة لتعليم الدين الإسلامي في لندن والمطرب الأمريكي العالمي (جيرمان جاكسون) شقيق المطرب مايكل جاكسون والملاكم المعروف ( محمد علي كلاي ) و( لويز كولينز) ابنة الممثلة البريطانية الشهيرة (بولين كولينز)...
                وسلسلة طويلة من المتعلمين والمثقفين كان اَخرهم ( فلفريد هوفمان) السفير الألماني في المملكة المغربية سنة 1992 والذي ألَّف كتاباً سماه "الإسلام كبديل".
                في حين أننا لا نجد في القوائم المكذوبة لاعترافات مسلمين تنصروا اسم واحد لعالم من علماء الإسلام أو شخص ذو حيثية مما يدل على كذب هذه القوائم .. في حين أن الأسماء المذكورة لمن أسلموا.. أسماء أعلام مشهورين يمكن للجميع التأكد مما ورد بخصوصهم .. و أكبر دليل على هذا الكذب و الافتراء و الخداع .. ما تجده في غرف الـ pal talk التنصيرية من أناس يدعون أنهم خليجيين و تنصروا أو أنهم مسلمين و تنصروا.. و عندما يحكون عن تجربتهم مع الإسلام تجده لا يستطيع أن ينطق كلمة واحدة في آية!!! كواحد لا يعلم من سورة مريم إلا كلمة "كهيعص".. و التي قرأها هكذا فعلا.. "كَهَيعَص".. كلمة واحدة.. ولا أعتقد انه هناك مسلم لا يعلم أن هذه تنطق كحروف "كاف هـا يا عين صاد".. و لكنه التضليل لأهل المسيحية



                تعليق


                • #98
                  الفصل الثاني

                  سيدي يا رسول الله...من أنبأك هذا


                  الفرع الأول


                  جناح الذبابة


                  من الأحاديث التي أثيرت حولها العديد من الشبهات قديماً ولا تزال حتى اليوم تثار وتردد بصيغة أو بأخرى - على الرغم من التقدم الطبي والتكنولوجي والذي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك تصديقها وكونها معجزة من معجزات نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث وقوع الذباب في الإناء ، مع أنها أحاديث في غاية الصحة أخرجها البخاري وغيره ، وسنقف مع هذه الأحاديث والروايات والألفاظ الواردة.
                  روايات الحديث
                  [ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنِي ‏ ‏عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ ‏ ‏قَالَ أَخْبَرَنِي‏ ‏عُبَيْدُ
                  بْنُ حُنَيْنٍ ‏ ‏قَالَ سَمِعْتُ ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏يَقُولُ ‏ قَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً ]
                  رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، وعبد ابن حميد، والدارمي، وأبو عبيد، وأبو يعلي، وابن الجارود، وابن خزيمه، وابن حبان، والحاكم، وابن السكن، والبزار، وابن قتيبة، والطبراني، والبيهقي، والطحاوي، وأبو داود الطيالسي، وابن النجار، والبغوي، وابن أبي خيثمة، وابن عبد البر.
                  هل أثبت العلم بطلانه؟
                  وأما أن العلم يثبت بطلان الحديث لأنه يقطع بمضار الذباب، فإن الحديث كما سبق لم ينف ضرر الذباب بل نص على ذلك صراحة.


                  The new buzz on antibiotics
                  Tuesday, 1 October 2002



                  Ugly but useful: The sheep blowfly is one of the fly species that might provide humans with new antibiotics. (Pic: BioTrack.)
                  The surface
                  of flies is the last place you would expect to find antibiotics, yet that is exactly where a team of Australian researchers is concentrating their efforts.

                  Working on the theory that flies must have remarkable antimicrobial defenses to survive rotting dung, meat and fruit, the team at the Department of Biological Sciences, Macquarie University, set out to identify those antibacterial properties manifesting at different stages of a fly’s development.

                  "Our research is a small part of a global research effort for new antibiotics, but we are looking where we believe no-one has looked before,” said Ms Joanne Clarke, who presented the group’s findings at the Australian Society for Microbiology Conference in Melbourne this week. The project is part of her PhD thesis.

                  The scientists tested four different species of fly: a house fly, a sheep blowfly, a vinegar fruit fly and the control, a Queensland fruit fly which lays its eggs in fresh fruit. These larvae do not need as much antibacterial compound because they do not come into contact with as much bacteria.

                  Flies go through the life stages of larvae and pupae before becoming adults. In the pupae stage, the fly is encased in a protective casing and does not feed. "We predicted they would not produce many antibiotics," said Ms Clarke.

                  They did not. However the larvae all showed antibacterial properties (except that of the Queensland fruit fly control).

                  As did all the adult fly species, including the Queensland fruit fly (which at this point requires antibacterial protection because it has contact with other flies and is mobile).

                  Such properties were present on the fly surface in all four species, although antibacterial properties occur in the gut as well. "You find activity in both places," said Ms Clarke.

                  "The reason we concentrated on the surface is because it is a simpler extraction.”

                  The antibiotic material is extracted by drowning the flies in ethanol, then running the mixture through a filter to obtain the crude extract.

                  When this was placed in a solution with various bacteria including E.coli, Golden Staph, Candida (a yeast) and a common hospital pathogen, antibiotic action was observed every time.

                  "We are now trying to identify the specific antibacterial compounds," said Ms Clarke. Ultimately these will be chemically synthesized.

                  Because the compounds are not from bacteria, any genes conferring resistance to them may not be as easily transferred into pathogens. It is hoped this new form of antibiotics will have a longer effective therapeutic life.


                  Danny Kingsley - ABC Science Online



                  Related Stories
                  Scientists to squeeze antibiotics out of sea sponge – News in Science 4/10/2000
                  Oz fungi screened for new antibiotics – News in Science 19/6/2001
                  Space to grow antibiotics – News In Science 8/4/2002

                  More News
                  Health & Medical . Environment & Nature . Space & Astronomy . Ancient Worlds . Innovation & Technology . Archives
                  http://www.abc.net.au/science/news/stories/s689400.htm

                  الترجمة
                  إن ظهر الذباب هو آخر مكان تتوقعه أن تجد فيه علي مضادات حيوية , ومع ذلك ذاك هو المكان بالتحديد الذي يركز عليه فريق من باحثين استراليون وذلك بناءا علي نظرية حتمية امتلاك الذباب مضادات للجراثيم فعالة للحفاظ علي حياتها في بيئة الروث واللحم أو الفواكه المتعفنة, والفريق من قسم علوم الأحياء بجامعة ماكوري يقوم حاليا بدراسة للتعرف علي خاصية تلك المضادات واختلافها في المراحل المختلفة لنمو الذباب.
                  وقالت السيدة جوان كلارك : أن بحثنا جزء صغير من أبحاث وجهود عالمية للحصول علي مضادات حيوية جديدة , ونعتقد أننا نبحث حيث لم يبحث فيه احد من قبل السيدة جوان كلارك هي التي تولت تقديم الاكتشاف نيابة عن الباحثين في مؤتمر جمعية علم الأحياء المجهري عقد في ماربون ويعتبر هذا الموضوع جزء من رسالة لدكتوراه التي تحضرها العلماء قاموا باختبار أربعة أصناف من الذباب : ذبابة المنزلية , ذبابة اللحم , ذبابة الفواكه والكنترول ..
                  والنوع الأخير من صنف ذبابة الفاكهة في كوينسلاند وتضع بيضها علي الفواكه الطازجة.
                  احتياج هذه اليرقات للمضادات قل من الأصناف الأخرى لقلة ملاقاتها للجراثيم.
                  الذباب تمر بعدة أطوار في دورة حياتها بداية من مرحلة اليرقة ثم مرحلة الشرنقة إلي أن تدخل مرحلة الحشرة الكاملة أو طور البلوغ , وخلال طور الشرنقة الذباب يكون محاطا بغلاف محمي ولا تتغذي , وأضافت السيدة جوان كلارك أنهم توقعوا قلة إنتاج المضادات في هذا الطور ولكن خلال طور الشرنقة لم تظهر الأصناف الأربعة خصائص المضادات الحيوية سوي صنف كنترول الذي التابع لصنف الفواكه في كوينسلاند بينما جميع الأصناف أفرزت مضادات في طور البلوغ ( لأنها في هذا الطور تكون في حاجة إلي حماية مضادات الجرثومية لكثرة تحركها وملاقاة الحشرات الأخرى.
                  خصائص المضادات وجدت في جميع الأنواع الأربع وذكرت جوان أن المضادات تظهر أيضا في أحشاء الذبابة كما تظهر خارج الجسم وسبب تركيزنا علي خارج الجسم هو فقط للسهولة عملية الاستخراج.
                  ويتم استخلاص المضادات عن طريق وضع الذبابة في الكحول الأثيلي ثم يتم استخلاص مادة المضاد الخام بتمرير مركب المحلول خلال مرشح ( فلتر (.
                  وعند وضع المضاد الحيوي المستخرج من الذباب في محلول ملوث بشتى أنواع البكتيريا مثل إي كولاي , جولدين ستاف ( معروف أيضا بـ ستافلوكوكس ) وخميرة الكانديدا ومعديات أخري .. وفي كل الحالات لوحظ فعالية المضاد الحيوي ( المستخرج من الذباب ).
                  وأضافت السيدة جوان كلارك قائلة " إننا حاليا نحاول التعرف علي مكونات المضاد الحيوي لإنتاجه كيميائيا. ولأن المركب ليس مستخرجا من بكتيريا لن يكن سهلا للبكتيريا إن تكون مناعة ضد المضاد الحيوي ( المستخرج من الذباب ) ونأمل أن يكون لهذه المضادات فعالية علاجية لمدة طويلة.
                  فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه العلوم، إنه رب العالمين.
                  وكل هذه الأبحاث تؤكد بل تجزم بعدم وجود أي تعارض بين الحديث وبين المكتشفات الطبية الحديثة .

                  تعليق


                  • #99


                    الفرع الثاني


                    الأسباط العشرة الضائعة


                    في عام 722 ق م هدمُ الآشوريين بقيادة شلمانصر مملكة إسرائيل الشمالية ، وتم تشريد سكانها، واستبدال أهل مملكة الشمال بأمم أخرى من غير اليهود.
                    1ـ تم نفي العشرة أسباط من بني إسرائيل إلى آشور، وضياعهم بعد ذلك بشكل نهائي، ولم يبق بذلك من أحفاد أسباط بني إسرائيل الإثناعشر سوى سبطي يهوذا وبنيامين، وهما السبطين الذين تشكل منهم يهود المملكة الجنوبية، إلا أنّ أعدادا بسيطة من أحفاد العشرة أسباط يبدو أنها بقيت بفلسطين , قد يكون بعضهم من ضمن ما عرف بعد ذلك بالسامريين.. وإن كان السامريون هؤلاء يُعتبروا من المتهودين من غير بني إسرائيل، من بقايا السومريين الذين جاءوا مع الآشوريين..
                    2ـ لازال اختفاء أسباط بني إسرائيل العشرة لغزا لدى المؤرخين مستعصيا على التفسير.. وقد وُضعت بعض النظريات لكنها ظلت عاجزة عن تفسير سرّ الاختفاء السريع للعشرة أسباط الكبيرة من بني إسرائيل..
                    جاء بالملوك الثاني إصحاح 17: 18 :[ <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">18</SUP>فَغَضِبَ الرَّبُّ جِدًّا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَنَحَّاهُمْ مِنْ أَمَامِهِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ سِبْطُ يَهُوذَا وَحْدَهُ. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">19</SUP>وَيَهُوذَا أَيْضًا لَمْ يَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِهِمْ، بَلْ سَلَكُوا فِي فَرَائِضِ إِسْرَائِيلَ الَّتِي عَمِلُوهَا. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">20</SUP>فَرَذَلَ الرَّبُّ كُلَّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ، وَأَذَلَّهُمْ وَدَفَعَهُمْ لِيَدِ نَاهِبِينَ حَتَّى طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِهِ، <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">21</SUP>لأَنَّهُ شَقَّ إِسْرَائِيلَ عَنْ بَيْتِ دَاوُدَ، فَمَلَّكُوا يَرُبْعَامَ بْنَ نَبَاطَ، فَأَبْعَدَ يَرُبْعَامُ إِسْرَائِيلَ مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ وَجَعَلَهُمْ يُخْطِئُونَ خَطِيَّةً عَظِيمَةً. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">22</SUP>وَسَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي جَمِيعِ خَطَايَا يَرُبْعَامَ الَّتِي عَمِلَ. لَمْ يَحِيدُوا عَنْهَا <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">23</SUP>حَتَّى نَحَّى الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَامِهِ كَمَا تَكَلَّمَ عَنْ يَدِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ، فَسُبِيَ إِسْرَائِيلُ مِنْ أَرْضِهِ إِلَى أَشُّورَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.].
                    3ـ ونعلم نحن كمسلمين أن أقواما منهم اختفت لأنّ الله عز وجلّ قد مسخها خلقاً آخر..

                    قال تعالى في سورة البقرة :[ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)] البقرة : 65ـ 66
                    ويقول سبحانه وتعالى في سورة المائدة :[ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)] المائدة: 60
                    ويقول تعالى في سورة الأعراف: [فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)] الأعراف 165ـ 169
                    كما أن الله عز وجلّ قد مسخ سبط منهم خلقاً آخر بخلاف القردة والخنازير فلقد روى الأمام احمد في مسنده قال:[ حَدَّثَنَا ‏ ‏يُونُسُ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏بِشْرُ بْنُ حَرْبٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏ ‏يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِضَبٍّ فَقَالَ اقْلِبُوهُ لِظَهْرِهِ فَقُلِبَ لِظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ اقْلِبُوهُ لِبَطْنِهِ فَقُلِبَ لِبَطْنِهِ فَقَالَ ‏ ‏تَاهَ ‏ ‏سِبْطٌ مِمَّنْ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ ‏ ‏بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏ ‏فَإِنْ يَكُ فَهُوَ هَذَا فَإِنْ يَكُ فَهُوَ هَذَا فَإِنْ يَكُ فَهُوَ هَذَا.]. مسند أحمد ،باقي مسند المكثرين ، مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حديث رقم 10949
                    سيدي يا رسول الله..من أنبأك هذا؟..


                    الفرع الثالث


                    وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي


                    ربما اُعتقد أن لقب (فرعون) بلغة مصر القديمة قد نُعت به جميع ملوك مصر منذ القدم، إذ قد يُفهم من الآية الكريمة:
                    كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ {12} ص.
                    أن فرعون ذي الأوتاد قديم قدم عاد وثمود ، والأوتاد هي الأهرام، وبذلك فالفرعون بالآية سابق لعصر الهكسوس، وليس هو نفس الفرعون المعاصر لموسى عليه السلام.
                    ولمّا لم يُشر القرآن،في قصة يوسف عليه السلام إلى لقب فرعون:
                    وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي {54} يوسف
                    قد يُعلّل ذلك أن يوسف عليه السلام كان معاصراً لملك أجنبي (من الهكسوس) ،وأنه لا يحقّ التسمّي بالفرعون إلا لملك محلي. أمّا بعد طرد الأجانب،فقد جازت التسمية،حتى إذا أتى عصر موسى عليه السلام، كان ملك مصر محلياً يُخاطب بالفرعون كسابقيه:
                    نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {3} القصص
                    ولكن هذا تفسير لا تؤيده نقوش مصر،والأرجح أن كلمة فرعون بالقرآن لا يقصد بها سوى الفرعون المعاصر للنبي موسى عليه السلام، ووصفه بذي الأوتاد ليس للأهرامات فحسب، ولكن لكثرة صروحه ومنشآته وعمائره وتماثيله الجبلية، لتعبده الناس.
                    وهو بعينه [رع موسى الثاني،(1290/1279 -1224/1213 ق.م) ويكتب اسمه بالنقوش رع مس س)]، أشهر الفراعنة وأكبر بنّاء ، إذ سطا على آثار سابقيه أو استخدمها ليبني صروحه وتماثيله هو،ولا يكاد يوجد أثر عمراني لمصر القديمة، سواء بناه أو اغتصبه، إلا وحفر عليه اسمه بعمق كي لا يُمحى. وقد سجّل ابنه من بعده (بين سني حكمه:2-5) أنه دحر إسرائيل ولم يبق منهم بذرة،وبعيداً عن مصداقية الخبر،فإن النقش يُرجّح أن رع موسى الثاني هو الفرعون الغريق (لأن إسرائيل حسب النقش لم تعد بمصر، وتسكن نواحي فلسطين).
                    وعصر يوسف عليه السلام، الذي لعله في زمن الأسرة 12 (1991-1786 ) ق.م، هو سابق لعصر ملوك الهكسوس (بداية حكمهم في أقدم تقدير 1720 ق.م)،لمؤشرات عدّة منها:
                    ـ معلوم أن يوسف عليه السلام قد وصل إلى عرش مصر،وعصره لا يبعد عن عصر أبيه خليل الله الذي قدّر المؤرخون أحدثه بحوالي 1800-1850 ق.م ،(وأرجعه البعض إلى ما قبل 2000 ق.م) ،بينما حكم الهكسوس لمصر لم يبدأ في أقدم تقدير له، إلا في حوالي 1720 ق.م، وهذا قد لا يُرجّح تلاقي العصرين.
                    ـ نجد من ملوك الهكسوس (الأسرة الملكية 15 ،حُكْمهم: 1674-1567 ق.م): يعقوب هر، ،وتابعيهم من (الأسرة المعاصرة 16،حكمهم 1684-1567 ق.م) :يعقوب بعل، ويعقب عم ( Yakbam )، كما [وردت أسماء أمكنة من عهدهم مثل (يوسف إيل)، كتاب (العرب واليهود في التاريخ ،د. أحمد سوسه)]، مما قد يفيد التأثّر والانتماء للأصل الأسبق (يعقوب ويوسف عليهما السلام).
                    ـ قد نفهم من القرآن صعوبة الدخول لمصر في عهد يعقوب عليه السلام :
                    وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ {67} يوسف
                    وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ {21} يوسف
                    وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء {56} يوسف
                    وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ {99} يوسف
                    وقد أمر منثوحتب 3 (من الأسرة 11: 2133-1991 ق.م) ولعل قبله خيتي 3 (من الأسرة 10: 2130-2040 ق.م) ، بالمبادرة في إقامة تحصينات حدود مصر الشرقية،ومعروف تاريخياً أن مصر في عهد الأسرة 12 ،قد شدّدت وعزّزت القلاع والتحصينات والنقاط لمراقبة وحراسة حدودها الشرقية كما لم يسبق من قبل،وقد بنى مؤسس الأسرة ،حائط الأمير الشهير،أو جدّد بنائه،لتعزيز ذلك. ومن كتاب (هبة النيل، ايندلامونت ميدوكروفت): [امنمحات (مؤسس الأسرة 12) بنى سوراً مرتفعاً في شرق البلاد أمام طريق القوافل ووضع حراساً عليه يراقبون من أعلى السور كل ما يحدث في الناحية الأخرى وبذلك تعذر على أي متجول أن يدخل مصر أو حتى يطلب ماء لتشرب منه ماشيته ]. مما قد يُرجّح أن يعقوب عليه السلام في تلك الفترة، وأنه ربما عنى تلك الأبواب (التحصينات ونقاط المراقبة العديدة لمنافذ شرق مصر).
                    ـ كان مؤسس الأسرة (12) قد اغتيل من جراء مؤامرة باغتته في القصر،نفّذها حرسه وخدمه، وقد قام ابنه من بعده بإعدام المتآمرين، ولعل في الآيات الكريمة إشارة إلى ذلك:
                    وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ {36} يوسف
                    يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ {41} يوسف
                    ولفظ فتى ،قد يدل على العبيد والمماليك،فلعل الفتيين من خدم القصر ممن اتهموا بقتل الملك،وقد علمنا أن أحدهما ساقي الملك،وقد عفا الملك الجديد عن سنوحي،أشهر الفارّين، بعد أن قضى عمره في البدو،ولم يعد لمصر إلا في شيخوخته. ومن كتاب (موسوعة الفراعنة)، أنه خلال عصر الأسرة 12،وفي الفترة الثانية من حكم سنوسرت 2: 1897-1878 ق.م ، ورد ذكر (مكتب توزيع القوى البشرية ومكتب الخدمات الخاصة بالسجون، وكانا يختصان بإدارة شئون المساجين) .
                    ـ مع انهيار الأسرة التالية (13)،انهارت تحصينات منافذ الحدود الشرقية (وهي أساساً لمنع العامو) أو اُهملت، ودخل الأجانب (العامو) من شرق مصر أفواجاً،وقد استطاع آسيوي اسمه (خنجر) أن يملك مصر،خلال الأسرة 13 ، وعند نهاية هذه الأسرة (13)،أصبح غالب شرق الدلتا من الآسيويين (العامو)،وكذلك الأسر التالية (14،15،16) تكاد تكون من العامو (الهكسوس) أو خاضعة لملوكهم،حتى سُمّيت الدلتا بأرض العامو. بينما قد يُفهم من سورة يوسف أن السيطرة والرقابة المصرية في عصر يوسف عليه السلام على طرق التجارة ومنافذها الشرقية ما زالت محكمة قوية منتظمة، وهذا يُرجّح أن زمن يوسف سابق لتلك الأوضاع.
                    ـ استمرت المجاعات منذ انهيار الدولة القديمة حتى بدايات الأسرة 12 ،وقد نقش أحد النبلاء ،في عهد الملك سنوسرت 1، خبر المجاعة،ومن كتاب (المصريون،سايرل الدرد):[في القرن 20 ق.م،بدأ كل أمير يعزل مقاطعته من البقية الجائعة ،وعلى المسلات ظهر تفاخر الأمراء بإبقائهم رجالهم ومحاصيلهم وقطعانهم على قيد الحياة].ثم امتاز عصر المملكة الوسطى (خاصة الأسرة 12) بالرخاء الاقتصادي الذي لم يسبق له مثيل في مصر حيث اهتم الملوك بشئون الزراعة والري فنظموا مياه النيل وأقاموا المقاييس عليه واعتنوا بالمشروعات الزراعية ، ويوسف عليه السلام له اليد الطولى أو الريادة في إنقاذ مصر من المجاعة، وفي إصلاح اقتصادها:
                    قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ {55} يوسف
                    وهذا يُرجّح أن دخول آل يعقوب مصر خلال عصر هذه الأسرة (12)،وليس بعدها.
                    ـ من كتاب (العملة وتاريخها،حسن محمود الشافعي): [في مصر .. تتم عن طريق مقايضة السلع واتخذت القمح مقياساً للقيم وأداة للمبادلة إلى أن انتشرت المقايضات بالمعادن بأشكالها المختلفة في عهد الملك امنمحات 3 كما ذكر البعض (الأسرة 12،حكمه: 1841-1792) ق.م ، وكانت على شكل حلقات نحاسية وفضية وذهبية ذات أوزان معلومة مقدرة ]،وقد تُشير لذلك الآية الكريمة:
                    وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ {20} يوسف
                    حيث الدراهم قد تكون تلك العملات المصرية المعدنية (القطع الفضية) التي بدىء في استعمالها أثناء عصر هذه الأسرة (12)، فلعل عصر يوسف عليه السلام عموماً في زمن هذه الأسرة.
                    ـ من كتاب (العلاقات الحضارية في الوطن العربي خلال الألف الثاني ق.م ،د.سليمان سعدون البدر، د.عزالدين إسماعيل): [يتبين من المصادر المصرية والفلسطينية وبخاصة المناظر والصور للدولة الوسطى أن النشاط الاقتصادي بين فلسطين ومصر لم يقتصر على تبادل العديد من السلع والمنتجات بل شمل أيضاً جلب الماشية من فلسطين لمصر ثم توقف كل نشاط تجاري وخارجي بين فلسطين ومصر بسبب الهكسوس].بينما نعلم أنه في ولاية يوسف كانت العلاقات التجارية قائمة منتظمة،مما يؤيد أن عصر يوسف سابق لعصر ملوك الهكسوس.
                    ـ الاقطاع والتفكك كان قد بدأ منذ أواخر الأسرة 5 (انتهت حوالي 2345 ق.م)،حيث ظهرت عائلات قوية توارثت الوزارات والمناصب الكبرى،وفي الأسرة 6 كانت قد ضاعت هيبة الملك وقيل أن مؤسسها اغتاله الحرس،وبانتهاء الأسرة (6) عمّت الفوضى، وتصرّف في البلاد حكام المدائن ،وأصبح ملوك الأسر التالية (7،8) ملوك ظلّ (يملكون ولا يحكمون) ،وانتشرت المجاعات وتكاثر الأجانب، وحاول الأمراء الهراقلة (الأسر:9،10) أن يملكوا البلاد، وحاولوا ومن بعدهم طرد (العامو) الذين اخترقوا الدلتا،ولكن انشطرت البلاد،ليوحدها مؤسس الأسرة 11،وبعد موته حاقت المجاعات والكوارث بالبلاد، واستمرت سلطة أمراء الأقاليم الوراثيين عظيمة حتى منتصف عصر الأسرة 12 (أرشد وأقدر أسرة في تاريخ مصر القديمة)،التي استطاعت مصانعتهم ومراضاتهم ،حتى دانوا بالتبعية،وبعضهم ظل قوياً حتى 1878 ق.م ، وأخيراً في عهد امنمحات 3 (1842-1797 ق.م) عادت هيبة الملك ، وحلّ مكان النبلاء الإقطاعيين عمد محليون تسمّوا بألقابهم ، وغدت المدن خلال الأسرة 12 تحت إدارة مدير (عز مر) أي حاكم إداري. ولعل لفظ العزيز بالقرآن يدل عليه،سواء حكام الأقاليم (النبلاء) أو المدراء الإداريين للمدن.وتدهور الوضع ثانية في الأسرة التالية (13) وسيطر الوزراء والحكام المحليون.وظهر ملوك الهكسوس (الأسرة 15) شمالاً،معاصرين أكثر من أسرة على حكم البلاد ،فاعتبروا الأسرة 13 بالجنوب مجرد أمراء،وتأمّروا على أمراء الأسر 14، 16،إلى أن بدأت الأسرة 17 (جنوب مصر) في منازعتهم ثم مقاتلتهم، فيترجّح مما سبق من مؤشرات أن يوسف عليه السلام كان معاصراً للأسرة المصرية الثانية عشرة، وسابقاً لعصر الهكسوس.
                    وتسمّي أحد الملوك بالفرعون في مثل تلك الفترة المتشاكسة، يُعدّ أمراً مستحيلاً.والهكسوس قد تلقبوا في نقوشهم بالألقاب الملكية المصرية،مما يضعّف إعراضهم عن التلقب بالفرعون إن جاز لغيرهم.
                    ولعل ملوك الهكسوس من ذرية آل يعقوب، وقد علمنا تمكين الله ليوسف بمصر:
                    رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ {101} يوسف
                    وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ {100} يوسف
                    ولعل في هذه الآية الكريمة، إشارة لتملك بني إسرائيل على مصر:
                    وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ {20} المائدة.
                    والهكسوس تحريف يوناني في الكلمة المصرية الأصل:حقا (خاسوت/شاسو)،وتعنى لفظة حقا (قيل/عاقل،ملك)، ومثله لفظ (آغا). وباللسان: [الحِجَا، مقصور: العقل والفِطْنة. وحَجا الشيء: حَرْفُه. والحَجَا ما أَشرف من الأَرض. هو حَجٍ أَنْ يفعلَ كذا وحَجِيٌّ وحَجاً أَي خَلِيقٌ حَرِيّ. هو حَجٍ وما أَحْجاه بذلك وأَحْراه؛وفي حديث ابن مسعود: إِنَّكم، معاشرَ هَمْدانَ،من أَحْجَى حَيٍّ بالكوفة أَي أَولى وأَحقّ، ويجوز أَن يكون من أَعْقَلِ حيٍّ بها.] وفيه [عَقَا العَلَمُ، وهو البَنْدُ: عَلا في الهواء؛ ..وعَقَّى الطائِرُ إذا ارْتَفَع في طَيَرانه. وعَقَّتِ العُقاب: ارْتَفَعَت،وكذلك النَّسْر. والمُعَقِّي: الحائِمُ على الشيء المُرْتَفِعُ كما تَرْتَفِعُ العُقابُ،]،وفيه [عكَّى الدخانُ: تَصَعَّد في السماءِ]،وبالقاموس [عَقا العَلَمُ: عَلا، وارْتَفَعَ]،ومثله جاه،قاه،(وما لَه عليَّ قاهٌ أَي سُلْطانٌ. والقاهُ: الجاهُ) اللسان. وحقا لغة مصرية في حاكم (الميم زائدة)، وبالقاموس: مادة قطع: يَقُولَ: يا أبا الحَكَا، يُريدُ يا أبا الحَكَمِ. ولفظة خاسوت/شاسو (قاصين/أقاصي)،أي الأقيال الأجانب،وقد تسمّى بها بعض ملوكهم (مثل:سمقن،عانت هر،خيان أعظم ملوكهم) ، وتبدو اللفظة قريبة من ألفاظ عربية مثل: قيس،جيزان،حجاز،غسّان،..وقد جاء بالمسند لفظ شبيه: جام 576: مرالقس بن عوفْ ملك خصصتن (=خصاصةٍ/اخصوصاتٍ/خصاصاتٍ). والخصاصة فرع من الأزد منازلهم الحجاز وهم بنو الإءة. وقد سمّتهم مصر بنقوشها: عامو (=أميين)،ستتيو (=آسيويين/ شرقيين)، منتيو ستت،وقد سمّى المصريون الدلتا بلد العامو. والهكسوس أقوام قديمة معروفة لدى المصريين، وقد جاءت بنقوشهم ،منذ ما قبل امتلاكهم مصر:
                    ـ من كتاب (الهجرات العربية القديمة، د.محمود عبدالحميد أحمد): نقوش موقع مغارة بسيناء: [سنفرو (=ملك من الأسرة 4: 2613-2494 ق.م) نتر عا (=الإله العظيم) دع (=دفع) خاسوت،الملك ساحو رع (الأسرة 5)، ص 166 : نتر عا ،سقر (=شغر/طرد) منثو خاسوت نوب (=جميع)،الملك رعٍ وسر (الأسرة 5)،ص 167: نتر عا نب (=رب) تاوى (تيهين/ أرضين)، سقر منثو خاسوت نوبة، دع خاسوت نوبة]. نقش القائد أوني (عهد ببي الأول: أسرة 6)،ص 172 : خاسُتيو (=بلاد البدو) ، شرت جحس (=اسم منطقة) خاسُت. نقش الحكيم إيبي ور ،عهد الملك بيبي 2، بردية ليدن: خاسُتيو خبر م رمت م ست نب (أصبح الأجانب مصريين في كل مكان)،ص 215. خاسوت نوب (كل قطر أجنبي) ،ص 216 . نقش الملك خيتي 2 (من ملوك الأسر: 9-10): ذكر اثريب (جنوب شرق الدلتا) وقال أنها مقر الخَسُتيو ،ص 230.نقش القائد ختي (الأسرة 11) ص 177: خسف عامو حر خاسوت سن (خسف العامو على أرضهم). نقش الحاكم خنم حتب 3 (من عهد الملك سنوسرة 2 ،الأسرة 12): حقا خاسوت أبي شا (=أبي شاه/يثع/يداع)، ص 197،وصورة النقش ص 205 ، عاموٍ شو ،ص 198.
                    وسبب عدم تسمية القرآن لملك مصر زمن يوسف بالفرعون،ليس لأنه من الأجانب،ولكن لأن كل ملوك مصر حتى ذلك الحين لم يسبق أن خوطب أحدهم بالفرعون ،كما تنص وتسرد النقوش والوثائق المصرية.بل أن عصر يوسف بالذات ،وما قبله وبعده (كما تقدّم بيانه) لا يمكن لملوك مصر فيه أن يتسمّوا بالفراعنة لقداسة اللقب بالنسبة لدينهم،فمنذ انهيار الدولة القديمة أو الأسرة السادسة،تملّك البلاد أمراء شتّى متناحرون، مما ألغى شخصية الملك أو أضاع هيبتها،بالإضافة للقحط الطويل والشديد بسبب انخفاضات النيل المتكررة في تلك الحقبة ،وانتشار الفوضى وغيره من الظروف التي لم تُضبط أو تُكبح إلا عبر الأسرة 12،وأن يُلقّب ملك بالفرعون في مثل تلك الأحوال المتنازعة،هو أمر أقرب للخيال منه للحقيقة.
                    وقد تعثّر كتبة اليهود والنصارى بسبب جهلهم لهذه الحقائق،فحرّفوا كتب الله الأولى،إذ نعتوا جميع ملوك مصر بالفراعنة ، فمثلاً جعلوا ملك مصر بعهد إبراهيم فرعوناً، مثل: تكوين/12:وَلَمَّا اقْتَرَبَ أَبْرَامُ مِنْ مِصْرَ .. رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ .. إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ ،فَأَحْسَنَ إِلَى أَبْرَامَ .. الرَّبَّ ابْتَلَى فِرْعَوْنَ ... فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ أَبْرَامَ .. وَأَوْصَى فِرْعَوْنُ رِجَالَهُ بِأَبْرَامَ،.. [14-20]. ومثله بعهد يوسف،تكوين 41: 14فَبَعَثَ فِرْعَوْنُ وَاسْتَدْعَى يُوسُفَ، .. وَمَثَلَ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. 15فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: ..فَأَجَابَ يُوسُفُ:..17فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ ..
                    وعندما أتى موسى عليه السلام كان الملك المصري قد أصبح يُخاطب بالفرعون (بر-ع) أي (البيت العالي)، وتفصيله: (بر/فر =برء=بيت)ـ عا (عال/عظيم). وقد حدث ذلك قبل عصر موسى عليه السلام بحوالي المئتي سنة أو يزيد. والذي سنّ ذلك قيل هو إخناتون Thumosis IV (1352-1338) ق.م، وقيل سلفه الملك تحوت موسى TuthmosisIII فاتح الشام (تحتمس3: 1479 - 1425) ق.م،كما استدل علماء الآثار من النقوش المصرية.
                    ـ وتقول الموسوعة البريطانية أن لقب فرعون (البيت العظيم) استعمل كمرادف لملك مصر بالمملكة الحديثة، منذ الأسرة 18 (1539 ق.م - 1292 ) ق.م . وعند الأسرة 22 (945-730) ق.م كان قد اُقرّ كصفة احترام:
                    pharaoh : (from Egyptian per 'aa, "great house"), originally, the royal palace in ancient Egypt; the word came to be used as a synonym for the Egyptian king under the New Kingdom (starting in the 18th dynasty, 1539-1292 BC), and by the 22nd dynasty (c. 945-c. 730 BC) it had been adopted as an epithet of respect.ENCYCLOPIDIA BRITANNICA.
                    ـ وتقول موسوعة الشرق أن لقب فرعون بدأ استعماله للملك في الفترة (1400- 900) ق.م:
                    The term "pharaoh" was originally used for the place where the king resided, and is the be translated with "great house". Gradually the term came to be used for the king, probably this happened somewhere between 1400- 900 BC. ENCYCLOPIDIA of the Orient
                    ـ ومن كتاب [ A Brief History of theWestern World] ص 26،يقول مؤلفه(ThomasH.Greer ):
                    the king later called the pharaoh,a term that meant : Great House .
                    ـ وتقول موسوعة Encarta :يُرجع بعض المؤرخين تاريخ الإشارة للملك بلقب الفرعون منذ 1400 ق.م، (قبيل عهد رعموسى 2) والبعض الآخر منذ 950 ق.م.
                    ـ وجاء في مؤلف جاردنر ،النحو المصري (ص 75) ما مفاده:[ أنه منذ نهاية الأسرة 12 ، الاصطلاح كتب بر-ع ،ويقرأ [بر- ع :(عنخ، وسأ ،سنب)]،أي البيت العظيم: له الحياة والازدهار والصحة ،وظلّ دالاً على القصر. وأول إشارة مؤكدة فيها لفظة (بر-ع) تدل على الملك كانت في رسالة إلى امنحتب 4 (أخناتون)، موجّهة نحو:[بر-ع، (عنخ وسأ سنب)،نب (=الرب)]. ومنذ الأسرة 19، استعمل لفظ (فرعون) أحياناً كنفس استعمال (سموّه)،حيث نقرأ الفرعون فعل،الفرعون قال،..وأصبح الاصطلاح لقب احترام للملك. وأقدم إشارة دُمج فيها لفظ فرعون مع اسم الملك كان في عهد الأسرة 22 ].وهذا يفيد التطور التدريجي وأنه لابد قد سبق مخاطبة الملوك به.
                    As regards the term Pharaoh the facts are as follows .The Egyptian original pr aa (Great House) was used in the Old Kingdom as part of many phrases like (smr pr aa) = (courtier of the Great House) and clearly there referred to te palace itself or to the court and not to the person of the king .From the end of Dyn.XII onwards the term is written (pr aa ankh wda snb)= [Great House,may it (live ,prosper,be in health= l.p.h)] with the auspicious wish-formula ,but still it seems to mean only the palace.The earliest certain instance where (pr aa) refers actually to the king is in a letter to Amenophis IV (Akhenaten) ,which is addressed to (pr aa ankh wda snb, nb) = Pharaoh ,l.p.h. the Master.From Dyn.XIX onward it is used occasionally just as (His Majesty) might be used;we read Pharaoh went forth,Pharaoh said,etc.In other words the term has become a respectful designation for the king.Just as the head of the Ottoman government was termed the Sublime Porte .The final development was when a proper name was added to the title .. the earliest Egyptian Example of this use is under one of the Shoshenks of Dyn.XXII.
                    ـ ويقول كولندر أن لفظ (فرعون) قد اتخذه ملوك المملكة الحديثة،للتعبير عن تلك الأشياء المتعلقة بالملك:
                    The palace was the headquarters for this bureaucracy of the king's, and it was called the per aa , or "Great House". From this word for the king's palace has come the word pharaoh, which is used by New Kingdom rulers to express those things relating to the king. Role of the Pharaoh in New Kingdom Egypt.Dr. V.G. Callender
                    ـ بر-عو البيت الكبير كانت تشير للقصر الملكي ثم حدث خلال عصر تحتمس 3 (1479 - 1425) ق.م ( صار فرعوناً في 1457 ق.م) أن الاصطلاح بدىء في إطلاقه على الملك نفسه . وبالنسبة لأي ملك قبل أسرة 18،فإن استخدامنا للاصطلاح يعد بمثابة خطأ في تسلسل تواريخ الأحداث. (كتاب مصر الفراعنة،سير آلن جاردنر).
                    وقد جاء اللقب بصيغة (فرعه) في نقش أرامي أرسله أمير فنيقي أو فلسطيني لملك مصر،عثر عليه بمصر في سقّارة (منف) مؤرخ بين عامي (605-600) ق.م ،يقول:[ إلى مرىء ملوكٍ (فرعه) ..،ص 168، (الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي ـ د.سيد فرج راشد)]. وبالمسند ألفاظ شبيهة: جام 574: فرعْ (=فارع؟) ينهب ملك سبأ. جام 603 : فرعْ بن مقرْ (=فارع بن مقار).جام 712: أشمس وأبشمر ومرثدأوم ويفرع أتنعن بنو برقْ.جام 747: ريمن يردف وبنهو بنو يهفرع أغيمن. ويُحتمل أن تكون لفظة (فرعون:أصلها المصري=بر عا/بر عو) لغة في البراء،أبرهه،بُرعي،برح،فارع (أي من جذر :برأ)، وقد يكون أصل كلمة فرعون (فر=ال) من أصل أعيان (كبراء).
                    فالملك المصري بدأ ممثل عن السلطة الدينية وعن الآلهة (نائب،رسول،ابن) ثم أصبح في الدولة الحديثة هو السلطة الدينية وهو الآلهة، وقد بدأ ذلك منذ عهد والد أخناتون ثم ابنه،وبلغ ذروته لدى رعموسى الثاني، وهذا الأمر قد يفسّر بوضوح سبب تلقّب ملوك الدولة الحديثة بالفراعنة :
                    قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ {29} غافر
                    وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي {38} القصص
                    اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى {17}فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى {18} وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى {19} فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى {20} فَكَذَّبَ وَعَصَى {21} ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى {22} فَحَشَرَ فَنَادَى {23} فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى {24} النازعات
                    وادّعاء ملوك مصر في الدولة الحديثة ، من وافقهم من المؤرخين،أن الهكسوس (ومنهم بني إسرائيل) أجانب غير شرعيين، قد لا يقرّه القرآن، فالأرض لله يورثها لمن يشاء،وقد مكّن الله ليوسف عليه السلام بمصر، ووصل للعرش بطريقة شرعية وباختيار الملك وتعيينه، وآل يعقوب وفدوا مصر واستوطنوها بإذن الملك وبإذن عزيز مصر النبي يوسف ،وكذلك قد نفهم من آي القرآن أن قوم موسى عليه السلام من أهل مصر:
                    إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {4} القصص
                    فالفرعون قد جعل أهل الأرض (مصر) شيعاً،ثم استضعف طائفة (بنو إسرائيل) منهم (أي من أهل مصر). وهامان نائب فرعون،لابد من ذكره،لعلاقته الوثيقة به،ولعله من تتحدث عنه هذه الآثار التي أوردها كتاب Pharaoh Triumphant the life andtimes of Ramesses II , K.A. Kitchen ، ونسخته العربية (رمسيس الثاني ،فرعون المجد والانتصار،ترجمة د.أحمد زهير أمين): ص 55: كان الشاب آمن (=هامن/هامان) ؟ ام اينت Amenem inet في مثل سن الأمير (=رمسيس 2) ورفيق صباه ،فلما أصبح رمسيس نائبا للملك ووريثا للعرش أصبح الفتى بالتبعية رفيقه وتابعه ففتح له الطريق لمستقبل زاهر وهي ما تحقق فعلا. وكان لآمن ام اينت Amenem inet أقارب ذوو نفوذ منهم عمه [لعله مِنموسى، Minmose ] كبير كهنة الإله مين والإلهة ايزيس بقفط (شمال طيبة) وقائد Commandant فيالق النوبة -أي الساعد الأيمن لنائب الملك في النوبة. ومنهم الفتى باكن خنسو [والده باسر وزير الجنوب وابن عم آمن ام اينت Amenem inet،ص 242 ] مدرب الخيول الملكية الذي التحق بعد ذلك بالسلك الكهنوتي المستديم في خدمة آمون بطيبة [أصبح كبير كهنة آمون،ص 242 ].ص 73: رقّى الملك رفيق طفولته آمن ام اينت Amenem inet إلى وظيفة قائد المركبات الملكية Royal Charioteer وناظر للخيل Super Intendent of Horse .
                    وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ {6} القصص
                    ص 97: آمن ام اينت Ameneminet رفيق الفرعون القديم قد رقى إلى منصب رسول الملك لكل البلاد الأجنبية ويقول الرجل بهذه المناسبة موضحا طبيعة عمله الجديد : أرفع له (الفرعون) تقارير عن أحوال البلاد الأجنبية كلها. [ص 199: وكانت أرقى وظائف الدولة هي وظيفة السفير (رسول الملك إلى كل البلاد الأجنبية) وكانت الترقية إليها قاصرة على كبار ضباط سلاح العربات الحربية]. ص 179: واختار الملك للمنصب [كبير كهنة آمون] الشاغر ون نفر Wennofer (مات سنة 27) وهو والد رفيق طفولة رمسيس الثاني آمن ام اينت .وكان آمن ام اينت نفسه قد نقل من وظيفته العسكرية إلى الرمسيوم ليصبح مديراً لمشاريع الملك الأثرية هناك Chief of Works of All Royal Monument - ولا يزيد البعد بينه وبين أبيه كبير الكهنة بالكرنك عن عبور النهر إلى الضفة الأخرى من النيل .
                    فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى {38} القصص
                    (ذكر كتاب An Introduction toAncient Egypt ،أن أقدم استعمال للطين الموقود بمصر كان معروفاً منذ الدولة الوسطى). ص 192: ويرجع الفضل في صعود نجم باسر [paser ،وزير للجنوب بطيبة viceroy ،عم باسر كان قائد الفرق بالنوبة وبعده ابنه نخت مين (ابن عم باسر) ] واختياره نائبا للملك (في النوبة) إلى عراقة أسرته، فابن عمه آمن ام اينت هو رفيق طفولة رمسيس الثاني .ص 199: وكان من علية القوم من اتخذ من الخدمة العسكرية ذريعة للوثوب إلى الوظائف المدنية العليا ،وقد تعرفنا من هؤلاء على ..،وآمن ام اينت القائد بسلاح المركبات ثم ميليشيات المدجاي Chief of Medjay-Militia ، بعدها عين مديرا للمصانع (وزير صناعة) .ص 240: امنحتب.. لكنه كان ينتمي لأسرة ذات نفوذ هي أسرة آمن ام اينت قائد ميليشيات المدجاى الشهيرة. ص 242: حيث يحتل مين مس آخر منصب كبير كهنة مين وآيزيس والذي يمت هو الآخر بصلة قرابة إلى آمن ام اينت .

                    والسؤال الآن


                    سيدي يا رسول الله من أنبأك هذا؟.

                    تعليق




                    • الفرع الرابع


                      البقرة الحمراء ضمن أدبيات اليهود


                      والمسلمين



                      في عام 1920م ، وعندما بدأت المباحثات بين الاتحاد الصهيوني والإنجليز من أجل التوصل إلى صيغة لتسليم فلسطين لليهود بعد انتهاء الانتداب، كان من بين الموضوعات المطروحة للبحث: ( ملكية جبل الهيكل ) .
                      وطرح الجانب الإنجليزي في المباحثات سؤالاً: هل هذا المطلب مطلب عاجل أم آجل ؟ وما مدى اجتماع الشعب اليهودي حول هذا المطلب ؟ فأجابهم الحاخام ( راف كوك ) قائلاً: " يؤمن الشعب اليهودي كله إيماناً لا يتزعزع أن هذا المكان المقدس، وكل جبل الهيكل هو مكان العبادة الأبدي للشعب اليهودي، ورغم أنه في حكم غيرنا الآن، إلا أنه في النهاية سيقع تحت أيدينا، ويوم تقع أرض الهيكل في أيدينا ستأتي إشارة من الرب ( البقرة الحمراء ) وبعدها نبدأ فوراً في البناء؛ حيث تنبأ بذلك أنبياء بني إسرائيل ".
                      والنبوءة التي أشار إليها الحاخام، هي معنى ما ورد في الإصحاح التاسع عشر من سفر العدد بالتوراة ، ونصها بالعبرية :

                      1וַיְדַבֵּ֣ר יְהוָ֔האֶל־מֹשֶׁ֥ה וְאֶֽל־אַהֲרֹ֖ן לֵאמֹֽר׃2זֹ֚את חֻקַּ֣תהַתֹּורָ֔ה אֲשֶׁר־צִוָּ֥ה יְהוָ֖ה לֵאמֹ֑ר דַּבֵּ֣ר׀ אֶל־בְּנֵ֣י יִשְׂרָאֵ֗לוְיִקְח֣וּ אֵלֶיךָ֩ פָרָ֨ה אֲדֻמָּ֜ה תְּמִימָ֗ה אֲשֶׁ֤ר אֵֽין־בָּהּ֙ מ֔וּםאֲשֶׁ֛ר לֹא־עָלָ֥ה עָלֶ֖יהָ עֹֽל׃3וּנְתַתֶּ֣ם אֹתָ֔הּאֶל־אֶלְעָזָ֖ר הַכֹּהֵ֑ן וְהֹוצִ֤יא אֹתָהּ֙ אֶל־מִח֣וּץ לַֽמַּחֲנֶ֔ה וְשָׁחַ֥טאֹתָ֖הּ לְפָנָֽיו׃4וְלָקַ֞ח אֶלְעָזָ֧רהַכֹּהֵ֛ן מִדָּמָ֖הּ בְּאֶצְבָּעֹ֑ו וְהִזָּ֞ה אֶל־נֹ֨כַח פְּנֵ֧י אֹֽהֶל־מֹועֵ֛דמִדָּמָ֖הּ שֶׁ֥בַע פְּעָמִֽים׃5וְשָׂרַ֥ףאֶת־הַפָּרָ֖ה לְעֵינָ֑יו אֶת־עֹרָ֤הּ וְאֶת־בְּשָׂרָהּ֙ וְאֶת־דָּמָ֔הּעַל־פִּרְשָׁ֖הּ יִשְׂרֹֽף׃6וְלָקַ֣ח הַכֹּהֵ֗ןעֵ֥ץ אֶ֛רֶז וְאֵזֹ֖וב וּשְׁנִ֣י תֹולָ֑עַת וְהִשְׁלִ֕יךְ אֶל־תֹּ֖וךְ שְׂרֵפַ֥תהַפָּרָֽה׃7וְכִבֶּ֨ס בְּגָדָ֜יוהַכֹּהֵ֗ן וְרָחַ֤ץ בְּשָׂרֹו֙ בַּמַּ֔יִם וְאַחַ֖ר יָבֹ֣וא אֶל־הַֽמַּחֲנֶ֑הוְטָמֵ֥א הַכֹּהֵ֖ן עַד־הָעָֽרֶב׃8וְהַשֹּׂרֵ֣ף אֹתָ֔הּיְכַבֵּ֤ס בְּגָדָיו֙ בַּמַּ֔יִם וְרָחַ֥ץ בְּשָׂרֹ֖ו בַּמָּ֑יִם וְטָמֵ֖אעַד־הָעָֽרֶב׃9וְאָסַ֣ף׀ אִ֣ישׁטָהֹ֗ור אֵ֚ת אֵ֣פֶר הַפָּרָ֔ה וְהִנִּ֛יחַ מִח֥וּץ לַֽמַּחֲנֶ֖ה בְּמָקֹ֣וםטָהֹ֑ור וְ֠הָיְתָה לַעֲדַ֨ת בְּנֵֽי־יִשְׂרָאֵ֧ל לְמִשְׁמֶ֛רֶת לְמֵ֥י נִדָּ֖החַטָּ֥את הִֽוא׃10וְ֠כִבֶּס הָאֹסֵ֨ףאֶת־אֵ֤פֶר הַפָּרָה֙ אֶת־בְּגָדָ֔יו וְטָמֵ֖א עַד־הָעָ֑רֶב וְֽהָיְתָ֞ה לִבְנֵ֣ייִשְׂרָאֵ֗ל וְלַגֵּ֛ר הַגָּ֥ר בְּתֹוכָ֖ם לְחֻקַּ֥ת עֹולָֽם׃) NUM-19:1-10


                      ونصها بالعربية
                      (<SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">1</SUP>وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلاً: <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">2</SUP>«هذِهِ فَرِيضَةُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ قَائِلاً: كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَأْخُذُوا إِلَيْكَ بَقَرَةً حَمْرَاءَ صَحِيحَةً لاَ عَيْبَ فِيهَا، وَلَمْ يَعْلُ عَلَيْهَا نِيرٌ، <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">3</SUP>فَتُعْطُونَهَا لأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ، فَتُخْرَجُ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ وَتُذْبَحُ قُدَّامَهُ. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">4</SUP>وَيَأْخُذُ أَلِعَازَارُ الْكَاهِنُ مِنْ دَمِهَا بِإِصْبِعِهِ وَيَنْضِحُ مِنْ دَمِهَا إِلَى جِهَةِ وَجْهِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">5</SUP>وَتُحْرَقُ الْبَقَرَةُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ. يُحْرَقُ جِلْدُهَا وَلَحْمُهَا وَدَمُهَا مَعَ فَرْثِهَا. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">6</SUP>وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ خَشَبَ أَرْزٍ وَزُوفَا وَقِرْمِزًا وَيَطْرَحُهُنَّ فِي وَسَطِ حَرِيقِ الْبَقَرَةِ، <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">7</SUP>ثُمَّ يَغْسِلُ الْكَاهِنُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ يَدْخُلُ الْمَحَلَّةَ. وَيَكُونُ الْكَاهِنُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">8</SUP>وَالَّذِي أَحْرَقَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ بِمَاءٍ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">9</SUP>وَيَجْمَعُ رَجُلٌ طَاهِرٌ رَمَادَ الْبَقَرَةِ وَيَضَعُهُ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ، فَتَكُونُ لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي حِفْظٍ، مَاءَ نَجَاسَةٍ. إِنَّهَا ذَبِيحَةُ خَطِيَّةٍ. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">10</SUP>وَالَّذِي جَمَعَ رَمَادَ الْبَقَرَةِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. فَتَكُونُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ فِي وَسَطِهِمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً.).

                      ثم بيَّن النص العلة من ممارسة هذا الطقس :


                      ( .. فَتَكُونُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ فِي وَسَطِهِمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً) .


                      ولكن : لماذا حوَّل اليهود تلك (الفريضة) إلى نبوءة و (إشارة) من الرب؟!.


                      في الواقع أنهم يربطون بين تنفيذها وبين إعادة بناء الهيكل؛ فالفريضة .. أو النبوءة .. أو البقرة الحمراء ستكون دلالة عندهم على أن الزمن الذي ظهرت فيه هو نفسه زمان الهيكل الثالث بعد إعادة بنائه. ولعل هذا يفسر لنا استمرار غياب الكلام عن مثل تلك الطقوس خلال أزمنة اليهود الخالية التي لم يكن لهم فيها تمكين .


                      ويعتقد اليهود المتدينون أنه قبل ألفي عام مضت، في حقبة المملكتين اليهوديتين ، الأولى والثانية ؛ تم مزج رماد بقرة حمراء صغيرة ذبحت في عامها الثالث، وخلط دمها بالماء، واستخدم في (تطهير) الشعب اليهودي، ليصبح مهيأً للدخول إلى الهيكل المقدس، ويعتقدون أيضاً أنه لم تولد طوال التاريخ اليهودي بقرة بتلك الأوصاف منذ دمر الهيكل الثاني عام 70


                      للميلاد، وعلى حسب التاريخ الديني اليهودي، فإنه قد جرت التضحية ببقرة حمراء واحدة في زمن الهيكل الأول، وبثماني بقرات في زمن الهيكل الثاني.. واليوم، يستعدون لمرحلة الهيكل (الثالث) وزمان البقرة (العاشرة) .


                      هذه هي البقرة في أدبياتهم في حين أنها وردت في القرآن الكريم في سورة كاملة تحمل اسمها وبمناسبة تختلف عن تلك التي يروجون لها.


                      ولكن بعض الجماعات منهم يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى سوف يبعث هذه البقرة الوارد ذكرها في القرآن الكريم مرة أخرى لتكون علامة على نزول الماشيح.






                      سيدي يا رسول الله..من أنبأك هذا؟..







                      الفرع الخامس

                      معجزة انشقاق القمر


                      وَانْشَقَّ الْقَمَرُ



                      إن معجزة انشقاق القمر من المعجزات التي كثر حولها الحديث في معسكر العلمانيين والنصارى وذلك بين مؤيد لها ورافض..
                      ومثلها كمثل معجزة الإسراء والعروج، إذ إن حادثة الإسراء والعروج كانت حادثة مخصوصة لتكريم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تكن في الأصل معجزة يُتحدى بها، كما أنها تمت في الليل وفي الخفاء، لذلك لم تكن معجزة بمفهوم المعجزة، لأن المعجزة هي أمر خارق للعادة وتجري على يد رسول وفي وضح النهار ويُتحدى بها وعلى مرأى ومسمع من المعسكر الأخر ، فلما كثر الجدل والكلام حولها ..حوّلها الله جل علاه من حادثة خاصة جداً إلى معجزة عامة يكفر من ينكرها وأنزل سورة كاملة باسمها وإن كان نصيب المعجزة آية واحدة فيها والحديث كله في السورة عن بني إسرائيل.
                      والأمر بتمامه ينطبق على حادثة انشقاق القمر فلقد تمت بليل وكانت كرامة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولصحابته الكرام البررة فلما كثر الجدل حولها ..حولها الله سبحانه وتعالى من حادثة خاصة جداً إلى معجزة عامة يكفر من ينكرها وأنزل سورة كاملة باسمها..
                      والقصة بتمامها كما وردت هكذا:
                      ‏ أَنَّ ‏ ‏أَهْلَ مَكَّةَ ‏ ‏سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً ـ والمقصود بأهل مكة هنا هم الصحابة رضوان الله تعالى عنهم لحديث ابْنِ مَسْعُودٍ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏ بِمِنًى ـ وكان ذلك بمحفل من المشركين والذين طلبوا منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفعل أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً.. ‏‏ فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ.. فانْشَقَّ الْقَمَرُ فَلْقَتَيْنِ .. فَلْقَةٌ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ وَفَلْقَةٌ دُونَهُ فَقَالَ لَهَم رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏اشْهَدُوا.. اشْهَدُوا..
                      وأنا كمسلم أؤمن بها هكذا كما هي بدون تأويل لا لشيء إلا لأن الله سبحانه وتعالى قد ذكرها في القرآن الكريم وجاءت في كتب الصحاح وهي معجزة حدثت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكفر من ينكرها .. سواء أثبت العلم الحديث وقوعها أم لا..وسواء آمن المعسكر الغربي بها أم لا.

                      وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا



                      Chapter 6: Rimae (3/3)

                      Straight Rimae


                      [199] In many places the lunar surface is broken and a portion is down dropped, forming trenchlike features known as straight rimae or rilles. Some of these rilles are large enough (tens of kilometers across) to be visible on Earth based photographs; others are so small (a few meters across) that they are barely visible on the highest resolution orbital pictures.
                      Some of these trenches cut across the surrounding plains, uplands, and craters and may record preferred directions of breakage of the lunar crust caused by internal stresses (the so called lunar grid). Others ring crater floors and may be related to uplift of the floor caused by crustal readjustment after impact. A few contain low rimmed dark halo craters that are interpreted to be volcanic vents. Many trenches are curvilinear; some appear to be transitional between straight rilles and sinuous rilles.-H.M.


                      الفصل السادس:الصدوع


                      الصدوع المستقيمة.
                      إن سطح القمر محطم في كثير من الأماكن وجزء منه منهار مشكلا معلما جغرافيا يشبه خندقا يعرف بالصدوع المستقيمة أو الجداول.
                      بعض هذه الجداول كبيرة كفاية (عشرات الكيلومترات) لترى من صور أرضية والبعض الآخر صغيرة (بعض الأمتار) حتى أنها ترى بصعوبة حتى من صور مدارية ذات أعلى جودة.
                      تشق بعض هذه الخنادق طريقها خلال السهول و المرتفعات والفوهات المحيطة ويمكن أن تسجل اتجاه كسور مفضلا في أديم القمر بسبب ضغوط داخلية ( المسماة الشبكة القمرية).
                      أما حلقات أرضيات الفوهات الأخرى فمن المحتمل ارتباطها بارتفاع الأرضية الناتج عن إعادة تعديل الغلاف الخارجي بعد الصدمة. القليل من هذه الخنادق يحوي هالة فوهات منخفضة القتامة يكن تفسيرها بكونها فتحات بركانية. كثير من الخنادق منحنية و بعضها يظهر و كأنها مرحلة انتقالية بين الجداول المستقيمة و الجداول المتعرجة.
                      ولقد تم التقاط صورا للقمر من قبلوكالة ناسا عام 1969 من ارتفاع 14 كيلو متر عن سطح القمر، وتبين وجود شق يظهر عليهآثار "التحام" .
                      ومن موقع وكالة ناسا الفضائية ،قالوا بصيغة الجزم ما يلي:



                      [207] FIGURE 217
                      .-Rima Ariadaeus is a fine example of a straight rille. Ariadaeus Rille is over 300 km in length; a portion of the central section of the rille about 120 km in length is pictured here. A linear section of the crust is dropped down along parallel faults or breaks in the crust to form a graben or fault trough. The ridges crossing the trough and the surrounding plains units have been offset by the trough, proving that they are older than the faults. Some craters are cut off by the faults and are, therefore, older. Other craters lie on the wall of the trough and are younger than the faulting. The faulting must be relatively young because so few craters appear to be younger than the faults, and because the edges of the trough appear to be crisp and little affected by slumping and other mass wasting.

                      There is a gradation between straight rilles, gently curving rilles, and sinuous rilles modified by volcanic flows. This example shows no trace of associated volcanism; it is, therefore, considered to be the end member of the sequence, where only pure faulting is involved.-H.M

                      Rima Ariadaeus هو مثال جيد للجدول المستقيم يبلغ طول الـ( Ariadaeus Rille) أكثر من 300كلموعلى هذه الصورة رقم 217: نجد في الصورة قسم من الجزء المركزي للجدول ويبلغ طوله حوالي 120كلم. لقد تداعى قسم طولي من الغلاف الخارجي على مدى الشقوق أو الانكسارات المتوازية في الغلاف الخارجي ليشكل جزءا مخسوفا أو غور شق منخفض. إن سلاسل التلال التي تعبر الأجران و وحدات السهول المحيطة بها ووزيت بالأغوار مثبتة أنها أقدم من الشقوق. لقد بترت بعض الفوهات بالشقوق وهي بالتالي أقدم منها. تقع الفوهات الأخرى على جدار الجرن و هي أصغر سنا من التشقق. يجب أن يكون التشقق أصغر نسبيا لأن قلة من الفوهات تظهر وكأنها أصغر سنا من الشقوق و لأن حدود الجرن تظهر و كأنها نضرة و متأثرة قليلا بالسقوط وخسارة كتل أخرى. هنالك تدرج بين الجداول المستقيمة و الجداول المنحرفة قليلا و الجداول المتعرجة المعدلة بتدفقات بركانية.

                      إن هذا المثال لا يبين أي أثر متعلق بالبراكين وبالتالي يمكن اعتباره آخر عضو في سلسلة الحوادث حيث أن الانشقاق الصرف فقط هو المسئول عنها.

                      المرجع للصورة وكالة الفضاء الأمريكية ناسا:
                      وتحت عنوان:A Lunar Rille شرخ قمري


                      Credit: Apollo 10, NASA



                      Explanation: What could cause a long indentation on the Moon? First discovered over 200 years ago with a small telescope, rilles (rhymes with pills) appear all over the Moon. Three types of rilles are now recognized: sinuous rilles, which have many meandering curves, arcuate rilles which form sweeping arcs, and straight rilles, like Ariadaeus Rille pictured above. Long rilles such as Ariadaeus Rille extend for hundreds of kilometers. Sinuous rilles are now thought to be remnants of ancient lava flows, but the origins of arcuate and linear rilles are still a topic of research. The above linear rille was photographed by the Apollo 10 crew in 1969 during their historic approach to only 14-kilometers above the lunar surface. Two months later, Apollo 11, incorporating much knowledge gained from Apollo 10, landed on the Moon.


                      [right]
                      الترجمة

                      جدول (شرخ) قمري
                      ما السبب الكامن وراء وجود شرخ طويل على سطح القمر؟ فقد تم اكتشاف جداول (شروخ)عديدة في جميع أرجاء القمر لأول مرة بمسبار صغير منذ200 سنة خلت.
                      أما الآن فقد أمكننا التعرف على ثلاث أنواع منها: جداول (شروخ) متعرجة وتحوي انحناءات ملتوية وجداول (شروخ) مقوسة تشكل أقواسا كاسحة وجداول(شروخ) مستقيمة كشرخ ( أريادايس ) المبين في الصورة العلوية.
                      ويلاحظ أن جدول كجدول(أريادايس) طويل يمتد على مسافة مئات الكيلومترات.
                      أما الجداول المتعرجة فيعتقد أنها نتجت عن تراكم حمم بركانية قديمة.
                      لكن أصل تكون الجداول المستقيمة والمقوسة فلا يزال محل بحث.
                      الجدول(الشرخ) المستقيم المبين في الصورة أعلاه صور من قبل طاقم أبولو10 سنة 1969 خلال تحليقهم التاريخي على مسافة 14 كلم من سطح القمر.بعدها بشهرين حط أبولو11 على سطح القمر مستفيدا من المعلومات التي جناها سلفه أبولو10.


                      وهذا منظر تخيلي لانشقاق القمر



                      و أما عن الدليل التاريخي فإليك الدراسة المثيرة التالية وهي وثيقة لحضارتي المايا والازتيك بالقارة الأمريكية حيث سجلتا حادثة انشقاق القمر.

                      تعليق



                      • The Split Moon of the Madrid Codex and Persian Manuscripts






                        In the Rيos Code, there are four pictures of the different ages of the Sun. All show stones falling from the sky. The last version shows a mountain with flowers and fruit falling down on it. Without a doubt, we can call this mountain "Flower/Fruit." There is a Persian manuscript illumination which shows a similar white mountain (in the background) and a mountain covered with flowers and fruit (as veggies), and a weird gash in the earth behind a man who is looking at a split faced moon similar to those found in the Madrid Codex on the top register of pages 91-92 and 93. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">1</SUP>
                        It appears that the Persians are making their own visual statement about the Flower/Fruit Mountain where a meteorite (stone egg) fell to the earth and separated it from the White Mountain with a sheer thrust.
                        Those who traveled in ancient times, knew of these differences and used both physical entertainment (i.e.: acrobatics, dance, mime, puppetry) and the paint brush as their vehicles for transmitting the event portrayed in both manuscripts. For their personal safety, they used "magic" which was no more than a primitive form of the very technology we use today.
                        The event was seen! But, by whom? Was it the Aztecs who saw it and recorded it for their university lessons in astronomy as "The Birth of the Fifth Sun"? The Maya actually recorded the split moon in the tiny glyphs in the Madrid Codex as the tiny glyph shown above.
                        At the very first instance of it on page 91 of the Madrid it has, what I believe to be, a black "viewing-the-stars bowl rim" of obsidian to the left of it and on top is a separate knotted bow-tie. It is coupled with a dragon eye or the eye of the serpent, whichever way you want to read the strange upside down glyph immediately below it.
                        This is reminiscent of the serpent with God L in its mouth, stretching out to fondle the very buxom "moon" goddess caught in the coils of the serpent. Not yet part of the tail of the serpent is the burning "cigar-in-the-forehead" god K'awiil far to the bottom right. (See the two Kerr vases K4485 and K7838, same art but different sizes) It can be seen in these vases, so, although present, K'awiil is not yet attached to the tail of the serpent.
                        The conclusion that can be reached about this serpent connection is that, if it is archaeo-astronomy, the moon goddess, making her rounds every 360 days, was "entrapped" in the coils of Draco, the constellation, until, in the Aztec story, during the "Birth of the Fifth Sun"<SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">2</SUP> a human, who did not appreciate that the false sun stayed so close to the horizon, threw a rabbit at it to make it move. It is their version of why the rabbit is on the moon.
                        One Maya clue is the face of the rabbit on Justin Kerr's vase K-1208.">
                        In another Kerr vase, one will see, that not only was the rabbit a new addition to the home of the moon goddess, but also the cosmic tree (probably the Milky Way) was new. Being held up to the mirror, the rabbit is shown where it was then (now) located, not how it was born. In agreement with that statement is vase K2772. It shows the same three women as in the so-called birth scene, but instead of a pregnant woman with two midwives, it shows that the palace of the moon is being shaken by a quake, indicated by the same "question mark" curls found in the ears of the split-faced moon rabbit and identified by Eric Thompson as a symbol of the Moon Goddess glyphs. This "quake" or catastrophe is well recorded world-wide, even in Peru as the Rebellion of the Artifacts.The rabbit arrives later to view, in the mirror, the new star arrangement of the skies.
                        Kerr's vase K4999, I almost ignored. It appears to be the oldest vase and in the worst condition, but it may be the place where the rabbit came from: the Blue Star or Sky house. It was from here that K'awiil became a "cigar-in-the-forehead" fire entity and the rabbit became the new timekeeper. What was the change? It probably was was the difference betwee 360 days and 365.4 days..<SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">3</SUP> The old calendar was no more.
                        In the last Maya Meeting (2005) Jania Indrikis solved the Dresden-Venus table puzzle for me. That is not to say that everyone believes as i do, but I feel that it is exactly what I just implied above: that there was a five day (incorrect) correction that allowed the Maya and other groups in Mesoamerica to have a five day vacation. It appears in the third column of page 24 of the Villacorta version and of Knorozov's work.
                        At the top of page 139 in the 1997 Maya Hieroglyphic Forum, the dot and bar numbers have been inserted as corrections for the tops of the other columns (missing in V and K's works). On the basis of the number sequences, the date of the first (and, what I am surmising, was the original change) is 9.9.9.16.0 or the Gregorian date of 9 February 623 (the Julian date calculated the 6th of February, that same year).
                        It is interesting to note that the Auguries from the books of the Chilam Balaam gives the day (in the Mani version) K'in lob as a "bad" omen, while the Katun (in the Chumayel) was considered as "evil." Nevertheless, man was able to record in the seventh century AD, a broad sweeping change of the calendar in Copan, China and Babylon.<SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">4</SUP> which agrees with Janis's calculations. Kudos for Janis! (No, he had no idea that I was on a similar subject of the year change. But then, at that point, neither did I!)
                        But, if one reads the
                        The rabbit replaced the monkey (possibly the old north star?) as the recorder of time and became a very important figure with the same split face of the moon, with a the same question mark curl in each ear. <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">3</SUP> and later, (K1491) where the rabbit waits for the monkey to finish his final work.


                        He then becomes the official recorder of time (and probably of events) and tgnkey is placed in a secondary role in the skies. (See K1398 and K5166) But not before the Rabbit assists in stripping God L of his position in the head of the dragon/serpent constellation called Draco and his association with the Moon Goddess there.
                        God L then returns to the Rabbit to plead for the return of his job description. Both the Maya (and apparently the Sun god) relent and return him to his 360 day station, but allows the four and a quarter remaining days to become a festive, but fearful holiday as preparation for the new year. (Watch for the upcoming "Rabbit and His New Time Schedule") So what does the whole mean?
                        Did the Persians, who have the exact same moon design as the Madrid Codex, devise the picture all by themselves? And where was the Sun Wu Kong (the Monkey King) of China at the time? His original name means "dog-of-the-old-moon." So does that mean that the Chinese also recognized that there was a reorganization of the phases of the moon, because the year became longer by five (5) days? That time difference appears to be the correction in the second column of the first page of the Dresden Venus cycle segment. The Xolotl dog was the Aztec version of Quetzalcoatl who fell from the heavens and saved the true sun from death.
                        Olivia Vlahos in her book, Far-Eastern Beginnings claimed that documents of the T'ang Dynasty (618 - 907) described blue-eyed, blond Wu-sun, the Ting-ling and the Yueh-chih tribes which probably included people with Western faces. (Please note the word "probably" which may be an indication that these people HAD to be "blue-eyed and blond.") The Ting-Ling and the Wu-sun inhabited lands around Lake Baikal and the Altai Mountains. She stated that the Yueh-Chih (Moon people) lived farther to the west. (p. 86)
                        She also stated that the T¹ang (apparently, who were NOT blue-eyed or with green eyes) described the Kirghiz as tall, red of face and of hair, green of eye. (p. 128) The presence of the tall hats and Caucasian features in the Jaina area of Mexico that makes it even more interesting. At the edge of the western Gobi desert, in the tombs of Xinjiang strange mummies were found. While in the Yucatan area, near the city of Belize, there is a point of land called the Moho Cay. Can a connection be made with an event recorded in the Moho manuscript, (a short Chinese version of the Monkey King's journey westward). Is this another global connection with the Jaina tall hats?
                        As it is, there is a lot of evidence for transoceanic travel, both east and west, but we seem to be searching for things that cannot exist, such as, wooden boats, clothing, food, fine slipware pottery, and statues, however small. Except for the last two items, all will be eaten, deteriorate, be broken in a short span of time. The sea breezes create hunger and food in small boats which are not capable of sustaining more than very few people over a long sea journey. The salt spray will destroy in a very short time, even clothing packed carefully away in closed boxes.
                        Men who traveled by these small boats would marry a native in whatever area he stepped ashore. She would know nothing of the the sailor's past history. She would only chose to remember the present.
                        The most viable element that was carried north, south, east and west from and throughout the Americas was knowledge and a facile hand which could create illustrations of a concept before a language was learned. Original art work would have been drawn on the sea shore in the sands, on the mountains in the soil or on some form of cloth, paper or bark.
                        All these original items would be lost over the centuries in a very short span of time. Copyists in the area would insert their own version of those pictures. They would almost be the same, but not quite: a scroll here, a tassel there, a slanted eye or a strange hat. The script would change over the years from that of the original artist, to that of the copyists.
                        When similar art forms are discovered, it is not easy to think of diffusion. After all, we would never take a small boat across the oceans, but, even today, there are people who do. Single navigators with a dream, or even families with a sturdy, albiet small boat. Modern boats are better equipped than the open boats used centuries ago. A journey can be made, but because of language differences, such voyages are very quickly forgotten.

                        <HR style="TEXT-INDENT: 0px !important" align=center SIZE=2 width="100%">

                        <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">1</SUP> Note: "Muhammed splits the moon," an illustration in a Falnameh, a Persian book of prophesies.
                        <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">2</SUP> Read, Kaye Almere (1998) Time and Sacrifice in the Aztec Cosmos has the best version of the Birth of the Fifth Sun that I have read.
                        <SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">3</SUP> Wolf, Eric Sons of the Shaking Earthp. 100, Copan held a meeting of this Copan Academy of Science. People from Chiapas, etc. At this time the calendar reform came about at the end of the VII century A.D. Velikovsky, Imanuel (1950) Worlds in Collision p. 355, Varaha Mihira, astronomer of India. His work indicates calendric changes in the seventh century. China also was affected at that time. (My Note: Velikovsky may not have gotten the correct conclusions, but much of information was well researched.)
                        .<SUP style="TEXT-INDENT: 0px !important">4</SUP> Thompson, J. Eric (1963) Maya Hieroglyphic Writing: An Introduction Norman, Oklahoma: University of Oklahoma Press. p. 231.

                        والموضوع موجود على الرابط التالي:


                        http://www.iosworld.org/interview_cheramul.htm

                        وهناك قبيلة هندية قديمة شاهدت انقسام القمر وأرخت لأنفسها من ذلك التاريخ وهناك مستندات موجودة في مكتبة لندن تحوى المخطوطة الهندية القديمة والتي تسجل معجزة انشقاق القمر.
                        INTERVIEW

                        HINDU PATRON OF MUSLIM HERITAGE SITE


                        The 87-year-old Raja




                        Valiyathampuram of Kodungallur in Central Kerala is a descendant of KingCheraman Perumal, the first Indian to embrace Islam in the early 7th century. Talking to him is like talking with history. In the following interview taken by A U Asif (right in the picture) in Ernakulam, he dwells in detail upon his great early ancestor and the oldest mosque (above) of the sub-continent. He also asks North Indians to come to Kerala and see how people of different religions are living there for centuries in an atmosphere of harmony, fraternity and peace.
                        How do you take your great great grandfather Cheraman Perumal?
                        Cheraman Perumal was not only a king and my ancestor, but the first Indian to come into the fold of Islam. He was actually the person who gifted Islam and the first ever mosque to the Indian sub-continent. This happened much before the advents of Muhammad bin Qasim and Mahmood Ghaznavi. This shows that Islam didn’t come to India with the sword.
                        Is it a fact?
                        As is well known in Kerala, on a moon-lit night the king while walking on the rooftop of his palace along with the queen saw the moon suddenly splitting into two halves. Later he came to know through the Arab traders that that a prophet called Muhammad had wrought a miracle on that fateful night and sundered the moon before a crowd of dazed spectators. Impressed by this new messenger of God in Arabia, the king set out for the holy land after dividing his kingdom and assigning various territories to local chieftains to ensure smooth governance. In Arabia he met the Prophet and embraced Islam in the presence of Abu Bakr Siddique, who later became the first caliph. Cheraman, who took a Muslim name, Tajuddin, died on his way back to India and was buried on the shore of the Arabian Sea at Salala in the Sultanate of Oman. It is said that he had earlier written letters to the local rulers of Malabar and sent it through his ministers along with Malik bin Dinar, a companion of the Prophet. In the letters he had asked them to "receive the bearers of the letters and treat them well and help them to construct mosques at Kodungallur and elsewhere". The rulers of Kerala honoured the letters and permitted Malik Bin Dinar and his fellow Arab traders to build mosques in Kerala. The mosque built in the early 7th century at Kodungallur, known as Cheraman Malik Masjid, still exists with its original structure and is said to be the oldest mosque in the sub-continent. It is named after both Cheraman Perumal and Malik bin Dinar.
                        Is the mosque intact with its original structure?
                        Yes, the original structure, including the sanctum sanctorum, remains intact. However, there have been a few extensions in the past. Its front portion is new while the back portion with its sanctum sanctorum, mehrab, mimbar (pulpit), wooden work on the roof of mimbar and traditional lamp as well as the ancient ceremonial pond, is still untouched.
                        Anything more about Malik bin Dinar?
                        After the construction of the mosque at Kodungallur, Malik bin Dinar moved towards Mangalore and died at Kasaragod, now in Karnataka, where rests in peace. Interestingly, Cheraman Perumal and Malik bin Dinar are buried on two sides of the Arabian Sea, one at Salala in the Sultanate of Oman and the other at Kasaragod in India. In other words, their graves are interlinked by the waters of the sea. There exist 14 mosques of the same pattern and design from Kodungallur to Mangalore.
                        How do you see all this?
                        We see all this with pride. There is no question of any ill-feeling about Cheraman Perumal. We have high regard for him. He was our patriarch. He embraced Islam but could not come back from Arabia as he fell ill and died on way. I hail from his lineage and have faith in Hinduism.
                        How do the general people, particularly Hindus consider Cheraman and his gift in form of the first ever mosque in the Indian sub-continent?
                        People belonging to different religions, including Hindus, hold him in high esteem and the mosque built as per his wish as a historical monument. The historic mosque has been visited by numerous dignitaries over the centuries and decades.
                        President Dr A P J Abdul Kalam was recently here. He was given a warm reception in the mosque. I was also among those present on the occasion.
                        Unlike north India, there is no communal strife over places of worship in South India?
                        No, not at all. In this part of land exist India’s oldest places of worship. The first synagogue, the first church, the first mosque and the ancient Bhagwathi and Mahadeva temples are located in this region. We have maintained a record of exemplary communal harmony here. I often wonder about the sudden eruption of controversy over places of worship. Unlike north, people of all faiths have high regard for all places of worship. My suggestion is: People in the north should come to Kerala and see and learn how we belonging to different religions live here for centuries without any communal hatred, animosity and strife.


                        [The interviewer is a Delhi-based senior journalist. He can be contacted at ( تم حذف البريد لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى ) ]



                        المخطوطة ورقم الكتاب المذكورة فيه المخطوطة ورقم الرف الذي يوجد به الكتاب.

                        reproductions-customer- ( تم حذف البريد لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى ) ,

                        quoting in all correspondence the

                        shelfmark IO ISLAMIC 2807, pages 81 verso- 104 verso and your full

                        postal address. Sincerely Colin Baker

                        Dr Colin F Baker
                        Head of Near and Middle Eastern Collections

                        The British LibraryAsia, Pacific and Africa Collections
                        96 Euston Road London NW1 2DB

                        T +44 (0)20 7412 7645
                        F +44 (0)20 7412 7858 ( تم حذف البريد لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى ) www.bl.uk









                        والدراسة العلمية موجودة على الرابط التالي:
                        https://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=11720

                        في عام 1998م زرت ولاية لوس أنجلوس بأمريكا وذلك في رحلة عمل..وفي المساء سألني مضيفي عن أي الأماكن أريد أن أزور بعد أن أطلعني على برنامج الزيارة والتي امتدت شهراً..فقلت له على الفور أريد الذهاب إلى أكبر مكتبة عندكم لبيع الكتب.. ووسط الدهشة التي اعترته وافق, وتوجهنا إلى المكتبة وهالني ما رأيت..المكتبة منظمة بشكل غير معتاد عندنا في بلادنا..وفور دخولي جاءني من يعرض على خدماته..فقلت له أريد كتاباً عن رحلة أبوللو، أخذني وتوجهنا إلى مسؤولة البيع والتي بحثت في الكمبيوتر الذي أمامها حتى طبعت قائمة كبرى تحوي أكثر من 100 كتاب مزيلة بأسعارها وأماكن تواجدها (أي القسم الذي توجد به داخل المكتبة) ... وتوجهت إلى الجناح فلقد كان رقم ( H ) وهناك وقفت مبهوراً بهذا الكم من الكتب والمراجع التي تتحدث عن رحلة الصعود إلى القمر.. ومكثت أكثر من ساعة وأنا أتصفح الكتب والمراجع ـ هذه متعة عندي ـ ولكنني لم أفهم شيئاً نظراً لمحتواها العلمي المتخصص والدقيق فالإحداثيات الرياضية كانت هي الغالبة عليها..
                        قلت لنفسي مخاطباً إياها والحنق يملئني..معقول كل هذا الذي أراه من كتب ومراجع ما هو إلا فبركة علمية؟؟.وجاءني من يعرض على خدماته ويساعدني..فقلت أريد أطلساً عن رحلة أبوللو , وعلى الفور وبالفعل حصلت عليه ووقفت أتصفح وأشاهد الصور الصادرة عن وكالة ناسا وأنا كلي انبهار بإخراج هذا الأطلس..وفي نهايته مرجع كامل عن كل صورة في الأطلس ومزيلاً بتعليق ..وهي فكرة جيدة تتيح لك متعة مشاهدة الصور بتسلسل لا يقطعها كتابة التعليق..
                        ورحت أتعجل الصفحات وتسبق عيناي الصور هل هناك صورة تثبت انشقاق القمر..ووجدتها وقرأت التعليق عليها، وعلى الفور قررت اقتناء الأطلس (كان ثمنه 100دولار)..ثم قلت لمساعدي مشيراً إلى الصورة التي أعنيها ..أريد مرجعاً يتناول هذه الصورة بالشرح والتحليل..
                        توجهنا إلى جناح المعلومات ..وأدخل كلمة Lunar Rillesداخل محرك البحث حتى عثرنا على أكثر من خمسين مرجعاً..توجهنا إلى نفس الجناح رقم H وبمساعدته أخرج لي بعض المراجع ورقم الصفحة تحديداً..حاولت أن أفهم ما هو مكتوب ولكنني عجزت فلقد كانت التحاليل الرياضية ـ الفيزيائية هي الغالبة على الموضوع كله كما أن تكلفة المرجع كانت عالية كان ثمنه 400 دولار على أقل تقدير..
                        ملاحظة هامة..المكتبة على كبرها وكثرة محتواها لم يكن بها سواي ومضيفي ..فالشعب الأمريكي جاهل ولا يقرأ..بخلاف دول أوروبا.. ترى الناس فيها لا يتركون دقيقة تمر منهم بدون قراءة حتى أنهم يقرؤون وهم يأكلون.

                        سيدي يا رسول الله


                        مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا


                        قَالَ


                        نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (التحريم : 3 )


                        روابط ذات علاقة بمعجزة انشقاق القمر











                        1ـ حمل الأفلام الوثائقية من موقع ناسا من هنا

                        <HR style="TEXT-INDENT: 0px !important" align=center SIZE=2 width="100%">

                        Video and Movie Libraries

                        تعليق





                        • الفرع السادس

                          ظهور طوائف ذات عقائد وملل


                          أولاً:عبدة الشيطان
                          قال تعالى:( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْيَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّمُّبِين) يس:60


                          كنيسة الشيطان

                          عدد أعضاء الجدد حول العالم عام 2013م


                          من موقع عبدة الشيطان www.churchofsatan.com/







                          ثانياً: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً

                          بسم الله الرحمن الرحيم


                          يقول الله سبحانه وتعالى:
                          (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِوَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداًلا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)التوبة:31


























































                          الفصل الرابع


                          بين القصص القرآني والقصص التوراتي


                          الأمثلة كثيرة ولكنني سأكتفي بنموذج واحد فقط هو قصة يوسف عليه السلام..لأنها هي القصة الوحيدة في كتاب الله الكريم والتي وردت هكذا دفعة واحدة بدون قطع مثل ما هو وارد في كل باقي القصص القرآني..
                          والقصة معروفة للقارئ الكريم..والسؤال الذي يلح علفى المرء..هل كان اارسول صلى الله عليه وسلم قصاصاً..هل عرف عنه ذلك من قبل؟..هل تسنى له الاطلاع على القصة في التناخ وهو الأمي الذي لا يعرف القراءة في العربية فضلا عن الآرامية؟..
                          لقد تناول الكتاب والوعاظ قصة يوسف عليه السلام من منظور متفق عليه تقريباً ويجمعهم خط درامي واحد يتمثل في القصة القرآنية وأغراضها المتنوعة والأهداف التي من أجلها صيغت إلى آخر المعاني العظيمة والتي لا يخلو منها كتاب أو تفسير، وحظيت سورة يوسف بالجانب الأوفى نظراً لأنها تمس الأسرة والمجتمع ونظام الحكم وشرعية الحكومة، وقتلت هذه الموضوعات بحثاً من قبل الدارسين الأفاضل وكل أدلى بدلوه بما فتح الله له من أبواب الخير.
                          دعونا نغوص في تحليل القصة قليلاً..
                          ثبات الشخصيات وتطورها فى سورة يوسف
                          لو تأملنا الخصائص النفسية لشخصيات السورة لوجدنا أن العواطف التى ولّدتها الشخصية الرئيسية (سيدنا يوسف) فى نفوس من حوله تتميز بشدة الجموح. فثمة محبة خارقة من الأب، وغيرة عنيفة من الأخوة تصل لحد التفكير فى القتل، وأب يصل به الحزن حد العمى. وشهوة حارقة من المرأة تصل لحد تمزيق ثيابه، ونساء مهووسات يُقطعن أيديهن .
                          بالنسبة للشخصية الرئيسية (سيدنا يوسف) فهناك خصائص ثابتة لشخصيته لم تتغير على مر السنين، وهناك ما اكتسبه مع التجارب.
                          مثال الخصائص الثابتة هو النبل: فيوسف الفتى الذى يرفض خيانة الرجل الذى أواه مع امرأته (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) هو نفسه يوسف صاحب السلطان الذى يُصرّح بشخصيته لأخوته حينما ضاقت الأرزاق بهم إلى حد التسول (قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِى الْمُتَصَدِّقِينَ)، وقتها فقط يكشف عن حقيقة شخصيته ملتمسا لهم العذر قبل أن يفكروا فى التماسه (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ) مطيبا خاطرهم داعيا لهم بالمغفرة (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ثم دعاهم للمجيء لمصر مع أهلهم فى رعايته.
                          أما مثال الخصائص التى اكتسبها مع السنين والصبر والتربية الربانية فهى لهفته على الخروج فى بداية محنة السجن (وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ)، ثم رفضه الخروج بعد ذلك بسنوات طويلة إلا بعد ظهور براءته بعد أن تعلم ألا يلجأ إلى الناس ولا يسأل سوى ربه(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ).
                          ومن الشخصيات التى تطورت مع السنين شخصية امرأة العزيز، فهذه المرأة الناضجة واسعة الحيلة عظيمة الغواية، سريعة البديهة فى اقتراح عقوبة مؤلمة لكنها تحفظ حياة من تحب( َقالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وترد الصاع صاعين للنساء الماكرات (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ)، ولا تعبأ بعد انكشاف تهتكهن بأن تقول بصراحة مذهلة (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ).
                          وتمضى الأيام وتختفي صورة المرأة المتهالكة على الشهوات فتكون شهادتها- عند استجواب الملك لها- متميزة بالصدق والنبل (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ).
                          علاقة يوسف بقميصه علاقة تستحق التأمل..

                          رأيناه يوم أن كاد له إخوته بسؤ: (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)يوسف: 18..وطبعاً هذا القميص احتفظ به أبوه..
                          ومع امرأة العزيز:(وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( يوسف :25..وطبعاً هذا القميص احتفظت به هيئة المحكمة كدليل إدانة..
                          ومع أبيه:(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) يوسف :93..وطبعاً هذا القميص من الواضح أنه هو القميص الذي كان يرتديه ساعتها فهو بمثابة البشارة..
                          ولنكمل تأملاتنا في تلك السورة الكريمة، فتروى لنا التفاسير أن الفترة الزمنية التي مرت ما بين رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام الذي رأى فيه أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له، وبين معرفة إخوته لحقيقته وهو عزيز مصر وفى هيئته وصولجانه، حوالي أربعين عاما، ولنفترض أنها بالفعل أربعون، فهل يمكن أن نتخيل ما مر به سيدنا يوسف من ابتلاء وكرب وضيق وشدة في كل هذه السنوات حتى وصل إلى ما وصل إليه من عز وجاه، تعالوا نستعد معا شريط الذكريات سريعا على طريقة «الفلاش باك» في السينما، لعلنا نتعظ ونأخذ منه العبر التي تعيننا على نوائب دهرنا.
                          لقد بدأت القصة بالرؤيا اتي رآها يوسف وحكاها لأبيه، وكان تأويله أن إخوة يوسف سوف يخضعون له ومعهم أبوهم، لما سوف يكون عليه من منزلة رفيعة، ‎وسوف ينال مكانة كريمة وعظيمة من دونهم، ولأن يعقوب عليه السلام نبي الله فإنه علم أنها بشرى لابنه يوسف الذي حرم وأخوه من حنان الأم، فكان لهما بمثابة الأب والأم معا وهما مازالا صغيرين، مما أثار غيرة إخوتهما وحسدهم، فطلب منه ألا يقص هذه الرؤيا على إخوته كي لا يزدادوا حقدا عليه وغيرة منه وحسدا له.
                          وقد كان يعقوب عليه السلام يخشى الحسد، وقد ظهر ذلك أيضا في أكثر من موضع عندما قال: «قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا»، وأيضا حين قال لبنيه: «يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة»، إلا أن الإخوة الغلاظ القساة تآمروا على أخيهم الصغير الضعيف ولم تأخذهم به أو بأبيهم الشيخ العجوز رأفة أو شفقة، ورموا يوسف في غيابات الجب، ثم التقطه بعض المارة وبيع مثلما يباع الرقيق، واشتراه العزيز وأوصى امرأته بأن تكرم مثواه عسى أن ينفعهم أو يتخذوه ولدا، إلا أن حُسن يوسف وجماله مع عقله ورجاحته واتزانه عندما بلغ أشده أوقع امرأة العزيز في محبته، وولهت به وراودته عن نفسه فاستعصم، ولك أن تتخيل مدى ما عاناه يوسف في ذلك، فهو تحت سقف واحد مع امرأة عندها من الجمال والمال والسلطان والمنصب حظ وافر وهو في ريعان شبابه، وهى التي تطارده وتحاول النيل منه في وجود زوج ضعيف يضبطهما وهى تطارده، ويشهد شاهد من أهلها من خلال قصة القميص الذي قُد وهى تطارده، ثم يقول: يوسف اكتم هذا الأمر وأعرض عنه ولا تحدث به أحدا، ويطلب منها أن تستغفر لذنبها، ترى ما هي نوعية الدماء التي تجرى في عروق هذا الزوج الضعيف، ومن الذي يعمل له يوسف حساباً بعد ذلك سوى الله؟..
                          ثم الفتنة الأخرى والمطاردات المتلاحقة من نسوة المدينة اللاتي قطعن أيديهن وقلن: «حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم»، ويستقر به المقام في النهاية في السجن على الرغم من علم الجميع ويقينهم ببراءته ونقاء سريرته.
                          ويدخل يوسف السجن ظلما بإرادته خيرا من أن يرتكب فاحشة تغضب ربه الذي أحسن مثواه، ويدخل معه ساقي الملك وخبّازه اللذان طلبا منه أن يفسر حلمهما، فبشر أحدهما بأنه سوف يخرج من السجن ويسقى الملك خمرا، وطلب منه أن يذكره عند الملك كي يبرئ ساحته ويرفع ما عليه من ظلم،ولكن هذا الرجل نسى ذكر يوسف، فلبث في السجن بضع سنين، يقال إنها سبع سنوات، حتى فسر رؤيا الملك وعرف قدره وحكمته وعلمه فعينه على خزائن الأرض، وبدأت مرحلة اليسر فى حياة يوسف الصديق.
                          من خلال أحداث قصة سيدنا يوسف نتوقف أكثر من مرة لنجد تجسيدا واضحا لحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لو اطلع أحدكم على الغيب لاختار الواقع»، أي أننا يجب أن نرضى بما قسمه الله لنا حتى لو كان ظاهره شرا.

                          إن ظلم إخوة يوسف له وحقدهم عليه وحسده ولحب أبيه له ولأخيه بنيامين، على الرغم من أنه في الظاهر بداية المتاعب والمشقة والحرمان، إلا أن الله سبحانه وتعالى جعل منه بداية للخير، وبشرى لما سوف يكون عليه «وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون»، ترى لو لم يأكل الحقد والحسد والغيرة قلوب إخوة يوسف، هل كان سيصل إلى ما وصل إليه في أرض مصر حتى أصبح عزيزا لها وأمينا على خزائنها؟
                          وفى ذلك يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - جملة مأثورة في غاية الروعة وهى: (لو علم الظالم ما أعده الله للمظلوم لضنّ عليه بالظلم، وذلك خوفا من إكرام الله له وتعويضه عن ظلمه بما يتناسب مع قدرته سبحانه وتعالى وهو الحكم العدل).

                          تعليق


                          • الفصل الخامس

                            ليلة القدر


                            لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ..
                            حينما نتحدث عن القرءان الكريم ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..يجب ألا يكون الحديث بمعزل عن ليلة القدر..لقوله سبحانه في شأن القرءان الكريم إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ..فلعظم قدر القرءان الكريم أنزله سبحانه وتعالى في ليلة ذات قدر على قلب نبي ذو قدر لأمة ذات قدر..
                            والقدر: هو مبلغ الشيء، والقدر: هو الحال والشأن، يقال قدَّر فلان هذا الأمر، أي عرف حاله وشأنه. وقدَّر الإنسان خالقه أي: عرف عالي شأنه وعظيم جلاله وكماله.. ولكن كيف تكون معرفة الله ورؤية عظمته وجلاله؟. وكيف يقدِّر المخلوق خالقه حق قدره.
                            أقول: لا يصل الإنسان لهذه الحالة الرفيعة إلاَّ بعد شهوده عظمة الله، ورؤية كماله، فأنا لا أعرف قدرك إلاَّ إذا رأيتك، أو إذا رأيتك على رأس عملك أو في حال ممارستك لشؤونك، أو إذا رأيت صفاتك التي تشهد لي بعلوِّ قدرك، وتنطق بسموِّ مكانتك وعظيم شأنك..
                            وكذلك النفس لا توقن بعظمة خالقها إلاَّ إذا شهدت عظمة ذلك المالك العظيم في ملكوته، قائماً بالتربية والإمداد على خلقه، مفيضاً برَّه وإحسانه على سائر مخلوقاته، غامراً الكون برأفته وواسع رحمته.
                            فالإنسان بعد أن آمن بربه إيماناً غيبياً، وبعد أن أقرَّ بعظمة الخالق ورحمته إقراراً فكرياً، إذا هو استقام على أمر ربه، ومَرِن على طاعة الله، فلم يخالفه، ولم يعصه في أمر من أوامره، فلا بدَّ له إذا هو استمر على هذا الحال من الاستقامة والطاعة، وثابر على التقرُّب إلى الخالق بالإحسان إلى المخلوقات كافة؛ من ساعة يشهد فيها كمال الله سبحانه شهوداً نفسياً ولابد له من حالة تنغمر فيها نفسه بذلك النور الإلهي، فترى عظمة خالقها وموجدها وتعاين حنانه تعالى عليها، وواسع عطفه ورحمته بها وبالمخلوقات جميعها، وهنالك تعرف قدر ربِّها وتوقن برحمته وعطفه عليها.
                            وتلك الليلة العظيمة التي يشهد فيها الإنسان هذه المشاهدة النفسية، ويرى هذه الرؤية الذوقية، وتحصل له بها تلك المعرفة الشهودية، تلك الليلة هي ليلة القدر.
                            ولعظم هذه الليلة جعل الله سبحانه وتعالى لكل نبي ليلة حتى تكون كل الليالي إرهاصاً لمقدم ليلة القدر..
                            1 ـ لكل نبي من الأنبياء ليلة
                            فإبراهيم عليه السلام له ليلة: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ...)الأنعام : 76
                            ولوطاً عليه السلام له ليلة: (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ)الدخان: 23
                            ( فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ{23} وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ{24}
                            و (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ )الحجر65
                            والأحقاف وهو اسم المنطقة التي سكنها قوم عاد وهم قوم نبي الله هود عليه السلام كانت له ولهم ليلة :
                            قال الله تعالى (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) الحاقة : 7
                            وموسى عليه السلام كانت له ليلة: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ {7} فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {8} يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {9})النمل: 7 ـ 9
                            (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)القصص:29
                            ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت له ليال..فكانت له ليلة الإسراء وليلة النصف من شعبان..وكانت له ليلة القدر..
                            فالليالي كلها كانت إرهاصا وتقديما لليلة مباركة هي ليلة القدر ولعظم شأنها أنزل الله سبحانه وتعالى فيها كتابه المجيد(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)..( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ..
                            والليالي التي احتوتها نالها الشرف دونا عن سائر الليالي فأقسم الله سبحانه وتعالى بها فقال(وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ *) فالليلي العشر هي العشر الأواخر من رمضان على خلاف بأنها العشر الأولى من ذي الحجة ...ولأن الحج عبادة نهارية فلا ينطبق عليها هذا القول لأن رمضان عبادة ليلية وفيه قيام الليل..قَالَ تَعَالَى : (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا )المزمل..
                            (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ)..
                            وَقَالَ : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا )الإنسان: 26.

                            طوبى لمن سهرت بالليل عيناه……. وبات في قلقٍ في حبِّ مولاه


                            وقام يرعى نجوم الليل منفـردًا……. شوقًا إليه وعين الله ترعـاه


                            2 ـ أخفاها الله سبحانه وتعالى مثل ما أخفى قيام الساعة جاء في الآية 15 من سورة طهإِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَالِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)...ومثل ما أخفى عز وجل أجل الإنسان..
                            وفي الأمور الحياتية يخفي المرء عن أهله الشيء الجلل ويكون أعظم ما يكون إذا كان الأمر نفسياً ,رأينا ذلك مع النبي يوسف عليه السلام حينما اتهمه أخوته كذبا وزورا نلاحظ قوله سبحانه وتعالى: (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ)يوسف: 77 فيوسف عليه السلام أسرّها بمعنى أخفاها لأن الإسرار في حد ذاته إخفاء لهم..
                            ولو لم يخبرنا الحق بما كان في نفس يوسف عليه السلام ما عرفنا عن ذلك الأمر من شيء..وحدث أمر مثله مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة زواجه من السيدة زينب بنت جحش والقصة معروفة ولكن ما يعنيني هنا هو الألم النفسي الذي عاشه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولولا أن الله عز وجل أخبرنا ما عرفنا عنه شيئاً (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِيفِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) الأحزاب:37 ..
                            ومثل ما أخفى الله الشر فوضعه في موضع الخير..وأخفى الخير فوضعه في موضع الشر وفي كل خير..(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)البقرة: 216.
                            (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًاوَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء: 19.
                            كذلك أخفى الله سبحانه وتعالى ليلة القدر..
                            (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ) سورة القدر.
                            ولم يقل لنا سبحانه وتعالى في أي شهر..سواء من الشهور العربية أو العبرية أو القبطية أو الشمسية..وعليه ظل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يترقبونها طول السنة..لأن الله سبحانه وتعالى قال عنها هي ليلة خير من ألف شهر..
                            في أي شهر هي ليلة القدر ..لم يقل رب العالمين..وظلوا يعبدون الله سبحانه وتعالى باهتمام طول السنة حتى ينالوا ليلة القدر..هبطت همتهم قليلاً..
                            فأراد الله سبحانه وتعالى تحفيز هممهم مرة أخرى فقال عز من قائل: (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) سورة الدخان.
                            فإن ليلةَ القدرِ ليلةٌ كثيرةُ الخيرِ ، شريفةُ القدرِ ، عميمةُ الفضلِ ، متنوِّعةُ البركات . ولعظمها أنزل فيها القرآن العظيم( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) سورة الدخان :4.
                            فالله تعالى يقدّر فيها الأرزاق والآجال..والعمل فيها له قدرٌ عظيمٌ..وهي ليلة الحكم والفصل..
                            وعبدوا الله سبحانه وتعالى طول السنة بجدية وإخلاص..ثلاثة عشر سنة..والصحابة يبحثون عن ليلة القدر طول السنة في كل ليلة.. حتى هاجر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدنية وفرض الصيام..
                            ويوم أن فرض رب العالمين الصيام فرض أيضا الجهاد..وبعد ثلاثة عشر سنة من ترقب ليلة القدر وبعد فرض الجهاد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكافئ المسلمين فقال لهم أول مكافأة لكم على صيامكم وجهادكم أنني أقول لكم:
                            (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) فبعد ما كانت ليلة القدر يلتمسوها طوال العالم كله أصبح المسلم يجمع بين آيتين..( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)..( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)..
                            وقوله سبحانه وتعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)..إذن ليلة القدر في أي شهر؟..
                            في شهر رمضان..وهذا أمر لم يعرفه الصحابة إلا بعد ثلاثة عشر عاما..
                            فليلة القدر إذن هي ليلة من ليالي شهر رمضان..
                            ومع ذلك استصعب المسلمون الأمر فاستكثروا أن يلتمسوها على طول شهر رمضان فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم التخفيف..
                            عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكفت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا، وقال: (إنّي رأيت ليلة القدر ثم أُنسيتها ـ أو نسيتها ـ فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإنّي رأيت أنّي أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف معي فليرجع) ، فرجعنا، وما نرى في السماء قزعة، فجاءت سحابةٌ فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته . رواه البخاري (2/62-63) كتاب فضل ليلة القدر باب التماس ليلة القدر رقم (2016).
                            وبعد أن قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر)..إلا أن الأمر قد شق على المسلمين فراحوا يجتهدون حتى حصروها في ليلة السابع والعشرين من الشهر الفضيل..والأكثر من هذا أننا وجدنا من راح يحدد الساعة بالتمام..
                            والصحيح أن ليلة القدر لا أحد يعرف لها يوماً محدداً ، فهي ليلة متنقلة ، فقد تكون في سنة ليلة خمس وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة إحدى وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة تسع وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة سبع وعشرين ، ولقد أخفى الله تعالى علمها ، حتى يجتهد الناس في طلبها ، فيكثرون من الصلاة والقيام والدعاء في ليالي العشر من رمضان رجاء إدراكها ، وهي مثل الساعة المستجابة يوم الجمعة .
                            وفي الجملة لقد أبهم الله سبحانه وتعالى هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا بالعبادة في ليالي رمضان طمعاً في إدراكها .
                            ولأن ليلة القدر ليلة عظيمة كانت هي الوعاء الذي يحتوي القرءان الكريم..
                            فالقرءان الكريم لأنه قرءان ذو قدر نزل على قلب نبي ذي قدر لأمة ذات قدر انزله سبحانه وتعالى في ليله القدر .
                            هذه الليلة بعظمتها تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم.. فالملائكة على امتداد السنة كلها ينزلون بأمر الله جلّ علاه.
                            يقول سبحانه وتعالى:
                            (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً )مريم : 64
                            طوال السنة تتنزل الملائكة بالأمر .والملائكة تتعاقب علينا .على مدي الأربعة وعشرين ساعة بأمر ربهم وكل ملك له وظيفة يؤديها بالأمر..
                            إنما في ليلة القدر فالوضع مختلف..إذ أن الملائكة تنزل بالإذن..بالإذن وليس بالأمر.. وفرق كبير جدا بين الأمر والإذن مثلا في الجندية نجد الجندي ينزل أو ينفذ أوامر القائد بالأمر يبعثه مأمورية بالأمر أما لو أن هذا الجندي عنده فرح أو مناسبة سارة فعليه التوجه للقائد ويأخذ إذن هو عبارة عن تصريح له بالنزول..

                            وهكذا الملائكة على امتداد العام كله تنزل إلى الأرض بالأمر ولكنها في ليلة القدر تنزل بتصريح من المولى عز وجل تنزل بالإذن..
                            تطلب الملائكة الإذن من الله لأنها في هذا اليوم العظيم تريد أن تشارك المسلمون كلهم كلهم بلا استثناء في مشارق الأرض ومغاربها بفرحة الدعاء فالمسلمون يرفعون اكفهم بالدعاء لله سبحانه وتعالى وذلك في تجمع عجيب..
                            ففي الحج الأكبر كان ختام القرءان الكريم وكانت ليلة الوقوف بعرفة وهي ليلة لا يشهدها إلا القادرون فقط ...وفي هذا التجمع يباهي الله ملائكته يوم القيامة لأنهم جاءوه سبحانه وتعالى شعثاً غبراً ويرفعون أكفهم بالدعاء فلا يردهم الله جلّ علاه خائبين.
                            وفي شهر رمضان كان بداية نزول القرءان وكانت ليلة القدر..فيها يرفع مليار مسلم أكفهم بالدعاء فلا يردهم الله خائبين..فالملائكة تطلب الإذن من الله وعلى رأسهم جبريل بالنزول إلى الأرض ليشهدوا موكب الإيمان والتقوى ..ففي هذا الموكب العظيم تجد المسلمين كل على حده يطلب من الله سبحانه حاجته وفي يقينه أن الله سبحانه وتعالى سوف يستجيب ولسوف يستجيب .وشرط الاستجابة كما قلنا هو الاستقامة..( قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ )يونس : 89
                            فالاستقامة على أمر الله والتقرب بالعمل الصالح إلى الله، كلاهما الشرطان الأساسيان وإن شئت فقل هما الجناحان اللذان يجعلان النفس تطير إلى تلك الآفاق العالية وعندها تشهد ما تشهد من كمال الله سبحانه وتتحلى بالفضيلة والمعرفة.
                            أما الموسم المناسب الذي تتهيأ فيه النفس لتلك الحالة من الرؤية، والفوز بتلك الليلة المباركة، فإنما هو شهر رمضان، وفي العشر الأواخر منه، تلتمسُ كما أخبر الصادق المصدَّق عليه أفضل الصلاة والسلام، ذلك لأنه يتوفَّر للصائم حينئذٍ ذانك الشرطان الأساسيان، فالجوع والعطش في رمضان عونٌ على القطيعة بين الإنسان والشيطان، والإنسان قد مَرِنَتْ نفسه طوال نهارها على هذه القطيعة الميمونة، تجده غير خجل من ربه إطلاقاً.
                            كما أن له من طاعته لله بصيامه سبباً عظيماً وحافزاً قوياً يحفزه على الإقبال على ربّه فإذا وقف عشاءً للصلاة بعد أن تناول يسيراً من الطعام والشراب، وقف وكله اتجاه وإقبال وطارت نفسه، تحلِّق في ذلك الأفق العالي لا يعوقها عائق، ولا يقف بينها وبين خالقها حجاب وإنك لتجد الصائم بمجرد دخوله في الصلاة لا يلبث أن يرى نفسه مغموراً بفيض من نور الله، شاخصاً ببصيرته إلى الله، يعبده حق العبادة لأنه يراه ولا يزال يعيد الكرة يوماً فيوماً، وليلة بعد ليلة، حتى إذا أقبل العشر الأواخر من هذا الشهر وقد صلب عود النفس فتشهد ما يتناسب مع حالها من جماله وجلاله وعظيم صفاته، وترى الكون كله قائماً بإمداده وتسييره، سابحاً بفضله وإحسانه، مغموراً برحمته وحنانه.. وبشهود الإنسان ذلك الجلال الإلهي والجمال وبرؤيته كمال ربه المتعال، وبتطلُّعه إلى الرحمة الشاملة. ولذلك العطف والحنان، يمتلئ حباً بذي الجلال والإكرام والعطف والإحسان.
                            تلك هي ليلة القدر التي يشهد فيها العبد عظمة ربه، وسامي صفاته، ويتنزَّل فيها القرآن على قلبه، تلك هي ليلة القدر التي زيَّن الله بها شهر رمضان، تلك هي الليلة التي يجب أن يفوز بها كل إنسان ومن مات ولم يشهد ليلة القدر فقد أضاع حياته وخسر هذا العمر.
                            كل فعل له زمان يحدث فيه وله مكان يحدث فيه..
                            هنا تكلم رب العالمين عن زمان نزول القرءان الكريم فقال إنا أنزلناه في ليلة القدر..وليلة القدر خير من ألف شهر..فأين مكان نزول القرءان الكريم..
                            كلنا يحسب للقرءان الكريم نزوله في الزمان وننسى المكان..
                            فالزمان له قدر وعليه يجب أن يكون مكان نزول القرءان الكريم ذي قدر يتناسب مع الزمان والذي هو خير من ألف شهر..قال سبحانه وتعالى : (لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍلَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)الحشر:21..ولكننا أنزلناه على قلبك يا محمد فتحمل نزول القرءان..
                            ما هو قلب الني صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟..
                            انتبه
                            كلنا نقول ليلة القدر خير من ألف شهر..وننسى مكان نزول القرءان..لا أحد يذكره أبداً..إذا أردت أن تعرف قدر القرءان الكريم فلتعرفه من ناحية الزمان والمكان..
                            من ناحية الزمان عرفنا نزوله في ليلة القدر..
                            وأما من ناحية المكان..
                            فهو قلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..الذي نزل عليه القرءان.. (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ)..
                            يقول الحق سبحانه وتعالى: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الحشر : 21
                            فالجبل لا يقوى على تحمل نزول القرءان الكريم فما بالكم بقلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                            يقول تعالي: ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء :192ـ 195
                            فالحق جل علاه يقول أن القرءان الكريم نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ على قلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ .. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ..
                            ولقد عرفنا من السيرة النبوية المطهرة ومن القرءان الكريم قصة ثلاثة جبال..
                            الجبل الأول أخبرنا الله سبحانه وتعالى عنه ألا وهو جبل الطور ذلك الجبل الذي شرف بتجلي الله جل علاه له ولم يقو على تحمل النظر إلى وجهه الكريم فاندك ولم يوجد له أثر..نعم هذا الجبل الذي نسمع قصته ولم نر أثره..فقط موضع الجبل معروف..إنني اسميه الجبل الخاشع..
                            في سيناء جبل يستحق أن يحسده الناس على الكرامة التي وقعت له..
                            صحيح أن الجبل قد غاب عن الوجود، ولم يعد له أثر، ولكن الصحيح أيضا أن هذا الجبل هو الذي تجلى الله تبارك وتعالى عليه.
                            كان للجبل شرف الحضور أمام أنوار الحق وجماله.
                            وكان له شرف الفناء أمام هيبة الحق وجلاله..
                            لم يصمد الجبل لأنوار الحق..اندك الجبل ساجداً بأسلوبه الخاص فذابت صخوره وغاب عن ذاته..وتحول إلى الفناء..
                            حدثنا الله تبارك وتعالى عن قصة هذا الجبل الكريم في سورة الأعراف( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )الأعراف : 143
                            كثيرا ما أفكر في هذا الجبل..
                            كثيرا ما أفكر في إحساسه الرقيق العميق المرهف..كان الجبل جبلاً يتكون جسده من الصخور القاسية، ورغم ذلك كان يحس..ويشعر..ويحب..ويخشع..ويعرف كيف يخر ساجداً..ويعرف كيف يفني عن ذاته..
                            كان جبلاً محظوظاً سعيداً..كريماً..لقد أختاره الله تعالى..واختصه بالتجلي عليه..
                            أيضاً كان جبلاً مباركا ذاب من فرط عشقه حين شاهد أنوار الحق، ودفع ثمن حبه من كيانه الصخري، وذاب خشوعاً أمام الجمال والجلال المقدسين..
                            كثيراً ما أفكر في هذا الجبل، فأحس أن الجبال في سيناء كلها تحسده على تجربته..وتحسده على فنائه..وتحسده على غيابه الذي يجعله حاضراً بالروح والذكرى وإن كان غائباً بالجسد والكيان..
                            أين هذا الجبل؟..أين يقع مكانه؟..إن أحداً لا يدري سوى الله جلّ علاه..
                            لقد ذهب هذا الجبل حاملاً معه أسراره..
                            أطبق قلبه الصخري على السر وخشع حتى الفناء..
                            إنه يقول بالصمت والفناء مالا يقال إلا بالصمت والفناء..
                            فسلام على الجبل الغائب..والذي يجسد معنى الحب في الله في أجلى معانيه

                            مرة أخرى يقول سبحانه وتعالى مادحاً ذلك الجبل:
                            ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )الأعراف : 143
                            أما عن الجبل الثاني فهو جبل أحد..ذلك الجبل الذي قال عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
                            ( أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) . رواه البخاري ومسلم..
                            تأملوا في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ..إذن الجبل له مشاعر وعواطف وأحاسيس وهذه كلها مكانها القلب فجبل أحد له قلب يشعر ويحس ويحب..مثلنا تماماً..
                            أحد جبل يحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..ويبادله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفس المشاعر.
                            والجبل الثالث هو جبل حراء..
                            ولقد شهد جبل حراء لقاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجبريل ولحظة نزول القرءان الكريم..وكان الله به رحيما فلم يشأ أن ينزله عليه ولو حدث هذا لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .
                            إذن الطاقة الاستيعابية لقلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنزول القرءان الكريم أكبر من أن يتحملها الجبل الأشم فالجبل لا يقو على تحمل نزول القرءان.
                            لذلك أنزل الله جل علاه القرءان الكريم على قلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ..وهذا هو البعد المكاني لنزول القران.
                            فكيف نزل القرءان الكريم على قلب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَولم يتصدع؟..فتذكروا ليلة القدر من ناحية المكان ومن ناحية الزمان لتعرفوا شيئاً عن نبيكم عليه الصلاة والسلام..
                            3 ـ ومثل ما فضل الله سبحانه وتعالى الرسل بعضهم على بعض..ومثل ما فضل بعض الأمكنة على بعض فمكة أم القرى.. أخرج الترمذي بسنده عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "والله، إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت".. وفي رواية للترمذي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك". إن الحرم في مكانينفقط لاثالث لهما؛ أحدهما: مكة، والثاني: المدينة النبويّة، فمكة ليست كأي بلد من البلدان، والمسجد الحرام ليس كأي مسجد من المساجد في كل بقاع الأرض، فالأماكن تختلف بعضها عن بعض في الفضل، وكذلك الأشخاص (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ) الحج:75.
                            والله سبحانه وتعالى فضل بعض الأيام على بعض، وبعض الليالي على بعض، وبعض الشهور على بعض، وبعض السنين على بعض، وبعض القرون على بعض، وبعض الأمم على بعض، كما أنه سبحانه وتعالى فضل بعض النبيين على بعض، وبعض الملائكة على بعض.
                            فقد جرت سنة الله سبحانه وتعالى بالتفضيل في عموم مخلوقاته سبحانه وتعالى، فيوم عرفة خير يوم في السنة، وفضَّل الله تعالى بعض الشهور والأيام على بعض فـ( عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) التوبة: 36، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ثلاثة متوالية، والرابع شهر رجب الفرد بين جمادى وشعبان وشهر رمضان أفضل الشهور وفضَّل الأيام بعضها على بعض؛ فَخيرُ يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة. ، وقرن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأفضل القرون، وجرت سنة الله سبحانه وتعالى بهذا التفضيل..كذلك فضل الله سبحانه وتعالى ليلة القدر على سائر الليالي..
                            (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)..
                            ماذا تعرف يا محمد ويا كل مسلم..ماذا تعرفون عن ليلة القدر؟؟..
                            لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
                            تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ
                            سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ
                            (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ) سورة القدر
                            وقوله تعالى( سَلَـٰمٌ هِىَ ) إشارة إلى العناية الإلهية بشمول الرحمة لعباده سبحانه وتعالى المقبلين إليه.
                            ومن أجمل ما قرأت شعراً
                            أطلي ليلة القدر لعبد المعطي الدالاتي:
                            أطلّي غُرّةَ الدهرِ
                            أطلي ليلةَ القدرِ
                            أطلي درّةَ الأيام
                            مثلَ الكوكب الدرّي
                            أطلّي في سماء العمر
                            إشراقاً مع البدرِ
                            سلامٌ أنتِ في الليل
                            وحتى مطلعِ الفجرِ
                            سلامٌ يغمرُ الدنيا
                            يُغشّي الكونَ بالطهرِ
                            وينشرُ نفحةَ القرآنِ
                            والإيمانِ والخيرِ
                            لأنكِ منتهى أمري
                            فإني اليوم لا أدري
                            أفي حلُمٍ..أفي وعيٍ..
                            أنا! يا حِيرةَ الفكرِ!
                            فما قيسٌ وما ليلى
                            وما ذاك الهوى العُذري!
                            حفظتُ هواكِ في سري،
                            فباحتْ مهجةُ السرِّ
                            وصنتُ سناكِ في صدري
                            فشعّتْ خفقةُ الصدرِ
                            أداريهِ وأسكبُهُ
                            بقلبِ زجاجةِ العطرِ
                            وأصحَبهُ مدى عمري..
                            وأحملُه إلى قبري
                            لأنكِ أنت أمنيتي
                            فرشتُ الحبَّ في قصري
                            لأجلكِ صُغتُ قافيتي
                            وصغتُ قصيدةَ العمرِ
                            أرتّلها وأنشدُها فأرحلُ
                            في مدى الشعرِ
                            فمن شطرٍ إلى شطرِ
                            ومن سطرٍ إلى سطرِ
                            ويصغي الكونُ في شغفٍ
                            لقافيةٍ على ثغري
                            لقافيةٍ ملوّنةٍ
                            بلونِ خمائلِ الزهرِ
                            فحرفٌ لونهُ يُغوي ،
                            وحرفٌ حسنهُ يغري
                            وليس الفضلُ لي أبداً
                            فما عندي سوى فقري
                            وكلّ الفضل والنُعمى
                            لربٍّ مالكٍ أمري
                            ومنْ يدري! بما قد رانَ
                            من وزرٍ على ظهري
                            فيا رباهُ فارحمني..
                            فوزري ..آهِ من وزري
                            لأنكِ أنت أمنيتي..
                            لأنك ليلة القدرِ
                            والسُّؤال الأخير عنها: ماذا ينبغي لِمَن صَادَفَها، أو ظَنَّها أن يفعلَ؟
                            لقد سألتْ أم المؤمنين عائشة السيدة رضي الله عنها هذا السؤال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأجَابَهَا بقوله: "قولي: اللهمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ، تُحبُّ العفوَ فاعفُ عني" أخرجه ابن ماجه (3850)، والترمذي (3513)، وقال: حديث حسن صحيح، ووافَقَه الألباني في السلسلة الصحيحة (3337).
                            وبتأمُّل هذا الدعاء نجده من جوامع الكلم؛ لأنَّه أوَّلاً تَوَسُّلٌ إلى الله تعالى بصفته التي تناسب المطلوب، وهو "عَفُوٌّ"، وامتداحه بها "تُحِبُّ العَفْوَ"، ثم طلب العفو وهو جامع لخيري الدنيا والآخرة، معافاة البدن منَ الوَجَع، والدِّين منَ البِدَع، ومَن عُوفِيَ فلْيَحْمَدِ الله، أمَّا في الآخرة فمَن عُوفِيَ من الحساب والعقاب، فقد فاز بِحُسْن المآب.

                            تعليق



                            • الفصل السادس

                              إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ

                              الفرع الأول

                              المستهزؤون

                              في 30 سبتمبر 2005م نشرت صحيفة "يولاندس بوستن" الدانماركية 12 رسمًا كاريكاتيريًا سخرت فيها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ساعتها لم تتنبه الشعوب العربية والمسلمة لهذه الجريمة، غير أنه بعد هذه الفعلة بأشهر قليلة، اشتعل العالم كله غضبًا من هذه الجريمة النكراء..
                              كان التفاعل الشعبي المسلم مع قضية الصور المسيئة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غاية الروعة، حيث انطلقت الأمة على كافة الأصعدة تندد بتلك الجريمة، وتطالب بمحاكمة المسئولين، غير أن هذه الجريمة أظهرت كذلك حقيقة الموقف الأوروبي الغربي من الإسلام والمسلمين، كما أنها كشفت عن مواقف مشبوهة لعدد من المسلمين.
                              من الأمور المؤكدة أن هذه الجريمة الدانماركية بحق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليست جديدة على العقلية الغربية، بل إنها نتاج ما توارثته العقلية الغربية من نظرة مشوهة عمدًا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللإسلام، وليس هذا غريبًا فقد أخبر الله عز وجل في كتابه الكريم بأن هذا جرى مع الرسل السابقين، فقال تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الأنعام:10].
                              أفاض الدكتور "عبد الرحمن بدوي" في كتابه "دفاع عن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضد المنتقصين من قدره" في عرض مواقف الباحثين والمؤلفين الأوروبيين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ القرن العاشر الميلادي وما قبله، حيث يظهر كم الإساءات المتعمدة والأكاذيب المشوهة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولدين الإسلام، ويتأكد لنا أن هذه الأكاذيب لم تكن أمرًا عفويًا أو نادرًا بل كانت منهجًا تلقاه الخلف عن السلف، فلم يكن مستغربًا أن تقدم صحف غربية معاصرة في تجديد للنبي الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                              وبعيدًا عن ذكر الأمثلة الكثيرة على ذلك نكتفي بإيراد شهادة واحدة أدلى بها الباحث الفرنسي "إرينست رينان"، والذي يقول: "لقد كتب المسيحيون تاريخًا غريبًا عن محمد .. إنه تاريخ يمتلئ بالحقد والكراهية له، لقد ادعوا أن محمدًا كان يسجد لتمثال من الذهب كانت تخبئه الشياطين له، ولقد وصمه دانتي بالإلحاد في رواية الجحيم، وأصبح اسم محمد عنده وعند غيره مرادفًا لكلمة كافرًا أو زنديق، ولقد كان محمدًا في نظر كتاب العصور الوسطى تارة ساحرًا، وتارة أخرى فاجرًا شنيعًا ولصًا يسرق الإبل، وكاردينالاً لم يفلح في أن يكون بابا فاخترع دينًا جديدًا اسمه الإسلام لينتقم به من أعدائه، وصارت سيرته رمزًا لكل الموبقات وموضوعًا لكل الحكايات البغيضة".
                              هكذا يلخص رينان النظرة الأوروبية على مدى القرون لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهي نظرة لم تختلف كثيرًا في العصر الحديث، فإذا عدنا إلى أوائل القرن التاسع عشر والقرن العشرين فإننا نجد فريقا من المستشرقين أساءوا إلى الرّسول محمّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فمنهم من اتّهمه بسرقة ما جاء في التوراة والإنجيل كأبراهام جيجر في كتابه "ماذا استفاد محمد من اليهودية" (بون 1833)، وهير شفيلد في "العنصر اليهودي في القرآن" (برلين 1878)، وسيدرسكي في "أصول الأساطير الإسلامية في القرآن" (باريس 1933)، وريتشاربل في "أصل الإسلام في بيئته الإسلامية" (لندن 1926).
                              إن موجة الكراهية من جانب المسيحيين هي مجرد حلقة في حملة مسيحية لتسفيه النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَورميه بأقذع النعوت.
                              ودائما أساء مفكرو المسيحية لنبي الإسلام.
                              ومن أشهر هؤلاء (دانتي) في (الجنة والجحيم) والتي يعتبرها الكثيرون ربما أبرز ما كُتب في الأدب الأوروبي في العصور الوسطى، وأحد أكثر الأعمال الأدبية تأثيرا في الحضارة الغربية. فقد جعل هذا المؤلف مرتبة النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قاع الجحيم.
                              وكان أول مفكر مسيحي ينفث سمومه على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(يولوجيوس قرطبة) وكان ذلك في القرن التاسع الميلادي حيث ألّف كتابا شن فيه حملة شعواء على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                              ومن الكُتّاب المسيحيين الآخرين الذين أساءوا للمصطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
                              (بطرس المبجل )(أوف كلوني) و(ألكسندر ديو بونت).
                              ومن الملائم هنا أن نقارن ما كتبه هؤلاء مع ما كتبه بعض الكتاب المسيحيين في عصر النهضة, فقد أشاد أحدهم وهو (لايبنيتز) في كتابه "ثيودايز" عام ألف وسبعمائة وعشرة ميلادية بالنبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوصفه يدعو إلى دين ملائم لطبيعة الإنسان، وقال إن الإسلام يصف نفسه بأنه دين الفطرة.
                              أما فولتير فقد نشر في عام ألف وسبعمائة وستة وخمسين كتابا اشتمل على فصل عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصف فيه النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه رجل حكيم، وفنان بارع، وقائد عسكري عبقري وإنسان ذو نظرة ثاقبة، ومن هنا يتضح لنا بسهولة لماذا أطلق على فولتير وصحبه مفكرين مستنيرين.
                              وفي الوقت الذي اعترف فيه معظم المفكرين المسيحيين بعظمة النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن كثيرا منهم نفثوا فيه سمومهم تماما كما يفعل المتعصبون المسيحيون المعاصرون، وعادة ما يكون منطلقهم في ذلك تعدد زوجات النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَويقرنون ذلك بما يدّعونه من تحقير الإسلام من شأن المرأة، وغني عن القول أن المسلمين يرفضون قطعيا هذه المزاعم ويختلفون معها كُليّا.
                              في حين أن كل هؤلاء مأمورون بالإيمان بالنبي محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَلأنه مذكور عندهم في الكتاب المقدس..فلقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بذلك:
                              يقول القران الكريم عنه في سورة الأعراف: 157ـ 158: [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ].
                              يقول سبحانه وتعالى في سورة الرعد: 43
                              [وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ].
                              ويقول سبحانه وتعالى في سورة الشعراء 197:
                              [أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ].
                              وهكذا تستمر الإساءة والإجرام حتى نصل إلى العصر الحالي، فتأخذ الإساءة بعدًا أكثر تنظيمًا، وأكثر قبحًا ولعل أخطر هذه الإساءات تلك الحملة الكبرى التي نظمتها مجموعة من الجمعيات التّنصيرية حشدت أكثر مليون منصّر بدعم من الفاتيكان للحدّ من انتشار الإسلام في العالم، والعودة بالبشريّة إلى المسيحيّة، ونشرت صحيفة (فليت إم زونتاج) الألمانية تقريراً عن منظمة رابطة الرهبان لتنصير الشعوب سلطت فيه الضوء على جهود المنظمة في نشر الدين المسيحي ومعتقداته حول العالم.
                              وهكذا نرى أن الإساءة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر متعمد ونهج متبع، وليست الجريمة الدانماركية حادثة فردية، كما يحاول البعض الترويج لذلك في سبيل التخفيف من حدة الغضب الإسلامي.
                              المواقف المشبوهة:
                              أما المواقف المشبوهة، فقد تمثل أخطرها في دعوة عدد من الدعاة إلى إجراء حوار مع الدانمارك بدعوى أنهم لم يقدموا على جريمتهم إلا إنهم لا يعرفوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وبلغت ذروة هذا الموقف المشبوه الدعوة إلى عقد مؤتمرًا عن قضية الصور المسيئة في الدانمارك يومي 9و10 مارس، وهي الدعوة التي رفضها جل علماء المسلمين ورحبت الحكومة الدانماركية بها بحفاوة ولم لا وهي تلقي للحكومة الدانماركية حبل النجاة من الغضب الإسلامي المحتد، وتزداد الشكوك بحقيقة هذا المؤتمر عندما نرى القائمين عليه يتجاهلون دعوة أيًا من قادة الجالية المسلمة بالدانماركية للمشاركة.
                              قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) [الأحزاب 57]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقال الله تعالي: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا) [الأحزاب 53]"
                              وقال تعالى: (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران20].
                              ولأمريكا ناشرة الفيلم المسيء للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذكرها بما حدث لكسرى عظيم الفرس في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذي تجرأ ومزق خطاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه والذي يدعوه إلى الإسلام، فيكون الجزاء من جنس العمل ولا تمض إلا أيام ويمزق الله ملكه وكأنه بتمزيقه لخطاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمزق ملكه هو، بل ومزق ملك الفرس الذي أنهى المسلمون دولتهم في سلسلة من الفتوحات المجيدة.
                              عظمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصبره على الاستهزاء:
                              ونحن نستعرض في هذا المقام جانباً من جوانب عظمة شخصية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...حيث كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو إلى الله على نورٍ من ربه، ويصبر على الأذى في سبيل هذه الدعوة، وصبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأذى يتمثل في أحداث كثيرة تمَّت في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ من مواجهته للكفار والمشركين والمنافقين، وفي عامٍ واحد وهو العام العاشر من البعثة يتوفى الله تعالى خديجة رضي الله عنها ويموت أبو طالب ، فيطمع كفار قريش في أذية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يكونوا يطمعون قبل ذلك، وأذية الكفار لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تتمثل في جوانب كثيرة:
                              أولاً: الاستهزاء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول الله عز وجل:
                              (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ) الأنبياء:36.
                              أن يهزأ المبطل بالمحق، وأن يسخر السفيه بالعاقل، تلك أذية كبيرة تقع كالصخر على صدر الذي يتعرض لهذا النوع من الأذى، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم أنه على الحق وهم يستهزئون به: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً )الفرقان:41.
                              يستهزئون بشخصيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه يصبر على هذا الأذى وهو يتفكر في قول الله تعالى يسري عن شخصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)الأنعام:10.
                              ولقد صبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شتى الاتهامات؛ فقد اتهموه بأنه يقول الشعر، وأن هذا القرآن إنما هو شعر، وأنهم أيضاً شعراء ولو شاءوا أن يأتوا بمثل شعره لأتوا، يريدون أن يحولوا هذا القرآن عن المجرى العظيم والقالب الذي نزل به؛ لكي يقولوا للناس: نحن نستطيع أن نصنع مثله قال تعالى: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ) الأنبياء:5.
                              وقالوا: (أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ)الصافات:36.
                              وقال الله عز وجل عنهم: (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)الطور:30.
                              إنهم ينتظرون نهايته، وينتظرون موته حتى تدفن دعوته في مهدها، ولا تقوم لها قائمة، ولكن الله سبحانه وتعالى تولى الرد عليهم، وتثبيت نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ) الحاقة:38-41.
                              وقال عز وجل: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ)يس:69.
                              وكل عارف باللغة العربية؛ بنثرها وشعرها يعرف أن هذا القرآن ليس على وزن الشعر، وليس شعراً كالذي يقوله الشعراء.
                              وأوذي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باتهامه بالسحر، قال تعالى: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ)يونس:2
                              (وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ )ص:4
                              ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)الفرقان:8.
                              ولكن الله عز وجل رد عليهم فقال: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)الذاريات:52.
                              لماذا يريد الجاهليون أن يصموا شخصية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسحر؟ لأنهم رأوا أن لهذا القرآن الذي يتلوه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأثراً عظيماً على نفوس الناس؛ إنه يجذب الأنظار، ويأخذ بمجاميع القلوب ( إن عليه لطلاوة، وإن له لحلاوة ) فهم يريدون أن يصرفوا أذهان الناس عن سبب هذا التأثير؛ إنها والله دعاية إعلامية يريدون أن يلبسوا بها على الناس الذين يتأثرون بكلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                              إن على دعاة الإسلام أن يجابهوا هذه المواقف، وأن يُجَلُّوا للناس أثر القرآن والسنة، وأن يُروا الناس بأبصار قلوبهم قبل أبصار عيونهم أن هذا القرآن وهذه السنة ذات أثر على الناس، مخاطبة الناس بالقرآن والسنة، وربطهم بها مباشرة من الواجبات اليوم، حتى يحصل ذلك التأثير.
                              وصبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على اتهامه بالجنون: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ )الحجر:6.
                              وقالوا: (أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ )الصافات:36
                              (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)الدخان:14.
                              ليس أصعب على صاحب الإيمان، والعقل الراجح، والرأي السديد، والفكر الصائب، من أن يتهم في عقله، وأن يوصف بالجنون.
                              وتولى الله الرد على هذه الفرية مثبتاً رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)سبأ:46.
                              وقال عز وجل: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) التكوير:22.
                              وقال سبحانه وتعالى: (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) القلم:1-2.
                              وهم في مناسبة أخرى وفي موقف آخر يعلمون ويعترفون بأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَليس بكذاب... ففي صحيح البخاري لما سأل هرقل أبا سفيان في بداية مقابلته له، قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟..
                              فهذا هرقل جاءته لحظات من التجرد والإنصاف، ولقد هم أن يدخل هذا الدين لولا جشع الملك وحب الرئاسة، وخوفه من زوال سلطانه، فرجع إلى الكفر، ولكنه قد رأى الحق بأم عينيه.
                              قال أبو سفيان : لا.
                              ثم قال له في آخر مقابلته: وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، وأعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.
                              أي: أنت تقول أن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَما عهدت منه الكذب على الناس قبل البعثة، فعلمتُ أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ثم يكذب على الله، والكذب على الله أصعب وأشد من الكذب على الناس، فعلم أنه صادق.
                              ولقد تولى القرآن الرد على هذه المزاعم فقال: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ) هود:13.. أي: إذا زعمتم أنه كذاب فهاتوا عشر سور مثل سور القرآن: (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) هود:13.. لكي تألفوا هذه السور؛ من سائر عظماء الشعراء وأهل النثر والبلاغة: (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) هود:13..
                              ثم تنزل القرآن في الرد عليهم إلى ما هو أدنى من ذلك، فقال الله عزوجل: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) يونس:38..
                              عظم التحدي ونقص المقدار، فظهر التحدي أعظم: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِه)يونس:38..
                              فعجزوا، ولما حاول الكذابون أن يأتوا بسورة واحدة مثل سور القرآن؛ أتوا بأشياء مضحكة ليس هذا مجال سردها: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) هود:35..(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ) السجدة:3..
                              ويسري القرآن عن نفس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويثبت الله به قلب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ) الأنعام:34.
                              صبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تلقي الأذى في جسده:
                              ولقد صبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أذى المشركين في جسده صبراً عظيماً، روى البخاري رحمه الله عن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص : أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: (بينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبي معيط وهو من الكفار، فأخذ بمنكب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً).
                              عقبة بن أبي معيط يلوي الثوب حول رقبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي: (ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ بمنكبه ودفع عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)غافر:28).
                              آذوه في بدنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه : (أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أصيب في أحد فسال الدم على وجهه، رجع إلى المدينة ولا زال النزف في وجهه عليه الصلاة والسلام، فقام علي رضي الله عنه على رأسه، و فاطمة تأخذ من الإناء في يد علي فتغسل وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالماء، ولكن الجرح لم يرق، فأخذت حصيراً فأحرقته ووضعت رماده على جرح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتماسك الجرح قليلاً حتى وقف الدم).
                              عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد، قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت).
                              الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما وجد ولياً ولا نصيراً، يريد من كفار قريش أن يجيبوه وينصروه فلا يجد. (فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي). هذه الألفاظ تصور محنة الداعية التي يعيشها حينما يعرض الناس عنه، محنة الداعية التي يعيشها حينما يرفضه كل الناس، حين يطرده جميع الناس، عندما يوصدون الأبواب في وجهه، ولا يرضون بالحق الذي يقول به، ويعرضون عنه. (فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب) وهو موضع قريب من مكة.
                              لقد هام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وجهه من الغم، وما أفاق إلى نفسه ليعرف إلى أين يسير إلا في قرن الثعالب ، وليس ذلك لأجل إفلاس، ولا لذهاب تجارة، ولا لخسارة في صفقة، ولا لفقد وظيفة، كلا. (فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد! إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ـ أي: الجبلين العظيمين اللذين تقع بينهما مكة ـ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً). وعندما يكون الظلم من الأقرباء يكون وقعه شديداً على النفس.
                              وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
                              روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )الشعراء:214.. صعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصفا فجعل ينادي بطون قريش:
                              (يا بني عدي ... حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر في الأمر، فجاء أبو لهب وقريش فاجتمعوا ـ ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصفا ـ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً ببطن الوادي تريد أن تغير عليكم ـ جيش قريب من مكة يريد أن يغير عليكم ـ أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. ما جربنا عليك كذباً، قال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم.. ألهذا جمعتنا).
                              ولقد وصل الأمر إلى أن ادعوا أنهم أحق من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحق وصلة الرحم، فهذا أبو جهل لعنه الله وقف يوم بدر يبتهل إلى الله ويقول: اللهم أقطعنا للرحم ـ يعني الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَـ وأتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة.
                              يوم بدر يقف أبو جهل لعنه الله يدعو الله أن يهزم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه قطع الرحم، وأتاهم بما لم يعرفوا، فأنزل الله عز وجل: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ)الأنفال:19 كما في الصحيح المسند من أسباب النزول .
                              ولقد اتهموا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى في إنجابه، فعن ابن عباس قال: (لما قدم كعب بن الأشرف مكة ـ وكان كعب بن الأشرف يهودياً ـ قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم ـ وكان هذا قبل الهجرة ـ قال: نعم. قالوا ألا ترى إلى هذا الصنبور ..). يقصدون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستخدام الألفاظ المشينة؛ ألفاظ السب، والصنبور في لغة العرب: هو الرجل الفرد الضعيف الذليل الذي لا أهل له ولا عقب، ولا ناصر ينصره، قالوا: (ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، وأهل السقاية، قال: أنتم خير منه. فأنزل الله عز وجل: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ )الكوثر:3) أي: إن شانئك وسابك يا محمد هو الأبتر الذي لا عقب له.
                              وأخيراً هذا الموقف الذي تحكيه لنا آية الأنفال: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ)الأنفال:30.. إن عقد المؤتمرات لإجهاض الدعوة، والمؤامرات على دعاة الإسلام، وإلحاق الأذى بهم قضية قديمة. (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا)الأنفال:30..
                              لقد اجتمعوا في حجر إسماعيل بجانب الكعبة في مكة ؛ يدبرون ويخططون لثلاثة أشياء:
                              وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ومعنى: يثبتوك: يقيدوك ويحبسوك حتى لا تقوم بالدعوة.أَوْ يَقْتُلُوكَ ويضيع دمك بين القبائل.أَوْ يُخْرِجُوكَ من مكة ويطردوك حتى لا تكون بينهم.
                              روى ابن حبان في صحيحه و الحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (دخلت فاطمة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تبكي، فقال: ما يبكيك يا بنيه؟ قالت: يا أبت! ما لي لا أبكي وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، لو قد رأوك لقاموا إليك ليقتلوك، وليس منهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك، فقال: يا بنيه! ائتيني بوضوئي، فتوضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَثم خرج إلى المسجد، فلما رأوه قالوا: إنما هو ذا، فطأطئوا رءوسهم، وسقطت أذقانهم من بين أيديهم فلم يرفعوا أبصارهم ـ أعماهم الله ـ فتناول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقبضة من تراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلاً منهم حصاة من حصياته إلا قتل يوم بدر كافراً).
                              قال ابن كثير رحمه الله: قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ولا أعرف له علة.

                              ولنا مع هذا الحدثِ الأليمِ والجُرم العظيمِ ، والذنبِ الكبيرِ وقفاتٌ ووقفاتٌ أقلها وجوبُ نُصرةِ الرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدِّفاعِ عنهُ على كُلِّ مسلمٍ يشهدُ أنَّ لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ بقدرِ استطاعتهِ ، وأنَّ التَّخاذلَ والجُبنَ عنْ نصرتهِ طمعاً في دنيا أو خوفاً منْ مخلوقٍ فهو إثمٌ وذنبٌ عظيمٌ ، وكُلُّ إنسانٍ بحسبِ قدرتهِ وطاقتهِ ، وما يجبُ على العالِمِ غيرُ ما يجبُ على العامِيِّ ، وعلى الحاكمِ والمسؤولِ والأميرِ والوزيرِ ما لا يجبُ على غيرهِم ، وعلى منْ يتكلمُ لغةَ القومِ ويستطيعُ إبلاغَ الاستنكارِ يجبُ عليهم ما لا يجبُ على غيرِهم ، عملاً بقول المولى جلَّ شأنهُ : (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) الفتح9، ويقول سبحانه : (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)الأعراف157.
                              يقولُ شيخُ الإسلامِ :"التعزيرُ: هو اسمٌ جامعٌ لنصرهِ وتأييدهِ ومَنْعُهُ منْ كُلِّ ما يؤذِيهِ، والتوقيرُ : اسمٌ جامعٌ لكُلِّ ما فيهِ سكينةٌ وطمأنينةٌ منْ الإجلالِ والإكرامِ ، وأنْ يُعاملَ منَ التَّشريفِ والتَّكريمِ والتَّعظيمِ بِما يَصونهُ عنْ كُلِّ ما يُخْرِجُهُ عنْ حَدِّ الوقارِ " أ.ﻫ.
                              وأمَّا سَابُّهُ ومُؤْذِيهُ والمُستهزئ بهِ فهو في أحطِّ منزلةٍ وأخَسِّ مرتبةٍ ، فإنْ كانَ مسلماً فإنَّهُ يُصِبحُ مُرتداً بإجماعِ أهلِ العلمِ ، ويُقتلُ كذلكَ بالإجماعِ ولا يُعلمُ لهُ مُخالفٌ بينَ علماءِ المسلمينَ ، وإنَّ كانَ معاهَداً أو ذِمِّياً أو مستأمناً فإنَّ عهدهُ مُنتقِضٌ ويستحقُ أنْ تُضربَ عُنُقُهُ بالسَّيفِ انتصاراً لرسولِ الإسلامِ ونَبِيِّ الأنامِ ، كيفَ لا وربُّنا جلَّ في عُلاه يقولُ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً)الأحزاب57.
                              (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)التوبة : 61.
                              ولقد تكفَّلَ اللهُ سبحانهُ بصيانةِ عرضِ النّّبِيِّ والانتقامِ لهُ فقالَ (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)الحجر : 94 و 95.
                              ومنْ أوجهِ الكفايةِ أنَّ يُكْرِمَ اللهُ ويُنْعِمَ على بعضِ عبادهِ بالذَّوْدِ والدِّفاعِ عنْ نبيهِ بكُلِّ ما يستطيعُ وهي مرتبةٌ عظيمةٌ وشرفٌ كبيرٌ لكُلِّ منْ تصدِّى للدِّفاع عنْ النَِّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاللهُمَّ شَرِّفْنَا بالدِّفاعِ عنْ نبيكَم الكريمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                              إن فضائل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تكاد تحصى كثرةً فهو منّة الله على هذه الأمة (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) آل عمران : 164..
                              امتدحه ربه ورفع منزلته فهو أول من تنشق عنه الأرض, وأول من يدخل الجنة , وله المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون , والحوض المورود واللواء المعقود.. إلى غير ذلك من الفضائل والخصائص التي اختص بها عن غيره , وهي مدونة في كتب الدلائل والشمائل والخصائص والفضائل , لقد شهد بفضل نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القاصي والداني والصديق والعدو , وأنَّى لأحد أن يكتم فضائله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي كالقمر في ضيائها , وكالشمس في إشراقها وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن.
                              يقول الشيخ جمال الدين الصرصري والذي قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية ج6 ص299: الصرصري المادح , الماهر , ذو المحبة الصادقة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه وقد قتله التتار حينما دخلوا بغداد سنة 656 ﻫ.
                              يقول:

                              محمد المبعوث للنــاس رحمةً *** يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح
                              لئن سبَّحت صُمُّ الجبـال مجيبةً *** لداود أو لان الحديـد المصفح
                              فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه *** وإن الحصــا في كفه ليُسَبِّح
                              وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا *** فمن كفه قد أصبح الماء يَطفح
                              وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً *** سليمان لا تألـو تروح وتسرح
                              فإن الصبـا كانت لنصر نبينا *** ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
                              وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت *** لـه الجن تسعى في رضاه وتكدح
                              فإن مفاتيح الكنــوز بأسرها *** أتته فرَدَّ الـــزاهد المترجِّح
                              وإن كـان إبراهيم أُعطي خُلةً *** وموسى بتكليم على الطور يُمنح
                              فهـذا حبيب بل خليل مكلَّم *** وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشرح
                              وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا *** ويشفع للعـاصين والنار تَلْفح
                              وبالمقعد الأعلى المقرَّب نــاله *** عطـــاءً لعينيه أَقرُّ وأفرح
                              وبالرتبة العليـا الوسيلة دونها *** مراتب أرباب المواهب تَلمح
                              ولَهْوَ إلى الجنات أولُ داخلٍ *** لــه بـابها قبل الخلائق يُفْتَح

                              (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم)ٌ [التوبة 8]

                              تعليق



                              • الفرع الثاني


                                (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً)النساء: 159

                                هل أسلم هذا البابا قبل موته ؟





                                لقد أعلن الشيخ عبد المجيد الزنداني أن مخطوطات قمران قد تكون تسببت في موت بابا الفاتيكان يوحنا الثالث والعشرون1963م,عندما حاول الإعتراف والإعلان عن أن هذه المخطوطات قد بينت شخصية المسيح الحق كمايدين به المسلمون وأن دين الإسلام هو الدين الحق, والمسلمون هم الفرقة الناجية,وحينها إعترض سفير إسرائيل لدىالفاتيكان على دعوة البابا,ثم مالبثوا أن وجدوا البابا ميت على فراشه وبعد ذلك عاد الفاتيكان لسابق عهده في عداوته للحق والإسلام وإخفاء حقيقة المخطوطات .
                                http://quran-m.com/container2.php?fun=artview&id=1203


                                منتج الفيلم المسيء للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَيعتنق الإسلام



                                المدينة المنورة - أ ش أ:
                                الأحد , 21 أبريل 2013 12:23
                                لم يتوقع عضو حزب الحرية اليميني الهولندي السابق "أرنود فاندور" أن يدخل الإسلام الحنيف، ويتوجه بعد ذلك لزيارة الحرمين الشريفين، خصوصا أنه كان ينتمي للحزب الذي أسهم في إنتاج الفيلم المسيء لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



                                رافقت صحيفة "عكاظ" السعودية "فاندور" وهو يزور المسجد النبوى الشريف وعيناه تذرفان الدمع عند الروضة الشريفة وقبر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال فاندور: إنه كان ينتمي لأشد الأحزاب تطرفا وعداء للدين الحنيف، مبينا أنه بعد أن شاهد ردود الأفعال ضد إنتاج فيلم الفتنة، بدأ في البحث عن حقيقة الإسلام ليجيب عن تساؤلاته حول سر حب المسلمين لدينهم ورسولهم الكريم.


                                وذكرت الصحيفة أن بكاء فاندور اشتد أثناء وقوفه أمام قبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَحيث جال بخاطره حجم الخطأ الكبير الذى وقع فيه قبل أن يشرح الله صدره للإسلام.
                                وقال فاندور للصحيفة: "إن عملية البحث قادته لاكتشاف حجم الجرم الكبير الذي اقترفه حزبه السابق، وأنه بدأ في الانجذاب إلى الدين الإسلامي، وشرع في القراءة عنه بطريقة موسعة، والاقتراب من المسلمين في هولندا، حتى قرر اعتناق الدين الحنيف".
                                كما زار "جبل أحد"، وقال: كم قرأت عن هذا المكان وهذه المعركة وكم أحببت أن أقف هنا اليوم، وهو شعور أجمل من القراءة والتقى فاندور إمامي المسجد النبوي الشريف الشيخ صلاح البدير، والشيخ علي الحذيفي، وأجرى حوارًا وديًا معهما وتلقى منهما الكثير من الدعم والتوجيهات والنصائح التي تعينه في حياته المستقبلية، وتوجه فاندور إلى معرض المسجد النبوي الشريف واستمع إلى شرح مفصل عن مراحل التوسعة الكبرى للمسجد النبوي الشريف والتي أمر بها خادم الحرمين الشريفين.أعلن أرناود فان دورن أحد المشاركين في إنتاج فيلم “الفتنة ” المسيء للإسلام، عزمه بعد إعلان إسلامه إنتاج فيلم يدافع فيه عن الرسول الأكرم، وذلك في أعقاب عمرة قام بها وزيارة للمدينة المنورة.
                                وقال دورن في ختام زيارته للمدينة المنورة أن “وداع المدينة المنورة أمر محزن، ولكن عزائي أنني ذاهب إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، وسأعود إلى هذه البقاع الطاهرة مرة أخرى في وقت قريب”.
                                وكشف دورن السياسي السابق في حزب الحرية الهولندي عن “فكرة لإنتاج فيلم يتناول إبراز أخلاق وهدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”، وذلك في تصريحات نشرت له اليوم بعد قيامه بزيارة للمدينة المنورة ومكة المكرمة والتقائه بالأئمة والدعاة في الحرمين الشريفين.
                                وقالت صحيفة “عكاظ أون لاين” السعودية التي رافقت فان دورن وهو يزور المسجد النبوي الشريف أنه “بكى عند قبر النبي الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.العجيب أن سبب اسلامههو أنه كان ينوي اصدار فيلماً اخراً يسيء فيه للاسلاموكان يريد ان يجمع مادته من كتبالمسلمين.
                                وعندما بدأ يقرأ في كتبالمسلمينتغيرت لديه الصورة الذهنية التي صبغهاالاعلام في ذهنه عن الاسلامفأسلم والتقى مجموعة من المسلمين هناكواستقال من منصبه السياسي وأخذ يقبل على تعلم الاسلام من منابعه..يقول : أنا نادم على 47 سنة من عمريلم أعرف فيها الاسلاموجدت فيه الراحة والطمأنينة التي كنتأبحث عنها.



                                ارنود فاندوز يستعد للصلاة بعد اسلامه








                                ووصف أرنود خلالزيارته لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، أنه مشروع ضخم يقدم كتاب الله لجميعالمسلمين في جميع أنحاء العالم، وأضاف أنه سعيد جدا بهذا العمل المنظم في واحدة منأكبر المطابع في العالم، وقد رافقت «عكاظ» أرنود بعد ذلك إلى مسجد قباء، حيث التقىأمام وخطيب المسجد الشيخ صالح المغامسي..رابط الخبر على صحيفة عكاظالسعودية

                                http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...130421592416.h
                                Tm









                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 1 أغس, 2023, 06:55 م
                                ردود 0
                                23 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 11 يول, 2023, 05:19 م
                                ردود 0
                                19 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 10 يول, 2023, 07:05 م
                                رد 1
                                21 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 4 يول, 2023, 10:07 م
                                ردود 0
                                15 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 30 يون, 2023, 04:06 م
                                ردود 0
                                17 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة عطيه الدماطى  
                                يعمل...
                                X