من بدائع ابن عاشور في قوله تعالى "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها "

تقليص

عن الكاتب

تقليص

عبدالمهيمن المصري مسلم اكتشف المزيد حول عبدالمهيمن المصري
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من بدائع ابن عاشور في قوله تعالى "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها "

    قال تعالى:
    وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)

    الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ جَمْعٌ مِنَ النَّاسِ بِقَرِينَةِ قَوْله بعده فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ [مَرْيَم: 68] ، فَيُرَادُ مَنْ كَانَتْ هَاتِهِ مَقَالَتُهُ وَهُمْ مُعْظَمُ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ نُزُولِهِ.
    وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفٌ حُذِفَ، أَيِ الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ، كَمَا حُذِفَ الْوَصْفُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [الْكَهْف: 79] ، أَيْ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ.
    وَكَذَلِكَ إِطْلَاقُ النَّاسِ عَلَى خُصُوصِ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [الْبَقَرَة: 21] إِلَى قَوْلِهِ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [الْبَقَرَة: 23] فَإِن ذَلِكَ خِطَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ.
    وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ وَتَعْجِيبٌ مِنْ ذُهُولِ الْإِنْسَانِ الْمُنْكِرِ الْبَعْثَ عَنْ خَلْقِهِ الْأَوَّلِ.

    وَضَمِيرُ لَنَحْشُرَنَّهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْإِنْسانُ [مَرْيَم: 66] الْمُرَادِ بِهِ الْجِنْسُ الْمُفِيدُ لِلِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، أَيْ لَنَحْشُرَنَّ الْمُشْرِكِينَ.

    وَعَطْفُ (الشَّيَاطِينَ) عَلَى ضَمِيرِ الْمُشْرِكِينَ لِقَصْدِ تَحْقِيرِهِمْ بِأَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ مَعَ أَحْقَرِ جِنْسٍ وَأَفْسَدِهِ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الشَّيَاطِينَ هُمْ سَبَبُ ضَلَالِهِمُ الْمُوجِبُ لَهُمْ هَذِهِ الْحَالَةَ، فَحَشَرَهُمْ مَعَ الشَّيَاطِين إنذار لَهُمْ بِأَنَّ مَصِيرَهُمْ هُوَ مَصِيرُ الشَّيَاطِينَ وَهُوَ مُحَقَّقٌ عِنْدَ النَّاسِ

    وَهَذَا الْجُثُوُّ هُوَ غَيْرُ جُثُوِّ النَّاسِ فِي الْحَشْرِ الْمَحْكِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا [الجاثية: 28] فَإِن ذَلِكَ جُثُوُّ خُضُوعٍ لِلَّهِ، وَهَذَا الْجُثُوُّ حَوْلَ جَهَنَّمَ جُثُوُّ مَذَلَّةٍ.

    وَالْمُرَادُ هُنَا شِيَعُ أَهْلِ الْكُفْرِ، أَيْ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ مِنْهُمْ. أَيْ مِمَّنْ أَحْضَرْنَاهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ.

    وَالْمَعْنَى: لِنُمَيِّزَنَّ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ تَجْمَعُهَا مَحَلَّةٌ خَاصَّةً مِنْ دِينِ الضَّلَالِ مَنْ هُوَ مِنْ تِلْكَ الشِّيعَةِ أَشَدُّ عِصْيَانًا لِلَّهِ وَتَجَبُّرًا عَلَيْهِ.
    وَهَذَا تَهْدِيدٌ لِعُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِثْلِ أَبِي جَهْلٍ وَأُمَيَّةَ بْنِ خلف ونظرائهم.

    وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72)

    لَمَّا ذَكَرَ انْتِزَاعَ الَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِالنَّارِ مِنْ بَقِيَّةِ طَوَائِفِ الْكُفْرِ عَطَفَ عَلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ طَوَائِفِ الشِّرْكِ يَدْخُلُونَ النَّارَ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ انْتِزَاعَ مَنْ هُوَ أَشد على الرحمان عُتِيًّا هُوَ قُصَارَى مَا يَنَالُ تِلْكَ الطَّوَائِفِ مِنَ الْعَذَابِ بِأَنْ يَحْسَبُوا أَنَّ كُبَرَاءَهُمْ يَكُونُونَ فِدَاءً لَهُمْ مِنَ النَّارِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَيْ وَذَلِكَ الِانْتِزَاعُ لَا يَصْرِفُ بَقِيَّةَ الشِّيَعِ عَنِ النَّارِ فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى جَمِيعِهِمُ النَّارَ.

    وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَين جملَة فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ [مَرْيَم: 68] إِلَخْ وَجُمْلَةِ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا [مَرْيَم: 73] إِلَخْ ...
    فَالْخِطَابُ فِي وَإِنْ مِنْكُمْ إِلْتِفَاتٌ عَنِ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ لَنَحْشُرَنَّهُمْ ولَنُحْضِرَنَّهُمْ [مَرْيَم: 68] عَدْلٌ عَنِ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ ارْتِقَاءً فِي الْمُوَاجَهَةِ بِالتَّهْدِيدِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَجَالٌ لِلِالْتِبَاسِ الْمُرَادِ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ فَإِنَّ ضَمِيرَ الْخِطَابِ أَعْرَفُ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ. وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ مِنْهُمْ إِلَّا وَارِدُهَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ وَإِنَّ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ قَرَأَ عِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ.

    فَالْمَعْنَى: وَمَا مِنْكُمْ أَحَدٌ مِمَّنْ نُزِعَ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ وَغَيْرِهِ إِلَّا وَارِدٌ جَهَنَّمَ حَتْمًا قَضَاهُ اللَّهُ فَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ، أَيْ فَلَا تَحْسَبُوا أَنْ تَنْفَعَكُمْ شَفَاعَتُهمْ أَوْ تَمْنَعَكُمْ عِزَّةُ شِيَعِكُمْ، أَوْ تُلْقُونَ التَّبِعَةَ عَلَى سَادَتِكُمْ وَعُظَمَاءِ أَهْلِ ضَلَالِكُمْ، أَوْ يَكُونُونَ فِدَاءً عَنْكُمْ مِنَ النَّارِ.

    وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [الْحجر: 42، 43] ، أَيِ الْغَاوِينَ وَغَيْرِهِمْ. (يعني من المتبعين)

    وَعِلَاوَةٌ عَلَى ذَلِكَ نُنْجِي الَّذِينَ اتَّقَوْا مِنْ وُرُودِ جَهَنَّمَ. وَلَيْسَ الْمَعْنَى: ثُمَّ يُنْجِي الْمُتَّقِينَ مِنْ بَيْنِهِمْ بَلِ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ نَجَوْا مِنَ الْوُرُودِ إِلَى النَّارِ. وَذِكْرُ إِنْجَاءِ الْمُتَّقِينَ: أَيِ الْمُؤْمِنِينَ، إِدْمَاجٌ بِبِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَثْنَاءِ وَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ.

    فَضْل اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَتَشْرِيفهُمْ بِالْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ يُنَافِي أَنْ يَسُوقَهُمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مسَاقًا وَاحِدًا، كَيْفَ وَقَدْ
    صَدَّرَ الْكَلَام بقوله فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ [مَرْيَم: 68] وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [مَرْيَم: 85، 86] ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اخْتِلَافِ حَشْرِ الْفَرِيقَيْنِ.

    (مختصر من التحرير و التنوير)




مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 1 أغس, 2023, 06:55 م
ردود 0
19 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 11 يول, 2023, 05:19 م
ردود 0
18 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عطيه الدماطى  
ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 10 يول, 2023, 07:05 م
رد 1
20 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 4 يول, 2023, 10:07 م
ردود 0
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عطيه الدماطى  
ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 30 يون, 2023, 04:06 م
ردود 0
15 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عطيه الدماطى  
يعمل...
X