الجوانب القانونية في سورة يوسف ..الإصدار قبل الأخير

تقليص

عن الكاتب

تقليص

المهندس زهدي جمال الدين مسلم اكتشف المزيد حول المهندس زهدي جمال الدين
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    المطلب الثالث

    الكفالة

    مفهوم الكفالة وإجراءات انعقادها
    النظام القانوني للكفالة: لقد حرمت الشريعة السمحاء التبني بعدما كان معمولا به في الجاهلية قبل الإسلام، لقد كان النبي محمدا صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل النبوة متبنيا زيد بن حارثة والذي كان يدعى في ذلك الوقت زيد بن محمد، مثل باقي العرب في تلك الحقبة من الزمن، وبمناسبة هذه الواقعة انزل الله عز وجل الآيتين من سورة الأحزاب وقال تعالى :﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (الأحزاب: 5) .
    إلا أن هذا التحريم كان له بديل وذلك لحماية شريحة في المجتمع التي كانت ضحية تصرفات سلبية التي نتج عنها الأطفال مجهولي النسب و اللقطاء وهذا البديل يتمثل في نظام الكفالة الذي عملت به العديد من الدول الإسلامية ، منها الدولة الجزائرية التي استبعدت نظام التبني طبقا للمادة 46 من قانون الأسرة وأعطت له البديل بمقتضى أحكام المواد 116 إلى 125 من قانون الأسرة مقتدية بذلك أحكام الشريعة الإسلامية ، ولمعرفة هذا النظام بوسعنا أن نتطرق لأهم الإشكاليات التي يطرحها هذا الموضوع ،لكي نزيل كل التباس عالق في ذهن كل عارف .
    فالإشكالية الأولى التي يمكن طرحها تتمحور حول: ما مفهوم الكفالة بشكل عام وما هي إجراءات انعقادها؟.
    أما الإشكالية الثانية فيمكن طرحاها كما يلي:
    ما هو مضمون عقد كفالة القاصر وما هي الآثار المترتبة عليه؟. سيما في كيفية تغيير لقب المكفول المجهول النسب ومنحه لقب الكافل وأهم الآثار المترتبة على ذلك.
    وعليه فإن مصطلح الكفالة له عدة معاني فمنها ما يعني ضمان الدين ومنها ما يعني الولاية على الشخص ومنها ما يعني الولاية على المال ومنها ما يعني الولاية على النفس القاصر وماله، لكن ما يهمنا نحن في هذا المبحث هو كفالة القاصر من ناحية المال والنفس وعليه فإننا سنتطرق في هذا المبحث إلى مفهوم الكفالة في فرع أول وإجراءات انعقادها في فرع ثاني


    الفرع الأول

    مفهوم الكفالة

    وفي هذا الصدد نتعرض إلى تعريف الكفالة بمختلف مقاصدها مركزين على الكفالة بمفهوم قانون الأسرة وأهم خصائصها مع تميزها عن التبني مبرزين طبيعتها القانونية.
    أولا: تعريف الكفالة: يمكن تعريفها بحسب المعنى اللغوي: الضم، ومنه قول الله تعالى ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (آل عمران:37).
    فهي من: كفل يكفل كفالة، إذا فالكافل هو القائم بأمر اليتيم والمربي له.
    تعريف الكفالة وخصائصها
    أولاً: تعريف الكفالة:
    الكفالة عقد بمقتضاه يلتزم شخص يسمى (الكفيل) بتنفيذ التزام ما. وذلك بأن يتعهد للدائن والذي يسمى (بالمكفول له) بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه، والذى يسمى (بالمكفول عنه).
    من هذا التعريف يمكن استخلاص عناصر الكفالة وهى :
    1- الكفالة عقد ينعقد بين الكفيل والدائن، أما المدين فهو ليس طرفاً في عقد الكفالة بل إن الكفالة تجوز بغير علمه، بل وتجوز رغم معارضته، على أنه نادراً ما يحصل ذلك في العمل، لأن الكفيل لا يتقدم عادة للضمان إلا بناء على طلب المدين، فالمدين صاحب المصلحة في تقديم الكفيل لأنه قد يتعذر عليه الحصول على الثقة والائتمان بدونه.
    ولا يوجد ما يحول قانونا أن يكفل شخص واحد الوفاء بالالتزامات المترتبة في ذمة طرفين في عقد واحد كأن يتعهد الكفيل للمشترى بأن يفي البائع بالتزامه بتسليم المبيع، ويتعهد ذات الكفيل للبائع بأن يفي المشتري بالتزامه بدفع الثمن. وعندئذ ينعقد عقد الكفالة بين كل من المتعاقدين باعتبار كل منهما دائنا للآخر بالالتزامات المترتبة لكل منهما في ذمة الآخر بمقتضى عقد البيع المبرم بينهما.
    2- الكفالة تقوم على أساس وجود التزام أصلى يقع على عاتق المدين لصالح الدائن، ويتعهد الكفيل بالوفاء به إن لم يف به المدين نفسه. ويكون هذا الالتزام في الغالب، مبلغاً من النقود، وقد يكون إعطاء شيء غير النقود. كما قد يكون عملاً، أو امتناعا عن عمل، فإن لم يوجد هذا الالتزام الأصلي كان محل التزام الكفيل مستحيلا في ذاته، وبالتالي يكون عقد الكفالة باطلاً بطلانا مطلقا.

    تعليق


    • #17
      الفرع الثاني
      إجراءات انعقادها
      خصائص عقد الكفالة

      يتميز عقد الكفالة بالخصائص الآتية:
      1- الكفالة عقد ضمان شخصي:
      تستهدف الكفالة ضمان الوفاء بالتزام ناشئ عن مصدر آخر غير عقد الكفالة فهي إذن ضمان من الضمانات أو التأمينات تكفل للدائن الحصول على حقه. ولكنها لا تخول هذا الدائن سلطة على شيء معين مما يملكه الكفيل، بل تقتصر على أنها تخول الدائن سلطة مطالبة الكفيل بالوفاء بالالتزام المضمون في ذمته، بحيث يكون له أن ينفذ على كل أمواله، ولذا توصف مسئولية الكفيل بأنها مسئولية شخصية لا مسئولية عينية.
      وهذا هو ما يميز الكفالة الشخصية عن الرهن، ففي الكفالة الشخصية يُسأل الكفيل عن تنفيذ الالتزام مسئولية شخصية، بينما في الرهن يكون الراهن غير المدين وعندئذ يسمى بالكفيل العيني فَيُسأل عن الدين المضمون مسئولية عينية، أي لا يكون للدائن أن ينفذ إلا على المال المرهون فقط، فالكفيل العيني لا يسأل إلا في حدود المال المرهون، وترتيبا مسئولا في جميع أمواله لا في مال معين بالذات، ولكن لا يكون للدائن في الكفالة الشخصية إلا الضمان العام لكل دائن في أمواله مدينه وعلى يمكن أن يزاحمه سائر دائني الكفيل الشخصي.
      وتوصف الكفالة بأنها ضمان شخصي، وهذه الصفة تميزها عن مصطلح الكفالة المستخدم بشأن دفع مبلغ نقدى أو أوراق مالية ككفالة أو كضمان لما ينشأ في ذمة بعض الأشخاص من التزامات بسبب قيامهم بعملهم: كالصيارفة والأمناء والمحصلين، ومن يرسو عليهم المزاد، وأعضاء مجالس إدارة الشركات فهذا بمثابة رهن حيازي، أي تأمين عيني يرد على المال المقدم على سبيل الضمان.
      كذلك تتميز الكفالة، باعتبارها ضمان شخصي، عن مصطلح الكفالة المستخدم بشأن ما يدفعه المتهم من مال في المواد الجنائية عند الإفراج عنه مؤقتاً أو بشأن تعهد شخص بإحضار المفرج عنه، فهذه إحدى نظم القانون الجنائي.
      2-الكفالة عقد تابع:
      تستهدف الكفالة ضمان تنفيذ الالتزام الذى يعقده المدين المكفول إن لم يف به، ولذا فالكفالة تابعة لهذا الالتزام ومن ثم فيوصف عقد الكفالة بأنه عقد تابع فهو ليس عقدا مقصودا لذاته، ويترتب على هذه التبعية النتائج الآتية:
      أ- لا يجوز أن يكون التزام الكفيل أشد من الالتزام الأصلي.
      ب- التزام الكفيل يتبع الالتزام الأصلي في صحة، وفى بطلانه، وفى قابليته للفسخ، وفى الدفوع التي يدفع بها الكفيل في مواجهة الدائن، ويعد ذلك تطبيقاً للقاعدة الشهيرة التابع يتبع المتبوع، والفرع يتبع الأصل.
      جـ - يختلف التزام الكفيل عن التزام المدين المتضامن مع غيره من المدينين، فالمدين المتضامن يعد مدينا أصليا وملتزما بالتزام أصلى مع باقي المدينين، ولا يعتبر كفيلا لهم، ومن ثم فللدائن أن يطالب المدين المتضامن بالدين كله دون أن يكون من حق هذا المدين أن يدفع في مواجهة الدائن بوجوب مطالبة المدينين الآخرين أولا.
      أما الكفيل فالتزامه يأتي في الدرجة الثانية، فهو لا يلتزم بالوفاء إلا إذا لم يقم به المدين نفسه، ولذا فمن حق الكفيل أن يدفع بوجوب البدء بالرجوع على المدين، وأن يدفع بتجريد المدين من أمواله، وله الحق في الدفع بالتقسيم وكذلك الحق في الدفع بعدم إضاعة الدائن للتأمينات.
      كذلك يختلف التزام الكفيل عن التزام المتعهد في عقد المتعهد عن الغير – فالتزام هذا الأخير هو التزام أصلى محله أن يجعل الغير يلتزم بأمر معين بينما التزام الكفيل هو تنفيذ التزام المدين إن لم يقم بتنفيذه بنفسه.
      كذلك تختلف الكفالة عن عقد الإنابة في الوفاء فإن كانت الإنابة كاملة فإن ذمة المدين تبرأ قبل المناب لديه، وعندئذ فلا تتشابه الكفالة مع الإنابة أما إذا كانت الإنابة ناقصة حيث يبقى المنيب مدينا مع المناب فيوجد للدائن مدين أصلى (المنيب) ومدين جديد هو (المناب) فحالتئذ يبدو التشابه بين الكفالة والإنابة إلا أنهما يبقيان رغم ذلك متميزان .
      فمن ناحية أولى لا يعد المناب كفيلا لأنه لا يتعهد بتنفيذ الالتزام إذا لم يف به المدين الأصلي وإنما يتعهد به تعهدا مستقلا غير تابع.
      ومن ناحية ثانية، وترتيبا على ما سبق، فإن للدائن حق الرجوع على المناب أولاً بينما في الكفالة لا يجوز للدائن الرجوع على الكفيل وحده إلا بعد رجوعه على المدين.
      كذلك ليس للمناب أن يدفع بالتجريد في حين أن الكفيل له أن يفعل ذلك.
      3-عقد رضائي:
      الأصل في العقود هو الرضائية، أي أن العقد يتم بمجرد تراضى الطرفين عليه دون حاجة لأن يفرغ هذا الرضاء في شكل معين كالكتابة مثلاً.
      ويخضع عقد الكفالة لهذا الأصل، ذلك أن النصوص المنظمة لعقد الكفالة لم تتطلب لانعقاده شكلا خاصا، أما ما تنص عليه المادة 773 مدنى من وجوب إثبات الكفالة بالكتابة فيعنى أن الكتابة مطلوبة لإثبات الكفالة لكنها ليست ضرورية لانعقادها، فهي تنعقد بمجرد التراضي، وتثبت بالكتابة أو بما يقوم مقام الكتابة وهو الإقرار أو اليمين.
      4-الكفالة عقد ملزم لجانب واحد:
      الأصل أن الكفالة عقد ملزم لجانب واحد والملتزم هو الكفيل إذ يلتزم بأن يفي بالدين إن لم يف به المدين، أما الدائن فلا يلتزم عادة بشيء تجاه الكفيل.
      ولكن قد يشترط الكفيل على الدائن الحصول منه على عوض فيلتزم الدائن بدفع عوض مقابل الكفالة وعندئذ تصبح الكفالة عقداً ملزما للجانبين (الدائن والكفيل) وهذا شأن البنوك التي تحترف كفالة الغير فيصبح البنك بمقتضى عقد الكفالة كفيلا يكفل الوفاء بالدين إن لم يف به المدين المكفول عنه.
      والكفالة باعتبارها عقد ملزم لجانب واحد لا تتم إلا بوجود إرادتين متطابقتين هما إرادتي الدائن والكفيل، وهى خلاف التصرف الانفرادي الذى يصدر من جانب واحد، وعليه فلا تكفى إرادة الكفيل لكى ينعقد عقد الكفالة بالرغم من أنها تتم عادة لمصلحة الدائن.
      5- الكفالة عقد تبرع في الأصل:
      الأصل، والصورة المألوفة للكفالة، هو أنها عقد تبرعي بالنسبة للكفيل، ذلك أنه لا يحصل في العادة على مقابل لما يتعهد به لا من الدائن ولا من المدين.
      ولكن قد يصبح عقد الكفالة معاوضة بالنسبة للكفيل، وذلك إذا أخذ الكفيل مقابلاً لكفالة الدين من الغير وهو المدين، أو من الدائن وهو المتعاقد الآخر في عقد الكفالة ومقابل ذلك يحصل المدين من الدائن على القرض، أو يمد له أجل الدين.
      وإذا كان من الواضح أن الذى يدفع المقابل يكون من الغير وهو المدين وحيث أن المدين ليس طرفا في عقد الكفالة، فقد يقال أن العقد تبرع وليس معاوضة إلا أنه ليس من الضروري لكى يعد العقد معارضة أن يكون الذى يدفع المقابل، أو الذى يحصل على القرض هو المتعاقد الآخر.
      كذلك تعد الكفالة معاوضة بالنسبة للدائن، فهو يحصل على الضمان مقابل إعطاء الدين، أو مد أجل الدين.
      وتظهر أهمية تحديد ما إذا كانت الكفالة معاوضة أو تبرعاً بشأن بعض المسائل مثل تحديد الأهمية اللازمة لإبرامها وتحديد شروط الطعن بدعوى عدم نفاذ التصرف، وفى معرفة مدى سلطة الوكيل في إبرام عقد الكفالة.
      6- عقد الكفالة عقد مدنى :
      يترتب على اعتبار الكفالة من أعمال التبرع أنها تأخذ صفة العمل المدني حتى ولو كان الكفيل تاجراً، وكان الالتزام المكفول التزاما تجاريا بل وحتى ولو كان كل من الدائن والمدين تاجرا وكان الكفيل نفسه تاجرا أيضا وهذا ما تؤكده المادة 779 مدنى وأساس ذلك هو أن الأصل في الكفيل أن يكون متبرعا لا مضاربا ، والعمل التجاري يقوم على فكرة المضاربة الأمر الذى يتعارض مع نية التبرع، وإذن فالكفيل يقوم بعمل مدنى لا تجارى.
      وتبدو أهمية تحديد تكييف أن الكفالة عمل مدنى أم تجارى بشأن عدة مسائل منها مسألة تحديد المحكمة المختصة إذ يكون الاختصاص للمحكمة المدنية إذا كان الكفيل هو المدعى عليه، وفى مسألة الإثبات حيث تثبت الكفالة بالنسبة إلى الكفيل بالطرق المدنية في الإثبات وفى مسألة تحديد سعر الفائدة فتحسب الفوائد التأخيرية على الكفيل بالسعر المدني لا بالسعر التجاري، هذا إذا كانت الكفالة عملا مديناً.
      ورغم عمومية النص التي يفهم منها أن الكفالة عمل مدنى، إلا أن المشرع يبدو أنه يتكلم عن الحالة العادية، وهى أن الكفيل يكون متبرعاً بالكفالة لا يأخذ فيها مقابلا ولذا فلا يوجد ما يمنع من اعتبار الكفالة عملا تجاريا في حالات معينة وهذه الحالات أوردتها المادة 579/2 مدنى على سبيل الاستثناء واعتبرت فيها الكفالة عملا تجاريا، وهذه الحالات هي:
      الحالة الأولى: إذا كانت الكفالة ناشئة عن ضمان الأوراق التجارية ضمانا احتياطياً فالتزام الضامن الاحتياطي وهو كفيل للساحب أو المحيل يعتبر التزاما تجاريا لا مدنيا.
      الحالة الثانية: إذا كانت الكفالة ناشئة عن تظهير الأوراق التجارية، فالورقة التجارية الإذنية تنتقل ملكيتها بالتحويل، وهذا التحويل يتم بالتظهير وكل محيل للورقة التجارية الإذنية يعتبر كفيلا بالتضامن مع المدين، والالتزام الذى يترتب في ذمته، باعتباره كفيلا، يعد التزاما تجارياً لا مدنيا.
      وفى الحالتين تتأتى الصفة التجارية للكفالة من شكل الورقة التجارية.
      وتوجد بعض حالات استثنائية أخرى نص عليها قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1996 وهى:
      حالة أن يكون الكفيل بنكا وحالة أن يكون الكفيل تاجرا وله مصلحة في الدين المفكول.
      الواقع أن القانون التجاري القديم كان يأخذ بهاتين الحالتين إذ كان مقتضى تطبيق قواعد هذا القانون المتعلق ببيان الأعمال التجارية بطبيعتها أو بنص القانون، هو أن الكفالة تعد عملا تجاريا إذا كان الكفيل تاجرا، ومحترفا كفالة الأشخاص بمقابل، وأن كل كفالة البنك أو المصرف لشخص ما تعتبر عملا تجارياً.


      تعليق


      • #18
        المبحث الثالث

        الآيات المتصلة بالقانون المدني

        ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ الآية رقم 20 (البيع بثمن بخس).
        ﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ الآية رقم 59 من سورة يوسف. (الشرط الواقف).
        ﴿ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ الآية رقم72 (الوعد بجائزة أو الجعالة).
        ﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ. الآية رقم 66 من سورة يوسف (القوة القاهرة وأثرها على الالتزام).
        يعد القانون المدني الشريعة العامة لمختلف فروع القانون بوجه عام، وتزداد أهميته فيما يتعلق بفروع القانون الخاص فهو المرجع في حال خلو أي فرع من فروع القانون الخاص من الحكم اللازم للفصل في النزاع
        المعروض على القاضي، وقد وردت في سورة يوسف آيات تشير إلى أنظمة قانونية أخذت طريقها إلى القانون المدني، وستعالج المطالب التالية أبرز ماورد في سورة يوسف من معاملات وأحكام تتصل بالقانون المدني، وبيان الهدي القرآني فيها وبحث هذه المعاملات والأحكام في ضوء أحكام القانون المدني المصري مقارنة بالدول الأخرى ذات الصلة.

        تعليق


        • #19
          المطلب الأول

          البيع بثمن بخس

          قال تعالى: ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ يوسف:20. لم يصرح النص القرآني بحكم البيع بثمن بخس، وكذلك فعل القانون المدني المصري، ولذلك يمكن القول بأن عقد البيع يصح رغم كون الثمن المسمى بخسا ولا يتناسب مع قيمة المبيع.
          محكمة النقض المصرية
          الطعن رقم ٤٩٥ لسنة ٧٦ قضائية
          الدوائر المدنية - جلسة ٢٠١٣/٠٥/١٢
          العنوان:
          بيع " أركان عقد البيع: الرضا: البيع البات: عيوب الرضا: الغبن " " الثمن " "التزامات المشترى: الالتزام بتكملة الثمن في حالة الغبن في البيع " " صورية عقد البيع: أثرها " حكم " عيوب التدليل: مخالفة القانون والقصور في التسبيب " صورية " العقود والتصرفات القانونية التي ترد عليه الصورية: الصورية في عقد البيع " الطعن بالصورية: الطعن بالصورية من الوارث على التصرف الصادر من مورثه “. عقد أركان العقد وشروط انعقاده: عيوب الرضا: الغبن". وصية " طعن الوارث في تصرفات مورثه بأنه يستر وصية"
          الموجز:
          الثمن البخس. ماهيته. ما يقل كثيراً عن قيمة المبيع. اعتباره ثمناً جدياً قصد البائع أن يتقاضاه. اعتبار العقد صحيحاً ومنجزاً معه. طلب البائع إبطاله أو تكملة الثمن. شرطه. وقوع البيع على عقار وكونه صادراً من غير ذي أهلية وأن يزيد الغبن على الخمس. للبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل. م ٤٢٥ مدني. علة ذلك.
          القاعدة:
          الثمن البخس ( في عقد البيع ) فهو الذى يقل كثيراً عن قيمة المبيع ولكنه ثمن جدى قصد البائع أن يتقاضاه ، وهو بهذا الوصف لا يمنع من صحة البيع وتنجيزه ، ولا يملك البائع أن يطلب إبطاله أو تكملة الثمن إلا إذا كان البيع واقعاً على عقار وصادراً من غير ذي أهلية وكان فيه غبن يزيد على الخمس فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل طبقاً للمادة ٤٢٥ من القانون المدني (٤) ، ذلك أنه لا يشترط أن يكون المقابل في عقد البيع متكافئاً مع قيمة المبيع ، بل كل ما يُشترط فيه ألا يكون تافهاً ، فالثمن البخس يصلح مقابلاً لالتزامات البائع .
          (موقع محكمة النقض المصرية)
          https://www.cc.gov.eg/judgment_singl...62334&ja=59018.
          والثمن البخس هو الثمن الذي يقل عن قيمة المبيع كثيرا ولكنه ثمن جدي قصد البائع أن يتقاضاه كما قصد المشتري أن يدفعه نظير حصوله على المبيع (المرجع السابق).
          وقد عرفه البعض بأن الثمن الذي يقل كثيرا عن قيمة المبيع بشكل خارج عن المألوف وعن تقويم المقومين (الزعبي محمد يوسف العقود المسماة: شرح عقد البيع في القانون الأردني دار النشر , 1999, ص 166)، وفي اللغة (ثمن بخس) دون ما يحب.
          وقوله عز وجل: ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ أي ناقص دون ثمنه (ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين " لسان العربي ").
          وإذا كانت القاعدة أن عقد البيع ينعقد صحيحا نافذا لازما ولو كان الثمن بخسا إلا أن المؤثر في عقود المعاوضات المالية، بأن كان المتعاقد ضحية تغرير نتج عن غبن فاحش وفق النظام الذي حدده القانون المدني المصري والذي يعتبر التغرير المقترن بالغبن الفاحش سببا لعدم لزوم العقد لصالح المتعاقد الذي وقع ضحية للتغرير والتحايل. (جمعة، عبد الرحمن، المرجع السابق، أنظر أيضا الزعبي، محمد يوسف " العقود المسماة: شرح عقد البيع في القانون الأردني دار النشر , 1999 , ص 166.).
          وحيث يبدو واضحا من جو النص القرآني أن السيارة الذين عثروا على سيدنا يوسف عليه السلام لم يكونوا مهتمين بالاحتفاظ به فيستبعد احتمال تعرضهم لتغرير من أي نوع، كما يستبعد أن يكونوا قد شعروا بالغبن لبيع سيدنا يوسف بثمن بخس بدليل قوله تعال ﴿ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ.
          وعلى ذلك جرى حكم بيع سيدنا يوسف صحيحا نافذا لازما لاستبعاد شبهة التغرير المقرون بالغبن الفاحش. لكن اللافت أن هذا البيع وقع على آدمي حر هو سيدنا يوسف عليه السلام وهو باطل من هذه الناحية أيا ما كان الثمن الذي بيع به نبي الله يوسف، وقد نصت المادة 210 من مجلة الأحكام العدلية العثمانية على ما يلي بيع ما لا يعد مالا بين الناس والشراء به باطل.
          مثلا لو باع جيفا أو آدميا حرا واشترى بهما مالا فالبيع والشراء حرام.
          وعلى أهمية النص الوارد في مجلة الأحكام العدلية العثمانية لتناوله حالة بطلان البيع إذا وقع على ما لا يعد مالا، إلا أنه لم يوضح الحكم الخاص بالبيع لو وقع على ما يعد مالا ولكنه جرى بثمن بخس.
          ولعل من المفيد أن يوضح المشروع المصري موقفه من عقد البيع إذا تم بثمن بخس نظرا لما يحيط بهذا البيع من شبهات، ذلك أن الإنسان الراشد لا يقايض الشيء بما يعادل أو يدانيه في القيمة إلا إذا كان حصوله على الشيء المراد بيعه بثمن بخس قد تم بطريقة غير شرعية كالسرقة أو اللقطة مثلا.
          وعلى المشرع في هذا الصدد أن يضع معيارا لتقدير ما إذا كان الثمن المسمى في عقد البيع بخسا، وألا يترك الأمر مفتوحا لاجتهادات قد تؤدى إلى الاختلاف وتعارض الأحكام. (تعتبر مجلة الأحكام العدلية العثمانية مصدرا تاريخيا والتي تقضي " بلغي العمل بما يتعارض مع أحكام هذا القانون من مجلة الأحكام العدلية.). https://maqam.najah.edu/legislation/158/



          تعليق


          • #20
            المطلب الثاني

            الشرط الواقف

            قال تعالي: ﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ الآية رقم 59 من سورة يوسف.
            يتضمن هذا النص القرآني ما صار يعرف في فقه القانون المدني بالشرط، الذي ينبني على تحققه أو عدم تحققه نفاذ التصرف القانوني أو فسخه واعتباره بحسب نوع الشرط.
            الشرط في القانون المدني المصري
            الشرط امر مستقبل وغير محقق الوقوع ويترتب على تحققه وجود الالتزام او زواله وقد نص المشرع على ذلك في المادة 256 مدني بقوله (يكون الالتزام معلق على شرط إذا كان وجوده او زواله مترتبا على امر غير محقق الوقوع) والشرط ينقسم الى نوعين شرط واقف وشرط فاسخ ويقصد بالشرط الواقف الشرط الذي يتعلق وجود الالتزام على تحققه.
            واما الشرط الفاسخ فهو الشرط الذي يؤدي تحققه الى زوال الالتزام.
            ومن المعروف في العقود وخاصة تلك المدنية ، أنه بمجرد انعقاد العقد بين الطرفين مراعيا ذلك الشروط الشكلية والموضوعية ينتج آثارا قانونية كإنشاء حقوق والتزامات تقع على عاتق كل الطرفين في العلاقة التي بموجبها انعقد العقد بينهما ، وكما أنه يجب تنفذ العقد تنفيذا فوريا دون تباطؤ أو تعطيل أو تملص أو مماطلة ، وهذا هو الأصل في العقود ، أي بمعنى آخر أن العقد عندما ينعقد صحيحا مستوفيا الشروط الشكلية والشروط الموضوعية يتم تنفيذها فورا.
            الشرط الواقف في العقد :
            إلا أن هذا الأصل ليس دائما مطلقا ، بل يرد عليه استثناء وهو في حالة ورود في العقد شرطا يتفق عليه الطرفين سواء تم الاتفاق على الشرط أثناء الانعقاد مجلس العقد ، أم تم لاحقا أي بعد انتهاء مجلس العقد.
            والشرط الذي يرد في العقد إما أن يكون قيدا يعيق تنفيذ العقد فور انعقاده ، وإما أن يكون واضعا لحد العقد ، بمعنى أن يجعل منه نهاية حياة العقد . وهذا هو الشرط الواقف في العقد:
            ويقصد به أن العقد لا ينفذ بحق أحد أطرافه، إلا إذا تحقق الشرط الذي يوقف نفاذ العقد، ولتوضيح هذا القول لنأخذ هذا المثال :
            رجل قال لصديقه بعت لك سيارتي هذه بكذا جنيها مصرياً بشرط ، تزوجني أختك ، فوافق صديقه بهذه البيعة .
            فهنا العقد صحيح ومستوفي شروطه الشكلية والموضوعية ، إلا أنه غير نافذ على أحد الطرفين ، وبالتالي يكون العقد موقوف ما بقى الشرط دون تحققه ، وما أن يتحقق الشرط ينفذ العقد ، وهو في هذا المثال تحقق واقعة زواج الرجل بأخت صديقه . لذلك أطلق عليه بالشرط الواقف أي يوقف العقد من النفاذ بحيث لا ينتج أي أثر قانوني اتجاه أطراف العقد .
            الشرط الفاسخ في العقد :
            ويقصد به أن العقد يبقى منتجا آثاره بحق أطرافه ومستمرا في ذلك ، إلى أن يتحقق الشرط الذي يوقف آثار العقد ، ولتوضيح هذا القول لنأخذ هذا المثال :
            رجل سمح لصديقه أن يستعمل سيارته كل يوم ، وأشترط عليه بأن لا يرتكب مخالفة السير أبدا ، فهذا عبارة عن عقد رضائي بين الطرفين ينتج آثاره وهي السماح للصديق باستعمال سيارة الرجل ، ويستمر هذا الإنتاج ما لم يرتكب الصديق مخالفة السير ، فما أن يرتكب الصديق مخالفة السير ، ينتهي العقد فورا . لذلك أطلق عليه بالشرط الفاسخ أي يفسخ العقد وتنتهي الالتزامات المترتبة على أطراف العقد.
            ملاحظة حول الشرطين:
            ويمكن أن نلاحظ في الشرط الواقف، على أنه مكافأة يقدمها أحد أطراف العقد للآخر إذا ما حقق الهدف الذي يرجو منه تحقيقه من قبل الطرف المكافئ.
            أما ما يلاحظ عنه في الشرط الفاسخ، عبارة عن عقوبة يفرضها مسبقا أحد أطراف العقد، إذا أخلى الطرف الآخر بموضوع العقد.
            والشرط عموما هو أمر مستقل غير محقق الوقوع يترتب عليه وجود الالتزام، أو زواله " ويكون شرطا واقفا في الحالة الأولى وشرطا فاسخا في الثانية (وقد نص المشرع على ذلك في المادة 256 مدني بقوله (يكون الالتزام معلق على شرط إذا كان وجوده او زواله مترتبا على امر غير محقق الوقوع).
            فيوسف عليه السلام أعد لإخوانه البضاعة التي طلبوها، وجهزها لهم آخذا بعين الاعتبار إعطائهم حصة من المؤون والحبوب لأبيهم وأخيهم الذين لم يأتيا معهم إلى مصر، لكنه تحفظ على إتمام العقد في العام القادم بهذه الزيادة مشترطا على إخوته إحضار أخ لهم من أبيهم، وأتم الشرط بقوله ﴿ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي وهكذا فكأن البيع في العام القادم لن يكون منجزا بل سيكون معلقا على شرط ينفذ بتحققه وهو احضار إخوته لأخ لهم من أبيهم، ويفسخ إذا هم لم يحققوا الشرط ولم يحضروا أخاهم من أبيهم.
            ومما يلاحظ أن تعليق الكيل في العام القادم على قيام اخوة يوسف بإحضار أخيهم من أبيهم لم يكن شرطا مستحيلا ولا هو مخالف للنظام العام أو الآداب، فقد استطاع الأخوة إحضار أخيهم من أبيهم، فقالوا الكيل الذي وعدوا به، وتتابعت الأحداث عندها فيما يتعلق بفقدان صواع الملك، ونجاح سيدنا يوسف باستبقاء أخيه لديه.
            حكم الشرط غير المشروع
            في مصر نصت المادة 266 من القانون المدني على أنه:
            1-لايكون الالتزام قائما إذا علق على شرط غير ممكن او على شرط مخالف للآداب او النظام العام هذا اذا كان الشرط واقفا اما اذا كان فاسخا فهو نفسة الذى يعتبر غير قائم
            2_ ومع ذلك لا يقوم الالتزام الذى علق على شرط فاسخ مخالف للآداب او النظام العام اذا كان هذا الشرط هو السبب الدافع للالتزام .
            وعلى ضوء هذا النص يمكن القول بأن المشرع المصري يفرق بين الشرط الواقف والشرط الفاسخ في مجال الشرط غير المشروع فاذا كان الشرط غير المشروع واقفا فلا يقوم الالتزام وذلك لاختلاط الشرط الواقف بالباعث الدافع الى قيام الالتزام ومن المعروف ان الباعث غير المشروع يؤدى الى بطلان التصرف واما اذا كان الشرط غير المشروع فاسخا فأن المشرع يقصر البطلان على الشرط فقط ويبقى الالتزام قائما غير مهدد بالزوال الا اذا ثبت ان هذا الشرط هو الباعث الدافع الى قيام الالتزام فان البطلان يمتد ليشمل الى جانب الشرط التصرف نفسه فيصبح باطلا .
            جاء في محكمة النقض المصرية
            الطعن رقم ١١٩٢٢ لسنة ٨١ قضائية
            دوائر الايجارات - جلسة ٢٠١٨/٠٥/٠٧
            العنوان: حق " إسقاط الحق والنزول عنه “. عقد " فسخ العقد “.
            الموجز: ثبوت تحقق الشرط الفاسخ الصريح الوارد بعقد الإيجار محل التداعي بتخلف المطعون ضدهما عن الوفاء بالأجرة المستحقة عليهما للطاعنين. قضاء الحكم المطعون فيه برفض دعوى الفسخ معتبراً اعتراض الطاعنين على قيمة الأجرة المعروضة عليهما في تاريخ لاحق على تحقق الشرط الفاسخ بمثابة إسقاط لحقهما في التمسك بذلك الشرط بعد تحققه. خطأ وفساد.
            القاعدة:
            إذ كان الثابت أن عقد الإيجار موضوع النزاع قد أبرم في ظل القانون ٤ لسنة ١٩٩٦ وتطبق في شأنه أحكام القانون المدني وتضمن العقد شرطاً فاسخاً صريحاً بالنص في بنده الثالث على إنه " إذا تأخر المستأجر عن دفع القيمة الإيجارية في المواعيد المحددة لمدة أكثر من أسبوع فللمالك الحق في أن يلزمه بدفع الأجرة أو المصاريف وبفسخ العقد بدون الحصول على حكم قضائي بعد التنبيه عليه كتابة ، وإذ تخلف المطعون ضدهما عن الوفاء بالأجرة المستحقة عن الفترة من ١ / ١١ / ٢٠٠٧ حتى ٣١ / ١٠ / ٢٠٠٨ وأبدى الطاعنان رغبتهما في الفسخ بالإنذار المعلن للمطعون ضدهما بتاريخ ٢٠ / ٩ / ٢٠٠٨ فإن المخالفة الموجبة لفسخ عقد الإيجار سند الدعوى تكون قد توافرت في حق المطعون ضدهما إعمالاً لهذا الشرط الصريح الفاسخ ويكون عرض المطعون ضدهما الأجرة المتأخرة بجلسة ٧ / ٣ / ٢٠١١ أي في تاريخ لاحق على تحقق الشرط الفاسخ الوارد في عقد الإيجار ليس من شأنه أو شأن تحفظ الطاعنين عليه لكونه غير مبرئ لذمة المطعون ضدهما أن يعيد العقد بعد انفساخه . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر اعتراض الطاعنين على قيمة الأجرة المعروضة بمثابة إسقاط لحقهما في التمسك بالشرط الفاسخ الصريح بعد تحققه فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون.
            https://www.cc.gov.eg/judgment_singl...5920&ja=247519

            تعليق


            • #21
              المطلب الثاني

              الشرط الواقف

              قال تعالي: ﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ الآية رقم 59 من سورة يوسف.
              يتضمن هذا النص القرآني ما صار يعرف في فقه القانون المدني بالشرط، الذي ينبني على تحققه أو عدم تحققه نفاذ التصرف القانوني أو فسخه واعتباره بحسب نوع الشرط.
              الشرط في القانون المدني المصري
              الشرط امر مستقبل وغير محقق الوقوع ويترتب على تحققه وجود الالتزام او زواله وقد نص المشرع على ذلك في المادة 256 مدني بقوله (يكون الالتزام معلق على شرط إذا كان وجوده او زواله مترتبا على امر غير محقق الوقوع) والشرط ينقسم الى نوعين شرط واقف وشرط فاسخ ويقصد بالشرط الواقف الشرط الذي يتعلق وجود الالتزام على تحققه.
              واما الشرط الفاسخ فهو الشرط الذي يؤدي تحققه الى زوال الالتزام.
              ومن المعروف في العقود وخاصة تلك المدنية ، أنه بمجرد انعقاد العقد بين الطرفين مراعيا ذلك الشروط الشكلية والموضوعية ينتج آثارا قانونية كإنشاء حقوق والتزامات تقع على عاتق كل الطرفين في العلاقة التي بموجبها انعقد العقد بينهما ، وكما أنه يجب تنفذ العقد تنفيذا فوريا دون تباطؤ أو تعطيل أو تملص أو مماطلة ، وهذا هو الأصل في العقود ، أي بمعنى آخر أن العقد عندما ينعقد صحيحا مستوفيا الشروط الشكلية والشروط الموضوعية يتم تنفيذها فورا .
              الشرط الواقف في العقد :
              إلا أن هذا الأصل ليس دائما مطلقا ، بل يرد عليه استثناء وهو في حالة ورود في العقد شرطا يتفق عليه الطرفين سواء تم الاتفاق على الشرط أثناء الانعقاد مجلس العقد ، أم تم لاحقا أي بعد انتهاء مجلس العقد.
              والشرط الذي يرد في العقد إما أن يكون قيدا يعيق تنفيذ العقد فور انعقاده ، وإما أن يكون واضعا لحد العقد ، بمعنى أن يجعل منه نهاية حياة العقد . وهذا هو الشرط الواقف في العقد:
              ويقصد به أن العقد لا ينفذ بحق أحد أطرافه، إلا إذا تحقق الشرط الذي يوقف نفاذ العقد، ولتوضيح هذا القول لنأخذ هذا المثال :
              رجل قال لصديقه بعت لك سيارتي هذه بكذا جنيها مصرياً بشرط ، تزوجني أختك ، فوافق صديقه بهذه البيعة .
              فهنا العقد صحيح ومستوفي شروطه الشكلية والموضوعية ، إلا أنه غير نافذ على أحد الطرفين ، وبالتالي يكون العقد موقوف ما بقى الشرط دون تحققه ، وما أن يتحقق الشرط ينفذ العقد ، وهو في هذا المثال تحقق واقعة زواج الرجل بأخت صديقه . لذلك أطلق عليه بالشرط الواقف أي يوقف العقد من النفاذ بحيث لا ينتج أي أثر قانوني اتجاه أطراف العقد .
              الشرط الفاسخ في العقد :
              ويقصد به أن العقد يبقى منتجا آثاره بحق أطرافه ومستمرا في ذلك ، إلى أن يتحقق الشرط الذي يوقف آثار العقد ، ولتوضيح هذا القول لنأخذ هذا المثال :
              رجل سمح لصديقه أن يستعمل سيارته كل يوم ، وأشترط عليه بأن لا يرتكب مخالفة السير أبدا ، فهذا عبارة عن عقد رضائي بين الطرفين ينتج آثاره وهي السماح للصديق باستعمال سيارة الرجل ، ويستمر هذا الإنتاج ما لم يرتكب الصديق مخالفة السير ، فما أن يرتكب الصديق مخالفة السير ، ينتهي العقد فورا . لذلك أطلق عليه بالشرط الفاسخ أي يفسخ العقد وتنتهي الالتزامات المترتبة على أطراف العقد.
              ملاحظة حول الشرطين:
              ويمكن أن نلاحظ في الشرط الواقف، على أنه مكافأة يقدمها أحد أطراف العقد للآخر إذا ما حقق الهدف الذي يرجو منه تحقيقه من قبل الطرف المكافئ.
              أما ما يلاحظ عنه في الشرط الفاسخ، عبارة عن عقوبة يفرضها مسبقا أحد أطراف العقد، إذا أخلى الطرف الآخر بموضوع العقد.
              والشرط عموما هو أمر مستقل غير محقق الوقوع يترتب عليه وجود الالتزام، أو زواله " ويكون شرطا واقفا في الحالة الأولى وشرطا فاسخا في الثانية (وقد نص المشرع على ذلك في المادة 256 مدني بقوله (يكون الالتزام معلق على شرط إذا كان وجوده او زواله مترتبا على امر غير محقق الوقوع).
              فيوسف عليه السلام أعد لإخوانه البضاعة التي طلبوها، وجهزها لهم آخذا بعين الاعتبار إعطائهم حصة من المؤون والحبوب لأبيهم وأخيهم الذين لم يأتيا معهم إلى مصر، لكنه تحفظ على إتمام العقد في العام القادم بهذه الزيادة مشترطا على إخوته إحضار أخ لهم من أبيهم، وأتم الشرط بقوله ﴿ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي وهكذا فكأن البيع في العام القادم لن يكون منجزا بل سيكون معلقا على شرط ينفذ بتحققه وهو احضار إخوته لأخ لهم من أبيهم، ويفسخ إذا هم لم يحققوا الشرط ولم يحضروا أخاهم من أبيهم.
              ومما يلاحظ أن تعليق الكيل في العام القادم على قيام اخوة يوسف بإحضار أخيهم من أبيهم لم يكن شرطا مستحيلا ولا هو مخالف للنظام العام أو الآداب، فقد استطاع الأخوة إحضار أخيهم من أبيهم، فقالوا الكيل الذي وعدوا به، وتتابعت الأحداث عندها فيما يتعلق بفقدان صواع الملك، ونجاح سيدنا يوسف باستبقاء أخيه لديه.
              حكم الشرط غير المشروع
              في مصر نصت المادة 266 من القانون المدني على أنه:
              1-لايكون الالتزام قائما إذا علق على شرط غير ممكن او على شرط مخالف للآداب او النظام العام هذا اذا كان الشرط واقفا اما اذا كان فاسخا فهو نفسة الذى يعتبر غير قائم
              2_ ومع ذلك لا يقوم الالتزام الذى علق على شرط فاسخ مخالف للآداب او النظام العام اذا كان هذا الشرط هو السبب الدافع للالتزام .
              وعلى ضوء هذا النص يمكن القول بأن المشرع المصري يفرق بين الشرط الواقف والشرط الفاسخ في مجال الشرط غير المشروع فاذا كان الشرط غير المشروع واقفا فلا يقوم الالتزام وذلك لاختلاط الشرط الواقف بالباعث الدافع الى قيام الالتزام ومن المعروف ان الباعث غير المشروع يؤدى الى بطلان التصرف واما اذا كان الشرط غير المشروع فاسخا فأن المشرع يقصر البطلان على الشرط فقط ويبقى الالتزام قائما غير مهدد بالزوال الا اذا ثبت ان هذا الشرط هو الباعث الدافع الى قيام الالتزام فان البطلان يمتد ليشمل الى جانب الشرط التصرف نفسه فيصبح باطلا .
              جاء في محكمة النقض المصرية
              الطعن رقم ١١٩٢٢ لسنة ٨١ قضائية
              دوائر الايجارات - جلسة ٢٠١٨/٠٥/٠٧
              العنوان: حق " إسقاط الحق والنزول عنه “. عقد " فسخ العقد “.
              الموجز: ثبوت تحقق الشرط الفاسخ الصريح الوارد بعقد الإيجار محل التداعي بتخلف المطعون ضدهما عن الوفاء بالأجرة المستحقة عليهما للطاعنين. قضاء الحكم المطعون فيه برفض دعوى الفسخ معتبراً اعتراض الطاعنين على قيمة الأجرة المعروضة عليهما في تاريخ لاحق على تحقق الشرط الفاسخ بمثابة إسقاط لحقهما في التمسك بذلك الشرط بعد تحققه. خطأ وفساد.
              القاعدة:
              إذ كان الثابت أن عقد الإيجار موضوع النزاع قد أبرم في ظل القانون ٤ لسنة ١٩٩٦ وتطبق في شأنه أحكام القانون المدني وتضمن العقد شرطاً فاسخاً صريحاً بالنص في بنده الثالث على إنه " إذا تأخر المستأجر عن دفع القيمة الإيجارية في المواعيد المحددة لمدة أكثر من أسبوع فللمالك الحق في أن يلزمه بدفع الأجرة أو المصاريف وبفسخ العقد بدون الحصول على حكم قضائي بعد التنبيه عليه كتابة ، وإذ تخلف المطعون ضدهما عن الوفاء بالأجرة المستحقة عن الفترة من ١ / ١١ / ٢٠٠٧ حتى ٣١ / ١٠ / ٢٠٠٨ وأبدى الطاعنان رغبتهما في الفسخ بالإنذار المعلن للمطعون ضدهما بتاريخ ٢٠ / ٩ / ٢٠٠٨ فإن المخالفة الموجبة لفسخ عقد الإيجار سند الدعوى تكون قد توافرت في حق المطعون ضدهما إعمالاً لهذا الشرط الصريح الفاسخ ويكون عرض المطعون ضدهما الأجرة المتأخرة بجلسة ٧ / ٣ / ٢٠١١ أي في تاريخ لاحق على تحقق الشرط الفاسخ الوارد في عقد الإيجار ليس من شأنه أو شأن تحفظ الطاعنين عليه لكونه غير مبرئ لذمة المطعون ضدهما أن يعيد العقد بعد انفساخه . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر اعتراض الطاعنين على قيمة الأجرة المعروضة بمثابة إسقاط لحقهما في التمسك بالشرط الفاسخ الصريح بعد تحققه فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون.
              https://www.cc.gov.eg/judgment_singl...5920&ja=247519

              تعليق


              • #22
                المطلب الثالث

                الوعد بجائزة _ الجعالة

                قال تعالى: ﴿ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ الآية رقم72 .
                الوعد بجائزة أو الجعالة هو تصرف يتم بالإرادة المنفردة للواعد قوامه تخصيص أو عين أو منفعة لشخص لن يتعين إلا بتنفيذ الأداء الذي حدده الواعد. وهو نظام قانوني معروف في التشريعات المدنية عموما، ويعد صورة من صور التصرف الانفرادي التي أجيزت لما فيها من تحقيق المنفعة للواعد - المتصرف – وللغير.
                وفي الآية الكريمة وعد سيدنا يوسف عليه السلام من يأت بصواع الملك المفقود بحمل بعير من البضاعة والمؤن مؤكدا أنه سيكون ضامنا لقيمة الجائزة إذا أحد جاء بالصواع أو دل عليه.
                وهكذا الزم سيدنا يوسف نفسه بإرادته المنفردة تجاه أي شخص يحقق مضمون الوعد أو الجعالة محددا قيمة الجائزة، وتاركا الوعد مطلقا في زمانه، ولذلك أجاز القانون المدني المصري في معرض تنظيمه لأحكام الوعد بجائزة لفظا أو كتابة، أو بغيرها من الوسائل التي تحقق علم الجمهور بالوعد. كما لابد أن تكون الجائزة - محل التزام- الواعد محددة كما جاء في الآية الكريمة من أن الجائزة ستكون " حمل بعير " من البضاعة والمؤن وليس كما يجرى العمل عليه أحيانا بأن من يحقق أمرا معينا أو يجد شيئا مفقودا سيكون له مكافأة حسنة، لأن في ذلك جهالة فاحشة لمحل الالتزام، الأمر الذي لا يصح قانونا، لأن من شأن تجهيل محل التزام الواعد فتح الباب لنشوب نزاع مستحكم حول ماهية الجائزة المستحقة لمن استوفي شروط استحقاقها.
                متى يكون الوعد ملزماً ديانة وقضاءً، وما الفرق بين الوعد الملزم والجعالة؟
                أولا: الوعد: هو "الإخبار بإيصال الخير في المستقبل" الموسوعة الفقهية. (44/ 72).
                وقد جاء الأمر بالوفاء بالوعد في نصوص كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) رواه أحمد (22757) وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
                واختلف الفقهاء في كون الوعد ملزما ديانة، أو قضاء، على أقوال، أرجحها أن الوعد ملزم ديانة في كل حال، وملزم قضاء إذا دخل الموعود به في كلفة بسببه.
                والقول بوجوب الوفاء بالوعد مطلقا، ذهب إليه عمر بن عبد العزيز وابن شبرمة، وذكر البخاري في صحيحه أنه قول الحسن البصري، وقضى به ابن الأشوع، وذكر ذلك عن سمرة بن جندب. صحيح البخاري (3/ 180) كتاب الشهادات، بَابُ مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الوَعْدِ.
                وهو قولٌ لبعض الحنفية، وبعض المالكية، ووجه في مذهب أحمد اختاره تقي الدين ابن تيمية.
                والمذهب عند الحنفية أن الوعد المعلق على شرط، يكون لازما، ومثاله: لو قال رجل لآخر: بع هذا الشيء لفلان، وإن لم يعطك ثمنه، فأنا أعطيه لك، فلم يعط المشتري الثمن، لزم المواعد أداء الثمن المذكور بناء على وعده.
                وذهب المالكية إلى إن الوعد إذا كان مرتبطا بسبب، ودخل الموعود في السبب، فإنه يجب الوفاء به كما يجب الوفاء بالعقد. أما إذا لم يباشر الموعود السبب فلا شيء على الواعد.
                وذلك كما إذا وعده أن يسلفه ثمن دار يريد شراءها، فاشتراها الموعود حقيقة، أو أن يقرضه مبلغ المهر في الزواج، فتزوج اعتمادا على هذا الوعد؛ ففي هاتين الحالتين وأمثالهما: يلزم الواعد قضاء بإنجاز وعده. أما إذا لم يباشر الموعود السبب، فلا يلزم الواعد بشيء.
                وهذا هو القول المشهور والراجح في مذهب مالك، وعزاه القرافي إلى مالك وابن القاسم وسحنون.
                وتنظر هذه الأقوال في الموسوعة الفقهية (44/ 74- 78).
                ثانيا: أما الجعالة، فهي عقد على عمل معلوم، بمقابل.
                جاء في "الموسوعة الفقهية" (15/208):
                " الجُعل ، بالضم: الأجر، يقال: جعلت له جعلا.
                والجِعالة، بكسر الجيم، وبعضهم يحكي التثليث: اسم لما يُجعل للإنسان على فعل شيء.
                والجَعِيلة، مثال كريمة: لغة في الجُعل.
                وعرفها المالكية: بأن يجعل الرجل للرجل أجرا معلوما، ولا ينقُده إياه، على أن يعمل له، في زمن معلوم ، أو مجهول، مما فيه منفعة للجاعل . على أنه إن أكمل العمل، كان له الجعل، وإن لم يتمه، فلا شيء له، مما لا منفعة فيه للجاعل إلا بعد تمامه.
                وعرفها الشافعية: بأنها التزام عوض معلوم، على عمل معين، معلوم، أو مجهول، يعسر ضبطه.
                وعرفها الحنابلة: بأنها تسمية مال معلوم، لمن يعمل للجاعل عملا مباحا، ولو كان مجهولا، أو لمن يعمل له مدة، ولو كانت مجهولة. " انتهى.
                فالفرق بين الوعد والجعالة من جهتين:
                1- أن الجعالة عقد على عمل، بخلاف الوعد –ولو قيل بلزوم الوفاء به- فإنه إخبار كما تقدم، ولا يطلب فيه عمل من الموعود، كما لو قال: إن جاء أول الشهر أعطيتك كذا، أو إن رزقت بمولود فله كذا، فهذا وعد، لا جعالة.
                فالجعالة أخص من الوعد، فهي وعد، بشرط حصول العمل.
                قال ابن قدامة رحمه الله: " والجعالة: وعد، بشرط" انتهى من المغني (10/ 5).
                2- أن الجعالة لابد فيها من معلومية الجعل، بخلاف الوعد فيجوز بالمجهول.
                قال الرملي في حاشيته على أسنى المطالب (1/ 452): " قوله: (كأن قال: استأجرتك للحج بنفقتك، أو حج عني بها) قال شيخنا: هذه جعالة فاسدة، لجهالة عوضها، وهي غير التي تقدمت في كلام الشارح، إذ فيها: (وأعطيك النفقة)؛ فهو وعد ينصرف إلى الإرزاق، فخرج عن الإجارة والجعالة" انتهى.

                تعليق


                • #23
                  المطلب الرابع

                  القوة القاهرة وأثرها على الالتزام

                  ﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ. الآية رقم 66 من سورة يوسف.
                  جاء في كتاب الله تعالى على لسان نبي الله يعقوب لدى مراودة أولاده له عن ابنه الأصغر وفاء لشرط سيدنا يوسف بضرورة أن يحضروا أخا لهم من أبيهم: ﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ.. من شروط صحة الالتزام عموما أن يكون محله ممكنا، فإن كان محل الالتزام مستحيلا لا يمكن القيام به، فلا يكون الالتزام صحيحا. لأن القاعدة الشرعية والقانونية تقضي بأن لا تكليف بمستحيل، وفى الدين والعبادات فإن الامكانية والعقل هما مناط التكليف، ولعل ما جاء في الآية يدل على حكمة نبي الله يعقوب عليه السلام بأن الإنسان لا يؤثم إلا إذا أخل بتكليف ممكن، ولا يجوز تكليفه بما لا يطيق.
                  ألقت جائحة «كورونا» التي تضرب العالم بظلالها على الالتزامات التعاقدية سواء بين الأفراد أو الشركات، وللحوادث الطارئة والظروف القاهرة أثر مباشر عليها، فعندما يحدث أمر طارئ غير متوقع يجعل من تنفيذ أحد الأطراف لالتزاماته أمرا صعبا، أو تحل قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلًا، وهنا تتدخل التشريعات وتضع الآليات القانونية لرد الالتزامات إلى حالتها المتعادلة وتحقيق التوازن الاقتصادي للعقد.
                  وعقب تفشي وباء فيروس كورونا (كوفيد- 19)، وإعلان منظمة الصحة العالمية أنه جائحة عالمية عابرة للحدود أخذت الدول تباعًا تفرض حالة الطوارئ وأدى ذلك إلى تعطل الحياة في مختلف دول العالم، وترتب عليه عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات التعاقدية التي دخلت إجباريا تحت بندي القوة القاهرة والظروف الطارئة، ذلك أن جائحة «كورونا» وفق المنظور القانوني تعتبر أمرًا خارجًا عن إرادة المتعاقدين، بحيث لا يمكن توقعه ولا دفعه.
                  لا جدال في أن فيروس كورونا يعتبر سبباً أجنبياً عن العقد، لأنه أمر خارج عن إرادة المتعاقدين وحدث فجأة عنهم دون أن يتوقعه أي منهم، فوباء كورونا يشبه في أثره الحروب والكوارث الطبيعية التي تمنع من تنفيذ العقد بالصورة المتفق عليها، وقد يصل تأثيرها إلى استحالة تنفيذ العقد، لذلك توجد حالات عقدية يعتبر فيها فيروس كورونا من قبيل الظروف الطارئة التي تؤدي إلى تعديل العقد، وحالات أخرى يعتبر فيها فيروس كورونا من قبيل القوة القاهرة، وحتى نتعرف على دور كورونا في تنفيذ الالتزامات العقدية فيجب أن تعرف أولاً على كل نظرية من النظريتين – وفقا لـ"الشهير".
                  نظرية الظروف الطارئة لا تؤدي لانقضاء الالتزام
                  وبالنسبة لنظرية الظروف الطارئة فهي لا تؤدي لانقضاء الالتزام، وإنما يرد القاضي الالتزام إلى الحد المعقول حتى يطيق المدين تنفيذه بغير إرهاق، وهي تظهر في الالتزامات متراخية التنفيذ التي يكون فيها الزمن عنصراً جوهرياً، سواء كانت من العقود ذات التنفيذ المستمر كعقد الإيجار أو من العقود ذات التنفيذ الفوري مثل عقد التوريد أو عقد العمل.
                  وتتمثل أحكام هذه النظرية في وجود حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية، أو أي عمل من أعمال السلطة أو من الغير، ولم تكن في الحسبان وليس لها دفعاً، ويكون من شأنها أن تنزل بالمدين خسائر فادحة، وهي تقوم على فكرة العدالة المجردة في مشاركة الدائن للمدين في الخسارة الناشئة عن الأحداث التي يستحيل معها تنفيذ الالتزام بذات بنوده.
                  شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة
                  وقد اعتد بها المشرع المصري في الفقرة الثانية من المادة "147" من القانون المدني بما نصه "ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي، تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كالاتفاق على خلاف ذلك".
                  ويشترط لتطبيق نظرية الظروف الطارئة ثلاثة شروط هي حصول الظرف الطارئ العام بعد نشأة الالتزام، وعدم إمكانية توقع الظرف الطارئ، وأن يصبح تنفيذ الالتزام مرهقاً وليس مستحيلاً، والإرهاق المشار إليه هو الإرهاق الشديد الذي يجاوز الخسارة المألوفة في التعامل، بمعيار مادي وموضوعي دون الاعتداد بالظروف الشخصية للمدين، وهو الذي يميز نظرية الظروف الطارئة عن نظرية القوة القاهرة التي يستحيل تنفيذ الالتزام في وجودها.
                  نظرية القوة القاهرة تؤدى لعدم تنفيذ الالتزام
                  أما القوة القاهرة فتتحقق بوقوع حادث لا يمكن توقعه ولا يمكن دفعه، وتعرف بأنها سبب أجنبي يخرج عن إرادة الطرفين يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً، وتعني الاستحالة أنه ليس بمقدور الأطراف دفع هذا السبب أو التغلب عليه، ويشترط لتحقق القوة القاهرة عدة شروط هي: استحالة تنفيذ الالتزام، ويجب أن يكون الالتزام الذي استحال تنفيذه التزاما أساسياً وليس تبعياً، مثال:
                  التزام المحامي باستئناف الحكم الصادر ضد موكله تنفيذاً لعقد الوكالة، وأن تكون الاستحالة كاملة غير جزئية تحتوي كامل العقد، وأن تنشأ الاستحالة في تاريخ لاحق للالتزام، فإذا ما توافرت هذه الشروط الثلاثة كنا بصدد قوة قاهرة مانعة من تنفيذ الالتزام الوارد بالعقد، وإذا تبين للقاضي أن الاستحالة مؤقتة جاز وقف الالتزام إلى أن تزول أما إذا كانت الاستحالة مطلقة فإن الالتزام ينقضي لعدم مُكنة التنفيذ.
                  ويخضع وباء كورونا إلى كل من النظريتين، ويكون معيار خضوعه هو مدى تأثيره في العقد المطلوب تنفيذه، فإذا كان التأثير هو إرهاق أحد طرفي العقد إرهاقاً شديداً بأن يتسبب وباء كورونا في ارتفاع كلفة الإنتاج أو زيادة أسعار الشحن لصورة مرهقة، فإن الوباء يعتبر هنا من قبيل الظروف الطارئة، أما إذا تسبب وباء كورونا في استحالة تنفيذ العقد كأن يصبح نقل الخامات مستحيلاً بسبب غلق حدود بلد ما فإن الوباء يصبح من قبيل القوة القاهرة.

                  تعليق


                  • #24
                    المبحث الرابع

                    الآيات المتصلة بقانون أصول المحاكمات وقانون الإثبات

                    ﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. الآية رقم 25 من سورة يوسف (الدعوى).
                    ﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ: الآية رقم 26 من سورة يوسف. (اللائحة الجوابية: الإقرار أو الإنكار).
                    ﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ.. وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ. الآيات 26و 27 من سورة يوسف (الخبرة والقرائن).
                    ﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ.. الآية رقم 28 من سورة يوسف (المعاينة والخبرة).
                    ﴿ قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ الآية رقم 32 من سورة يوسف (الإقرار غير القضائي).
                    ﴿ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾. الآية رقم 51 من سورة يوسف. (الإقرار القضائي).
                    ﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾........الآية رقم 18 من سورة يوسف. (اصطناع الدليل).
                    ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ...... الآية رقم 50 من سورة يوسف. (إعادة المحاكمة).
                    (للمزيد حول تفسير الآيات الخاصة بذلك راجع عباس، فضل حسن " قصص القرآن الكريم " دار النفائس، عمان للنشر والتوزيع 2007 , ط2 ص 389_ 395).
                    (الخالدي، صلاح القصص القرآني: عرض وقائع وتحليل الأحداث، دار القلم، دمشق , 1998 , ط 1 الجزء الثاني ص 113 _ 126).
                    تتجلى عظمة القصص القرآني في الإشارة لأفكار قانونية في واقعة مراودة امرأة العزيز لسيدنا يوسف عن نفسه وانفضاح أمرها ثم مبادرتها إلى اتهام سيدنا يوسف بما اقترنته هي وطلبها أن يسجن أو يعذب ثم واقعة إنكار سيدنا يوسف لادعاءات امرأة العزيز، وبعد اللجوء إلى الخبرة والمعاينة لتبين حقيقة الواقعة المنسوبة لسيدنا يوسف وغيرها من الأفكار والإشارات ذات الصلة بما يعرف اليوم بقانون المرافعات أو البينات وعلى النحو التالي:

                    تعليق


                    • #25
                      المطلب الأول

                      الدعوى والخصومة

                      الفرع الأول

                      الدعوى

                      ﴿ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. الآية رقم 25 من سورة يوسف...
                      المقرر في قوانين المرافعات المدنية أو الجنائية أن المطالبة أمام القضاء تكون وسيلة قانونية تعرف بالدعوى أو الشكوي وتتضمن مندرجات محددة أبرزها الواقعة محل النزاع وطلبات المدعى أو المشتكي وبيناته .
                      تعريف الدعوى القضائية
                      الدعوى هي سلطة الالتجاء إلى القضاء بقصد الوصول إلى حماية قاعدة مقررة في النظام. ويتضح من هذا التعريف أهم السمات أو الخصائص التي تتميز بها الدعوي وهي:
                      · إن الدعوى حق وليست واجب، فالدعوى مجرد رخصة لصاحبها وليست واجبًا عليه، فله استخدامها وله تركها فلا يجبر على مباشرتها، وله أيضا مطلق الحرية في تحديد الوقت أو الظرف الذي يراه مناسبا للالتجاء إلى القضاء، وله كذلك الحق في النزول عن خصومته التي أقامها إذا لم يتعلق بها حق المدعى عليه.
                      · إن الدعوى وسيلة نظامية لحماية الحق ، يلجأ بمقتضاها صاحب الحق إلى السلطة القضائية ، أي إلى المحاكم لحماية حقه ، وهي بهذا تتميز عن وسائل نظامية أخرى وافق عليها المنظم يلجأ بمقتضاها صاحب الحق إلى سلطات أخرى كالسلطة التنفيذية أو يذود بها عن حقه بنفسه.
                      · إن الدعوى هي السلطة التي خولها النظام للأشخاص للذود عن حقوقهم بعد أن حرمهم من اقتضائها بأنفسهم ، وبتعبير آخر الدعوى هي الوسيلة التي استعيض بها عن الانتقام الفردي. والأصل في العصر الحديث أنه لا يجوز لأي شخص حماية حقه بنفسه وإنما أَذِن المنظم للأفراد في ظروف استثنائية خاصة حماية حقوقهم بأنفسهم كما هو الحال بالنسبة لحق الدفاع الشرعي والحق في الحبس.
                      · إن الدعوى كوسيلة لحماية الحق أو كعنصر من عناصره لا يجوز النزول عنها مقدمًا. وإذا حدث لا يعتد بهذا النزول لأنه مخالف للنظام العام. وإن كان يجوز النزول عن الخصومة بعد أن تنشأ.
                      · إن بعض الدعاوى تنقضي بالتقادم ، أي بمضي المدة المحددة بموجب النظام ، فهي كأي حق لابد من مباشرتها خلال فترة زمنية معينة ، فإذا رفعها صاحبها بعد انقضاء هذه الفترة ، فإنها تكون قد انقضت ، وجاز للخصم الآخر أن يدفعها بعدم القبول لرفعها بعد فوات الأوان ، أي انقضاؤها بالتقادم.
                      عناصر الدعوى القضائية:
                      تتكون الدعوى من عناصر معينة، مثلها في ذلك مثل سائر الحقوق، فهي لابد لها من أشخاص تقوم بينهم، ومحل ترد عليه، وأخيراً لابد لها من سبب تستند إليه. ونبين ذلك فيما يلي:
                      أولاً: أشخاص الدعوى:
                      يقصد بأشخاص الدعوى أطرافها، أي الشخص الذي ينسب له الادعاء والشخص الذي يوجه إليه هذا الادعاء، وبمعنى آخر المدعي والمدعى عليه. وبناءً على ذلك فالقاضي لا يعتبر طرفاً في الدعوى.
                      والعبرة في تحديد أشخاص الدعوى هي بصفتهم فيها لا بمباشرتهم لها، إذ قد تباشر الدعوى من شخص لا صفة له بالنسبة للحق المدعى به، مثل المحامي أو الوكيل في الخصومة ومع ذلك فأيهم لا يعد طرفًا في الدعوى وإنما الذي يعد كذلك هو الموكل أو الأصيل الذي ينسب له الحق أو يكون طرفًا سلبيًا فيه.
                      ولا يشترط في أشخاص الدعوى أن يكونوا من الأشخاص الطبيعيين، فقد يكونوا من الأشخاص الاعتباريين كشركة أو جمعية أو وزارة أو مصلحة. كما لا يشترط فيهم أن يكونوا كاملي الأهلية، فقد يكون القاصر والمحجور عليه مدعٍ أو مدعى عليه؛ لأنه لا يباشر الدعوى بنفسه أو تباشر في مواجهته وإنما تباشر بواسطة أو في مواجهة من يمثله.
                      ثانيًا: محل الدعوى:
                      يقصد بمحل الدعوى ما تهدف الدعوى إلى تحقيقه، أي ما يطلبه المدعي في دعواه. وهو عبارة عن تقرير وجود أو عدم وجود حق أو مركز نظامي، أو إلزام الخصم بأداء معين.
                      والحقيقة أن هذا العنصر يختلف من دعوى إلى أخرى، غير أنه دائماً يتكون من ثلاثة عناصر أساسية، هي:
                      • الحكم المطلوب إصداره من القضاء: وهل هو مجرد تأكيد وجود أو نفي حق أو إحداث تغيير معين في الحق النظامي أو الإلزام بأداء معين قابل للتنفيذ الجبري؟.
                      • الحق الذي يرد عليه الحكم: وهل هو حق ملكية أو ارتفاق أو حق شخصي؟.
                      • الشيء محل الحق.
                      أن " الدعوى أساس الخصومة وهي الوسيلة القانونية التي يلجأ بمقتضاها صاحب الحق إلى السلطة القضائية لحماية حقه .
                      الجدير بالذكر أن مجلة الأحكام العدلية العثمانية عرفت الدعوي في مادتها 1613 بأنها " طلب أحد حقه من آخر في حضور القاضي ويقال له المدعي وللأخر المدعى علية . وكذلك اشترطت المادة 1619 منها " أن يكون المدعي به معلوما ولا تصح الدعوي إذا كان مجهولا .
                      وبالدعوى تبدأ الخصومة ثم يورد الخصوم أدلتهم وطلباتهم ودفوعهم ليصار بعد ذلك إلى الفصل في النزاع وفقا لما ثبت أمام المحكمة أو القاضي من وقائع بعد وزنه للأدلة وتقديره لكافة الظروف والملابسات المحيطة بالنزاع. (أصول المرافعات الشرعية للعمروسي ص 198، والأصول القضائية في المرافعات الشرعية لعلي قراعة ص 3، والسراج الوهاج للمغراوي ص 614 .).
                      وقد أبرز النص القرآني المشار إليه أعلاه ﴿ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ يوسف:25. واقعة الدعوى التي تقدمت بها امرأة العزيز ضد سيدنا يوسف , بأنه أراد بها سوءا لم تحدده ولم تقدم دليل عليه غير إدعائها " المجرد " ورغم خلو دعواها من الدليل فقد تقدمت بطلباتها المتمثلة في سجن يوسف أو تعذيبه . وقد يفسر عدم إيرادها الدليل من زاوية أنها ظنت نفسها -باعتبارها امرأة للعزيز - لا تحتاج إلى دليل يؤيد دعواها , فهى افترت كذبا على سيدنا يوسف , وأقرت بالأمر في نهاية المطاف بأنها هي من راودت يوسف عن نفسه وأنه تمنع عليها واستعصم فكان برئيا وجيها في الدنيا والآخرة.
                      وجاء في حكم محكمة النقض أن (الدعوى هي حق الالتجاء إلى القضاء بطلب حماية الحق أو المركز القانوني المدعى به، ومن ثم فإنه يلزم توافر الصفة الموضوعية لطرفي هذا الحق بأن ترفع الدعوى ممن يدعي استحقاقه لهذه الحماية وضد من يراد الاحتجاج عليه بها) جمهورية مصر العربية - النقض المدني - الطعن رقم 434 - لسنة 66 قضائية - تاريخ الجلسة 29-12-1997 - مكتب فني 48 - رقم الجزء 2 - رقم الصفحة 1607..

                      تعليق


                      • #26
                        الفرع الثاني

                        الخصومة

                        الخصومة المدنية: هي رابطة قانونية تربط بين المدعي والمدعى عليه والقاضي. (وجدي راغب - نظرية العمل القضائي، 1974، ص 250.).
                        وذهب رأي إلى أن الخصومة القضائية: هي الحالة الناشئة عن مباشرة الدعوى. (أبو الوفا، المرافعات، ص 420.).
                        وذهب رأي آخر إلى أن الخصومة القضائية هي سلسلة من الأعمال الإجرائية المتتابعة زمانياً ومكانياً والتي تهدف إلى الحصول على حكم في الموضوع. (فتحي والى، نظرية البطلان، ص 220.).
                        وذهب رأى رابع إلى أن الخصومة القضائية هي مركز قانوني إجرائي حدده قانون المرافعات وحدد أطرافه وعناصره وحقوق وواجبات كل طرف فيه كما حدد هدفه وكيفية سيره وانقضائه والآثار التي تترتب عليه. (وجدي راغب المرجع السابق، ص 270).
                        ويرى الدكتور نبيل إسماعيل عمر أن الخصومة القضائية هي عبارة عن مجموع الأعمال الإجرائية الصادرة من الخصوم والقاضي وأعوانه والغير والتي تكون وسطاً إجرائياً يكون بمثابة الإطار العام الذي يحيا بداخله مشروع القرار القضائي الذي يسمى حكماً والذي سوف يصدر في نهاية الخصومة منهياً إياها.
                        ويرى الأستاذ / محمد كمال عبد العزيز أن الخصومة هي : مجموعة الأعمال الإجرائية التي يقوم بها القاضي والخصوم بقصد التحقق من الادعاء المطروح ومنحه الحماية القضائية المطلوبة ، وهي بهذه المثابة تكون بذاتها عملاً قانونياً مركباً تتابعياً أي يتكون من عدة أعمال تتتابع زمنياً ومنطقياً بحيث يعتبر العمل السابق منها مفترضاً للعمل الذى يليه وتؤدى جميعها إلى إنتاج أثر قانوني واحد هو الحصول على حكم من القاضي ، فتبدأ الخصومة بأول عمل فيها وهو المطالبة القضائية ثم تستمر بتتابع الأعمال وفق النظام الذى يفرضه القانون ، وذلك كله بصرف النظر عن توافر الحق في الدعوى أو توافر الشروط اللازمة للحكم في الدعوى .
                        الخصومة القانونية: هي مجموعة من الإجراءات القضائية المتتابعة يقوم بها الخصوم أو ممثلوهم والقاضي وأعوانه ترمي إلى الحصول على حكم في الموضوع، سواء انتهت بصدور حكم بالفعل في الموضوع أم انتهت دون صدور حكم فيه.
                        وقد قالت محكمة النقض في بيان الخصومة وتمييزها عن الدعوى أن (الدعوى هي حق الالتجاء إلى القضاء للحصول على حماية قانونية للحق المدعى به. أما الخصومة فهي وسيلة، ذلك أنها مجموعة الأعمال الإجرائية التي يطرح بها هذا الادعاء على القضاء ويتم بها تحقيقه والفصل فيه.
                        والقانون المدني هو الذي ينظم قواعد سقوط وانقضاء الدعاوى والحقوق بمضي المدة. بينما ينظم قانون المرافعات قواعد سقوط وانقضاء الخصومة.
                        وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن " انقضاء الخصومة لا يترتب عليه أي مساس بأصل الحق المرفوعة به الدعوى، بل يبقى خاضعا في انقضائه للقواعد المقررة في القانون المدني المصري ".
                        (الطعن رقم 1451 - لسنة 48 ق - جلسة 31-1-1980 - المكتب الفني 31 - الجزء 1 - الصفحة: 366 - نقض ً مدني ( .

                        تعليق


                        • #27
                          المطلب الثاني

                          اللائحة الجوابية

                          الفرع الأول

                          الإقرار أو الإنكار

                          قال تعالى :﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) ....
                          ولقد كان هذا هو الحال مع سيدنا يوسف، فهو رد من جهته بإنكار واقعة مراودته امرأة العزيز عن نفسها إنكارا نفي به التهمه عن نفسه متهما إياها بارتكاب فعل المراودة ودون أن يتقدم بأي طلب كما فعلت هي بدعواها حيث طلبت أن يسجن يوسف أو يعذب، ومن المعلوم أن الدليل لا يطلب من المنكر، بل من المدعى الذي وكما بينا آنفا لم يكن لديه دليل مادي على ما يدعيه.
                          ولعل ما جاءت به السورة من تراتيب منطقية أصبحت مستقرة كأساس للفصل في الدعاوى المدنية والجزائية على حد سواء من ضرورة تقديم المدعي للدعوى بوقائع محددة وبينات وطلبات، وضرورة أن يتقدم المدعي عليه بلائحة جوابية تتضمن رده على الوقائع وبيناته وطلباته، ثم تقوم المحكمة بمتابعة السير في الدعوى على ضوء الدعوى واللائحة الجوابية.
                          إزاء غياب الدليل عن دعوى امرأة العزيز وإنكار سيدنا يوسف لما جاء في الدعوي وعدم تقديمه دليلا على براءته كان لا بد أن يصار إلى وسيلة قانونية تسمح بتبين حقيقة الأمر، فكان اللجوء للخبرة والقرائن وهو أمر استقرت عليه القوانين في شأن المحاكمات.
                          وتعرف القرينة بأنها استنباط ثبوت واقعة غير ثابتة من ثبوت واقعة أخرى بسبب صلتها بها..
                          لذا كان اللجوء لشاهد خبير. وليس مصادفة أن كان من أهل المدعية، فذلك أدعى للأخذ برأيه الذي إن لم يكن محايدا فسيكون لصالح المدعية، كما لم يكن مصادفة أن أعطى الشاهد " الخبير " قاعدة يكون على أساسها الحكم وهي مسألة غاية في الدقة والذكاء، فقاعدة الشاهد " الخبير " كانت مبنية على أساس الإقبال أو الإدبار، ومعروف أن التحرش الجنسي إذا وقع من الرجل على المرأة فإنه يقتضي إقبالا منه عليها، وإذا كان من المرأة على الرجل فيقتضي إقبالا من المرأة عليه أو إدبارا من عنها في حده الأدنى. فجاء البيان القرآني في شأن مقالة الشاهد الذكي ﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (يوسف: 26).
                          ولدى معاينة الواقع تبين أن قميص سيدنا يوسف قد تمزق من دبر، فكانت قرينة البراءة، وكان الاستنتاج المعقول من ذلك أن يوسف كان في حالة إدبار وتمنع، وأن امرأة العزيز كانت هي الفاعل المقبل على ارتكاب فعل أو طلب ارتكابه من يوسف (الخالدي، صلاح القصص القرآني، عرض وقائع وتحليل أحداث. دار دمشق 1998 , ط 1 , الجزء الثاني، ص 125 _ 126.).
                          فوقع الدليل المادي الأول على براءة سيدنا يوسف مما ادعته امرأة العزيز وتأيّد هذا الدليل بأدلة قاطعة في دلالاتها على براءته وهي على نوعين، الأدلة العقلية، والأدلة القانونية، فأما الأدلة العقدية على براءة سيدنا يوسف فهي:
                          أولا: اخبار القرآن عن واقعة مراودة سيدنا يوسف عن نفسه، حيث قال تعالي في الآية 23 من سورة يوسف: ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ.
                          ثانيا: تمنع سيدنا يوسف ورفضه القاطع الانزلاق مع امرأة العزيز فيما طلبته من فاحشة لقوله تعالى في الآية نفسها: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ...
                          ثالثا: ما جاء في القرآن من أن الله عز وجل استجاب لدعاء سيدنا يوسف بأن يصرف عنه كيد النسوة حتى لا يصبو إليهن، حيث قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (يوسف:33).
                          وأما الأدلة القانونية على براءة سيدنا يوسف فأولها هي:
                          انكار سيدنا يوسف لادعاء امرأة العزيز وقد جاء بيان ذلك قرآنا يتلى " قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ " يوسف:26. وهو نبي الله المعصوم من الكذب والافتراء.
                          والانكار بحد ذاته يكون كافيا لنفي التهمة عن سيدنا يوسف، وذلك في ضوء عدم تقديم المدعية امرأة العزيز أي دليل مادي يثبت ما تدعيه ولأن القاعدة المستقرة في التشريعات الأصولية هي أنه إذا لم تقم البينة على الواقعة يقرر القاضي براءة المشتكى عليه من الجريمة المسندة إليه. كما أن القاعدة في الإثبات أن البينة على من ادعي لأن الأصل براءة الذمة.
                          تجدر الإشارة إلى القانون يقضي بأن اليمين علي من أنكر ولكن ذلك يكون مشروطا بأن يقدم المدعي دليلا علي صدق دعواه والحاصل في ما جري مع سيدنا يوسف أن المدعية لم تقدم أي دليل على ما ادعته، وبالتالي فلم يكن مطلوبا من سيدنا يوسف أن يخلف يمينا لتأييد براءته التي لم يقدم دليل علي عكسها، والبراءة في القانون أصل لا يزول إلا بالدليل القاطع على عكسه.
                          (القرطبي، أبو عبد الله " الجامع لأحكام القرآن “، تحقيق البخاري، هشام , 2003 , محمد على ورضا، الصابوني، صالح أحمد " مختصر تفسير الطبري “، عالم الكتب، بيروت، ط 1 , المجلد الأول , 1985 , ص 559 2).
                          انظر قانون أصول المحاكمات المدنية والقانون المعدل رقم (16) لسنة 2006
                          https://www.iclc-law.com/ar
                          ولسوف نفرد لبراءة سيدنا يوسف مبحثاً خاصاً نظرا لأهميته..


                          تعليق


                          • #28
                            الفرع الثاني

                            دعوى ثبوت الزنا على المغيرة بن شعبة

                            جاء في البداية والنهاية لابن كثير الجزء السابع صفحة 94، ثم ذكر الواقدي وسيف هذه القصة وملخصها: أن امرأة كان يقال لها أم جميل بنت الافقم، من نساء بني عامر بن صعصعة، ويقال من نساء بني هلال. وكان زوجها واسمه الحجاج بن عبيد من ثقيف قد توفي عنها، وكانت تغشى نساء الامراء والاشراف، وكانت تدخل على بيت المغيرة بن شعبة وهو أمير البصرة، وكانت دار المغيرة تجاه دار أبي بكرة، وكان بينهما الطريق، وفي دار أبي بكرة كوة تشرف على كوة في دار المغيرة، وكان لا يزال بين المغيرة وبين أبي بكرة شنآن.
                            ومعنى تغشى نساء الأمراء هو أن الغاشية: السُّوّال يأتونك والزُوّار والاصدقاء ينتابونك ـ
                            فبينما أبو بكرة في داره وعنده جماعة يتحدثون في العلية، إذ فتحت الريح باب الكوة، فقام أبو بكرة ليغلقها، فإذا كوة المغيرة مفتوحة، وإذا هو على صدر امرأة وبين رجليها، وهو يجامعها، فقال أبو بكرة لأصحابه: تعالوا فانظروا إلى أميركم يزني بأم جميل.
                            فقاموا فنظروا إليه وهو يجامع تلك المرأة، فقالوا لابي بكرة.
                            ومن أين قلت إنها أم جميل؟ - وكان رأساهما من الجانب الآخر -. فقال: انتظروا، فلما فرغا قامت المرأة فقال أبو بكرة: هذه أم جميل-فعرفوها فيما يظنون- فلما خرج المغيرة - وقد اغتسل - ليصلي بالناس منعه أبو بكرة أن يتقدم.
                            وكتبوا إلى عمر في ذلك، فولى عمر أبا موسى الاشعري أميرا على البصرة. وعزل المغيرة، فسار إلى البصرة فنزل البرد.
                            فقال المغيرة: والله ما جاء أبو موسى تاجرا ولا زائرا ولا جاء إلا أميرا.
                            ثم قدم أبو موسى على الناس وناول المغيرة كتابا من عمر هو أوجز كتاب فيه " أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم فبعثت أبا موسى أميرا فسلم ما في يديك والعجل " وكتب إلى أهل البصرة: إني قد وليت عليكم أبا موسى ليأخذ من قويكم لضعيفكم، وليقاتل بكم عدوكم، وليدفع عن دينكم وليجبي لكم فيأكم ثم ليقسمه بينكم.
                            وأهدى المغيرة لابي موسى جارية من مولدات الطائف تسمى عقيلة وقال: إني رضيتها لك، وكانت فارهة.
                            وارتحل المغيرة والذين شهدوا عليه وهم أبو بكرة، ونافع بن كلدة، وزياد بن أمية، وشبل بن معبد البجلي.
                            فلما قدموا على عمر جمع بينهم وبين المغيرة.
                            فقال المغيرة: سئل هؤلاء الاعبد كيف رأوني؟ مستقبلهم أو مستدبرهم؟ وكيف رأوا المرأة وعرفوها، فإن كانوا مستقبلي فكيف لم يستتروا؟ أو مستدبري فكيف استحلوا النظر في منزلي على امرأتي؟ والله ما أتيت إلا امرأتي وكانت تشبهها.
                            فبدأ عمر بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة، قال: كيف رأيتهما؟ قال: مستدبرهما.
                            قال: فكيف استبنت رأسها.
                            قال: تحاملت. ثم دعا شبل بن معبد فشهد بمثل ذلك.
                            فقال استقبلتهما أم استدبرتهما؟
                            قال: استقبلتهما. وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم.
                            قال: رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين يخفقان واستين مكشوفتين، وسمعت حفزانا شديدا.
                            قال: هل رأيت كالميل في المكحلة؟.
                            قال: لا.
                            قال: فهل تعرف المرأة؟.
                            قال: لا ولكن أشبهها.
                            قال: فتنح.
                            وروي أن عمر رضي الله عنه كبر عند ذلك ثم أمر بالثلاثة فجلدوا الحد وهو يقرأ قوله تعالى ﴿ لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ النور: 13.
                            فقال المغيرة: اشفني من الاعبد.
                            قال: اسكت أسكت الله فاك، والله لو تمت الشهادة لرجمناك بأحجارك. انتهى. وقد ذكر قصة المغيرة كل من ابن جرير وابن الاثير وأبي الفداء في وقائع سنة 17 ه‍ والبلاذري في 1 / 490 ـ 492 بتفصيل أوفى، وفي الطبري ط. أوربا 1 / 2529..
                            مضمون الشبهة:
                            يطعن بعض المشككين في عدالة المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - متهمين إياه بالوقوع في جريمة الزنا، مستدلين على ذلك بشهادة ثلاثة شهود عليه. رامين من وراء ذلك إلى الطعن في عدالته وتشويه صورته بوصفه أحد الصحابة؛ بغية تشكيك المسلمين فيما رووه من أحاديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                            وجوه إبطال الشبهة:
                            1 ـ لقد كان المغيرة بن شعبة أحد أصحاب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين شهدوا بيعة الرضوان، والذين زكاهم الله - سبحانه وتعالى - في كتابه، وشهد لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة كما تروي الأحاديث الصحيحة.
                            2 ـ إن عدم اكتمال نصاب الشهادة في هذه الواقعة، وكونه - رضي الله عنه - مزواجا، فضلا عن شدة عمر رضي الله عنه في محاسبة ولاته، وإقامة الحدود عليهم إذا ثبتت إدانتهم، ليدل دلالة قاطعة على براءة هذا الصحابي - رضي الله عنه - من هذه التهمة.
                            3 ـ إن القصة التي استند إليها الطاعنون لم تثبت بطريق متفق على صحته، مما يضعف حقيقتها.
                            التفصيل:
                            أولا. ثبوت عدالة الصحابي المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - بالكتاب والسنة:
                            إن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - هو أحد أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين شهدوا "بيعة الرضوان" والذين بايعوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت الشجرة، وأثنى الله عليهم بالخير، وأخبر أنه سبحانه وتعالى رضي عنهم، قال سبحانه وتعالى:
                            ﴿ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * الفتح: 18 - 19.
                            قال ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت الشجرة، وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة، وأن الشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية.
                            وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ (الفتح: ١٨)؛ أي: من الصدق والوفاء والسمع والطاعة، ﴿ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ وهي الطمأنينة، ﴿ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وهو ما أجرى الله - عز وجل - على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة، ثم سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة، ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا.( تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400 ﻫ / 1980م، (7/ 262) بتصرف.).
                            ولقد أثنى عليهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قدرهم ومكانتهم العظيمة، ففي الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله قال: قال لنا رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية: «أنتم خير أهل الأرض»، (صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، (7/ 507)، رقم (4154).).
                            يقول ابن حجر: قوله هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة، وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال: «لما كان بالحديبية قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا توقدوا نارا بليل، فلما كان بعد ذلك قال: أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم». (فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407 ﻫ / 1987م، (7/ 507، 508).).
                            وروى مسلم أيضا من حديث أم مبشر أنها سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها». (صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب: من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم، (8/ 3635)، رقم (6287).).
                            قال العلماء: معناه: لا يدخلها أحد منهم قطعا، كما صرح به في الحديث الذي قبله، وإن اعترض أحد بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (مريم: ٧1)، قلنا:
                            إن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط، وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون، (شرح صحيح مسلم، النووي، عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط2، 1422 ﻫ / 2001م، (8/ 3635).).
                            ولقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (مريم:72).
                            ولقد نال المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - كل هذا الفضل، وكان له حظ من تلك البشارات التي بشر بها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحاب البيعة، إذ إنه - رضي الله عنه - قد أسلم عام الخندق، وكانت أول مشاهده الحديبية، ثم شهد اليمامة، وفتوح الشام والقادسية، ونهاوند، وغيرهما.
                            قال عنه الحافظ الذهبي: "من كبار الصحابة أولى الشجاعة والمكيدة، شهد بيعة الرضوان، كان رجلا مهيبا، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل: يوم القادسية". (سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410 ﻫ / 1990م، (3/ 21).).
                            ولقد بين موقفه في الحديبية مدى حبه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرته عليه، إذ بعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكلمه، فأتاه فكلمه، وجعل يمس لحيته، والمغيرة قائم على رأس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقنع بالحديد، فقال المغيرة لعروة: كف يدك قبل ألا تصل إليك. (سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410 ﻫ / 1990م، (3/ 22) بتصرف.).
                            ولعل هذه الوقعة تؤكد حضوره - رضي الله عنه - هذه البيعة المباركة، التي لم يحضرها أحد إلا دخل الجنة، كما أخبر الحبيب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
                            ولما كان الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فكيف نتصور وقوع هذه الفاحشة من صحابي أحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد معه من المشاهد ما شهد، وشهد له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدخول الجنة، وعدم دخوله النار، وفضلا عن هذا وذاك فقد رضي الله عنه كما أخبر في كتابه العزيز؟!.
                            وإذا كان هذا حاله - رضي الله عنه - فقد ثبتت لكل ذي لب عدالته - رضي الله عنه - ونزاهته، وبعده عن الفاحشة وما يقرب إليها من قول وعمل.
                            ثانيا. بطلان هذه الشبهة عقلا ونقلا:
                            لقد ثبت بالنقل أن نصاب الشهادة عليه - رضي الله عنه - بالزنا لم يكتمل، ولا يمكن لأحد أن يتهمه - رضي الله عنه - بتلك الفاحشة البغيضة من غير اعتراف، أو شهادة أربعة رجال، وكلا الأمرين معدوم، وقد جلد عمر - رضي الله عنه - الثلاثة الذين اتهموه بالزنا، لعدم اكتمال نصاب الشهادة بعد تردد الرابع، وعدم شهادته، ولم يصنع شيئا مع المغيرة لعدم ثبوت أصل الواقعة شرعا.
                            وقد قرر الفقهاء في كتبهم شروطا لإثبات هذه الجريمة، واتفقوا على أن الزنا يثبت بالإقرار أو بالشهادة، ثم ذكروا شروطا أخرى لإقامة الحدود، ومنها الزنا.
                            فإذا شهد ثلاثة، وقال الرابع: رأيتهما في لحاف واحد، ولم يزد عليه، يحد الثلاثة، ولا حد على الرابع، وإن شهد شهود دون أربعة في مجلس الحكم بالزنا حدوا بالاتفاق حد القذف؛ لأن عمر حد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا. (الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1409 ﻫ / 1989م، (6/ 48) بتصرف.).
                            وبعدم اكتمال نصاب الشهادة يسقط الزعم بأنه - رضي الله عنه - وقع في الزنا ولا يثبت شيء منه، كما أن كثيرا من تلك الروايات بها زيادات، ولم تصح أصلا من ناحية إسنادها على نحو ما سنبين لاحقا.
                            وبالعقل أيضا يتضح لنا فساد هذه الشبهة؛ إذ إنه - رضي الله عنه - كان كثير الزواج، فأي حاجة ليفعل الحرام وعنده من الحلال ما يكفيه؟! سواء من الإماء والجواري أو الزواج بالحرائر.
                            وكان المغيرة يقول: صاحب الواحدة إن مرضت مرض، وإن حاضت حاض، وصاحب المرأتين بين نارين تشتعلان. (سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410 ﻫ / 1990م، (3/ 31).).
                            فما الداعي إذن للبحث عن قضاء الشهوة في الحرام إذا كانت متوافرة في الحلال، لا سيما من صحابي جليل كالمغيرة رضي الله عنه؟!.
                            ومن جانب آخر تسقط هذه الشبهة لما عرف عن غيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على حرمات الله، وقوته في دينه، حتى إن الشيطان يخشاه، فهل من المعقول أن يحابي هذا الرجل - عمر - أحدا في حد من حدود الله كائنا من كان، فلو صح الزنا من المغيرة لحده؟!.
                            فلقد أقام عمرو بن العاص الحد على أحد أبناء عمر بن الخطاب في مصر، ثم عاقبه عمر نفسه بالجلد، وقيل: إنه توفي بعد ذلك على أثر هذا الجلد. (فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، د. علي محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص454).
                            فهل كان عمر - رضي الله عنه - يحابي المغيرة بن شعبة، ويقيم الحد على ابنه؟!.
                            ثالثا. القصة لم تثبت بطريق متفق على صحته:
                            إن القصة التي استدل بها المغرضون على صحة دعواهم لم تثبت بطريق متفق على صحته، وإنما رواها سيف بن عمر المؤرخ، وهو مجروح العدالة، وأرسلها معه أبو حذيفة البخاري بغير إسناد، ولا يعرف حاله، وأسندها أبو عتاب الدلال عن أبي كعب صاحب الحرير.
                            (العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1429 ﻫ / 2008 م، (1/ 670) بتصرف.).
                            ويؤكد ذلك ما ذكره الذهبي في "السير" قال: "ذكر القصة سيف بن عمر، وأبو حذيفة البخاري مطولة بلا سند، وسيف بن عمر هو كالواقدي متروك") سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410 ﻫ / 1990م، (3/ 27) بتصرف.).
                            وعلى فرض صحة القصة، فقد ثبتت براءته - رضي الله عنه - إذ إن المرأة التي اتهموه بها - رضي الله عنه - إنما هي زوجته، ولشبهها بأم جميل، فإنهم ظنوا أنها أم جميل.
                            ولذا فإن ذلك الأمر الذي حصل - إن جزمنا بحصوله واقعا - لم يكن مع امرأة أجنبية، بل كان مع زوجة من نسائه تشبه تلك التي ظنوا عليها فعل الفاحشة مع ذلك الصحابي الجليل.
                            قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "يظهر لنا في هذه القصة أن المرأة التي رأوا المغيرة - رضي الله عنه - مخالطا لها عندما فتحت الريح الباب عنهما: هي زوجته، ولا يعرفونها، وهي شبه امرأة أخرى أجنبية - أم جميل - كانوا يعرفونها تدخل على المغيرة وغيره من الأمراء، فظنوا أنها هي، فهم لم يقصدوا باطلا، ولكن ظنهم أخطأ، وهو لم يقترف فاحشة؛ لأن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعظم فيهم الوازع الديني الزاجر عما لا ينبغي في أغلب الأحوال، والعلم عند الله تعالى.( مذكرة في أصول الفقه، محمد الأمين الشنقيطي، دار العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط4، 1425 ﻫ / 2004م، ص124.).
                            ولعل هذا يبرئ ساحة الصحابي الجليل "المغيرة بن شعبة"، كما أنه يبرئ القاذفين أيضا، إذ تبين أنهم ظنوا أنها "أم جميل" والظن لا يغني من الحق شيئا.
                            ولعل الشنآن الحاصل بين المغيرة وأبي بكرة هو ما دفع أبا بكرة لتصديق هذا الظن، ولأنها أيضا كانت تشبه أم جميل، ومن المحتمل أن يكون استشكال الأمر عليهم نابعا من كون امرأة المغيرة منتقبة فهم لا يعرفونها، أما أم جميل فإنها لم تكن منتقبة فكانت معروفة، وقد يستشكل الأمر على أي إنسان لشبه إنسان مغمور بآخر مشهور، وهو ما حدث فظنوا أنها هي، ولم تكن هي؛ ولذلك قال أبو بكرة حينما سأله عمر رضي الله عنه: فكيف استثبت رأسها؟ قال: تحاملت، وفي التحامل مظنة الخطأ مع وجود الشبه، ثم جاء زياد ليرجح أحد الفريقين على الآخر فسأله عمر: هل رأيت الميل في المكحلة؟ قال: لا. قال: فهل تعرف المرأة؟! قال: لا، ولكن أشبهها. فرجحت كفة المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - وظهرت براءته، ولقد قال قبلها لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لكي يثبت براءته: سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني، مستقبلهم أو مستدبرهم؟ وكيف رأوا المرأة أو عرفوها؟ فإن كانوا مستقبلي، فكيف لم يستتروا! أو مستدبري، فكيف استحلوا النظر في منزلي على امرأتي! والله ما أتيت إلا امرأتي، وكانت شبهها.
                            فلما لم يكتمل نصاب الشهادة كبر عمر، ثم أمر بالثلاثة فجلدوا الحد، وهو يقرأ قوله سبحانه وتعالى: ﴿ لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (النور:13، ومما يؤكد أن عمر - رضي الله عنه - لم يحاب أحدا قوله للمغيرة: والله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجار كالبداية والنهاية، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400 ﻫ / 1980م، (4/ 205، 206) بتصرف.).
                            وبه يتبين لنا - كما تبين لمجتمع الصحابة قاطبة - فساد هذه الشبهة لبنيانها في القديم على الظن، والآن على الجهل بما يثبت براءة المغيرة رضي الله عنه.
                            ولو أن عمر لم يحده، وقد صح الزنا منه، لأنكر ذلك أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو لم يحدث فثبتت براءة الصحابي رضي الله عنه.
                            (العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1429 ﻫ / 2008 م، (1/ 670).
                            ومعروف أيضا تشدد عمر مع ولاته، وقد ولى المغيرة بعد تلك الحادثة إمرة الكوفة، فلو ثبتت التهمة عليه أو ظن منه وقوع ذلك ما ولاه عمر - رضي الله عنه - ولاية الكوفة بعد هذه الحادثة، ولكن ما حدث يعني اقتناع عمر بعدم حصول تلك الواقعة، أو اقتناعه أنها كانت زوجته، بل نقول: إن المجتمع كله قد اقتنع ببراءته - رضي الله عنه - وعلم ذلك، وإلا لقامت عليه الدنيا ولم تقعد، ليس وحده بل هو وعمر رضي الله عنهما وهو ما لم يحدث.
                            ومما سبق تتبين براءة المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - من الزنا على فرض صحة القصة، هذا فضلا عن أن القصة لم تثبت بطريق متفق على صحته، مما يدل على أن القصة ربما تكون غير صحيحة.
                            الخلاصة:
                            1- لقد كان المغيرة بن شعبة صحابيا جليلا حضر بيعة الرضوان، وصلح الحديبية، ومكانته في الإسلام لا تنكر، وهذا بشهادة الله تعالى لكل من حضر تلك البيعة؛ إذ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (الفتح: ١٨) ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ تَابَعَهُ الْأَعْمَشُ سَمِعَ سَالِمًا سَمِعَ جَابِرًا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَ مِائَةٍ وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ الْمُهَاجِرِينَ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.
                            وكان المغيرة - رضي الله عنه - من جملة هؤلاء الذين رضي الله عنهم، ولقد شهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بالجنة في جملة من شهد لهم، فقال ردا على من قال ليدخلن حاطب النار: «لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية»، وقال لأهل الحديبية: «فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولامدكم»، فكيف يعقل أن يرضي الله عن رجل ويبشره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة والنجاة من النار، ثم يقع في هذه الفاحشة النكراء؟!.
                            2- إن النقل والعقل ليقرران فساد هذه الشبهة، إذ إنه لا يمكن لأحد أن يتهمه - رضي الله عنه - بتلك الفاحشة البغيضة من غير اعتراف، أو شهادة أربعة رجال، وكلا الأمرين معدوم، فعدم اكتمال نصاب الشهادة يسقط القول بأنه - رضي الله عنه - وقع في الزنا، وبالعقل فإنه - رضي الله عنه - كان كثير الزواج، وعنده من الإماء الكثير؛ فأي حاجة ليفعل الحرام وعنده من الحلال الكثير؟!.
                            3- كما عرف عن عمر - رضي الله عنه - شدته في الدين وغيرته على حدود الله، فلو ثبت الزنا على المغيرة - رضي الله عنه - لحده عمر - رضي الله عنه - ولو لم يحده - وقد صح عنه الزنا - لأنكر ذلك على عمر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولما لم يحدث شيء من هذا كله ثبتت براءة المغيرة - رضي الله عنه - ويؤكد ذلك أن عمر - رضي الله عنه - قد ولاه بعد هذه الحادثة إمرة الكوفة، ولو كان يظن وقوع ذلك منه لما وثق به بعد ذلك، ومعلوم تشدد عمر - رضي الله عنه - مع ولاته فيما هو أهون من ذلك، وهذا يؤكد لنا براءة ساحة الصحابي الجليل وعدالته رضي الله عنه.
                            4- إن القصة التي استندوا إليها في اتهام هذا الصحابي الجليل بالزنا قصة لم تثبت بطريق متفق على صحته، وإنما رواها بعض المجروحين من المؤرخين مثل سيف بن عمر وغيره، وأوردها أبو حذيفة البخاري بغير إسناد، وهذا يضعف حقيقتها.
                            5- ومما يؤكد براءته أن المرأة التي اتهموه بها - رضي الله عنه - كانت زوجته وكانت تشبه أم جميل فظنوا أنها هي، فهم لم يقصدوا باطلا ولكن ظنهم أخطأ، وهو لم يقترف فاحشة، ولذلك قال المغيرة رضي الله عنه: "والله ما أتيت إلا امرأتي وكانت تشبهها"، كما أنه كان في بيته، ولما لم يكتمل نصاب الشهادة كبر عمر - رضي الله عنه - ثم أمر بالثلاثة فجلدوا الحد (حد القذف)وهم:
                            1-أبو بَكرَة نُفَيع بن مَسرُوح الحَبَشي. وقيل أبوه الحارث بن كَلَدَة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العُزّى بن عَوْف بن قيس وهو ثقيف، واُم أبي بكرة سُمية جارية، وكان من عُبَيْد الحارث. ولمّا حاصر النبي الطائف تدلّى من حِصن الطائف ببكرَة ونزل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعتقه رسول اللّه وكنّاه أبا بكرة وهو من موالي الرسول. سكن البصرة وكان ممن اعتزل الجمل بسبب رواية رواها عن الرسول وتوفي بها سنة 51 ه‍. الاستيعاب 3 / 538 و4 / 24، والا صابة 3 / 542.
                            2- نافعُ بن الحارث بن كَلَدّة الثقفي واُمّه سميّة مولاة الحارث، وقد اعترف الحارث ببنوته له، وكان ممّن سكن البصرة وأول من اقتنى بها إبلاً واقطعه عمر بن الخطاب عشرة أجربة من أراضيها. الاستيعاب 3 / 512، والاصابة 3 / 514..
                            3- شِبْل بن مَعْبَد بن عُبَيْد بن الحارث بن عمرو بن علي بن أسلم بن أحمس البَجَلي الاحمسي، اختلفوا في أنّه صحابي أدرك النبي أم أنّه تابعي. الا صابة 2 / 159، ونسبه في جمهرة ابن حزم ص 389 .
                            4- ولم يكن زياد حضر ذلك المجلس، فأمر عمر أن يُنحّى الشهود الثلاثة وأن لا يجالسهم من أهل المدينة أحد وانتظر قدوم زياد فلمّا قدم وجلس في المسجد واجتمع رؤوس المهاجرين والانصار قال المغيرة: وكنت قد أعددت كلمة أقولها، فلمّا رأى عمر زياد مقبلاً قال: إنّي لأرى رجلاً لن يخزي اللّه على لسانه رجلاً من المهاجرين(وقد أورده ابن خلكان في 5 / 406 من وَفَيات الاعيان بترجمة يزيد بن مُفَرّغ.)، وقد روى قول عمر هذا لزياد كل من اليعقوبي في تاريخه 2 / 124، وفي كنز العمال 3 / 88 الحديث 12682، وفي مُنْتَخَبِه 2 / 413 قال عمر: إني أرى غلاماً كَيساً لن يشهد إن شاء اللّه إلاّ بحقّ. وفي الاصابة واُسد الغابة بترجمة شبل قريب من ذلك. وفي رواية أبي الفداء 1 / 171 أن عمر قال لزياد: (أرى رجلاً أرجو ألا يفضح اللّه به رجلاً من أصحاب رسول اللّه).
                            وفي رواية الاغاني عن أبي عثمان النَّهدي (أبو عثمان عبد الرحمن بن مُلّ بن عمرو بن عدي بن وهب بن ربيعة بن سعد بن كعب بن جذيمة بن كعب. أسلم في عصر الرسول وشهد القادسية وما بعدها. مات سنة 100 ه‍ بعد أن عمّر أكثر من 130 سنة. الاستيعاب 2 / 419 ـ 421. ونسبه بجمهرة ابن حزم ص 447.): (أنّه لمّا شهد الشاهد الاول عند عمر تغيّر لذلك لون عمر، ثم جاء الثاني فشهد فانكسر لذلك انكساراً شديداً، ثم جاء الثالث فشهد فكأنّ الرَّماد نُثِرَ على وجه عمر. فلمّا جاء زياد جاء شاب يخطُر بيديه، فرفع عمر رأسه إليه وقال: ما عندك أنت يا سَلَحَ العُقاب (وفي رواية اليعقوبي 2 / 124 وابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم 12 / 237 قال له عمر: (ما عندك يا سَلَحَ العُقاب) والسلح التّغوّط وهو خاصّ بالطائر وكان زياد يلبس ثياباً بيضا.) وصاح أبو عثمان النَّهدي صيحة تحكي صيحة عمر.
                            قال الراوي: لقد كدت أن يُغشى عليّ لصيحته.
                            فقال المغيرة: يا زياد أُذَكّرك اللّه وأُذَكّرك موقف القيامة، فإنّ اللّه وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي إلى أن تتجاوزه إلى ما لم تر.
                            فقال زياد: يا أمير المؤمنين أما أن اُحقّ ما حقّ القوم فليس عندي، ولكنّي رأيت مجلساً قبيحاً، وسمعت نفساً حثيثاً وانبهاراً، ورأيته مُتَبَطّنها فقال عمر: أرأيته يُدخل ويُخرج كالميل في المكْحَلَة؟ قال: لا! قال أبو الفرج: وروى كثير من الرواة أنّه قال: رأيته رافعاً برجليها ورأيت خصيصته مُترَدّدين بين فخذيها وسمعت حفزاً شديداً وسمعت نفساً عالياً.
                            فقال عمر: أرأيته يُدْخِله ويُخرجه كالميل في المكحلة؟ قال: لا.
                            فقال عمر: اللّه أكبر، قم يا مغيرة إليهم فاضربهم، فجاء المغيرة إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين! وروى قوم أن الضارب لهم الحدّ لم يكن المغيرة. وأعجب عمر قول زياد ودرأ الحدّ عن المغيرة) انتهى.
                            فقال حسّان بن ثابت يهجو المغيرة ويذكر هذه القصّة:
                            لَو أنَّ اللُّؤمَ يُنْسَبُ كانَ عَبْداً
                            قبيح الوجه أعورَ من ثَقيف
                            تركت الدين والاسلام لمّا
                            بَدَت لك غُدْوَة ذاتُ النَّصيف(ذات النصيف: ذات الخمار)
                            وراجعت الصّبا وذَكَرت لَهواً
                            مع القينات في العمر اللطيف


                            تعليق


                            • #29
                              المطلب الثالث البينات

                              الخبرة والقرائن

                              الفرع الأول

                              القضاء الشرعي في مصر

                              جاء القضاء الشرعي إلى مصر مع الفتح الإسلامي، وأثناء الاحتلال الفرنسي لمصر (1798-1801) جرت محاولات لتنحية القضاء الشرعي، وباءت بالفشل، وظل هذا النظام خلال معظم حكم محمد علي (1805-1848) وامتد اختصاص المحاكم الشرعية ليشمل: الأحوال الشخصية، والقضايا: المدنية والتجارية والجنائية وكذلك الدعاوى: العينية والعقارية والوقفية، ويبلغ عدد المحاكم الشرعية 137 محكمة مقسمة على ثلاث درجات
                              1. محكمة شرعية عليا، مقرها القاهرة ولها دائرتا استئناف إحداهما في الإسكندرية والأخرى في أسيوط، وكان يشمل اختصاصها البلاد كلها وأحكامها تصدر من خمسة قضاة،
                              2. و14 محكمة ابتدائية في كل من القاهرة، الإسكندرية، طنطا، الزقازيق، المنصورة، بني سويف، أسيوط، وقنا وكانت أحكامها تصدر من ثلاثة قضاة،
                              3. و120 محكمة شرعية جزئية متعددة تقع في دائرة اختصاص كل محكمة ابتدائية وأحكامها تصدر من قاض واحد، وكان للمحاكم الشرعية الولاية الكاملة على كل ما يختص بالأموال.
                              وفى سبتمبر 1955 صدر قرار بإلغاء المحاكم الشرعية، بعد حملة شرسة قامت بها صحف القاهرة لطخت فيها القضاء الشرعي بكل ما هو مستقذر، على إثر تلفيق قضية لقاضيين من قضاته الأجلاء، هما فضيلة الشيخ عبد الفتاح سيف، وفضيلة الشيخ عبد القادر الفيل، استخدمت فيها امرأة تحوطها شبهة!!. لم يكن أحد ليتخيل أن يتم إلغاء نظام المحاكم الشرعية في مصر كون أنها أقدم المحاكم التي تشكلت بمصر منذ العصر العثماني حتى خمسينيات القرن الماضي.
                              ولم يكن أيضاً لأحد أن يتخيل أن تنتهي المحاكم الشرعية بسبب ملف أخلاقي تم اتهام أكبر شيخين في المحكمة الشرعية على إثره وذلك طبقاً لقانون البينات..
                              والسؤال: كم عدد وسائل الإثبات في قانون البينات؟

                              الجواب:
                              1) الأدلة الكتابية 4) الإقرار.
                              2) الشهادة. 5) اليمين.
                              3) القرائن. 6) المعاينة والخبرة.



                              بداية ومن خلال تلك المباحث سوف يكون مدخلنا من نقطة في منتهى الأهمية والتي تتمثل في نوعية القضايا التي تمثلها المحاكم الشرعية ومنها القضايا الأخلاقية.
                              ففي سبتمبر 1955 صدر قرار بإلغاء المحاكم الشرعية إثر فضيحة أخلاقية وصفها الإعلام المصري وقتها بأنها الأسوأ في بداية عهد الثورة، لكن كان التاريخ له موقف آخر حيث أن ملابسات القضية بها ما يشير إلى أنها مجرد تهيئة للأجواء قبل صدور القرار.
                              بعض الجرائم لا يمكن الوصول إلى فاعليها، فتظل عالقة في الهواء، لا القانون استطاع أن يكشفها ولا الشهود توصلوا إلى الفاعلين. على الرغم من ذلك يبقى الانتقام الإلهي قادراً، دون غيره، على تحقيق القصاص من المجرمين معدومي الضمير، الذين ساعدتهم الظروف في الهروب من فخ القبض عليهم، ناسين أن العدالة الإلهية لا تعرف عبارة «ضد مجهول».
                              لغز آخر في سلسلة القضايا الغامضة في تاريخ الجريمة التي تقع فوق أرض مصر... لغز مثير يكشف عما يدور أحياناً في كواليس القضايا الكبرى التي تشغل الرأي العام ثم تتحول إلى علامة استفهام وسؤال عريض يبقى طويلاً... بلا إجابات؟.
                              إنها قضية الموسم كما أطلق عليها الإعلام وقت وقوعها. والحقيقة أنها قضيتان وليست قضية واحدة... ولا يمكن النظر إلى الأولى من دون الثانية. والمثير أن دور البطولة في كل واحدة منهما محجوز لأحد كبار المستشارين من رجال القضاء... في الأولى كان المستشار المتهم الرئيس فوق الأوراق الرسمية التي حققتها محكمة الجنايات... وكانت تهمته في غاية البشاعة وتدور حول اغتصابه إحدى المتقاضيات في دعوى منظورة أمامه، ثم القبض عليه!.
                              والأكثر إثارة أنه على رغم القبض على معالي المستشار متلبساً، كما تقول أوراق التحقيقات، وعلى رغم أن أحراز القضية كانت مما يندى له الجبين... فإن الحقيقة التي تكشفت بعد ذلك كانت مفاجأة من العيار الثقيل. كذلك كان في القضية الثانية المستشار رئيس محكمة الجنايات التي أصدرت الحكم في قضية المستشار الأول... والطريقة التي انتهت بها حياته... وهذا يدعونا إلى أن ندلف وبسرعة إلى قلب هذا الملف الخطير بكل ما فيه من أسرار!.
                              خلاصة تلك القضية، كما يذكر الكاتب ياسر بكر، خبر صحفي أشار إلى ضبط القاضيين عبد الفتاح سيف وكيل محكمة الإسكندرية الشرعية، وعبد القادر الفيل قاضي محكمة المنشية في إحدى الفيلات في حالة تلبس بتلقي رشوة جنسية من ثلاث من النساء المتقاضيات، نظير الحكم لهن في القضايا المنظورة أمامهما ألقي القبض على الشيخين و النسوة الثلاث بالإضافة إلى اثنين من أبناء صاحب الفيلا وشقيقتهما سعاد ، بالإضافة إلى محامي النساء .
                              حُولِت القضية إلى النيابة ووجهت النيابة تهم للشيخين وهي قبول الرشوة الجنسية ، وحيازة المخدرات واستغلال النفوذ.
                              وأمرت النيابة بحبس القاضيين الشرعيين، وتم إيداعهما بالزنزانة رقم 22 بسجن الحدراء، كما قرر حبس كاتب المحامي وابني صاحب الفيلا.
                              وتكليف وكيل نيابة العطارين بالانتقال إلى محكمة الإسكندرية الشرعية للاطلاع على بعض الملفات، وسؤال بعض الموظفين عن أحوال تتصل بسلوك القاضيين, ثم كانت شهادة محمد مختار “حاجب المحكمة” الذي أكد بأن الشيخ الفيل كان يستقبل المتقاضيات في حجرة المداولة.
                              تم تحويل القضية إلى المحكمة ، وأصدرت المحكمة حكمها برئاسة المستشار محمد كامل البهنساوي الذي قضى:-
                              • ـ الأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة ألفي جنيه للشيخ عبد القادر الفيل رئيس محكمة المنشية الشرعية، وبراءته من تهمة الزنا.
                              • ـ الأشغال الشاقة المؤبدة للشيخ عبد الفتاح سيف وكيل المحكمة وغرامة ألفي جنيه.
                              • ـ السجن خمس سنوات وغرامة خمسمائة جنيه لكل من الشابين أصحاب الفيلا.
                              • ـ السجن 7 سنوات وغرامة 500 جنيه لدرويش مصطفى كاتب المحامي الشرعي.
                              • .براءة جميع النساء.
                              لماذا الشيخان بالذات؟
                              كان الرئيس عبد الناصر شديد الحساسية من ناحية أهله.. فكان يكفي أن يبلغه أن أحداً من الناس قال شيئاً ما عن أحد أقاربه حتى يضعه على الفور في المعتقل ويتخذ ضده من الإجراءات ما يحلو له..
                              وهذه كانت إحدى نقاط الضعف التي كان يستغلها البعض لينالوا الحظوة عنده وفي نفس الوقت ينالون من أعدائهم.
                              كان الشيخ عبد القادر الفيل معروفاً بالتهكم على الحكام الجدد، وكان يحكى لأصدقائه عن الحاج عبد الناصر حسين والد الرئيس جمال عبد الناصر، وكيف كان الباشوات يعطفون عليه، وكان والد الرئيس موظف بريد متواضعاً بالقرب من عزبة أحد الباشوات، الذي كان يتحف موظف البريد الفقير في المواسم والأعياد ببعض الصدقات، فلما تربع عبد الناصر على قمة السلطة اختار ابن الباشا من دون الخلق ليكون تابعاً له بعد أن وضعه في منطقة وسط بين الشماشرجي والسكرتير.
                              كان عبد الناصر أسير تصفية الحسابات مع الماضي، فقدم إبراهيم باشا عبد الهادي للمحاكمة، ولم ينس للرجل أنه وكزه في كتفه ناصحاً له بأن ينتبه لمستقبله، ويقطع علاقته بجماعة «الإخوان المسلمين »، واستدعى عبد المجيد إبراهيم باشا نائب أبنوب ووزير الأشغال والمواصلات الذي توسط له ليدخل الكلية الحربية ليقول له:
                              «لا تنس أنك يوماً.. خليتني أركب بجوار سائقك».
                              ولم ينجُ المستشار محمود عبد اللطيف من التنكيل، والمستشار عبد اللطيف كان يرعاه تلميذاً وتوسط له لدى عبد المجيد إبراهيم باشا، فكان جزاؤه الفصل من القضاء والسجن بتهمة التدبير لقلب نظام الحكم، وظل سجيناً إلى أن أفرج عنه الرئيس السادات بعد انقلاب 15 مايو 1971.
                              وهذا ليس له سوى تفسيراً واحداً وهو الافتراس الطبقي، وحذا الحاج عبد الناصر حسين حذو الابن في معاملة من قدموا إليه المعروف من أهل فضل بعد أن ظهرت أمارات الثراء المفاجئ على أبنائه.
                              وكان لابد من الخلاص من الشيخ عبد القادر الفيل رئيس المحكمة بالإسكندرية بعد أن أصدر حكماً ضد الصاغ صلاح سالم يلزمه بدفع نفقة شهرية لمطلقته التي طلقها، وراح يدور في ذيل الأميرة فايزة فؤاد التي سايرته في طيشه حتى ساعدها في تهريب جزء من ثروتها والهروب خارج البلاد، فلم يجد أمامه سوى الملكة فريدة التي طلبها للزواج فلقنته درساً لم يستطع نسيانه رغم التنكيل بالملكة السابقة.
                              لم يكن صلاح سالم هو الطائش الوحيد في العائلة، فقد قام أخوه الأكبر جمال بمحاولة تطليق إحدى السيدات عنوة ليتزوجها، وطبع شقيقه الأصغر كارتاً شخصياً ذكر فيه صفته بـ « شقيق جمال وصلاح سالم».
                              وشى الإخوة سالم بالقاضيين، ولاقت الوشاية هوى؛ فتم إحكام المؤامرة وتلطيخهما بقضية افتقدت الدليل على ما جاء بأوراقها من ادعاء يصعب تصديقه.
                              ومن ينظر إلى صورة السيدة شفيقة حامد شاكر (المُبلغة) في ثيابها البسيطة المتواضعة، ومظهرها البائس الذي يفتقد عوامل الفتنة، ويشي برقة الحال والجمال، ويباعد بينها وبين تصديق ادعائها بشأن مراودة القاضيين لها عن نفسها، ويكشف عن طبيعة المؤامرة القذرة التي استخدمت فيها. تتعثر خطواتها في ردهات المحكمة في طريقها لحضور جلسة محاكمة القاضيين عبد القادر الفيل وعبد الفتاح سيف..
                              وبدراماتيكية عالية أُلْغيت المحاكم الشرعية بعد تلك القضية للأبد.
                              لكن بعين التاريخ وليس بعين الأوراق الحكومية، يُنْظَر إلى تلك القضية بمنظور مختلف نجد أن شخصية درويش كاتب المحامي، كانت هي الشخصية المحورية التي تسببت في نسج خيوط المؤامرة.
                              فبالاطلاع على أوراق الدعوى نفسها نجد دور درويش الكاتب كالاتي:
                              حيث كان يتردد على المحكمة وعلم أن القاضيين يبحثان عن منزل لاستئجاره لأقارب أحدهما لقضاء فترة المصيف، وأنهما كلفا بعض موظفي المحكمة بتلك المهمة، فأوهمهما كذباً بأن لديه الفيلا المناسبة، واتفق معهما على موعد لمعاينتها.
                              وبالتوازي مع ذلك أوهم النساء اللاتي لهن قضايا في مكتب المحامي الشرعي بأنه يستطيع ترتيب مقابلة لهن مع القاضيين بعيداً عن جو المحكمة ويستطعن خلالها الحصول على كل ما يردنه.
                              وفي نفس الوقت أوهم ابني صاحب الفيلا بأنهما يستطيعان الحصول على حكم لشقيقتهما المطلقة سعاد يشرط تجهيز سهرة هوى للشيخين.
                              ليُطْرَح السؤال، لماذا الشيخين ؟..
                              نجد أن الشيخ عبد القادر الفيل معروف برفضه لـ 23 يوليو.
                              كذلك قبل تلك القضية بشهور قليلة أصدر حكماً ضد الصاغ صلاح سالم يلزمه بدفع نفقة شهرية لمطلقته التي طلقها.
                              نهاية مأساوية للقاضي:
                              أسرار القضية دُفِنَت مع القاضي الذي حكم على الشيخين فبعد أن أصدر المستشار محمد كامل البهنساوي الحكم في القضية لقي مصرعه في حادث سيارة، بينما كان يسير على كوبري قصر النيل مع صديقه وكيل وزارة الداخلية بعد أن غادرا نادي الجزيرة وفر قائد السيارة وقيد الحادث ضد مجهول.. ليوارى الرجل التراب، ومعه الكثير من أسرار القضية!!.
                              يرحم الله القاضيين الجليلين عبد الفتاح سيف، وعبد القادر الفيل اللذين استشهدا على مذابح الفضيحة، التي أحكمت حلقاتها إرادة شريرة؛ لهدم ركن من أركان حضارة مصر الإسلامية وهو القضاء الشرعي.

                              تعليق


                              • #30
                                الفرع الثاني القرينة المادية
                                ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (الآيات 26 و27 من سورة يوسف).
                                ﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)
                                وتأتي كلمة شاهد" في القرآن بمعان متعددة. فهي مرة تكون بمعنى "حضر"، مثل قول الحق سبحانه:
                                ..﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) (سورة النور).
                                وتأتي مرة بمعنى "علم"، مثل قوله سبحانه:﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا... (81) (سورة يوسف).
                                وتأتي "شهد" بمعنى "حكم وقضى" أي: رجح كلاماً على كلام لاستنباط حق في أحد الاتجاهين.
                                والشاهد في هذه الحالة وثق القرآن أن قرابته من ناحية المحكوم عليه، وهو امرأة العزيز، فلو كان من طرف المحكوم له لردت شهادته.
                                وهكذا صار الموقف رباعياً: امرأة العزيز، ويوسف، وعزيز مصر، والشاهد، وحملت الآية نصف قول الشاهد:
                                .﴿ ..إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) (سورة يوسف).
                                لأن معنى هذا -والواقع لم يكن كذلك - أن يوسف عليه السلام وهو من أقبل عليها؛ تدلى منه ثوبه على الأرض، فتعثر فيه، فتمزق القميص.
                                ويتابع الله قول الشاهد ﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27).
                                القرينة المادية التي تم التحقق من وجودها بالمعاينة الحسية، وهي واقعة تمزيق قميص سيدنا يوسف من جهة الخلف، والتي تفيد أن سيدنا يوسف لم يكن في حالة إقبال على امرأة العزيز بل العكس، أي أنه كان مدبرا عنها في الوقت الذي كانت هي فيه مقبلة عليه.
                                وهذه القرينة تم الأخذ بها نزولا عند رأى الشاهد " الخبير " كما سبق البيان وقد جاء النص القرآني واضحا أيما وضوح في عرضه لواقعة المعاينة التي دلت على قرينة البراءة بقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ... وفي القوانين الوضعية يجوز الإثبات بطريق القرائن، وهي على أنواع، فمنها القرائن القانونية القاطعة البسيطة، والقرائن القضائية التي يستخلصها القاضي ويقتنع بأن لها دلالة معينه. وقد أوردت محكمة التمييز الأردنية بعض المبادئ القانونية الخاصة بالقرينة وحجيتها في الإثبات في المسائل الجزائية فذكرت في هذا الشأن:
                                1) تعتبر القرينة طريق من طرق الإثبات، حسب نص المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، حيث نصت على أن البينة في الجنايات والجنح تقام بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية والقرينة هي استنتاج واقعة مطلوب إثباتها من واقعة أخرى قام عليها الدليل.
                                2) تقسم القرائن إلى نوعين: قرائن قانونية وقرائن قضائية (تعرف القرينة بأنها استنباط ثبوت واقعة غير ثابتة من ثبوت واقعة أخرى بسبب صلتها بها.).
                                وتقسم القرائن القانونية إلى (قرائن قانونية قاطعة) لا يجوز إثبات عكسها، كافتراض العلم بالقانون بعد نشره في الجريدة الرسمية، (وقرائن قانونية بسيطة) يجوز إثبات عكسها.
                                في حين أن القرائن القضائية تعتبر دليل غير مباشر يستخلصها القاضي من واقعة معلومات لإثبات الواقعة التي يريد إثباتها ويجب أن يكون هذا الاستخلاص متفقا مع المنطق ووقائع الدعوي. وبغير ذلك تعتبر دلائل وامارات لا ترقي إلى مرتبة الدليل المقصود في أصول المحاكمات الجزائية.
                                3) على القاضي حين يستمد اقتناعه بالقرينة أن يستظهر العلاقة المنطقية بين الواقعة التي استبثتها واستمد منها هذه القرينة وبين الواقعة المطلوب إثباتها في ادانة المميز وأن يكون استخلاصه لهذه النتيجة قائما على الجزم واليقين بعيدا عن أي شك واحتمال.
                                ويجب عند الأخذ بالقرينة أيضا، أن يتم ذلك بحذر وحيطة مع بيان الأسلوب المنطقي التي توصلت إليه المحكمة في اعتمادها القرينة، لأنها وإن كانت تصلح لأن تكون دليلا، إلا أنها من أقل البينات مرتبة.
                                4) شهادة النسوة لدي سؤالهن عن أمرهن يوم استضافتهن امرأة العزيز وأمرت سيدنا يوسف بالخروج عليهن وقت انشغالهن بتقطيع الفاكهة، والتي جاء البيان القرآني في شأنها.. ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (يوسف:51).
                                5) اعتراف امرأة العزيز انساء في الدينة أوضحت السورة موقفهن مما تناهي إلى أسماعهن عن أمر امرأة العزيز مع سيدنا يوسف، والمكيدة التي أعدتها لهن امرأة العزيز في بيتها، لما رأين يوسف وجماله وفق ما جاء في النص القرآني ﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ يوسف:31. فعندها انطلق لسان امرأة العزيز باعتراف وإقرار -غير قضائي- هذا المرة، مفاده على ما جاء في كتاب الله ﴿ قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ يوسف:32.
                                6) اعتراف امرأة العزيز في وقت لاحق بأنها هي من راود يوسف عن نفسه وأنه برئ مما ادعته لا بل وزادت في بيان البراءة بالقول إنه استعصم وأبي أن ينزلق تحت تأثير الإغراء والإغواء، وكان البيان القرآني عن ذلك واضحا لا يحتمل التأويل والشك حين قال تعالي في الآية 51 من سورة يوسف:” ﴿ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (يوسف:51).
                                ولكن المفارقة القانونية هنا تكمن في صدور الاعتراف من المشتكي لا من المتهم، اعتراف يهد أساس الشكوى وينفي الاتهام، بل إنه كان اعترافا من نوع خاص، إذا هو أثبت براءة المشتكى عليه من جهة وأدان المشتكية من جهة أخرى التي لو كانت هي المشتكى عليها فسيكون اعترافها كافيا لإدانتها وفرض الجزاء.
                                ولعل من أبجديات القانون في مجال الإثبات أن " الاعتراف أو الإقرار هو سيد الأدلة "، ورغم أن هذه المقولة شاعت بين العامة إلا أنها لا تخلو من بعد قانوني يجعلها أقرب إلى الصواب منها إلى شيء آخر. لكن الإقرار المعتد به قانونا هو الإقرار الصادر عن إرادة حرة غير معيبة، وما صدر عن امرأة العزيز يحقق هذا الشرط فهي أقرت بعكس ما ادعته طواعية من غير إكراه ولا سفه، وزاد من حجية إقرارها أنه جاء في مجلس الملك "مجلس القضاء" وهو ما يعرف قانونا بالإقرار القضائي الذي يجعل الإقرار حجة قاطعة يقوم به الدليل وتصدر على أساسه الأحكام. وما تجب ملاحظته في هذا الشأن، أن اعتراف امرأة العزيز وهي المشتكية ببراءة سيدنا يوسف مما ادعته، فضلا عن انكاره لمزاعمها أثبت يقينا وقانونا براءته عليه السلام. وعكس ذلك يعرف في العصر الحديث بـ «متلازمة جينوفيز»، أو بلامبالاة الشاهد..
                                فماذا تعرف عن لا مبالاة الشاهد «متلازمة جينوفيز» ؟..
                                إليكم القصة التالية
                                :أغلَقتْ باب الحانة الساعة الثالثة صباحًا كعادتها وأخذت في السير نحو منزلها. شابة تبلغ 28 عامًا تسير في ظلام الليل عائدةً إلى منزلها، تتلمس الأمان في وجود المنازل حولها وبعض المارة من حينٍ لآخر. لكن في يومٍ لم تدرك أنه سيكون يومها الأخير في الحياة، كان هناك شخص آخر في انتظار كيتي جينوفيز.
                                سفَّاح يهوى «جِماع الموتى»، لكن يجب أن يكنَّ شابات لا عجائز، لذا كان عليه الخروج واصطياد ضحاياه بنفسه، لا أن ينتظر هدايا الموت له كل فترة.
                                تتبَّع السفاح «وينستون موزلي» ضحيته «كيتي جينوفيز» التي لاحظت أنه يتبعها فأسرعت خطاها، جرى وراءها فهرولت نحو عمارتها، اقترب منها، فصرخت تستغيث.
                                بدأت الأنوار تشق صمت النوافذ المظلمة، كلما زاد الصراخ زادت الأضواء، وحين ارتفع الصراخ أكثر انفتحت بعض النوافذ، تصرخ في «موزلي» وتطالبه بالتوقف عن إزعاج السيدة.
                                كان «موزلي» قد تجاوز الإزعاج إلى حدِّ طعنها مرتين في الظهر، مما تسبب في صراخها الحاد الذي أيقظ الجيران.
                                بسبب صراخ الجار، ارتبك «موزلي» فهربت «كيتي» إلى شارع جانبي مظلم؛ إذ كانت أضعف من الجري لمسافة أبعد.
                                «موزلي» هو الآخر لم يبتعد كثيرًا، يقول في شهادته إنه راقب الرجل حتى أغلق النافذة، مضيفًا أن الرجل ربما قد عاد إلى النوم مرةً أخرى، فقد شعر بأنَّه قد أدى ما عليه، على حد تعبيره.
                                عاودت «كيتي» الصراخ، لكن صرخاتها هذه المرة جذبت الموت لا النجدة، ذهب إليها «موزلي» وطعنها 10 طعنات إضافية حتى تلاشت قواها. وبينما هي على آخر حدود الحياة اغتصبها «موزلي»، ثم غادر.
                                نهاية القصة، كي لا تنشغل بالأحداث عن الهدف من روايتها، أنه بعد سنواتٍ طويلة أُلقي القبض على «موزلي» بتهمة السطو، واعترف هو بجرائمه السابقة، والتي من بينها قصة كيتي. وحُكم عليه بالإعدام بالكرسي الكهربائي، لكن ولاية نيويورك كانت قد ألغت عقوبة الإعدام، فحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وانتهت حياته قبل أربع سنوات فقط، عام 2016، عن عمر ناهز 81 عامًا.
                                37 شخصًا شاهدوا الجريمة ولم يفعلوا شيئًا :
                                حادثة بشعة، أليس كذلك؟ بالتأكيد تشعر بالغضب تجاه هذا الجار الذي ترك فتاةً جريحةً وعاد لنومه!! لكن إذا تخيَّلت أنَّك الآن تقف في مسرح الجريمة، فأنت لن تكون الوحيد، ولا الثاني بعد الجار، بل ستكون الفرد رقم 38، وأن 37 فردًا قبلك شاهدوا الحادثة، أو جزءًا منها في أثناء مرورهم، ولم يتدخلوا جسديًّا لمنع المُعتدي – الذي لم يكونوا يعرفون أنه قاتل أو سفاح وقتها – أو حتى الاتصال بالشرطة.
                                أحد الشهود قال إنه ظنَّ أنهما صديقان سكارى يترنحان بعد منتصف الليل، اثنان فقط من الشهود هم من اتصلا بالشرطة بعد انتهاء الحادثة بالكامل، من بينهم امرأة تبلغ 70 عامًا ظلت تحتضن «كيتي» حتى أتت الشرطة وسيارات الإسعاف وأخذوا جسد «كيتي»، الذي أصبح جثمانًا في طريقه إلى المستشفى.
                                هكذا أُغلقت قضية «كيتي» جنائيًّا، قاتل وقتيل واعتراف وعقوبة. لكنها لم تنتهِ نفسيًّا، ليس على مستوى المعتدي، الذي أثبت الأطباء النفسيون أنه مريض بـ«اشتهاء مجامعة الموتى Necrophilia»، لكن على مستوى الشهود الذين لم يحركوا ساكنًا وهم يشاهدون تلك الجريمة.
                                إذا أزلنا الأسماء والتفاصيل المتغيِّرة، سواء كانت جريمة قتل، أو تحرشًا، أو اغتصابًا، أو سرقة حقيبة امرأة، أو إلقاء شابيْن من قطار لأنهما لم يدفعا ثمن التذكرة ولا يريدان الوقوع في يد الشرطة؛ يتبقى شيء واحد ثابت في كل السيناريوهات السابقة: الشهود.
                                أشخاص رأوا ما حدث، وكان بإمكانهم التدخل بعدة صور تضمن إنقاذ الضحية وعدم تعريض سلامتهم الشخصية للخطر في الوقت ذاته، لكنهم في نهاية الأمر، لم يتدخلوا.
                                ومن هنا خرج علماء النفس بمصطلح «تأثير المتفرج» أو «متلازمة جينوفيز» نسبةً إلى الضحية كيتي، تلك الحالة النفسية التي تُعرف أيضًا في أوساط أخرى بـ«لامبالاة المتفرج».
                                * الكثرة لا تغلب الشجاعة بل تزرع الخوف:
                                عالمان اثنان هما من حملا لواء هذا المصطلح، صكًّا وتعريفًا، «بيب لاتان»، و«جون دارلي». نشر الاثنان عدة أوراق بحثية منذ عام 1969، أي بعد قتل «كيتي» بأربعة أعوام، ليفسِّرا سر تصرُّف الشهود على حادثتها بهذه اللامبالاة. وتوصل الاثنان لاستنتاج يتلخص في أنَّه «إذا وُجد فرد واحد فقط أمام حادثة فاحتمالية أن يتقدم للمساعدة أكبر من وجود عدة أفراد أمام الحادثة نفسها».
                                استنتج العالمان أن وجود أشخاص آخرين حول الشاهد يجعل شعوره بالخطر أقل، بالتالي فاحتمالية إبلاغه أو اتخاذه أي رد فعل تكون أقل كذلك. بعض المشاركين في التجربة قالوا إنهم لم يتخذوا رد فعل لأن ثبات الآخرين جعلهم يظنون أن الأمر ليس خطرًا حقيقيًّا بالفعل، لكن هناك آخرين قالوا إنهم أدركوا وجود خطر لكنهم لم يتحركوا إحراجًا من إظهار خوفهم أمام الآخرين الهادئين.
                                على النقيض من وجود فرد واحد كشاهد على الحادثة، فإنه يدرك بدون شك أنَّه الوحيد الذي يجب عليه أن يتصرف وأن يتدخل.
                                وإذا كنت أنت من يتعرض للاعتداء، فبالتأكيد سيبدو من السذاجة تقديم النصيحة لك، لكن على الأقل يمكنك أن تتوجه بعينيك لشخص محدد، انظر في عينيه قدر استطاعتك، واطلب منه المساعدة، فإضفاء الصبغة الشخصية على الطلب يساعد في حصولك على استجابة ورد فعل مناسب من الآخرين.
                                نيوزيلندة
                                حسب المادة 150 من القانون الجنائي النيوزيلندي لعام 1961، يدخل في نطاق الجريمة فعل "عدم احترام الرفات البشرية". وفي هذه الحالة، يعتبر مضاجعة الموتى يدخل تحت طائلة القانون حسب تلك المادة، بالرغم من عدم ذكره مباشرة
                                Butterworths Crimes Act 1961: Wellington: Butterworths: 2003
                                مصر
                                في أبريل 2012، أثير مشروع قانون في مجلس الشعب المصري عن مشروعية وحق الزوج في مضاجعة الزوج لزوجته المتوفاة خلال أول 6 ساعات من وفاتها، تحت اسم قانون «مضاجعة الوداع».
                                مجلس الشعب المصري يناقش قانون مضاجعة الوداع، موقع الحق والضلال
                                ومن صحيفة الديلي ميل البريطانية dailymail.co.uk/news وبتاريخ, 29 May 2012 انقل لكم العنوان التالي:
                                Egypt's 'plans for farewell intercourse law so husbands can have sex with DEAD wives' branded completely false
                                By DAILY MAIL REPORTER
                                خطط مصر لقانون جماع الوداع والذي يمكن الزوج من ممارسة الجنس مع زوجته المتوفاة..
                                https://www.dailymail.co.uk/news/art...#ixzz1tBp6zpUQ


                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة دكتور أشرف, 14 ينا, 2024, 03:18 م
                                ردود 0
                                17 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة دكتور أشرف
                                بواسطة دكتور أشرف
                                 
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 20 فبر, 2023, 03:45 ص
                                ردود 0
                                213 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة دكتور أشرف, 9 فبر, 2023, 12:19 ص
                                ردود 0
                                40 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة دكتور أشرف
                                بواسطة دكتور أشرف
                                 
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 ديس, 2021, 09:29 ص
                                ردود 0
                                304 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 25 نوف, 2021, 06:30 ص
                                رد 1
                                515 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة مصري مسلم
                                بواسطة مصري مسلم
                                 
                                يعمل...
                                X