أما آن لك أن تعتنق الإسلام ؟!

تقليص

عن الكاتب

تقليص

في حب الله مسلم اكتشف المزيد حول في حب الله
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وهكذا كان محمَّدٌ أبًا وقائدًا وداعية
    وهكذا كان محمَّدٌ أبًا وقائدًا وداعية




    قد تعجبين يا ابنتي الكريمة لو قلتُ لكِ أنَّ زينب بنت النَّبيّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كانت متزوِّجة من رجُل غير مُسلم !
    نعم , إنَّه أبو العاص بن الرَّبيع , ابنُ أخت السَّيِّدة خديجة , زوجة النَّبيِّ . وقد كان تاجرًا معروفًا بأمانته , وكانت خديجة تَعُدُّه بمَنْزلة ولَدها , فسألَتْ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن يُزوِّجَه ابنتهما زينب , وذلك قبل أن يُبْعثَ نبيًّا , ففَعل . فلمَّا أكرم اللَّهُ محمَّدًا بالنُّبوَّة , أسلمَتْ خديجة وبناتها , وأصرَّ أبو العاص على البقاء على دين قَومه . ومع هذا , لم يُكْرهْهُ النَّبيُّ على اعتناق الإسلام , ولم يُجْبِر ابنتَه زينب على مفارقة زوجها .
    قال ابن إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة وإضافة بعض التَّعاليق على الأحداث : وجاء كبارُ قُريش إلى أبي العاص , وقالُوا له : فارقْ زوجتَك , ونحنُ نُزوِّجك أيَّ امرأة من قريش شئْت . فقال : لا واللَّه , لا أفارقُ صاحبتي , وما أحبُّ أنَّ لي بها امرأةً من قُريش . وكان رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يُثني عليه خيرًا .
    ومَرَّت السَّنوات , وهاجر النَّبيُّ إلى المدينة , وبقيَتْ زينبُ مع زوجها بمكَّة . وهاجر المسلمون خُفْيَة بعد أن تركُوا أموالَهم وديارَهم , فاستوْلَى عليها المشركُون .
    وفي السَّنة الثَّانية من الهجرة , جاءت الأخبار إلى سادات قُريش أنَّ قافلَتهم التِّجاريَّة المقبلة من الشَّام سيَتعرَّضُ لها المسلمون . فخرجُوا في ألْفٍ من رجالهم لإنقاذ تجارتهم , وخرج معهم أبو العاص بن الرَّبيع . وَوقعتْ بينهم وبين المسلمين معركة بمكان اسمُه بَدْر , فانتصر المسلمون , وقُتِلَ ساداتُ قُريش , وأُسِر منهم سَبعون , وكان من بين الأسرى أبو العاص . فبعَثتْ قُريش تَفْتَدِي رجالَها الذين أُسِرُوا , وكان هذا الأمرُ معمولاً به عند العرب . وبَعثتْ زينبُ بمالٍ لِفِداء زوجها , وبعثَتْ قلادةً لها كانت السَّيِّدة خديجة أدْخَلَتْها بها على أبي العاص حين تزوَّجها .
    نعم , حتَّى زينب رضي اللَّه عنها , وهي بنتُ النَّبيّ , لَمْ تستغلَّ قَرابَتها هذه , بل بعثَتْ بالمال لِفِداء زوجها , تمامًا مثلَما فَعلَ بقيَّةُ النَّاس !
    فلَمَّا رأى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم القلادة , رقَّ لابنته رقَّةً شديدة , وقالَ لأصحابه : إن رأيتُم أن تُطلِقُوا لها أسيرها , وتَرُدُّوا عليها مالَها , فافعَلُوا . قالُوا : نعم يا رسولَ اللَّه . فأطْلَقُوه , ورَدُّوا عليها الذي لها .
    وقد كان بإمكان النَّبيِّ أن يُصدر أوامره , بصِفَته قائد جيش المسلمين , بإطلاق سراح زوج ابنته . ولكنَّ عدْلَه لم يَسْمح له بذلك , فتقدَّم بالطَّلب مثل أيِّ إنسان عادي , وتركَ لِجُنُوده حرِّيَّة الرَّفض أو القَبُول !

    وأُطلِقَ أبو العاص من الأسر , وأخذَ عليه النَّبيُّ العهدَ أن يُخلِّي سبيلَ ابنته , ففعلَ , وقَدمتْ زينبُ إلى المدينة .
    وأقام أبو العاص بمكَّة , حتَّى إذا كان قُبَيْل فَتْحها , خرج إلى الشَّام يُتاجر بماله وبأموال رجالٍ من قُريش . فلمَّا فرغ من ذلك وقفلَ راجعًا , اعترَضَ بعضُ المسلمين طريقَه , فأخذُوا ما معه وهربَ هو . فلمَّا كان اللَّيلُ , ذهبَ إلى بيت زينب , فاسْتجار بها , فأَجارَتْه , وكان هذا العُرفُ معمولاً به أيضًا عند العرب .
    فلمَّا خرج رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى صلاة الفجر وكبَّر إلى الصَّلاة وكبَّر النَّاس , صرخَتْ زينبُ من صَفَّة النِّساء : أيُّها النَّاس , إنِّي قد أجَرْتُ أبا العاص بن الرَّبيع . فلمَّا سلَّم رسولُ اللَّه , أقبلَ على النَّاس وقال : أيُّها النَّاس , هل سمِعْتُم ما سمعْتُ ؟! قالُوا : نعم , قال : أمَا والذي نَفسُ محمَّد بيَده , ما علِمْتُ بشيء من ذلك حتَّى سمعْتُ ما سمعْتُم . إنَّه يُجيرُ على المسلمين أدْناهُم . ثمَّ انصرف , فدخلَ على ابنته وقالَ : أيْ بُنَيَّة , أَكْرِمي مَثْواه , ولا يَخلُصَنَّ إليْكِ فإنَّكِ لا تَحِلِّين له .
    وكان اللَّه تعالى قد حرَّم , منذ صُلْح الحُدَيبِيَة سنة سِتٍّ للهجرة , أن يتزوَّج مسلمٌ من مُشركة , أو تتزوَّج مُسلِمةٌ من مُشرك . وأنزلَ تعالى في ذلك : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 10 } (60- الممتحنة 10) .
    لهذا , امتثلَ النَّبيُّ لِحُكْم اللَّه , وقال لابنَتِه أنَّها لم تَعُد تَحِلُّ لأبي العاص .
    وبعثَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى المسلمين الذين أخذُوا مالَ أبي العاص , فقالَ لهم : إنَّ هذا الرَّجلَ منَّا حيثُ قد علِمْتُم , وقد أصبْتُم له مالاً , فإن تُحسِنُوا وتَرُدُّوا عليه الذي له فإنَّا نُحبُّ ذلك , وإن أَبَيْتُم فهو فَيْءُ اللَّه الذي أَفاءَ عليكم , فأنتم أحَقّ به (وذلك لأنّ كفّار قريش كانُوا أخرجوهم كرهًا من مكّة , وأخذوا أموالَهم وديارَهم) . قالُوا : يا رسولَ اللَّه , بل نَرُدُّه عليه . فرَدُّوه عليه كلّه .
    فاحْتَمَلَه أبو العاص إلى مكَّة , وأدَّى إلى كلِّ ذي مالٍ من قُريش مالَه , ثمَّ قال : يا معشر قُريش , هل بَقِيَ لِأحَدٍ منكُم عندي مالٌ لم يأخُذْه ؟ قالُوا : لا , فجزاكَ اللَّه خيرًا , فقد وَجدْناكَ وَفيًَّا كريمًا . قالَ : فأنا أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّ محمَّدًا عبْدُه ورسولُه ! واللَّهِ ما منَعَني من الإسلام عِنْدَه إلاَّ مخَافَة أن تظُنُّوا أنِّي إنَّما أردتُ أن آخُذَ أموَالَكم , فلمَّا أدَّاها اللَّهُ إليكُم وفَرغْتُ منها , أسلمْتُ . ثمَّ عاد إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فرَدَّ إليه زينب .

    وفي قصَّة أخرى , قالَ ابن إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة : جلسَ عُمَيْر بن وهب الجمَحي مع صفْوان بن أُميَّة يومًا في الحِجْر بعد معركة بدر , يَذكُران قَتْلاهم . وكان عُمَيْر شيطانًا من شياطين قُريش , وكان مِمَّنْ يُؤذي رسولَ اللَّه وأصحابَه عندما كانوا بمكَّة , وكان ابنُه وَهْب في أسارى بدر . فقالَ صفْوان : واللَّهِ ما في العيش بَعْدَهم من خير . قال عُمَيْر : صدقْت , أمَا واللَّهِ لوْلاَ دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْس له عندي قَضاء , وعِيَالٌ أخْشَى عليهم الضَّيْعَة من بعدي , لَرَكِبْتُ إلى محمَّد حتَّى أقتُله , فإنَّ لي قِبَلَهم عِلَّة : ابني أسيرٌ في أيْديهم . فاغْتَنَمها صفْوان وقال : دَيْنُكَ عَلَيَّ , أنا أقْضِيه عنْك , وعِيَالُكَ مع عِيَالي أُوَاسِيهم ما بَقُوا , لا يَسَعُني شيءٌ ويَعْجز عنهم . قال : فاكْتُم عنِّي شأني وشأنك , قالَ : أفْعَل .
    فأمَر عُمَيْر بسَيْفِه فشُحِذَ له وسُمَّ , ثم انطلَقَ حتَّى قدم المدينة . فبينما عُمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه في نَفَرٍ من المسلمين يتحدَّثُون عن يوم بدر ويَذكُرون ما أكْرمهم اللَّهُ به , إذ رأى عُمَيْرًا حينَ أناخَ على باب المسجد مُتَوَشِّحًا سَيْفَه . فقالَ : هذا الكلْبُ عدوُّ اللَّه عُمَيْر بن وهْب , واللَّهِ ما جاء إلاَّ لِشَرّ ! ودخلَ على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال له : يا نبيَّ اللَّه , هذا عدُوُّ اللَّه عُمَيْر بن وهْب قد جاء مُتَوَشِّحًا سيْفَه , قالَ : فأدْخِلْه عَلَيَّ . فأقبَل به عُمر وقد أخذ بِحمالة سيْفه في عُنقه , وكان قال لرِجالٍ من مُسلِمي المدينة : ادخُلُوا على رسول اللَّه فاجْلِسُوا عنده , واحذَرُوا عليه من هذا الخبيث فإنَّه غير مأْمون .
    فلمَّا رآه رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , قالَ : أرْسِلْهُ يا عُمر , ادْنُ يا عُمَيْر . فدَنَا وقال : أنْعِمُوا صباحًا , وكانت تحيَّة العرب بينهم . فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : قد أكْرَمَنا اللَّهُ بتَحيَّةٍ خيْر من تحِيَّتك يا عُمَيْر : بالسَّلام , تحيَّة أهل الجنَّة . قالَ : أمَا واللَّهِ يا محمَّد إنْ كنتُ بها لَحَديث عَهْد . قالَ : فمَا جاء بكَ يا عُمَيْر ؟ قال : جئْتُ لهذَا الأسير الذي في أيْديكُم , فأحْسِنُوا فيه . قال : فمَا بالُ السَّيف في عُنُقِك ؟ قال : قبَّحَها اللَّهُ من سُيُوف , وهل أغْنَتْ عنَّا شيئًا ؟ قال : اصْدُقْني , ما الذي جِئْت له ؟ قال : ما جئْتُ إلاَّ لذلك .
    قال : بل قعدْتَ أنتَ وصفْوان بن أميَّة في الحِجْر , فذَكَرْتُما قَتْلى قُريش , ثمَّ قُلْتَ : لولاَ دَيْنٌ عَلَيَّ وعِيَالٌ عندي لَخَرجتُ حتَّى أقتُلَ محمَّدًا , فتَحمَّلَ صفْوان بن أميَّة بدَيْنك وعِيَالك على أن تقتُلَني له , واللَّهُ حائلٌ بيْنَكَ وبيْن ذلك !
    فقالَ عُمَيْر : أشهدُ أنَّكَ رسولُ اللَّه ! قد كنَّا يا رسولَ اللَّه نُكذِّبُك بما كنتَ تأتينَا به من خَبَر السَّماء وما يَنزلُ عليكَ من الوَحْي , وهذا أمرٌ لم يَحْضُرْه إلاَّ أنا وصفْوان , فوَاللَّهِ إنِّي لأعلَمُ ما أتاكَ به إلاَّ اللَّه , فالحمْدُ للَّه الذي هداني للإسلام وساقَني هذا المسَاق . ثمَّ شهد شهادة الحقّ , فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : فَقِّهُوا أخاكُم في دِينه وأقْرئُوه القرآن وأطلِقُوا له أسيرَه , ففَعَلُوا .
    فقالَ عُمَيْر : يا رسولَ اللَّه , إنِّي كنتُ جاهدًا على إطفاء نور اللَّه , شديد الأذَى لِمَنْ كان على دين اللَّه عزَّ وجلَّ , وأنا أحبُّ أن تأذن لي فأقْدم مكَّة فأدْعُوهم إلى اللَّه تعالى وإلى رسوله وإلى الإسلام , لعلَّ اللَّه يَهديهم , وإلاَّ آذَيْتُهم في دِينهم كما كنتُ أوذي أصحابَك في دِينهم , فأذنَ له .
    وكان صفْوان بن أميَّة , حين خرج عُمَيْر , يقولُ لقُريش : أبْشِرُوا بوَاقعةٍ تأتيكُم الآن في أيَّامٍ تُنسيكُم وقْعة بدر . وكان يسألُ عنه الرُّكْبان , حتَّى قدم راكبٌ وأخبره بإسلامه , فحلَفَ أن لا يُكلِّمَه ولا يَنفعه بنَفْع أبدًا . وقدم عُمَيْر إلى مكَّة , فأقام بها يَدْعُو إلى الإسلام كما وعَد .
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:33 ص.

    وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
    وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
    @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
    --------------------------------------
    اللهم ارزقني الشهادة
    اللهم اجعل همي الآخرة

    تعليق


    • وهكذا كان محمَّد مُربِّيًا
      وهكذا كان محمَّد مُربِّيًا




      روى الإمام مُسلِم في صحيحه عن أنَس بن مالك رضي اللَّه عنه , قال : بينما نحن (جلوسٌ) في المسجد مع رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , إذ جاء (أي دخلَ) أعرابي , فقام يبول في المسجد (أي في ناحيةٍ منه) . فقال أصحابُ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : مه , مه ! فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : لا تزرمُوه (أي لا تقطعوه عن البول) , دَعُوه ! فتَركُوه حتَّى بالَ (أي أكمل بولَه) .
      ثمَّ إنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم دَعَاه , فقال له : إنَّ هذه المساجد لا تصلُح لِشَيْءٍ من هذا البَوْل ولا القَذر (أي القاذورات) , إنَّما هي لذِكْر اللَّه عزَّ وجلَّ والصَّلاة وقراءة القرآن . ثمَّ أمر رجلاً من القَوم , فجاء بِدَلْو من ماء , فشَنَّه (أي صَبَّه) عليه . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 236 – رقم الحديث 285) .
      نعم , هذا هو محمَّد الدَّاعية والمربِّي : رأى أعرابيًَّا يبول في مسجده , فلم يغضب منه , بل وخاف عليه أن يُصاب بأذى إذا هو لم يُكمل بولَه , فأمر أصحابه أن يتركُوه . فلمَّا فرغَ , أجلسه بجانبه لِيُشعِره بالأمان , ثمَّ أخبره بكلِّ هدوء أنَّ هذا المكان لا يصلح لِلبول !

      وفي قصَّة أخرى , روى الطَّبراني في مسند الشَّاميِّين عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه , قال : أتَى رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم غلامٌ شابٌّ , فقال : يا رسولَ اللَّه , ائْذَنْ لي في الزِّنَا ! فصاح به النَّاس , وقالُوا : مه ! فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ذَرُوه , ادْنُ . فدَنا (أي الغلام) حتَّى جلس بين يَدَيْ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال (له) : أتُحِبُّه لأمِّك ؟ قال : لا ! قال : فكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لأمَّهاتهم , أتُحِبُّه لابنَتك ؟ قال : لا ! قال : وكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِبَناتهم , أتُحِبُّه لأُختك ؟ قال : لا ! قال : فكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِأخواتهم , أتُحِبُّه لِعَمَّتك ؟ قال : لا ! قال : فكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِعمَّاتهم , أتُحِبُّه لخالَتك ؟ قال : لا ! قال : وكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِخالاتهم , فاكْرَه لهم ما تكرهُ لنَفْسِك , وأحِبَّ لهم ما تُحبّ لنَفسِك . فقال : يا رسولَ اللَّه , ادعُ اللَّهَ أن يُطهِّر قَلْبي . فوَضعَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَده على صدْره , وقالَ : اللَّهمَّ اغْفِرْ ذَنْبَه , وطهِّرْ قلْبَه , وحصِّنْ فَرْجَه .
      فلم يكُن (أي لم يعُد الغلامُ) بعد ذلك يلْتفتُ إلى شيء (من هذا الأمر) . (مسند الشّاميّين – الجزء 2 – ص 139 – رقم الحديث 1066) .

      وفي قصَّة أخرى , روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ أعرابيًّا أتَى رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللَّه , إنَّ امرأتي ولَدتْ غلامًا أسْوَدًا , وإنِّي أنكَرْتُه (لأنَّ الأب لم يَكُن أسْوَدًا , ولا الأمّ) . فقال له النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : هلْ لَكَ مِن إبِل ؟ قال : نعم , قال : ما ألوانُها ؟ قال : حُمر (أي مائلة إلى الحُمرة) , قال : هل فيها من أَوْرق (أي رمادي) ؟ قال : نعم , قال : فأنَّى هو ( أي مِن أين أتاها هذا اللَّون المختلف عن الإبل الأخرى) ؟ قال : لعلَّه يا رسول اللَّه يكون نَزَعَهُ عِرْق له (أي لعلَّ في أصوله أو عائلته مَن كان بهذا اللَّون , فاجتذبه إليه فجاء على لونه) , فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : وهذا (أي الولد) , لعلَّه يكونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ له (أي لعلَّ مِن أجداده أو عائلته مَن كان أسْوَد اللَّون , فجاء الولَد على لَونه) . (صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 1137 – رقم الحديث 1500) .
      هكذا إذًا حافَظ النَّبيُّ على أسرةٍ كانت على وشك التَّفكُّك بسبب شكُوك . وهذا الحديث يُعتَبر من معجزات النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , لأنَّ علْمَ الوراثة هو من العلوم التي اكتُشِفتْ حديثًا ولم تكُن معروفة من قبل .

      وفي قصَّة أخرى , روى النّسائي في سُننه عن عبد اللَّه بن شداد عن أبيه رضي اللَّه عنهما , قال : خرج علينا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في إحدى صلاتي العشيّ (الظُّهر أو العصر) وهو حاملٌ الحسن أو الحسين (حفيداه , ابنا فاطمة) . فتقدَّم ووضعه (بجانبه) , ثمَّ كبَّر للصَّلاة , فصلَّى ثمَّ سجدَ بين ظَهْرانَيْ صلاته سجدةً أطالها .
      قال أبي : فرفعتُ رأسي , وإذا الصَّبيُّ على ظَهْر رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وهو (أي النَّبيُّ) ساجد ! فرجعتُ إلى سجودي . فلمَّا قضَى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم الصَّلاة , قال (له) النَّاس : يا رسولَ اللَّه , إنَّك سجدتَ بين ظهرانَيْ صلاتكَ سجدةً أطَلْتَها حتَّى ظَنَنَّا أنَّه قد حدثَ أمْرٌ أو أنَّه يُوحَى إليك . قالَ : كلّ ذلك لَمْ يكُنْ , ولكنَّ ابْنِي ارتَحَلَني , فكرهْتُ أن أعْجله حتَّى يَقْضي حاجَتَه ! (المجتبى من السّنن – الجزء 2 – ص 229 – رقم الحديث 1141) .

      هذا إذًا محمَّدٌ النَّبيُّ الأمِّيُّ الذي عاش في القرن السَّابع الميلادي , وهذه طريقته في الدَّعوة والتَّربية !
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:32 ص.

      وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
      وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
      @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
      --------------------------------------
      اللهم ارزقني الشهادة
      اللهم اجعل همي الآخرة

      تعليق


      • هل كان محمَّد يبحث عن السُّلطة والمال ؟
        هل كان محمَّد يبحث عن السُّلطة والمال ؟




        إطلاقًا ! ولو قارَنَّا بين نَوْعيَّة الحياة التي كان محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يحياها قبل النُّبوَّة وبعدها , لَمَا شكَكْنا لحظة واحدة أنَّه نبيٌّ .
        فبالرَّغم من أنَّه عاش يَتيم الأبَوين , إلاَّ أنَّه قضَّى طفولَته وشبابَه في كفالة عمِّه أبي طالب , سيِّد قُريش آنذاك , الذي غَمَره بعطفه وعوَّضَه حنانَ الأب والأمّ . ولَمَّا بلَغ سِنَّ الخامسة والعشرين , تزوَّج من السَّيِّدة خديجة , أشْرف نساء مكَّة آنذاك وأكثرهنَّ مالاً , وذلك بعد أن رأتْ مِن أمانته وصِدْقه ما رَغَّبها في الزَّواج منه .
        فكان النبَّيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حتَّى سِنِّ الأربعين يعيشُ حياة هادئة , وكان يتعبَّدُ كما يشاء على شَرْع إبراهيم عليه السَّلام . وبالإضافة إلى ذلك , كان يتمتَّع بِحُبِّ وتقدير جميع قَوْمه , صغيرهم وكبيرهم , لِشَرف نَسَبه وحُسْن أخلاقه .
        فلم يكُن هناك إذًا أيُّ سَبب منطقي يدفعُه بعد ذلك أن يدَّعي النُّبوَّة , لأنَّه لم يكن يفتقدُ لأيِّ شيء من هَناء العيش . ولَو فَرضْنا جدَلاً أنَّه كان يَبْتغي من وراء هذا الأمر السُّلطةَ والجاهَ والمالَ , لَكَانتْ هذه النَّوايَا برزَتْ في طِباعه وسُلُوكه منذ شبابه , ولَمَا خَفِيَ ذلك على قَوْمه . ثمَّ إنَّه كان يستطيعُ أن يحصُل على كلِّ ذلك دون الحاجة لادِّعاء النُّبوَّة , لأنَّه , كما ذكَرْنا سابقًا , كان من عائلةٍ ذات شَرف وسيادة , وكان محبوبًا في قَوْمه .
        هذا ما يقوله العقلُ والمنطق . أمَّا واقعيًّا , فكُتُبُ التَّاريخ تشهدُ أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كان أبعد ما يكُون عن التَّفكير في المال والجاه والسُّلطة . وقد كُنَّا ذكَرْنَا أنَّ سادات قُريش عرضُوا علَيْه في بداية نُبُوَّته أن يتَخَلَّى عن الدَّعوة إلى الإسلام مُقابل أن يجمعُوا له من المال ما يشاء ويجعلُوه ملكًا وسيِّدًا عليهم , فرفضَ هذه الاغراءات وأجابَهُم بأنَّه فعْلاً رسولٌ من عند اللَّه .
        فعند ذلك عَادَوْه وآذَوْه وحاولُوا قتلَه , فهاجر إلى المدينة (وهي تبعد عن مكَّة 418 كلم إلى الشَّمال) وأصبح له أتباعٌ كثيرون , وكوَّنَ دولة إسلاميَّة . وعاد بعد ذلك منتصرًا إلى مكَّة , ودخل الآلافُ من العرب في الإسلام , وأصبح محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حاكمًا على ما يُعرَف اليوم بالسّعوديَّة . وكان بإمكانه وَقْتَئذ , لو كانت له فعْلاً نَوايَا من وراء النُّبوَّة , أن يسكن القُصور وتَخدُمه الجواري والعبيد , كما كان سائدًا في ذلك العصر .
        لكنَّه فَعلَ عكس ذلك تمامًا ! بل إنَّه , منذُ شرَّفَه اللَّهُ تعالى بالنُّبوَّة في سنِّ الأربعين وحتَّى وفاته في سنِّ الثَّالثة والسِّتِّين , كان أزهد النَّاس في الدُّنيا وأكثرهم طاعة للَّه .
        فقد روى ابن ماجه في سُننه عن عمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه , قال : دخلْتُ على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو على حصير . فجلَسْتُ , فإذا عليه إزارٌ وليسَ عليه غَيْرُه , وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبه , وإذا أنا بقَبْضَة من شعير نحو الصَّاع وقرظ في ناحيَة في الغُرفة , وإذا إهابٌ مُعَلَّق . فابْتَدرتْ عَيْناي (أي دمعَتْ) , فقال : ما يُبْكِيكَ يا ابنَ الخطَّاب ؟ فقلتُ : يا نَبيَّ اللَّه , وما لي لا أبكي وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبك , وهذه خزانتكَ لا أرى فيها إلاَّ ما أرى , وذلكَ كِسْرَى (ملك الفُرس) وقَيْصَر (ملك الرُّوم) في الثِّمار والأنهار , وأنتَ نبيُّ اللَّه وصَفْوَته وهذه خزانَتك ! فقال : يا ابنَ الخطَّاب , ألا ترضَى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدُّنيا ؟! قلتُ : بلى ! (سنن ابن ماجة – الجزء 2 – ص 1390 – رقم الحديث 4153) .

        وروى التّرمذي في سُنَنه عن عبد اللَّه (بن مسعود) رضي اللَّه عنه , قال : نام رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على حصير , فقام وقد أثَّر في جَنْبه . فقلْنا : يا رسولَ اللَّه , لَو اتَّخَذْنا لك وطاء ؟ فقال : مالي وما للدُّنيا , ما أنا في الدُّنيا إلاَّ كَراكِبٍ اسْتَظلَّ تحت شجرة ثمَّ راح وتَركَها . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 588 – رقم الحديث 2377) .

        وروى الإمام البخاري في صحيحه عن عروة (بن الزُّبير) رضي اللَّه عنه , أنَّ عائشة (زوجة النَّبيّ) رضي اللَّه عنها قالتْ له : واللَّهِ يا ابنَ أختي إنْ كُنَّا لَنَنظرُ إلى الهلال ثمَّ الهلال , ثلاثة أهِلَّة في شَهْرَيْن , وما أُوقِدَتْ في أبْيات (أو بيوت) رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم نارٌ (أي للطَّبخ) . فقلتُ : يا خالَة , ما كان يعيشُكُم ؟! قالتْ : الأسْوَدان : التَّمر والماء , إلاَّ أنَّه قد كان لِرسُول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم جيرانٌ من الأنصار كانتْ لهم مَنائح , وكانُوا يَمنحُون رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم من ألبانها فيَسْقينَا . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 2 – ص 907 – رقم الحديث 2428) .

        وعن كثرة صلاته , روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها , قالتْ : كان رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إذا صَلَّى (أي صلاة النَّافلة) قامَ حتَّى تفطر رجْلاه (أي تَنتفخ وتتوَرَّم) . فقلتُ له : أتَصْنَعُ هذا وقد غُفِر لَكَ ما تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِكَ ومَا تَأخَّر ؟! فقال : يا عائشة , أفَلاَ أكونُ عَبْدًا شَكُورًا ؟! (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2172 – رقم الحديث 2820) .

        وعن بساطته في العيش , روى ابن حبَّان في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها , أنَّها سُئِلَتْ : ما كان النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَعْملُ في بَيْتِه ؟ فقالتْ : كان يَخيطُ ثَوبَه ويخصفُ نَعْلَه ويعملُ ما يعملُ الرِّجالُ في بُيُوتهم . (صحيح ابن حبّان – الجزء 12 – ص 490 – رقم الحديث 5677) .

        وعن الأملاك التي تركَها بعد موته , وقد كان وَقْتَها يحكم ما يُعرَف اليوم بالسّعوديَّة كما ذكَرْنا , روى الإمام البخاري في صحيحه عن عمرو بن الحارث رضي اللَّه عنه , قال : ما تركَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عندَ مَوْته دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمَةً , إلاَّ بَغْلَتَه البَيْضاء التي كان يَرْكَبُها وسلاحَه , وأرضًا جعَلَها لابْن السَّبيل صَدَقة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1619 – رقم الحديث 4192) .

        وعن تواضُعه , روى أبو داود في سُننه عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه , قال : خرجَ علينا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مُتوَكِّئًا على عَصا , فقُمْنَا إليه (أي وقَفْنَا له) , فقال : لا تقومُوا كما تقُوم الأعاجِم , يُعظِّمُ بعضُهم بعضًا . (سنن أبي دواد – الجزء 4 – ص 358 – رقم الحديث 5230) .
        وروى أبو داود أيضًا في سُنَنه عن أبي مجلز رضي اللَّه عنه , قال : خرجَ معاوية علَى ابن الزُّبَيْر وابن عامر , فقام ابنُ عامر وجلسَ ابنُ الزُّبَيْر . فقال مُعاوية لابن عامر : اجْلِسْ , فإنِّي سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : مَنْ أحَبَّ أن يَمْثُلَ له الرِّجالُ قِيَامًا , فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النَّار ! (سنن أبي داود – الجزء 4 – ص 358 – رقم الحديث 5229) .

        قد تقول سيِّدي الكريم أنَّ كلَّ الدَّلائل التي ذكَرْتُها هنا يمكنُ أن تكون أكاذيب اختَلَقَها المسلمون لإعطاء صورة حسنة عن نبيِّهم !
        أقول : واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , ليس هناك على مدى التَّاريخ أُناسٌ اعتَنَوْا بكتابة سيرة نبيٍّ أو زعيم أو مُبدِع , مثلَما فعلَ المسلمون الأوائل مع محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ! كلُّ التَّفاصيل تقريبًا عن حياته الخاصَّة والعامَّة , عن أقواله وأفعاله , مِنْ بعد نُبُوَّته وحتَّى وفاته , وقعَ تدوينُها بأمانةٍ مُدهشة , وحُفِظَتْ إلى يومنا هذا تحت اسم : أحاديث نبويَّة , في كُتُب تُسَمَّى بـ : صحيح البخاري , وصحيح مسلم , وسُنن التّرمذي , ومُسنَد الإمام أحمد , وغيرها .
        ولو دقَّقْتَ سيِّدي في طريقة تدوين الأحاديث في هذه المراجع , لَاستغربتَ أشدَّ الاستغراب ! فكلُّها تبدأ بـ : حدَّثنا فُلان , عن فُلان , عن فُلان ... أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال كذا , أو فَعل كذا . فالإمام البخاري مثلاً لم يجمع في صحيحه الذي يحتوي على أكثر من سبعة آلاف حديث نبويّ , إلاَّ الأحاديث التي سمعها بنفسه من فلان , الذي سمعها بدوره من فلان ... حتَّى الوصول إلى النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ! ولم يُدوِّنْها إلاَّ بعد أن تأكَّد مِن أنَّ كلَّ الرُّواة في السِّلسلة ثقاتٌ , وجَيِّدُو الحِفْظ , وأنَّ فُلانًا قد عاش فعلاً في زمن فُلان الذي سمع منه , إلخ .
        فهل يمكنُ بعد هذا أن نُصدِّق أنَّ هذه الأحاديث مِن اختلاق الإمام البخاري أو الإمام مسلم أو غيرهما ؟!
        أبدًا ! بل إنَّ هؤلاء الرُّواة كانُوا يَتحرَّوْن أشدَّ التَّحرِّي في درجة صحَّة الأحاديث التي يَرْوُونَها في كتُبهم , واضعينَ أمام أعْيُنهم الحديث الذي رواه الدَّارمي في سُنَنه عن أبي قتادة رضي اللَّه عنه , قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقولُ على المنْبَر : يا أيُّها النَّاس , إيَّاكُم وكَثْرة الحديث عنِّي , فَمَنْ قالَ علَيَّ فلا يَقُلْ إلاَّ حَقًّا (أو إلاَّ صِدْقًا) , ومَنْ قالَ عَلَيَّ ما لَمْ أقُلْ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَه من النَّار ! (سنن الدّارمي – الجزء 1 – ص 89 – رقم الحديث 237) .
        وحتَّى إن وُجِدَ أحيانًا نفسُ الحديث مرويًّا بصِيَغ مختلفة عند البخاري ومسلم مثلا , فهذا طبيعي , لأنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لم يأمُرْ أصحابَه في حياته بكتابة ما يقُوله وما يَفعله , وإنَّما أَمَرهُم بحفظ وكتابة ما كان يَنزلُ عليه من آيات القرآن الكريم فقط . فقد روى الحاكم في مُستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : لا تكتبُوا عنِّي شيئًا سوى القرآن . مَنْ كتبَ عنِّي شيئًا سوى القرآن , فلْيَمْحُه . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 1 – ص 216 – رقم الحديث 437) .
        فلمَّا بدأ الإمام البخاري ثمَّ الإمام مسلم ثمَّ غيرهما في جمع الأحاديث بعد وفاة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , كان من المنطقي أن يكون هناك اختلاف في بعض الألفاظ , لأنَّ الذين رَوَوْا هذه الأحاديث اعتمدُوا في الغالب على ذاكرتهم لاسترجاع أحاديثَ سمعُوها , ولَمْ يُؤمَروا عند سماعها بحفظِها حرفًا حرفًا مثل القرآن . ولو أنَّكَ مثلا سألتَ شخصَيْن فَوْر خروجهما من قاعةٍ للمحاضرات : ماذا قال المحاضر في النُّقطة الفُلانيَّة ؟ لَحصَلْتَ على قَوْلَيْن مُختَلِفَيْن قليلاً في اللَّفظ , قَريبَيْن في المعنى .
        ثمَّ إنَّ اختلاف الرِّوايات يزيدُ الحديث توثيقًا , لأنَّه يدلُّ على أنَّ الكلام قِيلَ فعْلاً أو أنَّ الحادثة وقعتْ وليستْ مُختَلَقة .
        بقيَ أن نلاحظ أنَّ المسلمين عندما يستشهدُون بحديث نبوي , فإنَّهم يذكُرون فقط الرَّاوي الأوَّل والرَّاوي الأخير في السِّلسلة , لكي لا يَملَّ السَّامع أو القارئ من طول سلسلة الرُّواة .

        نختم هذا العنصر بالقول بأنَّه لو كان محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَبْتغي الشُّهرة والسُّلطة من وراء النُّبوَّة , لَكان ادَّعى أنَّه ابنُ اللَّه أو شريكُه أو غير ذلك ! حاشَى له ولغيره من الأنبياء أن يدَّعُوا ذلك ! كلُّهم كانُوا يُنزِّهون اللَّهَ تعالى أن يكُون له ولدٌ أو زوجة أو شبيه , وكلُّهم كانُوا يعتزُّون أنَّهم عبادٌ للَّه , ويطلُبون من أتباعهم ألاَّ يَرفعوهم فوق هذه الدَّرجة .
        فقد روى النّسائي في السُّنن الكبرى عن أنَس رضي اللَّه عنه , أنَّ ناسًا قالُوا لِرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا خيرنا وابن خيرنا ويا سيِّدنا وابن سيِّدنا . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا أيُّها النَّاس , علَيْكُم بقَوْلِكُم ولا يَسْتَهْوِيَنَّكُم الشَّيْطان , إنِّي لا أريدُ أن ترفعُوني فوقَ مَنْزلَتي التي أنْزَلَنيها اللَّهُ تعالَى , أنا مُحَمَّد بن عبد اللَّه , عبدُهُ ورسُولُه . (السّنن الكبرى – الجزء 6 – ص 71 – رقم الحديث 10078) .
        التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:32 ص.

        وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
        وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
        @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
        --------------------------------------
        اللهم ارزقني الشهادة
        اللهم اجعل همي الآخرة

        تعليق


        • معجزات النَّبيّ محمَّد صلى الله عليه وسلم
          معجزات النَّبيّ محمَّد




          إلى جانب القرآن الكريم الذي يبقى معجزة كلِّ الأزمان , أيَّدَ اللَّهُ تعالى نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بمعجزات أخرى ملموسة شاهدها النَّاس .
          من ذلك : مُعجزة نَبْع الماء من بين أصابعه في مُناسبات مختلفة . فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما , قال : عطشَ النَّاسُ يوم الحدَيْبِيَة , والنَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بينَ يدَيْه ركْوَةٌ , فتَوَضَّأ , فجهشَ (أي أسرعَ) النَّاسُ نَحْوَه . فقال : ما لَكُم ؟ قالُوا : ليْسَ عندنا ماءٌ نَتَوَضَّأ ولا نَشْربُ , إلاَّ ما بَيْنَ يَدَيْك . فوَضَع يَدَهُ في الرَّكْوَة , فجَعَلَ الماءُ يَثُور بينَ أصابعه كأمثال العُيُون , فشَربْنا وتَوَضَّأنا .
          قلتُ (أي قال سالم لِجابر) : كَمْ كُنْتُم ؟ قال : لو كُنَّا مائة ألْف لَكَفَانا , كُنَّا خَمْسَ عشْرة مائة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 3 – ص 1310 – رقم الحديث 3383) .
          وفي حادثة أخرى : روى ابنُ خزيمة في صحيحه عن ثابت وقتادة عن أَنَس (بن مالك) رضي اللَّه عنه , قال : طلَبَ بعضُ أصحاب النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وُضُوءًا , فلَمْ يَجِدُوا , فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : هَاهُنَا ماء . فرأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وضَعَ يَدهُ في الإناء الذي فيه الماء , ثمَّ قال : تَوَضَّأوا باسْم اللَّه , فرأيْتُ الماءَ يَفُور مِن بَيْن أصابعه والقَومُ يَتَوضَّأون , حتَّى تَوَضَّأوا عن آخِرهم !
          قال ثابت : فقلتُ لأنَس : كَم تَراهُم كانُوا ؟ قال : نَحْوًا مِن سَبْعين . (صحيح ابن خزيمة – الجزء 1 – ص 74 – رقم الحديث 144) .

          ومن معجزات النَّبيِّ أيضًا : تكثير الطَّعام وزيادة البركَة فيه , في مناسبات عديدة . فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : واللَّهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هو , إنْ كنتُ لَأعتَمِدُ بكَبدي على الأرض من الجوع , وإنْ كنتُ لَأشُدُّ الحجَر على بَطْني من الجوع . ولقد قَعَدتُ يومًا على طَريقهم (أي طريق أصحاب النَّبيّ) الذي يَخرجُون منه , فمَرَّ بي أبو بكر , فسألْتُه عن آيةٍ من كتاب اللَّه , ما سألْتُه إلاَّ لِيُشْبِعَني *, فمَرَّ ولَم يَفْعَلْ . ثمَّ مَرَّ بي عُمر , فسألْتُه عن آيةٍ من كتاب اللَّه , ما سألْتُه إلاَّ لِيُشْبِعَني *, فمَرَّ ولَم يَفْعَلْ .
          ثمَّ مَرَّ بي أبو القاسم (أي محمَّد) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فتَبَسَّم حينَ رآني وعرفَ ما في نَفْسي وما في وجْهي , ثمَّ قال : يا أبا هِرّ (للمُداعبة) , قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : الْحَقْ .
          ومَضَى , فتَبعْتُه , فدخَلَ (إلى بيته) , فاسْتَأذنَ فأُذِنَ لي , فدخلتُ . فوَجَد لَبَنًا في قَدح , فقال : مِنْ أيْنَ هذا اللَّبن ؟ قالُوا : أهْداهُ لكَ فُلان أو فُلانة , فقال : أبا هِرّ , قلتُ : لَبَّيكَ يا رسولَ اللَّه , قال : الْحَقْ إلى أهل الصُّفَّة , فادْعُهم لي .
          قال أبو هُرَيْرة : وأهلُ الصُّفَّة (هم) أضْيافُ الإسلام , لا يَأوُونَ على أهْلٍ ولا مالٍ ولا على أحَد , إذا أتَتْهُ (أي النَّبيّ) صدَقَةٌ بَعَثَ بها إليهم ولَمْ يتناوَلْ منها شيْئًا , وإذا أتَتْهُ هديَّةٌ أرسلَ إليهم وأصابَ منها وأشرَكهُم فيها .
          قال أبو هُرَيْرة : فسَاءَني ذلكَ , فقلتُ (أي في نَفْسي) : وما هذَا اللَّبَنُ في أهْل الصُّفَّة (أي هو قليلٌ جدًّا وهم كَثيرُو العدد) ؟! أنا كنتُ أحَقّ أن أصِيبَ من هذا اللَّبن شرْبَةً أتَقَوَّى بها ! فإذا جاءُوا , أمَرَني , فكنتُ أنا أُعطِيهم , وما عسَى أن يَبْلُغَني من هذا اللَّبن ؟!
          ولَمْ يَكُن من طاعة اللَّه وطاعة رسوله بُدٌّ , فأتَيْتُهم فدَعَوْتُهم , فأقْبَلُوا واسْتَأذَنُوا , فأُذِنَ لهم وأخَذُوا مجالِسَهم من البَيْت . فقال : (أي النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) : يا أبا هِرّ , قلْتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : خُذْ فأعْطِهم . فأخذْتُ القَدَح , فجعلْتُ أُعْطيه الرَّجُلَ فيَشْربُ حتَّى يَرْوَى ثمَّ يَرُدُّ علَيَّ القَدَح , فأعْطيه الرَّجُلَ فيَشْربُ حتَّى يَرْوَى ثمَّ يَرُدُّ علَيَّ القَدَح , حتَّى انْتَهَيْتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وقد رَوَى القومُ كلُّهم !
          فأخذَ القَدَح فوَضَعهُ على يَده , ونظَرَ إليَّ فتبسَّم وقال : يا أبا هِرّ , قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : بَقيتُ أنا وأنت , قلتُ : صدقْتَ يا رسولَ اللَّه , قال : اقْعُدْ فاشْرَبْ . فقعدتُ فشربْتُ , فقال : اشْرَبْ , فشربْتُ , فَمَا زالَ يقولُ : اشربْ , حتَّى قلْتُ : لا , والَّذي بعَثَكَ بالحَقِّ ما أجدُ له مَسْلَكًا ! قال : فأَرِنِي , فأعطَيْتُه القَدَح , فحمدَ اللَّهَ وسَمَّى وشربَ الفَضْلَة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 2370 – رقم الحديث 6087) .
          وفي حادثة أخرى : روى الإمام البخاري أيضًا عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه , قال : كُنَّا يومَ الخندق نَحفِر , فعرضَتْ كُدْيَةٌ شديدة (أي حجارةٌ صمَّاء) , فجاءوا النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقالُوا : هذه كُديةٌ عرضَتْ في الخَنْدق , فقال : أنا نازل . ثمَّ قام وبطْنُه مَعصوبٌ بحجَر (وذلك لِلتَّخْفِيف من آلام الجوع) , ولَبثْنَا (أي وقد كُنَّا لَبثْنَا) ثلاثة أيَّام لا نذوقُ ذواقًا (أي لم نَأكل شيئًا) . فأخذَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المعْوَلَ , فضربَ في الكُدْيَة , فعاد كَثيبًا أهْيَل , أو أهْيَم , (أي تفتَّتَت الحجارة) .
          فقلتُ : يا رسولَ اللَّه , ائذَنْ لي إلى البيْت . (فأذن لي ورجعتُ إلى بيتي) , فقلتُ لِامرَأتي : رأيتُ بالنَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم شيئًا ما كان في ذلكَ صبرٌ , فعِنْدَكِ شيء ؟ قالتْ : عندي شعيرٌ وعناق (وهو صغيرُ المعْزَة) . فذبَحْتُ العناق وطحنتُ الشَّعير , حتَّى جعلْنَا اللَّحم في البُرمة (وهي قِدْر يُصنع من الحجارة) . ثمَّ جئتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , والعجينُ قد انكسر , والبُرمةُ بين الأثافي (وهي الحجارة التي يُوضع عليها القِدْر) قد كادتْ تَنْضج , فقلْتُ : طُعَيِّمٌ لي , فقُم أنتَ يا رسولَ اللَّه ورجلٌ أو رجُلان . قال : كَمْ هو ؟ فذكَرْتُ له , فقال : كثيرٌ طَيِّب , قُلْ لها لا تَنْزِعُ البُرْمةَ ولا الخُبْزَ من التَّنُّور (وهو الكانون أو الفرن) حتَّى آتِي .
          ثمَّ قال (أي لِأصحابه) : قُومُوا . فقامَ المهاجِرُون (وهم المسلمون الذين هاجرُوا من مكَّة إلى المدينة) والأنصار (وهم المسلمون من سكَّان المدينة) . فلمَّا دخلتُ على امرأتي , قلتُ : وَيْحَكِ , جاء النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بالمهاجرينَ والأنصار ومَنْ معهُم ! قالتْ : هلْ سألَك ؟ قلتُ : نعم .
          وقال (أي النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِأصحابه) : ادخُلُوا ولا تَضاغَطُوا (أي لا تَزاحَمُوا) . فجعلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ ويجعلُ عليه اللَّحْمَ , ويُخَمِّرُ البُرمة والتَّنُّور (أي يُغطِّيهما بقُماش) إذا أخذَ منهما , ويُقرِّبُ إلى أصحابه , ثمَّ يَنْزِع (أي يُعيد نفس العمليَّة) . فلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ ويَغْرِفُ (أي يجعلُ عليه اللَّحم) , حتَّى شَبِعُوا . وبَقِيَ بقيَّةٌ , فقال : كُلِي هذا وأهْدِي , فإنَّ النَّاسَ أصابَتْهُم مَجَاعةٌ . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1505 – رقم الحديث 3875) .
          وفي حادثة أخرى : روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة أو عن أبي سعيد (الخدري) رضي اللَّه عنهما , قال : لَمَّا كان غَزْوَة تَبُوك , أصابَ النَّاسَ مَجاعَةٌ فقالُوا : يا رسولَ اللَّه , لَوْ أذنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنَا (أي جِمالَنا) فأكَلْنَا وادَّهنَّا . فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : افْعَلُوا . فجاءَ عُمَر فقال : يا رسولَ اللَّه , إن فعَلْتَ , قَلَّ الظَّهر , ولكن ادْعُهُم بفَضْلِ أزْوادِهم , ثمَّ ادْعُ اللَّهَ لهم عليْها بالبَرَكة , لَعَلَّ اللَّه أن يَجْعَلَ فيها ذلك . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : نَعَم .
          فَدَعَا بِنَطْعٍ فبَسَطَه , ثمَّ دَعَا بِفَضْلِ أزوادِهم , فجعلَ الرَّجُلُ يَجيءُ بِكَفِّ ذُرَة , ويَجيءُ الآخرُ بِكَفِّ تَمْر , ويَجيءُ الآخرُ بِكِسْرة , حتَّى اجتمعَ على النَّطْع من ذلك شيءٌ يَسير . فدَعَا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عليه بالبَركَة , ثمَّ قال : خُذُوا في أَوْعِيَتِكُم . فأخَذُوا في أَوْعِيَتِهم حتَّى ما تَركُوا في العَسْكَر وعاءً إلاَّ مَلَأوه ! فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا وفَضَلَتْ فَضْلَة . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أشهدُ أن لا إلَه إلاَّ اللَّه وأنِّي رسولُ اللَّه , لا يَلْقَى اللَّهَ بهما عَبْدٌ غير شاكٍّ فَيُحْجَب عن الجنَّة . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 56 – رقم الحديث 27) .

          ومن معجزات النَّبيِّ أيضًا : ما رواه الحاكم في مُستَدرَكه عن محمَّد بن عمر رضي اللَّه عنه , قال : شهدَ قَتادة بن النُّعمان العَقَبَة مع السَّبعين من الأنصار , وكان من الرُّماة المذْكورين من أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , شَهِدَ بَدْرًا وأُحُدًا , ورُمِيَتْ عَيْنُه يَومَ أُحُد , فسالَتْ حَدقتُه على وَجْنَتِه , فأتَى رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللَّه , إنَّ عِنْدي امرأةً أُحِبُّها , وإن هي رأتْ عَيْني خَشِيتُ تَقذُّرها . فرَدَّها رسولُ اللَّه بِيَده , فاسْتَوَتْ ورجعَتْ , وكانتْ أقْوى عَيْنَيْه وأصحَّهما بعد أن كَبُر ! (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 3 – ص 334 – رقم الحديث 5281) .

          هذه إذًا بعض المعجزات التي أجراها اللَّهُ تعالى على يَدَيْ نَبِّيِّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وهناك الكثير من المعجزات الأخرى لَمْ نَذْكُرها هنا . وإذا كُنتِ سيِّدتي الفاضلة تجدين صعوبة في التَّصديق بأنَّها وقعتْ فعلاً , فتذكَّري أنَّكِ صدَّقتِ ما هو أغْرب من ذلك , وهو أنَّ الأرض التي تعيشين فوقها تدور بكِ الآن بسرعة 1600 كلم في السَّاعة , وأنتِ لا تشعرين بأيِّ شيء ! فلِمَ العجَبُ إذًا من معجزاتٍ تَتِمُّ كلُّها بأمر اللَّه الذي يقول للشَّيء كُنْ فَيَكُون ؟!
          وإذا كان النَّصارى استغربُوا من شفاء المسيح عليه السَّلام للمَرضَى وإحيائه للمَوْتَى , فادَّعَوْا أنَّه ابنُ اللَّه , فإنَّ المسلِمين علِمُوا أنَّ معجزات نبيِّهم محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ومعجزات موسى وعيسى عليهما السَّلام , لَمْ تَكُن مِن صُنْعهم هم وإنَّما تَمَّتْ بإذْن اللَّه , لأنَّه هو وحده الذي يَملِكُ القُدرة على خَرْق القوانين الكونيَّة مَتَى يشاء وكيف يشاء . لذلك , لَمْ يَرفع المسلمُون محمَّدًا ولا عيسى ولا غيرهما من الأنبياء عليهم السَّلام عن مُسْتَوى البَشَر .
          ______________
          التالي بإذن الله تعالى: هل دعا محمَّدٌ اليهودَ والنَّصارى إلى الإسلام ؟
          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:32 ص.

          وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
          وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
          @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
          --------------------------------------
          اللهم ارزقني الشهادة
          اللهم اجعل همي الآخرة

          تعليق


          • هل دعا محمَّدٌ اليهودَ والنَّصارى إلى الإسلام ؟
            هل دعا محمَّدٌ اليهودَ والنَّصارى إلى الإسلام ؟




            طبعًا ! فهو رسولٌ إلى النَّاس كافَّة , وليس إلى قَوْمه فقط مثلما كان الأنبياء قبله . يقول اللَّه تعالى مخاطبًا محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 158 } (7- الأعراف 158) .
            لهذا , لم يقتصر النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على دعوة قُريش فقط إلى الإسلام , بل دعا اليهُود أيضًا والنَّصارى , وأرسل رُسُلَه إلى ملُوك الفُرس والرُّوم وبقيَّة العَرب .
            وكان اليهودُ يسكُنون المدينة التي هاجر إليها النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مع أصحابه . وذلك أنَّ أجدادَهم من الأحبار كانُوا يقرءون في كُتُبهم عن قُرب ظُهور نبيٍّ , يُبعَثُ في المدينة . فجاء بعضُهم إليها واستقرُّوا بها ظانِّين أنَّ هذا النَّبيَّ سيكون واحدًا من بينهم , فيكونُون أوَّل مَنْ يَتَّبعُه . فلمَّا بُعِثَ محمَّدٌ نبيًّا عربيًّا من سُلالة إسماعيل بن إبراهيم , وليس يهوديًّا من سلالة إسحاق بن إبراهيم , عليهم السَّلام جميعًا , تَملَّكَتْهُم الغيرة والحسد , فكَفرُوا بمحمَّد وكادُوا له المكائد !
            فقد روى ابن إسحاق في كتابه السِّيرة النَّبويَّة , قال : حدَّثَني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجالٍ من قومه , قالُوا : إنَّ مِمَّا دعانَا إلى الإسلام , مع رحمة اللَّه تعالى وهُداه , ما كُنَّا نسمعُ من رجال يَهُود . كُنَّا أهل شرْكٍ , أصحاب أوْثان , وكانُوا أهل كِتاب , عنْدَهم عِلْمٌ ليْسَ لنا . وكانتْ لا تزالُ بيننا وبينهم شُرور , فإذَا نِلْنَا منهم بعضَ ما يَكْرهون قالُوا لنا : إنَّه تَقاربَ زمانُ نَبيٍّ يُبْعثُ الآن , نُقاتِلُكم معه قتْلَ عادٍ وإِرَم . فكُنَّا كثيرًا ما نسمعُ ذلكَ منهم .
            فلمَّا بَعثَ اللَّهُ رسولَه محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , أجَبْنَاه حينَ دَعانا إلى اللَّه تعالى , وعرَفْنا ما كانُوا يَتَوَعَّدونَنا به , فبَادَرْنَاهم إليه , فآمَنَّا به , وكفَرُوا ! ففِينَا وفيهم نزلتْ هذه الآية : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ 89 } (2- البقرة 89) .
            وروى الحاكم في مُستدركه عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قالَ : كانت يَهودُ خَيْبَر تُقاتِلُ غَطَفان , فكُلَّما الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُود خَيْبَر . فعَاذت اليهودُ بهذا الدُّعاء : اللَّهُمَّ إنَّا نسْألُكَ بحَقِّ محمَّد النَّبيِّ الأُمِّي الذي وَعَدْتَنا أن تُخْرجَه لَنَا في آخِر الزَّمان , إلاَّ نَصَرْتَنَا عليهم .
            فكانُوا إذا الْتَقَوْا دَعَوْا بهذا الدُّعاء , فهَزَمُوا غَطفان . فلمَّا بُعِثَ النَّبيُّ (محمَّدٌ) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , كفَرُوا به , فأنزلَ اللَّهُ : وقد كانُوا يَستَفتِحون بك يا محمّد على الكافرين (انظر الآية 89 من سورة البقرة التي ذكَرْناها) . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 2 – ص 289 – رقم الحديث 3042) .

            وكان أحبارُ اليهود يأتون إلى النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , لا لِيَسْألوه عن الإسلام , وإنَّما لِيُحاولُوا أن يَلْبِسُوا عليه الحقَّ بالباطل ! فكان القرآنُ يَنزلُ لِيَفضحهم .
            قال ابنُ إسحاق في كتابه السِّيرة النَّبويَّة : مثال ذلك أنَّ كعْب بن أسد , وابن صلُوبا , وعبد اللَّه بن صُوري , وشاس بن قيس , اجْتمعُوا يومًا فقالُوا : لِنَذْهبْ إلى محمَّد لَعلَّنا نَفْتِنه عن دينه , فإنَّما هو بَشَر . فأتَوْه فقالُوا : يا محمَّد , إنَّك قد عرفْتَ أنَّنا أحبارُ يَهود وأشرافُهم وساداتُهم , وإنَّا إن اتَّبعْناكَ اتَّبَعتْكَ يَهود ولم يُخالِفُونا , وإنَّ بيْنَنا وبينَ بعض قَوْمنا خُصُومة , أفَنُحاكمُهم إليك فتَقْضي لنا عليهم , ونؤمنُ بك ونُصدِّقك ؟ فأبَى رسولُ اللَّه عليهم ذلك , وأنزلَ اللَّهُ تعالى فيهم : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ 49 أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ 50 } (5- المائدة 49-50) .

            وفي حادثة أخرى : روى ابنُ إسحاق أيضًا في كتابه السِّيرة النَّبويَّة , قال : أتَى رافع بن حارثة , وسلاَّم بن مشْكَم , ومالك بن الصَّيف , ورافع بن حُرَيْملة , النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقالُوا : يا محمَّد , ألسْتَ تزعُم أنَّكَ على مِلَّة إبراهيمَ ودِينه , وتُؤمنُ بما عندَنا من التَّوراة وتشْهَدُ أنَّها من اللَّه حقٌّ ؟
            قال : بلَى , ولكنَّكُم أحْدَثْتُم وجحَدْتُم ما فيها مِمَّا أخذَ اللَّهُ عليكم من الميثاق , وكتَمْتُم منها ما أُمِرْتُم أن تُبَيِّنُوه للنَّاس , فبَرِئْتُ مِن إحْداثِكُم . قالُوا : فإنَّا نأخُذُ بِما في أيْدينا , فإنَّا على الهدى والحقّ , ولا نُؤمنُ بكَ ولا نتَّبعُك ! فأنزلَ اللَّه تعالى فيهم : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ 68 } (5- المائدة 68) .

            وروى ابنُ إسحاق أيضًا في كتابه السِّيرة النَّبويَّة عن أبي هرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ أحبارَ يَهود اجْتَمعُوا في بيْت المِدْراس , حين قدم محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المدينة , وقد زنَى رجلٌ منهم بعد إحْصانه بامرأةٍ من يَهود قد أُحْصِنَت , فقالُوا : ابْعَثُوا بهذَا الرَّجُل وهذه المرأة إلى محمَّد , فسَلُوه كيفَ الحكْمُ فيهما , ووَلُّوه الحكْمَ عليهما , فإن عملَ فيهما بعَمَلِكم من التَّجْبِيَة (وهي أن يُجْلَدَا بحبْلٍ , ثمَّ تُسَوَّد وُجُوههما , ثمَّ يُحْمَلان على حمارَيْن , وتُجعَل وُجُوههما من قِبَل أدْبار الحمارَيْن) فاتَّبِعُوه , فإنَّما هو مَلِكٌ وصَدِّقُوه , وإن هو حكَم فيهما بالرَّجْم , فإنَّه نبيٌّ فاحذَروه على ما في أيْديكم أن يَسْلُبْكُموه !
            فأتَوْه , فقالُوا : يا محمَّد , هذا رجلٌ قد زنَى بعد إحصانِه بامرأةٍ قد أُحْصِنتْ , فاحكُم فيهما فقد وَلَّيْناك الحكْمَ فيهما . فمشَى رسولُ اللَّه حتَّى أتى أحْبارَهم في بيْت المِدْراس , وقالَ : يا معْشر يَهود , أخْرِجُوا إليَّ عُلَماءكُم . فأخْرجُوا له عبْدَ اللَّه بن صوريا , وكان غلامًا شابًّا من أحْدَثِهم سِنًّا , وقالُوا : هذا أعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بالتَّوراة .
            فخَلاَ به رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وألَحَّ عليه السُّؤال , يقول له : يا ابنَ صُوريا , أنْشدُكُم اللَّهَ وأُذَكِّرُكُم بأيَّامه عند بَني إسرائيل , هل تعلَمُ أنَّ اللَّهَ حكمَ في التَّوراة في مَنْ زنَى بعْد إحْصانه : بالرَّجْم ؟ قال : اللَّهمَّ نعَم , أمَا واللَّهِ يا أبا القاسِم إنَّهم لَيَعْرفُون أنَّكَ نَبيٌّ مُرْسَل , ولكنَّهم يَحْسُدُونك ! فخرج رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وأمرَ بهما (أي بالرَّجل والمرأة) فرُجِمَا عند باب مسْجده في بَني غنم بن مالِك بن النَّجَّار . ثمَّ كَفَر ابنُ صُوريا بعد ذلكَ !
            وروى ابنُ إسحاق أيضًا في كتابه السِّيرة النَّبويَّة عن صفيَّة بنْت حُيَيّ بن أخطَب , وكانت يهوديَّة ثمَّ أسلَمتْ وتزوَّجها النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , قالتْ : كنتُ أَحَبَّ وَلَد أبي إليه وإلى عمِّي أبي ياسر , لم ألْقَهُما قَطُّ مع وَلَدٍ لَهُما إلاَّ أخَذَاني دُونَه . فلمَّا قدم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المدينةَ ونزلَ بقُبَاء في بَني عَمْرو بن عَوْف , غَدَا عليه أبي حُيَيّ وعمِّي أبو ياسر , فلم يَرْجِعَا إلاَّ مع غروب الشَّمس . فأتَيَا يَمْشيَان الهُوَيْنَى , فهششْتُ إليهما كما كنتُ أصنع , فوَاللَّهِ ما التَفَتَ إليَّ واحدٌ منهما , لِمَا بهما من الغَمّ . وسمعتُ عمِّي أبا ياسر يقول لأبي : أَهُوَ هُوَ ؟ قال : نعَم واللَّه ! قال : أتَعْرِفُه وتُثْبِتُه ؟ قال : نعَم , قال : فمَا في نَفْسِكَ منه ؟ قال : عداوَته واللَّهِ ما بَقِيتُ !

            هكذا إذًا كان حالُ النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مع اليهود : هم كانُوا يعرفُون أنَّه نبيّ آخر الزَّمان الذي يجدون صفاته في التَّوراة , لكنَّهم حَسَدوه لأنَّه لم يأتِ منهم , وأصرُّوا على الكُفر به وعَداوته , وهو لم ينفكَّ يَدعوهم إلى الإسلام , لأنَّه كان يعلم أنَّهم إذا ماتُوا على غير ذلك فسوف يكون مصيرهم إلى جهنَّم خالدين فيها .
            وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : والذي نَفس محمَّد بيَدِه , لا يَسْمع بي أحدٌ من هذه الأمَّة , يهودي ولا نصراني , ثمَّ يموتُ ولم يُؤْمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به , إلاَّ كان من أصحاب النَّار . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 134 – رقم الحديث 153) .
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:32 ص.

            وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
            وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
            @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
            --------------------------------------
            اللهم ارزقني الشهادة
            اللهم اجعل همي الآخرة

            تعليق


            • وماذا عن دعوته النَّصارى إلى الإسلام ؟
              وماذا عن دعوته النَّصارى إلى الإسلام ؟




              قال ابنُ إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة : لَمَّا هاجر النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى المدينة , قدم عليه وَفْدٌ من نصارى نجران , وهي مدينة على وادي نجران , على الحدود بين اليمن والسّعوديَّة . وكان الوَفْدُ يتكوَّنُ من ستِّين رجلاً , فيهم أربعة عشَر من أشرافهم , منهم ثلاثةٌ يعودُ أمْرُهُم إليهم , وهم :
              - العاقِب : وهو أميرُ القوم وذُو رأْيهم وصاحبُ مَشُورتهم , والذي لا يَصْدرون إلاَّ عن رَأْيه .
              - والسَّيِّد : وهو الذي يُشْرف على رحْلِهم وشؤونهم ويَقوم بأمورهم .
              - وأبو حارثة بن علْقَمة : وهو أسْقُفُهم , وكان قد شرُفَ فيهم ودَرَسَ كُتُبَهم حتَّى حسُنَ عِلْمُه في دينهم , فشرَّفَتْه ملُوكُ الرُّوم من أهْل النّصْرانيَّة ومَوَّلُوه , وبَنَوْا له الكنائس لِمَا بَلَغَهم عنه من عِلْمه واجْتهاده في دينهم .
              وكانَ هذا الوفدُ يشتملُ على ثلاث فِرَق النّصرانيَّة :
              - فرقةٌ يقولُون بأنَّ المسيح هو اللَّه , ويحتجُّون على ذلك بأنَّه كانَ يُحْيِي الموتَى , ويُبرئُ المرضَى .
              - وفرقةٌ يقولُون بأنَّ المسيح ابنُ اللَّه , ويحتجُّون على ذلك بأنَّه لم يكن له أب , وأنّه تكلَّم في المهْد .
              - وفرقةٌ يقولُون بأنَّ المسيح ثالثُ ثلاثة , هو ومريم واللَّه , ويحتجُّون على ذلك بقول اللَّه : فَعلْنا , وأمَرْنا , وخلَقْنا , ولو كان اللَّهُ واحدًا لقال : فعلتُ , وقضيْتُ , وأمرْتُ ! تعالى اللَّهُ عن قولهم عُلُوًّا كبيرًا , وقد ردَّ القرآن الكريم على كلِّ ذلك .
              فلَمَّا كان الوفْدُ في الطَّريق , عَثَرتْ بغْلَةُ أبي حارثة , وإلى جانبه أخٌ له اسمُه كُرز بن علْقَمة , فقال كُرْز : تَعِسَ الأبْعَد (يَقصد محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) , فقال أبو حارثة : بل أنتَ تَعِسْتَ ! قال : ولِمَ يا أخي ؟! قال : واللَّهِ إنَّه لَلنَّبيُّ الذي كُنَّا نَنتظِرْ ! قال : وما يَمنعُك من الإيمان به وأنت تعلَم هذا ؟! قال : ما يَمنعُني هو ما صنعَ بنا هؤلاء القوم (يقصدُ نصارى نجران ونصارى الرُّوم) , شَرَّفُونا ومَوَّلُونا وأكْرمُونا , وقد أبَوْا إلاَّ خلاف محمَّد , فلو آمنْتُ به , نَزعُوا منَّا كُلَّ ما ترى !
              وقد كانت هذه الحادثة سببًا في إسلام كُرْز بن عَلْقَمة بعد ذلك , فكان يتحدَّثُ بها .
              فلمَّا وصلَ وَفدُ نَجْران إلى المدينة , دخلُوا على النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في مسجده حين صلَّى العصْر , وقد حانتْ صلاتُهم , فقامُوا يُصلُّون في المسجد , فقالَ النَّبيّ : دَعُوهم , فصلَّوْا إلى المشرق .
              فلمَّا انْتَهَوْا , قال لهم النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أسْلِمُوا , قالُوا : قد أسلَمْنا , قال : إنَّكُم لم تُسلِمُوا , قالُوا : بلَى قدْ أسْلَمْنا قبْلَك , قال : كذبْتُم , يَمْنعُكُم من الإسلام ادّعاؤكُم أنَّ للَّه ولدًا , وعِبادتكم الصَّليب , وأكْلكُم الخِنْزير . قالُوا : فمَنْ أبُوه يا محمَّد (يقصدون مَنْ أبُ المسيح عليه السَّلام) ؟ فصمَتَ عنهم ولم يُجِبْهم .
              وأنزلَ اللَّهُ تعالى جزءًا من سورة آل عمران للرَّدِّ على نصارى وفد نجران , وهو أيضًا ردٌّ على النَّصارى عُمومًا إلى آخر الزَّمان . يقول اللّه تعالى : { الم 1 اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 2 نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 3 مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ 4 إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ 5 هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 6 } (3- آل عمران 1-6) . فإذا كان النَّصارى يَعترفُون بأنَّ المسيح عليه السَّلام صُوِّر في الرَّحِم , وتقلَّب فيه مثل كلِّ النَّاس , فكيفَ يتَّخِذونه إلهًا أو يدَّعون أنَّه ابنُ اللَّه ؟!
              ثمَّ قال تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 18 إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 19 فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 20 } (3- آل عمران 18-20) . وهذا تأكيدٌ جديد على أنَّ اللَّهَ واحدٌ لا إله غيره , وأنَّ الدِّين واحدٌ وهو الإسلام , وأنَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مبعُوثٌ إلى كلّ النَّاس , بما فيهم اليهود والنَّصارى , لذلك أمَرهُ اللَّه تعالى أن يَدْعوهم أيضًا إلى الإسلام .
              ثمَّ قال تعالى : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 45 وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ 46 قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 48 وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 49 وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 50 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 51 فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 52 رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ 53 وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ 54 إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 55 فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ 56 وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 57 ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ 58 إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 59 الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 60} (3- آل عمران 45-60) . هذه مرَّةً أخرى حقيقة النبَّيِّ عيسَى عليه السَّلام , كما فَصَّلَها اللَّهُ تعالى في هذا الموضع وفي مواضع أخرى من القرآن الكريم . فباللَّه عليكِ يا ابنتي الفاضلة , أليسَ هذا القول هو الأقرب إلى المنطِق ؟! أليسَ هو الأحقّ بالتَّصديق والاتِّباع ؟!

              ثمَّ قال تعالى : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ 61 } (3- آل عمران 61) . وهذا أمرٌ من اللَّه تعالى إلى نبيِّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن يَدْعُو وَفْدَ نَصارى نجران إلى المُباهَلَة (أي المُلاعَنة , بالطَّريقة التي فصَّلَتْها الآية) , إذا هم لم يُسلِمُوا وأصرُّوا على عقيدتهم الخاطئة بخصوص المسيح عليه السَّلام , مِن بَعْد ما جاءهُم قَوْلُ اللَّه تعالى فيه .
              فقَرَأ النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على الوَفْد الآيات التي نزلَتْ عليه من سورة آل عمران , ودعاهُم إلى المُباهلَة . فقالُوا له : يا أبا القاسم , دَعْنَا نَنْظُر في أمْرِنَا ثمَّ نأْتيكَ بما نُريد أن نَفْعلَ فيما دَعَوْتَنا إليه . فانْصَرفُوا عنه , ثمَّ خَلَوْا بالعاقِب , وكان ذَا رأْيهِم , فقالُوا : يا عبْدَ المسيح , ماذا تَرَى ؟
              قال : واللَّهِ يا معْشَر النَّصارى لقد عرفْتُم أنَّ محمَّدًا لَنَبيٌّ مُرْسَل , ولقد جاءكُم بالفَصْل من خَبَر صاحبكُم (أي جاءكُم بالقول الحقِّ بخصوص المسيح عليه السَّلام) , ولقدْ علِمْتُم ما لاَعَنَ قومٌ نبيًّا قَطُّ فبَقِيَ كبيرُهم ولا نَبتَ صغيرُهم , وإنَّه لَلاسْتِئْصَالُ لكُم إن فعَلْتُم . فإن كنتُم قد أبَيْتُم إلاَّ إِلْفَ دِينكُم والإقامَة على ما أنْتُم عليه من القَوْل في صاحِبكُم , فَوَادِعُوا الرَّجُلَ ثمَّ انْصَرِفُوا إلى بلادِكُم .
              وقد روى الإمام أحمد حديثًا بخصوص المُباهلَة , يؤكِّد كلام العاقب . فعن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قال : قال أبو جهل (رأسُ المشركين في قريش) : لَئِنْ رأيتُ محمَّدًا يُصلِّي عند الكعبة , لآتِيَنَّه حتَّى أطَأَ على عُنُقه . فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : لو فعلَ , لَأخذَتْه الملائكةُ عِيَانًا , ولو أنَّ اليهودَ تَمَنَّوا الموتَ , لَماتُوا ولَرَأوْا مَقاعِدَهم في النَّار , ولو خرجَ الذينَ يُباهِلُون رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , لَرَجعُوا لا يجدُون مالاً ولا أهلاً ! (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 1 – ص 248 – رقم الحديث 2225) .
              فأخذ الوفدُ إذًا برأي العاقب , وأتَوْا رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقالُوا : يا أبا القاسم , قد رأيْنَا ألاَّ نُلاعِنَك , وأن نَترُكَك على دِينِكَ ونبقَى على دِيننا . ولكن ابْعَثْ معنا رجلاً من أصحابك ترضاهُ لنا , يَحكُم بيننا في أشياءَ اخْتَلَفْنا فيها من أموَالنا , فإنَّكُم عندنا رِضًى . فقال النَّبيّ : ائْتُوني العَشِيَّةَ , أبْعَثْ معكُم القَويَّ الأمين .
              فكانَ عمر بن الخطَّاب يقول : ما أحببْتُ الإمارةَ قَطُّ حُبِّي إيَّاها يَوْمَئذ , رجاءَ أن أكون صاحِبَها . فرُحْتُ إلى صلاة الظُّهر مُبَكِّرًا , فلمَّا صلَّى بنا رسولُ اللَّه الظُّهرَ , سَلَّم , ثمَّ نَظَر عن يَمينه ويَساره , فجعَلْتُ أتَطاولُ له لِيَراني , فلَمْ يَزلْ يَلْتَمسُ ببَصَره حتَّى رأى أبا عُبَيْدة بن الجرَّاح , فدَعاه وقال : اخْرُجْ معهم , فاقْضِ بينهم بالحقِّ فيما اخْتَلَفُوا فيه .
              قال عمر : فذهبَ بها أبو عُبَيْدة .

              هذه إذًا قصَّة وَفْد نصارى نجران , وهي كافيةٌ لِلرَّدِّ على كلِّ النَّصارى إلى آخر الزَّمان .
              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:32 ص.

              وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
              وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
              @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
              --------------------------------------
              اللهم ارزقني الشهادة
              اللهم اجعل همي الآخرة

              تعليق


              • وهل أسلم أناسٌ من اليهود والنَّصارى ؟
                وهل أسلم أناسٌ من اليهود والنَّصارى ؟




                نعم , وسنأخذ ثلاثة أمثلة :
                المثال الأوَّل في إسلام عبد اللَّه بن سَلام , وكان حَبْرًا عالِمًا من أحْبار اليَهود : روى ابنُ حِبَّان في صحيحه عن عوف بن مالك الأشجعي رضي اللَّه عنه , قال : انطلقَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأنا معه حتَّى دخَلْنا كَنيسة اليَهود بالمدينة يومَ عيدهم , وكَرهُوا دخُولَنا عليهم . فقال لهم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا معشَر اليَهود , أرُوني اثْنَيْ عَشَر رجُلاً يَشْهدُ أن لا إلَه إلاَّ اللَّه وأنِّي رسولُ اللَّه , يَحُطُّ اللَّهُ عن كلِّ يهودي تحت أديم السَّماء الغضبَ الذي غضبَ عليه . فأَمْسكُوا , وما أجابهُ منهم أحَد . ثمَّ ردَّ عليهم فلَم يُجبْهُ أحَد , ثمَّ ثَلَّثَ فلَم يُجبْهُ أحَد . فقال : أبَيْتُم , فَوَاللَّهِ إنِّي لَأنا الحاشِر وأنا العاقِب وأنا النَّبيُّ المقفّى (وفي رواية للحاكم في مستدركه : وأنا النَّبيُّ المصطَفَى) , آمَنْتُم أو كذَّبتُم .
                ثمَّ انصرفَ وأنا معه حتَّى دنَا أن يَخرج , فإذا رجلٌ من خَلْفِنا يقول : كما أنتَ يا محمَّد , ثمَّ قال : أيُّ رجُل تعلَمُوني فيكُم يا معْشَر اليَهُود ؟ قالُوا : ما نعلَمُ أنَّه كان فينَا رجلٌ أعْلَم بكتاب اللَّه ولا أفْقَه منكَ , ولا من أبيكَ من قَبْلِك , ولا من جدِّكَ قبل أبيك . قال : فإنِّي أشهدُ له باللَّه أنَّه نَبيُّ اللَّه الذي تَجِدُونه في التَّوراة . قالُوا : كذبْتَ , ثمَّ رَدُّوا عليه وقالُوا له شَرًّا ! فقال رسولُ اللَّه : كذبْتُم , لَن يقْبَل قَوْلكُم , أمَّا آنِفًا فتُثْنُون عليه من الخيْر ما أثْنَيْتُم , وأمَّا إذا آمنَ كذَّبْتُموه وقُلْتُم ما قُلْتُم؟! فلَن يقْبَل قَوْلكُم .
                قال عوف : فخَرجْنَا ونحنُ ثلاثة : رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وأنَا , وعبدُ اللَّه بن سَلام . فأنزلَ اللَّهُ فيه : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 10 } (46- الأحقاف 10) . (صحيح ابن حبّان – الجزء 16 – ص 118 – رقم الحديث 7162) .
                وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن سعد بن أبي وقَّاص رضي اللَّه عنه , قال : ما سَمِعْتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقولُ لِأحَدٍ يَمْشِي على الأرض إنَّه من أهْل الجنَّة , إلاَّ لِعَبْد اللَّه بن سلام . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 3 – ص 1387 – رقم الحديث 3601) .

                المثال الثَّاني في إسلام يهودي آخر اسمُه زَيْد بن سعْنة : روى ابنُ حبّان في صحيحه عن زَيْد بن سعْنة رضي اللَّه عنه , قال : لَمْ يَبْقَ من علامَات النُّبوَّة شيءٌ إلاَّ وقد عرفْتُها في وَجْه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حينَ نظرتُ إليه , إلاَّ اثْنَتَيْن لم أخْبرهُما منه : يَسْبِقُ حِلْمُه جهْلَه (أي غَضَبَه) , ولا يزيدُه شدَّةُ الجهْل عليه إلاَّ حِلْمًا . فكنتُ أتَلَطَّفُ له لأن (أي لكي) أُخالِطَه فأعرف حِلْمَه وجهْلَه .
                (فذكَر زيد قصَّة إقراضه للنَّبيِّ مالاً) , ثمّ قال : فلَمَّا كان قبلَ محَلِّ الأجلِ بيَومين أو ثلاثة , خرج رسولُ اللَّه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم في جنازة رجُلٍ من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ونَفَر من أصحابه . فلَمَّا صَلَّى على الجنازة , دَنَا مِن جِدارٍ فجلسَ إليه . فأخذتُ بِمَجامِع قَميصه , ونظرتُ إليه بوَجْهٍ غَلِيظ , ثمّ قلتُ : ألا تَقْضِني يا محمَّد حقِّي ؟! فوَاللَّهِ ما عَلِمْتُكُم بَني عبد المطَّلب بِمُطَل , ولقد كان لي بِمُخالَطتكُم عِلْم .
                ونظرتُ إلى عُمر بن الخطَّاب وعَيْناه تَدُوران في وَجْهه كالفُلْك المستدير , ثمَّ رماني ببَصَره وقال : أي عدُوَّ اللَّه , أتقُولُ لرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ما أسمعُ , وتفعلُ به ما أرى ؟! فَوَالذي بَعثَه بالحقّ , لولا ما أحاذرُ فوته (أو لَوْمَه) , لَضَربْتُ بسَيْفِي هذا عُنقَك !
                ورسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَنْظُر إلى عُمَر في سُكُونٍ وتُؤَدَة , ثمَّ قال : إنَّا كُنَّا أحْوَجَ إلى غيْر هذا منكَ يا عُمر : أن تأمُرَني بِحُسْن الأداء , وتأمُرَه بِحُسْن التّباعة (أو الطَّلَب) ! اذْهَبْ به يا عُمر , فاقْضِهِ حَقَّه وزِدْهُ عشْرين صاعًا من غَيْره مكانَ ما رُعْتَه !
                قال زيد : فذهبَ بي عُمَر , فقضَاني حقِّي وزادَني عشرينَ صاعًا من تَمْر . فقلتُ : ما هذه الزِّيادة ؟ قال : أمَرني رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن أَزيدَكَ مكانَ ما رُعْتُك . فقلتُ : أَتَعْرِفُني يا عُمر ؟ قال : لا , فَمَنْ أنت ؟ قلتُ : أنا زيد بن سعنة , قال : الحَبْر ؟! قلتُ : نعم , الحَبْر , قالَ : فَمَا دعاكَ أن تقولَ لِرسُول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ما قُلْت وتَفعلُ به ما فعَلْت ؟! فقلتُ : يا عُمر , كلُّ علامات النُّبُوَّة قد عرَفْتُها في وَجْه رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حينَ نَظَرتُ إليه , إلاَّ اثْنَتَيْن لَم أخْتَبِرْهما منه : يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَه , ولا يَزيدُه شِدَّةُ الجهل عليه إلاَّ حِلْمًا , فقد اخْتَبَرْتُهما , فأُشْهِدُكَ يا عُمر أنِّي قد رضيتُ باللَّه رَبًّا وبالإسلام دِينًا وبمحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم نَبِيًّا , وأُشْهِدُكَ أنَّ شَطْرَ مالي , فإنِّي أكثرها مالاً , صدقةً على أُمَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . فقال عُمر : أو على بَعضِهم , فإنَّكَ لا تَسَعُهم كلُّهم , قلتُ : أو على بعضهم .
                فرجعَ عُمر وزيد إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال زيد : أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . (صحيح ابن حِبّان – الجزء 1 – ص 521 – رقم الحديث 288) .

                المثال الثَّالث في إسلام نصراني اسمُه سَلْمان الفارسي : روى ابنُ إسحاق في كتابه السِّيرة النَّبويَّة عن سلْمان الفارسي رضي اللَّه عنه , قال : كنتُ رجلاً فارسيًّا من أهْل أصْبهان (وتُسمَّى اليوم أصْفهان , وهي مدينة في إيران) , من أهل قرْيَة يُقال لها جَيّ . وكان أبي دهقان قرْيَته (أي شَيْخَها) , وكنتُ أحَبَّ خَلْق اللَّه إليه , لم يَزَلْ به حُبُّه إيَّايَ حتَّى حَبَسَني في بيْته كما تُحْبَسُ الجارية . واجْتهَدْتُ في المجوسيَّة (والمجوس هم الذين يُقدِّسُون النَّار) حتَّى كنتُ قَطِنَ النَّار ( أي خادمَها ) الذي يُوقِدُها , لا يَتْركُها تَخْبُو ساعة (أي لا يتركُها تَنْطَفئُ أبدًا) .
                وكانتْ لأبي ضَيْعَةٌ عظيمة , فشُغِلَ يوْمًا في بُنْيان له , فقالَ لي : يا بُنَيّ , إنِّي قد شُغِلْتُ في بُنْياني هذا اليوم عن ضَيْعتي , فاذْهَبْ إليْها فاطَّلعْها . وأمَرني فيها ببَعْض ما يُريد , ثمَّ قال لي : ولا تَحْتَبِسْ عنِّي , فإنَّكَ إن احْتَبَسْتَ عنِّي كُنْتَ أهَمّ إليَّ من ضَيْعَتي , وشَغَلْتَني عن كلِّ شيء من أمْري .
                فخرجْتُ أريدُ ضَيْعَتَه التي بَعَثَني إليها , فمَررتُ بكَنيسة من كنائِس النَّصارى , وسَمعْتُ أصْواتَهم فيها وهم يُصلُّون , وكنتُ لا أدْري ما أمْرُ النَّاس , لِحَبْس أبي إيَّاي في بَيْته . فدَخلْتُ عليهم أنظُر ما يصْنَعون , فلمَّا رأيْتُهم أعجَبَتْني صلاتُهم ورَغِبْتُ في أمْرهم , وقلْتُ : هذا واللَّهِ خَيْرٌ من الدِّين الذي نحنُ عليه .
                فوَاللَّهِ ما بَرحْتُهم حتَّى غَربَت الشَّمسُ , وتركْتُ ضَيْعةَ أبي فلمْ آتِها , ثمَّ قلتُ لهم : أينَ أصْلُ هذا الدِّين ؟ قالُوا : بالشَّام (أي سوريا) . فرجعْتُ إلى أبي , وقد بعثَ في طلَبي وشغَلْتُه عن عمَلِه كُلِّه . فلمَّا جِئْتُه قال : أيْ بُنَيَّ , أينَ كُنْتَ ؟ أوَلَمْ أكُنْ عهدْتُ إليكَ ما عهدْت ؟ قلْتُ : يا أبَتِ , مررتُ بأناس يُصلُّون في كَنيسة لهم , فأعْجبَني ما رأيْتُ من دِينهم , ووَاللَّه ما زلْتُ عندَهم حتَّى غربَت الشَّمس . قال : أيْ بُنَيَّ , ليْس في ذلك الدِّين خيْرٌ , دِينُكَ ودينُ آبائكَ خيرٌ منه , قلتُ : كلاَّ , واللَّهِ إنَّه لَخَيْرٌ من ديننَا . فخافَني , فجعلَ في رِجْلي قيْدًا , ثمَّ حبَسَني في بيْته .
                وبعثْتُ إلى النَّصَارى , فقلْتُ لهم : إذا قدم عليْكُم ركْبٌ من الشَّام فأخْبِرُوني بهم . فقدم عليْهم ركْبٌ من الشَّام , تُجَّارٌ من النَّصارى , فأخْبَروني بهم . فقلتُ لهم : إذا قَضَوْا حوائجَهُم وأرادُوا الرّجْعة إلى بلادهم , فآذِنوني بهم . فلمَّا أرادُوا الرّجْعة إلى بلادهم , أخْبروني بهم , فألقَيْتُ الحديدَ من رِجْلي , ثمَّ خرجتُ معهم حتَّى قدمتُ الشَّام . فقلْتُ : مَنْ أفضَلُ أهْل هذا الدِّين عِلْمًا ؟ قالُوا : الأُسْقُف في الكَنيسة . فجِئْتُه وقلتُ له : إنِّي قد رغبْتُ في هذا الدِّين وأحْببتُ أن أكون معك , أخْدمُك في كَنيسَتك , وأتعلَّم منكَ وأصلِّي معك , قال : ادْخُل , فدخلْتُ معه . وكان رجُلَ سُوء : يأمُرُهم بالصَّدقة ويُرَغِّبهم فيها , فإذا جَمعُوا إليه شيْئًا منها اكْتنَزه ولم يُعطِه المساكينَ , حتَّى جَمع سَبْع قِلال من ذَهب وورق ! فأبْغَضْتُه بُغضًا شديدًا لِمَا رأيْتُه يَصنع .
                ثمَّ مات , فاجْتمَعت إليه النَّصارى ليَدْفِنُوه , فقلْتُ لهم : إنَّ هذا كان رَجُل سُوء , يأمُركم بالصَّدقة ويُرغِّبُكم فيها , فإذا جئْتُموه بها اكْتَنزها لنَفْسه ولَمْ يُعط المساكينَ منها شيْئًا . قالُوا : وما عِلْمُكَ بذلك ؟ قلت : أنا أدلُّكم على كَنْزه , قالُوا : فدُلَّنا عليه . فأرَيْتُهم مَوْضِعَه , فاسْتخْرَجُوا سبْع قِلال مملوءة ذهبًا وورقًا . فلمَّا رأَوْها قالُوا : واللَّهِ لا نَدْفنه أبدًا . فصَلَبوه ورجَموه بالحجارة .
                وجاءُوا برَجُل آخر فجعلُوه مكانَه , فما رأيْتُ رجلاً كان أفضَل منه ولا أزْهد في الدُّنيا ولا أرْغبَ في الآخرة ولا أدْأبَ ليلاً ولا نهارًا منه . فأحببْتُه حبًّا لم أحبَّه شيئًا قبْلَه , وأقمْتُ معه زمانًا . ثمَّ حضَرتْهُ الوفاةُ , فقلتُ له : يا فلان , إنِّي قد كنتُ معك وأحبَبْتُك حبًّا لم أحبَّه شيئًا قبْلَك , وقد حضَرك ما ترى من أمر اللَّه تعالى , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : أيْ بُنيَّ , واللَّهِ ما أعلَمُ اليومَ أحدًا على ما كنتُ عليه , فقد هلكَ النَّاسُ وبدَّلُوا وتركُوا أكثَر ما كانُوا عليه , إلاَّ رجُلاً بالموْصِل , وهو فُلان , وهو على ما كنتُ عليه , فالْحَقْ به .
                فلمَّا مات وغُيِّب (أي دُفِن) لحقْتُ بصاحب الموْصِل , فقلتُ له : يا فُلان , إنَّ فلانًا أوْصاني عند موْته أن ألحقَ بك وأخبَرَني أنَّك على أمْره , فقال لي : أقِمْ عندي . فأقَمْتُ عنده , فوجدْتُه خَيْر رجُل , على أمْر صاحبه . ثمَّ لَمْ يَلْبَث أن حضَرتْه الوفاةُ , فقلتُ له : يا فلان , إنَّ فلانًا أوْصى بي إليك وأمَرني باللُّحوق بك , وقد حضَرك مِن أمر اللَّه ما ترى , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : يا بُنيَّ , واللَّهِ ما أعلَمُ رجُلاً على مثل ما كُنَّا عليه إلاَّ رجُلاً بنصيبين , وهو فُلان , فالْحَقْ به .
                فلمَّا مات وغُيِّب لحقْتُ بصاحب نصيبين , فأخْبَرتُه خبَري وما أمَرني به صاحِباي , فقال : أقِمْ عندي . فأقَمْتُ عنده , فوجدْتُه على أمْر صاحبَيْه , وأقمْتُ مع خَيْر رجُل . فواللَّهِ ما لَبثَ أن حضرهُ الموتُ , فقلتُ له : يا فُلان , إنَّ فلانًا كان أوْصى بي إلى فُلان , ثمَّ أوْصى بي فُلان إليك , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : يا بُنيَّ , واللَّهِ ما أعلمُه بقِيَ أحدٌ على أمْرنا آمُرك أن تأتيه , إلاَّ رجُلاً بعَمُّوريَّة من أرض الرُّوم , فإنَّه على مثْل ما نحنُ عليه , فإن أحْبَبْتَ فأْته , فإنَّه على أمْرنَا .
                فلمَّا ماتَ وغُيِّبَ لحقْتُ بصاحب عمُّوريَّة , فأخْبَرتُه بخَبري , فقال : أقِمْ عندي . فأقمتُ عند خيْر رجُل على هَدْي أصحابه وأمْرهم , واكتسبْتُ حتَّى كانتْ لي بقراتٌ وغُنَيْمة , ثمَّ نزلَ به أمْرُ اللَّه . فلمَّا حُضِر قلتُ له : يا فُلان , إنِّي كنتُ مع فُلان فأوْصى بي إلى فُلان , ثمَّ أوْصى بي فُلان إلى فُلان , ثمَّ أوْصى بي فُلان إليك , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : أي بُنيَّ , واللَّهِ ما أعْلَمُه أصْبح اليومَ أحدٌ على مثْل ما كُنَّا عليه من النَّاس آمُركَ به أن تأتيه , ولكنَّه قد أظَلَّ زمانُ نَبيٍّ , وهو مَبعوثٌ بدِين إبراهيم عليه السَّلام , يَخْرج بأرْض العَرب , مُهاجَرُه إلى أرْضٍ بين حرَّتَيْن بينهما نخْلٌ (هذه الأرضُ هي المدينة التي هاجر إليها محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) , به عَلاماتٌ لا تَخْفَى : يأكلُ الهديَّة , ولا يأكلُ الصَّدقة , وبين كَتِفَيْه خاتَمُ النُّبُوَّة , فإن استطعْتَ أن تلْحقَ بتلْكَ البلاد فافْعَلْ .
                ثمَّ ماتَ وغُيِّب , ومكثْتُ بعمُّوريَّة ما شاء اللَّه أن أمكُث . ثمَّ مَرَّ بي تُجَّارٌ , فقلْتُ لهم : احْمِلُوني إلى أرْضِ العَرب وأعْطِيكُم بَقَراتي هذه وغُنَيْمتي , قالُوا : نَعَم . فأعْطَيْتُهُموها , وحمَلُوني معهُم , حتَّى إذا بَلَغُوا وادي القرى ظَلَمُوني , فبَاعُوني إلى رجُلٍ يَهودي عبدًا . فكنتُ عِنْدَه , ورأيْتُ النَّخْلَ , فرَجَوْتُ أن يكونَ هذا البلَدُ الذي وَصَفَ لي صاحبي , ولم يَحِقَّ في نَفْسي . فبيْنما أنا عِنْدَه إذ قَدم عليْه ابنُ عمٍّ له من بَني قُرَيْظة , فابْتاعَني منه واحْتملَني إلى المدينة , فوَاللَّهِ ما هو إلاَّ أن رأيْتُها فعَرَفْتُها بصِفَة صاحبي , فأقَمْتُ بها .
                وبُعِثَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فأقامَ بمكَّة ما أقام , لا أسْمعُ له بذِكْرٍ مع ما أنا فيه من شُغْل الرِّقِّ . ثمَّ هاجر إلى المدينة , فوَاللَّهِ إنِّي لَفِي رأْس نَخْلَةٍ لِسَيِّدي أعْملُ فيه بعضَ العَمَل وسيِّدي جالسٌ تحتها , إذ أقْبلَ ابنُ عمٍّ له حتَّى وقفَ عليه فقال : يا فُلان , قاتلَ اللَّه بَني قيلَة , واللَّهِ إنَّهم الآن لَمُجْتَمِعون بقُباء على رجُلٍ قدمَ عليْهم من مكَّة اليوم , يزْعُمون أنَّه نَبيّ . فلمَّا سمعْتُها , أخَذَتْني مثْل الرّعْدة من البرد حتَّى ظننتُ أنّي سأسْقُط على سيِّدي . فنزلْتُ عن النَّخْلة , وجعلْتُ أقول لابن عمِّه ذاك : ماذا تقول ؟! فغضب سيِّدي ولَكَمَني لكْمةً شديدة , ثمَّ قال : مالَكَ ولهذا ؟! أقْبِلْ على عمَلِك . قلتُ : لا شيء , إنَّما أردْتُ أن أسْتَثْبِتَه عمَّا قال .
                وقد كان عندي شيءٌ قد جمعْتُه , فلمَّا أمْسيْتُ أخذْتُه ثمَّ ذهبْتُ به إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو بقُبَاء . فدخلْتُ عليه وقلْتُ له : إنَّه قد بلَغَني أنَّك رجلٌ صالح , ومعك أصحابٌ لك غُرباء ذَوُو حاجة , وهذا شيءٌ قد كان عندي للصَّدقة , فرأيْتُكم أحَقّ به من غيركم . فقرَّبتُ إليه , فقال لأصحابه : كُلُوا , وأمْسَكَ يَدَه فلمْ يأكُل . فقلتُ في نَفْسي : هذه واحدة , ثمَّ انصرفْتُ عنه .
                وتحوَّلَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى المدينة , فجمعْتُ شيْئًا ثمَّ جئْتُه به , فقلْتُ له : إنّي قد رأيتُكَ لا تأكلُ الصَّدقة , فهذه هديَّة أكرمْتُكَ بها . فأكلَ منها , وأمَر أصحابَه فأكلُوا معه , فقلتُ في نفْسي : هاتان اثْنَتان .
                ثمَّ جئْتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو ببَقيع الغَرقَد قد تبعَ جنازة رجُلٍ من أصحابه , علَيَّ شَمْلَتان لي , وهو جالسٌ في أصحابه . فسلَّمتُ عليه , ثمَّ اسْتدرْتُ أنظُر إلى ظهره هل أرى الخاتَم الذي وصَفَ لي صاحبي . فلمَّا رآني رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم اسْتَدْبَرْتُه , عرفَ أنِّي أسْتَثْبِتُ من شيء وُصِفَ لي , فألْقى رداءَه عن ظهْره , ونظرتُ إلى الخاتَم (أي خاتَم النُّبوَّة) فعَرفْتُه . فأكْبَبْتُ عليه أُقَبِّلُه وأبكِي , فقال لي : تحوَّلْ , فتحوَّلتُ وجلسْتُ بينَ يديْه , وقصصتُ عليه حديثي , فأعجبَهُ أن يسمع أصحابُه ذلك .
                وأسلَم سَلْمان رضي اللَّه عنه , ثمَّ عاد إلى سيِّده .
                قال سلْمان : وبعد مُدَّة , قال لي رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : كاتِبْ يا سلْمان (والمكاتبة هي أن يتَّفق مع سيِّده على مَبلغ من المال أو عملٍ يُؤدِّيه له لكي يُحرِّره من الرِّقّ) . فكاتبتُ سيِّدي على ثلاثُمائة نخْلَة أُحْييها له , وأربعين أوقية من ذهَب (والأوقية هي جزءٌ من الرَّطل) . فقالَ النَّبيُّ لأصحابه : أعِينُوا أخاكُم , فأعانُوني بالنَّخْل : الرَّجُلُ بثلاثين وَدِيَّة , والرَّجُلُ بعشرين , والرَّجُلُ بعشْر , يُعينُ الرَّجُلُ بقَدْر ما عنْده , حتَّى اجْتمعتْ لي ثلاثمائة وَديَّة (والوَديَّة هي الفَسِيلةُ الصَّغيرة من النَّخْل , تُغرَسُ لتُصبح نخلَة) . فقال لي رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : اذْهبْ يا سلْمان , ففَقِّرْ لها (أي احفِرْ لها) , فإذا فرغْتَ فأْتني أكُنْ أنا أضعُها بيَدي . ففقَّرتُ وأعانَني أصحابي , حتَّى إذا فرغْتُ جئْتُه فأخْبرتُه , فخرجَ معي إليها , فجعلْنا نُقرّبُ إليه الوديَّ ويضعُه النَّبيُّ بيَدِه حتَّى فَرغْنا . فوَالذي نفسُ سلْمان بيَده ما ماتتْ منها ودِيَّةٌ واحدة !
                فأدَّيتُ النَّخلَ وبقيَ علَيَّ المالُ , فأتَى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بمثْل بَيْضة الدَّجاجة من ذهَب , وقال لأصحابه : ما فعلَ الفارسيُّ المكاتب ؟ فدُعيتُ له , فقال : خُذْ هذه فأدِّها مِمَّا عليك يا سلْمان , قلتُ : وأين تقعُ هذه مِمَّا علَيَّ يا رسولَ اللَّه ؟! قال : خُذْها , فإنَّ اللَّهَ سيُؤَدِّي بها عنك . فأخذْتُها ووزنتُها لِسيِّدي , فوَالذي نفْسُ سلْمان بيَده : أرْبعين أوقية ! فأوْفَيْتُه حقَّه وأعتَقني , فشهدْتُ مع رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم معركة الخندق حُرًّا , ثمَّ لم يَفُتْني معه أيُّ مَشْهد .

                هذه إذًا شهادات جديدة بأنَّ اليهود والنَّصارى كان لهم عِلْمٌ بأنَّهُ سَيُبعَثُ نَبيٌّ في جزيرة العرب (السّعوديَّة) , يكون نبيَّ آخر الزَّمان , وكانُوا يعرفُون صِفاتَه , وكانُوا أُمِرُوا باتِّبَاعه .

                ربَّما تقول يا ابني الكريم : ولكن ليس هناك دليلٌ واحد على أنَّ هذه القصص وقعتْ فعلاً .
                أقول : لكنَّ ما جاء فيها يتَّفقُ تَمامًا مع آيات القرآن التي عرضْنَاها سابقًا , والتي أعلَنتْ بوضُوح أنَّ محمَّدًا مذكورٌ في التَّوراة والإنجيل , وأنَّه خاتم الأنبياء . وإذا كنت ما زلت في شكٍّ من أنَّ القرآن كلام اللَّه , تعالَ معي نقوم بجولة جديدة مع بعض آياته المعجزة .
                ---------------------------
                التالي بإذن الله تعالى: في الذُّباب آية !
                التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:31 ص.

                وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                --------------------------------------
                اللهم ارزقني الشهادة
                اللهم اجعل همي الآخرة

                تعليق


                • في الذُّباب آية !
                  في الذُّباب آية !




                  يقول اللَّه تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ 73 } (22- الحجّ 73) .
                  أمَّا الإعجاز الأوَّل , فقد تحدَّى اللَّهُ النَّاسَ جميعًا , والآلهةَ التي يعبدونها من دونه , أن يخلقُوا ذبابة واحدة , حتَّى ولو وَحَّدُوا جهُودهم في سبيل هذا الأمر . فهل استطاعُوا ذلك ؟
                  أبدًا , بالرَّغم من وصولهم إلى القمر , ومازال التَّحدِّي قائمًا إلى قِيام السَّاعة .
                  وأمَّا الإعجاز الثَّاني , فقد أشارت الآية الكريمة إلى أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يسترجع ما يأخذه منه الذُّباب . وقد أثبتَ العلماء فعلاً أنَّ الذُّباب , ما أن يلتقط شيئًا من الطَّعام لِيَأكُله , حتَّى يُفرز عليه كمِّيَّة كبيرة من الإنزيمات الهاضمة التي تُذيبُه وتُحَوِّلُه على الفَوْر إلى مادَّة أخرى . فيستحيلُ عندئذ على الإنسان , مهما استخدمَ من تقنيَّات دقيقة , أن يسترجع المادَّة الأصليَّة التي سلَبها منه هذا الذُّباب !
                  التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:31 ص.

                  وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                  وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                  @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                  --------------------------------------
                  اللهم ارزقني الشهادة
                  اللهم اجعل همي الآخرة

                  تعليق


                  • وفي بيت العنكبوت آية !
                    وفي بيت العنكبوت آية !




                    يقول اللَّه تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ 41 } (29- العنكبوت 41) .
                    اكتشفَ علماء العصر الحديث حقائقَ غريبة جدًّا عن العنكبوت . مِن ذلك أنَّ الأنثى هي وحدها التي تبني بَيْتها , ولا يتدخَّلُ الذَّكَرُ في هذا الأمر من قريب ولا من بعيد ! فهل تُرى لهذا السَّبب قال تعالى : { كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا } , ولم يقل : اتَّخذ بيتًا ؟ أم أنَّ هذا التَّخصيص كان من قَبيل الصُّدفة ؟‍!
                    ومِن ذلك أيضًا أنَّ خُيوط بيت العنكبوت مَتِينةٌ , وليسَتْ واهيَة كما يظنُّ أغلبُ النَّاسُ اليوم ! نعم , ولو قارَنَّا هذه الخيُوط بمِثْلها من الحديد , في مثل طولها ودِقَّتها , لَوَجدْنَاها أمْتَن من خُيوط الحديد بأربعة أضعاف أو أكثر ! فهل تُرى لهذا السَّبب قال تعالى : { وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ } , ولم يقل : وإنَّ أوْهَنَ الخيُوط لَخَيْطُ بَيْت العَنْكَبُوت ؟ أم أنَّ هذا التَّحديد كان أيضًا من قَبيل الصُّدفة ؟!

                    أبدًا , لَم يكُن من قَبيل الصُّدفة , وإنَّ بُيُوتَ العَنْكَبُوت هي فعلاً أوْهَن البُيُوت , كما أشارت إليه الآية الكريمة . لِنَستَمِعْ لِما يقوله العلماء في هذا الشَّأن : تقوم أنْثَى العَنْكَبُوت ليلةَ زفافها باسْتِدْراج الذَّكَر حتَّى يُلَقِّحها . فلمَّا يَنْتَهي من ذلك , تنقضُّ عليه وتأكُله ! نعم , تأكلُ الأنثَى الذَّكَر , وتنتهي الحياةُ الزَّوجيَّة من أوَّل يوم ! والعلَّة في ذلك أنَّ لَحْم الذَّكَر ضروري للأنثَى , لِأنَّه يتحوَّل إلى موادَّ بروتينيَّة لازمة لِتَكْوين البَيْض في بَطْنها .
                    ثمَّ تبيضُ العنكبوت , ولكن ما أن يفقس بيضُها ويخرج صغارُها إلى الدُّنيا , حتَّى تُسارع بالْتِهَام ما تستطيع منهم ! وعندما تَرَى العناكبُ الصَّغيرة هذا المشهد , تبدأ بدَوْرها في أكْل بعْضِها البعض ! وفي النِّهاية , لا ينجُو من هذه المجزرة العائليَّة إلاَّ القليل !
                    فباللَّه عليك يا ابني الكريم , هل سمعتَ في حياتك بأُسْرةٍ أشدّ تفكُّكًا من هذه الأسْرَة أو بيْت أوْهَن من هذا البيْت ؟!
                    وإذا كانت هذه هي حالُ بيت العَنْكَبُوت , فإنَّ حال بُيوت الذين يعبُدون غيرَ اللَّه , أو يطلبُون العَوْن مِن سواه , شبيهةٌ جدًّا بها , ولكنَّ أكثر النَّاس عن الحقِّ غافلون !
                    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:31 ص.

                    وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                    وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                    @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                    --------------------------------------
                    اللهم ارزقني الشهادة
                    اللهم اجعل همي الآخرة

                    تعليق


                    • وفي عسل النَّحل آية !
                      وفي عسل النَّحل آية !




                      يقول اللَّه تعالى : { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ 68 ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 69 } (16- النّحل 68-69) .
                      لا يَخفَى اليوم على أحد من النَّاس أنَّ العسل مفيدٌ جدًّا في علاج العديد من الأمراض , وأيضًا في الوقاية من الإصابة منها . ومازال العُلَماء إلى اليوم يبحثون ويدرُسون , ليتعرَّفُوا على المزيد من أسراره .
                      فمِنْ فوائد العسل أنَّه يحتوي على سُكَّر الفواكه بنسبة عالية , وهو بهذا يُغني عن تناول سُكَّر القصب والسَّكاكر الصِّناعيَّة الأخرى التي تُسبِّبُ نَخَر الأسنان وارتفاع نسبة السُّكَّر في الدَّم .
                      والعسلُ سهلُ الهضم , حُلْو الطَّعْم , ويمتاز على غيره من الأدوية بأنَّه يقتلُ الجراثيم في بضع ساعات , ويُسارع في الْتِئَام الجروح . وهو مفيد في علاج التَّقيُّحات , والقُصُور الكلوي , والسُّلّ , والسُّعال الدِّيكي , والأمراض العصبيَّة , وغيرها .
                      والعسلُ ذُو ألوان مختلفة , لأنَّ النَّحل الذي يُنتِجُه يمتصُّ رحيق زهور مُتَنوَّعة .

                      فإذا كان النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قد أتى بالقرآن من عنده , فكيف عَلِمَ منذ حوالي 1400 سنة أنَّ صُنع العسل يَتمُّ في بطن النَّحلة , وأنَّه يخرجُ بألوان متعدِّدة , وأنَّ فيه شفاء للعديد من الأمراض ؟!
                      ثمَّ انظر مرَّةً أخرى إلى دقَّة التَّعبير الإلهي حين قال تعالى : { فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ } , ولم يقلْ : هو شفاءٌ للنَّاس . فقد بيَّن العلم الحديث فعلاً أنَّ العسل يشفي من العديد من الأمراض , ولكن ليس مِن كلِّها .
                      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:31 ص.

                      وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                      وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                      @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                      --------------------------------------
                      اللهم ارزقني الشهادة
                      اللهم اجعل همي الآخرة

                      تعليق


                      • وفي الرَّضاعة الطَّبيعيَّة آية !
                        وفي الرَّضاعة الطَّبيعيَّة آية !




                        يقول اللَّه تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 233 } (2- البقرة 233) .
                        يَحثُّ اللَّه تعالى الأمَّهات في هذه الآية أن يُرضِعْنَ أولادهنَّ رضاعة طبيعيَّة من صُدورهنَّ , ويُبيِّن لهنَّ أنَّ تمام الرَّضاعة سنتَان كاملتَان . فماذا يقول العلْمُ في هذا الأمر ؟
                        كلُّ الأطبَّاء , وحتَّى عامَّةُ النَّاس , مُجْمِعُون اليوم على أنَّ الرَّضاعة الطَّبيعيَّة من صدر الأمِّ ولِأَطْوَل مُدَّة , أفضل بكثير للرَّضيع وللأمِّ من الرَّضاعة الصِّناعيَّة . فحليبُ الأمِّ أكْمَل , وأسهل هضمًا , ومُعقَّم , ويحتوي على أجسام مُضادَّة لِتَقْويَة المناعة ضدَّ الأمراض لَدَى الرَّضيع , ودرجة حرارته مُناسبة للرَّضيع صيفًا وشتاء .
                        ثمَّ إنَّ الرَّضاعة من الصَّدر تُقوِّي رابطة الحنان بين الأمِّ وابنها , وتساعد على استقراره النَّفسي .
                        ألَيْس في هذا إذًا دليلٌ آخر على أنَّ القرآن وحيٌ من عند اللَّه ؟!
                        التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:31 ص.

                        وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                        وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                        @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                        --------------------------------------
                        اللهم ارزقني الشهادة
                        اللهم اجعل همي الآخرة

                        تعليق


                        • وفي قصَّة يوسف آية !
                          وفي قصَّة يوسف آية !




                          يقول اللَّه تعالى : { وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ 43 قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ 44 وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ 45 يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ 46 قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ 47 ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ 48 ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ 49 } (12- يوسف 43-49) .
                          يقولُ المختصُّون في علوم الزِّراعة والنَّبات أنَّ القمح إذا تَمَّ تخزينُه لبضع سنوات على شكل حُبوب , يتعرَّضُ لِلتَّلَف بسَبَب الرُّطوبة والآفات . أمَّا إذا أُبقِيَ في سُنْبُلِه ثمَّ وقعَ تخزينُه على هذه الحالة , فإنَّه يبقَى سليمًا لِسَنوات عديدة .
                          وهذه بالضَّبط هي الطَّريقة التي ذكَرها القرآن على لسان النَّبيِّ يوسف عليه السَّلام في تخزين القمح : { فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ } .
                          أليس في هذا دليلٌ جديد على أنَّ القرآن كلام اللَّه ؟!
                          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:30 ص.

                          وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                          وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                          @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                          --------------------------------------
                          اللهم ارزقني الشهادة
                          اللهم اجعل همي الآخرة

                          تعليق


                          • وفي قصَّة أصحاب الكهف آية !
                            وفي قصَّة أصحاب الكهف آية !




                            يقول اللَّه تعالى : { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا 17 وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا 18 } (18- الكهف 17-18) .
                            تتحدَّث هاتان الآيتان عن أصحاب الكهف , وهم شبابٌ عاشُوا قبل مَبْعَث النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بقُرون . وكانُوا يُؤمنون باللَّه وحده , لا يُشركون به شيئًا . وفي يومٍ , فَرُّوا من قَوْمهم الكفَّار , واخْتَبأوا في كهف . فألْقَى اللَّهُ تعالى عليهم النَّوم , فنامُوا حوالي 300 سنة , ثمَّ أيقظَهُم اللَّهُ من رُقادهم . يقول تعالى : { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا 25 } (18- الكهف 25) . يقولُ المفسِّرون : أي نامُوا 300 سنة شمسيَّة , وهي تُعادل 309 سنة قمريَّة ! ولهذا قال تعالى : { وازدادُوا تِسْعًا } . فهل هذه الدِّقَّة في الحساب جاءت من قَبيل الإعجاز أم هي من قَبيل الصُّدفة ؟!
                            وخلال نَوْمهم الطَّويل هذا , كانت الشَّمسُ تدخلُ إلى كَهْفهم صباحًا ومساءً , وهذا الأمرُ ضَروري للقضاء على الرُّطوبة والجراثيم التي يمكنُ أن تُتْلِفَ أبدانهم .
                            وكانُوا يُقَلَّبون تارةً إلى اليمين وتارةً إلى الشِّمال , وهذا أيضًا ضَروري لأنَّ النَّوم لفترة طويلة في وضعيَّة واحدة يُسبِّبُ تَقَيُّحات في الموضع من الجسم الملاصِق للفراش أو للأرض . وكلُّنا يتقلَّبُ مرَّات عديدة عندما يكون نائمًا , دون أن يشعر بذلك . ثمَّ إنَّ التَّقليب إلى اليمين وإلى الشّمال يسمح للجسم أن يتنفَّس بسهولة , وهو ما لا يحصل إذا كان النَّوم على البطن أو على الظَّهر .
                            كلُّ هذا أثْبَته العلم الحديث . فمَن أخبر محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بكلِّ هذه الجزئيَّات العلميَّة الدَّقيقة منذ حوالي 1400 سنة , إن لم يكن اللَّه تعالى هو الذي أوحَى له بذلك ؟!
                            بقيَ أن نلاحظ أنَّ اللَّه سبحانه كان يستطيع , وهو القادر على كلِّ شيء , أن يجعلَ الفِتْيَة يَنامون لمدَّة 300 سنة في وضعيَّة واحدة ودون أن تزورهم الشَّمس , ويحفظ مع ذلك أبدانَهم من أيِّ تَلَف . ولكنَّه ربَّما أراد أن يُنبِّهنا إلى ضرورة الأخذ بالأسباب , بالإضافة إلى التَّوكُّل عليه , أو ربَّما أراد أن يَلْفِتَ أنظارنا إلى هذه الحقائق العلميَّة التي تؤكِّد أنَّ القرآن مُنزَّلٌ من عنده .
                            ---------------------------------
                            التالي بإذن الله تعالى: وفي قصَّة ذي القرنين آية !
                            التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:30 ص.

                            وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                            وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                            @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                            --------------------------------------
                            اللهم ارزقني الشهادة
                            اللهم اجعل همي الآخرة

                            تعليق


                            • وفي قصَّة ذي القرنين آية !
                              وفي قصَّة ذي القرنين آية !




                              يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن ذي القرنين : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً 93 قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا 94 قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا 95 آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا 96 فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا 97 قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا 98 } (18- الكهف 93-98) .
                              كان ذو القَرْنَين مَلِكًا صالحًا , يؤمن باللَّه وحده . وكان قد طاف جميع الأرض , مشرقها ومغربها . فمَرَّ في طوافه على قَوم , فطلبُوا منه أن يَبْني لهم سدًّا يمنع عنهم أذى يأجوج ومأجوج , وعَرضُوا عليه مالاً مقابل ذلك . فأجابهم بأنَّ ما أعطاهُ اللَّهُ من الملْكِ والتَّمكين في الأرض خيرٌ له من ذلك المال . ثمَّ طلب منهم أن يجمعوا له قِطَعًا من الحديد , فجمعوا له ما أراد . فبَنَى بها سدًّا عاليًا بين جَبَلَيْن , ساوَى فيه بين قِمَّتَيْهما . ثمَّ أمرهُم أن يُوقِدُوا عليه النَّار , فأَوقَدُوها حتَّى انصَهر الحديد , فصبَّ عليه النُّحاسَ المذاب , فأصبح سدًّا صلبًا منيعًا , لم يستطع يأجوج ومأجوج بعد ذلك ثَقْبَه .

                              والمعروفُ اليوم لَدى العلماء أنَّ النُّحاس المذاب إذا أُضيف إلى الحديد المذاب أَكْسَبه صلابة وقوَّة , ولم يأْكُلْه الصَّدَأ .
                              فمَن أخبر النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بهذه الحقيقة العلميَّة إذا كان قد جاء بالقرآن من عنده ؟!
                              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:30 ص.

                              وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                              وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                              @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                              --------------------------------------
                              اللهم ارزقني الشهادة
                              اللهم اجعل همي الآخرة

                              تعليق


                              • وفي حرب الرُّوم مع الفُرس آية !
                                وفي حرب الرُّوم مع الفُرس آية !




                                يقول اللَّه تعالى : { الم 1 غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ 4 بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 5 وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ 6 } (30- الرّوم 1-6) .
                                كان الرُّوم في حَرْبٍ دائمة ضدَّ الفُرْس , وكان المسلمون الأوائل يُحبُّون أن ينتصر الرُّومُ لأنَّهم نصارى , أهل كتاب , بينما كان كفَّارُ قُريش يحبُّون أن يكون النَّصر للفُرس لأنَّهم كفَّارٌ مثلهم , يعبدون النَّار .
                                وقد نزلت هذه الآيات والنَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأصحابُه في مكَّة . وتُشير في أوَّلها إلى هزيمة هِرَقْل مَلِك الرُّوم أمام سابُور مَلِك الفُرس , في معركةٍ دارتْ بين جَيْشَيْهما في منطقة البحر الميِّت .

                                فكانتْ هذه الآيات مُعجزة من وجهين :
                                أمَّا الوجه الأوَّل : فقد أشارت إلى أنَّ المكان الذي انهزم فيه الرُّومُ هو أدْنَى الأرض , أي أخْفَضها . وقد تأكَّد علماءُ الخرائط اليوم أنَّ البحر الميِّت الذي يقع بين فلسطين والأردن ينخفض عن سطح البحر 395 متر , وهو أقصى انخفاض في العالم . وبالتَّالي , فإنَّ المنطقة التي وقعتْ فيها المعركة هي فعلاً أدْنَى الأرض !
                                وأمَّا الوجه الثَّاني : فقد تنبَّأت الآيات بأنَّ الرُّوم سينتصرون على الفُرس بعد هذه الهزيمة ببضع سنين , والبضْع هو من ثلاث إلى تسع سنوات . فلمَّا سمع كُفَّار قُريش بهذا الأمر , تراهنُوا مع الصَّحابي الجليل أبي بكر الصِّدِّيق رضي اللَّه عنه , قبل أن يُحرَّم الرِّهان , على أنَّ الرُّوم سَيَنْهزمُون مرَّة أخرى . فكان أن انتصر الرُّومُ بعد تسع سنين , وأسلم عند ذلك أناسٌ كثيرون من قُريش عندما رأوا أنَّ وَعْد اللَّه قد تحقَّق !

                                فهل كان النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِيَضَع نفسَه في هذا المأزق لو كان قد أتى بالقرآن من عنده ؟!
                                التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 3 نوف, 2020, 02:29 ص.

                                وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                                وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                                @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                                --------------------------------------
                                اللهم ارزقني الشهادة
                                اللهم اجعل همي الآخرة

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 ينا, 2024, 02:31 ص
                                رد 1
                                8 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 2 ديس, 2023, 12:11 ص
                                ردود 0
                                8 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 27 سبت, 2023, 04:05 ص
                                ردود 0
                                7 مشاهدات
                                1 معجب
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 12 سبت, 2023, 02:16 ص
                                ردود 0
                                6 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 1 سبت, 2023, 11:46 م
                                ردود 0
                                6 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                يعمل...
                                X