اختلاف المسلمين في تعريف آل محمد وأهل البيت

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الشنقيطية مسلم اكتشف المزيد حول الشنقيطية
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اختلاف المسلمين في تعريف آل محمد وأهل البيت

    أهل البيت في مقام الحِباء والاجتباء
    إنّ الأصلَ في هذا المقام هو قول النبيّ عن سلمان الفارسيّ: ((سلمان مِنَّا أهل البيت)) (1) وقوله لواثلة بن الأسقع الكنانيّ في بعض ألفاظ حديث الكساء: ((أنتَ من أهلي)) ، قال السخاويّ في الإستجلاب : "وفي الفردوس بلا إسناد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ((أسامةُ مِنَّا أهلَ البيت ؛ ظهراً لبطن))"(2) ، وقوله في حديث عليّ: ((جرير مِنَّا أهل البيت))(3)، وقوله لثوبان مولاه أيضاً حين سأله : أَمِنْ أهْلِ البَيْتِ أنا؟ ، وذلك في وقت كان النبيُّ يذكر علياً وفاطمة ؛ فقال: ((نعم ، ما لم تقم على سدة ، أو تأتي أميراً تسأله)) ، ودعى نبيُّ الله على النفر العرنيين لما قتلوا غلامه فقال: ((اللَّهُمَّ عَطِّشْ مَنْ عَطَّشَ آلَ مُحَمَّدٍ اللَّيْلَةَ)) (4).
    قال محمد الشليّ باعلويّ في المشرع الرويّ من أهل السنة : "فعدّ هؤلاء مِن أهل البيت ؛ باعتبار صدق محبتهم ؛ وعظيم قُربهم" (5) ؛ وذكر نحوه الشيعة كما سنبينه ؛ فهذه الآثار وما ضارعها هي أصل هذا المقام الذي شأن أهله أنهم توددوا إلى أهل بيت النبيّ وأحبوهم أو على الأقل قد كفّوا أذاهم عنهم فحلّوا معهم في مقامهم .
    لِلأُمّة نصيب في مصطلح"أهل البيت/آل محمد" ، فأهل هذا المقام متآلفون متفقون ؛ غير متنافرين ولا متباينين ؛ هذا شأنهم ، وهو مقام يغبط الأمةَ عليه قرابةُ النبي ، وليس هو بالمقام الأدنى ، ولا هي بالمنزلة الهينة الرخيصة ، بل إنه لمقام ينحدر عنه السيل ؛ ولا يَرْقَى إليه الطير ، وسلمان الفارسيّ لم يتنازع فيه المهاجرون والأنصار في إلحاقه بهم
    __________
    (1) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري (3/691، رقم 6539، 6541) ، وأنظره في تهذيب الكمال (11/251) ، وفي الآحاد والمثاني (5/170،برقم2707) وهو مشهور في كتب الحديث ، وقد ضعفت الحديث الحشوية من أهل السنة .
    (2) صفحة (80) ، وقال هذا لأسامة ؛ لأنَّ أسامة من آل محمد m ولاءً ؛ هذا أولاً ؛ فقال له هذا ليجعله من أهل هذا المقام أيضاً ؛ وهو حقيقٌ به ؛ فلذا قال له ظهراً لبطن ؛ هكذا يبدوا لي والله أعلم ؛ فهو من آل محمد بالوجهين .
    (3) الآحاد والمثاني (4/470،برقم 2524) .
    (4) رواه جمعٌ منهم النسائي في سننه ( رقم 3968 ) .
    (5) المشرع الروي (1/46) .

    (1/3)

    نَسَبَاً ، وإنما تنازعوا في أمره أَمِنْ جملة المهاجرين هو أمْ مِن جملة الأنصار ، فحَكَمَ النبيُ أن قال قولاً فاصلاً : ((سلمانُ منَّا أهل البيت)) ، وهذا يعني أنه من جملتنا، لا مِنّا نَسَباً ، وكون سلمان من الأمة الفارسية الذي هم من أبعد الناس نسباً عن رسول الله يدفع توهم الاقتصار على النسب المجرد في مقامات الولاية وعدم اعتبار التقوة والصلاح كأُسٍّ للولاية ؛ وكونه كذلك يدفع توهم عدم اعتبار النسب في مقامات أخرى ؛ وكونه مقاماً مجعولاً للأمة كونه أشكل على كثير من الناس ؛ فخلطوه بغيره من المقامات ، وغصبوا بذلك قربى النبي هذا اللقب في المقامات الأخرى المقصورة من قبل الشريعة على القرابة .
    فهو مقام ينزله أولئك الذين يحبون أهل بيت نبيهم ويودونهم ، الذين خلفوا نبيهم في أهل بيته بإحسانٍ ؛ ولم يتحينوا موته لينقضُّوا عليهم ، فهو مقام مَن كان مُجِلاً لعترته , ومبجلاً لأهل بيته , موقّراً لآله ، ولا حظَّ فيه قطُ قطعاً البتة لمن أبغض أهل بيته , أو حاربهم , أو شرَّد بهم , أو لعنهم على المنابر ، أو خرج عليهم ؛ لا سيما من كان مبغضاً لشيخ أهل البيت الإمام عليّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهه ، فهو مقام يكتسب بترويض النفس ، وينال ببذل الجهد والرياضة ، وليس هو كغيره من مقامات القرابة التي تكون قرابة النَسَب وقرابة السبب ـ أي الدين ـ كافيتان بمجردهما ، وهو مقام حباء يحبوه الله لمن شاء من عامة الأمة ، وهو مقام اجتباء يجتبي الله له من شاء من أهل الصلاح من عامة الأمة.
    روتْ الشيعةُ الجعفرية عن أبي عبد الله أنه قال : "من تولى آل محمد وقدّمهم على جميع الناس بما قدّمهم من قرابة رسول الله فهو من آل محمد لمنزلته عند آل محمد ؛ لا أنه من القوم بأعيانهم ؛ وإنما هو منهم بتوليه إليهم واتباعه إياهم؛ وكذلك حكم الله في كتابه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ؛ وقول إبراهيم : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }" (1) ؛ وروي عنه أنه قال لشيعته وأنصاره : "أنتم آل محمد ؛ أنتم آل محمد" (2) ، وذكر العياشيّ في تفسيره عن عمر بن يزيد عن أبى عبدالله قال : قال : أنتم والله من آل محمد ، قال: فقلت : جُعلت فداك! ؛ مِن أنفسهم؟ قال : مِن أنفسهم والله ـ قالها ثلثاً ـ ثم نظر إليّ فقال لي : يا عمر!! إنَّ الله يقول : {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (3) ، قال في بحار الأنوار : قال أبو عبد الله عَلَيْهِ السَّلامُ : ((أنتم
    __________
    (1) انظر تفسير العياشي (2/231) ، وبحار الأنوار (61/29 ـ 37) .
    (2) بحار الأنوار (61//29، 65/11 ، 29 ، 32) .
    (3) تفسير العياشي (1/177) سورة آل عمران ، وانظره تفسير الميزان الجزء الثامن عشر ، وانظر تفسير كنْز الدقائق للقمي ج2.

    (1/4)

    آل محمد ، أنتم آل محمد)). وهذا على المبالغة كقولهم : سلمان منا أهل البيت . قال محمد بن علي بن إبراهيم : العلة في شيعة آل محمد أنهم منهم ؛ أن كل من والي قوماً فهو منهم ، وإن لم يكن من جنسهم ، وذلك قول الله عزوجل : {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ ، وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} ، فالجن بخلاف الانس، لكنهم لمَّا والوهم فإن الله نسبهم إليهم، فكذلك كل من توالى آل محمد فهو منهم.انتهى . وقال أمير المؤمنين عليّ عَلَيْهِ السَّلامُ عند قول الله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} : "إن أولى الناس بالانبياء أعملهم بما جاؤا به ، ثم تلا هذه الاية فقال : إن ولي محمد من أطاع الله ، وإن بعدت لحمته ، وإن عدو محمد من عصى الله وإنْ قَرُبَتْ قرابتُه" . وفي هذه الاية دلالة على أن الولاية ثبتت بالدين لا بالنسب (1) .
    روى الحسنُ السبط قال: سمعتُ عليّاً يقول : سمعتُ رسول الله يقول: ((يرد علَيّ الحوضَ أهلُ بيتي ومَن أحبهم مِن أُمتي كهاتين)) يعني السبابتين (2) ، فشأنُ أهل هذا المقام هو المداومة على حُبِّ النبيِّ وحُبِّ أهل بيته(3)؛ وبذل المودة لهم؛ وكَفّ الأذى عنهم ؛ واحترامهم وتوقيرهم؛ قال الله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ؛ من غير إفراطٍ ولا تفريط؛ فمَوَدَّتهم والإحسان إليهم مِن أعظم الأسباب الجالبة للخير والسعادة؛ والضِدُّ بالضِدِّ؛ فما استُجْلبت نِعَم الله واستُدفعت نِقَمه بمثل تعظيم نبيه محمد وأهل بيت نبيه محمد وعلى قَدْرِ إيمان المرء وعلى قَدْر ما بقلبه مِن نورٍ مِن الله تكون تلك المودّة وتلك الرحمة؛ وهذه حال الصابرين الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى؛ الذين رضوا بقسمة الله وآمنوا بقضائه وبقدره؛ وأهل السنَّة؛ والشيعة الجعفرية؛ والشيعة الزيديّة؛ كل أحدٍ من أولئك يدَّعي التوسط والإعتدال؛ ولا تظهر حقيقة الإعتدال والتوسط عند كُلٍّ إلاَّ بالنظر في منهج كل طائفة في المحبة والولاء ثم بالمقارنة الموضوعية المحايدة النزيهة .
    قال الراغب الأصفهانيّ: "وآل النبي المختصون به من حيث العلم ، وذلك أنَّ أهلَ الدين ضربان ، ضربٌ متخصصٌ بالعلم المتْقَنِ والعمل المحكم ، فيقال لهم آل النبيّ وأمته ، وضربٌ يختصون بالعلم على سبيل التقليد ، ويقال لهم أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يقال لهم آله ، فكلُّ آلٍ للنبيّ أمةٌ له وليس كل أمةٍ له آله ، وقيل لجعفر الصادق - رضي الله عنه - : الناس يقولون : المسلمون كلّهم آلُ النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال : كذبوا وصدقوا ، فقيل له : ما معنى ذلك؟ فقال : كذبوا في أن الأمةَ كافتهم آله، وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله" (4).
    __________
    (1) بحار الأنوار المواضع السابقة .
    (2) الحديث مقاتل الطالبيين لأبي الفرج (38).
    (3) من هم أهل البيت/آل محمد ؟ .
    (4) المفردات (30ـ31) .

  • #2
    الفصل الثاني
    أهل البيت في مقام عقد الزوجية
    هذا مقام عرفيّ أكثر منه شرعيّ ؛ ولذا فإنه عام في جميع الأمة ، وليس هو خاص بمقام النبوة، فهو في عرف الناس أجمعين ، وهو مقام ليس من مقامات القرابة وإنما هو مقام رَحِمٍ وَصِهْر ، ولا يتمارى أحدٌ بالاعتراف أنّ الزوجة تكون أهلُ بيتٍ لزوجها ، إلاّ من لا حظّ له في العلم الشرعيّ ؛ وجهل مع الشريعة عُرفَ العرب ، وكونه كذلك أي مقام عرفيّ فإنه يكون شرعيّ؛ لأجل أنّ الشريعة أقرّته ؛ فهو إذن كنتيجة نهائية : من المقامات الشرعيّة ، والقرآن قد نطق بذلك في آيات كثيرة ، كان من العبث مع ورودها إنكار كون الزوجة من أهل بيت الرجل ، وفي السنة من الشواهد على ذلك ما لا يحصيه إلاّ الله تبارك اسمه ، فمُسَلّمٌ جداً كون المرأة على الوصف الذي ذكرنا ، إلا أنه لما كانت الزوجة من أهل بيت الزوج ليس بالأصالة/القرابة ؛ وإنما بحكم العقد/النكاح الذي هو أمر طاريء ، فقد تعارف العرب وأهل الشريعة على ذلك الوصف لها ولكن بقرينة في الكلام ، ومناطة في الحديث ، تكون صارفة للمعنى المتبادر إلى الذهن لأجل الحكم الأصلي ـ إذ أن الأصل في الآل دلالته على معنى النسب ـ إلى المعنى المراد من كلام المتكلم لأجل الحكم العارض ـ وهو هنا دلالته على الزوجة ـ .
    قال الفقيه اللغويّ محمد بن إدريس المطلبيّ الشافعيّ وهو يردّ على من يزعم أنّ الزوجة يقال لها أهل في مطلق القول : " هذا معنى يحتمله اللسان ، ولكنه معنى كلام لا يعرف ، إلاّ أن يكون له سببُ كلامٍ يدل عليه ـ أي قرينة في الكلام تبينه وتشير عليه ـ وذلك أن يقال: هل تزوجتَ؟ فيقول : ما تأهلتُ ؛ فيعرف ، بأول الكلام ، أنه أراد ما تزوجتُ , أو يقول الرجل : أجنبتُ من أهلي ، فيعرف أن الجنابة إنما تكون من الزوجة .
    أما أنْ يبدأ الرجلُ فيقول : أهلي ببلد كذا أو أنا أزور أهلي ، وأنا عزيز الأهل ، وأنا كريم الأهل ، فإنما يذهب الناس في هذا إلى أهل البيت " (1) .
    وهذا زيد بن أرقم الصحابي - رضي الله عنه - لم ينفي كون الزوجة من الأهل .
    أمّا امرأة لوط - عليه السلام - فعلى فرض أنها مستثناة مِن {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} أمْ كان الإستثناء منقطعاً ؛ وسواء أكانت {امْرَأَتَكَ} منصوبة كما هي قراءة الجمهور أمْ مرفوعة {امْرَأَتَُكَ} كما هي قراءة أبي عمرو وابن كثير ؛ أمْ آيات الحِجْر التي فيها {إِلاَّ آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} أمْ غيرهما ؛ فكلّ ذلك إن كان فيه ما قد يوحي أنّ الزوجة ليست من أهل الزوج فإنما هو إطلاقٌ للعبارة ليس فيه إثباتٌ لحكم ؛ أو يكون باعتبار المآل في الآخرة ؛ لأنها في الآخرة ليست من أهل بيته ؛ أما في الدنيا فهي من أهل بيته على الرغم من أنها ليست على دين زوجها الدين الحقّ .
    __________
    (1) أحكام القرآن ( 86 ـ 87 ).

    تعليق


    • #3
      الفصل الثالث
      آل محمد في مقام الصلاة الإبراهيمية
      الأقوال
      القول الأول : المراد به النبي نفسه .
      حكاه القاضي عِياض في " الشفا " وعزاه للحسن ، وهو غريب ، وليس أغرب منه سوى ما استدل به ، إذ قال : لأنه كان لا يخلّ بالفرض ، ويأتي بالنفل ، لأنّ الفرض الذي أمره الله تعالى به هو الصلاة على محمد نفسه ، وهذا مثل قوله : ((لقد أُوتي مزماراً مِن مزامير آل داود)) يريد من مزامير داود نفسه (1) .
      القول الثاني : هم الأئمة المعصومين الإثنى عشر .
      وهو قول الشيعة الجعفرية من الإمامية (2) .
      القول الثالث : هم أهل الكساء وذريتهم ، أي الأسباط ، فكل سبطيٌّ هو معدود من آل محمد.
      وهذا القول حكاه النوويّ وجهاً للشافعية وعزاه للزُهريّ (3) ، وهو مذهب جمهور الشيعة الزيدية (4) ، قال الشوكانيّ في نيل الأوطار : " وإلى ذلك ذهب جمهور أهل البيت " (5) ، وهو مذهب بعض المتصوفة .
      ووجدت لدى الشيعة الجعفرية ما يؤيد هذا القول ، فقد روت الجعفرية عن أبي عبد الله أن آل محمد هم الذين حرَّم
      __________
      (1) الشفاء (2/72)، والحديث في صحيح البخاري (رقم 4761) ، ومسند أحمد (رقم 8806) .
      (2) انظر حجج هذا القول مثلاً في كتاب "أسرار الإمامة" للطبرسي .
      (3) المجموع شرح المهذب ، يحيى بن شرف النوويّ المتوفى عام 676هـ ، ت.محمد نجيب المطيعيّ ، طبعة 1415هـ ، دار إحياء التراث العربي (3/448) .
      (4) البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ، للعلامة أحمد بن يحيى بن المرتضى المتوفى عام 840هـ ، ومعه كتاب جواهر الأخبار والآثار للصعدي المتوفى عام 957هـ ، تحقي عبد الله الجرافي ، ط 1 ، 1366هـ ، دار الحكمة اليمانية ، صنعاء ، اليمن (1/277).
      (5) نيل الأوطار (448) .

      الله - عز وجل - على محمد نكاحهم ، فخرج بذلك الأزواج ؛ وأولاد العم ؛ وأولاد هاشم قاطبة إلاّ الذين ولدهم النبي صليبة أو ولدهم بواسطة ، فعن عبد الله بن ميسرة قال : قلت لأبي عبد الله : إنا نقول اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، فقال : إنما آل محمد من حرَّم الله - عز وجل - على محمد نكاحهم .
      القول الرابع : هم بنو هاشم فقط .
      القول الخامس : آل محمد في مقام الصلاة عليهم هم الأزواج والذرية .
      القول السادس : هم أزواجه ؛ وأهل بيته ؛ وعترته .
      قال الموزعيُّ من الشافعية في أحكام القرآن : وقد اختلف الناس في الآل على أقوال ، أما في هذا المقام ـ يقصد مقام الصلاة عليهم ـ فالمراد أزواجه ، وأهل بيته ، وعترته (1) .
      حكى العلاء المرداويّ من الحنابلة قال : "آل محمد في مقام الصلاة إنما هم أزواجه ، وعشيرته ممن آمن به ، قال : قيّده به ابن تميم" (2)
      قالوا : وقد أفتى ابنُ تيميّة بأنه إذا قال المصلي تارة : "وعلى آل محمد" وقال تارة : "وعلى أزواجه وذريته"فإنه يكون محسناً ، بخلاف ما لو جمع بينهما ؛ فإنه يكون حينئذ قد خالف السنة ، ولأنه فاسد عقلاً أن يجمع بين البدل والمبدل ، إذ إن أحد اللفظين يدل على الآخر ، (3)
      القول السابع : هم بنو هاشم وبنو المطلب .
      وهذا القول هو الصحيح في مذهب الشافعية ، وهو وجهٌ لهم ، وقال النوويُّ :"وهو الذي نصّ الشافعيّ عليه في رواية حَرْمَلة ، ونقله عنه الأزهريّ ؛ والبيهقيّ ؛ وقطع به جمهور الشافعية" (4) ، وحكاه النوويّ في شرحه لصحيح مسلم قولاً للعلماء واختار غيره (5) ، وحكاه الرافعيّ وقال : "نصّ عليه الشافعيّ" (6) ، وفي التدوين في أخبار قزوين : "أن الشافعيّ فسر الآل هنا في رواية حرملة ببني هاشم وبني المطلب" (7) . وهذا القول حكاه ابن شدّاد في دلائل الأحكام قولاً لبعض أهل العلم (8) . وهو وجه لدى الحنابلة ، حكاه المرداوي منهم وقال : "ذَكَرَه في المطلع" (9) .
      __________
      (1) أحكام القرآن (2/1040).
      (2) الإنصاف ( 2/75 ) ، وانظر منهاج السنة لابن تيمية ( 4/592ـ595 ) .
      (3) الفتاوى الكبرى ( 1/178 ـ 179 ) .
      (4) المجموع (3/448 ) .
      (5) شرح مسلم ( 4/124 ) .
      (6) العزيز ( 1/534 ) .
      (7) التدوين (1/151) .
      (8) دلائل الأحكام (1/312) .
      (9) الإنصاف (2/75) .

      وحكاه في البحر الزخار قولاً ولم يعزه ، قال : "لقربهم" (1) وعزاه في نيل الأوطار للشافعيّ (2) ، وكذا عزاه ابنُ دقيق العيد للشافعيّ (3) .
      القول الثامن : هم بنو هاشم وبنو عبد مناف . كذا وجدتُ ابن حَرَازِم المغربيّ الصوفيّ يقول به في كتابه ، وهو قول شاذٌ ومرسل (4) ؛ لا دليل عليه (5) .
      القول التاسع : آل محمد في مقام الصلاة جميع المسلمين التابعين له إلى يوم القيامة .
      القول العاشر : آل محمد في هذا المقام هم الأتقياء من أمته والأولياء والعلماء دون عامة الأتباع .
      ففي الأتباع قولان لدى أصحاب هذا الإتجاه ، الذين لا يرون صرف المقام إلى قرابة النبي.
      وحكى هذيْن الرأيين النوويُّ وجهاً لدى الشافعية في المجموع وقال : "حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه على بعض أصحابنا ، واختاره الأزهريّ وآخرون ، وهو قول سفيان الثوريّ وغيره من المتقدمين ، ورواه البيهقيّ عن جابر بن عبد الله , وسفيان الثوريّ , وغيرهما" (6) . وقال النوويّ في شرح مسلم : "هو أظهرها وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين" ، وقال في موضع آخر : "المختار في الآل كما قدمنا أنهم جميع الأمة " (7) , وهذا القول حكاه الشافعيّ في الأحكام قولاً للعلماء (8) , وحكاه وجهاً لدى الشافعية الرافعيُّ في العزيز (9) , وقال ابن نجيم في البحر : "اختاره النوويّ" (10) ، يعني في شرحه لمسلم ، وهو محكي في إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (11) , وقال القاضي الحنبليّ : "إن آله هم أهله، ومعناهما جميعاً أهل دينه ، ويجزئه في الصلاة أن يبدل الآل أهلاً ، وخالفه ابن حامد وأبو حفص من الحنابلة لما فيه من مخالفة لفظ الأثر وتغيير المعنى ، فإن الأهل إنما يعبر به عن القرابة ، والآل يعبر به عن الأتباع في الدين" (12) , وحكى الحطَّابُ من المالكية قولاً لديهم أن آل محمد كل تقي، أي ليس كل من تبعه
      __________
      (1) البحر (1/227) .
      (2) نيل الأوطار (448) .
      (3) أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ، ابن دقيق العيد ، دار الكتب العلمية ، بيروت (2/73) .
      (4) شاذ لأنه مخالف للشريعة ، ومرسل لأنه لا سند له ولا دليل .
      (5) جواهر المعاني وبلوغ الأماني (2/283) .
      (6) المجموع (3/448) .
      (7) المجموع (4/124ـ126) .
      (8) أحكام القرآن (85) .
      (9) العزيز (1/534) .
      (10) البحر الرائق (1/347) .
      (11) الإحكام (2/73) .
      (12) المغني (1/582) .

      من المسلمين ، ولعل الأشهر لديهم ما قاله قبل أنه يدخل في الصلاة على آل محمد أزواجه وذريته وكل من تبعه (1) , وحكى ابن أبي زيد في النوادر والزيادات عن الحسن وغيره أنهم قالوا : "يدخل في الصلاة على آل محمد أزواجه وذريته وكل من تبع دينه ، وحكى قولاً آخر فيه أن آل محمد في هذا المقام كل تقي" (2) ، وهو قول لكثير من مشايخ الصوفية ، قالوا : "لأن التقوى جماعُ الخيرات " (3) ، وممن قال به شيخ المتصوفة ابن عربي الحاتميّ في الفتوحات المكية ؛ قال : لأن الآل غير الأهل؛ وآل كل نبيّ أتباعه؛ فآل محمد هم العظماء بمحمد (4).
      قال الشوكانيّ عفى الله عنه : "وإليه ذهب إمامُ اللغة ؛ ومن شعره في ذلك .. فحكى الأبيات" (5) ، ولا ندري كيف ساغ عنده ـ مع جلالته ـ أن يكون نشوان إمام اهل اللغة ، وكيف ساغ له ولغيره أن يحتج بشعره الساقط معناً ، والسخيف فقهاً ، والذي غايته الفتنة والتضليل .
      قال ابن تيمية : "وذهبت طائفةٌ من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما إلى أنهم أمة محمد ، وقالت طائفةٌ من الصوفية : إنهم الأولياء من أمته ، وهم المؤمنون المتقون ، وروي في ذلك حديث لا يثبت " (6) .
      قال العلاء المرداويّ في الإنصاف : "آله ؛ أتباعه على دينه صلوات الله وسلامه عليه على الصحيح من المذهب ؛ واختاره القاضي وغيره من الأصحاب ، قاله المجدُ ، وقدمه في المغني والشرح وشرح المجد ، ومجمع البحرين ؛ وابن تميم ؛ وابن رزين في شرحه ؛ والرعاية الكبرى ؛ والمطلع ؛ وابن عبيدان ؛ وابن منجا في شرحهما " (7) .
      وروى ابن عساكر بسنده أن عبيد الله بن عمرو ذات يوم وكان عنده داود بن كثير فقال : "مَن آل محمد؟ فقال عبيد الله : كل مَن آمن بمحمد , قال عبيد الله : كنا عند عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ؛ فقال : يا عبيد الله! من آل محمد؟ قلت : كل من آمن بمحمد قال فقال كذاك" (8) .
      وقال البهاء ابن شداد : "وقيل آله كل مؤمن تقي ، وقال سفيان الثوريّ : آله أمته" (9).
      قالت الإباضية : "لايمكن أن تحمل كلمة الآل على قرابته في النسب ، ولا يمكن أن تفسر بها ، لأن ذلك يستلزم
      __________
      (1) مواهب الجليل (2/251) .
      (2) النوادر (1/188) .
      (3) الرسالة القشيرية صفحة (105) .
      (4) الفتوحات المكيّة ، موقع الوراق عبر الشبكة العنكبوتية .
      (5) نيل الأوطار (448) .
      (6) منهاج السنة (4/154) لدى حديثه عن الصلاة الإبراهيمية ، وقال مثل ذلك لدى حديثه عن آية التطهير (4/75ـ76) .
      (7) الإنصاف (2/75) ، وانظر شرح النووي على مسلم (4/126) .
      (8) تاريخ دمشق ( 37/22 ) بتحقيق علي شيري .
      (9) دلائل الأحكام (1/312) .
      ويقتضي دخول أبي لهب وكل من كان كافراً من قرابته ، فلم يبقى إلاَّ أن يتعين المعنى المقصود من آل النبي وهو كل من آمن به ومات على الوفاء لدينه وعهده ، عقيدة وقولاً وعملاً ، ويندرج في ذلك بصفة خاصة الصحابة ، ويدخل في ذلك دخولاً أوّلِياً قرابته ، فيكون ذكر الصحابة من باب ذكر الخاص بعد العام " (1).
      وهذا القول حكاه في البحر الزّخّار قولاً ولم يعزه (2) ، والقاضي عياض في الشفاء ولم يعزه (3).
      وهذا القول نجده حتى لدى الإمامية الجعفرية ، قال العلامة أحمد الأحسائي في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة : الحاصل أن المراد بأهل ؛ الأئمة المعصومون عليهم السلام لا غير ، هذا إذا أريد السلام عليهم بالأصالة ، ولو لُوحظ ما هو أعم دخلوا الخُلَّصُ من الشيعة بالتبعية ، فإنهم من أهل البيت عليهم السلام ، خلقوا من فاضل طينتهم ، وعُجنوا بماء ولايتهم .. فخواص الشيعة يدخلون في تبعية السلام على أئمتهم ، بل تفوق بعض العارفين وقال : إذا قلنا : السلام عليكم . إنما نعنى شيعتهم ، لأن مقامهم أجل من أن يُسلم عليهم . (4)
      __________
      (1) من كتاب الشيخ بلحاج محمد شيخ الإباضية بالجزائر صفحة ( 4ـ5) ، ولعل الأستاذ وهم حين حكم على عقيل بن أبي طالب بالكفر وأخرجه بالمرة من مدلول الآل .
      (2) البحر (1/278) ، وانظر هذا القول في نزل الأبرار لمحمد صديق (195) .
      (3) الشفا (2/72) .
      (4) شرح الزيارة (1/39) .

      تعليق


      • #4
        الفصل الرابع
        آل محمد في مقام تحريم الصدقات
        الأقوال
        القول الأول : هم بنو هاشم بن عبد مناف.قال به جمهور أهل العلم .
        وهؤلاء اختلفوا بعدُ إلى مذهبين اثنين :
        المذهب الأول من القول الأول : هُم آل أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب (أي آل عليّ بن أبي طالب ؛ وآل جعفر بن أبي طالب ؛ وآل عقيل بن أبي طالب) ؛ وآل حمزة بن عبد المطلب بن هاشم ؛ وآل العباس بن عبد المطلب بن هاشم ؛ وآل الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ؛ وآل أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم.
        هذا القول عزاه ابنُ عبد البر المالكيّ لأبي حنيفة في الإستذكار نقلاً عن مختصر الطحاويّ (1). وهو كذلك في كتاب اختلاف العلماء للطحاويّ الذي اختصره الجصاص ، (2) . وهو قول حكاه ابن حزم من الظاهريّة في المحلى ولم يعزه لأحدٍ (3) . واختاره القرافيّ المالكيّ في الذخيرة وعزاه لابن القاسم منهم ، قال : "وهو الأظهر ، لأنه إنما يتناول عند الإطلاق الأدنين" (4) . وكذلك عزاه لابن القاسم ؛ ابنُ شَاسَ المالكيّ في عقد الجواهر (5) .
        وهو كذلك في التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح للشويكيّ (6) . وبه قال مالك وأكثر أصحابه كما في شرح ميارة
        __________
        (1) الإستذكار الجامع لمذهب فقهاء الأمصار ، ابن عبد البر المالكي ، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي ، دار الوعي ، حلب القاهرة ، ط1، 1414هـ ( 27/430 ) .
        (2) اختلاف العلماء ( 1/447ـ448 ) .
        (3) المُحلّى ( 6/146 ) .
        (4) الذخيرة ، العلامة أحمد القرافيّ المالكيّ المتوفى عام 684هـ ، تحقيق . د.محمد حجيّ ، ومحمد بوخبزة ، ط 1، 1994م ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، لبنان ( 3/142) .
        (5) عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة ، للجلال ابن شاش المالكي ، ط 1 ، 1405هـ ، دار الغرب الإسلامي ( 1/348 ).
        (6) التوضيح ( 1/442 ) .

        على ابن عاشر (1) . وقال أبو عبد الله بن الحاج في شرحه على ميارة: "في مقام حرمة الزكاة الأصح عند المالكية أقاربه المؤمنون من بني هاشم كالحنابلة " (2) . وهذا القول حكاه المرداويّ في التنقيح المشبع (3) , والإنصاف (4) . وبه قال ابن نجيم رحمه الله في البحر الرائق شرح كنز الدقائق كما هو الأظهر ، قال: "أطلق ـ أي النسفيّ في الكنز ـ في بني هاشم فشمل من كان ناصراً للنبي ومن لم يكن ناصراً له منهم كولد أبي لهب ، فيدخل من أسلم منهم في حرمة الصدقة لكونه هاشمياً ، فإن تحريم الصدقة حكم يختص بالقرابة من بني هاشم لا بالنصرة ، كذا في غاية البيان (5) أهـ وفي الأحكام للجصاص ما يدلٌّ عليه ، قال : لو كانت النصرة أصلاً لتحريم الصدقة لوجب أن يخرج منها آل أبي لهب وبعض آل الحارث بن عبد المطلب من أهل البيت ، لأنهم لم يجيبوه .. وهذا ساقط" (6) . فهو قول لدى الحنفية . وعزاه صاحب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داوود إلى مالك وأحمد (7) .
        قال البيهقيُّ في السنن الكبرى تحت باب الدليل على أن كل من حرم الصدقة من آله : " إذا كان بني هاشم وإن لم يكن من أولاد من سماهم زيد بن أرقم - رضي الله عنه - " (8) . إلاّ أنه أضاف إليهم بني المطلب بن عبد مناف وكذا فعل ابن عبد البر في الإنباه (9) .
        قال الشوكانيّ في نيل الأوطار : "والمراد ببني هاشم ؛ آل عليّ ؛ وآل عقيل ؛ وآل جعفر ؛ وآل العباس ؛ وآل الحارث ، ولم يدخل في ذلك آل أبي لهب لما قيل من أنه لم يُسْلم أحد منهم في حياته ويرده ما في جامع الأصول أنه أسلم عتبة ومعتِّب ابنا أبي لهب عام الفتح وسُرَّ النبي بإسلامهما ودعا لهما وشهدا معه حنيناً والطائف ولهما عقب عند أهل النسب" (10) . وهو قول ابن عبد البر من المالكية (11).
        وأهملت الموسوعة المصرية هذا القول بالمرّة (12) .
        __________
        (1) شرح ميّارة ( 1/11 ) .
        (2) ابن الحاج ( 1/11 ) .
        (3) التنقيح ( 122 ) .
        (4) الإنصاف ( 3/256 ) .
        (5) غاية البيان ( 2/265 ) .
        (6) أحكام القرآن ( 3/171 ) .
        (7) المنهل ( 9/292) .
        (8) السنن الكبرى ( 2/149) .
        (9) طبعة الأنباري ( 45) ـ طبعة كمال ( 77 ) .
        (10) نيل الأوطار ( 4/241) .
        (11) الإنباه .
        (12) انظر (1/59) وانظر هذا القول في الخرشي على مختصر خليل ( 1/214) ، وفيض القدير ( 1/17 ) ولوامع الأنوار ( 1/51 ).

        وحكاه عن الجعفرية في إرشاد الأذهان في أحكام الإيمان (1) . وقال به في مدارك الأحكام، قال وبسبب الخمس (2) . وروي عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه قال : "لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم " (3) ، قال السيد محسن الحكيم: "والهاشميّ هو المنتسب ـ شرعاً ـ لهاشم بالأب دون الأمّ ، وحكى بعض علماء الجعفرية أنه يجوز للهاشميّ أخذ زكاة غير الهاشميّ مع الإضطرار ، وفي تحديد الإضطرار إشكال ، قال: وقد ذكر جماعة من العلماء أنّ المسوغ عدم التمكن من الخمس بمقدار الكفاية ، وهو أيضاً مشكل ، والأحوط تحديده بعدم كفاية الخمس" (4) .
        وحكى الطوسيّ في الخلاف أنّ الذين تحرم عليهم هم بني هاشم ولا تحرم على ولد المطلب ؛ ونوفل ؛ وعبد شمس بن عبد مناف (5) .
        المذهب الثاني من القول الأول : هُم آل أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (وهُم : آل عليّ ، وآل عقيل ، وآل جعفر) وآل العبّاس بن عبد المطلب ، وآل الحارث بن عبد المطلب .
        فخرج آلُ حمزة بن عبد المطلب بن هاشم لكونه منقرضاً ؛ وهم قطعاً داخلون ما لو بقيت لهم بقية , وخرج طالبُ بن أبي طالب لكونه درج ولم يعقب , وخرج آلُ أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم لأنه لم تُسْلِم نفسُه ، ولأن آل أبي لهب لا نصرة لهم , وبعضهم يُهمل آل الحارث بن عبد المطلب بن هاشم .
        حكاه أبو بكر الجصاص من الحنفية وعزاه لأصحابه وعزاه لزيد بن أرقم - رضي الله عنه - ، وقال : "هو المشهور عن أصحابنا جميعاًَ" (6) , غير أن ظاهر كلام الجصاص في موضع آخر يدلُّ على خلافه أعني المذهب السابق (7) .
        وعزاه صاحبُ المنهل المورود شرح سنن أبي داوود إلى أبي حنيفة وأصحابه (8), وكذا كان فعل القرافيّ في الذخيرة (9), وكذا هو في اللباب وأصله (10) , وكذا هو في بداية المبتدىء وشرحه الهداية وشرحها فتح القدير لابن الهمام من الحنفية (11) , وبه قال ابن عابدين من الحنفية في حاشيته على الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجزم به (12) , وبه قال
        __________
        (1) إرشاد ( 1/42 ) .
        (2) مدارك الأحكام ( 5/128ـ153) .
        (3) مدارك الأحكام ( 5/154) ، التهذيب ( 4/59ـ158) ، الإستبصار ( 2/35ـ109) ، وسائل الشيعة ( 6/186 ) .
        (4) منهاج الصالحين ، السيد محسن الطباطبائي الحكيم ، تعليق السيد أبو القاسم الخوئي ( 1/315ـ316).
        (5) الخلاف ( 2/227ـ مسألة 4 من كتاب الوقف والصدقات ، 2/353 مسألة 26 من كتاب قسمة الصدقات ) .
        (6) أحكام القرآن ( 3/84, 169، 170 ) .
        (7) أحكام القرآن ( 3/85، 171 ) ، وأنظر اختلاف العلماء للطحاوي الذي اختصره الجصاص ( 1/ 477ـ478 ) .
        (8) المنهل المورود ( 9/291ـ292 ) .
        (9) الذخيرة ( 3/142) .
        (10) اللباب شرح الكتاب ( 1/150 ) .
        (11) البداية ( 2/274 ) .
        (12) حاشية ابن عابدين ( 2/350 ) .

        العينيّ كما في البناية في شرح الهداية كأصله (1), وعزاه ابن العربيّ المالكيّ في عارضة الأحوذيّ لأبي حنيفة (2) .
        وهذا القول حكاه ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح وهو كتاب يجمع المذاهب الأربعة قال : اتفقوا على أن الصدقة المفروضة حرام على بني هاشم وهم خمس بطون : وذكرهم (3) , وجزم به في الرعاية (4) , وبه جزم في التلخيص والرعاية الكبرى فلم يدخلا أبا لهب ، حكاه المرداويّ في الإنصاف (5) , وعزاه الزيلعيُّ للقدوريِّ منهم وهو الذي اختاره الزيلعيّ وقال : "وفائدة تخصيصهم بالذكر جواز الدفع إلى بعض بني هاشم وهم بنو أبي لهب ، لأن حرمة الصدقة كرامة لهم استحقوها بنصرة النبيّ في الجاهلية والإسلام ، ثم سرى ذلك إلى أولادهم ، وأبو لهب آذى النبيّ وبالغ في أذيته فاستحق الإهانة ، قال أبو نصر البغداديّ وما عدا المذكورين لا تحرم عليهم . أهـ قاله في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (6).
        وقال ابن نجيم في البحر الرائق شرح كنز الدقائق : "قيده المصنف في الكافي تبعاً لما في الهداية وشروحها بآل عليّ ؛ وعباس ؛ وجعفر ؛ وعقيل ؛ وحارث بن عبد المطلب ، ومشى عليه الشارحُ الزيلعيّ والمحقق في فتح القدير وصرّحا بإخراج أبي لهب وأولاده من هذا الحكم، لأنّ حرمة الصدقة لبني هاشم كرامة من الله تعالى لهم ولذريتهم حيث نصروه في جاهليتهم وإسلامهم ، وأبو لهب كان حريصاً على أذى النبي فلم يستحقها بنوه ، واختاره المصنف في المستصفى وروى حديثاً لا قرابة بيني وبين أبي لهب ، ونصَّ في البدائع على أن الكرخي قيد بني هاشم بالخمسة من بني هاشم فكان المذهب التقييد لأن الإمام الكرخي ممن هو أعلم بمذهب أصحابنا" (7) .
        وبهذا القول قال أبو الطيب العظيم أباديّ في عون المعبود (8) . وبه قال الأمير القنوجيّ وقدمه لكون زيد بن أرقم فسّرهم ولم يذكر معهم غيرهم(9).
        قالت الموسوعة الفقهية المصرية : "إنّ مذهب الحنفية في تحريم الزكاة ـ وتعني هذا القول ـ هو مذهب الزيدية
        __________
        (1) البناية ( 3/554ـ556 ) .
        (2) العارضة ( 3/161) .
        (3) الإفصاح ( 1/230 ) .
        (4) حاشية المقنع لآل الشيخ ( 1/354 ) .
        (5) الإنصاف ( 3/256 ) .
        (6) تبيين الحقائق ( 1/303 ) .
        (7) البحر (2/265) .
        (8) عون (2/45) .
        (9) فتح العلام شرح بلوغ المرام (1/285) .

        والإمامية" (1) .
        وقال أبو عبد الله الشافعيّ في كتابه رحمة الأمة في اختلاف الأئمة : اجمعوا على تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم وهم خمس بطون: "آل عليّ ؛ وآل عباس ؛ وآل جعفر ؛ وآل عقيل ؛ وآل الحارث بن عبد المطلب" (2) . وهو تسرّع منه رحمه الله في حكايته الإجماع أو سهو .

        مَنْ ذكر أن آل محمد هم بنو هاشم ثم لم يُفصِّل في القول
        قال هؤلاء : إن آل محمد هم بنو هاشم لا أحد معهم ، ولكنهم لم يفصلوا القول ، ونحن أفردناهم هنا توخياً للدقة ، وإلاَّ فإنّ ما حكوه مجملاً يبينه المفصل المذكور في كتبهم ، وكونه مجملاً فإنه كذا هو عند الطحاويّ في مختصره (3) . وعزاه الجصاص في أحكام القرآن للثوريّ (4) . قال المرداوي في الإنصاف : "وبنو هاشم من كان من سلالة هاشم على الصحيح من المذهب وذكره القاضي وأصحابه وجزم به المجد في شرحه وغيره ، وقدَّمه في الفروع" (5) . وقال :"قوله (ولا بني هاشم) هذا المذهب مطلقاً ، نصَّ عليه ، وعليه أكثر الأصحاب , وكالنبي إجماعاً" (6)، ثم قال: فائدة: بنو هاشم من كان من سلالة هاشم على الصحيح من المذهب , وذكره القاضي وأصحابه ، وجزم به المجد في شرحه وغيره ، وقدمه في الفروع ، فيدخل فيهم آل العباس ، وآل عليّ , وآل جعفر , وآل عقيل ، وآل الحارث بن عبد المطلب ، وآل أبي لهب ، وجزم في التلخيص والرعاية الكبرى أن بني هاشم هم آل العباس , وآل عليّ , وآل جعفر , وآل عقيل , وآل الحارث بن عبد المطلب ، فلم يدخلا آل أبي لهب مع كونه أخا العباس وأبي طالب (7) . وحكاه ابن قدامة في المغني (8) . وفي الكافي (9) . وفي المقنع (10) . وابن الجوزيّ في المذهب الأحمد (11) . وحكاه ابن عبد البر المالكيّ في الكافي وقال: "وسواء أعطوا حقهم من الخمس أو منعوه لعموم الخبر ، ولأن منعهم لشرفهم ،
        __________
        (1) الموسوعة (1/59) .
        (2) رحمة الأمة (88) .
        (3) مختصر الطحاوي ( 52 ) .
        (4) أحكام القرآن ( 3/170) .
        (5) الإنصاف ( 1/255ـ256 ) .
        (6) الإنصاف (3/254 ) ، وفي نسخة ( 3/229 ) .
        (7) الإنصاف ( 3/230 ) .
        (8) المغني ( 2/655ـ656 ) .
        (9) الكافي ( 1/337ـ338 ) .
        (10) المقنع ( 1/352 ) .
        (11) المذهب الأحمد ( 53 ) .

        وشرفهم باقٍ ، فينبغي المنع"(1). وحكاه ابن حجر في الفتح عن أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه (2) . وكذا النوويّ في شرح مُسلم (3) . وعزاه ابن العربيّ لأكثر أهل العلم (4) . وعزاه ابن قيم الجوزية في جلاء الأفهام لأبي حنيفة وأحمد في رواية ثانية عنه وحكى أنه اختيار ابن القاسم من أصحاب مالك (5) . وعزاه ابن تيمية في فتاويه لأبي حنيفة ومالك (6) . وعزاه الخطابيّ لأكثر العلماء (7). وكذلك ابن رشد الحفيد حكاه قولاً وعزاه لأكثرهم في فتاويه (8) . وعزاه ابن الموّاز لابن القاسم من المالكية كما في التاج والإكليل لمختصر سيدي خليل للموّاق بهامش مواهب الجليل ، وكذا نسبه ابن المواق أيضاً لابن حبيب (9) . وفي حاشية الدردير على مختصر خليل أنهم بنو هاشم فقط (10) , وهو قول الدسوقيّ في حاشيته على شرح الدردير وعليش في حاشيته على الدسوقيّ (11) . وحكاه الباجوريّ الشافعيّ في حاشيته على الشنشوريّ عن المالكية قال: وأما عند المالكية فبنو هاشم فقط على المعتمد(12). وعزاه الشوكانيّ في نيل الأوطار لأبي حنيفة ومالك والهادوية من الزيدية وأحمد في رواية ، وعزاه كذلك لابن رسلان ولأبي طالب من أهل البيت ، قال حكى ذلك عنه في البحر (13) . فهذا هو مذهب الزيدية كما في المنتزع المختار لابن مفتاح (14) . والبحر الزخار للإمام المرتضى (15) . والسيل الجرار للشوكانيّ ، وقد أقر بهذا القول الشوكانيّ ولكنه لم يفصّل (16) . وهذا القول حكاه السرخسيّ في المبسوط (17) , وأبو الحسن السغديّ في النُتَف في الفتاوى وعزاه لأبي يوسف ومحمد وأبي
        __________
        (1) الكافي في فقه أهل المدينة ، للعلامة ابن عبد البر ، ط 2 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ( 1/337ـ338 ) .
        (2) فتح الباري ( 3/354) .
        (3) شرح صحيح مسلم ( 7/176) .
        (4) أحكام القرآن ، للعلامة محمد بن العربي المالكي المتوفى عام 543هـ ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ، ط 1 ، 1408هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان (2/539 ) .
        (5) جلاء الأفهام (159) .
        (6) الفتاوى (1/178) .
        (7) 2/244 ) .
        (8) الفتاوى (1/403ـ405 ) ، وانظر البيان والتحصيل له ( 2/460، 382 ) .
        (9) صفحة ( 2/223 ) , وفي نسخة ( 2/344 ) التاج والإكليل لمختصر خليل ، للمواق ، ط1، 1416هجرية ، دار الكتب العلمية ، وهو بهامش مواهب الجليل , وانظر تفسير القرطبي ( 7/121 ) .
        (10) الشرح الكبير ( 2/101 ) .
        (11) حاشية عليش ( 2/100ـ102 ) .
        (12) حاشية الباجوري ( 5، 24) .
        (13) نيل الأوطار ( 4/240ـ241 ) .
        (14) المنتزع المختار من الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار في فقه الأئمة الأطهار ، لأبي الحسن بن مفتاح ، ط 1401هجرية ، صنعاء ( 1/522 ) وما بعدها.
        (15) البحر ( 3/184) .
        (16) السيل ( 2/64 ) .
        (17) المبسوط ، للشمس محمد السرخسي المتوفى 490 هـ ، ط 1 ، 1414 هـ ، مصور في دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ( 3/12) .

        عبد الله (1) , وحكاه السمرقنديّ في تحفة الفقهاء (2) , والنسفيّ في كنْز الحقائق كما في البحر الرائق (3) , وتبيين الحقائق (4) , وعزاه ابن العربيّ المالكيّ في عارضة الأحوذيّ للإمام الشافعيّ من غير ذكر لآل المطلب .. وإذن فليس هذا مذهب الإمام الشافعيّ قطعاً (5) . وعزاه اللخميّ في التبصرة لابن القاسم وحسَّنه وبه أخذ (6) . كما عزاه له ابن أبي زيد القيروانيّ (7) .
        وحكاه من الجعفرية صاحب مدارك الأحكام ، قال وبسبب الخمس (8) . وكتاب الوسيلة إلى نيل الفضيلة (9) . (10)
        خلاصة ما تقدم : أن هذا هو قول منسوب إلى الحنفية والمالكية لم يُفَصِّله الأتباع ، إلا أنه قد فَصَّل فيه آخرون فيما تقدم ، وبه قال الزيدية والجعفرية من الإمامية .
        قالوا : لأن لفظة (آل محمد) لفظة مجملة تحتاج إلى بيان ، وقد تكفل الشرع ببيانه ، وكفى بالشريعة ، ويجب علينا أن نقف عند حدودها ولا نتجاوزها ، والكلام كما قد قيل يُجملُ في غير مقصوده ، ويتبين في مقصوده .
        كما يجب علينا أن نعطي كل مقام ما يستحق من المقال .
        القول الثاني : إنّ آل محمد هم بنو هاشم بن عبد مناف ، وبنو أخيه المطلب بن عبد مناف وإنْ تناسلوا وإنْ بعُدوا إلى يوم الدين.
        وقال به كل من :

        تعليق


        • #5
          أولاً : الشافعية
          اشتهر به الشافعية وبه صرّح الإمامُ الشافعي في الأمّ في غير موضع ، حيث قال : "إن الذين تحرم عليهم الصدقة هم أهل الخمس آل محمد " (11) . وقال في موضع آخر : "هم صليبة بني هاشم وبني المطلب ؛ أهل الشعب" (12) . كما
          __________
          (1) النتف في الفتاوى ، أبو الحسن السغدي ، تحقيق د.صلاح الدين الناهي ، ط 2 ، 1404هـ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ( 1/199).
          (2) تحفة الفقهاء ( 1/302 ) .
          (3) البحر ( 2/265 ) .
          (4) تبيين الحقائق ( 1/303 ) .
          (5) عارضة الأحوذي ( 3/161 ) .
          (6) التبصرة (1/81ب ـ 82أ) .
          (7) النوادر والزيادات ( 2/296) ، وذلك أخذاً من كتاب ابن المواز والعتبية.
          (8) مدارك الأحكام ( 5/128ـ153 ) .
          (9) الوسيلة ( 51 ) .
          (10) انظر هذا القول بهذا الوصف في المشرع الروي لباعلوي (1/44) .
          (11) الأم ( 2/62 ) .
          (12) الأم ( 2/69 ) ، وأنظره في مختصر المزني ( 171) .

          صرّح رحمه الله في أحكام القرآن بأن هؤلاء هم قرابته التي ينفرد بها دون غيرها من قرابته التي لا ينفرد بها ، وأنهم بنو هاشم و بنو المطلب ، وأن ذلك جارٍ في جميع المقامات ، في مقام الصدقات ، ومقام سهم خمس خمس المغنم وفي مقام الصلاة عليهم (1) .
          وحكاه مع تصريح الإمام أتباعُه ونسبوه له ، فقد حكاه ابن هبيرة في الإفصاح عن الشافعيّ(2). وعزاه له ابن حجر في الفتح (3) . والنووي واختاره (4) . وبه قال الماورديّ في أحكام القرآن له(5) . والبيضاويّ في الغاية القصوى (6) . والمناوي في فيض القدير (7) . وبه قال الشرف إسماعيل بن المقريّ اليمنيّ , وشيخ الإسلام زكريا الأنصاريّ كذا في أسنى المطالب شرح روضة الطالب (8) , والشيرازيّ في المهذب (9) , وأيده الشارح النوويّ في المجموع (10), كما أن النوويّ صرح به في المنهاج ، وأيده الشارح الشربينيّ في مغني المحتاج (11)، وهو كذا في متن أبي شجاع ، وشرحه الإقناع ، و حاشيته للبيجيرميّ (12) . قال النوويّ في المجموع شرح المهذب : "فالزكاة حرام على بني هاشم وبني المطلب بلا خلاف" (13) . وفي حكايته الاتفاق نظر لما ترى من الإختلاف ، إلاَّ إن قصد اتفاق الشافعية فمسلم . كما أن الشليّ في المجمع الروي عزاه للجمهور(14) . وفي عزوه للجمهور نظر! كما حكاه عن الشافعية الطحاويّ الحنفيّ في اختلاف العلماء (15) . والجصاص الحنفيّ في أحكام القرآن (16) . وابن العربيّ المالكيّ في أحكام القرآن (17) . وابن رشد المالكيّ الحفيد في فتاويه (18) . وابن قيم الجوزية الحنبليّ في جلاء الأفهام (19) .
          __________
          (1) أحكام القرآن (76ـ77 ).
          (2) الإفصاح (1/230).
          (3) فتح الباري (3/354).
          (4) شرح مسلم (7/176، 15/180).
          (5) أحكام القران (124ـ130).
          (6) الغاية القصوى في دراية الفتوى ، القاضي عبد الله بن عمر البيضاويّ المتوفى عام 685 هـ ، ت.عليّ القره داغي ، دار الإصلاح ، الدمام (1/394).
          (7) في أكثر من موضع ، منها (1/17).
          (8) أسنى المطالب (1/399).
          (9) المهذّب (1/576).
          (10) المجموع (6/176).
          (11) مغني المحتاج (3/94).
          (12) المتن مع شروحه ( 3/91) ، قال العلامة البيجيرمي رحمه الله : والمشهور أن الأشراف من نسبوا للحسن أو الحسين ، فيكون آل البيت أعم من الأشراف .
          (13) المجموع (6/176) .
          (14) المجمع الروي (1/43) .
          (15) اختصار الجصاص ( 1/477 ) .
          (16) أحكام القرآن ( 3/170 ) .
          (17) أحكام القرآن ( 2/539 ) .
          (18) الفتاوى ( 1/406 ) .
          (19) جلاء الأفهام ( 159) .


          ثانياً: المالكية
          حكاه ابن عبد البر المالكيّ رواية في مذهبهم(1) . ولم يحكي ذلك في الإستذكار إلاّ أنه عزاه للشافعيّ (2) , وبه قال خليل بن إسحاق والخرشيّ (3) , وعزاه القرافيّ في الذخيرة للشافعيّ وأشهب من المالكية (4) , وبه قال محمد بن رُشد في البيان والتحصيل ، إذ قال : آل محمد الذين لا تحل لهم الصدقة هم : ذو القربى الذين جعل الله لهم سهماً في الفيء وخمس الغنيمة (5). وبه قال ابن رشد الحفيد في فتاويه (6) . وعزاه النوويّ الشافعيّ في شرح مسلم لبعض المالكية (7). وعزاه ابن هبيرة الحنبليّ في الإفصاح لمالك ، ولم يحكي خلافاً عنه عند أصحابه(8).
          قال الحَطَّابُ في شرحه لمختصر خليل : "وما مشى عليه المصنف من أن الآل هم بنو هاشم وبنو المطلب هو قول عزاه في الإكمال لبعض شيوخ المالكية ، وذكره الرجراجيّ ولم يعزه ، واقتصر عياض عليه في قواعده ، وقال الشيخ زَرُّوق في شرح الوغيلسيّة : هو المذهب . وكأنه اعتمد كلام المصنف هنا ، ولكن الذي عليه مالك وأكثر أصحابه أنهم بنو هاشم فقط" (9) . وبه صرَّح زَرُّوقُ في مقدمة رسالته (10) . وعلى كل حال هو قول عند المالكية خلاف المشهور كما صرّح الدسوقي وعُلَيْش على شرح الدردير (11) . ولعل في بعض نسخ خليل بن إسحاق "وعدم بنوة لهاشم والمطلب" ، وفي بعضها : "وعدم بنوة لهاشم لا المطلب" انظر ميسر الجليل الكبير على مختصر خَليل ، انظر هذا القول في أحكام القرآن لابن العربيّ (12) , والنفراويّ في الفواكه (13) .
          ثالثاً: الحنابلة__________
          (1) التمهيد ( 1/338 ) .
          (2) الإستذكار ( 27/430 ) .
          (3) الخرشي على مختصر خليل ( 2/214 ) .
          (4) الذخيرة ( 3/142 ) .
          (5) البيان والتحصيل ( 2/383 ) ، وانظر المقدمات لابن رشد ( 187) .
          (6) الفتاوى ( 1/402 ) .
          (7) شرح مسلم ( 7/176، 15/180 ) .
          (8) الإفصاح ( 1/230 ) .
          (9) شرح الحطاب (2/344ـ345 ) ، وفي نسخة ( 3/223ـ224 ) .
          (10) رسالة زروق ( 1/4 ) .
          (11) حاشية عليش ( 2/100ـ102) .
          (12) أحكام القرآن ( 2/539 ) .
          (13) الفواكه ( 1/7 ) .

          حكاه ابن الجوزيّ في المذهب الأحمد رواية في مذهبهم (1) . قال ابن هبيرة في الإفصاح : وعن أحمد روايتان أظهرهما أنها حرام عليهم ـ يعني بني المطلب بن عبد مناف ـ (2) . وحكاه ابن قدامة رواية كذلك في المقنع (3) . والكافي (4) . والمغني قال : نقلها عبد الله بن أحمد وغيره (5). وحكى الحافظ ابن حجر في الفتح أنها رواية عن أحمد (6) . ولم يذكر سواها صاحب زاد المستقنع في اختصار المقنع (7) . ويعني فعله هذا أنها الراجحة في المذهب . وحكاه ابن تيمية في فتاويه رواية عن أحمد ونسبه للشافعيّ (8). وكذا ابن قيم الجوزية في جلاء الأفهام (9) . وكذلك الشوكانيّ في نيل الأوطار (10) .
          وقال المرداويّ في الإنصاف عن أن في بني المطلب روايتين ثم قال :
          أطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والكافي ، والهادي ، والتلخيص ، والبلغة ، والمحرر ، والشرح ، والنظم ، والرعايتين ، والحاويين ، والفروع ، والفائق ، وتجريد العناية ، والزركشيّ ، والمذهب الأحمد .
          إحداهما : يجوز ، وهو المذهب ، واختاره المصنف ، والمجد في شرحه ، وهو ظاهر كلام الخرقي، والمصنف في العمدة ، وابن عبدوس في تذكرته ، لمنعهم بني هاشم ومواليهم واقتصارهم على ذلك ، قال في الفروع : اختاره الخرقيّ ، والشيخ تقي الدين ، وصاحب المحرر وغيرهم ، وجزم به ابن البنا في العقود ، وصاحب المنور ، وقدمه ابن رزين في شرح.
          الرواية الثانية لا يجوز ، اختاره القاضي وأصحابه ، وصحّحه في التصحيح ، وتصحيح المحرر، وابن منجا في شرحه ، وجزم به في المبهج ، والإيضاح ، والإفادات ، والوجيز ، والتسهيل ، وإليه ميل الزركشي (11).
          __________
          (1) المذهب (53 ) .
          (2) الإفصاح ( 1/230 ) .
          (3) المقنع ( 1/955 ) .
          (4) الكافي (1/338) .
          (5) المغني (2/656ـ657) .
          (6) فتح الباري (3/354) .
          (7) الزاد (57) .
          (8) فتاوى ابن تيميّة (1/178) .
          (9) جلاء الإفهام (159) .
          (10) نيل الأوطار (240ـ241) , وأنظر القول في العذب الفائض (7) ، ولوامع الأنوار (1/51) ، والمنهل العذب المورود (9/292) ، وشرح مسلم للنووي (7/176) ، (15/180) ، وأحكام القرآن للجصاص (3/84) , والأحكام السلطانية لأبي يعلى (133) .
          (11) الإنصاف (3/236، 237) .

          رابعاً : الظاهرية
          وبهذا القول قال ابن حزم الظاهريّ الأندلسيّ حامل لواء الظاهرية ومُنْعِشها في المُحَلَّى (1).
          خامساً : الحنفية
          وبه قال ابن نُجَيْمٍ من الحنفية في البحر الرائق (2). وأفاد الجَصَّاصُ من الحنفية في أحكام القرآن أن الطحاوي حكاه قولاً للحنفية ، قال الجصاص : "ولم أجد ذلك عنهم رواية" (3).
          ولعل هذا القول ليس بالقوي ، أو قال به بعض متأخريهم ، والله أعلم .
          سادساً : المعتزلة
          وهو ظاهر اختيار أبي عثمان الجاحظ من المعتزلة كما في رسالته مناقب الترك (4) .
          سابعاً : الإباضية
          وقال أبو عبد الله بن حميد السالميّ الإباضيّ في كتابه مشارق أنوار العقول في العقائد وأصول الدين وعلم الكلام والذي راجعه مفتي عمان الشيخ أحمد الخليليّ الإباضيّ: هو المذهب(5).
          كما أنه في كتاب الشيخ محمد بلحاج الإباضيّ مفتي الجزائر (6) .
          ثامناً : الشيعة الجعفرية من الإمامية
          وهو قولٌ ضعيف لدى الشيعة الجعفرية لما روى عليّ بن الحسن بن فضال عن إبراهيم بن هاشم عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه قال: لو كان عدلٌ ما احتاج هاشميّ ولا مطلبيّ إلى صدقة ، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم..(7).
          القول الثالث : إن آل محمد في مقام تحريم الصدقة عليهم هم بنو عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي .
          وآل عبد مناف هم : آل هاشم ، وآل المطلب ، وآل عبد شمس ، وآل نوفل ، أولاد عبد مناف ، ما تناسلوا وإن بعدوا
          __________
          (1) المحلّى (6/144ـ146) .
          (2) البحر الرائق (2/265) .
          (3) أحكام القرآن (3/ 169) ، وانظر (3/84) .
          (4) مناقب الترك (1/13).
          (5) مشارق (24).
          (6) بلحاج (9) .
          (7) من لا يحضره الفقيه ( 2/28) وهو قول المفيد منهم، والدروس الشرعية في فقه الإمامية للشهيد الأول (1/131)، والمقنعة صفحة (243).

          إلى يوم الدين .
          وهو قولٌ لا قائل به ، ومذهبٌ لم يذهب إليه ، ومسلكٌ لم يسلكه أحد .
          قال ابن رشد في فتاويه: وهذا القول يتخرج على ما روي أن الله - عز وجل - لما أنزل {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} انطلق رسول الله إلى رضمة جبل فعلا عليها ، ثم قال : يا بني عبد مناف إنني نذير لكم بين يدي عذاب شديد (1) .
          فتبين بمناداته إياهم أنهم عشيرته الأقربون ، وعشيرته الأقربون ؛ هم آله على ما قال أصبغ بن الفرج وغيره (2) .
          ولا يصح هذا القول عن محمد بن إدريس الشافعيّ ألبتة ، ولم يحكه أحد عنه أبداً ، وقال جعفر السبحانيّ من علماء الجعفرية : "إن الطوسيّ في كتابه الخلاف حكاه عن الشافعيّ"(3) ، وهذا باطلٌ لا يصح .
          القول الرابع : هم قريش كلها على بكرة أبيها , على خلاف بين أهل العلم في مَنْ هو قريش أو الجد الجامع لقبائل قريش؟
          وهذا القول حكاه ابن عبد البر في الإستذكار ولم ينسبه لأحد وضعفه (4) . وحكاه النوويّ في شرح مسلم عن بعض العلماء ولم يعين قائله (5) . وعزاه ابن حزم الظاهريّ الأندلسيّ لأصبغ بن الفرج من المالكية حيث قال : وقال أصبغ بن الفرج المالكي : آل محمد جميع قريش ، وليس الموالي منهم (6) .
          القول الخامس: قال ابن حجر العسقلانيّ: وعن المالكية فيما بين هاشم وغالب بن فهر قولان (7). وقال ابن جزيّ الكلبيّ : هم بنو هاشم اتفاقاً وليس منهم من فوق غالب بن فهر اتفاقاً ، وفيما بين ذلك قولان (8) , فنقول وبالله التوفيق :القول الأول من القول الخامس : قال أصبغ من المالكية هم بنو قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة, ما تناسلوا وإن بعدوا.
          __________
          (1) الحديث عند مسلم (1/193،برقم207) ، والترمذي (5/339،برقم3186) ، والنسائي (6/249،برقم 3647) ، والطبري في تفسيره (19/120) ، والبخاري في صحيحه (3/1012،برقم2602، 4/1787،برقم 4493) .
          (2) فتاوى ابن رشد (1/407) .
          (3) أهل البيت ، سماتهم وحقوقهم ، صفحة (54) .
          (4) الإستذكار (27/437) .
          (5) شرح مسلم (7/176) .
          (6) المحلى (6/147) ، وانظر هذا القول في أحكام القرآن للجصاص (2/84) ، وشرح النووي لصحيح مسلم (15/180) ، والمشرع الروي (1/44) ، والتبصرة للخمي كتاب الزكاة (1/ 81ب) .
          (7) فتح الباري (3/354) .
          (8) القوانين الفقهية (75) .

          حكاه ابن حجر في الفتح وعزاه لأصبغ (1) . وكذلك فعل النووي في شرح مسلم (2). وحكاه عنه القرافي في الذخيرة حيث قال : هم عترته الأقربون ؛ آل عبد المطلب ، وهاشم ، وعبد مناف ، وقصي دون مواليهم (3) .
          القول الثاني من القول الخامس : إنهم بنو كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة, ما تناسلوا وإن بعدوا إلى يوم الدين . (4)
          خرَّجه ابن رشد الحفيد في فتاويه ؛ قال : وهذا القول يتخرّج على ما روي عن أبي هريرة قال : لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فنادى : ((يا بني كعب بن لؤي! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة ابنة محمد! أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها)) ؛ لأنّ هذا الحديث يدلُّ على أن آله ؛ عشيرته الأقربون ، بنو كعب فمن دونهم (5) ، بلفظ ذكر فيه كعب بن لؤي (6) .
          القول الثالث من الخامس : هم آل غالب بن فهر ، قاله أَشْهَبُ المالكيّ ، ونُسب إلى أَصْبَغ منهم . وهو شاذٌ ومرسلٌ.
          قال ابن حجر العسقلانيّ في الفتح : "قال بعض المالكية : هم بنو غالب بن فهر" (7) . قال ابن قيم الجوزية في جلاء الأفهام : "هذا اختيار أشهب من أصحاب مالك ، حكاه صاحب الجواهر عنه ، وحكاه اللخميّ في التبصرة عن أصبغ ، ولم يحكه عن أشهب" (8). قال ابن شاش في عقد الجواهر : "لا خلاف في عَدِّ بني هاشم وعدم عَدِّ مَنْ فوق غالب ، وفي عَدِّ مَنْ بينهما خلاف ؛ عَدَّهم أشهب واقتصر ابن القاسم على بني هاشم" (9) . وحكاه ابن الحاج في شرحه لميارة عن أشهب حيث ذكر ميارة فيمن فوق هاشم إلى غالب قولان ، قال شارحه ابن الحاج : " القول الأول لأشهب أنهم آلٌ , والثاني لابن القاسم أنهم ليسوا بآلٍ ، كذا قال ميارة أهـ ، قال ابن الحاج : نحوه في الجواهر ،
          __________
          (1) فتح الباري ( 3/354) , ونيل الأوطار (4/241) .
          (2) شرح صحيح مسلم (7/176، 15/180) .
          (3) الذخيرة ( 3/142) .
          (4) فتاوى ابن رشد (1/407) .
          (5) فتاوى ابن رشد (1/407ـ408) .
          (6) رواه النسائي (6/248،برقم 3644) ، و فيه ذكر لعبد شمس خاصة بعده فعبد مناف عامة فهاشم فعبد المطلب .
          (7) فتح الباري (3/354).
          (8) جلاء الأفهام (159).
          (9) عقد الجواهر (1/348) .

          وراجع ابن سلمون فقد ذكر الخلاف فيمن فوق غالب أيضاً " (1) . وعزاه ابن العربيّ لمحمد بن الموّاز من المالكية في أحكام القرآن (2). وعزاه لأصبغ في عارضة الأحوذيّ (3) . وكذلك هو في التبصرة للخميّ (4).
          قال ابن رشد الجَد في البيان والتحصيل : "قال أصبغُ : وآل محمد عشيرته الأقربون ؛ آل عبد المطلب ؛ وآل هاشم ؛ وآل عبد مناف ؛ وآل قصي ؛ وآل غالب ، دليل أصبغ آية العشيرة {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} الصفا وجعل ينادي بطون قريش بطناً بطناً ؛ حتى بلغ في مناداته آل غالب ، فتبين بمناداته إياهم أنهم عشيرته الأقربون " (5) . وكذا عزاه ابنُ أبي زيدٍ لأصبغ وذكر أنه في العتبية (6) .
          وعزاه ابن رشد الحفيد في فتاويه كذلك لأصبغ بن الفرج ، قال : "واستدلَّ بما روي أن رسول الله نادى يوم نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} يا آل قصي يا آل غالب يا فاطمة بنت رسول الله يا صفية عمة رسول الله اعملوا لما عند الله ، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً " (7) . وعلى كل حال هو قول عند المالكية كما قال ابن جزيّ الكلبيّ في القوانين الفقهية (8) . ولعل نسبته إلى أشهب أصح ولعلها أن تكون ألصق به ، ومقتضى هذا القول أن آل محمد هم بعض قريش وليس كلها ، إذ ثمة قبائل من قريش قد ولدها فهر من غير طريق غالب بن فهر ؛ وهما الحارث بن فهر ومحارب بن فهر ، وقد أطبقوا على أن كل من ولده فهر فهو من قريش ، كما هو محرر في مكانه ولا عبرة بغير ذلك ، والحق أن مناداته لآل غالب إنما لأن غيرهم تبع لهم ، إذ أن في آل غالب الجمهرة والبيت ، فهو من باب تسمية الشيء ببعض أجزائه ، والظاهر أن هذا القول ضعيف للمتوسمين .
          وعزاه محمد صديق أمير بهوبال في نُزُل الأبرار لأصحاب مالك (9) . وفي ذلك نظر ، وهي عبارة غير دقيقة ، فأصحاب مالك لم يتجمهروا عليه ، وإنما شذَّت شرذمة قليلة منهم فقالوا به كما ظهر لك ، بل قد قال به أشهب وكأنه لم يتابعه أحدٌ من أصحاب مالك.
          القول الرابع من الخامس : هم بنو فهر، وهو قول مُخرَّج لا قائل به.
          __________
          (1) ابن الحاج (1/12) .
          (2) أحكام القرآن ( 2/539) .
          (3) عارضة الأحوزي ( 3/161) .
          (4) التبصرة (1/81ب ) .
          (5) البيان ( 2/382) .
          (6) النوادر والزيادات (2/297) .
          (7) فتاوى ابن رشد (1/ 408) و تخريج الحديث.
          (8) القوانين ( 75) , وانظر الباجوري في حاشيته للشنشوري صفحة ( 24) .
          (9) نزل الأبرار ( 195) .

          فهم بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان, فمن دونهم، ما تناسلوا وإن بعدوا إلى يوم الدين، قالوا: وفهر هو قريش.
          حكاه ابن رشد الحفيد قولاً في فتاويه ولم يعزه لأحدٍ (1) .
          وليس من دليل له سوى حديث العشيرة المتقدم والذي استُدِل به لأكثر من قول .
          القول الخامس من الخامس : هم بنو النضر ، وهو قول مخرَّج لا يعرف له قائل به.
          القول السادس : هم المعصومون الأربعة عشر ، قال به بعض الشيعة الجعفرية وهو ضعيف عندهم ؛ ضعَّفه جماهير الجعفرية وردّوه (2).
          قالوا : آل محمد في مقام الزكاة هم النبي والأئمة الإثنى عشر معه فقط ؛ أمير المؤمنين عليّ ، والحسن السبط ، والحسين السبط ، وعليّ زين العابدين ، ومحمد الباقر , وجعفر الصادق ، وموسى الكاظم ، وعليّ الرضا ، ومحمد الجواد التقي ، وعليّ الهادي النقي ، والحسن العسكري ، ومحمد المهدي قائم آل محمد المنتظر .
          قالوا : لما روي عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه قال : "أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها منهم ، وإنما تحرم على النبي وعلى الإمام الذي يكون بعده وعلى الأئمة عليهم السلام" (3) .
          وأجاب جمهور الجعفرية عنه بالطعن في السند ، قالوا : إنّ في طريقه عليّ بن الحسن وهو فطحيّ ، وأبو خديجة ، ضعّفه الشيخ في كتاب الرجال (4) .
          وأجاب عنه في التهذيب : بالحمل على حال الضرورة ، والأئمة لا يضطرون إلى ذلك ، وغيرهم قد يضطر (5) .
          ولعله معلول المتن أيضاً، إذ أنه قال : "وعلى الإمام الذي يكون بعده وعلى الأئمة" أي بعد النبي وقبل الأئمة ، وهو ولا شك مغاير عن الأئمة الإثنى عشر ، وهم لا يقولون به .
          __________
          (1) فتاوى ابن رشد (1/408) ، لحديث العشيرة عند البخاري (3/1011،برقم2601، 3/1298،برقم3335، 4/1787،برقم 4492) .
          (2) مدارك الأحكام ( 5/128ـ153 ) ، من لا يحضره الفقيه ( 2/28 ) .
          (3) تهذيب (4/ 60ـ61) ، إستبصار (2/36، 110) , الوسائل (6/186) .
          (4) الفهرست (79/327) .
          (5) تهذيب ( 4/60) .

          تعليق


          • #6
            الفصل الخامس
            آل محمد في مقام الخمس

            الأقوال

            القول الأول : هم بنو هاشم فقط ، لا أحد معهم .
            رواه ابن جرير عن خصيف عن مجاهد , ورواه كذلك عن الإمام عليّ زين العابدين بن الحسين الشهيد سبط رسول الله (1) ، وحكاه الجصاص وعزاه لأصحابه ولزيد بن أرقم (2) , وعزاه ابن عطية في تفسيره لعليّ بن الحسين في رواية عنه ، وعبد الله بن الحسن ، وعبد الله بن عباس (3) ، وعزاه في زاد المسير لأبي حنيفة (4) ، وبه قال الغنيميّ (5) ، وعزاه الحافظ ابن حجر العسقلانيّ في الفتح لعمر بن عبد العزيز الأمويّ؛ ولزيد بن أرقم ؛ وطائفة من الكوفيين لم يُسَمّهم (6) ، وعزاه القرطبيّ لمجاهد ؛ وعليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، وقال: "وهو قولُ مالكٍ ؛ والثوريّ ؛ والأوزاعيّ وغيرهم"(7) , وعزاه الأمينُ الشنقيطيّ إلى مَن ذكرهم الحافظ ابن حجر والقرطبيّ وقال:"وهو غير صحيح" (8) , ورجّحه الشيخ الطاهر بن عاشور وعزاه لمالك ولجمهور أصحابه، قال : "وهو إحدى روايتين عن
            __________
            (1) تفسير الطبري ( 10/5) ، وتفسير ابن كثير (2/325) .
            (2) أحكام القرآن (3/84) .
            (3) تفسير ابن عطيّة (2/530) .
            (4) زاد المسير (3/360) .
            (5) اللباب (2/195) .
            (6) فتح الباري (6/245 ) .
            (7) تفسير القرطبي (7/10) .
            (8) أضواء البيان (3/363ـ367) .

            أحمد وقاله ابن عباس ؛ وعليّ بن الحسين ؛ وعبد الله بن الحسن ؛ ومجاهد ؛ والأوزاعيّ ؛ والثوريّ" (1) ؛ وحكاه الفخر الرازيّ قولاً ولم يعزه لأحدٍ ثم قال : "وقيل : آل عليّ ؛ وجعفر ؛ وعقيل ؛ وآل العباس ؛ وولد الحارث بن عبد المطلب ؛ وهو قول أبي حنيفة " (2) , وعزاه الموزعيُّ لمالك ؛ والثوريّ ؛ والأوزاعيّ , وغَلَّطَه (3) , وهو قولٌ لدى المالكية ، حكاه عنهم ابن أبي زيد قال: "وقال ابن عباس : نحن هم ، يعني آل محمد ، ولكن أبى علينا قومُنا , ووجدتُ معنى الآثار أنهم آل محمد خاصة" (4) , وقال أصبغ فيما حكاه عنه ابن رشد : الذي وجدتُ عليه معاني العلم والآثار أنهم آل محمد خاصة (5) ، قال القرافيّ في الذخيرة في باب الجهاد : "قال ابن يونس : قال ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره : ذوو القربى ؛ آله ، وهو الأصح ، وقيل قريش ، قال سحنون : وليس ذلك بمحدود" (6) .
            وهو قول الزيدية , قالوا : "إنما أعطى النبي آل المطلب بن عبد مناف تفضلاً منه , لا استحقاقاً بالقرابة" (7).
            وهو قول الشيعة الجعفرية من الإمامية، قال في كتاب أصل الشيعة وأصولها: "والخمس عندنا حقٌ فرضه الله تعالى لآل محمد صلوات الله عليه وعليهم عوض الصدقة التي حرمها عليهم من زكاة الأموال، ويقسّم ستة سهام ؛ ثلاثة لله ولرسوله ولذي القربى ، هذه السهام يجب دفعها إلى الإمام إن كان ظاهراً وإلى نائبه؛ وهو المجتهد العادل إن كان غائباً؛ .. وأما الثلاثة الأخرى فهو حق المحاويج والفقراء من بني هاشم عوض ما حرم عليهم من الزكاة"(8) .
            وقال في إرشاد الأذهان في أحكام الإيمان : "يُقسَّم الخمس ستة أقسام ؛ ثلاثة للإمام عليه السلام , وثلاثة لليتامى والمساكين وابناء السبيل من الهاشميين المؤمنين" (9) .
            وقال في مدارك الأحكام : "المراد من آل محمد في مقام الصدقات هم بنو هاشم بدون تعيين وبسبب الخمس" (10) .
            فلا خلاف بين الشيعة الجعفرية الإمامية من أن المراد بذوي القربى في هذا المقام هم آل محمد في مقام التحريم الزكاة والصدقات ، وأنهم هم بنو هاشم فقط ، كما نصّ على ذلك خلائق لا تحصى(11) ، ولدى الشيعة الجعفرية روايات
            __________
            (1) تفسير التحرير والتنوير (10/10) .
            (2) التفسير الكبير (15/133) .
            (3) أحكام القرآن (2/857) .
            (4) النوادر والزيادات (2/297) .
            (5) البيان والتحصيل (2/383) .
            (6) الذخيرة (3/432) .
            (7) البحر الزخار (2/224 )، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ، محمد بن علي الشوكاني ، ت/محمد زايد ، ط 1405هـ , دار الكتب العلمية , بيروت (2/95) .
            (8) أصل الشيعة (293) ، وانظر كتاب الخمس صفحة (163) ، والوسائل (6/359) .
            (9) إرشاد الأذهان (1/ 46) .
            (10) مدراك الأحكام (5/128ـ 153) .
            (11) أنظر مثلاً تفسير العياشي ( 2/62ـ64) ، التبيان في تفسير القرآن للطوسي ( 6/123ـ124 ) وتفسير الميزان الجزء التاسع ، تفسير سورة الأنفال ، وتفسير القميّ ( 2/395 ) .

            تقول : إن المراد بذي القربى هو الإمام من آل محمد ، قالوا : وظاهر الآية يؤيد ذلك حيث عبر بلفظ المفرد ، مع اتفاقهم على أن المراد باليتامى والمساكين وابن السبيل ؛ يتامى الهاشميين ومساكينهم وابن السبيل منهم ، عوضاً لهم عن الصدقة ، وعلى كل حال فإن غرضنا هو أن نبين الذين هم يستحقون مسمى القرابة بالنبسة إلى النبي ، وحاصل مراد الشيعة الجعفرية أن الإمام لا يكون إلاَّ من بني هاشم ، فذي القربى المراد به الإمام من قرابة النبي لأن قرابة النبي هم بنو هاشم باتفاق أهل القبلة ، ومتى قلنا إن المراد به الإمام فإن هذا السهم سهم ذي القربى يصرف لقرابة ذلك الإمام المعاصرين له ، لأنهم حاشيته ؛ وبصلاحهم يصلح الإمام ، ويحرم من هذا السهم والحال هذه عامة الهاشميين ، وتكون باقي الأسهم للمساكين واليتامي وأبناء السبيل من عامة الهاشميين ، ومتى قلنا إن المراد بذي القربى مجموع القرابة (أي عامة بني هاشم) لا الإمام وحده فإن هذا السهم سهم ذي القربى يصرف لعامتهم الذكر والأنثى ، الفقير والموسر ، وباقي الأسهم تكون لمن سمى اللهُ - عز وجل - ؛ فالإمام هو المراد من ذوي القربى إنما هو الإمام وحده ؛ فيكون له ثلاثة أسهم من ستة ؛ يكون له سهم الله ؛ ويرث معه سهم رسوله ؛ ويختص بسهم ذوي القربى ، وباقي الأسهم تكون لأيتام آل هاشم ؛ ومساكينهم ؛ ولابن السبيل منهم .
            وقريبٌ من هذا قال به بعض أهل السنة ، إذ قالوا : إن سهم النبي يكون للخليفة بعده ، وسهم ذي القربى يكون لقرابة ذلك الخليفة ، سواء أكان هاشميياً أم من عامة قريش ، وليس يكون للهاشميين نصيب فيه متى كان الخليفة من غيرهم ، وهذا قول شطط مخالف لكتاب الله وسنة رسوله .
            وعزت الموسوعة الفقهية المصرية هذا القول بعد إخراج آل أبي لهب إلى المشهور من مذهب المالكية والرواية الأخرى في مذهب أحمد , قالت : "ونقل هذا القول عن عمر بن عبد العزيز ؛ وبه قال زيد بن أرقم ؛ وطائفة من الكوفيين ، وإليه ذهب جميع أهل البيت" (1).
            القول الثاني : هُم صليبة بني هاشم وبني المطلب ابنا عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرّة ، دون بني إخوتهما بني عبد شمس وبني نوفل ابنا عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ، فآل محمد في هذا المقام هم أهل الشِّعْبِ ، وهم أولائي فقط.
            وهذا قول الإمام الشافعيّ المطلبيّ وانتصر له رحمه الله ، كما صرّح به في أحكام القرآن ، وأجراه على جميع المقامات (2) ، وصرّح به في الأمّ (3) , وفي مختصره للمزنيّ (4) ، وعزاه ابن عطية للشافعيّ , قال وهو فعل عمر بن عبد العزيز
            __________
            (1) الموسوعة (1/64) .
            (2) أحكام القرآن (76ـ77) .
            (3) الأم (4/196) .
            (4) المختصر (171) .

            (1) , وعزاه القرطبيّ للشافعيّ؛ وأحمد ؛ وأبي ثور ؛ ومجاهد ؛ وقتادة ؛ وابن جريج ؛ ومسلم بن خالد ؛ والنسائيّ(2) ، وحكاه ابن العربيّ قولاً في أحكام القرآن وصححه (3) , وعزاه ابن عاشور للشافعي كما هو مشهور عنه ؛ وأحمد في إحدى الروايتين عنه التي جرى عليها أصحابه ؛ وإسحاق ؛ وأبي ثور ، قال : ومال إليه من المالكية ابن العربيّ (4) ، وقال ابن كثير : "هذا قول جمهور العلماء" (5) ، ونسبه الموزعيّ للشافعيّ ؛ وأحمد ؛ وأبي ثور ؛ وأكثر العلماء وصححه(6)، أما الموسوعة الفقهية المصرية فقد نسبته للحنفية ؛ والشافعية ؛ وابن حزم ؛ والمالكية في قول عندهم ؛ والحنابلة في رواية عندهم (7) ، واختاره الشوكانيّ(8).(9)
            قال الشافعيّ : "إنهم أعطوا باسم القرابة ، وكلهم يلزمه اسم القرابة" (10) ، قال: "كل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا في أنهم باسم القرابة أعطوا ، حكاه المزنيّ في مختصر الأمّ"(11) ، وفيه قوله : "جعل لهم الخمس عوضاً من الصدقة" (12) ، هذا القول حكاه الطبريّ في تفسيره لبعض أهل العلم ، والذي في مختصر تفسيبر الطبريّ للتجيبيّ : "بنو هاشم وبنو المطلب وحلفاؤهم"وزيادة حرف الواو بين كلمة المطلب وكلمة حلفاؤهم غلطٌ ؛ لعله من النُّسّاخ ، لأن الذي في تفسير الطبريّ: "بني هاشم وحلفائهم من بني المطلب"(13). (14)
            القول الثالث : إن آل محمد في مقام المغانم والخمس إنما هم قريش كلها .
            قال ابن عطية : "روي عن علي بن الحسين وعبد الله بن محمد بن علي أنهما قالا : الآية كلها في قريش ، والمراد يتامى
            __________
            (1) تفسيره (2/530) .
            (2) تفسيره (7/10) .
            (3) أحكام القرآن (2/402) .
            (4) تفسير ابن عاشور (10/10 ) .
            (5) تفسير ابن كثير (2/325) .
            (6) أحكام القرآن (2/856) .
            (7) الموسوعة (1/64) .
            (8) السيل الجرار (2/97) .
            (9) وصرح بهذا القول كافة الشافعية ، من ذلك الدميري في النجم الوهاج ( 6/385 ) .
            (10) الأم (4/196ـ201) .
            (11) المختصر (162) .
            (12) المختصر (171) .
            (13) المختصر للتجيبيّ ( 182 ) ، و تفسير الطبري ( 10/6 ) .
            (14) وانظر هذا القول : تفسير الألوسي (10/3) ، وأضواء البيان (2/361) ، والتوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح (2/559 ) ، وغاية البيان على زبد ابن رسلان للرملي وبهامشه مواهب الصمد في حل ألفاظ الزبد للفشني كلاهما صفحة (344) ، والمنهاج للنووي وشرحه مغني المحتاج للشربيني (3/94) ، وتفسير الفخر الرازي (15/133) وأحكام القرآن للجصاص (171) ، وفتح الباري لابن حجر (6/245) ، وزاد المسير لابن الجوزي (3/360 ) .

            قريش ومساكينها" (1) ، وحكى هذا القول الجصاص الحنفيّ قولاً ولم يعزه حيث قال : "قال بعضهم : قريش كلها من أقرباء النبي الذين لهم سهم من الخمس إلاَّ أن للنبي أن يعطي من رأى منهم" (2) ، وعزاه القرطبيّ لبعض السلف ولم يسمهم (3) ، وعزاه ابنُ حجر لأصبغ من المالكية قال : "قال أصبغ : ولكن يعطي الإمام منهم من يراه" (4) , قال الطاهر بن عاشور : "وعن أصبغ أنهم آل غالب بن فهر، أي قريش " (5) ، كما حكاه ابن أبي زيد وجهاً لدى المالكية (6) ، ورواه ابن جرير الطبري عن ابن عباس (7) ، ولا يصحّ أنْ يكون من كلام ابن عباس كما نصّ أهل العلم ، وحكاه الموزعيّ قولاً ولم يعزه لأحد ، وغلَّطه (8) ، وحكاه قولاً في زاد المسير (9) ، وابن العربيّ في أحكام القران (10) ، والشنقيطيّ في أضواء البيان وضعفه(11) ، ونِسْبَتُه إلى السلف أو بعض السلف لا تصح ، فلا يصح عن أحدٍ من أهل البيت ، كعليّ زين العابدين ، ومن نسبه لابن عباس فهو وَاهمٌ أو مُغْرضٌ ، قال القرافيّ في الذخيرة في باب الجهاد : "قال ابن يونس : قال ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره : ذوو القربى ؛ آله ، وهو الأصحّ، وقيل قريش ، قال سحنون : وليس ذلك بمحدود" (12) .
            وكأن أصحاب هذا القول في تعميمهم الحكم بقريش كافة نظروا إلى اجتهاد النبي في قسمته حيث أطعم من الخمس بني المطلب تفضلاً منه لا على وجه الإستحقاق منه كبني هاشم .
            القول الرابع : هم آل قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة .
            عزاه ابن عاشور قولاً لأصبغ من المالكية (13) ، ولعل هذا القول متفرع عن الذي قبله وقد حررنا اختلافهم في قريش ، ثم إن هذا القول يشوبه شذوذ ولا شك .
            __________
            (1) تفسير ابن عطيّة (2/531) .
            (2) أحكام القرآن (3/84) .
            (3) تفسير القرطبي (7/10) .
            (4) فتح الباري (6/246) .
            (5) تفسير الطاهر بن عاشور (10/11)
            (6) لنوادر والزيادات (2/297) .
            (7) تفسير الطبري ( 10/6 ) .
            (8) الأحكام للموزعي (2/857) .
            (9) زاد المسير (3/360) .
            (10) أحكام القرآن (2/402ـ408) .
            (11) أضواء البيان ( 3/363 ) ، وانظر هذا القول في تفسير ابن كثير (2/325) .
            (12) الذخيرة (3/432).
            (13) التحرير و التنوير (10/11) .

            القول الخامس : هم قربى كل أحدٍ من المقاتلين ، وليس المراد قربى النبي على أي حال ، وبهذا قالت شرذمة من فقهاء الحنفية منهم الكاساني(1) .
            القول السادس : هم قرابة الخليفة/الإمام لا قرابة النبي ، فسهم الرسول مع سهم قرابته يكون لوليّ الأمر ولقرابته من بعده .
            قال الطبريّ في تفسيره : "وقال آخرون سهم ذي القربى كان لرسول الله ثم صار من بعده لولي الأمر من بعده .. فعن قتادة أنه سئل عن سهم ذي القربى فقال : كان طعمة لرسول الله ما كان حياً فلما توفي جُعل لولي الأمر من بعده" (2) .
            __________
            (1) صفحة (6/102) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، للعلاء أبي بكر بن سعود الكاساني الحنفي المتوفى عام 587هـ ، الطبعة الثانية 1402هـ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ؛ ونسخة أخرى ، تحقيق /محمد عدنان درويش, ط 1، 1417 هجرية ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، أنظر رد الإمام الشافعي عليه في الأم ، وكنا قد ذكرناَ شيئاً منه ، وانظر تيسير البيان لأحكام القرآن للموزعي الشافعي (2/854) .
            (2) تفسير الطبريّ (10/6 ـ7) .

            تعليق


            • #7
              الفصل السادس
              أهل البيت في مقام آية التطهير

              الأقوال
              ولنستعرض الآن تلك الأقوال التي قيلت في مراد الله من أهل البيت في آية التطهير:
              القول الأول : إنّ أهلَ البيت في آية التطهير إنما هم آل محمد ، وهم في خصوص آية الأحزاب خمسة , وهم : نفس النبيّ ؛ وعليّ بن أبي طالب ؛ وفاطمة الزهراء بنت النبيّ ؛ والحسن ؛ والحسين رحمة الله عليهم أهل البيت إنه حميد مجيد .
              قالوا : وهؤلاء هم سببُ نزولِ آية التطهير لا سببَ نزول لها غيرهم ، فالمراد مِن البيتِ بيتُ القرابة والنسب، وهم أولائي فقط ، قال أغلبُ السُنِّيين : يلحق بهم ذراريهم إلى يوم القيامة أي الأسباط (1) ، وقالت الشيعة الجعفرية من الإمامية : يلحق بهم بقية الأئمة المعصومين فقط لا جميع الذرية ، إلاَّ أن ذرية الحسن والحسين جميعاً مرادون بالتبع لهؤلاء ، فالتابع تابع ، واتفق الجميع عل نفي العصمة عن باقي الذرية .
              فآية التطهير مدرجة بين ما خوطب به الأزواج بوضع الشارع لها ، فهي نزلت نزولاً واحداً قاله بعض أهل السنة ، وهي نزلت نزولاً مستقلاً عما خوطب به الأزواج إما متقدماً أو متأخراً قاله الشيعة الجعفرية وبعض أهل السنة ، فيكون المعنى على كلٍ حين أدرجت بين ما خوطب به الأزواج أمهات المؤمنين : إنما آمركن وأنهاكنَّ يا أزواج النبي ؛ لأجل أن لا يلحق أهل بيت محمدٍ ـ الذين طهرتهم لأنهم بيت النبوة ومن أصل النبي ـ عارٌ ولا عيبٌ أو رجسٌ تَكُنَّ أنتنَّ السبب في حصوله .
              __________
              (1) قالوا : لا يرد على حمل "أهل البيت" في الآية على المعنى الأعم ما روي أنه قال : " نزلتْ هذه الآية في خمسة .. " إذ لا دليل فيه على الحصر ، والعدد لا مفهوم له ، ولعل الإقتصار على من ذكر - صلى الله عليه وسلم - لأنهم أفضل من دخل في العموم تفسير الألوسي ( 22/17 ) .

              ويكون المعنى حين نزولها قبل إدراجها مع ما خوطبنَ به أن الله تعالى قد أذهب عنهم ميلاد الجاهلية ، وهو فساد النسل بالزِّنا والسِّفاح ؛ وتدنسه بدنائة الآباء ورذالتهم ؛ وتحرجهم للمنهي ؛ وعدم تحرّزهم عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ وتلّبسه بالأمهات ؛ وتكوّنه في البطون العاهرة الفاجرة ، واستقراره في الأرحام الفاسقة الكافرة . وهو نفس المعنى بعد الإدراج .
              وهذا القول عزاه ابنُ حجر الهيتميّ لأكثر المفسرين (1) ، ورواه ابن جرير الطبريّ عن عليّ السجّاد زين العابدين بن الحسين الشهيد بن الإمام عليّ بن أبي طالب ، وعن أم سلمة - رضي الله عنهم - (2) ، وبه قال الإمام زيد بن الإمام عليّ زين العابدين فهو مذهب أتباعه الزيدية(3) ، وروري هذا القول عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - (4) ، وعزاه في زاد المسير لنفر من أصحاب النبيّ فقد عزاه لأبي سعيد ، وأنس , وعائشة , وأم سلمة - رضي الله عنهم - (5) وذلك تبعاً للماورديّ في تفسيره (6) ، وعزاه البغويّ والخازن لأبي سعيد وجماعة من التابعين منهم مجاهد ، وقتادة ، وغيرهم (7) ، وبه قال الإمام أبي جعفر الطحاويّ وانتصر له (8) ، وهو قول ذكره ابن جُزَي الكلبيّ الغرناطيّ في تفسيره (9) ، والإمام أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن (10) ، وأبو منصور بن عساكر في "الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين" (11) , والطوفي الحنبلي (12) ، والشيخ محي الدين في حاشيته (13) , والسمهوديّ المدنيّ في جواهر العقدين ، وهو قول السلفِ وأكثرِ أهل العلم ؛ إذ هو اختيار أئمة العلماء وقادتها , وحاول القرطبيّ توهين هذا القول وتمريضه إذ قال: "وقالت فرقةٌ منهم الكلبيّ هم : عليّ , وفاطمة , والحسن , والحسين , خاصة " (14) , ولكنه كما ترى هو قول السلف والصحابة والذي كان يعتقده الناس كافة في زمن النبي وزمن أصحابه ؛ ولم يصدف عنه أحد من السلف يعتد به ، وسوف يأتيك كلام للإمام أبي
              __________
              (1) الصواعق (220) .
              (2) التفسير ( 22/7) .
              (3) كتاب الصفوة للإمام زيد - عليه السلام - .
              (4) الأحكام للجصاص ( 3/471) .
              (5) زاد المسير (6/381) .
              (6) الماوردي (4/401) .
              (7) تفسير البغوي والخازن ( 5/259) .
              (8) مشْكِل الآثار ( 1/227ـ231 ) .
              (9) التسهيل لعلوم التنْزيل (تفسير الكلبي) للعلامة ابن جزي الكلبي الغرناطي ، ط 4 ، دار الكتاب العربي ، بيروت (3/137) .
              (10) إعراب القرآن ( 3/314 ) .
              (11) الأربعين (106) .
              (12) شرح مختصر الروضة (3/108) .
              (13) حاشية شيخ زاده (6/635 ) .
              (14) تفسير القرطبي (14/119) ؛ انظر أسرار الإمامة للطبرسيّ .

              جعفر النحاس من أهل السنة هو بمثابة حكاية للإجماع بين المفسرين والعلماء من السلف ، وهو على الصحيح الذي ذهب إليه ابن السائب الكلبيّ ، واقتصر عليه أبو يحيى محمد بن صمادح التجيبيّ لدى اختصاره لتفسير الطبريّ إذ قال : {أَهْلَ الْبَيْتِ} يعني - عز وجل - بيت محمد ، وروي عن رسول الله أنه قال : ((نزلتْ هذه الآية في خمسةٍ ؛ فيَّ ، وفي عليٍّ ، وحسن ، وحسن ، وفاطمة)) (1) ، وحكاه العز بن عبد السلام في تفسيره قولاً وقدَّمه ؛ وقال : "قاله أربعة من الصحابة رضوان عليه عليهم أجمعين" ، وكذا حكاه الواحدي في تفسيره الوسيط عن بعض أصحاب النبي والماوردي في تفسيره النكت والعيون (2) ، وهو قول الشيعة قاطبة وجمهور المتكلمين ، ونسبه للجعفرية منهم صاحب تفسير الميزان (3) ، والقميّ في تفسيره(4) ، وفرات في تفسيره ، والصدوق في الخصال(5) .
              وقالت الشيعة الجعفرية من الإمامية : هم أهل الكساء أولائي ، ومعهم بقية المعصومين مِن نسل الحسين السبط ، فالمراد مِن أهل البيت أربعةَ عشرَ معصوماً.
              قالوا : وهم عترة النبي ، فالمراد بآل البيت ؛ هم فئة محدودة من نسل رسول الله وهم الذين قصدهم النصّ القرآني في هذه الآية ، وخصّتهم الروايات الواردة على لسانه ، وهم أهل الكساء ؛ الأربعة والتسعة الأئمة من نسل الحسين ، إذ تفرقت المقامات في القرابة ، وهؤلاء قد جمعوا كل مقام ناله القرابة من بني هاشم ، فملامح آل البيت تتحدد من خلال أمور ثلاث :
              الأول : أنهم معصومون . الثاني : أنهم لا يقاس بهم أحد . الثالث : أنهم أربعة عشر إماماً . قالوا : وإنما المراد من البيت هنا ليس المسكن ، وإنما بيت الرسالة ، أي بيت النبوة والإمامة(6)، ولو أننا جعلنا أهل البيت في الآية جميع ذرية الحسن والحسين لكان ذلك شططاً من القول ، لأن الآية تدلُّ على عصمة من نزلت فيهم ، ولو عمّمناها في ذرية أهل الكساء لأثبتنا العصمة لهم ، وهذا باطل وهو إفراط ، لأنه يستحيل أن يكونوا معصومين ، فالعصمة ثابتة للأئمة فقط ، وهم المرادون من أهل البيت ، ولكن لذرية أهل الكساء منزلة عندنا ليست لغيرهم ، والآية تشملهم بالتبع لا بالأصالة ، لذا فإنهم ليسوا بمعصومين قطعاً ، وأهل السنة القائلين بهذا القول يجعلونهم من أهل البيت ، ولكنهم لا يثبتون العصمة لغير النبي .
              __________
              (1) مختصر تفسير الطبري لأبي يحيى التجيبي ، ط 6 ، 1418هـ ، دار الفجر الإسلامي ، دمشق (422) .
              (2) تفسير البسيط للواحد (18/240) ، النكت والعيون (4/401).
              (3) تفسير الميزان (ج16).
              (4) تفسير القمي (ج2).
              (5) الخصال صفحة ( 403، 580) .
              (6) عقائدنا للشيرازي (42)، ومودة أهل البيت (12) ، الرسالة التطهيرية (91، 96)

              قالوا : وقد أقرَّ بإمامة الإثنى عشر جمعٌ من أهل السنة ، علماء مبرزون ، وإن لم يعتقدوا فيهم ذات اعتقاد الشيعة الجعفرية من الإمامية ، كابن خالويه ؛ وكالمحدث الزرنديّ المدنيّ ؛ والتيجانيّ أحد أقطاب متأخري الصوفية ؛ وجمعٌ كثير .
              والحاصل أنه قول عامة أهل البيت والعترة المنتسبة إلى النبي ، وقول عامة أهل العلم من السلف من الصحابة والتابعين ومن الفقهاء والمفسرين والمحدثين والمحققين من المتأخرين الذي لم يتأثروا بغيره ولم تأثر فيهم عواطفهم ، فهو على هذا مقام من مقامات القرابة .
              القول الثاني : المراد من أهل البيت في آية التطهير ؛ نساء النبي أمهات المؤمنين ، فهن سبب النزول ، وأكده بعضهم فقال : هي في نساء النبي خاصة لا رجل معهنَّ .
              والمراد من البيت إذن؛ بيت المدر والخشب، وهي مساكن النبي ، والآية كما نزلت فيهنَّ فإنها باقية على حالها، فهي في خصوصهنَّ فقط.
              وهذا القول قول عكرمة الخارجيّ مولى عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ونسبه عكرمة لابن عباس ولا يصح عنه ، فعكرمة متهمٌ بالكذب على مولاه ابن عباس ومتهم بالنصب والكذب عامة ، فقوله مردود عليه ، وهو الذي كان يعمد إلى الأسواق فيرفع عقيرته ويقول: مَنْ شاءَ باهلتُه! { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} نزلتْ في نساء النبي خاصة! .
              وهذا القول عزاه القرطبيّ ؛ لعكرمة ، ولعطاء ، وابن عباس (1) , ولا يصح عن ابن عباس البتة , قال في زاد المسير: رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ، وابن السائب، ومقاتل (2) ، ولا يصح عن ابن السائب البتة , ونسبه الشوكانيّ في فتح القدير لهم أيضاً وزاد : عطاء ، وسعيد بن جبير (3) ، وكذا نسبه الواحدي في البسيط لعكرمة وابن الكلبي ومقاتل وسعيد (4) ، وكذا نسبه الماوردي في تفسيره إلى ابن عباس وعكرمة (5) ، ولا يثبت إلا عن عكرمة وحده ، وهو قول حكاه ابن جزي الكلبيّ الغرناطيّ في تفسيره قولاً (6) , وذكره قولاً كل من الجصَّاص (7)
              __________
              (1) تفسير القرطبي (14/118ـ119) .
              (2) زاد المسير (6/381) ، ونسبه الطبرسيّ في أسرار الإمامة وهماً لابن السائب الكلبيّ وشهر بن حوشب ونال منهما نيلاً شديداً وجار عليهما مع أنهما لم يقولا بهذا القول .
              (3) فتح القدير ، للعلامة ابن الهمام السيواسيّ المتوفى عام 681هـ ، ط2 ، دار الفكر ، بيروت ، لبنان (4/396) .
              (4) تفسير البسيط للواحد (18/240).
              (5) تفسير الماوردي النكت والعيون (4/401).
              (6) التسهيل (3/137) .
              (7) أحكام القرآن (3 /471) .

              , وابن حَجر الهيتميّ (1) ، والألوسيّ (2) ، وابن قيّم الجوزية (3) ، وأبو جعفر النّحّاس(4) ، والبغويّ والخازن (5) ، والمقريزيّ في فضل آل البيت (6) ؛ والعز بن عبد السلام في تفسيره ؛ كلّ أولئك ذكره قولاً ؛ وليتهم نسبوه لصاحبه عكرمة كما فعل أبو جعفر النحاس؛ وهذا القول قال به الصابونيّ من المتأخرين المعاصرين في تفسيره صفوة التفاسير ؛ ولم يذكر غيره! عفى الله عنه!.
              وزعم بعضهم أنه قول الجمهور , فإن كان قصده جمهور الخلف ومتأخري المفسرين فنعم ، وإلا فلا ، ومن ذكر هذا القول من هؤلاء فليس كلهم يقر بصحته ويعتقد صدقه ؛ إذ ليس في حكاية الأقوال تسليماً بصدقها ولا اعتقاداً بصحتها .
              وبهذا القول تَمَسَّك النَّواصبُ ، وهم الذين ناصبوا النبي وأهل بيته العداء , وعَزْوهم هذا القول لابن السائب الكلبيّ موضع نظر ، فهو لا يصح عنه ولا عن ابن عباس ولا عن سعيد بن جبير , وتأثر به بعض الأخيار من الخلف مِن غير تدبّر ولا تفكّر ، وبه تمسك كثيرٌ منهم ، حتى أصبح قول أهل السنة في هذا العصر , ولم يرو عن أهل القرون الأولى ولم يرو سوى عن عكرمة ، وفي عكرمةَ مقالٌ عند أئمة الجرح والتعديل ، فلم يقل به أحد من سلف الأمة ، ولم يقل به كما ترى سوى شرذمة قليلون كلهم من الخلف لا من السلف ، بل هو فقط قول عكرمة وهو عِلَّته ، ولا يصح عن الباقين سوى مقاتل فالله أعلم بحقيقة قوله .
              القول الثالث : هم أولاده لصلبه؛ وأزواجه ؛ وعليّ بن أبي طالب؛ والحسن؛ والحسين، وعليّ منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته ببنت النبيّ وملازمته للنبيّ .
              وهذا قول الفخر الرازيّ (7) ، والقرطبيّ (8) ، وعزاه الشوكانيّ لأبي سعيد الخدريّ , ومجاهد , وقتادة , وابن الكلبيّ (9) ، وهو قول ابن تيمية (10) وبعض أتباعه ، وهو اختيار الأمين الشنقيطيّ (11) ، وحكاه أبو بكر الجصاص قولاً ولم
              __________
              (1) الصواعق (220ـ221) .
              (2) تفسيره (22/13) .
              (3) جلاء الأفهام (166) .
              (4) إعراب القرآن (3/314) .
              (5) تفسيريهما (5/259) .
              (6) فضل آل البيت ، للتقي المقريزي ، تحقيق د.محمد أحمد عاشور ، ط1980م ، دار الاعتصام ، مصر صفحة (29، 38) ، ولا يمكن أن يكون هذا قول الجمهوربحال .
              (7) تفسيره (25/181) .
              (8) أحكام القرآن (14/119) .
              (9) تفسيره (4/397) ، و كذا في كتابه إرشاد الفحول .
              (10) فتاوى ابن تيمية ( 1/184 ) .
              (11) تفسيره (6/578) .

              يعزه (1) ، وابن كثير في تفسيره(2) ، واختاره من الأصوليين صاحب فواتح الرحموت (3).
              ويَرِدُ على هذا القول ما ورد على القول التالي في احتمالات النزول جميعاً ، وهو يُمَهِّدُ لدخول غير عليّ كرَّم الله وجهه من أزواج البنات , ولعل الشوكانيّ كان واهماً في عزوه ، فلم يعزه أحد ممن سبقه لأبي سعيد الخدريّ ولا لابن السائب الكلبيّ ، والمعروف المشهور عن النسابة الأخباريّ الكلبيّ أنه كان من المتشيعة .
              القول الرابع : الآية نزلت في نساء النبي اللواتي هنَّ أهل بيت سكناه بيت الطين والخشب , وفي قرابته أهل بيت القرابة والنسب ـ قال بعض القائلين به : الذين حرمت عليهم الصدقات والزكوات على خلاف في أهل بيته الذين تحرم عليهم ، وقال بعض القائلين بهذا القول : هم أهل الكساء ـ أي أن الآية نزلت في الأزواج أولاً خاصة ، ثم عمتْ أهل الكساء (بسبب أمر من ثلاثة أمور : لفعل الرسول اجتهاداً منه أو لأنهم أولى بها من الأزواج أو لأن اللغة تقتضيهم واللفظ يشملهم) أو أنها نزلت في أهل الكساء أولاً ثم خوطب بها الأزواج ، حيث أدرجها الشارع بين ما خوطبنَّ به ، فكانت من تمام سياق الآيات ، أو أنها نزلت في كلا الفريقين ابتداءاً ، نزولاً واحداً ، في وقت واحدٍ وقيل نزولين أو أكثر .
              وهذا القول ؛ قال به أقوامٌ ابتداءً ، وقال به أقوامٌ توفيقاً بين القولين الأوليْن لماَّ احتاروا وظنوا بالتعارض ؛ فهو قول المُوفِّقَة ، وهو قولٌ حكاه أبو بكر الجصاص رحمه الله قولاً ، قال : لاحتمال اللفظ للجميع (4) ، وبه قال ابن جُزي الكلبيّ الغرناطيّ (5) ، وعزاه ابن الجوزيّ للضحاك , والزجاج (6) ، وكذا نسبه الماوردي في تفسيره النكت إلى الضحاك (7) ، قال ابن حجر الهيتميّ : اعتمده جمعٌ ورجحوه وأيَّده ابن كثيرٍ (8) ، وعزاه السمهوديّ لأبي بكر النقاش في تفسيره ، قال : وقال النقاش : أجمع أكثر أهل التفسير أنها نزلت في عليّ , وفاطمة , والحسن , والحسين (9) ، وبه قال كثير من علماء الأصول كالإسنويّ (10)؛ وذكره العز بن عبد السلام في تفسيره قولاً .
              __________
              (1) الأحكام (3/471) .
              (2) تفسير ابن كثير (3/94) .
              (3) فواتح الرحموت (2/229) .
              (4) أحكام القرآن (3/471) .
              (5) تفسيره (3/137) .
              (6) زاد المسير (6/381ـ382) .
              (7) تفسيره (4/401) .
              (8) الصواعق (221) .
              (9) سمط الجواهر(198) .
              (10) نهاية السول شرح منهاج الأصول (2/402) .

              ومعنى الآية والحالة هذه هو معناها بعد أن تجمع بين القول الأول والقول الثاني .
              القول الخامس : إنما المراد بأهل البيت في الآية هو النبي وحده ، وهذا القول حكاه ابن حجر الهيتميّ قولاً ولم يعزه إلى أحد(1) ، فهو شاذٌ مرسل.
              القول السادس : إن المراد من أهل البيت في آية التطهير جميع بني هاشمٍ الذين حَرُمَتْ الصدقةُ عليهم، قالوا : فالمراد من البيت ؛ بيت القرابة والنسب ، وهم أولائي ، لا أنّ المراد بيت السعف والطين والخشب .
              وهذا القول قال به جمع من أهل العلم , وعزاه ابنُ حجر الهيتميّ ؛ والقرطبيُّ ؛ للثعلبيّ (2)، وعزاه في زاد المسير للضحاك ؛ والزجاج(3).
              وبعض القائلين بهذا القول قالوا : هاشم والمطلب , بناء على الخلاف الذي ذكرناه في آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقات , فالخلاف المذكور هناك يجري ههنا عند الذين قالوا هم الذين تحرم عليهم الزكوات .
              القول السابع : إن المراد من أهل البيت في الآية النبي الذي هو داخل في كلِّ قولٍ ، وعليّ ؛ وفاطمة ؛ والحسن؛ والحسين وذُرِّيتهم، والعباس بن عبد المطلب وَذُرِّيته ، أي بعض الذين تحرم عليهم الصدقات لا كلهم ، لأنّ المعتمد أن الذين تحرم عليهم الصدقات هم عامة بني هاشم بن عبد مناف . (4)
              القول الثامن : هم كلُّ مَنْ كان من ألزام النبيِّ من الرجال والنساء من الأزواج والإماء والأقارب ، وكلما كان الإنسان منهم أقرب وبالنبيّ أخص وألزم كان بالإرادة أحق وأجدر ، وبه قال العلامة البقاعيّ في تفسيره نَظْمُ الدُرَرِ (5) .
              القول التاسع : هم أهل مسجد المدينة ، مسجد النبيّ ، فالمراد من أهل البيت عُمَّارُ مسجد النبيّ ، هم المسلمون من مصلين ومعتكفين ، وبه قال بعض المتعلمين من أهل السنة ، وبه قال بعض النواصب (6) ، أو المراد بهم أهل المدينة سكان الحرم أو الذين حول الحرم .
              __________
              (1) الصواعق (221) .
              (2) صواعق (222) , تفسير القرطبي (14/118ـ119) .
              (3) زاد المسير (6/381ـ382) ، وأنظر الجواهر للسمهودي (199) .
              (4) هذا القول يتخرّج على فعله - عليه السلام - في حادثة الكساء و فعله - عليه السلام - مع عمه العباس .
              (5) نظم الدرر (6/102) .
              (6) تفسير الألوسي ( 22/13) .

              القول العاشر : هم أهل المسجد الحرام بمكة ، والبيت هو الكعبة ، ذكره السبحانيُّ من الإمامية في كتابه متعجباً ولم يعزه لأحد . كما ذكره الدكتور عقيل حسين (1) ، أو المراد بهم أهل مكة سكان الحرم.

              تعليق


              • #8
                أهل البيت في مقام التجديد لدين الله عز وجل

                الأصل في هذا المقام
                هذا المقام الأصل فيه قوله : ((المُجَدِّدُ منَّا أهل البيت)) ، وقوله : ((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)) من غير قيد (1) ؛ وقال ابنُ مَاجَة القزوينيّ : "حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ؛ حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ ؛ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ زُرْعَةَ ؛ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلاَنِيَّ؛ وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ؛ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((لا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ))"، قال السِنديّ في حاشيته: "يَغْرِس ؛كَيَضْرِب أَوْ مِنْ أَغَرَسَ يُقَال غَرَسَ الشَّجَر وَأَغْرَسَهُ إِذَا أَثْبَتَهُ فِي الأَرْض وَالْمُرَاد يُوجَد فِي أَهْل هَذِهِ الدِّين وَلِذَا يُسْتَعْمَل أَهْل الدِّين فِي طَاعَته وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُجَدِّد لِلدِّينِ عَلَى رَأْس كُلّ مِائَة سَنَة وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَعَمّ فَيَشْمَل كُلّ مَنْ يَدْعُو النَّاس إِلَى إِقَامَة دِين اللَّه وَطَاعَته وَسُنَّة نَبِيّه صَلَوَات اللَّه وَسَلامه عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ"(2) ، روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن حميد بن زنجويه قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول: يروي الحديث عن النبي قال: "إنَّ اللهَ يَمُنُّ على أهلِ دينه في رأس كل مائة سنة برجلٍ مِن أهلِ بيتي يُبَيِّن لهم أمر دينهم" ، قال أحمد بن حنبل :
                __________
                (1) الحديث رواه أبو داود (4/109،4291) ، والحاكم (4/567،برقم8592 ، 8593) ، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (رقم 98) عن أبي هريرة ، أنظر فيض القدير للمناوي ( 1/281، رقم1845 ، 2/218،رقم 1845) ، وقال الحافظ في توالي التأسيس بمعالي بن إدريس أخرجه أبو داود في السنن عن أبي الربيع سليمان بن داود المهري ، وأخرجه الحسن بن سفيان في المسند عن حرملة بن يحيى وعن عمرو بن سواد جميعا ، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن الأصم عن الربيع بن سليمان المؤذن ، وأخرجه بن عدي في مقدمة الكامل من رواية عمرو بن سواد وحرملة وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي بن وهب كلهم عن عبد الله بن وهب بهذا الإسناد قال بن عدي لا أعلم رواه عن بن وهب عن سعيد بن أبي أيوب ولا عن بن يزيد غير هؤلاء الثلاثة ، قال الحافظ ورواية عثمان بن صالح المذكورة سابقا ورواية الأصم وأبي الربيع ترد عليه فهم ستة أنفس رووه عن بن وهب ، وأخرجه البيهقي أيضا في المعرفة من طريق عمرو بن سواد السرحي وحرملة وأحمد بن عبد الرحمن كلهم عن بن وهب . عن عون المعبود (11/259) ، ينظر الحديث وفي الكلام عنه في : تحفة الإشراف ، وكنْز العمال ،والسنن الواردة في الفتن للداني ، والمعجم الكبير للطبراني (1118) ، والأوسط له (6715) ، المقاصد الحسنة للسخاوي حرف الهمزة ، وفي كتاب الأدب منه أيضاً ، وكتاب الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي حرف الألف ، وكتاب كشف الخفاء للعجلوني رقم (740) ، وتذكرة الموضوعات للفتني ، وفتح الباري لابن حجر ، ومختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية ، الطريقة القادرية البودشيشة ، وكتاب الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى للشيخ سعيد بن وهف القحطاني ، وكتاب كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة ، أصدرته وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية ، ورسالة ابن تيمية إلى السلطان الملك الناصري .
                (2) سنن ابن ماجة بحاشية السندي حديث (رقم 8) ، وانظر كلام السندي عن حديث خروج الدجال أيضاً في باب فتنة الدجال ونزول عيسى بن مريم عليهما السلام .

                وإني نظرت في سنة مائة فإذا رجلا من آل رسول الله عمر بن عبد العزيز ، ونظرت في رأس المائة الثانية فإذا هو رجل من آل رسول الله محمد بن إدريس الشافعي (1) .
                فشأنُ أهل هذا المقام أنهم المجددون لدين الله تعالى ؛ الذين يقيمون حدوده ولا يغيِّرون رُسُوْمَه ؛ ولا يبدلون مَنَارَ الأرضِ .

                الأقوال
                القول الأول : هم الأمة قاطبة ، فالمراد أولياء الأمة وأتقيائها ، والعلماء الربانيين ، الذين يؤثرون في الأمة بأقوالهم وأفعالهم ، وتقتدي بهم الأمة فيكونوا سبب تجديد دينها ؛ فالمراد إذن الأبدال الذين يكونون في الأمة ، كلما مات واحدٌ قال البدل مقامه ، وهذا قول جمهور أهل السنة ؛ وبه تقول الإباضية ومن نحى نحوها ، وهو قول القاديانيين استظهرناه من كلامهم وربما قالوا هم الأمة الفارِسيّة.
                القول الثاني : هم قريشٌ على بكرةِ أبيها ، فالمرادُ أتقيائها ، والأولياء منها، والعلماء العاملون منها ، الذين أثّروا في الأمة أبلغ الأثر . قالوا : كالإمام الشافعي المطلبيّ ، وكعمر بن عبد العزيز الأمويّ الذي جمع بين الإمامة في العلم والسياسة ، وجدد للأمة ما درس في دولة بني أمية ، وأدنى منه قرابة النبي ، وهذا قولٌ لبعض أهل السنة .
                القول الثالث : هم بنو هاشم ، فالمراد أتقيائهم ، وصالحيهم ، وهو قول لبعض أهل السنة .
                القول الرابع : هم الأسباط/ذرية أهل الكساء ، أولاد عليّ من فاطمةَ عليهم السلام ، فالمراد أنّه يكون من أتقيائهم وصالحيهم ، وبه قال بعض أهل السنة، وهو قول الشيعة الزيدية.
                القول الخامس : هم الأئمة المعصومون الاثنى عشر . وهم الوارد ذكرهم في هذه السلسلة الكريمة ؛ محمد المهديّ المنتظر بن الإمام الحسن العسكريّ بن الإمام عليّ الهادي بن الإمام محمد الجواد بن الإمام عليّ الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام عليّ زين العابدين بن الإمام الحسين السبط بن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ومعهم الإمام
                __________
                (1) حلية الأولياء (9/97) .

                الحسن السبط بن الإمام عليّ عليهما السلام،وبه قالت الشيعة الجعفرية من الإمامية.
                القول السادس : هم الأئمة المعصومون المذكورون في هذه السلسلة الآتية؛ الإمام إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام عليّ زين العابدين بن الإمام الحسين السبط بن الإمام عليّ بن عليهم السلام ، والإمام الحسن السبط بن عليّ منهم - عليه السلام - ، وبقية الإئمة الذين هم من نسل الإمام إسماعيل بن جعفر المذكور عليهم السلام ، وبه قالت الشيعة الإسماعيلية .

                تعليق


                • #9
                  الفصل السابع
                  أهل البيت في مقام حديث الثقلين

                  قول رسول الله يوم غَدِيْرِ خُمّ مُنْصَرَفَه من مكة عائداً إلى المدينة : ))إني تارك فيكم ما إنْ تمسّكتم به لنْ تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرّقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما(( رواه الترمذيّ عن جابر بن عبد الله وزيد بن أرقم (2) ، والحديث رواه جماعة كثيرون من كل فرقة وطائفة ، مُسْلِمٌ ؛ والطبرانيُّ ؛ وابنُ سعد ؛ والحاكمُ ؛ وغيرُهم (3) .
                  القول الأول : هم أهل الكساء ؛ عليّ بن أبي طالب ؛ وفاطمة الزهراء بنت رسول الله ؛ والحسن السبط ؛ والحسين السبط ، صرّح بذلك كثير من الأصوليين من أهل السنة في كتب الأصول خاصة ، فمتى أطلقه الأصوليون منهم كان مرادهم أولائي ، بخلاف الأصوليين من الشيعة الزيدية أو الجعفرية أو غيرهم .
                  القول الثاني : العترة هم أئمة آل محمد عليّ بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، والأئمة التسعة من نسل الحسين بن عليّ ، وهو قول كافة الشيعة الجعفرية من الإمامية .
                  قال في الغدير : "فأئمةُ العترة أَعْدَالُ الكتابِ في العلم والهداية بهذا النص الأغرّ ، وهم مفسروه والواقفون على مغازيه ورموزه" (4) ،
                  وفيما يروى من حديث الخليفة المأمون والإمام عليّ الرضا ، أنّ المأمون سأل الإمام وبحضرتهما العلماء والوجوه : مَن
                  __________
                  (1) كتاب ألستم من آل البيت ، صفحة 26 .
                  (2) سنن الترمذي (5/662، برقم3786 ، 5/663،برقم 3788) .
                  (3) وصنفت مؤلفات حول هذا الحديث لا سيما الشيعة الجعفرية ، منها كتاب حديث الثقلين وفقهه للدكتور علي السالوس في جامعة قطر ، وحديث الثقلين للسيد علي الحسيني الميلاني من الشيعة يرد فيه على الشيخ عليّ السالوس في كتيبه ، وحديث الثقلين للوشنوي من الشيعة أيضاً.
                  (4) موسوعة الغدير الجزء الثالث .

                  العترة الطاهرة؟ فقال الرضا - عليه السلام - : الذين وصفهم الله في كتابه فقال - عز وجل - : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } وهم الذين قال رسول الله : ((إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يَرِدَا علَيَّ الحوضَ فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)) .
                  فقالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الآل أم غير الآل؟
                  فقال الرضا - عليه السلام - : هم الآل .
                  فقالت العلماء : فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال : ((أمتي آلي)) وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه : ((آل محمد أمته)) (1).
                  فقال أبو الحسن - عليه السلام - : أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا : نعم ، قال : فتحرم على الأمة ؟ قالوا : لا ، قال : هذا فرق ما بين الآل والأمة ، ويحكم أين يذهب بكم أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون؟ أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم (2) .
                  قال الملا عليّ القاري في شرح الشفا : "المراد بعترته أخصّ قرابته ، والتمسك بعترته محبتهم ومتابعة سيرتهم (3) ، وقالت الشيعة : لأن غير هؤلاء لم تثبت له عصمة ، فالخطأ عليه وارد، ومادام أن الخطأ عليه وارد فلا يجوز إذن أن يكون من الثقلين الذين أمرنا بالتمسك بهما حيث أن أحدهما عِدْلُ الآخر " (4) .
                  قالوا : في عيون الاخبار في باب ذكرمجلس الرضا مع المأمون في الفرق بين العترة والامة حديث طويل وفيه فقال المأمون : من العترة الطاهرة؟
                  فقال الرضا : الذين وصفهم الله تعالى في كتابه فقال تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } وهم الذين قال رسول الله : انى مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى أهل الا وانهما لن يفترقا حتى يَرِدَا على الحوض فانظروا كيف تخلفونى فيهما ، ايها الناس لا تعلموهم فانهم أعلم منكم ، وقالوا : وفي امالى الصدوق
                  __________
                  (1) الخبر في طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني من كلام جابر لم يرفعه ( 2/303،ترجمة رقم225/8 ) .
                  (2) بحار الأنوار الجزء الخامس و العشرون ، ويستفاد من كلامه هذا ؛ أن العترة والآل سيان في اصطلاح الحديث أي الشرع ، ولكنهما قد يفترقان في الإصطلاح الشرعي كما في مقام تحريم الزكاة ، وقد تعرض هو هنا لذكر مقام الزكاة ، فلا يظن به التلفيق ، لأنه لما سئل عن العترة و الآل أجاب بالموافقة ، ولما سئل عن الأمة و الآل انتقل إلى مقام تحريم الزكاة وأجاب بالمباينة إفحاماً للخصم ، لأن الخصم أراد إبطال كون الآل يراد به القرابة والسبب النسبي بالمرة ، فأجاب بما يقطع على الخصم أنفاسه ، ولا يعني كلامه أن الأمة لا يتأتى لها أن تراد بلفظة الآل لغةً أو حتى شرعاً ، فهذا لا يقول به عاقل ، ولكن المجادلة كانت في اصطلاحات مقامات شرعية مخصوصة يستحيل أن يتأتى معها إرادة الأمة ، ولو كان مقام الصلاة الإبراهيمية لربما استسيغ منهم ذلك.
                  (3) شرح الشفا (2/82) .
                  (4) وللقطب الراوندي منهم كتاب بعنوان ( ألقاب النبي m وعترته ) وقصد بالعترة المعصومون الأربعة عشر .

                  رحمه الله باسناده إلى ابى بصير قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام : مَن آلُ محمد؟
                  قال : ذريته .
                  قلت : مَن أهلُ بيته؟
                  قال : الائمة الاوصياء .
                  فقلت : مَن عترته؟
                  قال : أصحاب العباء .
                  فقلت : من امته؟
                  قال : المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند الله - عز وجل - المتمسكون بالثقلين الذين امروا بالتمسك بهما كتاب الله وعترته أهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وهما الخليفتان على الامة بعد رسول الله (1) .
                  قالت الشيعة الجعفرية في معنى حديث الثقلين : "هو يدل على اتصال أمر حُجج الله عليهم السلام إلى يوم القيامة ؛ وأنّ القرآن لا يخلو مِن حُجة مقترن إليه من الأئمة الذين هم العترة عليهم السلام يعلم حكمه إلى يوم القيامة لقوله: ((لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)) وهكذا قوله : ((إنّ مثلهم كمثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة)) تصديق لقولنا "إن الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه ظاهر مشهور أو خاف مغمور لئلا تبطل حجج الله - عز وجل - وبيناته" وقد بين النبيُّ من العترة المقرونة إلى كتاب الله - عز وجل - إذ قال : ((إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كهاتين)) ـ وضم بين سبابتيه ـ فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاريّ وقال : يا رسول الله من عترتك؟ قال : ((عليّ والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة))" (2) ، قالوا : ومهما يقال في العترة من تفسير فإنّ هؤلاء الأئمة يكونون مرادون حتماً في كل قول ؛ فكلُّ أحدٍ من أهل القبلة مسلم بإمامتهم .
                  و من أدلتهم في ذلك أنهم يستدلون بخطبة للإمام عليّ كرّم الله وجهه ، يقول : ".. وخلّف فينا راية الحقِّ ؛ مَن تقدّمها مَرَقَ ؛ ومَن تخلّف عنها زهق ؛ ومن لزمها لحق ؛ دليلها مَكِيثُ الكلام ؛ بطيءُ القيام ؛ سريعٌ إذا قام .. ألا إنّ آل محمد كمثل نجوم السماء ؛ إذا خوى نجمٌ طلع نجمٌ .." (3) قالوا : المقصود من راية الحق ؛ الثقلان المخلّفان بعد رسول الله وهما الكتاب والعترة ؛ والعترة ليس إلاَّ أهل بيت النبوة ؛ وهم ليسوا سوى آل محمد الذين هم كنجوم
                  __________
                  (1) أنظر مثلاً تفسير نور الثقلين سورة الأحزاب المجلد الرابع .
                  (2) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق .
                  (3) شرح نهج البلاغة ( المجلد الرابع ؛ جزء 7/63 ) .

                  السماء أو بروجها .
                  وهذا القول رواه القوم عن أم المؤمنين أم سلمة المخزومية زوج رسول الله ؛ إذ لما سألها السائل: فمن أهل بيته؟ قالت: أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم؟ قالت : هم الائمة بعده كما قال : عدد نقباء بنى اسرائيل ؛ عليّ ؛ وسبطاه ؛ وتسعة من صلب الحسين ؛ هم أهل بيته هم المطهرون والائمة المعصومون . (1)
                  القول الثالث : هم العلماء الربانيون من الأسباط ؛ لأن العترة تعني خواص أهل بيته .
                  قال به بعض أهل العلم .
                  القول الرابع : هم أهل بيته الأقربون ، وهم أولاده وأولاد عليّ بن أبي طالب - عليه السلام - خاصة من فاطمة عليها السلام خاصة وإنْ نزلوا بمعنى أنهم الأسباط , فالمراد العلماء منهم والصالحين ، وهو قول لأهل السنة ، وللشيعة الجعفرية ، وهو قول الشيعة الزيدية ، فليس المراد عامة الهاشميين .
                  فلفظ أهل البيت ولفظ العترة لا يعنيان لدى فقهاء الزيدية سوى الأسباط ذرية الحسن والحسين عليهما السلام ، قالوا : ومنه قوله : ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة)) وهذا يبين المراد من العترة ، لأنه بدل من العترة ؛ بدل كل من كل ؛ أو بياناًً لها ، فهو تفصيل بعد إجمال ، وعلى التقديرين يكون متحداً معه ؛ فحيث لم تدخل النساء في الأول لم تدخل في الثاني.
                  القول الخامس : هم بنو هاشم بن عبد مناف الذين حرمتْ عليهم الزكاة، ولا يختلف الحال لو قلت هم : بنو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، لأنه ليس لهاشم بقية من غير عبد المطلب ، إلاّ أنّ الأحوط أن يقال بنو هاشم ، لأن لهاشم بقية من قبل النساء ، وفي أبناء الهاشميات لدى الفقهاء مسائل ، وهذا قولٌ لأهل السنة ، وبه تقول الشيعة الراوندية شيعة بني العبّاس بن عبد المطلب .
                  القول السادس : هم قريش كلها ، وهو قولٌ لشرذمة قليلة من أهل السنة، وهو قولٌ لنواصب قريش كالأمويّة وغيرها ممن نحى نحوهم كالزبيرية .
                  وصحّح بعض متأخري الحنابلة أن العترة عامة قريش ولكنهم كأنهم لا يقولون بهذا القول في خصوص هذا الحديث (2) .
                  القول السابع : هم الأئمة السبعة للشيعة الإسماعليّة ، وهو قول الشيعّة الإسماعليّة .
                  __________
                  (1) كفاية الأثر في التنصيص على أن الأئمة اثنى عشر ؛ لأبي القاسم القمي صفحة 239
                  (2) الكافي لابن قدامة (2/462) ، المبدع (5/347) ، المغني لابن قدامة (6/133) .

                  القول الثامن : هم قرابته وأزواجه .
                  ذكره المُلا عليّ القاري في شرح الشفا قولاً لأهل السنة ولم يعزه لأحدٍ منهم ؛ فهو من المراسيل ؛ واللغة لا تعضده (1) ، وحكاه وجهاً في القبول محمد ناصر الدين الألبانيّ من أهل السنة في سلسلته الصحيحة قال : "الوجه الأول : أن المراد من الحديث في قوله : ((عترتي)) أكثر مما يريده الشيعة ؛ ولا يردّه أهلُ السنة ؛ بل هم مستمسكون به ؛ ألا وهو أن العترة فيه هم أهل بيته ؛ وقد جاء ذلك موضحاً في بعض طرقه كحديث الترجمة : ((وعترتي أهل بيتي)) ؛ وأهل بيته في الأصل هم نساؤه وفيهنّ الصديقة عائشة رضي الله عنهنّ جميعاً ؛ كما هو صريح قوله تعالى في الأحزاب : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } ؛ بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها : {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} ؛ وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعليّ ؛ وفاطمة ؛ والحسن ؛ والحسين - رضي الله عنهم - دون نسائه من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصاراً لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه ؛ وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية ودخول عليّ وأهله فيها ؛ كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره ؛ وكذلك حديث العترة قد بين النبي أن المقصود أهل بيته بالمعنى الشامل لزوجاته وعليّ وأهله ؛ ولذلك قال التوربشتيّ كما في المرقاة : عترة الرجل : أهل بيته ورهطه الأدنون ؛ ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بيّنها رسول الله بقوله : ((أهل بيتي)) ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدْنَيْن وأزواجه " . (2)
                  القول التاسع : هم خواص أمته ؛ العلماء ؛ الذين يتتبعون أخباره وآثاره من سيره وسيرته ؛ قالوا : فكأنه قال : أوصيكم بالكتاب والسنة .
                  ذكره عليّ القاري في شرح الشفا عن بعض أهل السنة ولم يعزه لأحدٍ منهم (3) ؛ فهو من المراسيل ، كما قال بعضهم :
                  أهلُ الحديثِ هم أهل النبيِّ ، وإنْ ... لم يصحبوا نفسه ؛ أنفاسه صحبوا
                  وفي الحقيقة إنّ قائل هذا البيت كأنه يشير إلى أن أهل النبيّ هم أصحابه لا قرابته ؛ وليت شعري لما كلُّ هذا الحرص على تأويل مصطلحات الشريعة؟ أفي هذه المصطلحات أسرار عرفوها و جهلناها نحن؟ أماذا يا ترى؟ .
                  __________
                  (1) شرح الشفا (2/357) .
                  (2) السلسلة الصحيحة للألباني ( 4/355 ،برقم 1761 ) .
                  (3) شرح الشفا (2/357،82) .

                  وهذا القول حكاه الألبانيّ في سلسلته الصحيحة وجهاً لديه في القبول قال : " الوجه الآخر : أن المقصود من (أهل البيت) إنما هم العلماء ؛ الصالحون منهم ؛ والمتمسّكون بالكتاب والسنة ؛ قال الإمام أبو جعفر الطحاويّ رحمه الله تعالى : « العترة هم أهل بيته ؛ الذين (هم) على دينه ؛ وعلى التمسك بأمره » ، وذكر نحوه الشيخ عليّ القاريء ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله : «إن أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله ؛ فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته ؛ الواقفون على طريقته ؛ العارفون بحكمه وحكمته ؛ وبهذا يصلح أن يكون مقابلاً لكتاب الله سبحانه كما قال : {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}» قلتُ ـ أي الالبانيّ ـ : ومثله قوه تعالى في خطاب أزواجه في آية التطهير المتقدمة : {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} ، فتبين أن المراد بـ (أهل البيت) المتمسكين منهم بسنته ؛ فتكون هي المقصودة بالذات في الحديث ؛ ولذلك جعلها أحد الثقلين في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن ؛ وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في النهاية : "سماهما ثقلين لأنّ الأخذ بهما (يعني الكتاب والسنة) والعمل بهما ثقيل ؛ ويقال لكل خطير نفيس ثقل ، فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما" ؛ قلتُ ـ أي الألبانيّ ـ : والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته في قوله : ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ...)) قال الشيخ القاريء : «فإنهم لم يعملوا إلاّ بسنتي ؛ فالإضافة إليهم ؛ إما لعملهم بها ؛ أو لاستنباطهم واختبارهم إياها» ، إذا عرفتَ ما تقدم فالحديث شاهدٌ قويٌ لحديث الموطأ بلفظ : ((تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما ؛ كتاب الله وسنة رسوله)) ، وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض مَنْ سوّد صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ، والله المستعان". (1)
                  __________
                  (1) سلسلة الأحاديث الصحيح (4/360 ـ 361 ، برقم 1761) ؛ و يمكنك الرجوع إلى مشكل لآثار للطحاوي و قد رجعتُ أنا إليه (4/254 ، باب رقم 548) .

                  تعليق


                  • #10
                    الكتاب للتحميل


                    http://www.4shared.com/office/ybIRTV_N/______.html




                    كتب آخرى لنفس المؤلف
                    كتاب/ تلفيقات الإسلاميين في التعريف بآل محمد

                    http://www.m5zn.com/share-031811090317fzfmowiog89lq
                    تحميل الملف في تعريف آل محمد.pdf من هنا


                    كتاب / تعريف الآل في اللغة
                    http://www.m5zn.com/files-031811100301c059zwxx- في اللغة.pdf

                    تعليق


                    • #11
                      السيدة صاحبة الموضوع ..
                      المنتديات ليست مكان لقراءة كتب .. بل لنقاش الأفكار .. يمكن عرض فكرة الكتاب وأهم بنوده في شكل ملخص

                      في انتظار ملخص لك حول الموضوع .. أو يترك للإدارة لترى هل يترك أم يحذف ..

                      تحياتي ..

                      تعليق


                      • #12
                        هل ترى في محتواه مخالفة شرعية؟

                        تعليق

                        مواضيع ذات صلة

                        تقليص

                        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                        ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 16 فبر, 2023, 02:50 ص
                        رد 1
                        39 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
                        ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 28 يون, 2021, 12:22 م
                        ردود 0
                        3,140 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة وداد رجائي
                        بواسطة وداد رجائي
                         
                        ابتدأ بواسطة محمد بن يوسف, 1 أكت, 2018, 12:57 م
                        ردود 0
                        360 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة محمد بن يوسف
                        بواسطة محمد بن يوسف
                         
                        ابتدأ بواسطة زين العابدين الجزائري, 21 أغس, 2015, 11:17 ص
                        ردود 0
                        1,502 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة زين العابدين الجزائري  
                        ابتدأ بواسطة عمار خليفة, 18 أغس, 2015, 09:38 م
                        ردود 2
                        1,278 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة عمار خليفة
                        بواسطة عمار خليفة
                         
                        يعمل...
                        X