الإعجاز التأثيرى للقرآن الكريم .. (( الجزء الأول ))

تقليص

عن الكاتب

تقليص

solema مسلم اكتشف المزيد حول solema
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإعجاز التأثيرى للقرآن الكريم .. (( الجزء الأول ))

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الإعجاز التأثيري للقرآن الكريم



    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله
    وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين وبعد

    فإن للقرآن الكريم تأثير غير محدود فله تأثير على الملائكة والجن والرسل والمؤمنين به وأهل الكتاب وغيرهم بل لو نزل القرآن الكريم على جبل لتأثر بالقرآن وسنرى في هذا البحث أنواع الإعجاز التأثيري في القرآن الكريم.


    الجزء الأول: الإعجاز التأثيري للقرآن الكريم



    وينقسم إلى أنواع، وفي هذا البحث شرعنا بمقدمة عن الإعجاز التأثيري للقرآن الكريم التعاريف والتأصيل
    ثم شرعنا فى عرض هذه الأنواع منها

    1-تأثير القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم
    2-تأثير القرآن الكريم على الملائكة
    3-تأثير القرآن الكريم على الجن.
    4-تأثير القرآن الكريم على المشركين


    وبقية الأنواع في المبحث الثاني


    ومن العنوان سنتطرق أولاً إلى المقصود بالإعجاز ثم معنى التأثير والمراد بالقرآن الكريم وعلاقة بعضهما ببعض


    أولاً: معنى الإعجاز لغة واصطلاحاً:



    لغة: «الفوت والسبق. يقال أعجزني فلانٌ، أي فاتني، وقال الليث: أعجزَني فلانٌ، إذا عَجزتَ عن طلبه وإدراكه»
    ([1]).والإعجاز اصطلاحاً في الكلام هو:«أن يؤدي المعنى بطريق هو أبلغ من جميع ما عداه من الطرق»([2])
    أما «حد الإعجاز هو أن يرتقي الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضته»([3])

    والمقصود بالتأثيري: «الأَثر بالتحريك ما بقي من رسم الشيء والتأْثير إِبْقاءُ الأَثر في الشيء وأَثَّرَ في الشيء ترك
    فيه أَثراً«([4])والقرآن:هو«كلام الله تعالى المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المتعبدُ بتلاوته»([5]).
    وزاد بعضهم في التعريف على قلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أخذاً من قوله تعالى:

    ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
    [البقرة: 97] وقوله تعالى:﴿َإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ*نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ
    *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾[الشعراء: 192- 195]

    والقرآن الكريم هو المعجزة الباقية إلى قيام الساعة لأن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظه قال تعالى:
    ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر: 9]وتحدى الله عز وجل الإنس والجن على أن يأتوا بمثل
    هذا القرآن فقال تعالى:﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ﴾[الطور: 34] فإذا تشككوا في مصدر
    القرآن أو ظنوا أن محمد اختلقه واكتتبه فهذا الجواب وتحداهم مرة أخرى في قوله تعالى:
    ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾
    [هود: 13] ثم تحداهم مرة أخرى ولو حتى بسورة

    ____________________________________


    [1]- تهذيب اللغة، 1/219.
    [2]- التعريفات، 1/47.
    [3]- التعريفات، 1/112.
    [4]- لسان العرب، 4/5.
    [5]- علوم القرآن لابن عبد البر، 1/62.

  • #2
    واحدة فقال تعالى﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة : 23]
    ثم تلا هذه الآية بآية أخرى وفيها الإخبار بأن النتيجة ستكون العجز قال تعالى:﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾[البقرة: 24]


    وفي هذه الآيات إشارة واضحة على أن هذا القرآن من عند الله وكم حاول الكفار وأصحاب الدعاوى الباطلة مضاهاة القرآن لكنهم عجزوا ، ومن أمثلة ذلك «حكى النقاش أن أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن فقال: نعم أعمل مثل بعضه فاحتجب أياماً كثيرة ثم خرج فقال: والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث وحلل تحليلا عاما ثم استثنى بعد استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا»([1])والمقصود بالآية التي اطلع عليها هذا الفيلسوف قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾[المائدة: 1]

    وهذا مسيلمة الكذاب حاول مراراً أن يأتي بمثل هذا القرآن لكنه عجز .

    قال الإمام ابن كثير: «ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب, وذلك بعد ما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أي يسلم عمرو, فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال: وما هي؟ فقال: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنّ الإِنسَانَ لَفي خُسْرٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ﴾[سورةالعصر]ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال : وقد أنزل علي مثلها, فقال له عمرو: وما هو؟ فقال: (يا وبر يا وبر, إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر) ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب»([2]).فهذا الرجل في حال شركه لا يخفى عليه كلام الرحمن من الهذيان .

    ____________________________________


    [1]- فتح القدير للشوكاني، 2/5.
    [2]- تفسير ابن كثير، 4/671.

    تعليق


    • #3
      أنواع الإعجاز التأثيري

      1- تأثير القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم


      الرسول صلى الله عليه وسلم كان شديد التأثر بالقرآن الكريم ومعانيه ويظهر ذلك في أحواله المختلفة من ذلك

      أ‌-بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم تأثراً بالقرآن ومن أمثلة ذلك:

      ما ورد عن الرسول من رواية مطرف بن عبد الله عن أبيه قال : "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء"([1])
      وما وردعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "اقرأ عليّ قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النّساء، حتّى بلغت ﴿فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً﴾[النساء: 41]، قال: أمسك، فإذا عيناه تذرفان"([2])

      ب‌-القيام بالقرآن في الليل ومداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك وإطالته القيام والركوع والسجود.

      ومن ذلك ما ورد "عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: بتّ عند خالتي ميمونة فتحدّث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع أهله ساعة ثمّ رقد، فلمّا كان ثلث اللّيل الآخر قعد فنظر إلى السّماء فقال: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190)»، ثمّ قام فتوضّأ واستنّ فصلّى إحدى عشرة ركعة ثمّ أذّن بلال فصلّى ركعتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح([3])"

      وعن حذيفة رضي اللّه عنه قال: "صلّيت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثمّ مضى، فقلت: يصلّي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح النساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسّلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ"([4]).


      _________________________________________

      [1]- أخرجه أحمد في مسنده، 4/25، برقم:16355، تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.
      [2]- أخرجه البخاري في صحيحه،11/171،برقم:4582.
      [3]- أخرجه البخاري في صحيحه،11/144،برقم: 4569.
      [4]- أخرجه مسلم في صحيحه، 1/36، برقم: 772.

      تعليق


      • #4
        وعن عبيد ابن عمير:قال لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها "أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فسكتت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: (يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي) قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكورا لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ﴿إن في خلق السموات والأرض﴾الآية كلها"([1])
        فسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم كان شديد التأثر بالقرآن ويظهر ذلك من القصص الواردة عنه والمتنوعة في عباداته وأحواله المختلفة.

        2- تأثير القرآن الكريم على الملائكة

        ويظهر ذلك في استماعها لقراءة القرآن وتنزلها عند القراءة
        فقد جاء عن عبد الله بن خباب حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده إذ جالت فرسه فقرأ ثم جالت([2])أخرى فقرأ ثم جالت أيضا قال أسيد فخشيت أن تطأ يحيى فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها قال فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربد إذ جالت فرسي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير، قال: فقرأت ثم جالت أيضا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير، قال: فقرأت ثم جالت أيضا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير، قال: فانصرفت، وكان يحيى قريباً منها خشيت أن تطأه فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم ([3]).

        _________________________________________

        [1]- أخرجه ابن حبان في صحيحه،2/386، برقم: 620 و قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
        [2] - وثبت وتحركت.
        [3]- أخرجه مسلم في صحيحه، 2/194، برقم 1895.

        تعليق


        • #5
          وفي رواية أخرى "عن البراء بن عازب قال كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين([1])فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال:تلك السكينة تنزلت بالقرآن"([2])
          أما معنى السكينة فيقول النووي «هنا أشياء المختار منها: أنها شيء من مخلوقات الله تعالى فيها طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة»([3])
          فهذه الأحاديث النبوية تظهر تأثر الملائكة بالقرآن الكريم ولا عجب في ذلك لأنه كلام الله .
          وقد أقسم الله عز وجل به في القرآن لعظمته والله سبحانه وتعالى لا يقسم إلا بعظيم.

          3-تأثير القرآن الكريم على الجن.

          وقد أدى الأثر العظيم للقرآن الكريم إلى إسلام الجن وهم مكلفون وهم طوائف مختلفة وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك وهم يخبرون عن أنفسهم بقولهم ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً﴾[الجن: 11]

          ويظهر تأثرهم بالقرآن الكريم ما ورد في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم «لما انصرف من الطائف راجعاً إلى مكة حين يئس من خبر ثقيف، حتى إذا كان بنخلة، قام من جوف الليل يصلي، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تعالى، وكانوا سبعة نفر من جن أهل نصيبين، فاستمعوا لتلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من صلاته، ولَّوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا، فقص الله تعالى خبرهم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[الأحقاف: 29،30]»([4])

          يقول سيد قطب
          في تفسير هذه الآية: «ويرسم النص مشهد هذا النفر وهم ما بين ثلاثة وعشرة وهم يستمعون إلى هذا القرآن، ويصور لنا ما وقع في حسهم منه، من الروعة والتأثر والرهبة

          ________________________________________

          [1]- تثنية شطن وهو الحبل الطويل، 6/81.
          [2]- أخرجه البخاري في صحيحه، 12/455، برقم :5011.
          [3]- شرح النووي على مسلم، 3/148.
          [4]- السيرة النبوية للصلابي،1/331.

          تعليق


          • #6
            والخشوع. ﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا . . وتلقي هذه الكلمة ظلال الموقف كله طوال مدة الاستماع ، ﴿فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنْذِرِينَ
            وهذه كتلك تصور الأثر الذي انطبع في قلوبهم من الإنصات للقرآن. فقد استمعوا صامتين منتبهين حتى النهاية، فلما انتهت التلاوة لم يلبثوا أن سارعوا إلى قومهم، وقد حملت نفوسهم ومشاعرهم منه ما لا تطيق السكوت عليه، أو التلكؤ في إبلاغه والإنذار به، وهي حالة من امتلأ حسه بشيء جديد، وحفلت مشاعره بمؤثر قاهر غلاب، يدفعه دفعاً إلى الحركة به والاحتفال بشأنه، وإبلاغه للآخرين في جد واهتمام»([1])


            وتظهر الآية الكريمة شدة تأثر الجن بالقرآن قال تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾[الجن: 1-3]. فأصبح في عالم الجن دعاة يبلغون دعوة الله تعالى: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[الأحقاف: 31]. وهذا كله من تأثير القرآن الكريم.

            وقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم داعي الجن لاستماع القرآن فجاء فيه "عن عامر قال سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الجن؟ قال فقال علقمة أنا سألت ابن مسعود فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال لا ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا أستطير أو اغتيل قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء قال فقلنا يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً وكل بعرة علف لدوابكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم"([2]).

            ____________________________________

            [1]- ظلال القرآن، 1/428.
            [2]- أخرجه مسلم، 1/332، برقم: 450.

            تعليق


            • #7
              4-تأثير القرآن الكريم على المشركين

              إن أشد الناس عداوة للمسلمين على مر الزمان اليهود والذين أشركوا ولذلك قامت الحروب المتواصلة بينهم وبين المسلمين، وقد بين الله سبحانه وتعالى لنا عداوتهم بقولهَ ﴿لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾[المائدة: 82] ومع هذه العداوة الشديدة فإن المشركين كانوا يتأثرون بالقرآن، ويظهر ذلك في الآتي:


              نماذج من تأثر المشركين بالقرآن

              أ‌- تأثيره على الوليد بن المغيرة واعترافه بذلك

              ومن ذلك ما جاء في الحديث "أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: ياعم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً قال: لم ؟ قال : ليعطوكه فإنك أتيت محمداً لتعرض لما قبله قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك إنك منكر له أو إنك كاره له قال: وماذا أقول فو الله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيدة مني ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وأن عليه لطلاوة وأنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وأنه ليعلو وما يعلى وأنه ليحطم ماتحته قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال: فدعني حتى أفكر فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت : ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾[المدّثر: 11]"([1])

              ب‌-تأثيره على عتبة بن ربيعة

              و هذا "عتبة بن ربيعة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم أوائل سورة فصلت، فرجع إلى قريش قائلاً: إني واللهِ قد سمعت قولاً ما سمعتُ بمثلِه قط،
              _____________________________________

              [1]- أخرجه الحاكم في المستدرك، 2/550، برقم: 3872. وقال فيه هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري و لم يخرجاه
              تعليق الذهبي قي التلخيص : على شرط البخاري
              .

              تعليق


              • #8
                والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي، خلّوا بين هذا الرجل وبينَ ما هو فيه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعتُ نبأ" ([1]).

                فهذا الاعتراف من أشد الناس عداوة لهذا الدين لهو دليل قاطع لتأثير القرآن الكريم عليهم على الرغم من شركهم.

                ج - تأثيره على أبي جهل والأخنس بن شريق وأبي سفيان حال الشرك

                خروج بعض المشركين في الليل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ليستمعوا للقرآن الكريم وذلك لشدة تأثرهم بالقرآن مع أنهم غير مؤمنين به.
                فقد ورد في سيرة ابن إسحاق عن الزهري قال: « حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته وأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا أصبحوا أو طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودن لو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقالوا لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصا ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال حدثني يا أبا حنظله عن رأيك فيما سمعت من محمد فقال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وأشياء ما أعرف معناها ولا ما يراد بها فقال الأخنس وأنا والذي حلفت له به ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد فقال ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى تدرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه فقام عنه الأخنس بن شريق»([2])

                فمن هذه القصة يتضح أن عدم إسلام أبو جهل سببه الكبر بعد معرفة الحق والاعتراف بتأثير القرآن الكريم والذي يدل على أنه من عند الله.

                ____________________________________

                [1]- تهذيب سيرة ابن هشام،1/81، ودلائل النبوة للبيهقي، 2/205.
                [2]- سيرة ابن اسحاق،4/170.

                تعليق


                • #9
                  ومن مظاهر تأثر المشركين بالقرآن الكريم الآتي:

                  أ- محاولة المشركون الصد عن سماع القرآن الكريم

                  وذلك لتأثير القرآن الكريم على سامعيه ومن ذلك لما كان أبو بكر يقرأ في فناء داره وكان النساء والأطفال يأتون فيستمعون له ويتأثرون به خافوا من ذلك وأمروه أن لا يرفع صوته بالقرآن


                  عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ...لما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا برك الغماد([1])لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي، قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق، فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فلبث بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان ... الحديث([2])
                  ومن شدة تأثيره على المشركين تواصوا فيما بينهم بقولهم كما أخبرنا الله عز وجل عنهم: ﴿وقَالَ الذينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لهذا القُرآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾[فصلت: 26 ].


                  وكما جاء في تفسير هذه الآية بأنها حكاية لما فعله بعض قريش كأبي جهل وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن في المسجد الحرام ويصغي إليه الناس من مؤمن وكافر

                  _______________________

                  [1] - موضع من وراء مكة بخمس ليال بناحية الساحل.
                  [2]- أخرجه البخاري في صحيحه،3/1417، برقم:3692.

                  تعليق


                  • #10
                    فخشي الكفار استمالة القلوب بذلك فقالوا: متى قرأ محمد فلنلغط نحن بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والإرجاز حتى يخفى صوته ولا يقع الاستماع منه ([1]).

                    ب- إسلام بعض الكافرين تأثراً بالقرآن

                    مر معنا أن المشركين حاولوا الصد عن سماع القرآن وكيف لا يخافون من شدة تأثر الناس بالقرآن وهم يرون الناس يتأثرون بالقرآن ومن ثم النتيجة الإيمان بالقرآن ومن ذلك عمر بن الخطاب يخرج يريد قتل محمد صلى الله عليه وسلم ومجرد قراءته لبعض الآيات يسلم وهذه القصة كما وردت: جاء عن ابن إسحاق قال: «ثم إن قريشا بعثت عمر بن الخطاب وهو يومئذ مشرك في طلب رسول الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم في دار في أصل الصفا ولقيه النحام وهو نعيم بن عبد الله بن أسد أخو بني عدي ابن كعب قال وأسلم قبل ذلك وعمر متقلد سيفه فقال: يا عمر أين تراك تعمد؟ فقال: أعمد إلى محمد هذا الذي سفه أحلام قريش وسفه آلهتها وخالف جماعتها، فقال له النحام: والله لبئست الممشى مشيت يا عمر ولقد فرطت وأردت هلكة بني عدي بن كعب أو تراك تنفلت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً صلى الله عليه وسلم فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما فقال له عمر: إني لأظنك قد صبأت ولو أعلم ذلك لبدأت بك فلما رأى النحام أنه غير منته قال: فإني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك فلما سمع عمر تلك المقالة بقولها قال: وأيهم؟ قال: ختنك وابن عمك وأختك، فانطلق عمر حتى أتى أخته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته الطائفة من أصحابه من ذوي الحاجة نظر إلى أولي السعة فيقول عندك فلان فليكن إليك فوافق ذلك ابن عم عمر وختنه زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت مولى ثابت بن أم أنمار حليف بني زهرة وقد أنزل الله عز وجل ﴿طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾[طه: 1-3] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ليلة الخميس فقال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام، فقال ابن عم عمر وأخته: نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر فكانت فأقبل عمر حتى انتهى إلى باب أخته ليغير عليها ما بلغه من إسلامها فإذا خباب بن الأرت عند أخت عمر يدرس عليها طه ويدرس عليها إذا الشمس كورت وكان المشركون يدعون الدراسة الهيمنة فدخل عمر فلما أبصرته أخته عرفت الشر في وجهه فخبأت الصحيفة وراغ خباب فدخل البيت فقال عمر لأخته: ما هذه الهيمنة في بيتك؟ قالت: ما عدا حديثاً يتحدث به بيننا فعذلها وحلف ألا يخرج حتى تبين شأنها فقال له زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: إنك لا تستطيع أن تجمع الناس على هواك

                    __________________________
                    [1]- المحرر الوجيز، 5/12.

                    تعليق


                    • #11
                      فخشي الكفار استمالة القلوب بذلك فقالوا: متى قرأ محمد فلنلغط نحن بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والإرجاز حتى يخفى صوته ولا يقع الاستماع منه ([1]).

                      ب- إسلام بعض الكافرين تأثراً بالقرآن

                      مر معنا أن المشركين حاولوا الصد عن سماع القرآن وكيف لا يخافون من شدة تأثر الناس بالقرآن وهم يرون الناس يتأثرون بالقرآن ومن ثم النتيجة الإيمان بالقرآن ومن ذلك عمر بن الخطاب يخرج يريد قتل محمد صلى الله عليه وسلم ومجرد قراءته لبعض الآيات يسلم وهذه القصة كما وردت: جاء عن ابن إسحاق قال: «ثم إن قريشا بعثت عمر بن الخطاب وهو يومئذ مشرك في طلب رسول الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم في دار في أصل الصفا ولقيه النحام وهو نعيم بن عبد الله بن أسد أخو بني عدي ابن كعب قال وأسلم قبل ذلك وعمر متقلد سيفه فقال: يا عمر أين تراك تعمد؟ فقال: أعمد إلى محمد هذا الذي سفه أحلام قريش وسفه آلهتها وخالف جماعتها، فقال له النحام: والله لبئست الممشى مشيت يا عمر ولقد فرطت وأردت هلكة بني عدي بن كعب أو تراك تنفلت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً صلى الله عليه وسلم فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما فقال له عمر: إني لأظنك قد صبأت ولو أعلم ذلك لبدأت بك فلما رأى النحام أنه غير منته قال: فإني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك فلما سمع عمر تلك المقالة بقولها قال: وأيهم؟ قال: ختنك وابن عمك وأختك، فانطلق عمر حتى أتى أخته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته الطائفة من أصحابه من ذوي الحاجة نظر إلى أولي السعة فيقول عندك فلان فليكن إليك فوافق ذلك ابن عم عمر وختنه زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت مولى ثابت بن أم أنمار حليف بني زهرة وقد أنزل الله عز وجل ﴿طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾[طه: 1-3] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ليلة الخميس فقال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام، فقال ابن عم عمر وأخته: نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر فكانت فأقبل عمر حتى انتهى إلى باب أخته ليغير عليها ما بلغه من إسلامها فإذا خباب بن الأرت عند أخت عمر يدرس عليها طه ويدرس عليها إذا الشمس كورت وكان المشركون يدعون الدراسة الهيمنة فدخل عمر فلما أبصرته أخته عرفت الشر في وجهه فخبأت الصحيفة وراغ خباب فدخل البيت فقال عمر لأخته: ما هذه الهيمنة في بيتك؟ قالت: ما عدا حديثاً يتحدث به بيننا فعذلها وحلف ألا يخرج حتى تبين شأنها فقال له زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: إنك لا تستطيع أن تجمع الناس على هواك

                      __________________________
                      [1]- المحرر الوجيز، 5/12.

                      تعليق


                      • #12
                        يا عمر وإن كان الحق سواه فبطش به عمر فوطئه وطيا شديداً وهو غضبان فقامت إليه أخته تحجزه عن زوجها فنفحها عمر بيده فشجها فلما رأت الدم قالت: هل تسمع يا عمر أرأيت كل شيء بلغك عني مما يذكر من تركي آلهتك وكفري باللات والعزى فهو حق أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله فائتمر أمرك واقض ما أنت قاض فلما رأى ذلك عمر سقط في يديه فقال عمر لأخته: أرأيت ما كنت تدرسين أعطيك موثقاً من الله لا أمحوها حتى أردها إليك ولا أرتبك فيها فلما رأت ذلك أخته ورأت حرصه على الكتاب رجت أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم له فقالت: إنك نجس ولا يمسه إلا المطهرون ولست آمنك على ذلك فاغتسل غسلك من الجنابة وأعطني موثقاً تطمئن إليه نفسي ففعل عمر فدفعت إليه الصحيفة وكان عمر يقرأ الكتاب فقرأ ﴿طه﴾حتى إذا بلغ ﴿إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:15،16]وقرأ ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾[التكوير: 1] حتى بلغ ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ﴾ [التكوير: 14] فأسلم عند ذلك عمر فقال لأخته وختنه كيف الإسلام؟ قالا: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وتخلع الأنداد، وتكفر باللات

                        والعزى، ففعل ذلك عمر"
                        ([1])


                        وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يُحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشى إليه رجال من قريش وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً فقالوا له: يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وقد فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا، قال: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً فرقاً من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه، قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، قال: فقمت منه قريباً فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، قال: فسمعت كلاماً حسناً، قال: فقلت في نفسي واثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفي علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن اسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته وإن كان قبيحاً تركته، قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا فو الله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني






                        بكرسف لئلا أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك فسمعته قولاً حسناً فاعرض علي أمرك، قال: فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا علي القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه ولا أمراً أعدل منه، قال فأسلمت , وشهدت شهادة الحق (2):




                        وكذلك كان السبب في إسلام كثير من الصحابة التأثر بالقرآن الكريم

                        أما من لم يسلم فقد بين تعالى سبب عدم استفادتهم بما يسمعون في قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[الجاثية:7-9].
                        فأوضح أن الكبر هو المانع من الاستجابة والجزاء من جنس العمل قال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً﴾ [الكهف:57].





                        __________________________________




                        [1]- سيرة ابن إسحاق، 2/160-162.

                        [2]- السيرة النبوية لابن هشام،2 /227،226.



                        إعداد : عبد الكريم على الفهدى
                        مراجعة : د. قسطاس إبراهيم النعيمي



                        تعليق

                        مواضيع ذات صلة

                        تقليص

                        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                        ابتدأ بواسطة Islam soldier, 12 أكت, 2023, 07:10 م
                        ردود 3
                        65 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة Islam soldier
                        بواسطة Islam soldier
                         
                        ابتدأ بواسطة Islam soldier, 10 أغس, 2023, 04:28 ص
                        رد 1
                        81 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة Islam soldier
                        بواسطة Islam soldier
                         
                        ابتدأ بواسطة لخديم, 4 مار, 2023, 05:02 م
                        ردود 0
                        32 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة لخديم
                        بواسطة لخديم
                         
                        ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 3 أكت, 2022, 01:26 ص
                        ردود 0
                        84 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                        بواسطة *اسلامي عزي*
                         
                        ابتدأ بواسطة د. أحمد نصر الدين, 23 مار, 2022, 12:53 م
                        ردود 0
                        1,565 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة د. أحمد نصر الدين  
                        يعمل...
                        X