الإعجاز العلمي حقيقة لا وهم ... ونتحدى

تقليص

عن الكاتب

تقليص

أحمد عبدالله. مسلم اكتشف المزيد حول أحمد عبدالله.
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإعجاز العلمي حقيقة لا وهم ... ونتحدى

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قال الله :

    "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " فصلت 53


    الإعجاز العلمي... ما إن تدق بابه بهذه الآية حتى تدرك أنك على عتبة عالم هز عرش الملحدين من حيث لا يشعرون. يدعون أن العلم قد حرر الناس من سلاسل الجهل ومن أساطير الأولين، فالله بزعمهم ليس بخالق بل بمخلوق إبتدعه الإنسان القديم، أما الآن فالعلماء هم ورثة هذا الإله والعلم هو رسالتهم المقدسة إلى الناس فهو الفصل في كل شيء لا يقوى لأحد أن يعارضه، ومن أقدم على ذلك حكم عليه بأنه جاهل متخلف إرهابي الفكر. كل ذلك مهد الطريق أمام أعتى النظريات الملحدة التي إبتدعت باسم العلم ليفرض أصحابها إيديولوجياتهم دون أن يحتاجوا إلى فرض ذلك عبر الإستعمار العسكري. ويا للسخرية، العلم تحول من محرك للعقول إلى معطل لها، حسبنا بأن قال عالم ما كذا حتى نصدق ذلك بحرفيته. ولكن هيهات هيهات، أما قال الله: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" الأنفال 30. أما قال الله: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" الصف 8. السلاح الذي صوب إلى عقيدة المسلمين هو ذاته الذي أصبح يؤرق حامله، إنهم يتخبطون ليل نهار ليردوا عن أنفسهم ما لم يكن بالحسبان. إنه لأمر أقرب للخيال، من أين أتاهم الإعجاز العلمي؟ من أين يستمد القرآن كل هذه القوة؟ كيف تمكن هذا الكتاب الذي أنزل منذ أربعة عشر قرنًا من أن يقهر كل العقول التي سهرت لإطفاء نوره؟ أما نحن، معشر المسلمين، فلا يجب أن نستغرب من ذلك مطلقًا، إنها سنة الله في الأرض، الله ينصر دينه برجل فاسق! ها هو فرعون عدو الله بذاته إعتنى بموسى رسول الله في عقر داره على الرغم من أنه كان شديد الحرص على أن لا يولد هذا النبي، والطاغية ذاته يحشر السحرة بماله بغية أن يقهروا رسول الله، فإذا هم يدخلون في دين الله جملةً واحدةً.

    وسبحان الله، إن أول طعنة موجهة إلى الإعجاز العلمي هو إتهامه بأنه من نسيج خيال المسلمين المعاصرين: هذه الفئة التي التمست خطورة تقدم العلم على أتباع الدين لذلك كان لا بد منها إيجاد "سيناريو" لإنقاذ الوضع ولينفضوا عن كتابهم غبار الصحراء. فالآيات القرآنية- بزعمهم- تؤول بتفاسير لا أصل لها، ويردون ذلك إما لتلاعب في لغة الألفاظ أو في الحقائق العلمية. وإن فشل معهم هذا وذاك، تراهم ينكبون وراء الكتب القديمة يبحثون، بحث الغريق عن قارب النجاة، عن معلومة مماثلة قد ذكرها أحد العلماء الذين سبقوا نزول القرآن. إذًا، الإعجاز العلمي حقيقة أم وهم؟

    لا زلنا في حيرة في أن نصنف الآية التي إفتتحنا بها هذا البحث، هل هي معجزة أم مفتاح لعالم من المعجزات؟! أما قولنا معجزة فذلك لأن هذه الآية تحمل نبؤوة لا يمكن لأي قلم أن ينكرها مهما علا صريره. النبؤوة هذه قد سطرتها صيغة المستقبل في لفظة "سنريهم"، فالله سيرينا آياته- أي معجزاته أو علاماته أو دلائله- في الآفاق وفي أنفسنا، وهذا هو مثلًا تفسير إبن كثير ( 1301م-1373م ) لدلالة لفظة "آياتنا":
    "أي سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقا منزلا من عند الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلائل خارجية" .

    لن نسترسل كثيرًا في تبيان وجه الإعجاز الغيبي من هذه الآية إذ لا يخفى على أحد أن القرآن نزل في بيئة كان يسود فيها الجهل والتخلف في حين أن إنسان اليوم قد كشف عن عورة الذرة والخلية على السواء وجعل من أكثر الأجرام بعدًا عنا جارًا لأرضنا نزوره متى نشاء. كيف أخبر القرآن بأن العلم سيرقى بالبشر إلى هذه المرحلة لولا أنه وحي من الله:" فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" الذاريات 23.

    أما قولنا مفتاح لعالم من المعجزات فذلك يظهر عندما نتابع نص الآية، لماذا سيرينا الله آياته: "حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ". ولو عدنا إلى الآية التي سبقت هذه لعلمنا يقينًا أن هاء الضمير في "أنه" تعود للقرآن: "قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد" فصلت آية 52. هذه العلوم التي توصلنا إليها بعد جهد طويل ستصب في نهاية المطاف في خدمة كتاب الله، وسوف تبين أنه كتاب معجز لا يمكن لبشر أن يأتي بسورة من مثله، وسوف تؤكد صدق كل ما ورد فيه على الرغم من أنه يحتوي على معلومات لم تكن لتعرف في زمان نزوله. صرخة للمنصفين هنا! قد ننظر إلى إتهامكم علماء الإسلام العصريين بأنهم وراء فكرة الإعجاز العلمي لولا هذه الآية الواضحة الصريحة! فلنجعل القرآن حكمًا بيننا، هل أشار في موضع ما إلى حقيقة المعجزات العلمية المنتشرة فيه أم أنه ترك ذلك للمسلمين حتى يستنتجوه منه؟ كيف يسعنا أن نتبنى الإحتمال الثاني في ظل هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها؟

    وحتى لا نسمع من جديد أصوات المتعصبين الحاقدين التي تنادي بأننا نفسر هذه الآية وفقًا لأهوائنا سوف نستعرض بالتفصيل ما قاله المفسرون القدماء في هذا الصدد. ولا نخفي إنصافًا أن البعض منهم قد أولوا هذه الآية بمعنى مختلف أي إن الله سيرينا آياته في الآفاق من خلال فتوحات الإسلام في الشرق والغرب، أما آية الله في أنفسنا فهو فتح مكة. بالله عليكم، من يقوى على الإعتقاد بهذا التفسير، أليس فيه تكلف وتحميل للآية ما لا تحتمل من معنى؟ تطلبون منا أن نفسر القرآن فقط على ظاهره فالأولى بكم أن تنظروا بنفس العين إلى هذه الآية! وإن كنتم لا تصدقون إلا أقوال من قد سلف من المفسرين فإليكم بعد قليل أقوالهم في هذه الآية! وعلى الرغم من أن هذا التفسير لا ينم مطلقًا عن حقيقة المعنى فإنه يشكل بدوره معجزةً عظيمةً، إن سورة "فصلت"، حيث وردت الآية، هي سورة مكية أي أنزلت في مكة أيام عانى المسلمون ما عانوا وعذبوا وقتلوا وحوصروا... فجاء القرآن- بحسب التفسير- ليبشرهم بأنهم سيحكموا العالم بما في ذلك مكة نفسها، الأمر الذي حصل بالفعل. وكيفما أردتم أن تقلبوا بهذه الآية فستجدونها معجزةً من جميع الزوايا! حتى المفسرين الذين إعتمدوا هذا التفسير نلمس عندهم ترددًا كبيرًا، وقد عللوا ميلهم إلى التفسير الثاني- أي الفوتحات الإسلامية- دون التفسير الأول بأن الأخير غير منطقي، فكفار مكة كانوا يرون الشمس والقمر والنجوم فكيف سيرونها في المستقبل أيضًا؟ لا نلوم في ذلك الطبري ( 838م-923م )، فأنى له أن يعرف أنه بإمكاننا أن نطور علومنا لتصبح على صورتها الحالية؟ يبدو أن هذا المفسر كان يؤثر التفسير الأول من حيث الدلالة اللغوية ولكنه عاد عن قراره معللًا ذلك بتعليل لم يعد ليلقى تأييدًا ولا قبولًا في عصرنا، وهذا هو قوله:

    "وقال آخرون : عنى بذلك أنه يريهم نجوم الليل وقمره , وشمس النهار , وذلك ما وعدهم أنه يريهم في الآفاق . وقالوا : عنى بالآفاق : آفاق السماء , وبقوله : { وفي أنفسهم } سبيل الغائط والبول ... قال ابن زيد , في قوله : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم } قال : آفاق السموات : نجومها وشمسها وقمرها اللاتي يجرين , وآيات في أنفسهم أيضا . وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الأول , وهو ما قاله السدي , وذلك أن الله عز وجل وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يري هؤلاء المشركين الذين كانوا به مكذبين آيات في الآفاق , وغير معقول أن يكون تهددهم بأن يريهم ما هم راءوه , بل الواجب أن يكون ذلك وعدا منه لهم أن يريهم ما لم يكونوا راؤه قبل من ظهور نبي الله صلى الله عليه وسلم على أطراف بلدهم وعلى بلدهم , فأما النجوم والشمس والقمر , فقد كانوا يرونها كثيرا قبل وبعد ولا وجه لتهددهم بأنه يريهم ذلك ."


    وها هو إبن كثير يؤكد بشكل واضح تردده في إعتماد التفسير الأول من خلال إستخدام لفظة "ويحتمل":
    " ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى وكذلك ما هو مجبول عليه من الأخلاق المتباينة من حسن وقبح وغير ذلك".

    ثم يطل علينا السيوطي ( 1445م-1505م) في "تفسير الجلالين" والذي لم يجد حاجةً إلى ذكر قضية الفتوحات الإسلامية بل إكتفى بالتفسير الأكثر منطقية من حيث المعنى اللغوي:
    " "سنريهم آياتنا في الآفاق" أقطار السماوات والأرض من النيرات والنبات والأشجار "وفي أنفسهم" من لطيف الصنعة وبديع الحكمة "حتى يتبين لهم أنه" أي القرآن "الحق" ".

    ونعجب معًا للتفصيل الذي أورده القرطبي خاصةً وأنه لم ينس المرور على قضية علم الجنين والذي يحجز لنفسه مكانًا ليس بالقليل من الآيات القرآنية التي تحدثت عن العلوم الكونية:
    " وقال عطاء وابن زيد أيضا " في الآفاق " يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها . وفي أنفسهم " من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى سبيل الغائط والبول ; فإن الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين , وبديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين هما قطرة ماء ينظر بهما من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام , وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة . وغير ذلك من بديع حكمة الله فيه . وقيل : " وفي أنفسهم " من كونهم نطفا إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدم في " المؤمنون " بيانه ".

    وفي ختام هذا البحث، يجب أن ننبه إلى أمر في غاية الخطورة، القرآن ليس كتاب فيزياء أو كيمياء أو طبيعيات أو فلك أو ما شابه بل هو كتاب هداية يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلمات الكفر إلى نور الإسلام!

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة Islam soldier, 12 أكت, 2023, 07:10 م
ردود 3
73 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Islam soldier
بواسطة Islam soldier
 
ابتدأ بواسطة Islam soldier, 10 أغس, 2023, 04:28 ص
رد 1
112 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Islam soldier
بواسطة Islam soldier
 
ابتدأ بواسطة لخديم, 4 مار, 2023, 05:02 م
ردود 0
36 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة لخديم
بواسطة لخديم
 
ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 3 أكت, 2022, 01:26 ص
ردود 0
90 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة *اسلامي عزي*
بواسطة *اسلامي عزي*
 
ابتدأ بواسطة د. أحمد نصر الدين, 23 مار, 2022, 12:53 م
ردود 0
1,631 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة د. أحمد نصر الدين  
يعمل...
X