تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ظل ظليل مسلم اكتشف المزيد حول ظل ظليل
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

    البرهان الفطري

    « كل مولود يولد على الفطرة » حديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله وسمرة بن جندب وابن عباس والأسود بن سريع و أبو هريرة رضي الله عنهم وإنما صح من طريقه وتواتر عنه ورويت في معناه أحاديث ودلت عليه النصوص من القرآن واختلفت أنظار المليين والملاحدة و الفلاسفة والعلماء والمشايخ والفقهاء والنظارة والمفسرين وشراح الحديث ودكاترة هذا الجيل ومؤهليه في استكناه حقيقة الفطرة وتعددت المذاهب في ذلك .
    قال أبو عبد الرحمن :
    والعجيب أن الدليل الفطري من أقوى حجج الموحدين في التدليل على وجود الله وفي التدليل على علو الله وفي التدليل على قدرة الله وفي مسألة أطفال المشركين وفي بحث محاسن الإسلام ووسطيته ولكنه دليل لم يحرر ولم ينقح المفهوم ، وخطتنا هنا أن نخرج هذا الحديث ونبحث في صحة ثبوته ثم في تعدد الفاظه ثم في تخريج الأحاديث الواردة في معناه ثم في دلالة الآيات القرآنية الواردة بهذا المعنى ثم باستعراض الخلاف في ذلك ثم بتحقيق وتقرير ما نختاره من تلك الأقاويل .
    طرق هذا الحديث عن أبي هريرة :
    رواه عنه : أبو سلمة بن عبد الرحمن وحميد بن عبد الرحمن وأبو العلاء وهمام بن منبه وأبو صالح والأعرج وسعيد بن المسيب وطاووس وعمارة مولى بني هاشم واليك تخريجها .
    حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن :
    رواه عنه ابن شهاب الزهري ورواه عن الزهري الإمام ابن أبي ذئب ويونس ورواه عن يونس عبد الله بن المبارك وابن وهب .
    فأما رواية آدم عن ابن أبي ذئب عن الزهري فقال البخاري في صحيحه : حدثنا آدم حدثنا ابن أبي ذئب الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة » . ( فتح الباري 3/491 - 493م )
    وأما رواية عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري فقال البخاري : حدثنا عبدان اخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك - اخبرنا يونس عن الزهري اخبر أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من مولود إلا يولد على الفطرة .. » الخ إلا انه قال : « كما تنتج بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء » ثم يقول أبو هريرة - رضي الله عنه :
    فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ( فتح الباري ج 3 ص 465 ج 10 ص 120 ) وأما رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري فقال مسلم في صحيحه : حدثني أبو الطاهر واحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب اخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب : أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من مولود إلا ويولد على الفطرة » ثم يقول :
    اقرأوا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ( صحيح مسلم ج 8 ص 53 ) .
    حديث سعيد بن المسيب :
    رواه عنه الزهري ورواه عن الزهري الزبيدي ومعمر فأما رواية الزبيدي عن الزهري فرواها عنه محمد بن حرب ورواها عن محمد بن حرب حاجب بن الوليد وكثير بن عبيد فأما رواية حاجب بن الوليد فقال مسلم : حدثنا حاجب بن الوليد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : انه كان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه و يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء » .
    ثم يقول أبو هريرة : واقرأوا ( إن شئتم ) : فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ( صحيح مسلم ج 8 ص 52 ) .
    وأما رواية معمر فرواها عنه عبد الرزاق وإسحاق بن راهويه وعبد بن حميد . فأما رواية إسحاق فقال ابن حبان في صحيحه : أخبرنا عبد الله بن محمد الارذي حدثنا إسحاق بن إبراهيم .
    قال أبو عبد الرحمن : هو ابن راهويه - أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتجون ابلكم هذه هل تحسون فيها من جدعاء » ثم يقول أبو هريرة : فأقرأو - إن شئتم - فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ( صحيح ابن حبان ج 1 ص 130 ) .
    وأما رواية عبد الأعلى عن معمر وعبد بن حميد عن عبد الرزاق فقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد . قال أبو بكر حدثنا عبد الأعلى وقال عبد بن حميد اخبرنا عبد الرزاق كلاهما - أي عبد الأعلى وعبد الرزاق - عن معمر عن الزهري بهذا الإسناد أي إسناد الزبيدي الآنف الذكر وقال : كما تنتج البهيمة بهيمة ولم يذكر جمعاء ( صحيح مسلم ج 8 ص 52 - 53 )
    .
    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
    قل خيرًا او اصمت



    تعليق


    • #62
      رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

      حديث همام بن منبه :
      رواه عنه معمر وعن معمر رواه عبد الرزاق ورواه عن عبد الرزاق محمد بن رافع وإسحاق بن راهويه .
      فأما رواية محمد بن رافع فقال مسلم حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من يولد يولد على هذه الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتجون الإبل فهل تجدون فيها جدعاء حتى تكونوا انتم تجدعونها » .
      ( صحيح مسلم ج 8 ص 53 ) .
      وأما رواية إسحاق فقال البخاري : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتجون البهيمة هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا انتم تجدعونها » .
      ( فتح الباري ج 14 ص 295 ) .
      حديث أبي صالح :
      رواه عنه ابنه سهيل والأعمش ورواه عن الأعمش كل من جرير وأبي معاوية وعبد العزيز بن ربيعة البناني ووكيع ورواه أيضا شعبة وغيره كما قال الترمذي ( تحفة الأحوذي ج 6 ص 346 ) .
      فأما رواية جرير فقال مسلم حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه » ( صحيح مسلم ج 8 ص 53 ) .
      وأما رواية أبي معاوية فقال مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد أي إسناد جرير الآنف الذكر وفي روايته : إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه ( صحيح مسلم ج 8 ص 53 ) .
      ورواه عن أبي معاوية أيضا أبو كريب قال مسلم حدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش .. الخ .. وفي روايته : ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه ( ج8 ص 53 صحيح مسلم ) .
      ورواه عن أبي معاوية أيضا ابن نمير قال مسلم حدثنا ابن نمير حدثنا أبي عن الأعمش .. الخ بلفظ : ما من مولود يولد إلا وهو على الملة ( ج 8 ص 53 صحيح مسلم ) .
      وأما رواية عبد العزيز بن ربيعة البناني فقال الترمذي : حدثنا محمد بن يحي القطعي أخبرنا عبد العزيز بن ربيعة البناني أخبرنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل مولود يولد على الملة فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه » ( تحفة الأحوذي ج 6 ص 344- 345 ) .
      وأما رواية سهيل بن أبي صالح فقال ابن حبان في صحيحه : أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا يحي بن بكير حدثنا الليث بن سعد عن يحي بن سعيد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه » ( صحيح ابن حبان ج 1 ص 129 ) .
      وأما رواية وكيع فقال الترمذي حدثنا أبو كريب و الحسين بن حريث قالا أخبرنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه وقال : يولد على الفطرة ( تحفة الأحوذي ج6 ص 346 ) .
      قال أبو عبد الرحمن :
      هو نحو رواية عبد العزيز بن ربيعة الآنفة الذكر .
      حديث أبي العلاء عن أبي هريرة :
      وأما رواية أبي العلاء عن أبي هريرة فقال مسلم حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز - يعني الدراوردي - عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « كل إنسان تلده أمه على الفطرة وأبواه بعد يهودانه وينصرانه ويمجسانه فان كانا مسلمين فمسلم » كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها ( صحيح مسلم ج 8 ص 54 ) .
      وقال ابن قتيبة في إصلاح الغلط : حدثنيه أحمد بن سعيد عن أبي عبيد - هو القاسم بن سلام - عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة .
      ( نقلا من الحاشية على هذا الحديث من كتاب ( غريب الحديث ) لأبي عبيد القاسم بن سلام ج 2 ص 21 ) .
      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
      قل خيرًا او اصمت



      تعليق


      • #63
        رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

        حديث الأعرج عن أبي هريرة :
        قال أبو داود حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء » .
        ( سنن أبي داود ج 2 ص 31 وموطأ مالك عن منتقى الباجي ج 2 ص 33 ) .
        فهذه رواية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج ورواها خالد الواسطي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج ورواها خالد الواسطي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج ورواها جعفر بن ربيعة عن الأعرج إلى آخر الإسناد بلفظ : كل بني آدم يولد على الفطرة . ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر ( فتح الباري ج 3 ص 491 ) .
        ورواها احمد بن أبي بكر الزهري عن مالك : قال ابن حبان اخبرنا عمر بن سعيد الطائي بمنبج أنبأنا احمد بن أبي بكر الزهري عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء » ( صحيح ابن حبان ج 1 ص 133 ) .
        حديث حميد بن عبد الرحمن :
        أخرجه الذهلي في الزهريات من طريق الأوزاعي عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة ( فتح الباري ج 3 ص 491 ) ورواه ابن حبان في صحيحه .
        قال : أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان حدثنا موسى بن مروان الرقي حدثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه » ( صحيح ابن حبان ج 1 ص 292 ) .
        قال أحمد شاكر رحمه الله : إنه لم يجده في غير صحيح ابن حبان وفي إشارة الحافظ ابن حجر الآنفة الذكر .
        قال أبو عبد الرحمن :
        هذا حديث أبي هريرة روى عنه متواترا عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب ثم إن هؤلاء الجماعة ثقات أثبات مأمونون ونورد بعد هذا شواهد عن غير أبي هريرة كما يلي :
        حديث الأسود بن سريع :
        رواه عنه الحسن البصري ورواه عن الحسن : يونس بن عبيد والسري بن يحي فأما رواية يونس بن عبيد فرواها عنه إسماعيل بن علية وهشيم ، قال الإمام احمد بن حنبل في مسنده حدثنا إسماعيل هو ابن علية حدثنا يونس هو ابن عبيد عن الحسن عن الأسود بن سريع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرنها » ( تفسير ابن كثير ج 2 ص 432 ) ورواه النسائي في كتاب ( السير ) عن زياد بن أيوب عن هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسين البصري قال : حدثني الأسود بن سريع . الخ ( تفسير ابن كثير ج 3 ص 261 و ج 2 ص 432 ) .
        وأما رواية السري بن يحي فرواها الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري قال : حدثني يونس بن عبد الأعلى قال اخبرنا ابن وهب قال اخبرني السري بن يحي أن الحسن بن أبي الحسن حدثهم عن الأسود بن سريع من بني سعد قال - صلى الله عليه وسلم - « ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها » ( تفسير ابن جرير 9 ص 112 - 113 ) ورواه ابن مردويه في تفسيره بلفظ : ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها ( فتح الباري ج 3 ص 464 ) .
        ورواه ابن حبان في صحيحه قال : أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا السري بن يحي أبو الهيثم وكان عاقلا حدثنا الحسن عن الأسود بن سريع بلفظ : ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ( صحيح ابن حيان ج 1 ص 131 - 132 ) .
        قال أبو عبد الرحمن : وقد وهم الشيخ ابن حمزة الحسيني في كتابه « البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث » ( ج 2 ص 147 ) حيث عزاه إلى سنن الدارمي باللفظ الآنف الذكر وقال : الأسود بن سويد وهو تحريف ، إنما هو الأسود بن سريع التميمي السعدي . قال أبو عبد الرحمن : وقد راجعنا سنن الدارمي ( ج 2 ص 223 ) فما وجدناه روى غير نهي النبي صلى الله عليه وسلم - عن قتل الذرية .
        حديث سمرة بن جندب :
        رواه البزار .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه » ( مجمع الزوائد ج 7 ص 218 ) ..
        ورواه البرقاني في مستخرجه من حديث عوف الإعرابي عن أبي رجاء العطاردي عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - كل مولود يولد على الفطرة ( طريق الهجرتين لابن القيم ص 513 ) .
        حديث ابن عباس :
        رواه البزار بلفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه » ( مجمع الزوائد ج 7 ص 218 ) .
        حديث جابر بن عبد الله :
        قال الإمام احمد : حدثنا هاشم أبو جعفر عن الربيع بن انس عن الحسن عن جابر بن عبد الله : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : « كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا » ( تفسير ابن كثير ج 2 ص 432 ) .
        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
        قل خيرًا او اصمت



        تعليق


        • #64
          رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

          تحقيق الألفاظ :
          قال أبو عبد الرحمن :
          حديث كل مولود يولد على الفطرة الذي رواه أبو هريرة وجابر والأسود وسمرة وابن عباس تعددت ألفاظه كما مر بنا آنفا واختلفت صيغه زيادة ونقصا ولذا فلابد من البحث في أسباب تعدد اللفظ أولا وحكمه ثانيا وأي حكم يصح على هذا الحديث ثالثا .
          فأما تعدد اللفظ والصيغ فلها أسباب منها أن ينطق الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديث أكثر من مرة في أكثر من مجلس ، وربما كرر اللفظ في المجلس الواحد ثلاث مرا فيلزم الأخذ بكل ألفاظه إن كررها مختلفة ولقد استدل شيخنا أبو محمد ابن حزم بحديث البخاري عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه ( المحلى ج 9 ص 567 ) .
          قال أبو عبد الرحمن :
          إلا انه ليس في هذا الحديث ما يؤيد تغاير ألفاظه في المجلس الواحد أما تغايرها في مجالس متعددة فلا إشكال فيه لأنه صلى الله عليه وسلم - يتخول أصحابه بالموعظة ويشرع لهم في المناسبات والطوارئ ويلح على أوامره ونواهيه بين الفينة والفينة غير متقيد بلفظه السابق والأمة غير متعبدة بلفظ الحديث ، وقد يكون سبب اختلاف اللفظ أن كل راو يحدث بما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ينسى النص فيعبر بأي لفظ يدل عليه ، وقد يدرج في لفظه صلى الله عليه وسلم تفسير الراوي فيظن انه نص عنه .
          وإذا تغايرت ألفاظ الحديث فله حكمان :
          حكم يتعلق بالراوي فيجب عليه عند التحمل أن ينتبه إلى النص ليؤديه كما سمعه وعند الأداء إن حفظ النص قاله وإلا أداه بمعناه ولمح إلى ذلك إما بقوله : أو كما قال أو قال ما معناه أو ما أشبه ذلك ، وبعضهم نهى عن التبليغ بالمعنى ونسى أن الحديث واجب التبليغ بالنص فان لم يتيسر فبالمعنى والمؤمن إنما يكلف طاقته والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : « إذا أمرتكم بأمر فأتموا منه ما استطعتم » وعلى أي حال فحكم رواية الحديث بالمعنى هنا تحملا وأداء ليس وراءه ثمرة اليوم لأن تدوين السنة قد تم وفائدة الحكم أو عائدته للراوي وحده .. أما الحكم الثاني وهو المهم فيعود إلى قبول ما روي بالمعنى وفي هذا تفصيل :
          فان كانت هذه الألفاظ متغايرة لا تأتلف على معنى واحد أي كل لفظ يحيل معنى اللفظ الآخر ولم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها في أوقات متفاوتة فهذا هو الحديث المضطرب وهو مردود لأنه اضطراب يدل على عدم ضبطه وحفظه وللترجيح وجوه لا يتسع المجال لذكرها ، أما الألفاظ التي لا تحيل بالمعنى فلا يضر تفاوتها وأما الإضافات والزيادات فتقبل إن كانت من ثقة ، وقد يوجد عوامل تجعلها شاذة و إن كان راويها ثقة .
          قال أبو عبد الرحمن :
          واختلاف الصيغ والألفاظ في هذا الحديث لم تضره بحمد الله لأنها إما تصرفات لا تحيل المعنى كرواية كل مولود ، وما من مولود ، وما من نسمة ، وكل إنسان .. الخ . وإما ألفاظ تحيل المعنى كرواية « على الملة » ورواية « على الفطرة » إلا أن المحفوظ الراجح بين .
          رواية على الملة غير محفوظة :
          قال أبو عبد الرحمن :
          لفظة : ( على هذه الملة ) غير محفوظة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، بل المحفوظ ( على الفطرة ) وإنما عبر الراوي بلفظ « على الملة » لأنه فسر الفطرة بالملة فروى اللفظ بتفسيره ، وصاحب هذا الوهم : إما أبو صالح ذكوان وإما الأعمش - رحمه الله ، لأنه لم يرو بهذا اللفظ من غير طريقهما ودليلي على أن الوهم منهما أمران :
          أولهما : أنهما اضطربا في هذا الحديث فرواه عنهما جرير ووكيع بلفظ الفطرة ورواه أبو معاوية مرة بلفظ الفطرة ومرة بلفظ الملة ورواه عبد العزيز بن ربيعة بلفظ الملة .
          وثانيهما : أنهما خالفا رواية من هو أحفظ منهما فأين أبو سلمة وسعيد وهمام وطاووس من أبي صالح ؟!!! .
          وأيضا فالأحاديث عن الأسود وجابر وابن عباس وسمرة موافقة حديث أبي هريرة الذي رواه عنه الحفاظ ولم يخالفهم إلا أبو صالح في رواية اضطرب فيها .
          قال أبو عبد الرحمن :
          وإن من يفسر الفطرة بالإسلام لا يقبل منه الاستدلال بأن الحديث ورد بلفظ « الملة » لأن هذا اللفظ غير ثابت عنه صلى الله عليه وسلم .
          قال أبو عبد الرحمن :
          ولعل قائلا يقول : إن لم تحفظ لفظة « على الملة » فلفظة « فطرة الإسلام » محفوظة وفطرة الإسلام في معنى الملة ، وتلك وردت في حديث الأسود بن سريع كما في رواية ابن حبان في صحيحه من طريق أبي الهيثم السري بن عمار عن الحسن عن الأسود بلفظ : ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام .
          قال أبو عبد الرحمن : رأينا أن لفظة فطرة الإسلام غير محفوظة أيضا لأمور :
          1 - أنه روى عن الأسود بن سريع بلفظ « الفطرة » بأسانيد أصح ، وهي عند الإمام أحمد من طريق يونس بن عبيد وعند أبي جعفر الطبري من طريق ابن وهب عن السري بن يحيى : بلفظ « الفطرة » أيضا ، فصح أن الوهم من قبل مسلم بن إبراهيم .
          2 - أن رواية الفطرة توافق كافة الطرق عن أبي هريرة رضي الله عنه برواية الثقات الأثبات وأسانيدها أقوى من الإسناد الذي فيه السري وأكثر تواترا .
          3 - أن مدار الحديث على الحسن البصري يرويه عن الأسود وفي سماعه منه خلاف إلا انه على ثبوت سماعه لا يترجح على رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب وهمام والأعرج وحميد وهم مجتمعون وإنما يقبل قول الثقة فيما يزيده من معنى لا يغير من المعنى المتفق عليه .

          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
          قل خيرًا او اصمت



          تعليق


          • #65
            رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

            زيادة العلاء غير مقبولة :
            وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن زيادة هذه الجملة :
            « فان كانا مسلمين فمسلم كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها » .
            قال أبو عبد الرحمن :
            هذه الرواية من الشواهد التي يتابع بها مسلم الصحيح من حديثه ، وراويها المتفرد بها : « العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب المدني « صاحب مناكير » . قال أبو حاتم الرازي : أنكر من حديثه أشياء . أ هـ . وقد جرحه الأئمة : عثمان بن سعيد الدارمي ويحيى بن معين وابن عدي .
            قال أبو عبد الرحمن : وغاية أمره انه صالح الحديث إذا لم يخالف من هو أوثق منه . ويشهد على نكارة هذه الزيادة أنها رواية لحديث أبي هريرة رضي الله عنه - بغير المعنى واللفظ الذي أثبته كل من روى عن أبي هريرة وهم في حدود العشرة من الأئمة الحفاظ ، كما لم ترد في رواية غير أبي هريرة من الصحابة الذين رووا هذا الحديث فصح أن هذه الزيادة باطلة .
            الزيادة في حديث جابر غير مقبولة أيضا :
            في حديث جابر رضي الله عنه « حتى يعرب عنه لسانه فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا » ويؤيد هذه الزيادة روايات الأسود بن سريع : حتى يعرب عنها لسانها حتى يبين حتى يعرب .
            قال أبو عبد الرحمن :
            تلك الزيادات غير مقبولات ، لأن حديث جابر من طريق أبي جعفر عيسى بن أبي عيسى ماهان الرازي ، وفي توثيقه خلاف .
            قال أبو عبد الرحمن : يرفع الخلاف ويقوى عدم الوثوق به أمور :
            أولها : أن الجرح مقدم على التعديل لأن من يعرف حجة على من لا يعرف .
            وثانيها : أن في رواياته مناكير كثيرة .
            وثالثها : انه خالف هنا الأئمة المشاهير وجاء بما لم يأتوا به .
            ثم إن حديث جابر والأسود مدارهما على الحسن وفي سماعه من الأسود خلاف ، وعلى ثبوت سماعه فلا نترك رواية أولئك الأئمة إلى رواية الحسن رضي الله عنه وهو واحد ثم لا يدري هل سمعه وأتقنه أم كان مدلسا ؟
            زيادات محفوظة :
            أما لفظة - أو يمجسانه - ولفظة - كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء - وما في معناها من عبارات فهي قطعية الثبوت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها زيادات حفظها كثيرون من الأئمة كما مر في طرق هذا الحديث فصار بعضهم يقتصر على لفظ وبعضهم يورده كاملا وأكثر ما يكون الاقتصار على بعض متن الحديث حينما يسوقه الراوي مستشهدا فيورد محل الشاهد من المتن كله .
            وأما الاستشهاد بآية فطرة الله التي فطر الناس عليها فمن فعل أبي هريرة رضي الله عنه لم يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد صح ذلك في بعض طرق الحديث .
            حديث الزهري غير مضطرب :
            قد يظن أن الزهري مضطرب فتارة يرويه عن أبي سلمة وتارة يرويه عن سعيد بن المسيب ولهذا لم يرو البخاري غير طريق أبي سلمة . قال ابن حجر : وصنيع البخاري يقتضى ترجيح طريق أبي سلمة وصنيع مسلم يقتضى تصحيح القولين عن الزهري وبذلك
            جزم الذهلي ( فتح الباري ج 3 ص 491 ) .
            قال أبو عبد الرحمن :
            ومما يرجح صحة ما ذهب إليه مسلم والذهلي : أن الحديث متواتر عن أبي هريرة وتلاميذه معاصرون للزهري . قال البخاري حدثنا أبو اليمان اخبرنا شعيب ، قال ابن شهاب : يصلى على كل مولود متوفى وإن كان لغية من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام إلى أن قال ( القائل ابن شهاب ) فإن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ما من مولود إلا يولد على الفطرة » ( فتح الباري ج 3 ص 464 ) .
            قال أبو عبد الرحمن :
            ولم نذكر هذه الطريق في الروايات السابقة لأنها منقطعة وهذه الرواية المنقطعة تفيدنا أمرين :
            أولهما : أن لفظة « فطرة الإسلام » من كلام الزهري وليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لما أسند الحديث في هذه الرواية وفي الروايات الأخرى الموصولة : قال : الفطرة ، ولم يقل : فطرة الإسلام .
            وثانيهما : أن الزهري روى حديث أبي هريرة عن أكثر من واحد لأنه قال : فإن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث وهذا يشي بأن الخبر مستفيض عنه ، وهذا ما ثبت فعلا بالأسانيد الآنفة الذكر عن سعيد وأبي سلمة وأبي صالح والأعرج وطاووس وغيره .
            قطعية هذا الخبر :
            قد يقال : هذا الخبر لم يصح إلا من طريق أبي هريرة فهو خبر واحد ، ثم هو عن أبي هريرة .
            قال أبو عبد الرحمن :
            وهذا سيقوله تلامذة المعتزلة و جولد تسهير و أبو رية و عبد الحسين و القصيمي ومتعالم كان يحرر بمجلة العربي ، فأما أنه خبر آحاد فليست الأحادية بمجردها قادحة ما لم تكن ثمة آفات تصاحبها ، فإذا كان ثقة عن ثقة فالأخذ به واجب عقلا وشرعا . أما عقلا : فلأن أصل الثقة انه صادق ، واليقين يتبع الأصل فإن رددناه لاحتمال انه كاذب ونحن نعرف انه صدوق أو لاحتمال انه واهم ونحن نعلم انه حافظ كان هذا تغليبا للمرجوح وحكما له على الراجح وهذا لا يستقيم في بنية العقول .
            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
            قل خيرًا او اصمت



            تعليق


            • #66
              رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

              ثم أن الأخذ بالمرجوح تفريط والمعقول أن نحتاط في الاحتفاظ بالنص لأننا مكلفون به حتى يقوم دليل بطلانه فيكون لنا العذر ، ولا يستحيل عقلا أن يروي الحديث واحد ولا ترويه جماهير الصحابة وأكابرهم لاحتمال انه روى عنهم ولكنه لم يبلغنا إلا من طريق هذا الواحد ودل على ذلك الواقع المشهود ، لأنه يحصل أن يسمع الجمهور من الناس الخبر أي خبر فلا ينقله إلا واحد أو اثنان .
              ثم إن رد خبر الواحد يترتب عليه محال ، وهو أن غالب السنة روي آحاداً وتلقته جماهير الأمة بالقبول ولو كان لا يثبت إلا المتواتر لما كان يصح لنا من السنة شيء ومعنى هذا : أن الله لم يحفظ دينه ، وان الرسول صلى الله عليه وسلم ضاع تبليغه ، وهذا حكم تحيله قواعد الشرع ونصوصه ففي القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والرسول إلى الناس كافة فكيف تنقطع الرسالة من جانب ويضيع الشرع من جانب آخر ؟ هذا محال شرعا .
              أما القرآن فلا يستغني عن السنة ولا يفهم بغيرها ولا يفي دونها ، وهذا مجاله في مناظرة القرآنيين . أما وجهه شرعا فلأنه لم يرد من الشارع النهي عن الأخذ بخبر الواحد فكيف ينكر نفاة خبر الآحاد ما لا ينكره الشرع ؟! وإذ لم يرد بالنهي عن الأخذ به شرع فإما أن يكون الشرع أجاز الأخذ به أو سكت ؟!
              فإذا كان أجاز الأخذ به ، فهذا واضح ، وهو ما نعتقده ، ومن أراد أمثلة لما ورد به الشرع من الأخذ بخبر الواحد فليراجع ما كتبه الشافعي في الأم وابن حزم في الأحكام وابن قيم الجوزية في الصواعق والشيخ ابن راشد في رسالة مستقلة وغيرهم كثيرون من جهابذة الأصوليين .
              قال أبو عبد الرحمن :
              سنتنزل في الاستدلال ، ونقول هبوه لم يرد بالأخذ به شرع ، وانتم لم تثبتوا انه نهى عنه ، فلابد انه سكت عنه إذ لا احتمال غير هذا ، فنبحث الحكم من جهة النظر فنقول : إن الآحادية لمجردها ليست علة إيجابا ولا سلبا فلنقوم الخبر بمقومات غير كونه خبر آحاد لنشترط للواحد الثقة والعدالة وألا يشذ عن رواية الثقات فإن قيل : قد يكذب الثقة الصدوق فالاحتياط في رد خبره فالجواب : أننا مكلفون بالشرع أمراً ونهيا فالاحتياط أن لا يضيع منا النص ، فإذا جاءنا خبر الواحد نظرنا : فإن كان كذوبا أو سيئ الحفظ أو مخالفا للثقات احتطنا برد خبره لأن البطلان راجح في جانبه وإن كان صدوقا ثقة لم يخالف الثقات أو نصوصا قطعية الثبوت كان الحق راجحا في جانبه فالاحتياط في الأخذ بالراجح لا المرجوح ، وإن قال واغش كالقصيمي : الصدق والعدالة يقاسان بالسنتيمتر ألزمناه بما يضيق به جلده .
              قال أبو عبد الرحمن :
              فنقول له : إن كانت العدالة لا تعرف لأنها لا تقاس بالسنتيمتر فبأي شيء يرشح - بالبناء للمجهول - النواب والممثلون ورؤساء الدول ؟! وبأي شيء يفرق بين الصدوق والكذوب . بل بأي مقاس يرشح القصيمي من يخطب بنته أو أخته إن لم تكن العدالة معروفة ؟ وهل الله سبحانه يكلفنا ما لم نقدر عليه إذ يقول : « واشهدوا ذوي عدل منكم » ؟ بل هل ضل أهل اللغة ، بل أهل كل اللغات في الآماد البعيدة إذ يضعون المضمون لألفاظ العدالة والثقة والصدق ؟!
              إن هذه القولة شاهدة على أن القصيمي لا يفرق بين الحق والباطل .
              قال أبو عبد الرحمن :
              وخبر أبي هريرة رواه غيره ، وحتى لو لم يصح إلا عنه فإنه حق بلا مرية ، لأن أبا هريرة صحابي جليل صدوق ثبت مأمون لم يخالف خبر غيره من الصحابة ، وقد شهد له القرآن ونصوص صحيحة من السنة .
              أما القدح في أبي هريرة الذي تولى كبره محمود أبو رية وعبد الحسن شرف الدين فما أقاما دعواهما على سند موثوق وخالفا الموثوق من كتب الحديث والتراجم وإجماع الأمة على قبوله ، ويكفيك أن مراجعهما إما كتاب من كتب الأدب لا تعنى بالنقد الموثوق وتستطرف ما فيه تندر أو إغراب ولو على حساب الدين والقيم ، أو نقل عن شيعي أو معتزلي متعصب لبدعته ، وقد ناقشهما الدكتور محمد عجاج الخطيب ومشايخ أجلاء من أمثال الدكتور مصطفى السباعي والشيخ احمد شاكر والعلامة سليمان الندوي ومحمد حمزة والمعلمي وغيرهم فكشفوا عن الكثير من سؤ نيتهما و تخرصهما ومجازفتهما في النقل وعدم الثقة بمراجعهما ولولا أنه بحث كفينا مؤنته وأنه يستبد بموضوعنا لتقصيناه والحق أبلج بحمد الله .
              دلائل سمعية :
              قال تعالى : « فأقم وجهك للدين حنفيا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون » الروم / 30 .
              وقال تعالى :
              « وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون » الأعراف / 172-174 . وثمة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فسرت بها هذه الآية .
              وقال تعالى :
              « قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض ( إبراهيم / 10 ) فقوله تعالى أفي الله شك » يشي بفطرية هذه الحقيقة .
              وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يقول الله إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فأجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم » .
              وقال تعالى : « وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه » يونس / 12 .
              وقال صلى الله عليه وسلم :
              « عشر من الفطرة .... »
              فهذه النصوص منها ما هو في الفطرة ، ومنها ما هو تفسير للفطرة .
              مفهوم الفطرية في هذه النصوص :
              قال أبو عبد الرحمن :
              هذه نصوص قاطعة على أن الناس مفطورون على فطرة أولية استقام عليها من استقام وانحرف عنها من انحرف ولكن ما ليس قطعيا في هذه النصوص هو مفهوم الفطرة لا وجودها فقد اختلفت أنظار العلماء على هذا النحو :
              1 - الفطرة مقتضى المعارف الأولية البديهية :
              فليس معنى الفطرة أن الإنسان يولد عارفا بأن الدين حق وان الله حق ، وإلا لخالفنا مدلول قوله تعالى : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ) ولكنه حينما يستعمل عقله يجد أن لديه مبادئ أولية هي ما تسمى بالأفكار الفطرية أو أوائل العقول أو البديهيات ، قال شيخنا أبو محمد بن حزم : لا ذكر للطفل حين ولادته ولا تمييز إلا ما لسائر الحيوان من الحس والحركة الإرادية كمد رجليه وقبضهما وتألمه من البرد أو الجوع أو الضرب ومعرفته الإلهامية كأخذه الثدي وتمييزه بطبعه أي فطرته من سائر الأعضاء يفهمه دون سائر أعضائه كما تأخذ الشجر رطوبات الأرض والماء لبقاء أجسامها ثم منها ما أدركته بحواسها الخمس كعلمه أن لكل مفعول فاعلا وان الجزء أقل من الكل وانه لا يجتمع ضدان ( الفصل لابن حزم ج 1 ص 5-6 ) .
              وحقيقة هذه البديهيات :
              أ - أنه لا يدري أحد كيف وقع العلم بها .
              ب - أنه لا يشك ذو تمييز صحيح في أنها صحيحة لا امتراء فيها .
              جـ - أنه لا يطلب عليها دليل ، لأن الاستدلال على الشيء لا يكون إلا في زمان ولا بد ضرورة أن يعلم ذلك بأول العقل ، لأنه قد علم بضرورة العقل انه لا يكون شيء مما في العالم إلا في وقت وليس بين أول أوقات تمييز النفس في هذا العالم وبين إدراكها لكل ما ذكر مهلة البتة لا دقيقة ولا جليلة .
              ( الفصل لابن حزم ج 1 ص 6-7 ) .
              فوجود الله فطري لا لأنه اضطراري غير اكتسابي لا يعلم كيف وجد وإنما هو فطري لأنه حصل بدليل فطري بديهي ووجود الله ثابت عقلا بدليل العلية ، فوجود الله معلوم بالفطرة لأن الصبي إذا وقعت اللطمة على وجهه يصيح ويقول من الذي ضربني وما ذاك إلا شهادة فطرية بأن اللطمة لما حدثت بعد عدمها وجب أن يكون حدوثها لأجل فاعل فعلها ولأجل مختار ادخلها في الوجود فلما شهدت الفطرة الأصلية بافتقار ذلك الحادث مع قلته وحقارته إلى الفاعل فبأن تشهد بافتقار جميع حوادث العالم إلى الفاعل كان أولى .
              أ . هـ ( تفسير الرازي ج 19 ص 92 ) .
              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
              قل خيرًا او اصمت



              تعليق


              • #67
                رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                ووجود الله ثابت عقلا من فكرة الكمال المطلق و اللامتناهي فوجود الله فطري ، لأن العقل في فطرته لا يقف عند مرتبة قاصرة من مراتب الكمال .
                قال أبو عبد الرحمن :
                فمن فسر الفطرة بأنها مقتضى المعارف الأولية يقول : إن معرفة الله فطرية لأنها ثابتة بالبديهيات وهذه تسمى بالمبادئ الفطرية في عرف العقلانية الحديثة التي تزعمها ديكارت و سيبنوزا و لايبنتز و مالبرانش .
                طبيعة هذه المبادئ :
                الأفكار الفطرية كما يرى ديكارت غريزة ليست مستفادة من الحواس وإنما مرجعها إلى قوة الفكر ، فهي أحوال ذهنية موجودة في النفس قبل أي تجربة ( تاريخ الفلسفة الحديثة ليوسف كرم ص 69 ) وهي صادقة في نتائجها لأنها متميزة وواضحة ولأنها مبنية على صدوقية الله كما يقول ديكارت .
                والبدهية هي أول معارف العقل والبديهة من كل شيء أوله وفي صفته صلى الله عليه وسلم من رآه بديهة هابه أي مفاجأة وقول الطرماح بن حكيم .
                وأجوبـة كالراعبيـة وخزهــا .. يبادهــا شيـخ العراقـين أمردا
                وبهذا تعرف أن مادة - ب - د - هـ - أصل في أول كل شيء ويدخل في ذلك المفاجآت وما يقوله الإنسان من غير روية ، وإن الأفكار التي يسمونها المبادئ الفطرية هي أول معارف العقل ولذا سميت بديهية ، ولها عند العقلانيين هذه الأحكام :
                1 - أنها تلقائية لدنية غير مكتسبة .
                2 - أنه لا يدري احد كيف وقع العلم بها .
                3 - أنها سابقة خبرة النفس وتجاربها ولذا ففي معارف العقل ما يستقل عن خبرة الحس .
                4 - أن ما ثبت بها يقيني قطعي بديهي ولا يشك فيها إلا متحامق .
                حجية هذه المبادئ :
                تستند هذه المبادئ في حجيتها إلى انه مجمع عليها وأنها توقع علما ضروريا وانه لا يستقيم منهج عقلي مع إنكارها البتة . وانه يثبت بها من الماورائيات ما لم يخضع لمختبر التجربة الحسية بعد ، وهي بعد هذا كله قوانين تعصم الذهن من الخطأ .
                وأيضا فالمعرفة تستحيل إذا وكلت إلى الإدراك الحسي وحده لأن الإدراك الحسي والتجربة إنما يخبراننا بما يتعلق بحالة واحدة من أحوال الشيء ولا يستطيعان أن يتناولا كل الأحوال وان ما يظهر للعقل بواسطة الحواس إنما هو مظهر الأشياء الخارجي الخداع لا ماهيتها الحقة التي لا تحس ( مبادئ الفلسفة ص 237 - 238 ) .
                قال أبو عبد الرحمن :
                وعلى ضوء هذه المبادئ فإن العلم العقلي يميل إلى العموم والضرورة وبالتأمل العقلي الخالص اثبتوا حقائق ما ورائية نازع فيها التجريبيون وسموها خرافة الميتافيزيقا .
                المبادئ الفطرية قوانين العقل :
                إن هذه المبادئ مكنوزة في عقولنا لا تستند إلى حس ولا إلى تجربة ولكنها ترجع إلى مبدأين رئيسيين :
                أولهما : التناقض ومبدأ التناوب
                وثانيهما : مبدأ السببية ومنه مبدأ العلية .
                قال أبو عبد الرحمن :
                ومن الأفكار الفطرية التي تقوم على اللزوم العقلي فكرة الكامل اللامتناهي وهي تأمل عقلي خالص وليست انطباعا من محسوس كامل لا متناه !
                وقد حصر أرسطو هذه المبادئ في ثلاثة قوانين وهي :
                1 - قانون الذاتية ، وهو : أن كل شيء هو نفسه ، ويسمى قانون الهوية أو قانون الهوهو .
                2 - قانون عدم الجمع بين النقيضين في شيء واحد في آن واحد ، وهو قانون الوسط الممنوع .
                3 - قانون عدم ارتفاع النقيضين ، وهو أن الشيء : إما أن يكون وإما أن لا يكون ويسمى بمبدأ الثالث المرفوع .
                وبتأمل عقلي خالص تحكمه هذه القوانين نتيقن معارف لم تستند إلى خبرتنا الشخصية ، ومرت عصور يعد فيها منكرها من البله وممن ليست لهم عقول .
                وقد حدث الخروج على هذه القوانين في علم الكلام كمسألة الأحوال عند الأشعرية ولكنها مخالفات لم تقم على العلم ، بل الإجماع على أنها من الحمق الذي لا خفاء به ولكن الحملة العلمية على هذه المبادئ جاءت من قبل الفلاسفة التجريبيين الانجليز واشتط النزاع الفلسفي في هذه المسائل :
                1 - عدم التسليم بأن هذه المبادئ فطرية بل هي مكتسبة .
                2 - عدم التسليم بأن هناك عقلا خالصا مجردا لا يستمد معارفه من الحس والتجربة
                3 - ما يسميه العقلانيون بالمبادئ الفطرية أو قوانين الفكر إنما هو نتيجة خبرة وتجربة ولكنها عممت في كل ما لا يحس ، ولهذا فاليقين في المعرفة الحسية البحته ومن هنا جاءت فكرة : خرافة الميتافيزيقا .
                1 - الدليل الفطري
                في ما مضى من كلامنا على حديث : « كل مولود يولد على الفطرة » خرجنا الحديث ونفينا عن متنه ما ليس منه من تصرفات الرواة وأبطلنا المشاغب التي يشوش بها منكر و حجية السنة ، واستعرضنا مفهوم الفطرية من النصوص وغيرها لدى العلماء والفلاسفة والفقهاء ، فكان أول تلك المفاهيم : فهم من يرى أن الفطرية هي مقتضى المعارف الأولية البديهية وقد بحثنا بعض النقاط في هذه المسألة .
                قال أبو عبد الرحمن :
                وبدا لي أن تكون هذه المسألة آخر ما نبحثه من الآراء لأنها مسألة فلسفية بحتة يجب أن يسبقها التحقيق في الأحاديث والآثار والنصوص الشرعية ، وقبل مناقشة آراء العلماء في الفطرة أحب أن استدرك هاتين الملاحظتين :
                1 - ذكرت حديث « كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها » قلت : انه زيادة غيرة مقبولة لأن المتفرد بها العلاء بن عبد الرحمن وقد خالف جمهرة الحفاظ الذين رووا الحديث عن أبي هريرة .
                قال أبو عبد الرحمن :
                ولا يتوهمن متوهم أنني أرد هذه الزيادة لعدم ثبوتها فقد رواها البخاري في صحيحه وأحمد عن أبي هريرة في عدة مواضع من مسنده بأسانيد صحيحة ولكنه حديث مستقل لم يضفه إلى حديث « كل مولود يولد على الفطرة » غير العلاء وفي إضافته يكون الاضطراب في المتن الذي يرد به الحديث ، فمحصل رأينا أنهما حديثان مستقلان وكلاهما صحيح .
                2 - ذكر الشيخ محمد المنبجي في مختصر رسالة الفطرة لابن تيمية :
                أن الترمذي روى عن انس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل مولود يولد من ولد كافر أو مسلم يولد على فطرة الإسلام ولكن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم فهودتهم ونصرتهم ومجستهم وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا » (1 ) .
                قال أبو عبد الرحمن :
                وفي هذا الحديث فائدتان : أولاهما : رواية انس له وثانيهما : تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم الفطرة بالإسلام إلا أنني لم أجد هذا الحديث في جامع الترمذي فقد تتبعت فهارس شرحيه تحفة الأحوذي وعارضة الأحوذي ولم أجده بعد إلحاح شديد ، ولعل من اخواني الباحثين من يهديني إلى موضعه .

                _______________________
                (1) مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية من 334 ج 2 ط م صبيح
                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                قل خيرًا او اصمت



                تعليق


                • #68
                  رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                  مفهوم الفطرية :
                  قيل : إن الفطرة هي مجرد الخلقة ، وقيل هي الجهل ، وقيل هي الخير ، وقيل هي الاستعداد للخير أو الشر ، وقيل هي الغرائز ونوازعها ، وقيل هي معرفة الله بالضرورة ، وقيل معرفته بالبداهة ، وقيل هي الإسلام ، وقيل غير ذلك .
                  1 - الرأي الأول :
                  أنها معرفة الله بالوعي والوجدان ، ومن حجج هؤلاء آية « وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون » قالوا : لقد لازم الإنسان منذ القدم وملأ عليه نفسه وسيطر على عقله ووجدانه الإحساس بوجود قوة خفية تسيطر عليه وتتحكم في كل ما هو كائن من حوله وهذا الإحساس شيء طبيعي ( أي فطري ) وليس منا من لم يشعر في قرارة نفسه عندما تصفو روحه بوجود هذا السر الأعظم ، والذي يطمس معالم هذا الشعور الطبيعي النابع من أعماق النفس تلقين المجتمع وشهواته ، ودليل فطرية هذا الإحساس أن الإنسان مهما صعد بذاكرته في تاريخ طفولته فلا يستطيع أن يحدد الساعة التي حدثت فيها عقيدته بالخالق لأنها اضطرارية نشأت قبل حدوث البراهين الدالة على وجوده ، إنها عقيدة نشأت صامتة إلا أنها كبيرة الأثر في حياة الفرد (2) . وهذا الوعي ليس إلا حنان النفس في أوقات صفائها إلى الميثاق الأكبر الذي أخذه الله على بني ادم يوم أنشأهم أول مرة (3) .
                  قال أبو عبد الرحمن :
                  والميثاق الذي أخذه الله على ذرية ادم اختلف فيه المفسرون والباحثون على أربعة أقوال :
                  أولها : انه استخراج ذرية آدم من ظهره كأمثال الذر ، وقد وردت في ذلك أحاديث وهذا مذهب المحدثين .
                  وثانيها : أنه استنطاق الأرواح وأنها مخلوقة قبل الأجساد ، وهذا مذهب محمد بن نصر وأبي محمد بن حزم .
                  وثالثها : أنه علامات ربوبيته ووجوده ، وهذا مذهب المتكلمين ومال إليه بعض المحققين من أهل السلف والأثر .
                  ورابعها : مذهب مستجد قال به محمد الحلي وموجزه أن الخطاب في اليهود والميثاق أخذه أنبياؤهم عليهم .
                  تفسير الميثاق عند أهل الأثر :
                  يذهب هؤلاء إلى أن الله سبحانه استخرج من ظهر آدم ذريته وأخذ عليهم الميثاق الوارد في الآية الكريمة وحجتهم أحاديث رويت عن عمر وابن عباس وأبي هريرة وانس وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن قتادة وهشام بن حكيم وأبي الدرداء وأبي أمامة .
                  وآثار أخرى موقوفة على بعض الصحابة وأخرى عن بعض التابعين ولم يرفعوها واليك تخريجها بالاستقصاء والتفصيل :
                  الحديث الأول : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - رواه عنه مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة ورجل آخر لم يسم كناه الطبري بأبي محمد .
                  ( أ ) حديث مسلم بن يسار عن عمر :
                  فأما حديث مسلم بن يسار فرواه عنه عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ورواه عن عبد الحميد زيد بن أبي أنيسة ، ورواه عن زيد مالك بن انس ، قال أبو عبد الرحمن : ثم تواتر عن مالك .
                  قال يحيى بن يحيى الليثي حدثني مالك عن زيد بن أبي (4) أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب سئل عن هذه الآية - « وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم » - فقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها فقال رسول الله « إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه حتى استخرج منه ذريته فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره بشماله فاستخرج منه ذريته فقال :
                  خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله ربه الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله ربه النار » .
                  وقال أبو عيسى الترمذي :
                  حدثنا الأنصاري أخبرنا معن أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مسلم بن يسار أن عمر بن الخطاب (5) .. الخ .
                  رواه عن معن غير الأنصاري : إسحاق بن موسى ورواه عن مالك غير معن وغير يحيى الليثي كل من أبي مصعب الزبيري وروح بن عبادة وسعيد بن عبد المجيد بن جعفر و القعنبي و قتيبة وابن وهب ، ورواه أبو داود عن القعنبي والنسائي في السنن الكبرى - عن قتيبة والترمذي عن إسحاق بن موسى عن معن وابن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب وابن جرير عن روح وعن سعيد بن عبد المجيد (6) .

                  _______________________
                  (2) القرآن والعلم للدكتور الفندي ص 21 .. ودائرة المعارف لمحمد فريد وجدي ج 1 ص 483 عن كتاب : البرهان على وجود الخالق للمسيو بوشيت .
                  (3) القرآن والعلم ص 22 .
                  (4) موطأ مالك بهامش المنتقى للباجي ج 7 ص 201-202
                  (5) تحفة الأحوذي ج 8 ص 452 - 456 .
                  (6) تفسير ابن كثير ص 262 ج 2 ومسند الإمام احمد ص 289 - 290 بتحقيق احمد شارك .


                  لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                  حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                  قل خيرًا او اصمت



                  تعليق


                  • #69
                    رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                    قال أبو عبد الله الحاكم :
                    حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني حدثنا حامد بن أبي حامد المقري حدثنا إسحاق بن سليمان قال : سمعت مالك بن أنس ثم ساق الإسناد والنص الآنف الذكر .
                    ورواه الحاكم أيضا من طريق عبد الله بن مسلمة عن مالك فقال : اخبرني أبو بكر ابن أبي نصر حدثنا احمد بن محمد بن عيسى حدثنا عبد الله بن مسلمة فيما قرئ على مالك ثم ساق الحديث بإسناد مالك له .
                    وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (7) .
                    ورواه ابن حبان في صحيحه فقال : اخبرنا عمر بن سعيد بن سنان والحسين بن إدريس الأنصاري قالا : حدثنا احمد بن أبي بكر عن مالك عن زيد بالإسناد والنص الآنف الذكر (8) .
                    فمدار هذا الحديث على أربعة هم الإمام مالك ومسلم بن يسار وعبد الحميد بن عبد الرحمن وزيد بن أبي أنيسة فأما مسلم بن يسار الجهني فقال الحافظ بن حجر عنه : إنه بصري ثقة وثقه العجلي وابن حبان عن الثقات (9) ولكن الحافظ أبا عمر بن عبد البر ذكر أنه مجهول وأنه مدني وليس بمسلم بن يسار البصري وغير معروف بحمل العلم (10) .
                    وقد لاحظ هذا الذهبي فقال : المصري لا البصري (11) .
                    وعلى هذا يكون غير مسلم الذي وثقه العجلي وابن حبان كما ذكر الحافظ ونقل ابن عبد البر عن أبن أبي خيثمة في تاريخه انه قرأ على يحيى بن معين هذا الحديث فكتب بيده على مسلم بن يسار : لا يعرف (12) .
                    قال أبو عبد الرحمن :
                    هو قطعا غير مسلم بن يسار الأموي المتوفى عام 121 هـ لأن هذا أموي وذاك جهني .
                    وليس بمسلم بن يسار المصري الطنبذي مولى الأنصار المتوفى في عهد هشام بن عبد الملك لان هذا مولى وذلك جهني فهو إذن مجهول ، وإن عرف انه مدني فهو مجهول الحال لم يعرف بحمل العلم وعلى فرض انه احد هذين فكلاهما لم يلق عمر ، فالحديث : إما منقطع وإما برواية مجهول الحال ، وكونه مدنيا لا يخرجه عن جهالة العين .
                    أما عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد فهو ثقة وثقه جماعة ولم يذكر له الحافظ جارحا (13) .
                    وأما زيد بن أبي أنيسة فهو أبو أسامة الرهاوي الحافظ .
                    قال احمد :
                    في حديثه بعض النكارة وهو على ذلك حسن الحديث (14) وقال المروزي : سألت احمد عنه فحرك يده وقال : صالح وليس هو بذلك ، ولكن قال الحافظ : متفق على الاحتجاج به وتوثيقه ، ثم نقل كلام أحمد الآنف الذكر ، واعتمد على الاحتجاج به برواية البخاري عنه في الصحيح (15) .
                    ( ب ) حديث نعيم بن ربيعة :
                    رواه زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مسلم ابن يسار الجهني عن نعيم ورواه عن زيد كل من عمر بن جعثم وأبو قرة بن يزيد ابن سنان الرهاوي .
                    أما رواية عمر بن جعثم فقال أبو داود عن محمد بن مصفى عن بقية عن عمر بن جعثم عن زيد بن أبي أنيسة .. الخ بالنص الآنف الذكر (16) .
                    وأما حديث أبي قرة بن يزيد بن سنان فذكره الدارقطني كما نقله عنه الحافظ بن كثير (17) .
                    وساقه البخاري في التاريخ بإسناد ليس فيه زيد بن أبي أنيسة فقال : قال محمد بن يحيى اخبرنا محمد بن يزيد سمع أباه سمع زيداً عن عبد الحميد .. الخ (18) .
                    وبهذا يتضح أن مالكا رواه منقطعا ، وان عمر بن جعثم وأبا قرة و محمد بن يزيد وصلوه ، ويرى الدارقطني أن قولهم أولى بالصواب (19) وان مالكا لم يذكر نعيمـا لأنه لا يعرف عند أهل العلم وهذا من تدليس الأئمة (20) ويرى غير الدارقطني أن قول مالك أولى لأنه إمام حافظ (21) وقد نقل الحافظ عن الثقات لابن حبان بن ربيعة الأزدي ثقة (22) وقال الذهبي : لا يعرف (23 ) وقال ابن عبد البر : لا يعرف بحمل العلم (24) .
                    (جـ ) حديث الرجل المجهول عن عمر .
                    قال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا حكام عن عتبة عن عمارة عن أبي محمد رجل من المدينة قال : سألت عمر بن الخطاب عن قوله « وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم » قال :
                    سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنه كما سألتني فقال : « خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه ثم أجلسه فمسح ظهره بيده اليمنى فأخرج ذرأ فقال : ذرأ ذرأتهم للجنة ثم مسح ظهره بيده الأخرى وكلتا يديه يمين فقال ذرأ ذرأتهم للنار يعملون فيما شئت من عمل ثم اختم لهم بأسوأ أعمالهم فأدخلهم النار » .
                    قال أبو عبد الرحمن :
                    حكام هو ابن سلم الكناني يحدث بالغرائب عن شيخه عنبسة بن سعيد وشيخه هو عنبسة بن سعيد الكوفي الرازي ثقة .
                    رأيي في حديث عمر :
                    1 - لم يرو عن عمر إلا من طريق نعيم أو من طريق رجل لم يسم .
                    2 - لم يروه عمن دون عمر إلا عبد الحميد ولم يروه عن عبد الحميد إلا زيد ولم يروه عن زيد إلا مالك وذلك حسبما وصل إليه علمنا من كتب السنن .
                    3 - في سند ابن جرير حكام بن سلم - وأبو محمد رجل من المدينة - قال أبو عبد الرحمن ولا حجة في مجهول .
                    4 - مسلم بن يسار إما مجهول الحال وإما لم يدرك عمر .
                    والخلاصة أن هذا الحديث لا يحتج به لمجرده .


                    * * *

                    _______________________
                    (7) المستدرك للحاكم ج 2 ص 432 - 325 .
                    (8) موارد الظمآن للهيثمي ص 44 7 .
                    (9) التهذيب لابن حجر ص 142 ج 1 0 .
                    (10) تحفة الاحوذي 456 ج 8 .
                    (11) ميزان الاعتدال ج 4 ص 108 .
                    (12) شفاء العليل لابن قيم الجوزية ص 24 .
                    (13) التهذيب ج 6 ص 119 .
                    (14) ميزان الاعتدال ج 2 ص 98 .
                    (15) هدي الساري لابن حجر ج 2 ص 167 .
                    (16) التهذيب ص 298 .
                    (17) قصص الأنبياء لابن كثير ص 49 ج 1 والبداية والنهاية ص 95 ج 1 .
                    (18) التاريخ الكبير للإمام البخاري ص 97 ج 4 قسم 2 م 8 ط حيدر أباد عام 1360 هـ .
                    (19) شفاء العليل ص 24 .
                    (20) يراجع ما كتبه أمين الخولي عن تدليس مالك في ترجمة له ص 498 وما بعدها ج 3 .
                    (21) التهذيب ج 10 ص 464 .
                    (22) ميزان الاعتدال ج 4 ص 270 .
                    (23) شفاء العليل ص 24 .
                    (24) تفسير ابن جرير ص 114 ج 9 .

                    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                    قل خيرًا او اصمت



                    تعليق


                    • #70
                      رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                      النسبية ومنطق المسلم

                      في منطق الفكر المسلم : أن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون وفق نواميس مضبوطة مطردة تحكمه .
                      والعلم الحديث لا يزال يشبع هذا الإيمان باكتشاف القوانين التي خلقها الله .
                      وتفكير البشر المخلوق مربوط بحسه الظاهر والباطن : فيستحيل معنى لا مادة له في مشاهداتي الحسية .
                      وقانوننا الفكري مصوغ من قانون الله الكوني : لهذا يرفض عقلي التصديق بالمستحيل والدور والتناقض بالنسبة لحسي وتجربتي وبالنسبة لحس غيري وتجربته .
                      وكل فكرة تفرضها عقولنا فإنما هي بالنسبة لقانون الطبيعة الذي فرضه خالق الفكر والطبيعة .
                      نظرية النسبية تؤكد حقائق الغيب : في الجنة - وهي حقيقة مغيبة عن حسنا في هذه الدنيا - لبن وعسل وخمر .
                      ولكن ذلك ليس كلبننا ولا كعسلنا ، ولا كخمرنا .
                      وفيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
                      إن اللبن والعسل والخمر عندنا ألفاظ تستمد معناها من مذاقنا لأعيانها ، وتحمل حقائقها أسماؤها من اصطلاحنا عليها .
                      أما النعيم المغيب عنا الآن فيحمل اسم الموجود عندنا ويختلف معناه .
                      فلا يجوز بعد هذا أن نستبعد لبنا غير لبننا ؛ لأن لبن الدنيا لبن بالنسبة لذوقنا واصطلاحنا ، ولبن الجنة ذو حقيقة بالنسبة لحسنا في الآخرة .
                      وهنا أحذرك من مغالطات الألفاظ فلا تظن أن الإيمان بالغيب إيمان بخلاف الواقع وإنما هو إيمان بالواقع المغيب ، وفي أخبار ربنا أن هناك يوما كألف سنة مما نعد فقد يكون الخبر على المجاز وقد يكون الخبر على حقيقته وفق قانون النسبية .
                      إن الزمن عندنا بالنسبة لقياس حركة الشمس ولكننا لا ندري نسبة القياس للزمن عند الله ، إن علمنا نسبي نثبته وفق قانون النسبية .
                      وعلم الله مطلق لا تضبطه نسبتنا المحدودة وفي القرآن الكريم - وهو أصدق الحديث « والشمس تجري لمستقر لها » .
                      وبعض متسرعي العلم الحديث يقول : إنها ثابتة ، ولكن يجب ملاحظة أن العلم الحديث نسبي .
                      فإذا كانت الأرض متحركة في تصورهم ضمن المجموعة الشمسية فهي ثابتة بالنسبة لمن في الأرض .
                      ولكن ما يدرينا عما إذا كانت الشمس والكواكب التي تدور حولها تدور حول كوكب آخر ؟ .
                      إننا لا ندرك حركتها إلا من جهة الكوكب الآخر الذي تدور هي حوله .
                      وهذا مالم يصل إليه مجهر العلم الحديث بعد .
                      إن الفكر البشري بموجب نظرية النسبية يرغم النفس على احتمالات عديدة مغيبة يتحقق بأحدها مدلول قول الله تعالى خالق الحقيقة « والشمس تجري لمستقر لها » .
                      قوانين الإيمان بالله قوانين علمية تجريبية :
                      النظرية النسبية تأصل التقنين بها من التجربة لا من التصور العقلي ، وقد قررنا في موضع سبق : أن تفكيرنا بالنسبة لإحساسنا .
                      فهل يعني هذا أن الأدلة العقلية لا تثبت إلا المجرب ؟ وهل نقف إيماننا بالغيب إلى وقت مشاهدتنا له ؟
                      كل هذا لا يقوله مسلم .
                      ولكنني افترض أنني أخاطب من استحال عليه الإيمان بغير المجرب ، فأقول :
                      إن أدلتنا العقلية منبثقة من حسنا وخبرتنا والخبرة حس وزيادة .
                      فالأدلة ذاتها تجريبية ولكننا نصل بها إلى الإيمان بغير المحسوس .
                      فغيب الله غير محسوس لأنه ما سمي غيبا إلا لغيابه عن حواسنا ولكننا اهتدينا إليه بالأدلة الحسية .
                      وهذه الأدلة الحسية هي الخلاصة العقلية من ثمرة حسنا وتجربتنا .
                      والتجربة لم تستمد وجودها من ذاتها بل من أحكام العقل ولهذا فمسلوب العقل لا يستفيد من تجربته إلا مصادفة .
                      وكل اكتشاف علمي بدأ بتجربة صغيرة ثم انتهى إلى الإيمان بنتائجها في إدراك غير المحسوس من حقائق الوجود .
                      فلما أصبح غير المحسوس محسوسا كان الإيمان بوجوده تحصيل حاصل .
                      إلا انه كان حقيقة حاضرة بعد أن كان حقيقة مغيبة ، والعالم في المختبر محكوم بقوانين العقل مشدود بلوازمه وبعد هذا كله فالنصوص الشرعية أخبرت بحقائق هذا الكون دون مختبرات أو معامل في أيدي الناس .
                      ولما اتسعت آفاق العلم الحديث كان مقياس صدق مختبراته أن يصدقه خبر خالق الحقيقة .
                      وبالاستقراء لم نجد نصا قطعي الدلالة يخالف حقيقة قطعية .
                      فكل هذا يعطي لزوما عقليا بان ذلك الخبر خبر خالق الحقيقة ، وذلك الاكتشاف خبر مرتاد الحقيقة .
                      ولا نستطيع أن نعطل هذا اللزوم وقوامه خبرتنا التجريبية .
                      نسبية الفلسفة ونسبية العلم :
                      وتقول نسبية الشكاك : لا حقيقة في الوجود ، وإنما الحقيقة بالنسبة لمن يعتقدها ، وهذه نظرية رعناء فرغنا من الرد عليها في غير هذا الموضع ، وإن كانت دعابة فهي سامجة .
                      وتقول نسبية ( اينشتاين ) العلمية :
                      كلمة ( طويل ) كلمة فارغة لا معنى لها إلا بتصور ما هو اقصر ، ولو لم يوجد القصير لما كان للطويل معنى .
                      والخندق لا يمين له ولا يسار إلا بالنسبة إلى اتجاهي ، والنهر له يمين ويسار بالنسبة لاتجاهه .
                      والفراغ موجود بالنسبة لجسمين منحازين ، وهكذا .
                      وعلى هذا القانون بنى أبو محمد بن حزم جدله العلمي ، واصل لذلك تأصيلا جيد في كتابه ( التقريب ) .
                      نسبية حمقاء وأخرى ذات مغزى :
                      نسبية الطبيعة هي نسبية العلم والاكتشاف ولا يتصور العقل غيرها .
                      الخطأ المنطقي المفضوح عندما يقول الشاك : لا معنى للطول إلا بالنسبة لاعتقادي واعتقادك .
                      قال أبو عبد الرحمن : هذا دفع للحقيقة بالراح ، وهو مرفوض عقلا من ناحيتين :
                      أولاهما :
                      أن الاعتقاد لابد أن يرجع إلى برهان وإلا كان اتباعه ترجيحا من غير مرجح .
                      فان ضل الشاك عن هذا الأصل تقطعت به السواقي .
                      وأخراهما : أن وسائل المعرفة مشتركة بين الشاك وغير الشاك - ونتائج هذه المقدمات واحدة عند الاستخدام الصحيح .
                      فإذا أرينا الشاك وغيره جرمين منحازين ذوي أبعاد مختلفة : كان للطول معنى لا بالنسبة للاعتقادين بل بالنسبة للجرمين .
                      أما نسبية ( انشتاين ) فلا تعتمد على ملايين القوانين الطبيعية والرياضية والمنطقية فحسب .
                      بل جوهر أصالتها في أطرادها إذ لا يوجد حتى الآن حادثة أو قانون يتعذر تفسيره بالنسبية .


                      * * *

                      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                      قل خيرًا او اصمت



                      تعليق


                      • #71
                        رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                        برهان العقيدة برهان التشريع

                        في ديننا الإسلامي جانب تعبدي محض كالصلاة والصيام والحج ، وفوق كل ذلك الشهادتان وهذا الجانب هو صلة العبد بربه ، ولكن الإسلام جعل لذوي الأمر من المسلمين قوامة عليه ، فكل من تارك الصلاة وجاحدها والساحر وتارك الزكاة والمرتد وشاتم الدين ... الخ سل الله عليهم سيوفا بأيدي من جعلهم الله خلفاء في الأرض ، ولا يغمد هذا السيف : أن الناس أحرار في عقيدتهم ، ولكن جاهلية القرن العشرين نسفت الجانب التعبدي من حياتها وتهكمت بالعبادة فضلا عن توهم أنهم سيحمونها . وكان في ديننا الإسلامي جانب سلوكي تترتب عليه عقوبات من مالية وبدنية إلا أن جاهلية القرن العشرين ناقضت هذا الجانب تماما وطبيعي تعطيلها تلك العقوبات ومن ذلك الجانب أبواب المعاملات من بيع وإجارة .. الخ ، ولكن جاهلية القرن العشرين خرجت تعمدا على مقاصد الشريعة في أبواب المعاملات وركضت ركضا مروعا لاهثة وراء المادة بالربا المحرم الذي هو أقبح وسيلة إلى الجشع ، وهذه المحادة لدين الله من كل جوانبه لها بواعث : منها واقع المسلمين السيئ من ناحية قوتهم وعلمهم وواقع بعض المسلمين المسيئين الذين يتحيلون على المحرم باسم الإسلام نفسه ، كهؤلاء اللاهثين وراء الربا وبيع العينة ومنها جهل العصريين بديننا وانخداعهم بنظام غيرهم ، ومنها قوة عدونا وعلمه والمحاجة لهذه المحادة - إن كانت من مسلم - اتجه النقاش إلى اتهام إيمانه وإرجاعه بالبراهين إلى اليقين بأن الله حق وبأنه بعث رسوله حقا ، وانزل قرآنه حقا ، وبأنه صادق حقا ، وبأن التشريع له وهو أولى به حقا ، وإن كان من كافر حاججناه بأن واقع المسلمين غير الإسلام ، ولا ندعو إلى شيء يوجد بين المسلمين وهو غريب عن الإسلام لمجرد أنهم مسلمون ، وإنما ندعو إلى الإسلام من نميره الصافي ثم نحاجه من ناحية فساد وبطلان وظلم وجور وجهل ونقص كل هذه الأنظمة المضادة للتشريع من واقع التجربة ثم نحتج لكل جزئية شرعية بهذه السلسلة الذهبية من البراهين فنقول : هذا حكم صح ثبوته عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
                        وصح عقلا أن هناك رسولا بشريا تبلغ عن ربه ، وصح عملا أنه معصوم من الخطأ والكذب والجهل ، وصح عقلا أن الله موجود وانه كامل لا متناه بكماله ، وبهذا يلزم عقلا أن خبره أولى بتدبيرنا من رأينا نحن ، لأن من هذا شأنه لا يعتريه سهو أو نقص أو جهل أو كذب ، وهو اعلم منا بأنفسنا .


                        * * *


                        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                        قل خيرًا او اصمت



                        تعليق


                        • #72
                          رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                          طبيعة التفكير العربي المسلم

                          إذا تأملت النصوص الشرعية الصحيحة رأيت تحديدا دقيقا لأبعاد السموات والأرض وسمك كل طبقة يقاس بمئات الأعوام ولعل هذه الإبعاد والمقاييس توزن بسرعة الصوت أو الضوء أو أسرع من ذلك الله اعلم . وأنصاف المثقفين الذين ينكرون سبع سماوات ومن الأرض مثلهن مخدوعون بالعظيم القليل من قدرة الله ذلك العظيم القليل الذي شاء الله أن يكون في قدرة العلم الحديث اكتشافه فماذا يقول هؤلاء ؟ .
                          يقولون : إن العلم الحديث بأرصدته ومجاهره وتلسكوباته وشتى أجهزته الدقيقة اهتدى إلى الملايين من الأفلاك ولم يجد السماوات وطبقاتها السبع إنما هي أفلاك متناثرة ونحن نقول :
                          أولا : إن عمر العلم الحديث لا يتجاوز مائتي سنة وبينكم وبين السموات مئات كثيرة من السنين لو جنحتم إليها بسرعة الصوت والضوء .
                          ثانيا : صفوا لنا حدود الكون بعد بلايين الأفلاك كيف تنتهي أبعاده وأقيموا لنـا البرهان على انه لا وراء لما انتهيتم إليه وان كون الله كله محدد مميز في قبضتكم العلمية .
                          ثالثا : قد يكون كل ما أثبتموه من مشاهدات وصفات عن هذه الأفلاك أمرا ثابتا في الواقع صحيحا لا مرية فيه فليس ببعيد أن يعلمكم الله ظاهرا من الحياة الدنيا ، والمفكر المسلم لا ينكر أمرا ثابتا ، ولكن الذي لا يجيزه المنطق هو التصديق بكل ما نفيتموه مما لم تعلموه لان نفيكم عدم علم وليس عدم العلم كالعلم بالعدم .
                          وكون الله أرحب مما تتصورون ، ونحن أصغينا لهداية ربنا الذي خلق هذا الكون فعلمنا علما لا مرية فيه أن سماء الله الدنيا - وهي أقرب السموات لنا - لن تكون في متناول البشر ولم يجتزها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تفتح له ( في المعراج ) إلا بإذن ربه وعلمنا أنها في حراسة الملائكة .
                          ولهذا جزمنا بان اكتشاف العلم لو تضاعف فصار اكتشاف سنة بثانية فانه سيظل مشغولا بعوالم دون السماء الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، والذي جعل العقول تذعن لهذا شيء واحد هو تمحيص البشر لتصورهم بحيث يشعرون بأن هذا الكون أرحب مما يتصورون .
                          رابعا : ليشعر أنصاف المثقفين في شرقنا أن هذه الهالة في تعداد الكواكب وأبعادها ليست سوى اكتشاف جديد للعلم الحديث وليست من خلق العلم الحديث لأنها موجودة قبل العلم الحديث وبعده وقد كان العلم عنها غافلا .
                          وهالة الاكتشاف من هالة المكتشف - بالبناء للمفعول - فما كان العلم الحديث عظيما ، إلا لأنه اكتشف عظيما فأرجو ألا تلهينا عظمة الاكتشاف عن عظمة الخلق ولا عظمة المكتشف عن عظمة الخالق فعظمة الخالق أزلية .
                          قل أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها .
                          إن طبيعة التفكير العربي المسلم تعني احترام العلم الحديث في نتائجه ومقرراته الملموسة ولكن ذلك وفق المنطق ، وتعني أيضا أن صدق العلم الحديث لا ينافي صدق الشرع ولكن العلم إذا كان ظنيا أو من باب النفي غير المحصور لا يعتبر مصدرا يعارض الشرع بل خبر خالق الحقيقة أولى من خبر مكتشفها .


                          * * *

                          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                          قل خيرًا او اصمت



                          تعليق


                          • #73
                            رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                            دور العقل في تلقي النصوص

                            مما لم يكن مسلما به - عند أكثر باحثي هذا العصر ومؤلفيه - هو وجود منهج للسمعيات أي : التي مصدرها ما سمع من الكتاب . أو من السنة عن طريق المخبر الصادق . معناه : إيمان الفرد بها إيمانا دون بحث عقلي ! ..
                            قال أبو عبد الرحمن - فتح الله عليه - : مما نجزم عليه ونؤكد القول به ( تقربا إلى الواحد الأول - جل شأنه - يوم فقرنا إليه ) : هو ضرورة هذا المنهج في تلقي السمعيات .
                            ونقول ضرورته ، لا وجوده فحسب ! . وهو رأي لا نعجز عن دعمه في أي وقت وبأي مكان ؟!
                            أما الذين ينازعون في التسليم بهذا المنهج : فآفاتهم كثيرة :
                            منها : أنهم لم يعرفوا دور العقل في تلقي الأخبار والأوامر والنواهي السمعية ، وأنهم : غير أصيلين في فلسفاتهم . إذ يجعلون دور السمع قانونا في مصادر المعرفة وأنهم تأثروا بشبه من يقول : أن السمعيات أكثرها ظني : أما لنزاع في ثبوتها أو لنزاع في دلالتها . بحكم ما تضافر على السنة النبوية - بوجه خاص - من معاول هدم نحتها من كل جانب .
                            فأما جهلهم بدور العقل في تلقي الأخبار والأوامر والنواهي السمعية ، فلأنهم استخدموا طاقاتهم العقلية في رد الخبر : إما بتأويل دلالته ، أو التشكيك في ثبوته عن الشارع ، فقالوا : العقل هو الحكم على هذه النصوص ، فما قبله فاقبله ، ومارده فأردده ، وهو قانون أصله « الرازي » و « أبو حامد الغزالي » و « أبو المعالي الجويني » وغيرهم وغيرهم ..
                            قال « الجويني » : ان وجود الباري تعالى وحياته وان له كلاما صدقا لا يثبته سمع . فأما من أحاط بكلام صدق ونظر بعد في جواز الرؤية وفي خلق الأفعال وأحكام القدرة مما يقع في هذا الفن بعد ثبوت مستند السمعيات لا يمنع اشتراك السمع والعقل فيه (1) .
                            قال أبو عبد الرحمن : إذا ثبت مستند السمعيات : لم يجز للعقل أن ينظر في جواز ما أثبته السمع أو عدمه ، و يمتنع اشتراك السمع والعقل في ذلك النظر ، على الصيغة التي ذكرها « الجويني » - عفا الله عنه - فما جاز للعقل قط - للأمور التي سنوضحها لاحقا بإذن الله - أن يكون حاكما ، والسمعي الذي ثبت مستنده محكوما عليه . وقد يقال : مات « الغزالي » و « الجويني » و « الرازي » و « الباقلاني » و « الشهرستاني » وغيرهم من أهل ذلك القانون الخاطئ ، وكفانا مؤونة تزييفه و « شيخ الإسلام ابن تيمية » صاحب « العقل والنقل » و « نقض المنطق » و « الرد على المنطقيين » .. فما كلفنا بشيء نزعت فائدته ؟!
                            قال أبو عبد الرحمن : انه وجد من يغذى كلام أولئك الذين رد عليهم « ابن تيمية » ويحتج به ويضيف إليه : شعوذة المستشرقين ويطعمه ببعض آراء الفلسفة الغربية المعاصره على انه من بنات أفكاره ، كما فعل « القصيمي » في كتابه « العالم ليس عقل » وأيضا فان مادة الجدل في « العقل والنقل » تحولت إلى موضوع جديد ( أو - بالأصح - إلى موضوع أرحب ) فكانوا في السابق يخوضون في مسألة : وجود الله وقدمه ، وحدوث العالم ، وثبوت الصفات أو نفيها ، ويفتتون - بجانبها - مسألة العقل والنقل هل يتعارضان ، أم يتفقان ؟ وما الحيلة إذا تعارضا ؟ .. أما اليوم : فكان الأفق أوسع ، ولم يعد البحث قاصرا على القديم والحادث ، والممكن الوجود ، والواجب الوجود ، بل الأمر تقديس للعقل مطلق ، وتشكيك في المسموع في كل ما يقال : أن العلم أو الطب أو الكشف الكوني يعارضه ، أو كشف كل ذلك أو بعضه عن عدم صحته أو ثبوته ، أو كشفت الأيام عن زيفه .. و « القصيمي » - مثلا - يذكر : أن المسلمين يلقبون المحدث : بالحافظ ويسمون الله : الحافظ ، ولكنهم لا يسمونه : العقل ، أو المفكر .. ولا يسمون : عبد العاقل أو عبد المفكر ، ويستدل بهذه الشعوذة على أن الإسلام يلغي قداسة العقل ، ثم يقرر هو - بدوره - ضرورة تحكيم العقل في كل النصوص !! .. فلولا أن الموضوع - إذن - أصبح أكثر طراوة من ذي قبل ، وانه سيكون لنا رأي أصيل في الموضوع إياه - رغم استفادتنا مما كتبه ابن تيمية في العقل والنقل وما ألف في المنطق وعلم الملل والنحل والآراء الفلسفية - ما كنا لنكلف بهذه الدراسة ... ونعود إلى ما قلناه عن جهل هؤلاء بدور العقل في تلقى النصوص ، وإذا تقرر : عدم جواز رد النص إذا لم يرتح له العقل - كمنهج للتلقي - نقرر : أن دور العقل : هو دور الفهم ، والتكيف مع النص ، ولا بدع في ذلك إذا كان ما في أخبار الله وأخبار الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - من حديث عن المعاد والنشأتين وصفات الله .. الخ هي من الأشياء التي يقصر العقل عن إدراكها بأكثر مما أوضحه الشارع ، لا أن العقل ينكرها ، ولا يقال عن كل ما لا يدركه العقل : أن العقل يعارضه ، ولكن كل ما فهمه وأدركه ولم يرتح إليه : يجوز أن يقال انه عارضه - بغض النظر عن التماس ما هو الصواب : أبجانب النص المثبت ، أو العقل النافي ؟ .. وكل ما في القرآن والسنة من نصوص تشيد بالعقل والتفكر والاعتبار : ليس معناها معارضة السمع ( الثابت مستنده ) بل معناها الفهم ، فهم النصوص ، وفهم وجهة دلالتها .. وتعقل أحكامها المستنبطة منها .. والتعقل والتفكر والاعتبار في دلائل صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووجود الله ووحدانيته .. ووو .. مما جعل الشارع العقل آية له ، من النصوص المخاطبة والموجهة والمصححة للعقل . أما التدليل على جواز استعمال العقل في تلقيه النصوص بالمعنى الأخير وخطأ التلقي بالمعنى السابق - فسيأتي في حينه - أن شاء لله .
                            قال أبو عبد الرحمن : وأما أنهم غير أصيلين في تفكيرهم ، فلأنهم استحيوا آراء فلاسفة المسلمين السابقين ، وأولئك بنوا على فلسفة يونانية ليس عندها وحي الهي حتى تضع له رتبة بين مصادر المعرفة المتعارف عليها ! .. والى هذا الحين أجد الحاجة ماسة إلى إلمامة يسيرة عن مصادر المعرفة : التي تدرك بها الأشياء : في حقائقها وطبائعها ، واستحالتها أو أمكانها ، وحسنها أو قبحها ، إلى آخر ما يسمى علما ومعرفة .

                            _______________________
                            (1) الجويني للدكتورة فوقية حسن محمد حسن - ضمن سلسلة أعلام العرب ص 134 - 144 عن كتاب البرهان .
                            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                            قل خيرًا او اصمت



                            تعليق


                            • #74
                              رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                              مصادر المعرفة عند الفلاسفة والمنطقين :
                              أول مصادر المعرفة : هو النفس - في محسوساتها وتجاربها - ثم البديهيات ، وهي أوائل العقل ، وآخرها : مدارك العقل النظرية ، المفتقرة إلى البرهان ، وهي معرفة النسبة الحاصلة أو اللاحاصلة في كل « حمل جوهري » أو حمل عرضي - كما يسمونهما - كالنسبة الحاصلة في قولنا : « العالم محدث » أو للاحاصلة في قول : « الرسول شاعر » ...
                              قال أبو محمد ابن جزم - في كتابه : الفصل : أن الإنسان يخرج إلى هذا العالم ونفسه قد ذهب ذكرها جملة ، في قول من يقول : أنها كانت قبل ذلك ذاكرة ، أو لا ذكر لها البتة ، في قول من يقول : أنها حدثت حينئذ ، أو أنها مزاج عرضي .
                              قال أبو عبد الرحمن :
                              ومعنى هذا الكلام : أن ابن حزم صاحب مذهب مشهور في تأويل قوله تعالى : « وإذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم .. الآية » : وهو القول بقدم خلق الأرواح ، وأنها حينما تنفخ الروح في المخلوق ويخرج إلى العالم : فإما أن تكون نفسه قد ذهب ذكرها لذلك العهد أولا .. إلى آخر كلام الشيخ « أبي محمد » ، ثم قال - عفا الله عنه - : إلا انه قد حصل انه لا ذكر للطفل حين ولادته ، ولا تمييز إلا ما لسائر الحيوان من الحس والحركة الإرادية فقط ، فتراه يقبض رجليه ويمدهما ، ويقلب أعضاءه - حسب طاقته - ويألم إذا أحس البرد أو الحر أو الجوع ، وإذا ضرب أو قرص ، وله سوى ذلك مما يشاركه فيه الحيوان والنوامي مما ليس حيوانا - من طلب الغذاء لبقاء جسمه على ما هو عليه ولنمائه : فيأخذ الثدي ويميزه - بطبعه - من سائر الأعضاء بفمه ، دون سائر أعضائه .. ثم ذكر : أن أول ما يحدث للنفس إذا قويت من التمييز الذي ينفرد به الناطق من الحيوان : فهم ما أدركت بحواسها الخمس ، كعلمها : أن الرائحة الطيبة مقبولة من طبعها ، والرائحة الرديئة منافرة لطبعها ، وكعلمها : أن الأحمر مخالف للأخضر والأصفر والأبيض والأسود والفرق بين الخشن والأملس والمكتنز والمتهيل ، واللزج ، والحار والبارد ، والدافئ ، وكالفرق بين الحلو والحامض والمر والمالح والعفص والزاعق والتفه والعذب والحريف وكالفرق بين الصوت الحاد والغليظ والرقيق والمطرب والمفزع .
                              قال أبو محمد : فهذه ادراكات الحواس لمحسوساتها والإدراك السادس علمها بالبديهيات فمن ذلك : علمها بان الجزء اقل من الكل ، فان الصبي الصغير في أول تمييزه إذا أعطيته تمرتين بكى ، وإذا زدته ثالثة سر وهذا علم منه : بان الكل أكثر من الجزء - وان كان لا ينتبه لتحديد ما يعرف من ذلك ... إلى آخر كلامه (2) وأما معرفة النفس بتجربتها فكما قال « إمام الحرمين : أبو المعالي الجويني » - في كتابه : البرهان : إذا قدر الواحد على التقلب في الجهات فيعلم من نفسه حال القادرين بداهة ، ووضوح ذلك يغني عن الإغراق فيه (3) .
                              قال أبو عبد الرحمن : ومصادر المعرفة عند « الجويني » - فيما عدا السمع : هي العقل ، والحواس ، والنفس وهو قد غلط إذ جعل الحواس شيئا غير النفس .
                              وقصارى القول :
                              أن ما تعرفه النفس بحواسها وتجربتها : هو أول مصادر المعرفة لان النفس تعرفه منذ خروجها إلى العالم .. وأبو محمد - رحمه الله - قد غلط أيضا ، إذ جعل البديهيات من ادراكات النفس ، والصحيح أنها : من مقدمات العقل ، ومما يعلمه العقل بالضرورة ، فالطفل في أول تمييزه ، وفي سروره إذا زدته تمرة ثالثة - وان لم ينتبه لتحديد ما يعرف من ذلك : إنما سر لان ذلك أول تمييزه بعقله ، وليس ذلك مما يصح أن يقال أن النفس أحسته ، أو هو من إحساسات النفس ، والظاهر أن « أبا محمد » تنبه لذلك حيث ساق جملة من البديهيات ، ثم قال أبو محمد : فهذه أوائل العقل (4) ..
                              ويرى أبو محمد : أن ادراكات النفس وبداهة العقل : « ضرورات أوقعها الله في النفس ولا سبيل إلى الاستدلال البتة إلا من هذه المقدمات ، ولا يصح شيء إلا بالرد إليها فما شهدت له مقدمة من هذه المقدمات بالصحة : فهو صحيح متيقن ، وما لم تشهد له بالصحة فهو باطل ساقط » (5) .. ويقول قبل ذلك : « انه لا سبيل إلى أن يطلب عليها دليلا إلا مجنون أو جاهل لا يعلم حقائق الأشياء ومن الطفل أهدى منه ، لان الاستدلال على الشيء لا يكون إلا في زمان ولابد - ضرورة - أن يعلم ذلك بأول العقل ، لأنه قد علم بضرورة العقل : انه لا يكون شيء مما في العالم إلا في وقت ، وليس بين أول أوقات تمييز النفس في هذا العالم وبين إدراكها لكل من ذكر مهلة البتة ، لا دقيقة ولا جليلة ، ولا سبيل إلى ذلك » .. والظاهر .. انه لم يمار في هذه المقدمات إلا السوفسطائية الذين يبطلون الحقائق ، وقد احكم أبو محمد الرد عليهم في صفحتي 8 -9 من الفصل ج 1 .
                              ويرى « سقراط » : « أن العلم لدنى ينبع من النفس والعقل ، وانه موجود بالقوة يعني بالإضمار والخفاء ، وفي داخل النفس ، وانه يخرج إلى حالة الوجود بالفعل فلا يحتاج في ذلك إلا لمن يحركه بالأسئلة الموجهة » .
                              قال أبو عبد الرحمن : وهذا صحيح ، لو قال بدل « العلم لدنى » : « المعرفة لدنية » - على اصطلاح المناطقة في التفرقة بين المعرفة والعلم - اعني : إحساس النفس وبداهة العقل ، أما : أن العلم النظري موجود بالقوة ، فلا مماراة في بطلان ذلك الزعم ولو كان صحيحا : ما لهث الإنسان وراء البرهان .. وأيضا : فالإنسان يطلب البرهان فلا يدري هل يسعفه على صحة ما يتصوره ، أو يقوم على بطلان ما يتصوره ، فكيف كان العلم « لدنيا » أو بمعنى آخر : هل يقال للإنسان : عالم قبل أن يجد البرهان ؟ .. وأما أن غريزة العقل وتهيؤ النفس للإحساس والتجربة موجودان داخل الإنسان فذلك ما لا ينازع فيه العقلاء .
                              _______________________
                              (2) المصدر السابق ص 137 عن البرهان .
                              (3) و (4) و (5) انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل لأبي محمد على بن حزم 7 م صبيح عام 1384 هـ ج 1م 1 ص 5 ، 6،7 .




                              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                              قل خيرًا او اصمت



                              تعليق


                              • #75
                                رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                                الحقيقة الشرعية

                                قال أبو عبد الرحمن : يقدم سلفنا الصالح « النص » الثابت عن الشارع ( إذا صحت دلالته ) على كل ما يعارضه من مصادر المعرفة - في جميع ما يتعلق بسلوكهم وتصوراتهم - وان جاءت المعارضة من احد المصادر اليقينية « كالحس مثلا » : آمنوا - ملء قلوبهم - بان هذا المعارض غير قاطع الدلالة لآفة من الآفات « مثارات الغلط » التي يتيه عنها الذهن كثيرا في مواطن الاستدلال وهم يقطعون بخطأ المعارض بمجرد انه خالف النص الصحيح - وان لم ينتبهوا إلى ما خفي من آفاته ! ..
                                فيحسب بعض من لاحت لهم فلسفات بشرية - في الاقتصاد والنظم والسياسة وشتى التصورات : أن مختطي منهج سلفهم ( منا نحن المسلمين ) يحيفون على منطق العصر الحديث ! .
                                وهؤلاء المخدوعون بفلسفة العصر ومنطقه : يوقنون بان كثيرا مما أجمعت عليه الجاهلية الحديثة : يعارض النص بلا مواربة كإلغاء القصاص والرجم . والعدل - عندهم - أن لا نسلم للنص مطلقا ، بمعنى أن النص ليس بمحل للقطع واليقين وتحصيل الحقيقة في كل آن ومكان !
                                فما ثمة بأس أن تكون فلسفة العصر الحديثة الإنسانية الرحيمة : مصيبة في إلغاء حدود الله !!
                                وما ثمة بأس في أن يكون « النص » الذي يأمر بالحدود - وهي قسوة ووحشية كما يزعمون - غير مصيب هذه المرة !!
                                ويقسم أبو عبد الرحمن بالله العظيم « خالقي وباعثي » أن الفكر النصي « الإسلامي » هو العملاق ، وان كل فكر بشري يعارضه لا يصمد لحجته إلا أن يلوذ بسفسطة ، أو يهرع إلى قوة يحمي بها باطله وتخاذله .
                                وإنني محدد النقاط المبثوثة في كلامي الآنف الذكر ، ثم مناقشها نقاشا لو تأمله من يدفع بحجة - من هؤلاء الذين تسلطوا على امة المسلمين في شرقنا العربي والإسلامي وحكموا فيهم بغير ما انزل الله : لعرف أن دين الله الحق ، وما دونه الباطل .
                                فأول ما يجب تحديده أن يقال :
                                « التسليم لدلالة النص مطلقا - دون أن يتهم إذا عارضه معارض - تحكم ، لأنه ترجيح ولا مرجح ! » .
                                وثانيا أن يقال :
                                « هذه دول أوروبا عطلت حدود الله ، ومع هذا فلم تفسد شؤونها فهي بلد الرقي والحضارة والقوة ! »
                                وثالثها أن يقال :
                                « إن الفكر الإسلامي لو كان هو العملاق لما عاش بجنبه أي فكر يعارضه ولما أشاح عنه مثقفو القوم وشبابهم ! »
                                قال أبو عبد الرحمن : أما الأولى فنقول : إنما يكون التسليم لدلالة النص مطلقا تحكما : لو أن الإيمان بالنص حصل اعتباطا بيد أن الإيمان به لم يحصل إلا بقواطع الأدلة من مختلف العقليات والحسيات ، فالمعجزة الحسية شهدها السلف عيانا وأيقن بها الخلف بالتواتر الذي يحيل العقل كذبه . ماثلة من حقائق الدين ومن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي لم يدرس في جامعة ولم يحصل على دكتوراه ولم تكن له رحلات ذات أثر ، وما كان يتلو من كتاب ولا يخطه بيمينه ، ولا تزال المعجزة قائمة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه حاربه قومه وخذلوه ، وهو وحيد يتيم فقير ، ثم تبعه قلة من مستضعفي القوم فتحدي الأقوياء علنا وسفه أحلامهم وهموا أن يبطشوا به مرارا فكانت رعاية الله له في هذه المواطن التي لم تتحكم فيها المصادفات معجزة المعجزات ! ..
                                ولا تزال المعجزة قائمة من أخبار النصوص ببعض المغيبات وكشفها عن حقائق علمية قبل أن يجوس رواد العلم مجاهل الكون ولا تزال المعجزة ماثلة في فطرة الإنسان نفسه التي لا تستقيم بغير ما نظمها به « وحي الله » الله الذي فطر الناس وجبلهم ولا تزال المعجزة ماثلة في أن الإيمان بالله ثمار العقل الصحيح وانه لا دليل مع الملحد سوى الإنكار ، والإنكار نفسه ليس بحجة ، وإنما هو دعوى وجمهور علماء الذرة والفضاء والأحياء والتشريح والطب والنبات ، آمنوا بالله عن قانعة ولكن لم ينتفعوا بإيمانهم في سلوكهم لعوامل قد نشرحها في غير هذا الموطن .
                                أما ملاحدة شرقنا العربي فهم ابعد الناس عن نواحي العلم التطبيقية وجمهورهم من أنصاف المثقفين الذين عسر هضمهم لفلسفات العصر فقذفوا بها قيئا يؤذي أمتهم ودينهم أو أنصاف مثقفين هالتهم القوة المادية الراهنة فحسبوا أن الإلحاد هو الذي يهدي العقول ويصنع القوة .
                                إذن فالنص الذي صح ثبوته وصحت دلالته نص خالق الحقيقة وموجدها . وما يعارض النص إنما هو اقتراح من يحاول اكتشاف الحقيقة ، فالمنطق الصحيح : أن نص موجد الحقيقة هو الأولى ، لأن موجدها قد عرفها ، فما بالنا نسلك مسلكا غير مأمون ، قد نتيه به في عمى ؟!
                                إن اتهام النص يكون من ثلاثة أوجه :
                                أ - اتهامه في ثبوته .
                                ب - اتهامه في دلالته .
                                ج - اتهامه في صدقه « بعد صحة ثبوته ودلالته » .
                                فأما الاتهامان الأولان فمن اوجب الواجبات عند مجتهدي المسلمين بقيودهم وضوابطهم التي دونوها في أصولهم بعظمة فكرية .
                                أما اتهام النص في صدقه فدونه خرط القتاد ، وإلا فماذا يصنعون بإيمانهم المسبق بوجود الله وانه لا يقول إلا الحق ؟ أفي عرف هؤلاء المخذولين من أبناء عصرنا أن تتناقض الحقائق ؟ .
                                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                                قل خيرًا او اصمت



                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:01 ص
                                ردود 0
                                6 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:00 ص
                                ردود 0
                                2 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 23 أغس, 2023, 08:53 م
                                ردود 0
                                27 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 6 يون, 2023, 01:37 ص
                                ردود 0
                                14 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 يون, 2023, 03:05 ص
                                ردود 0
                                16 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                يعمل...
                                X