تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ظل ظليل مسلم اكتشف المزيد حول ظل ظليل
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76
    رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

    وإذن فلا تحكم في تقديم قول موجد الحقيقة على قول من يحاول اكتشافها .
    قال أبو عبد الرحمن : وأما الثانية فنقول :
    أن أوربا عطلت حدود الله وشرعه ففتك فيها القلق والانتحار والبرم بالحياة والجنون وتوتر الأعصاب .
    ولهذا كان علم النفس عندهم من أرقى العلوم ، لأنه يلبي حاجتهم الراهنة وقد هب عقلاؤهم من عشرات السنين ينادون بضوابط القيم ، وهذا أمر طبيعي في مجتمع جاهلي تقوضت فيه بيوت الأسرة بظلها ونعيمها من حنان وشفقة وتعاطف ، وفي كل يوم نبأ : سيدة جاهلية تقتل أطفالها الأربعة بفأس ، أو نبأ فتى جاهلي : يحزم فتيات نائمات في رباط و يعمل فيهن المسدس !!
    وهذا أمر طبيعي في مجتمع جاهلي استعبدته الحياة فصار كالآلة المسخرة لأهداف وميول الأحزاب الجائرة الطاغية !
    وهذا أمر طبيعي في مجتمع جاهلي عشش فيه الباطل ، وفرخ فيه إبليس فلا وزاع دينيا يعصم ، ولا إيمان ولا حب لله يملأ القلب طمأنينة وحبورا وسلامة وراحة .
    أما قوة أوربا ورقيها فلم تكتسبها بإلحادها الذي يأباه الإسلام ، وإنما اكتسبته بالجد وعزائم الأمور التي يحض عليها الإسلام ذويه ليعصموا مبادئهم الخيرة العادلة بالقوة فالتفريط تفريط المسلمين لا الإسلام !!
    ولو كانت النهضة الأوربية الحديثة يسيرها إطار خالص من تعاليم الدين وهديه - من نصوصه الصحيحة الثابتة - لكانت حضارة تدعو للسلام وتشجب الظلم والعدوان وتمسح قلق النفس وتوتر الأعصاب وحقد القلوب وفساد الضمير ، وكثيرون من رواد العلم الحديث كانوا مؤمنين بأديانهم .
    أولم يكن « ديكارت » مخلصا لمسيحيته ؟ الم يكن كالفن وروثر من الغيورين على عقيدتهم ؟!
    إنما كان الإثم إثم الدين المسيحي الخرافي المحرف ، ولو كان دين أوربا دينا إسلاميا لدفع بحضارتهم بما يرضي شقيها : المادة والروح ، أو ليس من العجيب أن يسلط المجتمع الجاهلي حيله الشيطانية في الدفاع عن المجرم الذي قتل نفسا أو نفوسا للاعتذار عنه بأنه مجنون أو طافح « يرى الديك حمارا ! » أو قلق نفسيا فبهذه الرحمة الجاهلية التي زينها لهم إبليس كثر الإجرام وهانت الدماء واختل الأمن ؟!
    العجيب أنهم يرحمون المجرم ولا يرحمون ضحيته ، ونقول لكل من لا يؤمن بالله ورسوله :
    1 - أن القصاص عدل وان النفس بالنفس مقتضى الإنصاف والمساواة وقد أخطأته الجاهلية بكل صفيرها ونفيرها .
    2 - وان المجرم الذي لم يرحم ضحيته عضو أشل بل داء متآكل يجب أن يذاد كما يذاد عن المزروعة النفذ .
    3 - إن حامية هذا المقتضى العادل عمارة للكون وللحياة ، إن استئصال مجرم واحد فيه حياة لمجتمع كبير ولكم في القصاص حياة .
    4 - وان رحمة المجرم من فضائل الأخلاق ولكن يجب أن لا تحول هذه الرحمة دون اخذ الحق منه مقاصة عادلة والله يقول : « ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله » فهذه الرأفة التي حذر منها ديننا هي الرأفة التي تحول دون إقامة الحد .
    5 - وان رحمة المجرم رحمة تحول دون تنفيذ الحق إنما يملكها الموتور بأبيه أو أخيه أو قريبه ، أما أن يرحم المجتمع مجرما بجرم لم يؤلمهم وقعه فظلم وحيف على من تقطعت نفسه حسرات وغيظا بفقد عزيزه ..
    6 - إن الرجم والقطع والإطاحة بالرأس من أبشع المناظر ، ولكنها كانت لا بشع الجرائم ، وما ننكر أن يكون الدواء مرا وإنما ننكر أن يترك المجتمع على علاته لعدم تحمله مرارة الدواء .
    قال أبو عبد الرحمن : أما الثالثة فمدفوعة بأمور :
    أولهـا : أن الفكر الإسلامي هو العملاق إذا كان المقام مقام حجة وبرهان ، ومازال في كل عصر منذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن قتيبة إلى ابن حزم إلى ابن تيمية إلى ابن عبد الوهاب إلى سيد قطب ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها - من يحجز الملحدين بأقماع السمسم ويحكم خناقهم في عنق الزجاجة .
    وثانيهـا : أن الأفكار المنحرفة لم تعش إلا بقوة تحميها أو بطنطنة محترفين يبشرون بها تحت شعارات عاطفية . وطبيعي اختلاف المذاهب وتعددها ، وطبيعي أيضا أن يكون الحق في جهة واحدة من شتى الجهات .
    وثالثـها : أن المشيحين عنه لم يدخلوا فيه بعد ولم يفقهوه وإنما استحوذت عليهم سنة تقليد الضعيف للقوي ، ومعرفة هؤلاء الشباب ( المتخلي عن دينه ) بالشـبه المثارة حول الإسلام أكثر من معرفتهم بحقائق الإسلام ذاته .
    وأخيرا : شاهدت - ألف مرة - وجوه المنتكسين والمرتكسين والوقواقين والببغاوات والإمعات وفاقدي الشخصية . وحسبنا الله ونعم والوكيل .


    * * *
    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
    قل خيرًا او اصمت



    تعليق


    • #77
      رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

      كيف نصوغ البرهان

      مصدر البرهنة الأول :
      بديهة العقل أو أوائل العقل ، أو ضرورات العقل ، أو المقدمات كما يسميها ابن حزم أو الأفكار الخالصة كما يسميها ديكارت .
      ومن هذه البديهات نستمد براهيننا في شتى المعارف فنعرف أن الآية برهان وان الخبر المتواتر حجة وان مقتضى الألفاظ لغة برهان على مراد العرب .
      فما هي إذن هذه البديهيات ؟
      انها ما يحيله العقل فمن المحال أن يكون الكل اقل من الجزء ومن المحال أن يجتمع الضدان والمكان والزمان واحد ، ومن المحال أن يكون شيء في غير زمان ، ومن المحال أن يكون فعل دون فاعل .. الخ .
      إذن قانون هذه البديهات واحد - لا ثلاثة كما زعم أرسطو - وهو :
      أن الباطل ما اضطر الإيمان به إلى محال عقلي يعرف انه محال بفطرة العقل ، وان الحق ما اضطر التكذيب به إلى محال عقلي يعرف انه محال بفطرة العقل .
      وهذه الفطرة هي التي نسميها ضرورة العقل . وكل برهان صحيح في الوجود إذا حللته انتهى إلى ضرورة عقلية .
      البرهان على أن هذه البدهيات ضرورية :
      صح اذن أن العقل له بديهة ضرورية وهي معرفة العقل للمحال ولكن : ألا يكون هذا اعتمادا على خبرته الحسية ؟
      إن أحدنا يعرف أن 2+2=4 ويظن انه عرف ذلك بالبداهة الفطرية ولكن الفيلسوف الألماني « عمانوئيل كانت » يقول :
      إننا تعلمنا ذلك في الطفولة أي اعتمد العقل على الخبرة الحسية بالعد على الأصابع شيئا فشيئا اننا تعلمنا ونسينا كيف تعلمنا ذلك فظن أن هذا بداهة .
      قال أبو عبد الرحمن : لا ريب أن هذه بديهة أخذها العقل من خبرته الحسية ولكن هذا عند ابن حزم لا يعني خلو العقل من بداهة فطرية فلديه مثال غير ما ذكره كانت يدل على البداهة الفطرية وهو أن الصبي في أول تمييزه قبل معرفته للعد على أصابعه : إذا أعطيته تمرتين بكى وإذا زدته ثالثة سر فأي خبرة حسية اعتمد عليها ثم ؟
      ( الفصل ج 1 ص 5 ) إنما عقله فطر على أن الكل أكثر من الجزء .
      قال أبو عبد الرحمن : لا آمن أن تكون جميع الأمثلة التي ذكر أبو محمد أنها من المعرفة العقلية الفطرية :
      ترتد كلها إلى الحس ، فنقول :
      إن الصبي ما سر بالتمرة الثالثة إلا لأنه جرب مرة بحسه أن الثلاث خير له من الاثنتين وهذه عقدة معضلة اعني خلوص الأفكار أو انبثاقها من الخبرة الحسية - بلح بها جون لوك وديكارت وكانت وسارتر ، وارى أن الخلاف في أن كل أفكارنا منبثقة من الحس أو أن فيها فطري خالص :
      لا تأثير له فيما نجنح إليه لتشخيص البرهان المعتبر .
      فهب : أن كل الأفكار منبثقة من خبرة الحس إلا أن هذه الخبرة الحسية تولد منها ضرورات عقلية لا ريب فيها ولا ينقصها إلا خبرة حسية أخرى إن وجدت ، فإيمان عقلي بان الضدين لا يجتمعان في آن ومكان واحد : من الممكن أنني بنيته على خبرة حسية إذ رأيت أن الضدين لا يجتمعان .
      إن هذه الخبرة الحسية هدتني إلى أن قانون الوسط المرفوع ضرورة عقلية ، لا ينقصها إلا خبرة حسية أخرى بحيث أرى ضدين اجتمعا .
      إذن عندنا بدائه عقلية ضرورية هي أم البراهين سواء أكانت مكتسبة من الحس أم من الفطرة وإذن فلنسمها بدائه العقل الضرورية .
      البرهان على أن هذه البدهيات ضرورية فطرية :
      يبرهن ابن حزم على ذلك فيقول : هذه البدهيات لا يطلب عليها دليلا إلا مجنون أو جاهل لان الاستدلال على الشيء لا يكون إلا في زمان لأنه علم بضرورة العقل انه لا يكون شيء مما في العالم إلا في وقت وليس بين أول أوقات تمييز النفس الحسي وبين اداركها العقلي مهلة البتة فصح أنها ضرورة ( الفصل ج 1 ص 6 ) .
      قال أبو عبد الرحمن :
      هذا البرهان مختل من وجهين :
      أولهما : انه بناه على أن البدائه العقلية فطرية في ذاتها إذ جعل المعرفة العقلية والحسية في آن واحد وليس بينهما مهلة !
      وهذا غير مسلم له والقائلون - كلوك - بأن العقل صفحة بيضاء ينقش فيها الحس معارفه أرجح أدلة من أبي محمد .
      وثانيهما : أن أبا محمد استدل على صحة الضرورة العقلية بالضرورة العقلية وهذا دور محال .
      إذ يحيل العقل : أن يكون الشيء في ذاته جملة - حجة نفسه في ذاته جملة ، وهو شيء يسميه المنطقيون المصادرة على المطلوب . والبرهان الذي نرتضيه : أن البشر بدأ إدراكهم بالحس ثم بالعقل ومرجعهم في أخذهم وردهم بالحس والعقل ، ومن أنكر هذين المصدرين - من مصادر البرهان - فسيجادلك بحسه وعقله .
      وإذ هذا هو السبيل فلا مندوحة لنا عن الاحتجاج بالحس والعقل جريا على فطرة الله التي فطرنا عليها .
      وقد اخذ عقلنا من حسنا بدائه ضرورية استدللنا على ضروريتها بأن لم نجد حسا بشريا آخر ينقضها فمنذ فجر البشرية حتى الآن لم نجد في حس البشر أن الضدين يجتمعان في آن واحد ومكان واحد .

      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
      قل خيرًا او اصمت



      تعليق


      • #78
        رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

        إذن هذه معرفة حقيقة فطر حسنا وعقلنا على معرفتها وإنكارها محال في حسنا وعقلنا .
        وإذ صح أن الله فطرنا على المعرفة بالحس والعقل فهذه البدائه فطرية لأنها نتائج عامة فطرنا عليها .
        كيف كانت هذه البدائه أم البراهين ؟ وكيف تتولد منها البراهين ؟
        ما شهدت له بديهة من هذه البدائه فهو صحيح متيقن وما لم تشهد له بالصحة فهو باطل ساقط ( الفصل ج 1 ص 7 ) .
        قال أبو عبد الرحمن :
        هذا يعني أن البدائه أم البراهين .
        فكيف ذلك ؟
        انه بطريقتين :
        1 - الطريق المباشر ، فإذا قلت :
        أبو عبد الرحمن في عزبة النخل بالقاهرة المحروسة وفي الناصرية بالرياض المحروسة يوم الاثنين الموافق 12/8/1395 هـ في تمام الساعة الخامسة نهارا وجلس في هذين المكانين ساعة واحدة لم ينتقل من أحد المكانين خلالها :
        قلنا : هذا باطل لأن البديهة العقلية تحيل مباشرة وهو أن العقل بفطرته أو خبرته - يحيل أن يكون الشيء الواحد غير المتجزئ كله في مكانين متباعدين لا يسعه ملؤهما في آن واحد !
        فهذا برهان بدهي مباشر .
        2 - الطريق غير المباشر وهو تعدد الوسائط فإذا قلت :
        ما البرهان : على أن الصلاة واجبة بطريق العقل ؟
        قلت : الدليل قوله تعالى :
        « وأقيموا الصلاة » لأنني عرفت بعقلي : أن الله واجب الوجود إذ نفي ذلك محال عقلي فيستحيل أن يكون هذا الخلق بدون خالق .
        وعرفت بعقلي أن محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل لنا من ربه لان معجزاته الحسية والمعنوية دلت على صدقه ، وانه رسول الله إذ يحيل عقلي وحسي التكذيب بدلالة هذه المعجزات .
        وعرفت بعقلي : أن هذه الآية الآمرة بالصلاة من عند الله لان الكافة نقلتها اتفاقا فلو غيرّ متلاعب في الغرب حرفا منها لأدرك ذلك عامي مسلم في الشرق ، وعقلي يحيل التكذيب بالتواتر ونقل الكافة وقد نقلوها عن محمد الذي آمن عقلي بأنه رسول الله وهذا الأمر بالصلاة يقتضي الوجوب لأنه مقتضى لغة العرب التي أحسستها بسمعي فلو صرفتها عن مضمون لغة العرب لكنت متعديا وعقلي يحكم ببطلان التعدي .
        إذن الصلاة واجبة عقلا بموجب هذه الوسائط المتسلسلة .
        يقول أبو محمد :
        ان الرجوع إلى هذه البدائه من قرب ومن بعد ( الفصل ج 1 ص 7 )
        فأبو محمد يبني آراءه - في كل مسألة على العقل - والعقل عنده أول مصادر المعرفة ولقد نفي ظنون العقل من الشرع كالقياس فظنوا انه عدو العقل ولم يعلموا أن العقل منطقه .
        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
        قل خيرًا او اصمت



        تعليق


        • #79
          رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

          قل هاتوا برهانكم

          لما ذكر الله سبحانه وتعالى بعض أفعاله بقوله « قل من يرزقكم من السماء والأرض » .. إلى آخر الآية ، قال في الآية التي بعدها ( فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال ) .
          ومن هذه الآية الكريمة نبيح لأنفسنا استعمال ( القسمة العقلية ) كمنهج من مناهج طلب البرهان الذي أمرنا ربنا به ، ذلك أن عبادة الله سبحانه لا تخلو من احد أمرين لا ثالث لهما في تصور العقل فإما أن تكون حقا وإما أن تكون ضلالا .
          والله سبحانه الحق فعبادته حق فتعين أن الكفر به هو الضلال ، والقسمة تأتي لحصر كل ما يتصوره العقل من أقسام واحتمالات كقولك : هذه الشركة لا تخلو من ثلاثة أحوال لا رابعة لهن في تصور العقل فإما أن تخسر وإما أن تربح وإما أن تحصل رأسمالها فقط ولا احتمال رابع غير هذه الاحتمالات .
          وقد تأتي القسمة لحصر الواقع وتكون اقل من المتصور عقلا كقولنا : إن زيدا المقيم في الرياض الذي سافر للقاهرة أمس لا يخلو من احد احتمالين لا ثالث لهما : فإما أن يكون لم يسافر للقاهرة ، وإما أن يكون رجع في الطائرة ولا احتمال غير هذين واقعا مع انه يمكن تصور انه عاد بقدرة إلهية بغير وسيلة الطائرة في هذا الوقت القصير ، ومن يريد جلاء البرهان الذي أمرنا ربنا به فعليه أن يستعمل القسمة العقلية لأنه يتعين بها محل النزاع فيرتفع التعارض والفوضى ويحصل بها الإلزام فينقطع الشغب ويحصل بها التفريق بين الأمور المختلفة فلا نعمم الحكم مع اختلاف الأحوال ، فمن نماذج القسمة العقلية هذا التفسير لقوله تعالى : ( فان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) . فعلماء المسلمين مجمعون على أن الأب يرث الثلثين وهو الباقي إذا لم يكن ثمة وارث غيره وغير الأم وبرهانهم هذه الآية . وهذه الآية الكريمة لم تنص على أن الأب يرث الثلثين وإنما فيها أن الأم ترث الثلث أما الأب فلم تذكر الآية مقدار إرثه ، فكيف عرفنا أن الآية تدل على أن للأب الثلثين ؟ أقول : عرفنا ذلك بالقسمة العقلية ذلك أن الوارثين اثنان لا ثالث لهما وهما الأب والأم لقوله تعالى : « وورثه أبواه » فالأبوان لغة هما الأب والأم فهذه هي القسمة العقلية للوارثين .
          كما أن التركة قسمان لا ثالث لهما وهما الثلث الذي عينته الآية للأم والباقي وهو الثلثان لان كل شيء ذهب ثلثه قد بقى ثلثاه بلا ريب يعرف ذلك ببديهة العقل ، فما بقى من الإرث وهو الثلثان لمن بقى من الورثة وهو الأب لان الأب وارث ، ولا وارث غيره وغير الأم والأم أخذت نصيبها فالباقي نصيبه .
          وهذا النوع من القسمة العقلية يسمى عند الأصوليين دليل الخطاب ، لأنك حصرت أقسام الورثة وأقسام الإرث ، وأعطيت بعض الأقسام حكمه بالنص الصريح وهو الثلث للأم وأعطيت بعضها الآخر حكمه باللزوم العقلي وهو الثلثان للأب ، لان القسمة العقلية لا تحتمل غير هذا .
          فهذه الصورة من صور القسمة نوع من أنواع البراهين يحصل بها العلم اليقيني لأنك تحصر أقسام الشيء وتحصر أقسام أحكامه . ومن الصور الأخرى من قسم القسمة العقلية أن تجد رجلا تعرف تدينه وتورعه وهو يستعمل حبر الدولة وورقها لشؤونه الخاصة فتقول له أتستعمل حق الدولة ؟ .
          فيقول لك : إن المسؤولين يعطوننا هذا الحبر والورق .
          فتقول له : لا تخلو الحال من ثلاثة أمور لا رابع لها في العقل :
          - فإما أن تكون الدولة أعطتك هذا للعمل الرسمي فحسب .
          - وإما أن تكون الدولة أعطتك هذا لعملك الخاص .
          - وإما أن تكون الدولة أعطتك هذا للعمل الرسمي ولعملك الخاص .
          ولا تجادله بعد هذا فهذه القسمة تفيد في تعين محل النزاع وهو تحديد الغرض الذي تستعمل له تلك الأوراق ، فإذا برهن لك على أن الدولة سمحت له باستعماله في عمله الخاص وقنعت ببرهانه انقطع النزاع .
          وإن قال : بل هذا الورق للعمل الرسمي فقط ولكنني استعمله لعملي الخاص أسوة بغيري فانك تنقله إلى قسمة عقلية أخرى فتقول : إذا كان هذا الورق لعمل الدولة الرسمي فاستعمالك له لا يخلو من احد أمرين لا ثالث لهما :
          - فإما أن يكون استعمالك حلال .
          - وإما أن يكون استعمالك حراما .
          ولا يتصور العقل غير هذين القسمين ، والغرض من هذه القسمة الإلزام لأنه إن قال استعمالي حلال ألزمته باستحلال كل محرم آخر من هذا النوع وهو استحلال كل حق لم يعلم صاحبه باستحلالك .
          وان قال هو حرام ألزمته بأنه عاص تعمدا ، فالغرض من هذا اللون من ألوان القسمة العقلية أن تحول بين خصمك وبين البراهين فتحرمه من أي برهان يتعلق به .
          ومن صور القسمة أيضا أن تحضر مجلسا يتنازع الحاضرون فيه حول الحكم الشرعي للتأمين ، فيقول بعضهم التأمين حرام ويقول بعضهم التأمين حلال .
          فتأخذهم إلى حضيرة القسمة العقلية وتقول التأمين صور كثيرة لا تخلو من احد أمرين لا ثالث لهما .
          - فإما أن يكون التأمين غير خال من المحذور الشرعي كالغرر والجهالة والربا فهو حرام .
          - وإما أن يكون خاليا من ذلك فهو حلال .
          فهذه اللون من القسمة يفيد في تعيين محل النزاع والتمييز بين الأحوال وهذا هو المنهج التحليلي الذي استعمله فقهاء المسلمين المجتهدين وفلاسفة الغرب في العصر الحديث .
          ومن صور القسمة العقلية أيضا أن نجد إنسانا يداين رجلا فقيرا بفائدة الربا .
          فتقول : لماذا تظلم هذا المسكين ؟ .
          فيقول لك : أنا لم اظلمه لأنه راض فحينئذ تنقله إلى حضيرة القسمة العقلية وتقول له : مداينتك هذه عقد وكل عقد يشترط فيه رضى الله سبحانه ولا تخلو مداينتكما التي تراضيتما عليها من احد أمرين :
          - فإما أن يكون الله رضى عنها .
          - وإما أن يكون الله لم يرض عنها .
          فبهذه القسمة تلزمه بأحد أمرين :
          - فإما أن يزعم رضى الله عن الربا فتورد له البرهان على ذلك .
          - وإما أن يزعم بان الله لم يرض عن الربا فيلزمه انه عاص عمدا وانك حلت بينه وبين البرهان ولم يبق عنده إلا إتباع الهوى ، ومن فوائد القسمة رفع التناقض والتضاد ، فإذا قال كل ملحد : إن القرآن قال إن الكفار لا ينطقون يوم القيامة ، وقال إنهم يتلاعنون في النار فأي هذين النصين نصدق ؟! .
          فانك تجره لحضيرة القسمة وتقول : يوم القيامة ليس هو طرفة عين بل له أقسام لا يهمني حصرها وإنما اذكر بعضها :
          1 - ففي يوم القيامة العرض وهو المحشر .
          2 - وفيه المحاسبة .
          3 - وفيه إنزال الناس منازلهم .
          فالكفار ينطقون في احد أقسام يوم القيامة ولا ينطقون في احد أقسامها ، ومن القسمة العقلية التي ورد بها القرآن الكريم قوله تعالى :
          « يهب لمن يشاء إناثا
          ويهب لمن يشاء الذكور
          ويجعل من يشاء عقيما » .
          فهذه ثلاثة أقسام لا يتصور العقل غيرها .
          ومن فوائد القسمة العقلية التعميم كأن تلزمه بواجب ما في كل حالة من حالاته التي لا يتصور العقل غيرها مثال ذلك ما يحكي عن إعرابي وقف على حلقة الحسن البصري فقال :
          ( رحم الله من تصدق من فضل ، أو آسى من كفاف ، أو آثر من قوت ) ولهذا قال الحسن ما ترك لأحد عذرا .
          ومن ألوان القسمة هذا الحصر لأحوال المرجفين في قول طريح بن إسماعيل الثقفي :
          إن يعلمـوا الخير أخفـوه وأن علمـوا
          شـرا أذاعـوا وإن لم يعلمـوا كذبـوا
          فلا يتصور العقل للمرجف حالة غير هذه الأحوال الثلاث .
          والفائدة من هذه القسمة تعيين الأشياء التي تحذر منها أو ترغب فيها ومن صور القسمة الحاصرة قول نصيب :
          فقـال فريـق القـوم لا وفـريقهم
          نعـم وفـريق أيمـن الله ما نـدري
          فلا يتصور العقل أن يجيب أي مسؤول بغير احد هذه الأوجه الثلاثة .
          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
          قل خيرًا او اصمت



          تعليق


          • #80
            رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

            نماذج لمنهج ابن حزم في الجدل

            قال أبو محمد : ونسأل من قال بالقياس :
            هل كل قياس قاسه قائس حق ؟
            أم منه حق ومنه باطل ؟
            فان قال : كل قياس حق أحال ، لأن المقاييس تتعارض .
            وان قال : منها حق ، ومنها باطل : قيل له :
            فعرفنا بماذا تعرف القياس الصحيح من الفاسد ؟
            ولا سبيل لهم إلى وجود ذلك أبدا . ( المحلى ج 1 ص 74 م 100 ) .
            قال أبو عبد الرحمن : هذا منحى من مناحي الجدل اسمه الإلزام بما تحصره القسمة العقلية .
            والغرض من حصر القسمة أمران :
            1 - أن كون مخالفك في المذهب يوافقك في جميع الأقسام ماعدا قسم واحد يخالفك في حكمه ، فبهذا تعين محل النزاع .
            ويكون فائدة القسمة تعين محل النزاع .
            ويكون المعنى هنا : اتفقنا على أن القياس ليس كله حقا ، فيتعين أن نعرف القياس الحق من جميع الأقيسة .
            2 - أن يكون مخالفك في المذهب لا يوافقك في جميع أحكام الأقسام فتحصر له الأقسام وتطلب حكم كل واحد منها .
            وتطلب حكم كل واحد منها .
            والفائدة في الأمرين واحدة .
            ولكن أبا محمد شوه هذا المنهج الجيد عندما قال :
            « ولا سبيل لهم إلى وجود ذلك أبدا » .
            فهذا إلزام بالدعوى لا بالبرهان ، والحقيقة أن لهم علامة على القياس الصحيح في أصول مذهبهم وهي العلة أو الشبهية أو المناسبة أو الاطراد .. الخ .
            والصواب أن يقول :
            « وإن قال منه حق ومنه باطل : قيل له : فعرفنا بماذا تعرف القياس الصحيح من الفاسد؟ ولا نعلم لهم شيئا يميزون به بين الحق والباطل إلا الشبهية أو العلية .. الخ . فأما الشبهية فليست مميزة لكذا وكذا . وعلى أي حال فهذا اللون من القسمة العقلية لا يلزم بحكم ما ، ولكنه يعين محل النزاع » .
            وقال أبو محمد : لا سبيل لهم إلى وجود حديث عن احد من الصحابة - رضي الله عنهم - انه أطلق الأمر بالقول بالقياس أبدا إلا في رسالة عمر .
            ثم قال : وفي هذه الرسالة نفسها خالفوا فيها عمر رضي الله عنه .. منها قوله : « والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو ظنينا في ولاء أو نسب » .
            وهم لا يقولون بهذا يعني جميع الحاضرين من أصحاب القياس حنفيهم وشافعيهم ومالكيهم .
            فان كان قول عمر في القياس حجة فقوله أن المسلمين عدول كلهم حجة .
            وان لم يكن قوله في ذلك حجة فليس قوله في القياس حجة .اهـ .
            قال أبو عبد الرحمن : هذا وجه من الإلزام في الجدل يقوم على قانون عقلي ، وهو أن التناقض محال . ومن يأخذ ببعض النص ويترك بعضه متناقض ، لأنه جعل النص حجة ولا حجة في آن واحد . وقد يقوم أكثر جدل أبي محمد على هذا المنهج . ففي كل مسألة من مسائل المحلى يعود إلزام خصومه : بأنهم يقولون بحجية قول الصحابي ، ولم يقولوا به في هذه المسألة .
            أو أنهم يقولون : بالمرسل ، ولم يقولوا به في هذه المسألة . أو أنهم لا يقولون بمفهوم المخالفة وقد قالوا به في هذه المسألة . وهكذا وهكذا .
            وكذلك يفعل في كتبه الأصولية فإذا ذكر أن مذهبهم الأخذ بمفهوم المخالفة راح يحشد المسائل التي لم يقولوا فيها بالمفهوم . ويعد هذا منهم تناقضا وتشهيا وتحكما .
            وقد اطلعت على كتابه المخطوط المعروف بالإعراب : فوجدته كله مؤلفا لهذا المنهج من الإلزام . وقد ألف كتابه في تناقض الفقهاء الخمسة على هذا النحو أيضا .
            قال أبو عبد الرحمن : هذا المنهج من الإلزام منهج جيد ولكن بشرط أن تتأكد من أن المخالف لم يترك بعض الخبر لسبب يبيح له ذلك على أصل مذهبه . فإذا لم تتأكد من ذلك فلا يجوز أن تلزمه بالتناقض ، بل تطرح السؤال طرحا فتقول : أنت أخذت بحجية قول عمر في مشروعية القياس ، فلم لم تأخذ بقوله في أن الزوج تقبل شهادته لان عمر لم يستثن إلا مجلودا أو ظنينا في ولاء أو نسب ؟ .
            وهذا المنهج يتيح للمجادل أن يلزم الخصم بجميع ما ورد في الخبر وإن كان هو لا يأخذ به ، لأن هذا إلزام على أصل المذهب .
            وأبو محمد - رحمه الله - لم يستعمل الإنصاف في استعمال هذا المنهج لان هؤلاء الفقهاء : يحتمل أن يكون عندهم خبر عن عمر في الشهادة خص من عموم هذا الخبر .
            ويحتمل أن يكون عندهم نص في الشهادة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهم يقولون بقول الصاحب إذا لم يوجد نص .
            فأي برهان يجري على أصل مذهبهم - وإن لم يكن برهانا صحيحا عند أبي محمد - فهو يعفيهم من هذا الإلزام .
            ونحن نعرف أن أبا محمد الإمام الحافظ يعرف سبب عدولهم عن بعض هذا الخبر بأدلة جارية على أصول مذهبهم .
            ولكن أبا محمد أراد أن يشنع بهم ، وهذا خروج عما ادعاه من الإنصاف والعدل في الجدل كما في كتابه التقريب والكمال لله وحده . وقال
            أبو محمد : فان قال قائل : لا يجوز إبطال القياس إلا حتى توجدونا تحريم القول به نصا في القرآن ؟
            قلنا لهم : إن عارضكم الروافض بمثل هذا فقالوا لكم : لا يجوز القول بإبطال الإلهام ولا بإبطال إتباع الإمام حتى توجدوا لنا تحريم ذلك نصا ، بماذا تنفصلون ؟ ( المحلى ج 1 ص 84 - 85 م 100 ) .
            قال أبو عبد الرحمن : هذا منهج في الجدل يسمى : معارضة الدعوى بالدعوى ، وهو غير عكس الدعوى .
            وهذا المنهج فاسد ، لان المجادل ينفصل عن الإلزام بتصحيح القياس والإلهام معا ، لأنك لم توجد له النص من القرآن . فتزيده إذا ضلالا على ضلال بناء على أصل يعترف بصحته . والصواب أن تنقله برفق عن هذا الأصل فتعكس عليه الدعوى وتقول :
            لا يجوز الأخذ بالقياس إلا حتى تورد لنا نصابه في القران . فان جاء بالنص لزمك أصل مذهبه ، وان لم يأت به انتقلتما معا عن هذا الأصل . والمجادل لا يعكس الدعوى إلا إذا كان متيقنا من أنها لا تنتج .

            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
            قل خيرًا او اصمت



            تعليق


            • #81
              رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري


              ومذهب أبي محمد انه لا حجة في احد دون الله ورسوله ، ولكنه كثيرا ما ينقل أقوال وآراء الصحابة والتابعين والفقهاء الموافق لها مذهبه ، وليس هذا احتجاجا منه بأقوالهم حتى لا يقال : خالف أصله ولكنه يورد ذلك : إما لنقض دعوى من قال بالإجماع في المسألة .
              وإما لبيان انه لم يفارق الإجماع ، وإما لإلزام من يحتج بقول من أورد خلافهم .
              ومن منهج أبي محمد التعلق بالتسمية . مثال ذلك هذه المفارقة :
              1 - بعض الآية ، والآية قرآن . ( المحلى ج 1 من 103 م 116 ) .
              2 - السجود ليس صلاة ( المحلى ج 1 من 105 م 116 ) .
              ففي الأولى : بعض القرآن قرآن .
              وفي الثانية : ليس بعض الصلاة صلاة .
              والسر في هذه التفرقة ملاحظة التسمية ، يقول أبو محمد :
              لا يكون بعض الصلاة صلاة إلا إذا تمت كما أمر بها المصلى .
              وقال : مالم يكن ركعة تامة أو ركعتين فصاعدا فليس صلاة .
              ومن معارضته للدعوى بدعوى : أنهم لا يجيزون السجود بغير وضوء ، لان السجود بعض الصلاة ، وبعض الصلاة صلاة .
              فيعارضهم أبو محمد : بان القيام بعض الصلاة ، والتكبير بعض الصلاة ، وقراءة القرآن بعض الصلاة ، والجلوس بعض الصلاة ، والسلام بعض الصلاة فيلزمكم على هذا أن لا تجيزوا لأحد أن يقوم ولا أن يكبر ولا يقرأ أم القرآن ولا يجلس ولا يسلم إلا على وضوء ، فهذا مالا يقولونه فبطل احتجاجهم .
              ( المحلى ج 1 من 106 م 116 ) .
              قال أبو عبد الرحمن : القانون في معارضة الدعوى بدعوى أن تكون على أصل المعارض ، وإلا أصبحت المعارضة من باب معارضة الدعوى الصحيحة بدعوى فاسدة .
              وأبو محمد هنا عارض دعوى صحيحة على أصول مذهبهم بدعوى فاسدة على أصول مذهبهم ذلك أن السجود وقراء أم القرآن عبادة وسائر ذلك من قيام مستقل أو تكبير فليس عبادة .
              ومن منهج أبي محمد في الجدل اغتصاب دليل الخصم .
              مثال ذلك : أنهم لم يشترطوا الطهارة لكل قيام أو جلوس أو تكبير .. الخ ، لأن ذلك إجماع .
              قال أبو محمد : فان قالوا هذا إجماع قلنا لهم : قد أقررتم بصحة الإجماع على بطلان حجتكم وإفساد علتكم .
              قال أبو عبد الرحمن : حجتهم أن بعض الصلاة صلاة ، وقد اخذوا بهذا إلا ما استثناه الإجماع ، والسجود لم يرد به إجماع .
              وهذا المنهج هو منهج أبي محمد أيضا . فاغتصابه لدليلهم ظلم ومغالطة .
              ومن أقوال أبي حنيفة : أن النجاسات لا تزال من الجسد إلا بالماء ، وتزال من الثياب بغير الماء . وربما كان من حجته : أن عائشة - رضي الله عنها - : كانت تجيز إزالة دم الحيض من الثوب بالريق . فيعارضهم أبو محمد بمذهب صاحب آخر ويقول : قيل لهم : فان ابن عمر كان يجيز مسح الدم من المحاجم بالحصاة دون غسل .
              ( المحلى ج1 ص140 اخر م 125 ) .
              ومعنى هذه المعارضة : إذا كان قول الصحابي حجة عندكم ، فليس إتباع احدهم بأولى من إتباع الآخر .
              قال أبو عبد الرحمن : قد بينا أن المعارضة لا تكون إلا على أصل الخصم فربما صح عنده خبر عائشة ولم يصح عنده خبر ابن عمر .
              كأن مذهبه أن عائشة اعلم بحكم هذه الأمور لكونها زوجة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فمثل هذه المعارضة تفيد في مطالبة الخصم بتحرير مذهبه ، ولكن لا يجوز أن تتخذ ذريعة لاتهام الفقهاء بالتناقض والتحكم .
              وورد النص بغسل الآنية من لحم الحمر الأهلية .
              فهل تزال النجاسات الثانية بالماء ضرورة قياسا على لحم الحمر أم لا ؟ .
              يقول أبو محمد : النصوص اختلفت في تطهير الآنية من الكلب ومن لحم الحمر : فليس القياس على بعضها أولى من القياس على بعض لو كان القياس حقا .
              ( المحلى ج1 ص141 م 126 ) .
              قال أبو عبد الرحمن : مجال أبي محمد أن يحتج بان القياس باطل فقط . أما تنازله في الاستدلال بافتراض أن القياس صحيح : فلا يلزم منه أن النصوص ليس بعضها أولى من القياس على بعض ، لان من مذهبهم القياس ، لأكثر شبها .
              وهذا معنى الأولوية .
              وصح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأمر باهراق ماولغ فيه الكلب . ولكن مالكا لم يجز إهراق اللبن إذا ولغ فيه الكلب وقال : إني لأراه عظيما أن يعمد إلى زرق من رزق الله فيهرق من أجل كلب ولغ فيه .
              ولكن أبا محمد يرد عليه بالزامين فيقول :
              1 - أعظم من ذلك أن تخالف أمر الله على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - بهرقة .
              قال أبو عبد الرحمن : هذا إلزام جيد ، وهو من باب نقض اطراد الدعوى ، والحكم بالتناقض . لان من يستعظم إراقة رزق الله الواجب احترامه بالنص كيف لا يستعظم مخالفة نص أمر الله بإراقة نوع من الرزق ؟
              2 - وقال أبو محمد : وأعظم مما استعظمتموه : أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيهرق من اجل عصفور مات فيه بغير أمر من الله بهرقه .
              ( المحلى ج 1 ص 147 م 127 )
              قال أبو عبد الرحمن : هذا الإلزام من باب معارضة دعوى الخصم بدعوى له أخرى اختلف حكمه فيهما وكان تعليله لأحدهما شاملا للأخرى .
              ووجهة نظر مالك أن العصفور الميت حرام .
              قال أبو عبد الرحمن : وهذه الوجهة لا تبطل تعليله بالرزق ، لأن ما مات فيه العصفور رزق من رزق الله :
              ولا مجال لهذا التحليل مع الأمر بالاهراق .
              وان مصادمة أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا الرأي للإمام مالك لمن المناحي الملتوية التي تغيظ كل مسلم .
              واخذ الباحث بمثل هذه الآراء لا يختلف عن الأخذ بالقانون الوضعي ، لأن المتبع اجتهاد البشر لا أمر خالق البشر .
              ومن منهج أبي محمد الحرص على تعيين محل النزاع ، ورد الاستدلال إذا لم يصادف محل النزاع وهو منهج جيد وضروري للباحث .

              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
              قل خيرًا او اصمت



              تعليق


              • #82
                رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                مثال ذلك : أن مالكا لما قال العصفور الميت حرام . قال أبو محمد : نعم لم نخالفكم في هذا ، ولكن المائع الذي مات فيه حلال .
                ( المحلى ج1 ص 147 ) .
                ومن هنا ينقل المخالف من حجته ويطلب منه حجة غيرها تدل على أن ما مسه الحرام حرام .
                ومن منهج أبي محمد الإلزام بحصر القسمة وحصر أحكامها .
                مثال ذلك : أن احدهم قال : إنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب على وجه التغليظ .
                قال أبو محمد :
                يقال لهم : أبحق أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وبما تلزم طاعته فيه ؟
                أم أمر بباطل وبما لا مؤنة في معصيته في ذلك ؟ .
                ( المحلى ج1 ص 127 ) .
                وأبو محمد يحسب انه بهذا ألزمهم بالقول الأول ، لان القول الثاني كفر ، ولا يمكن أن يقولوا بالكفر .
                قال أبو عبد الرحمن : يبدو أن منهج أبي محمد معتل هنا لان القسمة غير حاصرة .
                فلهم أن يقولوا : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحق ، ولم يلزمنا به ، لان الأمر على سبيل التغليظ ، والصواب هنا : أن يقول أبو محمد : التغليظ دعوى تحتاج إلى برهان ، فان كان يعرف برهانهم على ذلك أبطله .
                ومن منهج أبي محمد أن يعارض الدعوى الفاسدة بدعوى صحيحة ، أو يذب عن الدعوى الصحيحة بإفساد الدعوى الباطلة .
                مثال ذلك قول أبي محمد :
                فان أنكروا علينا التفريق بين ماولغ الكلب فيه وبين ما أكل فيه أو أدخل فيه عضوا من أعضائه غير لسانه ، قلنا لهم :
                لا نكرة على من قال بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل مالم يقل عليه السلام ، ولم يخالف ما أمره به نبيه عليه السلام ، ولاشرع مالم يشرعه عليه السلام في الدين .
                وإنما النكرة على من أبطل الصلاة بما زاد على الدرهم البغلى في الثوب من دم الدجاج فأبطل به الصلاة ، ولم يبطل الصلاة بثوب غمس في دم السمك . ومن أبطل الصلاة .. الخ
                ( المحلى ج 1 ص 151 م 127 )
                فهذه مقابلة التشنيع بالتشنيع .
                ومن منهج أبي محمد أن يلزم المخالف بأصل مذهبه كقوله - ردا على من قال بطهارة نساء الكفار قياسا على أهل الكتاب :
                فان قالوا : قلنا ذلك قياسا على أهل الكتاب : قلنا : لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل :
                1 - لان أول بطلانه أن علتهم في طهارة الكتابيات جواز نكاحهن ، وهذه العلة معدومة بإقرارهم في الكتابيات .
                2 - والقياس عندهم لا يجوز إلا بعلة جامعة بين الحكمين .
                وهذه ( يعني جواز نكاحهن ) علة مفرقة لا جامعة .
                ( المحلى ج 1 ص 169 م 134 ) .
                قال أبو عبد الرحمن : على أصل مذهبهم أنهم استدلوا بجواز نكاح الكتابيات على أن المراد نجاسة دين الكافر لا نجاسة لعابه .
                والكتابي بين جملة الكفار فصار المراد نجاسة دين كل كافر .
                فأبو محمد لم يلزمهم على أصل مذهبهم ، وإنما ألزمهم بطلان القياس على هذه العلة .
                ونختم مقالنا بهذه الكلمة التي تكتب بماء الذهب قالها أبو محمد في وصف وبيان ناحية من نواحي جدله :
                « قال علي : وقد عارضناهم في قياس قاسوه بقياس مثله وواضح منه على أصولهم لنريهم فساد القياس جملة .
                فموه منهم مموهون بان قالوا : انتم دأبكم تبطلون القياس بالقياس وهذا منكم رجوع إلى القياس ، واحتجاج به ، وانتم في ذلك بمنزلة المحتج على غيره بحجة العقل ، وبدليل من النظر ليبطل به النظر ؟ : قال علي : فقلنا : هذا شغب سهل إفساده والله الحمد ، ونحن لم نحتج بالقياس في إبطال القياس . ومعاذ الله من هذا لكن أريناكم أن أصلكم الذي أثبتموه من تصحيح القياس يشهد بفساد جميع قياساتكم ، ولا قول اظهر باطلا من قول اكذب نفسه .
                وقد نص تعالى على هذا فقال تعالى : « وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم » .
                فليس هذا تصحيحا لقولهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ، ولكن هذا إلزام لهم ما يفسد به قولهم . ولسنا في ذلك كمن ذكرتم ممن يحتج في إبطال حجة العقل بحجة العقل .
                لكن فاعل ذلك مصحح لقضيته العقلية التي يحتج بها فظهر تناقضه من قريب ولا حجة له غيرها فقد ظهر بطلان قوله .
                وأما نحن فلم نحتج قط في إبطال القياس بقياس نصححه ، لكن نبطل القياس بالنصوص وببراهين العقل ، ثم نزيد في إفساده منه نفسه بأن نرى تناقضه جملة .
                والقياس الذي نعارض به قياسكم نحن نقر بفساده وفساد قياسكم الذي هو مثله أو اضعف منه .
                كما نحتج على أهل كل مقالة من معتزلة ورافضة ومرجئة وخوارج ويهود ونصارى ودهرية من أقوالهم التي يشهدون بصحتها فنريهم تفاسدها وتناقضها ، وانتم تحتجون عليهم معنا بذلك .
                ولسان نحن ولا أنتم ممن يقر بتلك الأقوال التي نحتج عليهم بها ، بل هي عندنا في غاية البطلان والفساد .
                وكاحتجاجنا على اليهود والنصارى من كتبهم التي بأيديهم ، ونحن لا نصححها بل نقول أنها محرفة مبدلة لكن لنريهم تناقض أصولهم وفروعهم لاسيما وجميع أصحاب القياس مختلفون في قياسهم لا تكاد توجد مسألة إلا وكل طائفة منهم تأتي بقياس تدعي صحته تعارض به قياس الأخرى ، وهم كلهم مقرون مجمعون على انه ليس كل قياس صحيحا ولا كل رأي حقا ا هـ .
                ( المحلى ج 1 ص 75 - 76 م 100 )
                قال أبو عبد الرحمن : وقد عقد أبو محمد فصلا خاصا عن هذا المنهج في آخر مباحث القياس بكتابه الاحكام .

                والله المستعان ...


                * * *
                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                قل خيرًا او اصمت



                تعليق


                • #83
                  رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                  ملامح الطائفة المنصورة

                  نشهد بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القاطعة ( كما ثبت في الحديث الشريف الصحيح القاطع في نصه ودلالته ) :
                  أن هناك طائفة منصورة ، على الحق ظاهرة ، لا يضرها من خذلها إلى يوم القيامة .
                  فكلمة « لا تزال » تفيد معنى الزمن الحالي الذي قيلت فيه أي في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصيغة « لا تزال » تعطي معنى الاستقبال المستمر الدائم الذي لا ينقطع ( إلى يوم القيامة ) .
                  والمشاهد أن بعض الأماكن - على مدار التاريخ - تخلو من طائفة منصورة .
                  وربما لا يخلو مكان من فرد أو أفراد محقين متمسكين بشرع الله - ولكنهم غير منصورين ولا متغلبين على خذلان غيرهم لهم . فالبلاد الإسلامية العربية التي لا تحكم بشرع الله لا نقول عن صلحائها : إنهم الطائفة المنصورة الظاهرة التي لا يضرها من خذلها . بل هم طائفة صالحة ولكنهم غير منصورين ، وغير ظاهرين وقد خذلهم من ضرهم . فليس عندنا ضمان من قرآن ولا سنة : إن كل مكان فيه طائفة منصورة محقة .
                  وإنما عندنا ضمان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - زماني لا مكاني ، وهو انه لا تخلو الدنيا ولو في لحظة واحدة من وجود طائفة منصورة ، ولكن هذا قد يكون في مكان واحد ، ولو في دولة واحدة أو مقاطعة واحدة أو إقليم واحد أو قرية واحدة .
                  توجد - وستوجد - ووجدت : طائفة في كل زمان في مكان ما : تزع بسلطان الله ما تقتضيه إقامة حدود الله في أحاكمها وعقوباتها ونفوذ عقودها والفصل بين الناس في خصوماتهم ، وليس هذا المكان الذي تقام فيه حدود الله ويظهر فيه ذووه بالحق ولا يضرهم من خذلهم :
                  مكانا معينا .
                  قد يكون معينا متميزا في زمن ما .
                  ولكنه ليس متعينا في كل زمن .
                  وأنا مميز لكم ظاهرات أود ألا يلتبس حولها الفهم :
                  فالظاهرة الأولى : وجود الإسلام في عمومه .
                  فالإسلام لم ينقطع عن المعمورة في لحظة ما .
                  إذا انحسر الإسلام في الأندلس - مثلا - :
                  انتشر في تركيا وهكذا .
                  والظاهرة الثانية : إحياء شعائر إسلامية ، وإماتة بعضها فإذا وجد الفساد الخلقي في بلاد كثيرة فلن تنعدم المحافظة في بلد ما . ولسنا نعني بصلاح المجتمع خلوه من فساد تحت الخفاء ، فهذا مالم يمكن . فقد وجد الفساد في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وظهر منه ما ترتب عليه إقامة الحد في عهده أيضا وإنما نعني بالفساد الاجتماعي شيوع الفاحشة علنا دون خفاء ونعني بالصلاح الاجتماعي : خفاء الفاحشة والتستر بها ، وفعلها على وجل وخوف من وازع السلطان ، وإذا فقدت الحسبة الشرعية في بلاد ما فلن تفقد في بلد ما ، وإذا شاع الربا في بلاد ما فلن تعدم بلد ما تمنعه وتحرمه وهكذا وهكذا .
                  والظاهرة الثالثة : وجود طائفة مؤمنة .
                  وليس هذا فحسب .. ولكنها : منصورة .. ظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها والمسلمون اليوم ليسوا كلهم طائفة منصورة غير مخذولة ، كيف يكون هذا ونحن في ذنب الدنيا والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر :
                  أن الأمم تتداعى عليهم وأنهم كثرة ولكنهم غثاء كغثاء السيل ؟ كيف يكون هذا وهم كلهم لا يحتكمون إلى شرع الله ، وإنما يحتكم إلى الشرع بعضهم لا كلهم ؟
                  كيف يكون هذا وهم : مذاهب وفرق كثيرة وحكومات متعددة المنزع . وكثير من تفرقهم يمس جوهر العقيدة ؟ إذن الطائفة المنصورة من انتماء واحد معين ، وليس من كل الطوائف . وكل يدعي انه الطائفة المنصورة المحقة ولكن الناس لا يعطون بالبناء للمجهول بدعواهم وإنما يعطون بالبراهين والدلائل . لابد من البحث عن مواصفات الطائفة المنصورة لنميزها من الطوائف الدخيلة المدعية .
                  إننا إذا بحثنا عن مواصفات الطائفة المنصورة - في هذا الزمن بالذات - وجدنا عليها دلائل وشواهد تاريخية ونصية .
                  ففي الحديث « لا يضرهم من خذلهم » فكلمة خذلهم تقتضي عهدا أو شبهه بين الخاذل والمخذول إذ لا خذلان إلا بعد عهد .
                  والمشاهد تاريخيا اليوم : أن كلمة علماء المسلمين سواء أكانت في صورة تضامن إسلامي أم رابطة ، أم مؤتمرات إسلامية ، أم فتاوى من العلماء : مجمعة على أن الحدود الشرعية يجب أن تقام ، وان الحكم للقرآن والسنة ، وان السماح ببيع الخمر وإباحته ، وفتح أسواق الدعارة والحانات : كل ذلك حرام لا يجوز . وكل ذلك محادة الله ولرسوله .
                  واغلب الدول الإسلامية والعربية تبيح حكوماتها الفاحشة علنا ، وتبيح المجاهرة بالفطر في رمضان .
                  قال أبو عبد الرحمن : فان جئتني بدولة واحدة ، أو مقاطعة واحدة ، أو قرية واحدة .
                  تحكم بالشريعة المحمدية وتقيم الحدود والحسبة ، ولا يجرؤ الفاسق فيها بإعلان فسقه مجاهرة : فاعلم أنها الطائفة المنصورة ، واعلم أن غيرها من المسلمين خاذل لها ، لأنه لم يلتزم العهد الذي يجمع المسلمين في تضامنهم ومؤتمراتهم .
                  فان قلت :
                  كيف كان المسلمون على عهد واحد اعني هذا العهد الذي يطبق في بلد ما أو قرية ما ولا يطبق في البلاد الأخرى ؟ .
                  قلت : الدليل على ذلك أن أي حامل علم شرعي يفتي بمخالفة القطعيات من الإسلام كإباحة الخمر أو البغاء : لا مكان له في مقاعد المسلمين في مؤتمراتهم وتضامنهم ورابطتهم ولأن جميع الدول العربية والإسلامية التي تعطل الحدود وتبيح الفاحشة علنا : لا تزعم -ولا يزعم العلماء فيها :
                  أن ذلك حكم الإسلام .. بل هم يعرفون أنهم مخالفون عهد الإسلام الذي يجتمع حوله المسلمون وإنما يعللون ذلك بمسوغات غير إسلامية كالسياحة واحتذاء الأمم المتمدينة .
                  وعلماء تلك البلاد لا يملكون من الأمر شيئا . إذن اعلم علم اليقين أن الطائفة المنصورة اليوم : هي الدولة التي تحكم بشرع الله ، وتقوم أمورها التي لا سعة لها فيها من فكرها وتجربتها على وصاية من علماء الأمة وعدولها .
                  هي الدولة التي لا تحارب الله علنا بالمعاصي . هي الدولة التي لا ينجو فيها العاصي من حد الله إلا بسرية وخفاء ، أو تخريج وتأويل . وربما وجدت ( على وجه الندرة ) شفاعة في الحدود بأي تخريج أو تأول .
                  هذا أمر عظيم ولكن هذا لا ينفي القاعدة العامة من القول بأن هذه الدولة هي الطائفة المنصورة لأن سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز سير عزيزة نادرة وأولئك في القرون الخيرة الممدوحة .
                  ونحن في عصور ضعف الوازع ، وإنما المقياس في النظر إلى أن هذه الدولة بالرغم من عجزها عن سيرة عمرية :
                  تكون أمثل وأفضل الأمم الإسلامية حولها اعني أن نقص وتقصير هذه الطائفة :
                  لا يخلو من غفلة ولكنها لا تنام .
                  وقد تضعف الحسبة عند الطائفة المنصورة ، ولكنها تعود إلى شبابها وقوتها ريثما تشعر الطائفة المنصورة بأنها تكاد تفقد ميزتها وما ميزتها إلا أنها على الحق ظاهرة ، وقد تكثر في الطائفة المنصورة المحسوبية ولكنها تعود إلى نصاب العدالة منذ أن تحس بان المحسوبية تغمط حقا ، وتربط بريئا ، ذلك أن الله لعن أمة يضيع الحق بينها .
                  وحاشى الله من أن تتمادى الطائفة المنصورة على معصية تعلنها مع أن اللعنة تحيق بها .
                  لن تكون الطائفة المنصورة ملعونة قط .
                  وقد حدد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مواصفات الطائفة المنصورة بأنها : ( من كان على مثل ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ) .
                  ونحمد الله أن ما كان عليه رسول الله وأصحابه من قول أو فعل محفوظ منقول بالنصوص الصحيحة الثابتة .
                  فالأمة التي تعرض أجسادا عارية وتغمز بعيون أطفأت الخطيئة نورها بين قرع القوازيز وهز الأكتاف : ليست على ما كان عليه الرسول صلى عليه وسلم وأصحابه لان الرسول وأصحابه لا يغازلون الأجساد العارية ، ولا يبيحون العري ، بل كانوا يدنون الجلابيب ، ويغضون البصر ويخافون من فتنة الصوت .
                  والبلد التي يعمرها مغبرة الصوفية بالرقص والوجد والوثنية :
                  مدد مدد .. ياصلاة الزين .. ياسيدنا الحسين .. نظرة عين يا حسين .. أحفظ قلبك .. مدد .. مدد الخ .. الخ :
                  ليست على ما كان عليه رسوله الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
                  وهكذا وهكذا كل بدعة نقب عن تاريخها تجدها حدثت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم .
                  وإذا فتنت أي امة ببدعة ما قيض لها من علماء الضلال من يسوغها بتأويل بعيد جدا من النصوص الصحيحة ومن سيرة السلف .. تأويلا بعيدا يخالف مئات البراهين الواضحة اللائحة .. أو يسوغها بتأويلات بعيدة جدا جدا يريد بها التكلف في رد دلالات واضحات تبطلها من مئات البراهين الصحيحة أو يلفقها بأحاديث كاذبة موضوعة .
                  قال أبو عبد الرحمن الحزمي - عفا الله عنه - :
                  ولقد احتككت بأصحاب الطرق الصوفية فوجدت المساكين يحفظون الحماقات والأضاليل والمحالات مما ينسب للبسطامي والشاذلي وياقوت العرش والبدوي .. الخ
                  ولا يعرفون حديثا صحيحا من ضعيف .
                  ولا يعرفون البخاري ومسلم .
                  ولا يفرقون بين حديث رواه الشيخان وحديث رواه صاحب مسند الفردوس .
                  إن من ينصح نفسه يجد الشواهد التاريخية والنصية عن سحنات ومواصفات ( الطائفة المنصورة ) فلا يسعه إلا الانتماء إليها .

                  لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                  حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                  قل خيرًا او اصمت



                  تعليق


                  • #84
                    رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                    تعبيــر الرؤيا وأحكامها

                    تعبير الرؤيا :
                    اشتهر محمد بن سرين رحمه الله بتعبير الأحلام وكانت له في ذلك عجائب ، وتزيد فيها القصاصون حتى خرفوا ، كما اشتهر بها « فرويد » حديثا ؛ وألف في علم التعبير « شيشرون » و « بلوتارك » الرومانيان وابن الدقاق والحنبلي وأبو سهل المسيحي ومحمد بن قطب الدين الازنيقي ونصر بن يعقوب والنابلسي ، واختلف الناس في حكم ما يراه النائم فقال صالح تلميذ النظام : إنها حق بإطلاق : « فمن رأى انه بالصين وهو بالأندلس ، فان الله عز وجل اخترعه في ذلك الوقت بالصين » وقد أبطل الإمام ابن حزم هذا المذهب من ناحية العيان ، لأننا نرى النائم في مكانه الذي يرى انه في غيره ، ومن ناحية العقل ، لان النائم يرى محالات ، ومن ناحية النص ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قص عليه رؤيا فقال : « لا تخبرني بتلعب الشيطان بك » والصواب أن في الرؤيا حقا وباطلا وسيأتي بيان ذلك .
                    وكما اختلف الناس في حكمها اختلفوا في أسبابها وباعثها ، فربطها العلم الحديث ببواعث مادية بحتة ، فاعتبروها علامة على نوم غير طبيعي ، فان تعطل الإدراك والإرادة والشعور والحكم بالنوم تعطلا غير تام أنتج تخليطا وأحلاما ، ولذا فالرجل الصحيح الذي ينام بعد تعب معتدل لا يرى في الحلم إلا نادرا ، ولا تبقى صورتها في ذاكرته إلا إن كان نومه خفيفا ولها سببان :
                    ( أ ) تهيج جسماني للإفراط في شرب المنبهات والمخدرات مع تغيير محل النوم أو انضغاط جزء من أجزاء البدن حالة النوم أو ملامسة بعض أعضاء الجسم لجهة رطبة أو باردة أو تعب مفرط أو حدوث لغط بقرب النائم .
                    وأطباء الشرق في القديم يشخصون الإمراض بالرؤيا ، فمن رأى انه يعوم بصعوبة وانه على وشك الغرق كان ذلك دليلا على سؤ حالة الكليتين وعلى حاجة الجسم للغذاء ، وعلموا بالتجربة أن الرؤيا التي يراها المريض تكون ذات علاقة بالعضو المصاب ، والمرض قد يصحب الرؤيا أو يسبقها ، وقد رأى عالم غربي أن حية لسعته في رجله فلم تمض غير أيام حتى تكون فيها ورم سرطاني .
                    ( ب ) تهيج عقلي يحدث للمؤلفين والسياسيين الذين يستخدمون قواهم العقلية والدكتور الأهواني - رحمه الله - يذكر أن المحدثين من علماء النفس تراجعوا عن القول بان الأحلام تنبئ عن المستقبل وتنذر عما يقع ، وقد قالوا ( وعلى رأسهم فرويد ) انه تحقيق رغبة لم يستطع صاحبها تحقيقها في اليقظة .
                    وكان مذهب القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني أنها اعتقادات ، لأنها غالبا محالات فلا تكون إدراكا وإنما تكون اعتقادا .
                    قال أبو عبد الرحمن : إن الذين يربطون كل رؤيا بسبب جسماني أو ذهني ماديون لا يؤمنون بالمغيب من الماورائيات ، ولاريب أن الروح من المغيبات ولكنني لا اعتبر البحث في أسباب الرؤيا من القفو المنهي عنه ، لأن الأحلام مجربة ، وهي من آثار الروح ، والى التجربة فلدينا النصوص من الوحيين ، بحكمها فلا نقول بخطأ من يجعلون الأمور الجسمانية والذهنية أسبابا لرؤيا ، ولكننا ننكر أن تكون سببا لكل رؤيا ، ولهذا قسم إمامنا ابن حزم الرؤيا فقال : منها ما يكون من قبل الشيطان ومنها ما يكون من الأضغاث والتخليط الذي لا ينضبط ، ومنها ما يكون حديث نفس وهو ما يشتغل به المرء في اليقظة ، ومنها قذف من الله يجعله في نفس العالم إذا صفت من أكدار الجسد وتخلصت من الأفكار الفاسدة ، وهذا النوع الأخير هو الرؤيا الصالحة ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، وهي الرؤيا الصالحة ، وهي من طرق علم الغيب : إما بشارة وإما إنذارا وإما معاينة .
                    وقد ذكر الحكيم الترمذي عن بعض المفسرين انه فسر قوله تعالى : « وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب » بالرؤيا الصالحة في النوم .
                    وذكر ابن القيم للرؤيا الصالحة أقساما ، فمنها الهام يقذفه الله في القلب ، ومنها مثل يضربه ملك الرؤيا الموكل بها ، ومنها التقاء روح النائم بأرواح الموتى ، ومنها عروج الروح إلى الله وخطابها له ، ومنها دخولها الجنة ، ومن الاستشكال في هذه الناحية استبعاد التقاء الأرواح في المنام ، لان النائم يرى غيره من الأحياء ويخاطبه ، وربما كان بينهما مسافة بعيدة ويكون المرئي يقظان : روحه لم تفارق جسده ، فكيف إذن تلتقي روحاهما ؟
                    ويجيب ابن القيم عن الاستشكال بأن هذا مثل يضربه ملك الرؤيا للنائم أو انه حديث نفسي من الرائي تجرد له في منامه . قال أبو تمام :
                    سقيـا لطيفك من زور أتـاك به ... حديـث نفسك عنــه وهو مشغول
                    قال أبو عبد الرحمن : الأقرب أن يفسر هذا بالتلباثي - أي انتقال الفكر ، وهو تلق ذهني لا ينكره العلم الحديث ، ومن المؤمنين بصحة الرؤيا من الناحية الروحانية العالم الفلكي « كاميل فلامريون » صاحب كتاب « المجهول والمسائل النفسية » .
                    أحكام الرؤيا :
                    * قد تصدق رؤيا الكاذب ولا تكون حينئذ جزءا من النبوة ولا مبشرات ولكن تكون إنذارا له أو لغيره .
                    * إذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شيء كان كتواطؤ روايتهم له وكتواطؤ رأيهم على استحسانه .
                    * ان تجرد الروح يطلعها على علوم ومعارف لا تحصل بدون التجرد لكن لو تجردت كل التجرد لم تطلع على علم الله مما لا يعلم إلا بالوحي .
                    * يقوم علم التعبير على معرفة جو الحلم وملابساته ومعرفة أحوال الحالم .
                    * قال أبو قتادة الأنصاري :
                    سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره » . رواه البخاري .
                    * قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب » . رواه البخاري ..
                    إن من أفرى الفرى أن يرى عينه مالم ير .
                    * قال أبو سلمة : لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول : وأنا كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها وشر الشيطان وليتفل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره » .

                    ( مفتاح السعادة في موضوعات العلوم لأحمد مصطفى - طاش كبرى زادة ص 335 - 337 ج 1 .. الفصل لابن حزم ج 5 ص 90 .. الجواهر لطنطاوي جوهري ص 35 - 30 ج 7 أسرار النفس لأحمد فؤاد الأهواني ص 69-76 .. مواكب الأرواح إلى عالم الأفراح لعلي رفاعي محمد ص 41 - 47 .. المعتبر في الحكمة لأبي البركات هبة الله بن علي بن ملكا البغدادي ج 3 ص 417-423 .. الحاسة السادسة لجوزف سنيل ص 71-75 .. فتح الباري لأبن حجر ج 16 ص 3-107 .. الروح لابن القيم في عدة مواضع .. المعرفة عند الحكيم الترمذي ص 280 دائرة المعارف لوجدي ومادة رأي ) .


                    * * *


                    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                    قل خيرًا او اصمت



                    تعليق


                    • #85
                      رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                      الثقل المستور

                      من المسلم به عند علماء الطبيعة : أن حاسة البصر لا ترى إلا الألوان ومن المسلم به عندهم : أن الهواء لا لون له فهو غير مرئي .
                      وهذا الهباء الذي نراه ليس هواء وإنما هو أجزاء صغار تنحل من الأجرام ويحصرها خط ضياء الشمس فتراها الأبصار .
                      والنار عند بعضهم ليست مرئية لأنه لا لون لها وإنما نرى فيها الرطوبات المحترقة تكون شعلة حمراء وشعاعا ذهبيا ودخانا اسود.
                      والله سبحانه وتعالى اخبرنا عن الجن : انه خلقهم من نار قال تعالى : « والجان خلقناه من قبل من نار السموم » والنار غير مرئية .
                      وربما كان الجن أرواحا والروح غير مرئية .
                      وربما كانت لهم أجسام صافية لطيفة هوائية ومثل هذا لا يرى ولا يلمس .
                      والقاعدة المنطقية : انه إذا قوى الاحتمال امتنع اليقين بما يخالف الاحتمال القوى . ونحن لا نجزم بان الجن أجسام هوائية لنقول : إن الهواء غير مرئي لان في الموجودات ما لا لون له فكيف نجزم بنفي وجود غير المرئي في حين أن البصر لا يرى إلا الألوان ؟
                      ونحن لا نعلم الكيفية الحقيقية للجن ولكننا نعلم :
                      1 - أن الجن حقيقة موجودة .
                      2 - ونعلم بعض كيفيتهم ونجهل بعضها .
                      3 - ونعلم أثرهم .
                      فأما المعرفة الأولى فمن جهلها لا يجوز له منطقا الجزم بإنكارها لمجرد انه لم يحسها . لأن العلم الحسي آمن بحقائق غير محسوسة .
                      ولأن حقائق الوجود سابقة للحس البشري ، فالحس البشري تتوقف معرفته على وجود الحقيقة والحقيقة لا يتوقف وجودها على الحس البشري .
                      والدنيا الجديدة - أمريكا - حقيقة قبل أن يلمسها أبناء سبأ بن يشجب بحسهم . وقدرة الله سبحانه وتعالى لا يحدها التصور البشري ، يخلق الله ما يشاء ، يخلق عنصرا مرئيا من التراب ، ويخلق عنصرا لا لون له غير مرئي من الهواء والنار . إذن لا يجوز أن يكون الحس البشري المخلوق المحدود معيارا لوجود الحقيقة التي لا تفتقر إلى إدراكه وهو يفتقر إلى إدراكها .
                      ثم علمنا بالعقل وجود الله وكماله وصدقه وصحة شرعه وصدق مبلغه فرأينا في أخبار الشرع الصادق نصوصا متواترة على وجود الجن ، وفي القرآن سورة كاملة باسم الجن وأما المعرفة الثانية عن كيفيتهم فبطريق النص علمنا أنهم أمة مميزة متعبدة متناسلة يموتون ويبعثون وهم يروننا ولا نراهم وقال تعالى عن إبليس : « إلا إبليس كان من الجن » .
                      وقال عن الجن الذين إبليس منهم : « انه يراكم هو وقبيلته من حيث لا ترونهم » وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآهم ولكنه لم يخبر بكيفيتهم ، واخبرنا ربنا أنهم مخلوقون من نار واخبرنا أن وسواسا خناسا يوسوس في صدور الناس وهذه هي المعرفة الثالثة عن آثارهم وكل منا جرب خطرات إبليس ووساوسه فالله الذي خلق أجسامنا وصدورنا وعقولنا جعل للجنة قوى يتوصلون بها إلى القذف في نفوسنا ومن آثارهم الصرع . قال تعالى : « كالذي يتخبطه الشيطان من المس » . والصرع حقيقة ماثلة مشاهدة في أفراد من البشر يتكلم الجني على لسان المصروع أحيانا بلغة ونبرة لا تعرف عن المصروع قبلا .
                      ومن نفى أثرهم فلا حجة له إلا الدعوى وبعض الأطباء نفوا نفي الجاهل لا نفي العالم لأنهم سموا أمراض الصرع والجنون بعلل لا تنسب إلى الجن لكنهم لم يشفوا مجنونا واحدا بما تشفى به تلك العلل التي وضعوها بديلا عن مرض الجنون .
                      إن الجن في وجودهم وكيفيتهم وآثارهم حقيقة ثابتة بالنص الصحيح الصادق وبالاستنباط الحسي والعقلي وبتخلف البرهان المعارض وإنكار ذلك مجرد جهل ونفي بالدعوى بناء على أن العقل رب الحقيقة وان الحس معيارها .
                      تعالى الله عما لا يليق بجلاله .


                      * * *

                      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                      قل خيرًا او اصمت



                      تعليق


                      • #86
                        رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                        حتمية الإعدام في القصاص


                        تطبيق العقوبة الشرعية من لوازم الإيمان :
                        المؤمنون بوجود الله لابد أن يؤمنوا بصدقه ، وبمعقولية شرعه : لأن من لوازم الإيمان بالله : اليقين التام بأن هذا الوجود ( بما فيه ) خلق الله ، وخالق الخلق أولى بتنظيم حياتهم ، لأنه اعلم بما يصلحهم ( بحكم انه خالقهم ) ، وبحكم انه موجد الحقيقة ، وان الخلق يكتشفونها وموجد الحقيقة أولى بالإتباع ممن يحاول اكتشافها .
                        وهو أحق - بحكم أن الكون ملك لله ، فكان أحق بتدبيره - .
                        أما من يؤمن بالله ولا يطبق شرعه فإيمانه مزيف ، لان عدم التطبيق عصيان له وجحد لحقه في التدبير ، وشك في صحة ومعقولية شرعه ، وكل هذه مخرجة من الملة ، وطريقنا إلى شرع الله نصوص من الكتاب والسنة ، وهذه النصوص يدخلها النقد من ثلاثة وجوه لا رابع لها ( بحكم القسمة العقلية ) :
                        الوجه الأول : نقد النص من ناحية ثبوته عن الله .
                        الوجه الثاني : نقد النص من ناحية صحة دلالته .
                        الوجه الثالث : نقد مقتضى النص الذي صح ثبوته وصحت دلالته .
                        والوجهان الأولان واجبان على المجتهد لا يعذر بعد تمحيصهما مع قدرته ، والوجه الثالث كفر سافر ، لان النص إذا صح ثبوتا ودلالة فلا يسع المسلم إلا تطبيقه ، فان توقف فلا يخلو من أن يكون معانداً أو شاكا في صدق ربه ، أو متهما دينه بالسهو والنقص ، مجهلا له ، وكل واحد من هذه الأمور مبيح للدم ، مخرج من الملة .
                        والعقوبة الشرعية من المسائل التي جاءت بنصوص صحيحة الثبوت والدلالة ، إذا توقف فيها مؤمن بالله لم نزد على مجادلته بقولنا : قال الله ، وقال رسوله ، بالنص الصحيح الدلالة والثبوت ، فان كان مؤمنا حقا انصاع وانقاد لأمر ربه وقلبه واجف .
                        أما الملحدون فلا ينقادون لشرع الله ، لأنهم لا يؤمنون بالله ، والإيمان بشرعه فرع عن الإيمان به .
                        وهؤلاء يغالطون المؤمنين بحجج العقول في إلغاء العقوبة ، ولإيماني بأن شرع الله شرع من خلق الحقيقة دلفت إلى هذا النقاش العقلي لكل من ينكر العقوبة الشرعية ، وأنا على يقين بان للمسلم من وضوح الحجة ما يختال به على الأفكار المتعفنة وإن ارتادت الجامعات الأجنبية وتباهت بالمؤهلات العالية .
                        والسر في ذلك : أن المسلم ينصر حقا ، والحق عملاق في كل مطرح .
                        ولتحرير موضوع البحث أحب لفت الانتباه إلى أن العقوبة الشرعية متنوعة من حيثيات كثيرة ، وهذا اللقاء لا يتسع لنقاش لاهث مع كل حيثية ، فآثرت أن اذكر المنهج العقلي العام في الشريعة لحماية المجتمع من الجريمة ، ثم أطيل النفس مع نوع واحد هو موضوع القصاص في النفس ، ليلاحظ أن منهج من سيبحث معقولية العقوبة الشرعية عليه أن يلاحظ المفارقة بين أمرين :
                        أحدهما : نوعية العقوبة ( في كميتها وكيفيتها ) .
                        وثانيهما : العقوبة في ذاتها .
                        فأما نوع العقوبة - كمية وكيفية - فلا نبحث معقوليته بالحكمة المنبعثة وإنما نبحثها بإيراد البراهين الدالة على وجود الله وكماله ووحدانيته ، فإذا تقررت حقيقة الإيمان . فليقل المؤمن : إن الحق الواحد الكامل أمرني بان اجلد الزاني غير المحصن مئة جلدة ، أما كونه لم يأمرني بتسعين أو بمئة وعشر فذلك محض إرادة الله وتعبده إيانا لا يحق لنا أن نقدم بين يديه ، والقاعدة أن ما لا تظهر حكمته محمول على التعبد الخفي وبرهان التعبد هو برهان العقيدة ، فإذا ظهرت الحكمة فلا باس من الاستئناس بها ، فربما قال المجادل : لم جعل ربنا عقوبة المحصن الرجم ولم يجعلها ضربة بالسيف ؟ .. هنا قد تلوح الحكمة فيقول المسلم : لغرض تعميم العذاب على الجسم الذي تبددت فيه شهوة الجماع الحرام ، وربما قال المجادل : لم كان هذا التبديد بالرجم ولم لم يكن بالوخز بالإبر ؟
                        وربما قال المؤمن : إن الوخز بالإبر ميتة بطيئة ، والعذاب فيها اشد فنافى مقصد الشارع . وسواء أحصلت القناعة وانقطع النزاع أم لم يحصل ولم ينقطع فلا يجوز للمؤمن أن يركن إلى الحكمة المظنونة في تحديد الكمية والكيفية وإنما يمتثل بإطلاق ، وليصر في المجادلة على جانب التعبد وبرهانه هو برهان العقيدة .
                        أما العقوبة من حيث أنها عقوبة فتثبت بالنقاش العقلي المجرد ، فإذا ثبتت في ذاتها فلن يتم تنفيذها حتى يعرف تقديرها كمية وكيفية ، ومن هنا يلتفت المسلم مرة ثانية إلى مسألة العقيدة يدلل على كمال الله وألوهيته ليصل إلى نتيجة : أن اختيار خالق الخلق أولى لنا من اختيارنا لان شرع الله مبرأ من السهو والجهل والنقص .
                        أما البشر فهم الساهون اللاهون مهما بلغ عمرهم ، فهم محكومون بزمانهم ومكانهم وشهواتهم .
                        وإن لعقوبة الإعدام أحكاما فقهية كثيرة تتعلق بالقصد وعدمه وبكيفية الاستيفاء ، وبمن له حق الاستيفاء .. إلى آخر تلك الأحكام .. فلن نمس منها إلا جانب حتمية العقوبة ووجوب تطبيقها .
                        المنهج العقلي العام في الشريعة لحماية المجتمع من الجريمة :
                        يلاحظ أن العقوبة مرتبة على جريمة بعينها ، ولكن الفاحص يدرك أن الجريمة فوق مستوى العقوبة ، لأن الجريمة سلسلة مخالفات شرعية فجاءت العقوبة حدا فاصلا ، خذ مثال ذلك القتل ينجم عن شهوة غضبية في الجبلة البشرية ، وقد هذبت النصوص هذه الشهوة الغضبية بالحث على الحلم ومكارم الأخلاق والمسامحة والرحمة وتجنب هوشة الأسواق والنهي عن الممازحة بالسلاح وتهديد القاتل بالخلود في النار ، والنهي عما يفقد الوعي من المخدرات ومن سورة الغضب الطائشة ، والنهي عن مسببات النزاع كالقمار وبيوع الغرر ، ثم جاءت المقاصة في القتل حدا فاصلا بعد تخطي كل هذه الحجز .
                        وكل هذه الأجواء الشرعية يقتضيها العقل ولا يستحسن غيرها . وخذ هذا الجو من تلك الأجواء الشرعية .
                        قال تعالى : « وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ » ، وقال : « ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما » .
                        وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( كما في صحيح البخاري ) :
                        ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما ) .
                        وقال صلى الله عليه وسلم ( كما في صحيح البخاري أيضا ) : إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ) .
                        وخذ مثلا آخر لذلك المنهج العقلي العام من جريمة الزنى فانها تنجم عن شهوة بهيمية في الجبلة البشرية ، وقد هذبت النصوص هذه الشهوة بالأمر بغض البصر والسمو بالغريزة والتأكيد على من يجد الطول بأن يتزوج والعزم على المؤمنات بان يسترن زينتهن وبالنهي عن دخول البيوت بغير إذن وبالأمر بخفض الصوت ، ولم يوجب الحد إلا بشروط لا تتوافر إلا إذا كان السفاح علنا ، فجاء الحد حكما عازما جازما بعد تخطي كل هذه الحجز .
                        فالحد في نوافل هذا الدين ترويض على عزائمه .
                        فصح أن العقوبة الشرعية جاءت بعد تخطي عدد من الحدود والتعليمات الشرعية ، وصح انه لولا ذلك التخطي المتتابع لما كانت هذه الجريمة .
                        ومن المسلم به أن المعاصي يجر بعضها بعضا ، وان الإدمان على الصغائر يجر إلى الكبائر ، والذين يتعاظمون العقوبة العادلة ( لمرض في قلوبهم ) تصغر في أعينهم الجريمة التي هي جريمة بنت جريمة ، وهذا ما لاحظه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) .
                        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                        قل خيرًا او اصمت



                        تعليق


                        • #87
                          رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                          شبه منكري الإعدام :
                          تعلق نفاة المقاصة في النفس من القانونيين بأمور أهش من الخروع فقالوا : ان القتل قسوة ووحشية وان أمور الناس يجب أن تقوم على الرحمة والعطف ، وقالوا : أن القتل مقاصة لا تردع لأنه يموت المجرم ولا تموت الجريمة ، ولان الإعدام لا يخيف من لا يعرف انه سيقتل إذا قتل .
                          وقالوا : ان الإعدام يفقد المجتمع نفسيين .
                          وقالوا : ان المجرم غير مسؤول عن إجرامه ، وإنما تقع المسؤولية على البيئة التي نشأ فيها من أمور وراثية وظروف حياتيه .
                          قال أبو عبد الرحمن الظاهري : ندمغ هذه الفلسفة المريضة ونناقشها من ثلاثة وعشرين وجها وهي كتالي :
                          الاول : أننا لا نماري في وجوب وضرورة الرحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ولكن الرحمة لا تفسر بتعطيل العقوبة ، وإنما تفسر برحمة الجماهير والضعفاء والمساكين والآمنين المعصومة دماؤهم فإذا لم نردع المجرمين بالعقوبة فإنما نجني على المجتمع في الإخلال بحماية آمنة ونظامه .
                          الثاني : أن تعطيل العقوبة ظلم للمجني عليه والرحمة أن نمسح دمعة أوليائه بتطبيق العقوبة على الجاني .
                          والأمة الصالحة هي التي لا يضيع الحق بينها ، فصح بهذين الوجهين : أن رحمة يترتب عليها ظلم للمجتمع وظلم المجني عليهم وتأييد الظالم على ظلمه ( بحجة الرحمة ) تعتبر نكسة فكرية ، واظلم الناس من ظلم الناس للناس .
                          والرحمة رقة عاطفية فلا نمنع المسلم من رحمة جان مسلم ينفذ فيه حكم الإعدام فيستغفر له ويرجو الله أن يجعل ذلك طهرة له ويشفق على أخوانه المسلمين من تكرر هذا المنظر ، ولكن لا يجوز أن تتعدى هذه الرحمة إلى تعطيل الحد .
                          وهذا ما لفت إليه القرآن الكريم في عقوبة الزنى في قوله تعالى : ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) .
                          الثالث : ان رحمة الجاني رحمة تحول دون معاقبته وضع للأمور في غير موضعها .
                          لان رحمة الجاني ان كانت خيرا يعارضها مفسدة الإخلال بالأمن ومفسدة تضييع الحق ، ومفسدة عصيان الشرع المؤيد بنظر العقل ، ومن بدائه العقول : أن المصلحة تعطل إذا عارضتها مفسده أرجح منها وقلنا : قد تكون رحمة الجاني خيرا لأنه لا يوجد أي شيء يتمحض للخير أو الشر .
                          الرابع : انه لا يملك رحمة الجاني - رحمة تحول دون اخذ الحق منه - إلا من يملك الحق وهو المجني عليه أو وليه ، فالولي مأمور بالرحمة والصفح فهذه الرحمة ليست من حق القانون ، ولا من حق السلطان ، ولا حق المجتمع .
                          الخامس : ان رحمة الجاني - بتعطيل العقوبة - تأييد للجناية ، فإهدار دم معصوم على يد سفاح آثم ( بحكم القانون ) اشتراك مباشر في الإثم : لان من المشاركة التأييد .
                          السادس : ان تعطيل العقوبة الشرعية تشجيع للجريمة بطريق غير مباشر ( من وجه آخر ) لان أولياء القتيل لا يصبرون على مضض ، ولان السبيل أمام كل مجرم ممهد ( مادام انه يضمن حياته )
                          السابع : أن تنفيذ العقوبة في الجاني جار على قاعدة منطقية تؤمن بها كل العقول ، وهي أن الجزاء من جنس العمل فلا ظلم ولا تفريط في مقاصة عادلة ومحاصة دقيقة .
                          الثامن : أن اصدق البراهين ما جرب ، والتجربة دلت على أن العقوبات ضرورة حتمية لحفظ النفس ، ويزع الله بالسلطان مالايزع بالقرآن .
                          ولم تقع الفوضى وتهدر الدماء وتتألب اللصوص إلا في مجتمع انفصلت فيه سلطة القانون عن واقع المجتمع .
                          التاسع : انه من الأفضل إلا يخسر المجتمع أي نفس في غير جهاد مقدس ، ولهذا المبدأ حرص الإسلام على عصمة الدماء ، ولا ريب أن استحياء الجاني هلاك لنفوس كثيرة ، وهذه من بدائه القرآن في نصه : « ولكم في القصاص حياة » .
                          العاشر : أن استحياء الجاني مبني على الرغبة في تكثير سواد المجتمع بأن لا يخسر نفسين ، ولكن الثابت عقلا أن المجتمع يخسر نفوسا كثيرة باستحياء الآثمين ، والقاتل بغير حق يجب أن يستشفى المجتمع باستئصاله لأنه عضو غير صالح .
                          الحادي عشر : أن القاتل حرم غيره الحياة فليحرم الحياة مثله ، فهذا حق لا تسقطه الرغبة في تكثير سواد المجتمع ، ولا مجال للمعارضة بين حق واجب وأمر مستحسن .
                          الثاني عشر : أن تعطيل العقوبة قائم على مثالية موهومة تستبشع منظر القتل .
                          ونحن نقول : أن سر المعقولية في بشاعة العقوبة ، ونقول ( مرة أخرى ) أن الجريمة أبشع ولابد للإنسانية من سيف يحميها .
                          ولولا بشاعة العقوبة ما ارتدعت النفوس .
                          ولم يأمر الله بحضور طائفة من المؤمنين إلا لإحياء الحدود وإعلانها لترتدع النفوس التي تستبشع منظر السيف في خبطاته .
                          الثالث عشر : أن الناس ليسوا في جملتهم على مستوى المسؤولية بحيث نتركهم لمثالية موهومة ، فقد اقتضت حكمة الله ( كما هو معاين ) أن في المجتمع نفوسا شريرة لا يردعها خوف من الله في يوم مؤجل ولا حياء من المجتمع ، فلا ترتدع إلا بعقوبة عاجلة منظورة ، وردعها بالقتل يعني عصمة المجتمع من شرها .
                          الرابع عشر : أن الجريمة ظلم والعقوبة مجازاة وردع ومقاصة ، ولا يستحسن العقل غير هذا .
                          الخامس عشر : أن المبدأ العادل والقانون الفكري الصحيح الذي تجمع عليه كل العقول السليمة أن يكون المجرم مسؤولا عن إجرامه وهذه المسؤولية تستوجب عقوبة معينة إلا أنها تسقط أو تنقص أو تخف لأمر يتعلق بارتباط المجرم بجريمته وذلك الرباط هو ( قصد الجريمة بغير حق ) ولسنا نطل على هذا الرباط من زاوية الوراثة والبيئة بإجمال بل نطل مع الزاوية التي لها تأثير في القصد ، فالمجنون يحجز ولا يقتل لأنه غير قاصد أو قل لأن قصده غير معتبر ، ومن أراد أن يرمي صيدا مباحا فأصاب آدميا معصوم الدم غير قاصد قتله ، فلا يعدم لأنه غير متعمد الجريمة ، ومن ضرب آخر بعصا فمات لم يعدم لان العصا في العادة والعرف لا تقتل .
                          والتعدي بآلة لا تقتل غالبا دليل قطعي على عدم قصد الجريمة إلا أن يوجد ما ينافي هذا القصد ، كأن يكرر ضربه وهو مريض أو يعيد الضرب في مقتل .. إلى آخر ما هنالك من جزئيات وتحفظات ومقارنات دقيقة تحفل بها كتب الفروع .
                          السادس عشر : أن الذين لديهم أمور وراثية كتوتر الأعصاب أو سوء التربية أو بؤس الحياة لا تغتفر جريمتهم مادام أنهم يخططون للجريمة بتنظيم قاطع على ذكائهم وتعمدهم ، وماداموا يعرفون أنهم بالجريمة يحرمون أخا لهم حظه من الحياة ويتركون أولاده للبؤس والشقاء .
                          فنحن بين أمرين : هما القصد ، والحافز على القصد ، فلا نقتل إلا القاصد ولا نغتفر من الحوافز إلا ما كان حقا ، فالبائس الذي يقتل تاجرا ما ليأخذ ماله لا يسوغ جريمته انه بائس في حياته ، لأن بؤسه ليس حقا متعينا على التاجر ، وإنما البؤس والبحبحة قسمة من جعل هذا أصم وهذا أعرج وهذا أعمى وهذا قوي البنية مكتمل الخلقة جميل الطلعة مبسوط الرزق مشروح الخاطر .
                          والحشاش الذي يقتل محادثا لأدنى مجادلة لا يغفر جريمته توتر أعصابه لأمر واحد شاهدناه وعايناه وهو أن هذا الصنف من الناس كثيرون ولكنهم ضبطوا أعصابهم على رغمهم لان العدالة لا ترحم وسيوف الله مصلته ، والحشاش الذي يقتل محادثا لأدنى مجادلة لا يغفر جريمته توتر أعصابه لأمر واحد شاهدناه وعايناه وهو أن هذا الصنف من الناس كثيرون ولكنهم ضبطوا أعصابهم على رغمهم لان العدالة لا ترحم وسيوف الله مصلته ، وما هذه القوة من جنود وسيوف وحشود إلا سلطان الولي الضعيف أولم يقل سبحانه : ( فقد جعلنا لوليه سلطانا ) .
                          ولهذا لو أخذنا بما يسمونه وراثة وبيئة وسلطة وسوء تربية وحرمانا لما وجد على ظهر المعمورة مجرم مدان ولأصبح المجرمون جميعهم بريئين .
                          السابع عشر : أن البائس يتعجل بؤس غيره لينعم مكانه ، فالعدل أن يعامل بنقيض قصده والعدل إلا نعالج بؤسا ببؤس ، ولا ريب أن إسقاط حكم الإعدام هنا تسويغ للجريمة ، وهذا التسويغ يعني ذلك العلاج المرفوض عقلا .
                          الثامن عشر : أن تعليل حكم الإعدام بالردع اقتصار على جزئية من العلة فإننا نقول : الإعدام ضرورة للردع ، وعلى فرض أن لا ردع ( وذلك باطل بيقين) فلا يسقط حكمه ، لأنه حق طرف معين لا يسقط إلا برضاه .
                          فالحق حق واجب لذاته لا لغيره ، ونقول : أن الإعدام لا يقضي على الجريمة لأننا آيسون من مجتمع مثالي ملائكي لا يجرم ولا يخطئ ولكننا نؤمن بأن المجرمين يقلون فلنطاردهم .
                          ولا ريب انه بقلة المجرمين تقل الجريمة لبديهة : أن لا جريمة بدون مجرم ، ولبديهة أن مالا يدرك كله لا يترك كله ، ولبديهة أننا نلمك السبب ولا نملك ما يتسبب عنه ، إلا أن هذا السبب راجح في الغالب ، فلا يجوز لنا ( عقلا ) أن نترك ما نملكه لشيء لا نملكه ، كما لا يجوز أن نترك أمرا راجحا لان هناك احتمالا مرجوحا وإلا كانت نكسة فكرية .
                          التاسع عشر : أن قولهم مطاردة المجرم لا تقضي على كل جريمة منبثق من القول بعدم جدوى الأسباب ، وهذه نكسة كما قلت .
                          ومن ناحية ثانية فذلك القول كلام مجمل لأن المجتمع الذي يسود فيه نظام الإعدام بحق يقضي قضاء مبرما على الإجرام الجماعي لأتفه الحوافز ، وقلما وجد من يرتكب جريمة القتل إلا لحافز قوي جاء نتيجة لسوء تصرف المقتول .
                          فصح بيقين أن مطاردة المجرم تقضي على شكل مروع من أشكال الجريمة .
                          العشرون : أن حصول الردع بالعقوبة أمر مجرب - كما بينته آنفا - وإنما النافون بظنهم أن الناس كلهم لا يرتدعون بالعقوبة ، وغلط المثبتون بظنهم أن الناس كلهم يرتدعون بالعقوبة .
                          ومذهبي : انه يحصل ردع ، والمرتدعون هم الجمهور ، بيد أن من كتب الله لهم الشقاء لا يعتبرون بعقوبة غيرهم فيرتدعون .
                          قال أبو عبد الرحمن : فهي ثلاثة أمور : ارتداع بالجملة ، وهذا لا يحصل ، ولو حصل لكان خيرا كثيرا ، وعدم ارتداع بالجملة ، إلا أن التجربة أثبتت ارتداع الكثيرين .
                          وارتداع ولكن ليس بالجملة ، ولا ريب أن ارتداعا ليس بالجملة خير من عدم ارتداع بالجملة .
                          والشاهد على هذا أن الجريمة في المملكة العربية السعودية عام 1391 هـ ليست كالجريمة في النصف الأول من القرن الرابع عشر للهجرة من ناحية كميتها وكيفيتها .
                          فان قالوا : هذا عامل الحضارة ، قلنا : كذبتم وأفكتم لان جريمة النصف الأول من القرن الرابع عشر في بلادنا هي الجريمة ذاتها ( كما وكيفية ) عام 1391 هـ في البلاد التي هي أكثر منا انسياقا للمدنية .
                          الحادي والعشرون : أن الإجرام هو الإجرام إن لم ينتج عنه ارتداع سفاح آخر فان المجتمع على اقل تقدير تفادى شرا ، فتقليل السفاحين مصلحة ماثلة إن تعذر ارتداع كل السفاحين ، وهذا غير احد الوجوه الآنفة الذكر لأن ذلك الوجه عن تقليل المجرمين من ناحية القضاء عليهم فيستريح المجتمع من شرهم ، وذلك من ناحية اعتبار بعضهم وارتداعه .
                          الثاني والعشرون : أن قول الاسكندنافيين : عملية الإعدام لن تحقق العبرة مادام الإعدام لن يخيف من لا يعرف انه سيقتل فيه مغالطتان :
                          أولاهما : أن الجهل بالقانون لا يسوغ تعطيله ، وليست معالجة الجهل بالقانون في تعطيله بل لابد من إشاعته ، ولا ريب أن الانتصاف للدماء المراقة في كل جمعة على رؤوس الأشهاد سينبه كل من لا يعرف لان يعرف وليس يخفى اليوم إلا مالا يكون .
                          وأخراهما : أن من لا يعرف أنه سيقتل إذا قتل يعرف بيقين أن القتل جريمة ويعرف بعقله ( إن لم يكن ذا دين ) أن الجزاء من جنس العمل .
                          الثالث والعشرون : أن للإعدام مسوغا غير مجرد تحقيق العبرة ، وغير مجرد تعيين الحق ، وهو إشاعة العدل ، فلن تطبق العدالة إهدار الدماء ، ولن تطبق العقول الصحيحة جفنها على حياة سفاح تقوم على إهدار دم معصوم .
                          وجوب العدالة في التطبيق :
                          وبعد نقض فلسفتهم الرعناء في تعطيل العقوبة أود ملاحظة أن العدالة في التشريع ذات شقين .
                          عدالة النص في حقيقة تشريعه ، لأنه من عند الله والله لا يقول إلا حقا ، ولا يشرع إلا عدلا .
                          والعدالة في تطبيقه : بأن يكون الحكم مطابقا لواقع القضية - بحكم اجتهاد القاضي وصلاح سريرته - وألا ننقص من الحد ، لأن الله ارحم منا ولا نزيد فيه ، لأن الله احكم الحاكمين .
                          ونطبقه على أنفسنا فلا نحابي بحكم الله قريبا أو عظيما ، فحذار أن تدركنا خطة بني إسرائيل ، وأقول هذا على مبدأ ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا ) .
                          وليس الحيف في تطبيق الحد الشرعي بأقل خطورة من تعطيله ، فالمعطل والجائر كلاهما آثم ظالم ، والعدالة قوام الملك .
                          وبعد فان واقعنا العربي بحاجة إلى شباب يؤمن بالله ويقول عقب كل صلاة : اللهم ابرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك .. ويقول : اللهم أصلح ولاة أمورنا .


                          * * *

                          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                          قل خيرًا او اصمت



                          تعليق


                          • #88
                            رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                            في أحضان الميتافيزيقا الشيوعية !

                            عقدة الشيوعيين :
                            أنهم لا يؤمنون بشيء غير محسوس .
                            أي المغيب عن الوعي البشري
                            ومن هنا جاءت خرافة الميتافيزيقا في دماغ المفكر الشيوعي ، وهم يفسرون الميتافيزيقا أحيانا بما وراء الطبيعة ويفسرونها أحيانا بما وراء الحس البشري .
                            ولإيماني بالمنهج التحليلي الذي يفتت الجزئيات ليستلمح الفروق الدقيقة ويتلافى تعميم الأحكام مع المفارقة فأنني غير يائس من حل العقدة الشيوعية بهذا المنهج التحليلي المتناسق من هذه الخيوط :
                            1 - انه ليس كل ما غاب عن الوعي البشري يسمى خرافة ذلك أن المغيب عن الوعي على قسمين لا ثالث لهما في تصور أي عقل بشري .
                            أولهما : واقع مغيب فهو موجود في حقيقته ولكن الوعي البشري في جملته أو في بعض أفراده - لم يحط به .
                            وثانيهما : ادعاء ما ليس بواقع فهو مغيب لان المعدوم غائب بطبيعته .
                            فثمة فرق بين :
                            واقع مغيب وبين معدوم غائب !
                            الأول : حقيقة غير منظورة .
                            والثاني : خرافة لن تنظر !!
                            2 - ليس كل ما غاب عن وعينا يجب أن نتوقف فيه أو نجحده !
                            أما أننا لا نجحده فلأننا نعيش اليوم حقائق قطعية كانت بالأمس مغيبة .
                            وأما أننا لا نتوقف فيه مطلقا فلأننا جربنا أن كل المغيبات تتألف من أنواع على هذا النحو :
                            أ - مغيبات نعيش آثارها فتعطينا هذه الآثار فكرة قطعية عن وجودها .
                            ونعرف من وجودها أن لها كيفية ما لأن الوجود المجرد من كيفية ما غير متصور في أي عقل بشري !
                            وقد نجمل هذه الكيفية أو نطلقها ولكننا لا نحددها .
                            فقد نقول لهذا الكوكب الذي لم نكتشف كيفيته أو كميته بعد حجم كبير جدا ولكننا لا نحدد حجمه بحجم كذا من الأحكام الملموسة .
                            وقد نقول : لهذا الموجود قدرة متناهية مطلقة ولكننا لا نحددها بقدرة معينة ملموسة .
                            وليس هذا التقنين دعوى أدعيها لأنني اشترطت للإيمان - دون توقف - بالموجود المغيب :
                            أن تكون له آثار نعيشها .
                            وكبرى الحقائق وجودا .. الله وصفاته المطلقة في الكمال لأن كل حقل من حقول العلم البشري يفيض بمئات الآثار التي ترغم العقول بخالق واحد مطلق الكمال . واكبر مفكر شيوعي يعلم أن قدراته في الحس والفكر والوعي ذات ظاهرتين :
                            إحداهما : أن ما اقتنصه من المعرفة قليل جدا وإن كان كثيرا جدا بالنسبة للتجربة البشرية .
                            وأخراهما : انه ينطلق من معرفته القليلة إلى قوانين وكليات يعرف بها : أن في المجهول الأكثر حقائق يجب الإيمان بها بقدر آثارها أو بقدر ما تفرضه هذه القوانين .
                            ب - مغيبات - إن لم نعش آثارها - نؤمن بها إيمانا اضطراريا ! لأن اضطرارنا إلى الإيمان بهذا المغيب هو نفس الاضطرار إلى الإيمان بالمجرب .
                            نعم لم تصح التجربة قط - في فروضها ونتائجها - دون الاحتكام إلى العقل .
                            التجربة دون ضمان العقل زائفة .
                            والقوانين التجريبية قوانين عقلية بلا ريب .
                            كل تجربة عقل وليس كل عقل تجربة ! .
                            ذلك أن للعقل منادح صادقة غير التجربة .
                            والذين يلجمون القريحة بالتجربة ضالون .
                            لأن العقل طريق إلى التجربة .
                            ولأن العقل غاية للتجربة !!
                            وإذا كانت التجربة اصدق برهان فلا يعني ذلك انه لا برهان غيرها . ولقد تحايل مفكرو الملحدين على العقل فلم يعدل عن إيمانه ! . وإنما تخطى مفكرو الملحدين عقبات الإيمان إلى محالات الإلحاد!
                            قد يكون في الإيمان محارات ولكن أنى له المحالات ؟! .
                            إن قوانين العقل الثلاثة - التي تتفرع منها ملايين البراهين في العلوم تأبى أن تكفر برب حتمي الوجود والواحدية والكمال على أنها لا تحدد ولا تشخص وفي هذه كفاية ! .
                            فان ألح الملحدون - من أمثال امانوئيل كانت - على القول بان هذه القوانين الثلاثة تجريبية قلنا : ولكنها صادقة وإذن فهي حتمية .
                            وإذن أيضا نكون اهتدينا بالمحسوس إلى غير المحسوس .
                            جـ - ثمة مغيبات نتوقف فيها إن كانت دعواها في طور المسالمة بين السالب والموجب من قوانين العلم والعقل كبعض نظريات العلم الظنية . د - ثمة مغيبات نجزم بكذبها إن جرت إلى المحال أو صادمت الحقائق الثابتة . كنظرية دارون مرفوضة مطلقا في منطق المفكر المسلم لأن قوانين العقل والحس هدتنا إلى الإيمان بالله وصدق شرعه وصحة ثبوته ودلالته .
                            وشرع الله يرفض هذه الدعوى ففيه أن الله خلق أبانا من سلالة من طين وليس من سلالة من قرود ! .
                            وصدق الله وكذب دارون .
                            3 - ليست الميتافيزيقا ماوراء الطبيعة لأن في الطبيعة نفسها - ميتافيزيقا - . ولكنها ماوراء الحس البشري .
                            لأنها مغيبة عن علمنا وحسنا .
                            4 - معيار الحقيقة في وجودها لافي وعينا بها فكم وكم من حقيقة لم نع بها بعد . وكم من حقيقة وعينا بها فصارت غير ميتافيزيقية ! .
                            5 - من واقعنا ومنذ ابعد الآماد علمنا أن وسائلنا في المعرفة منحة لم نخلقها ولم نكتسبها .
                            بل وجودنا منحة .
                            وتوديعنا عارية مردودة .
                            ونسمى معرفتنا اكتسابا ولكنها منحة أيضا لأن وسائلنا منحة وماصدر عن المنحة فهو منحة .
                            ورأينا عن طبيعة هذه الوسائل أنها تأبى المحال وإنما يؤمن بعض المفكرين بالمحال تحت سحر الأغلوطة فإذا شموها لفظوها ! .
                            ورأينا أيضا : انه عاجزة عن إدراك كل حقيقة .
                            ورجال العلم والذرة اليوم يعلمون علم اليقين أن الكون أرحب وابعد وأغمض من اكتشافهم الهائل .
                            فمن إيجابية وسائلنا في المعرفة آمنا بالضرورات التي لم نحسها ، ومن قصور معرفتنا علمنا أن في الوجود حقائق مغيبة ولقد قلنا مرارا : إن الإلحاد عدم علم وليس علما بالعدم ! .
                            6 - لم تكن المادية قط ثمرة للعلم الروسي والاختراع الروسي ، نعم كان كارل ماركس أستاذا للينين وستالين وبقية الرفاق في بناء نظام شيوعي ! .
                            ولكنه لم يكن قط أستاذا ليوري جاجارين - مثلا - في غزو الفضاء!
                            بل قامت حضارة القرن العشرين في العلوم التطبيقية وفي العلوم البحتة على أكتاف متدينين - غير ملحدين - من المسيحيين واليهود .
                            أما الفكر الميتافيزيقي الملحد فوراءه جماعة البروتوكولات قبل ميلاد عيسى - عليه السلام .
                            7 - لم تستطع الشيوعية الهرب من الميتافيزيقا في أفكارها .
                            بل كانت أكثر ميتافيزيقية في حقول الجمال والفن وعلم النفس والتاريخ والروحانيات .
                            كانت ميتافيزيقية دهماء بغيضة في رد الثقافات إلى العمل والرغيف وصراع الطبقات .



                            * * *

                            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                            قل خيرًا او اصمت



                            تعليق


                            • #89
                              رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                              غزو الفضاء والتفسير العلمي للنصوص

                              الحمد الله نحمده ونستعينه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، والصلاة والسلام على نبيه وخيرته من خلقه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته من الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها إلى يوم القيامة وبعد :
                              فان اصح الحقائق العلمية - كما هو منطق العصر - ما كان معاينا إما بحس مجرد وإما باختبار وتجربة . وحديثي عن غزو القمر أنيس العشاق في سمرهم ، وموعد تلاقيهم وشاهد مواثيقهم ، حديث عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ، لم يبرحوها ولم يتخلصوا من جاذبيتها حتى أفكارهم المجردة ليس لها زاد من الخصوبة يدفعها إلى السماء كما تدفع القوة الذرية السفينة ابولو « 11» .
                              وهي أفكار - لو جردت عن الخبر السمعي - وحاولت التحليق فانها كالدجاج تطير ولكن إلى أسفل .
                              فحديثي عن غزو الفضاء ليس بحديث المعاين للقمر اللامس له وليس هو بحديث الفيلسوف المتأمل أو الشاعر المجنح الذي يصنع الحقائق بفكره ، وليس هو بحديث الفلكي العالم أو من يرصد الطوالع وينظر بالتلسكوبات البصرية .
                              إنما هو حديث من يتلقى الحقيقة من مصدرين لا ثالث لهما : -
                              أولهما : خبر ربنا عز وجل في كتابه - أو على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - .
                              وثانيهما : أقوال علماء العصر الحديث ومنجزاتهم العلمية . وفي التلقي عن هذين المصدرين لابد من أحد أمرين : فإما أن يتفق النص السمعي والنص العلمي على إثبات حقيقة أو نفي ما ليس بحقيقة وإما أن يتعارضا ولا يمكن التوفيق بينهما البتة .
                              فان اتفق النص والعلم في النفي أو الإثبات فلا اعتراض ، وهذا من إعجاز القرآن إذ لفت إلى يقينيات كان العلم عنها غافلا لان العلم البشري - يومذاك - لا يزال طفلا وقد قال تعالى عن القرآن والمعاندين وطلاب الحقيقة : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في أذانهم وقر وهو عليهم عمى ) .
                              وإن تعارض النص مع العلم فلا يخلو النص من أربع حالات ولا يخلو العلم أيضا من حالين فأولى حالات النص : أن يكون قاطعا في ثبوته ودلالته ، كدلالة القرآن على أن الله لا تدركه الأبصار . فهذا نص قطعي الثبوت لأنه آية من كتاب الله وكتاب الله قطعي الثبوت ، وهو قطعي الدلالة لأنه لا تأويل له بوجه يعقل فلو قال العلم - على سبيل الفرض - إن القوة الذرية دفعت بسفينة فضائية حتى جاوزت الأفلاك والسبع الطباق ورأى ملاحها رب الكائنات جهرة لقلنا بكل إيمان وتصميم وقطع وجزم وإصرار : كذبوا وأفكوا .
                              ونقول كذبوا : ولو استجهلنا واستحمقنا كل من في مشارقها ومغاربها ، وفي هذه الحالة فالعلم هو المتهم لا كلام ربنا ، ومن اصدق من الله حديثا ؟!
                              وثانية حالات النص : أن يكون قطعي الدلالة وغير قطعي الثبوت كالأحاديث الضعيفة التي لم تثبت نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان دلالتها قطعية على نفي ما يثبته العلم أو إثبات ما ينفيه ، ففي هذه الحالة يحصل التوقف إلى أن يكون العلم الحديث علما ضروريا فنحكم به على عدم ثبوت النص عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
                              وثالثة حالات النص : أن يكون قطعي الثبوت وغير قطعي الدلالة وتلك عقدة الموضوع وفي هذه الحالة فقط :
                              اقترح أن لا يقحم النص وتعارض به مسائل العلم سواء أكانت النظرية العلمية قطعية الثبوت أم غير قطعية لأن دلالة النص لم تتضح بعد ، ولم نجزم على معرفة مراد الله منه ولهذا دعا بعض الباحثين - هو سيد قطب - في تفسيره آية ( يسألونك عن الأهلة ) إلى عدم إقحام النصوص في المسائل العلمية ، وحجتهم أن القرآن الكريم نزل للتوجيه وبناء المجتمع بما فيه من أحكام فقهية وتربوية ولم تكن وظيفته إعطاء نظريات علمية في الفلك والهيئة والطب ، ولهذا صرف من سألوا عن بعض المسائل الفلكية إلى طبيعة القرآن ووظيفته فقال تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس ) . ولو كان القرآن يعطي نظريات علمية - في غير نطاق التشريع والتوجيه - لأعطاهم نظرية علمية كاملة عن القمر في نقصه واكتماله ، وحجتهم أيضا : أن القرآن قطعي نهائي مطلق أما العلم فغير نهائي ولا قطعي ولا مطلق ، ولهذا فتطبيق النصوص على كل ما يستحدث من كشف كوني أو نظرية علمية إنما هو من القفو المنهي عنه وقد يكون في هذا التطبيق ما يخلخل العقائد ويشكك المسلمين في كتابهم ، فلو أيدنا بالقرآن بعض النظريات ثم تقدم العلم فكشف عن بطلانها فاننا نجعل القرآن في موقف حرج وبذلك نخلق التعارض بين الدين والعلم ولا تعارض في الحقيقة .
                              قال أبو عبد الرحمن : اتفق مع أهل هذا الرأي على ضرورة إبعاد النص عن معارضة العلم ولكن لغير المسوغات التي ذكروها .
                              إنه يجب إبعاد النص عن حومة الصراع مع العلم إذا كان النص القطعي الثبوت غير قطعي الدلالة ، إما إذا كان قطعيا في ثبوته ودلالته فهو المقدم والعلم هو المتهم .
                              ويجوز لنا أن نفسر النص القطعي الثبوت غير قطعي الدلالة بما يصح ويتيقن من نظريات العلم بدليلين : أولهما : انه لا فرق بين موضوعات القرآن ، فكما يجوز الاجتهاد في تفهم دلالة النص في الفقه أو العقيدة يجوز أن نتفهم دلالة النص في العلم ونظرياته الحديثة .
                              ومن يقول : إن كتاب الله ليس كتاب فلك وطب وتاريخ كما هو كتاب فقه وتربية محق ، بيد أن كتاب الله لم يخل من لفتات علمية ، فلماذا نجتهد في تفسير بعضه ونجمجم في البعض الآخر ؟
                              إذا فلا يصح لنا تسويغ الإمساك عن تفسير بعض الآيات بمجرد التفرقة بين موضوعات القرآن وإنما نمسك عن تفسير بعضه بالتفرقة بين أحواله ، فهناك متشابه كأوائل السور ، وأمور أخرى تقوم على التسليم كمسألة القدر ، فهذه لا يحسن الخوض فيها لا لأنها من العقائد وغيرها من الفقه والتربية فقد يكون المشتبه في غير العقائد وقد يكون الجلي الواضح في العقائد .
                              فالعلة هي التشابه وغموض الدلالة حتى لا نقول على الله بغير علم وحتى لا نحمل النص على غير مراد الله منه .
                              والدليل الثاني ( على انه يجوز لنا أن نفسر النص القطعي الثبوت غير قطعي الدلالة بما يصح ويتيقن من نظريات العلم الحديث ) هو أن القرآن معجز ومن أعظم إعجازه تنبآته وسبقه إلى نظريات كان العلم عنها غافلاً ، وإذا وردت في القرآن لفتات مجملة كقوله تعالى : « ويخلق مالا تعلمون » وكقوله تعالى : « وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس » وأنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكاسيات العاريات ، وعن مشاركة المرأة للرجل في العمل غير البيتي والتجارة وهما أمران لم يعهدا . فكل هذه الغيبيات من دلائل الإعجاز وأنها صدرت من نبي يقول الحق . وفي خطبة للرسول صلى الله عليه وسلم طويلة بعد فراغه من صلاة الكسوف قال : « والله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما انتم لاقون في دنياكم وآخرتكم » فذكر علامات الساعة ثم قال :
                              « ولن يكون ذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم تسألون بينكم : هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكراً » .
                              قال أبو عبد الرحمن : وهذا هو الواقع بعد تجدد المخترعات وكثرة المنجزات العلمية - يراجع كتاب ( التصريح بما تواتر في نزول المسيح ) ص 165 - 170 بتحقيق شيخنا عبد التفاح أبو غدة - وأما القول بأن حقائق القرآن قطعية وحقائق العلم غير قطعية فلا يصح أن تأخذه قضية مسلمة بإطلاقه ، لأن القرآن قد يكون غير قطعي الدلالة والعلم قد يكون قطعيا ، ومما يدل أيضا على أن النص القطعي في ثبوته غير القطعي في دلالته يفسر بالحقيقة العلمية هو أن في أصول التفسير قواعد يترجح بها التفسير المتعدد المحامل من المسائل اللغوية ودلالات السياق وقرائن الأحوال وإنني اعتبر الكشف العلمي من المسائل التي تترجح بها إحدى احتمالات النص فان صح الكشف العلمي وإلا فالخطأ في أفهامنا لا في كلام ربنا . ورابعة حالات النص : أن يكون غير قطعي الثبوت وغير قطعي الدلالة فلا يركن إليه في معارضة أية مسألة علمية .
                              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                              قل خيرًا او اصمت



                              تعليق


                              • #90
                                رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                                وبكل ما سبق يتضح أن النص إما قطعي الثبوت والدلالة فيكون هو المقدم ويكون العلم هو المتهم ، وإما قطعي الدلالة وغير قطعي الثبوت وغير قطعي الدلالة ففي كلا الحالين يقدم عليه العلم إن كان متيقنا ، وإما قطعي الثبوت غير قطعي الدلالة فيكون عدم إقحامه في ميدان العلم أولى لأن مراد الله منه غير مفهوم . فان كان العلم يقينيا جاز لنا أن نرجح به دلالة النص كما يجوز أن نرجح بالأمارات وقرائن الأحوال وإن الانجازات العلمية القطعية من اجل القرائن والأمارات ، وأولى حالات العلم نفسه : أن يكون يقينيا قطعيا ، واقسم بالله اجل الأقسام أن الحقيقة العلمية لن تعارض النص الشرعي القطعي في دلالته وثبوته هذا محال لأنه يحيل الأدلة العقلية والضرورية والوجدانية التي بنينا عليها إيماننا بالله الحق ، وكل ما أحال حقا فهو محال ، فإذا حدث التعارض بين النظرية العلمية والنص الشرعي فلابد قطعا وبيقين أن احدهما أو كلاهما ظني ، وثانية حالات العلم أن يكون ظنيا ، ومن العلم الظني نظريات النشأة الأولى كالقول : بأن أصل الإنسان قرد أو أن القمر انفصل من الأرض وكان مقره المحيط الهادي ، مثل هذه النظريات لا يجوز أن يعارض بها النص الشرعي القطعي ، لأن النشأة الأولى أمر فات الحس والعيان ولم تثبت بلزوم عقلي ، وابلغ رد على مثل هذه النظريات قوله تعالى « ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم » . ومن العلم الظني ما كان يقوم على النفي دون الإثبات كمن ينفي وجود سبع سموات طباق ويقتصر على ما يبدو له من النجوم والأفلاك لان ملكوت الله أوسع وابعد من إحاطة البشر ، والله يقول : « وما أوتيتم من العلم إلا قليلا » .
                                ومن العلم الظني : النظريات المتطورة التي لم تكن محل إجماع واتفاق .
                                قال أبو عبد الرحمن : هذه هي الضوابط والقيود في مسائل العلم التي يرد بها النص الشرعي ونص العلم الحديث , أما أن نلهث وراء النصوص لنكذب بها كل حدث علمي - دون مراعاة تلك الضوابط - أو أن نلهث وراء النظريات العلمية لنكذب بها القرآن فكل ذلك من المبادرات المخيفة التي تبلبل عقول الناشئين وتشككهم في دينهم .
                                إن لهثنا وراء النصوص ننفي كل نظرية بدون قيد ولا شرط وقد تكون النظرية العلمية من الحق اللائح فإنما نجعل ديننا معارضا للحق ولعمر أبي عبد الرحمن بن عقيل انه لا يعارض الحق إلا الباطل ، وبهذا تكون إنجازات العلم المتتالية سنداً للإلحاد أو التأفف من الدين وبهذا يجد من لم يؤمن بالله متنفسا ليقول : إن هذا الدين قيود وهمية وأغلال تشد ذويها عن الانطلاق العلمي .
                                وثقوا - أيها الأحباب - أن دعاة الإلحاد يفرحون بكل تصريح يذيعه رجال العلم الشرعي في إبطال نظرية علمية باسم النصوص الدينية ، فحذار حذار من تصرفات تميت علينا ديننا وتشمت بنا عدونا ، وإن لهثنا وراء النصوص لنؤيد كل نظرية علمية - دون مراعاة تلك الضوابط أيضا - فمعنى ذلك الانهزام الروحي إذ نجعل العلم حكما على النصوص ونجعله المقدم والنص هو المؤخر ، واخطر من هذا كله أن نلهث وراء النظريات العلمية لنكذب بها نصا شرعيا قطعيا أو نتكلف تأويله بما لا يقطع به على مراد الله إلا بتحكم .
                                إن للعلم حقا فلنتريث فيه حتى نجزم بأنه قطعي ، وإن للنصوص حقا فلنتريث حتى نجزم على مراد الله منها ولتكن عقولنا وقلوبنا مفعمة إيمانا بان الله لا يقول إلا الحق ، وان الحق لا يعارض حقا مثله أبدا وذلك بحكم الدلائل والبراهين العقلية والوجدانية والضرورية التي بنينا عليها إيماننا بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ولا يستغرب المتسرعون في إنكار حقائق العلم باسم النصوص أن يصل البشر إلى علم معجز فليكن من الثابت والمتيقن أمور :
                                أولها : أن المخترعين والرواد مهما بلغ حولهم وطولهم إنما هم مكتشفو حقيقة لم تكن من صنعهم بل من صنع الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى فمن الظلم والحيف الكبير أن تؤمن بمكتشف الحقيقة وننسى موجدها والله يقول : « أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها » .
                                وثاني تلك الأمور : أن لهذا العلم البشري المعجز مهما اتسعت آفاقه نهاية يقف عندها لأن الله غيبا لا يظهر عليه أحدا .
                                وثالث تلك الأمور : أن الساعة تأخذ الناس بغتة ، فلو كانوا يفطنون لكل حدث تنبأ به النص من أماراتها لما كانت مباغتة .
                                قال أبو عبد الرحمن : وبالتقسيم الآنف الذكر لحالات النصوص وحالات كل نظرية علمية نكون وضعنا قاعدة علمية لتفسير النصوص الشرعية ومدى الاطمئنان إلى النظرية العلمية وبهذا نكون قد احكمنا السياج عن المبادرات في الجزم والتفسير المرتجل الذي يحدث آثاراً سيئة في الإيمان بالعقيدة . وقد اجتهدت في استخلاص هذه القاعدة من طبيعة القرآن ومن القواعد العامة في أصول التفسير والتأويل ومحوري الذي أدور حوله إيماني العميق الوثيق بالله وكتبه ورسله وان الله لا يقول إلا الحق فلنتيقن : أن هذا نص ثابت عن الشارع ولنتيقن أن هذا مراد الشارع من هذا النص فإذا صح هذان الأمران فالنص هو المتبع لأنه الحق والحق أحق أن يتبع .
                                وقد كتبت هذا بمناسبة ماتواترت به الأنباء العالمية عن وصول ابولو (11) إلى القمر فهرعت إلى نصوص القرآن التي نفى بها بعض علمائنا هذا النبأ وهرعت إلى نصوص القرآن الأخرى التي اثبت بها بعض علمائنا هذا النبأ أيضا فدرستها واستجليتها واجتهدت في تفهمها ونقبت في أمهات كتب التفسير ، فما كان فيها من حق وصواب فمن الله وماكان فيها من خطأ فمني ومن الشيطان ، وأقول - كما قال سلفنا الصالح - آمنت بكتاب الله على مراد الله واليكم هذه النصوص وأقاويل العلماء في تأويلها :
                                قال تعالى : « ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين » .
                                وبهذه الآية استدل شيخنا محمد الأمين الشنقيطي عل أن أصحاب الأقمار الصناعية لا يصلون إلى القمر وسيرجعون خاسئين أذلاء عاجزين ودليل فضيلته هذه الأمور :
                                أولاً : أن أصحاب الأقمار الصناعية يدخلون في مسمى الشياطين دخولاً أوليا لعتوهم وتمردهم وقد صرح - سبحانه وتعالى - بقوله « وحفظناها من كل شيطان رجيم » .
                                ثانياً : أن القمر في السبع الطباق . قال تعالى :
                                « ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نوراً » فعلم أن القمر بعينه في السماء لا مجرد نوره ، لأن قوله تعالى ( جعل ) بمعنى صير فمنصوباها بمعنى واحد - أي أن القمر هو النور والنور هو القمر ، فالمعنى أن القمر بعينه في السماء لا أن الموجود في السماء مجرد نوره .
                                قال الشيخ الشنقيطي : ولا يجوز صرف القرآن عن معناه المتبادر بلا دليل يجب الرجوع إليه .
                                ثالثا : أن الله سبحانه وتعالى صرح في سورة الفرقان بان القمر في السماء ذات البروج - فالسماء التي صرح هنا أن القمر فيها - هي بعينها السماء المحفوظة من الشياطين .
                                كما قال تعالى : ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم ) .
                                قال فضيلته : والواقع سيكشف حقيقة تلك الأكاذيب والمزاعم الباطلة . وقال : واعلم وفقني الله وإياك أن التلاعب بكتاب الله جلا وعلا وتفسيره بغير معناه لمحاولة توفيقه مع آراء كفرة الإفرنج ليس فيه شيء البتة من مصلحة الدنيا ولا الآخرة ( يراجع أضواء البيان ج3 ص 22 ) .
                                قال أبو عبد الرحمن : كل ما استدل به شيخنا لا حجة فيه على نفي وصولهم إلى القمر ، فما تجدر الإشارة إليه أن النصوص الواردة في حفظ السماء قطعية الثبوت وقطعية الدلالة فمستحيل أن ينفذوا إلى السموات ولو حاولوا الوصول إليها فأنهم سيحرقون بالحديد و النيازك - الفصل لابن حزم ج 4 ص 96 - وهي الرجوم المذكورة في القرآن ، أما النصوص الواردة على أن القمر في إحدى السموات السبع فقطعية الثبوت غير قطعية الدلالة وهي غير قطعية الدلالة للاختلاف في تأويلها حسبما يلي :
                                التأويل الأول : أن معنى « فيهن » ( معهن ) قال ذلك قطرب وهو حجة في اللغة وقاله ابن الكلبي ويكون المعنى أن الله خلق سبع سموات وخلق معهن القمر وهذا وارد في لغة العرب قال امرؤ القيس :
                                وهـل ينعمـن من كان آخر عهده ... ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال
                                فمعنى في ثلاثة أحوال - أي مع ثلاثة أحوال - قال القرطبي : إن جلة أهل اللغة فسروا البيت بهذا المعنى وعلى هذا فلا دلالة على نفي الوصول .
                                التأويل الثاني : أن المراد وجعل نور القمر فيهن وهذا ما نفاه فضيلته ولكنه في الواقع هو التفسير الصحيح لان التأويل هكذا : أولم يروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل فيهن أي وصير القمر نورا فيهن .
                                وبهذا فلا دلالة في النص على أن القمر بعينه في إحدى السموات السبع ، وقد نقل هذا المعنى عن فلكيي العربي ولهذا قال عبد الله بن عمرو بن العاص : إن نور الشمس والقمر في السماء واستشهد بالآية ( يراجع تفسير ابن جرير ج 29 ص 97 ) .
                                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                                قل خيرًا او اصمت



                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:01 ص
                                ردود 0
                                9 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:00 ص
                                ردود 0
                                7 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 23 أغس, 2023, 08:53 م
                                ردود 0
                                34 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 6 يون, 2023, 01:37 ص
                                ردود 0
                                20 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 يون, 2023, 03:05 ص
                                ردود 0
                                18 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                يعمل...
                                X