تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ظل ظليل مسلم اكتشف المزيد حول ظل ظليل
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #91
    رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

    وهذا التأويل لا يخالف أن منصوبي جعل بمعنى واحد ولكن ليس من كل وجه ، بل من وجه أن الله سبحانه وتعالى جعل فائدة القمر للسماء انه منور لها ، فالقمر هو النور والنور هو القمر من ناحية أن فائدته المنصوصة إنما هي في التنوير ويدل على أن المجعول في السماء النور لا القمر بعينه أن جعل لما تعدت إلى مفعولين دل على أن عين القمر هو المفعول الأول غير المقصود فهو غير منطوق .
    التأويل الثالث : ما ذهب إليه فضيلته ، فصح بهذه التأويلات : أن النص غير قطعي الدلالة ، أما قول شيخنا - حفظه الله (1) : ولا يجوز صرف القرآن عن معناه المتبادر إلا بدليل يجب الرجوع إليه فالجواب عنه من وجهين :
    أولهما : أن المعنى المتبادر من النص هو تأويله بأن المجعول في السماء هو نور القمر .
    وثانيهما : أن الاكتشاف العلمي وخاصة إذا كان من المحسوسات أقوى دليل لصرف اللفظ عن معناه المتبادر .
    أما استدلال فضيلته بان آية الفرقان نصت على أن في السماء ذات البروج قمرا منيرا وقد ثبت أنها محفوظة بالآية الأخرى فنقول : أنها غير قطعية الدلالة لان السماء في هذا الموضوع وردت مفردة فتحمل على أنها مجرد العلو ، وقد فسرت السماء بالعلو في عدة مواضع ولان السماء المحفوظة غير القمر الذي ينور عليها وإذا صح وبات محسوسا فانه من أجود مايرجح به احد احتمالات النص وبهذا يتضح أن النص على عدم نفوذهم من السماء قطعي الثبوت غير قطعي الدلالة ، فإذا صح الكشف العلمي صحت به الدلالة وقصارى القول : أن النصوص لا تحيل وصولهم إلى القمر ولكنها تنفي نفوذهم من السماء ، أما النصوص التي استدل بها بعض علمائنا على تأييد هذا النبأ فكثيرة متكلفة . أوضحها آيتان : الأولى قوله تعالى : « أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون » ودليلهم من الآية أن القمر قريب من الأرض ليس في السماء وإنما هو منفصل عن الأرض . قال الأستاذ احمد حسين المحامي ( كوكب الإنسانية ص 22-23 ) : فالعلماء المحدثون متفقون على انفصال القمر عن الأرض حتى ليحددوا الموضع الذي انفصل منه القمر عن الأرض وهو هذه الفجوة الضخمة التي تؤلف المحيط الهادي ( راجع مع الله في السماء للدكتور احمد زكي ص 106 فما بعد ، وعجائب الأرض والسماء للدكتور الفندي ص 130 ) .
    قال أبو عبد الرحمن : هذه نظرية تتعلق بالنشأة الأولى فهي ظنية وإنما تقبل هنا لأنها وافقت النص القرآني .
    أما الآية الثانية : فهي قوله تعالى : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من اقطار السموات والأرض فأنفذوا لاتنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان ، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) ويعتبر الدكتور جمال الدين الفندي هذه الآية تنبوأ بمحاولات البشر غزو الفضاء ويستنبط هذين الاستنباطين :
    أولاً : أن في هذه الآيات الكريمات إشارات واضحة إلى أن الإنسان سوف يستخدم سلطان العلم للتخلص من قبضة جذب الأرض وسائر أجرام السماء وعندها سوف يحاول السبح في الفضاء الخارجي .
    ثانيا : عندما يسبح في الفضاء سيواجه أهوال الفضاء ممثلة قبل كل شيء في رياح الشمس المحرقة والأشعة القاتلة للخلايا الحية التي على غرار الأشعة الكونية والأشعة فوق البنفسجية التي ترسلها الشمس ويعج بها الفضاء الذي تسبح فيه الكواكب وهذه كلها إنما تمثل النار المحرقة التي لا دخان لها ولعل هذا هو المقصود من شواظ من نار ونحاس .اهـ .
    ( القرآن والعلم ص 47 ، 48 بتصرف وانظر أيضا دليل المستفيد على كل مستحدث جديد لابن خلف ص 195 والقرآن والعلم الحديث لإبراهيم عبد الباقي ص 420 - 421 ) وارى أن تأويلاته بعيدة جدا ولنستعرض تأويل المفسرين لهذه الآية :
    فالتأويل الأول : أن ذلك التحدي واقع يوم القيامة فلا يستطيع احد من الإنس والجن أن يفر من يوم الحساب ويؤيد هذا التأويل أمور :
    أولها : أن في الآية وعيدا للثقلين بأن الله سيفرغ لهم فيحاسبهم ويجازيهم بدليل السياق فقد قال تعالى قبل ذلك : ( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) وقد تواترت النصوص وانعقد الإجماع على أن الحساب يوم القيامة .
    وثانيها : أن هذه الآية تفسرها آيات أخرى كقوله تعالى : ( يقول الإنسان يومئذ أين المفر ، كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ) وكقوله تعالى : ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم ) وكقوله تعالى : ( إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ) وكقوله تعالى : ( وجاء ربك والملك صفا صفا وجىء يومئذ بجهنم ) وكقوله تعالى :( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ) فكل هذه الآيات حديث عن يوم القيامة .
    قال الضحاك بن مزاحم : إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها ونزل من فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها ثم بالثانية ثم بالثالثة ثم بالرابعة ثم بالخامسة ثم بالسادسة ثم بالسابعة فصفوا صفا دون صف ثم ينزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم فإذا رآها أهل الأرض فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ثم استدل بالآيات الآنفة الذكر ومن ضمنها هذه الآية .
    وثالث تلك الأمور : أن قوله تعالى : ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس ) دليل على أن هذا الإرسال في يوم القيامة .
    التأويل الثاني : أن هذا التحدي واقع في الدنيا بمعنى أن الثقلين لا يستطيعون الهرب من الموت ولو نفذوا من أقطار السموات والأرض لكانوا في سلطان الله ولأخذهم الله بالموت .
    التأويل الثالث : أن الثقلين لا يعلمون ما في السموات والأرض إلا بسلطان يعني بينة من الله وهذا تأويل ابن عباس .
    قال أبو عبد الرحمن : ثمة أمور لابد من فهمها :
    أولها : انه لا قرينة تخصص الآية بالقيامة وهذا ما أيده كبير علماء الشام الشيخ جمال الدين القاسمي - تفسير 15/5626 .
    وثانيها : أن الآية مشعرة بان هذا سيقع في الدنيا وأنها ستكون محاولة الصعود إلى السماء وأنهم لن ينفذوا إلا بسلطان وهو ما يأذن الله لهم به من قوة وبينة إلا أنهم إذا حاولوا الوصول إلى السماء رموا بالشهب كما ترمى الشياطين .
    وثالثها : أن قوله تعالى : ( سنفرغ لكما أيها الثقلان ) لا يخصص الآية بالقيامة لأنه محتمل أن الله سيفرغ لإجابة من يسأله كل يوم أو انه سيفرغ لهم في الحساب يوم القيامة وبهذا تكون الآية مستقلة ، ولا يلزم من كون هذه الآية في القيامة أن يكون ما بعدها فيها أيضا ( انظر تفسير الشوكاني لآية : « يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم » ج 1 ص 72 ) .
    ورابعها : أن قوله تعالى : ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ) دليل على أن إرسال النحاس والشواظ يكون يوم القيامة .
    وخامسها : أن هذه الاية ليست في معنى الآيات التي ذكرها الضحاك .
    وسادسها : أن خبر الضحاك موقوف عليه .
    وسابعها : أن محاولة النفوذ ليست بمعنى محاولة الهرب الذي فسروا به الآية لأن في النفوذ معنى الإقدام والاستكشاف .
    وثامنها : انه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم مفهوم هذه الآية .
    وتاسعها : أن القرآن لا تفنى عجائبه وفيه خبر من قبلنا ومن بعدنا ، وحكم ما بيننا ومن إعجازه إخباره بغيبيات لم تقع ، أما الذين يقولون ليست هناك سموات سبع يرمى دونها بالشهب وإنما هو فضاء وأفلاك فهؤلاء ضالون مصادمون لنص قطعي . قال تعالى : ( له السموات السبع والأرض ) وقال : ( ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين ) .
    وقال : ( فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها ) وقال :( الم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا ) وقال : ( وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) .
    والسموات أجسام لا مجرد سديم لان الله جعلها سقفا محفوظا ولها أبواب ويطويها الله كطي السجل .
    وإذا كان العلم الحديث الآن ينفي السبع الطباق فحجته أنه لم ير بالتلسكوبات إلا النجوم والفضاء وهي حجة واهية تقوم على النفي وليس عدم العلم كالعلم بالعدم وليس ما شاهدوه بناف مالم يشاهدوه وعلمهم وإن عظم قليل لأن ملكوت الله أوسع والله يقول : ( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة ) .
    والله المسؤول : أن يحفظ لنا ديننا وعقيدتنا وان يجعلنا من الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها إلى يوم القيامة ، وبالله تعالى التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيراً .

    _______________________
    (1) الآن نقول : رحمه الله .
    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
    قل خيرًا او اصمت



    تعليق


    • #92
      رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

      كلام الله لا يفسر بالكهانة

      لا مراء أن في نصوص ديننا ما تفسيره وبيانه رهن الأحداث المنتظرة ، ولهذا فجيولوجيو القرن العشرين سيفهمون من قوله تعالى :
      « ألم تر أن الله انزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض » أكثر مما فهمه مفسرو القرآن الكريم القدماء !
      ولست أنكر أن تفسر الآيات الكونية من القران كما تفسر آيات الأحكام ، لأننا متعبدون بتلاوة كتاب ربنا وتدبره وفهمه والاجتهاد فيه . وأباهل على أن الإعجاز في القرآن الكريم لا ينتهي ما ظل تكليف الله لعباده قائما لكن من يعرض للتفسير بنظريات العلم « سواء أكان مؤمنا به يسعى لتوفيق ما بينه وبين العلم من أمثال جوهري طنطاوي وعبد الرزاق نوفل والدكتور جمال الدين الفندي ومصطفى محمود أم كان كافرا به يسعى لخلق جو التعارض بينه وبين العلم » : أن يتبين أولا مراد الله فلا يحكم بموافقته أو مناقضته حتى يثبت له ببرهان قطعي أن ما فهمه من النص هو مراد قائله : وهذا الشرط قيد منطقي لمن يرتاد حقيقة ثم لا يعزبن عن البال بعد ذلك أن مراد الله إنما يفهم بفهم العرب له من لغتهم : بحقيقتها ، ومجازها ، وإيمائها لأنه نزل بلغتهم .
      وعلى هذا فلا يجوز « بإطلاق » الاستهانة بتفسير الصحابة والتابعين ومن تلاهم ممن تخصصوا في اللغة وحمل الأثر .
      وإذن ففهم « مراد الله تعالى » من النص لن نتوصل إليه إلا بالغوص في أعماق العربية والإلمام بدقائقها ، والتفطن لامارات السياق ، وما اصطلح عليه في عرف الشرع .
      والحقيقة الناصعة انه لا يتوقف فهم الآيات العلمية من القران على وجود دكاترة في الطب والتشريح والنبات والهندسة والذرة وشتى معارف الكون إذا لم يكونوا متمكنين في علم العربية وأصول التفسير وإنما يتوقف الفهم - بعد فساد الملكة - على وجود شيخ تبحر في لغة العرب وفهم الواقع التاريخي ، وعرف مظان « تفسير المأثور » ثم يأتي دور هؤلاء الدكاترة في تطبيق ما فهموه من نظريات العلم على ما فهمه أئمة التفسير .. إن على هؤلاء الدكاترة أن يبينوا دلالة « النظرية العلمية » ولا يجوز لهم مطلقا أن يطبقوها على دلالة النص إلا أن يكون قد استنبطها لهم مختص بعلم التفسير ، أو كانوا هم من التمكن في أصول هذا الفن بحيث يكونون مؤهلين للاستنباط وهذا بديهي في عصر يراعي حرمة التخصص .
      إذن لا بد من القطع على « مراد الله تعالى » قبل مقارنة النص بالنظرية ولا بد أن نطلب « فهم المراد » من المتخصصين في طلب تأويله .
      وبعد تقرر هذا أقول « مرشدا لكل مؤمن بالقرآن ، محتجا على كل كافر به » : لا بد - من ناحية الحجة والبرهان - من تطبيق هذه القواعد عند عرض النظرية على دلالة النص :
      1 - مراعاة أن منزل القرآن هو « خالق الحقيقة » وان رجال العلم يحاولون « اكتشاف الحقيقة » وبرهاني على ذلك : كل البراهين الدالة على وجود الله وعلى صحة النبوة وثبوتها .
      وعلى هذا المبدأ فما كان قطعي الدلالة من القرآن على مراد الله فهو - في صحته - قطعي نهائي مطلق لأن خبر الله عن حقيقة خلقها هو لابد إلا أن يكون كذلك ! وإذن فمن الضروري - ولا بد ، وبيقين - : أن معارضة من يكتشف الحقيقة غير نهائية ولا مطلقة !
      وهذا مجرب ، فأكثر نظريات العلم كانت حقا مطلقا ، ثم تقدم العلم خطوة فكانت باطلا مطلقا !
      وهذا طبيعي في معرفة بشرية تترقى إلى الكمال ولن تبلغه ، وتعرف اليوم ما كانت تجهله بالأمس ، وهكذا !
      2 - مراعاة أن نظريات العلم الحقيقة المطلقة الجازمة التي ظهرت في حيز المحسوس لا يمكن أبدا أن تعارض حقيقة النص النهائية المطلقة ، لان الحق لا يعارض حقا مثله ولان تصور هذه المعارضة يفضي إلى تجهيل النص أو تكذيبه ، وهما خلتا نقص يتنزه عنهما خالق الحقيقة وموجدها لبراهين مساقها في باب « الأسماء والصفات » من كتب العقائد وفي مثل هذا فضروري وبيقين ولا بد : أن دلالة النص المطلق في حقيقته لا تعارض حقيقة العلم النهائية المطلقة !
      3 - مراعاة النصوص محتملة الدلالة - بحكم لغة العرب - لا تعتبر تفاسير الأئمة لها نهائية ولا مطلقة وإذا فلم يفرغ منها ، فإذا استجدت حقيقة علمية مجمع عليها و كانت تتناولها إحدى دلالات النص فتصبح مرجحة لتلك الدلالة .
      وكل ما تعددت دلالته من النصوص ، وتضاربت الأفهام في استكناه المراد منها وغلب بعضها على بعض في عصر أو مصر : فلا مؤاخذة فيها إلا على أفهامنا !
      والذي بلوته من نصوص ديني أن العلم الحديث سيفهم من النص ما اختلف السلف في فهمه لتقوم الحجة من النص على من لم يدرك الرسول صلى الله عليه وسلم ويشاهد معجزاته الكونية !
      وبهذه الحقائق الناصعة سأتناول كتيب « مصطفى محمود » : « محاولة لفهم عصري للقرآن » الذي أثار ضجة كبرى في الأوساط الإسلامية مبتدئا بـ « قصة الخلق » ( ص 41-64) حيث قرر نظرية دارون واستدل لها على هذا النحو :
      ركب « دارون » الباخرة في رحلة حول العالم يجمع العينات من البحر والبر ، ومن تحت الماء ومن فوقه ، فتجلت له هذه الملاحظات :
      1 - أن الحياة تتلون وتتكيف مع البيئة فسحالي الكهوف لا وظيفة عندها للبصر ولا للألوان ، لأنها تعيش في الظلام . بينما سحالي البراري حادة للبصر وملونة وهكذا ! ( في ص42 أمثلة أخرى ) ، إذن لعل أصل الحيوانات واحد ، ثم تباينت بتباين الظروف فالأرضيات طورت لنفسها أرجلا ، والبحريات تحولت أرجلها إلى زعانف ، والجويات تحورت أطرافها إلى أجنحة ( ص 42) .
      2 - كشف علم التشريح عن تشابه في بنية الحيوانات ، فالثعبان بلا أرجل ، ولكن اثبت علم التشريح أن له أرجلا ضامرة مختفية في هيكله العظمي وعدد أصابع اليد والقدم فينا خمس وفي الفيران خمس وفي السحالي وفي القرود خمس حتى الوطاويط لها خمس أصابع ضامرة ( 42) .
      3 - بين علم التشريح أن في الهيكل العظمي للإنسان نفس فقرات الذيل التي في القرود ( 44) .
      4 - فقرات الرقبة في الإنسان عددها سبع ، وفي الزرافة برغم طول رقبتها أيضا سبع وفي القنفذ سبع ( ص 44) .
      5 - بين علم التشريح أن الجنين يمر في رحم أمه وهو يتخلق على مراحل : في مرحلة يكون أشبه بسمكة وتكون له خياشيم وفي مرحلة أخرى ينمو له ذيل ثم يضمر ، وفي مرحلة ثالثة يتغطى بشعر تماما كالقرد ثم يبدأ الشعر ينحسر عن جسمه تاركا مساحة صغيرة عند الرأس لقد فضح الجنين القصة وكشف لنا أصلنا الذي انحدرنا منه !! ( ص 44 ) .
      6 - بين علم التشريح أن عضلات آذاننا البشرية كانت تحرك آذان أجدادنا الحمير !!!! ولكنها تليفت وضمرت ( ص 44 ) .
      7 - كشفت الحفريات عن جماجم بشرية ذات شكل قردي في الترنسفال وبكين وجاوة ونياندرتال في كهوف عثر بها على بقايا خشب متفحم في مواقد تدل على أن أصحاب هذه الجماجم قد اكتشفوا واستخدموها منذ ملايين السنين ( ص 45) . اهـ.
      هذا مجمل ما اقتضبه من نظرية « دارون » ولقد مج الناس الحديث عنها فلم يستغربوا سماعها ، وتندر بها علماء أوروبيون كثيرون ، ولسنا نحس خطورة في الأمر إذا كانت مجرد رأي لعالم أوروبي ملحد ولكن ما يحتاج إلى غربلة ونقاش علمي هادف هو مذهب الأستاذ مصطفى محمود في ضغط دلالة النصوص على هذه النظرية فحملها على غير مراد الله منها ، أو على ما لم يقطع البرهان بأن الشارع قاصد له ، ولم ينكر الأستاذ مصطفى من جوهر النظرية إلا جحد دارون لليد الإلهية ، واليك سياقه للنصوص ووجه استنباطه منها :
      1 - « وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون » .. « الحجر 28 » .. « ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين » « الأعراف / 11 » .
      قال : « إن خلق الإنسان تم على مراحل زمنية : خلقناكم .. ثم صورناكم .. ثم قلنا .. إلى .. والزمن بالمعنى الإلهي طويل جدا « وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون » .. إن آدم جاء عبر مراحل من التخليق والتصوير والتسوية استغرقت ملايين السنين بزماننا وأيامنا بزمن الله الأبدي « وقد خلقكم أطوارا » ومعناها انه كان هناك قبل آدم صور وصنوف من الخلائق جاء هو ذروة لها .. ويقول القرآن عن الله عز وجل : انه هو « الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى » .. أي انه هدى مسيرة التطور حتى بلغت ذروتها في آدم . ا.هـ ( ص 51-53 ) .
      2 - « وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم » .. « الأنعام / 38 » .. قال : هنا ربط القرآن بين جميع المخلوقات في وشيجة عائلية واحدة .. أنها كلها أمم أمثالنا ( ص 53 ) .
      3 - « ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين » .. نقل عن محمود طه في كتاب له بعنوان رسالة الصلاة قوله : انه الانبثاق من الطين درجة وخطوة خطوة من الأميبا إلى الأسفنج إلى الحيوانات الرخوية إلى الحيوانات القشرية إلى الفقريات إلى الأسماك إلى الزواحف إلى الطيور إلى الثدييات إلى أعلى رتبة آدمية بفضل الله وهديه ، وارشاده ( ص 53 ) .
      4 - « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين » . التين 4 - 5 .. قال : « أي إلى طين المستنقعات .. هذه المرة إلى مجرد جرثومة في طين الأرض إلى نقطة بدء أولى .. من الصفر » وكان على آدم أن يخرج من هذا التيه المادي في انبثاق متدرج عبر خمسة آلاف مليون سنة كما تقول لنا علوم البيولوجيا ، وعبر مراحل وأطوار بدأت بالخلية الأولى والأميبا صعدا إلى الأسفنج والرخويات والقشريات .. الخ .. في رحلة قاسية وعبر صراعات دامية مع بيئات متعددة تكافح فيها الحياة الوليدة بالمخلب والناب ( ص 57 ) .
      قال أبو عبد الرحمن : لو أردت التنكيت لقلت كما قال الأستاذ العالم : مدد يا دكتور !! ولكن حديثي هنا في ثلاثة مقامات :
      المقام الأول : تحرير مراد الله تعالى من هذه النصوص .
      والمقام الثاني : استيفاء أدلة هذه النظرية واشتراطاتها .
      والمقام الثالث : مناقشتها .
      وقبل هذا كله أشير إلى أن هذه النظرية - على افتراض أن دارون لم يعلن ظنيتها - ليست من النظريات التي يجزم بها العلم لأن قطعيات العلم اليوم في المجربات . وكل نظريات « بدء الخلق » قد فاتت الحس والمشاهدة ، وابلغ برهان عقلي قوله تعالى : « ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم » وصدق الله العظيم .
      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
      قل خيرًا او اصمت



      تعليق


      • #93
        رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

        والآن نعرض لمناقشة بعض تكهنات الدكتور مصطفى محمود .
        قال الدكتور مصطفى : ( إن خلق الإنسان تم على مراحل زمنية ، خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا .. الخ ) والزمن بالمعنى الإلهي طويل جدا ، ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) .. إن آدم جاء عبر مراحل من التخليق والتصوير والتسوية استغرقت ملايين السنين بزماننا ، وأياما بزمن الله الأبدي ( وقد خلقكم أطوارا ) ، ومعناها ( أنه كان هناك قبل آدم صور وصنوف من الخلائق جاء ذورة لها ، ويقول القرآن عن الله انه هو ( الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) - أي انه هدى مسيرة التطور حتى بلغت ذروتها في آدم .. أهـ . ( ص 52 - 53 ) .
        قال أبو عبد الرحمن :
        معنى قوله تعالى : ( ولقد خلقناكم .. الخ ) ولقد خلقنا أصلكم الذي نسلكم وكنتم من أبنائه ، فخلقنا له خلق لكم وتصويرنا له تصوير لكم ، ومعنى الخلق والتصوير : ( أن الله خلق أبانا طينا غير مصور ثم صوره ، والدليل على أن المخلوق والمصور آدم وان الخطاب لذريته أمور :
        أولهما : قوله تعالى : ( ثم قلنا للملائكة اسجدوا . ) فهذا العطف حدد المقصود .
        وثانيها : ما ذكره ابن جرير من اعتياد العرب خطاب الرجل بالأفعال تضيفها إليه والمعنى في ذلك سلفه - ( تفسير ابن جرير ج 8 ، ص 127 ) .
        قال القاضي عبد الجبار بن احمد : « المراد خلقنا من هو أصلكم فذكر أولاده من حيث تفرعوا عنه ، فالمراد خلق آدم كقوله تعالى لأهل الكتاب : ( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم .. ) والمراد آباؤهم الذين أولادهم لم يحصلوا على هذا الوصف .. ) أهـ .
        ( تنزيه القرآن عن المطاعن ص 145 ) .
        وقيل في تأويل هذه الآية ، ولقد خلقناكم في ظهر آدم ثم صورناكم حين أخذنا عليكم الميثاق ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم وانتم في ظهره ، لأن الله قال في آية أخرى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) وأيد هذا التأويل القرطبي . ج7 ص169 ) بآية : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة ... ) الآية .
        واختار القرطبي - أن النطفة من كل الأناسي من طين .
        قال أبو عبد الرحمن : ( لفظة الإنسان ) للجنس ، فيشمل آدم وغيره من ذريته - فلما قال تعالى : « من سلالة من طين » تعين من هذا الجنس شخص آدم ولما قال سبحانه : ( ثم جعلناه نطفة ) تعين من هذا الجنس ذرية آدم ، هذا هو التأويل الظاهري الذي لا تكلف فيه ، واختيار أن كل نطفة من طين تأويل مخالف للحس ، وليس عليه نص قاطع ، والتأويل الظاهري لآية ( هو الذي خلقكم من طين ) أن المراد آدم وذريته ، لأن آدم استل من الطين ، ولأن ذريته نسل من خلق من الطين . ( في الرازي ج 14 ص 30 ) والجمل ( ج 2 ص 124 - 125 ) غير هذين الوجهين أوجه ضعيفة . ) .
        ودليلنا على انه خلقه أولا طينا غير مصور قوله تعالى : ( خلق الإنسان من طين ) وقد قال هنا : ( ولقد خلقناكم .. ) فهذا خلق من طين ، ثم قال : ثم صورناكم وثم تفيد التراخي ، فدل على أن التصوير مرحلة ثانية .
        قال سيد قطب ، رحمه الله : وقد تكونان مرتبتين في النشأة لا مرحلتين ، فلا تكون ثم للترتيب الزمني . ولكنها للترقي المعنوي ، أي الترقي في الرتبة ، وليست تراخيا في الزمن ، لأن مجموع النصوص القرآنية في خلق آدم ترجح أن إعطاء آدم خصائص الإنسانية ووظائفه المستقلة كان مصاحبا لخلقه ( في ظلال القرآن ج 8 ، م 3 ، ص 136 - 137 ) .
        وتأويل قوله تعالى : ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون ) أن الله سواه من طين من حمأ مسنون - أي متغير - حتى إذا صار ذلك الطين صلصالا - أي يصل إذا ضرب - كالفخار نفخ فيه الروح .
        وتأويل قوله تعالى : ( وقد خلقكم أطوار ) : ما ورد في سورة المؤمنون ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فسكونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) .
        وإذ قد بينت تأويل الآيات فأحب أن أبين النقاط التي تحتاج إلى نقاش في عبارة مصطفى محمود الآنفة الذكر وهي كما يلي :
        (1) - أن آدم جاء عبر مراحل من التخلق فالتصوير والتسوية استغرقت ملايين السنين بزماننا وأياما بزمن الله الأبدي - .
        (2) - أن قبل آدم صورا وصنوفا من الخلائق جاء هو ذروة لها .
        (3) - أن الله هدى مسيرة التطور حتى بلغت ذروتها في آدم .
        أ - مراحل خلق آدم : أما أن آدم جاء عبر مراحل من التخلق بنص الآية فصحيح - إن صح أن ثم هنا للترتيب الزمني - وهذه هي المراحل ، طين غير مصور ، طين مصور ، نفخ الروح .
        وأما أن هذا التخلق استغرق ملايين السنين فمن باب الإخبار عن حادثة لم نشهدها فلا مجال لتصديقها إلا بطريق واحد من طرق المعرفة هو ( الخبر ) أي النص الصحيح من السنة أو الصريح من القرآن وليس فيما استشهد به مصطفى محمود ما يدل على أن الله خلق آدم في يوم يساوي ألف سنة مما تعد الخليقة ، واستشهاده بآية ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) الحج - 47 وبآية ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . المعارج - 4 ) مردود بوجوه :
        أولها : أن الآيتين ليستا نصا في خلق آدم .
        ثانيها : أن التقدير فيهما تقدير اعتباري بدليل السياق . قال تعالى : ( ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده - وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) . أي أن الله لا يعجل لهم بالعذاب ، وهو مع هذا لن يخلف وعده ، وليس إمهالهم ألف سنة - مثلا - خلف لوعده ، لأن ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عند الله ، ولهذا قال : ( وكأي من قرية أمليت لها ) وقد يكون الطول في يوم القيامة بمعنى أن شدة العذاب يوم القيامة يعدل في طوله ألف سنة .
        وثالثها : على فرض أن كل يوم من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض يساوي كل يوم منها ألف سنة - وعلى هذا نص الإمام احمد في الرد على الجهمية - فلا يعني هذا أن الله خلق آدم في يوم كامل مقداره ألف سنة . وإنما سياق الآية هكذا : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا ، فأين في الآية أن هذا الخلق والتصوير والتسوية ، كان في يوم مقداره ألف سنة ؟ وهل يصح التحديد بساعة أو عام بدون النص في مثل هذه الأمور السمعية ؟
        ب - ارتباط آدم بالخلق قبله : ليس في قوله تعالى : ( وقد خلقكم أطوارا ) دليل على انه كانت قبل آدم صور وصنوف من الخلائق جاء هو ذروة لها ؛ لأن المراد في الآية ذرية آدم لا آدم نفسه ، وهذا هو السياق ( مالكم لا ترجون الله وقارا ، وقد خلقكم أطوارا ) وآدم عليه السلام ممن يعظم الله حق عظمته .
        وقد بين الله أطوار ذريته نطفة فمضغة .. الخ كما في سورة المؤمنون . وليس في آية ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) دليل على صنوف من الخلق قبل آدم أيضا وعدم كون آدم شيئا مذكورا في ذلك الحين لا يقتضي وجود غيره على الأرض من الخلائق والآية إنما نفت الأول ولم تثبت الثاني .
        وعلى فرض صحة وجود خلائق عاقلة على الأرض قبل آدم فدليله من غير هذين النصين .
        ومن ناحية ثانية فعلى فرض وجود خلائق قبل آدم لا يعني الارتباط بينها وبين خلق آدم إذ لا نص في ذلك وإنما النص على أن آدم خلق من طين . هذا هو النص القطعي الدلالة والثبوت .
        ومعاذ الله أن يعارضه نص شرعي في قوته ، ومعاذ الله أن نلتمس له مصرفا ولا شيء يقاومه . وعلى فرض أن قبل آدم خلائق فلا يجوز أن نقول : ( جاء آدم ذروة لها في الاكتمال الخلقي بالنسبة لخلق آدم ، أو الاكتمال الخلقي بالنسبة لعمارة الكون ) إلا بعد صحة هذه الأمور :
        أولا : النص المحصل لليقين أو الظن الراجح على أن هناك خلقا قبل آدم على وجه الأرض . وإنما استثنينا النص من طرق المعرفة لأنه الطريق للخبريات التي فاتت الحس .
        ثانيا : النص المحصل لليقين أو الظن الراجح عن كيفية ذلك الخلق ومدى اكتماله ، لأن معرفة أن آدم كان ذروة لا يحصل إلا بمقارنة ، فكيف يقارن معلوم بمجهول ؟
        ثالثا: عدم وجود هاتين المعرفتين ولكن لابد من وجود خبر صحيح عن الله سبحانه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم ، نص على أن آدم كان ذروة لخلق كان قبله ، وإن لم نعرف كيفية الخلق السابق . وإذ لم يصح شيء من ذلك فالقول بأن آدم ذروة الخلق قبله تقويل لله وافتراء عليه .
        جـ - مسيرة التطور :
        قول الله تعالى ( الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) حق لا يرتاب فيه مسلم أما قول مصطفى محمود ص 53 ، ( أي انه هدى مسيرة التطور حتى بلغت ذروتها في آدم ) فمسامحة غير محققة ، لأن عندنا النص على أن آدم خلق من طين وعلى هذا نقول : ( إن الله هدى مسيرة التطور من الطين حتى بلغت ذروتها في آدم ) .
        وبإيجاز فآية ( الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) لا تفيد شيئا عن أصل الخلق ففرق بين الكلام عن أصل الشيء في جوهره وبين أحواله العارضة .
        والكلام عن مسيرة الخلق فرع عن أصل الخلق .


        * * *

        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
        قل خيرًا او اصمت



        تعليق


        • #94
          رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

          سيطرة الإسلام على الحكم

          حكى ابو الحسن محمد بن يوسف العامري المتوفى سنة 281هـ في كتابه ( الإعلام بمناقب الإسلام ) شبهة انتشار الإسلام بالسيف ورد عليها ، وحكاها ابن تيمية في كتابه ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) ورد عليها ، وقال أبو العلاء المعري :
          وهل أبيحت نسـاء الـروم عن عرض ... للعــرب إلا بإحكام النبـوات
          وبهذا تعرف أن هذه الفكرة اسبق من حملة الاستشراق ، ولكنها كانت مسيحية المنبت ، ولقد بدت ظاهرة الانهزام في نفوس المفسرين في ظلال النهضة الحديثة ، ولهذا قال ( فييت ) المدير السابق لدار الآثار العربية : ( إن فكرة محمد عبده في قصر الحروب الإسلامية على الدفاع فكرة عصرية تمثل تطورا في وجهة نظر المسلمين ) (1) .
          ولقد انثالت المباحث الإسلامية من لدن محمد عبده تقرر أن حروب الرسول كانت دفاعية ، واستكرهوا واقع التاريخ وقواطع الظواهر من النصوص لتقرير هذا الظن ، وانتبه عالمان فاضلان لهما الإمامة بين شارحي وجهة النظر الإسلامية اليوم وهما : سيد قطب ، وأبو الأعلى المودودي ، فقررا خطأ هذا الظن ، بيد أنني رأيت استدلالا للفريقين في غير محل النزاع ، فمن يقول إن الإسلام لم ينتشر بالسيف غير ممايز بين المسائل الداخلة في محل النزاع فهو مخطئ لأنه عمم الحكم السالب على مجمل تختلف أفراده ، ومن قال : بل انتشر بالسيف غير ممايز بين تلك المسائل فهو مخطئ أيضا لأنه عمم الحكم الموجب على مختلف الأفراد ، وهذه الأفراد المتعددة ثلاث مسائل متغايرات ، فمسألة ( سيطرة الإسلام على الحكم بالسيف ) هي غير مسألة ( إرغام الناس على الإيمان بالسيف ) . وهاتان المسألتان غير مسالة ( بواعث سيطرة الإسلام على الحكم ) .
          واليك التفصيل :
          فأما مسألة سيطرة الإسلام على الحكم بالسيف فأقول : ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينافح بالحجة عن حقيقة الإلوهية حتى لم يوجد من يدفع ببرهان ، وحقيقة الإلوهية تعني أن الله وحده المدبر لهذا الكون المتصرف فيه بره وبحره وأرضه وسمائه ونجومه وكواكبه وما ذرأ فيه وما برأ ، فمن باب أولى من ناحية العدالة أن خالق هذا الوجود ومدبره كونا هو الأحق بتدبيره حكما بالتشريع والتنظيم .
          ومن باب أولى - من ناحية البرهان - أن خالق هذا الوجود ومدبره كونا هو الأحق بتدبيره أيضا حكما بالتشريع والتنظيم ، لأن خالق الكون اعلم بما يصلحه .
          ومن ناحية أخرى فثمة فارق ( والله المثل الأعلى ) بين الكامل اللامتناهي في علمه وقدرته وإحاطته وبين مخلوق محدود العمر ومحدود المكان في وسطه من هذه القشرة الأرضية مهما امتدت آفاقه في المعرفة فيعتريه السهو والنقص وحب الذات ونوازع الهوى ، فأيهما أولى بالتشريع : خالق الكون المحيط به أم من لا يخلق ذبابا ، ولا يدرأ عن نفسه الموت ، ولا مخلص له من حتميات القدر ؟ فإذ قد بدت هذه الحقيقة وبدت حقيقة أخرى لا ينكرها التاريخ ، وهي انه لم يعاصر الإسلام نظام يؤسف عليه ، وإذ قد بدا من نصوص ديننا أن الرسالة غير النبوة فيها الإيجاب والحمل على الحق ، وإذ كانت امتنا خير امة أخرجت للناس قيادة وريادة : فلا بد لكل مسلم من أي جنس ومن أي بقعة أن تكون له القوامة على هذا الدين ؛ والله قادر على نصر دينه ولو شاء لانتصر منهم ولكنه سبحانه أراد أن يبلونا إذا تقرر هذا كله فالحاكمية حق الله والمسلمون حملتها وسيوفها ، ففرض ولا بد أن ينتزعوها من الجاهلية بظبا سيوفهم وبآخر قطرة من دمائهم .
          فما الذي يحملنا على طمس هذه الحقيقة كما طمست اليهود آية الرجم من توراتها ؟ أفهان علينا ديننا الحق إشفاقا من المغالطات ؟ أم لأن واقعنا السياسي - معشر المسلمين في كل ارض - لا يسمح بكلمة حق ؟ وأيضا فالحقيقة لا يطمسها واقع الناس مهما كانت مرارتها : وليس بصحيح على الإطلاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم فتح مكة وقاتل الروم وفتح أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - بلاد الروم والفرس دفاعا .
          إن هذا تحوير للتاريخ واستخفاف بعقول الناس ، إن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي رسول أوحى الله إليه الشرع وأمر بتبليغه ، والتبليغ لا يكون إلا بحماية حرية الدعوة وهذا جانب من جوانب الجهاد .
          والسيطرة على الحكم وسيلة من وسائل الحماية والرعاية لحرية الدعوة حتى لا يحول دونها الحكم الجاهلي وثمرة للتبليغ ليرى قسطاس الله المستقيم قائما في ارض الله ، ومع الأمر بالتبليغ فلابد من التطبيق العملي ، وليس بصحيح قط أن الإسلام يبيح السكوت على باطل أو على حكم جاهلي في الأرض إلا إذا كان المسلمون كلفوا من الأمر ما يطيقون ، أو كان الدين خامد الجذوة في نفوسهم فهان عليهم وهانوا على الله ، وما شرع القتال وهو كره ولا حرم الفرار من الزحف اشد تحريم إلا لنكون امة تعلو ولا يعلى عليها . ولو كان صحيحا أن الجهاد تبليغ الدعوة فقط لكان المسلمون يقبلون الجزية ويقيمون في كل بلد فتحوها دعاة ومبشرين ويتركون حكمها لأهلها ، ولكن الواقع خلاف ذلك ، بل كانت الجزية الدينونة الكاملة لحكم المسلمين .
          الحقيقة الناصعة الواضحة كل الوضوح أن امة الإسلام لا تقر أي حكم جاهلي وهي تقدر على اجتثاثه ، والجهاد لإحقاق الحق رتب حسب الطاقة أعلاها جهاد اليد ، فأي عيب يزوي وجوهنا عن مواجهة المستشرقين بالحق من ديننا ؟ .
          الشبهة : أن المسلمين حكموا البلاد وفتوحها بالسيف .
          ونحن نقول : متى كان الحمل على الحق مثلبة ؟ ومتى كان الناس كلهم على مستوى فهم الحق وقبوله مبرئين من الهوى إن لم يكن للحق سيف يحميه ؟ ..
          إنما يعاب الإسلام في ايجابيته لو كان دعوة لجنس أو لو كان لا يحمل كل مبادئ الخير من عدل ومساواة ونظام ووازع .
          المنطق الصائب أن يقدر الناس أن هذا المبدأ حق ، ثم يتدبروا مدى الأضرار الناجمة من عدم تطبيقه ، وعلى قدر الضرر يكون مقدار الإيجاب في الحمل على الحق .
          ونحمد الله أن التاريخ يحفظ لنا من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وصدر الإسلام ما يتوج رؤوسنا من عدل ومساواة وحياة جادة .
          وبعد فلا عيب على نصوص ديننا إلا أنها تأمر باجتثاث الحكم الجاهلي وبالقوامة على الحق ، وهي مفخرة نحسها بعين الفطرة إذا ما اطل عليها الآخرون - علوا واستكبارا - بالمنظار الأسود .
          ومن يحاجنا نقول له : أيهما أحق : أعدالة الإسلام ، أم كهانة شق وسطيح ، أما جبروت كسرى وقيصر ؟ .
          ونقول : السيف ضرورة حتمية لعامرة الأرض : وميزان الحق والباطل في الدعوة التي شهرته .

          _______________________
          (1) الفكر الاسلامي والتطور لمحمد فتحي عثمان ص 250 .
          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
          قل خيرًا او اصمت



          تعليق


          • #95
            رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

            الفضل حيث ميزه الله

            يرى يحي بن معاذ : أن المؤمن في دنياه أسعد بطاعة الله من نعيم الله في الآخرة .
            قال - سامحه الله - ( والله إنهم اليوم في قراطق الخدمة أحسن منهم غدا في غلائل النعمة ) أهـ . وقد أيده ( أبو الوفاء بن عقيل ) فقال : ( وأنا أقول : الخدم أوجبت لهم مدحة الحق . والنعم أوجبت منّة الحق .. وبين المدحة والمنة بون :
            قال : فيهم على سبيل المدحة ( رجال صدقوا ) .. ( رجال لا تلهيهم ) .. رجال ( يحبون أن يتطهروا ) .. ( يوفون بالنذر ويخافون يوما ) .. ( سيماهم في وجوههم من اثر السجود ) .. ( أن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .
            هذا أنبل وأجل - في مسامع العقلاء المميزين - من أوصافهم باستيفاء اللذات .
            ( وفاكهة مما يتخيرون ) .. ( ولحم طير مما يشتهون ) .. ( وحور عين ) .. ( متكئين فيها على الأرائك ) .. ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون ) .. ( بأكواب وأباريق وكأس من معين ) .. لأن هذه أوصاف نعمه عليهم .. وتلك أوصاف خدمتهم له ، وأحسن حالتي العبيد حال الخدم وزي التبتل ، لا الاستناد والتعطل .
            لكن تجملت الجنة على الدنيا بعلم اليقين . أهـ ..
            ( انظر كتاب الفنون لأبي الوفاء بن عقيل الحنبلي 2/518 ) .
            قال أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري - رضي الله عنه - ، كلام ابن عقيل الحنبلي ويحي بن معاذ المتصوف خارج عن كلام علماء المسلمين كله حمق ورعونة وافتيات على الله لا يدل عليه شرع ولا نظر وإنما هو نسك الرياء وبطلان هذه البلاغم من وجوه :
            أولها : أن تسمية العباد بخدام الله تسمية مبتدعة وقولهم : ( خادم الله مخدوم ) من كلام العوام .
            وثانيهما : لو فرضنا أن هؤلاء الصوفية يعبدون الله كعبادة الأنبياء - إخلاصا وصوابا - وأنهم جربوا لذة العبادة وسعدوا بها لما جاز لهم أن يفضلوا لذة العبادة على لذة الثواب يوم القيامة لأنهم فضلوا ما جربوا على ما لم يجربوا ولأنهم حكموا للحاضر على الناظر .
            وهذا تخرص وتكهن لا يجوز وقد نهانا الله : أن نقفو ما ليس لنا به علم .
            ومثل هذا الحكم لا يجوز إلا بتوقيف من كلام الله أو كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكم حرص الصوفية ( خذلهم الله ) على إفساد الدين بالترهات والتلاعب بالقرآن ولقد حذرنا منهم أبو العلاء المعري وهو شر منهم بقوله :
            وكم من فقيه خابـط في ضلالـة ... وحجته فيـها الكتاب المنزل
            وثالثها : أن ذوي الشموخ والأنفة والإباء - في حياتنا الدنيا - يفضلون مدحة الخلق على منة الخلق ويقولون : الثناء العاطر في مجلس عابر أفضل من المنة بالمال .. لأن المال فان والذكر باق . قال أبو عبد الرحمن : فهل نطبق هذه الظاهرة على مدحة الله ومنته .
            ونقول : نحن اسعد بمدحة الله العظيم من منته .
            اللهم فاشهد أننا نبرأ إليك من هذا الحمق . قبح الله مذهبا يجر إلى هذه الرعونة .
            ورابعها : أن هؤلاء الصوفية المغفلين ينسون أو يتناسون : أن العابد إذا اهتدى فإنما يهتدي بمنة الله وإذا سعد بالعبادة فإنما يسعد بمنة الله .. أن سعد بمدحة الله فإنما يسعد بمنته وإن ادخله الله الجنة فإنما يدخلها بمنة الله فهم في منة الله من فرعهم إلى قدمهم .
            وخامسها : أن في تفضيلهم لذة العبادة على لذة الثواب رياء مبطنا وكفرا مستترا ..
            ووجه ذلك :
            أنهم شمخوا بعبادتهم وهوموا في الالتذاذ بها وهونوا من نعيم رب العالمين ليقولوا :
            عبادتنا عمل جبار فإذا مدحتنا يا رب على عبادتنا فذلك أجل خطرا عندنا من جنتك التي تعدنا بها ، لأن العظماء في الدنيا ونحن منهم - يسعدون بالثناء ولا ينتظرون العطاء ..
            قال أبو عبد الرحمن : أف . أف . أف ، من هذا النتن .. والله يا عباد الله لو أن احدنا من أهل بيعة الرضوان ثم سمع ثناء الله على أهل البيعة تعمر به المحاريب : لكانت سعادته بثناء الله بالمقدار الذي ينتظر به ثواب الله في الآخرة ، وأعلى درجات النعيم لذة النظر إلى وجه الله الكريم . وقد أمرنا رسول الله في الدعاء ، بطلب هذه اللذة .
            وسادسها : أن الله لم يكتف بمدح المؤمنين ، ولم يقل لهم : مدحي لكم هو نهاية ثوابكم .. ولم يقل لهم : إن كل نعيم تنالونه في الجنة فهو اقل من مدحي لكم .
            وإنما جعل ربنا الجنة لهم نتيجة مدحه لهم .. ومدح الله لهم إحسان منه وليس واجبا عليه .
            وسابعها : وهو فارق دقيق : أن مدح الله لهم اشرف لهم لأنه مدح من الخالق العظيم للمخلوق الضعيف . ولكنهم اسعد بالنعيم : لان الله جبل البشر على السعادة بمنة الله .. والدليل على الفرق بين السعادة والشرف : أن بعض معالي الأمور ثقيلة على النفوس رغم شرفها لا تخضع لها إلا برياضة ، وبعض الشهوات الدنيئة تأنس بها النفس ، ووجه الشاهد أن السعادة غير الشرف وكفى .
            وثامنها : أن مدح الله للمؤمنين غير مجرد من المنة ، فمدح الله للمؤمنين يوم القيامة من كمال النعيم . وما مدح الله كافرا يعذب حتى يقال : إن مدح الله يهون عليه العذاب .
            وتاسعها : أن الاستهانة بمنة الخالق يوم القيامة قياسا على منة المخلوقين في الدنيا أشنع من قياس إبليس الذي فرق بين النار والطين . وأشنع من قياس الكفار الذين سووا بين البيع والربا . وكذلك حكم ابن عقيل الحنبلي على استيفاء اللذات في الآخرة ولا سند له إلا القياس على دناءة استيفاء اللذات في الدنيا .
            وعاشرها : أن وصف ابن عقيل الحنبلي للذة الآخرة ونعيمها بالاستناد والتعطل :
            كلام شنيع تقشعر منه الجلود .. وأشنع ما فيه : أن الله يشوقنا للنعيم ، ثم يقول أبو الوفاء - سامحه الله - هذا استناد وتعطل .


            * * *

            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
            قل خيرًا او اصمت



            تعليق


            • #96
              رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

              المعجزة بين هيوم والعقاد

              المعجزة حدث يخرج على سنن العوائد ، ويخرق نواميس الكون : كانشقاق القمر ، وحنين الجذع ، والإسراء والمعراج ، وتجمد البحر ليعبره موسى حتى إذا لم يبق إلا فرعون وجنوده أطبق عليهم .
              والمعجزة الشرعية يراد بها البرهان على صدق الله فيما اخبر به ، أو صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما اخبر به عن ربه .
              وتلزم الحجة بالمعجزة بالنسبة لمن عاينوها لأنها دليل حسي وتلزم من لم يعاينها ممن بلغته بتواتر الخبر الذي يحيل العقل كذبه .
              وانحرف عن الجادة مذهب آمن بها ، ولكنه نفى خرقها لنواميس الكون ، وأصحاب هذا المذهب يفسرون طير الأبابيل بالجدري ويفسرون الإسراء والمعراج بما يراه النائم .
              ومذهب آخر أنكر المعجزة مطلقا .
              ومن أعلام هذا المذهب رقيع فاسق من المعتزلة يسمى إبراهيم النظام كذب ربه جهارا وقال : والله ما انشق القمر ، وإنما ذلك يوم القيامة ، وقد تعامى هذا الرقيع عن سياق الآية الكريمة الدال على أن القمر انشق في الدنيا بدون أي احتمال آخر .
              ومذهب ثالث قال :سيان إيماننا بالمعجزة أو كفرنا بها ، فلو آمنا بالمعجزة جدلا - ومن باب التنزل في الحوار - لما كان إيماننا بوقوعها يلزمنا الإيمان بما وردت لأجله ، أي أنها ليست برهانا .
              وهذا مذهب اختطه في الفلسفة الحديثة ( ديفيد هيوم ) احد أئمة الحسبانية في نظرية المعرفة المعاصرة . قال ( ديفيد هيوم ) :
              ( لو حاول إنسان ما أن يقنعني بأن 2+2=5 ما أقنعني حتى لو خرق سنن الكون بشتى المعجزات ، وقال ( إنني أندهش للمعجزة كأمر غريب ، ولكنها لا تقنعني لأن اصدق بأن 2+2=5 ، بل الحقيقة أن 2+2=4 ) أهـ .
              ثم جاء الأستاذ عباس محمود العقاد فاقر أن كلام الفيلسوف ديفيد هيوم فيه شيء من الوجاهة ولكن فيه كذلك شيئا من المغالطة .
              ولم يحدد العقاد هذه الوجاهة الواردة في كلام الفيلسوف ، أما المغالطة أيضا فلم يحددها ولكن ناقشها بما موجزه :
              كل ما يطلب من النبي إذا ادعى انه مرسل من عند الله أن يأتي بعمل لا تشك أنت في انه عمل إلهي يعجز عنه البشر أجمعون .
              فإذا قدر على ذلك الفعل فقد ألزمك الحجة وقام لك بما هو حسبه من دليل قاطع للشك والجدال ، ثم يحدد العقاد مفهوم المعجزة بقيود يضرب لها الأمثلة .
              قال رحمه الله : ( فينبغي للمعجزة أولا أن تخرق النظام الذي يعهده الناس ، وينبغي لها ثانيا أن تمنع كل ريب في حدوث ذلك الخرق بقدرة غير قدرة الله .
              ولا يكفي الإعجاز وحده دليلا على الرسالة الإلهية ، لان الإعجاز قد يكون لغير براعة في الفعل المعجز وقد يكون لعمل من أعمال البشر التي لابد فيها من رجحان واحد على الآخرين ) أهـ .
              وقد ضرب العقاد مثالا للإعجاز الذي قد يكون لغير براعة في الفعل المعجز بصبي يتهجى كتب لك سطرا سطرا من خطه ثم طلب إليك أن تكتبه أنت بيدك كما كتبه هو غير مستعين برسم ولا تصوير فأنت لا محالة عاجز عن محاكاة ذلك الخط أتم محاكاة ، وغيرك أيضا عاجزون عن إجابة ذلك التحدي الساذج الصغير .
              فماذا ترى في دعوى الصبي إذا ادعى هو البنوة أو ما شاء له عقله الصبياني المخدوع ؟ .
              هذه محاكاة يعجز عنها اقدر القادرين في كتابة الخطوط لا لحسن رائع في الخط المحكي ، ولا لزيادة جهد الصنعة وطاقة التجويد .
              ولكن لان يد الصبي غير سائر الأيدي ومعرفته بالخط غير سائر المعارف فهو يكتب خطا لا يحكيه احد ، ويفعل فعلا يعجز عنه الآخرون .
              فهل ترى هذا الإعجاز مما تنهض به الحجة وتعنو له العقول ؟ . أو هل أن مجرد العجز هنا دليل على انتصار الصبي القادر وخذلان المقلدين العاجزين ؟ .
              ثم ضرب العقاد مثالا لإعجاز قد يكون من أعمال البشر التي لابد فيها من رجحان واحد على الآخرين بالشعر .. فالشعر مثلا سليقة يتشابه فيها الشعراء ولكنهم لا يبلغون ذروتها العالية جميعا ولا يرتفع إلى تلك الذروة إلا واحد فرد تنقطع دونه المنافسة ويحجم عنه الادعاء .
              وهذا الفرد في رأي الانجليز والأوربيين عامة هو وليام شكسبير سيد الناظمين في وصف حالات النفوس وتحليل طبائع الرجال والنساء والملوك والصعاليك والعقلاء والمجانين .
              آية لم يؤتها شاعر غيره ولم ينكرها عليه مدعي عظمة أو طامع في شهرة أو مكابر في فضيلة .
              فهم هاهنا متفقون لا يشذ عنهم في الرأي إلا أمثال الذين يشذون على الأنبياء والمرسلين . ومع هذا نحن لا نسلم لشكسبير البنوة إذا ادعاها وتحدى الشعراء أن ينظموا مثل نظمه ويصفوا مثل وصفه فعجزوا عن الإجابة واقروا بالعجز صاغرين .
              ثم ختم العقاد هذين الشاهدين بقوله : ( وقصارى القول : أن المعجزة النبوية يجب أن يثبت لها أمران : أنها معجزة من حسن ورجحان .. وأنها معجزة من قدرة الله وحده لا من قدرة احد سواه ) اهـ .
              ( ساعات بين الكتب والناس ص ب 24-27) .
              قال أبو عبد الرحمن : أما كلام ديفيد هيوم فليس فيه شيء من الوجاهة كما تفضل العقاد ، بل هو كله من باب المغالطة الغبية .
              وأما مناقشة العقاد للفيلسوف هيوم فهي دون مستوى تفكيره بكثير ، بل هي مناقشة ساذجة لا تخلو من المغالطة .
              قال أبو عبد الرحمن : وسأجلو اللبس عن كل ذلك بهذه العناصر التي تكون تصورا واضحا صحيحا متكاملا .
              فالعنصر الأول : أن ديفيد هيوم قاس مع الفارق ، واستدل في غير محل النزاع ، لأن 2+2=4 حقيقة معروفة برهانها بداهتها .
              أما المعجزة الثانية فلا تأتي إلا لتجعل الحق غير المعروف معروفا .
              العنصر الثاني : أن الواقع أمران :
              إما مشهود ندركه بحواسنا وخبراتنا كالعدد رقم 4 وهو حاصل 2+2 ، ومثل هذا لا ترد فيه المعجزة الشرعية إطلاقا ، لأن هيوم استعمل الدليل في غير محله .
              فمثلا وجود الرمال دليل على شيء أو أشياء بلا ريب .. ولكنه ليس دليلا على كل شيء .
              فلو استدل مستدل بأن وجود الرمال يدل على أن 2+2=5 ، أو أن 2+2=4 لكان مغالطا رقيعا .
              وهكذا نقول عن المعجزة الشرعية : إنها دليل على شيء وهذا لا ينفي صحة قولنا إن استعمال المعجزة في هذه القضية الحسابية مغالطة ، ذلك أن المعجزة ليست دليلا على كل شيء .
              والواقع الآخر : واقع مغيب عن حواسنا ، ولم ترد المعجزة الشرعية قط إلا لأجل التصديق بهذا المغيب لأنها تكشف عن الظاهر المغيب بظاهر مشهود يماثله ليحصل الإيمان بالغيب بطريق اللزوم العقلي .
              فانشقاق القمر ظاهر محسوس يدل على واقع مغيب هو الإيمان بقدرة الله .
              العنصر الثالث : أن المعجزة الشرعية إنما تكون معجزة إذا انقطعت كل الاحتمالات لتفسيرها وتعليلها ولم يبق إلا احتمال واحد هو تفسيرها بقدرة الله وحده .
              ولاحظ أولا أن الحقيقة القطعية هي الاحتمال الواحد المعين وهذا البرهان يسمى عند أهل الظاهر بالدليل ، ولاحظ ثانية أن كل قدرة هي قدرة الله ، وحينما نقول قدرة الله وحده فإنما نستثني القدرة على شيء جعل الله سبحانه وتعالى أسبابه بيد الخلق .
              فلو ابرأ الله الأكمه على يد طبيب بأسباب طبية لما كان هذا إعجازا ، لأن قوانين الطب حسية يعرفها المختصون فهي أسباب حسية جعلها الله بيد البشر .
              وقد ابرأ رسول الله عيسى بن مريم الأكمه والأبرص وليس له أدنى سبب حسي وإنما هي قدرة الله .
              ولاحظ ثالثا : انه يراعى في المعجزة ظروفها وحال مدعيها .. فمن الممكن أن يحن الجذع مع ساحر عرف انه يستخدم أرواحا أرضية لها قدرة فوق قدرة البشر . وقد حن الجذع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن انقطع بالبرهان كل احتمال عن تعاطيه السحر فلم يبق إلا تعين احتمال القدرة الإلهية .
              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
              قل خيرًا او اصمت



              تعليق


              • #97
                رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                وقد يحن الجذع هذا اليوم بوسيلة علمية وفق قوانين اكتشفها البشر فلا ينفي هذا أن حنين الجذع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - معجزة شرعية ، لأنه ثبت بالبراهين من أمية رسول الله وتاريخ حياته انه لم يكتشف أي قانون علمي أو حسي بدراسة أو إجراء تجارب ، وإنما كان يأتي بحقائق جاهزة ليس فيها أدنى جهد بشري .
                العنصر الرابع : أن المعجزة الشرعية تأتي لغرضين :
                احدهما : إثبات دعوى كاخبار الرسول صلى الله عليه وسلم - بعير قريش وبأوصاف المسجد الأقصى وهو لم يرحل قط لإثبات انه أسرى به .
                وثانيهما : نفي دعوى كتحدي من زعم أن القرآن كلام البشر أن يأتي بمثله .. ويراد بنفي هذه الدعوى إثبات غيرها .
                فان عجز البشر عن الإتيان بمثل القرآن مهما تخصصوا في البلاغة واللغة والعلوم ومهما استخدموا المخلوقات الأخرى كالجن فقد بطلت دعوى أن القرآن كلام بشر وصحت دعوى أن القرآن ليس بكلام بشر . وشرط صحة هذا النوع من المعجزة أن يستحيل وجود الأنموذج .
                فلو جاء شخص واحد من البشر بمثل هذا القرآن لبطل التحدي إذ ليس من الشرط أن يأتي كل فرد من البشر بمثل هذا القرآن .. وعلى ضوء هذا نناقش الشاهد الأول الذي أورده العقاد عن قصة الصبي ، فأنا أقول مع العقاد إن تحدي الصبي ليس حجة على نبوته ولكن من وجهة نظر غير التي ذكرها العقاد .
                ثم إنني أختلف مع العقاد في تسمية هذا التحدي إعجازا لعدة أمور :
                أولهما : أن الكتاب الكبار الذين تحداهم الصبي بمحاكاة خطهم لا تخلو حالهم من أمرين :
                فأما أن يكونوا قادرين على المحاكاة وفق الناموس والعادة لمحاكاة خط أي صبي ولكنهم فقدوا قدرتهم عن محاكاة خط هذا الصبي منذ أعلن الصبي تحديهم كما عجز اليهود عن تمني الموت - وهم قادرون على ذلك - منذ باهلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا هو الإعجاز الخارق لناموس البشر .
                وليست قصة هذا الصبي من هذا الباب .
                وإما أن يكونوا غير قادرين على محاكاة خط أي صبي وفق الناموس والعادة فيكونون عاجزين عن محاكاة خط ذلك الصبي وفق الناموس والعادة لا لخصيصة يتميز بها ذلك الصبي .
                وثانيها : أن المعجزة لا تقبل الانعكاس في الدعوى .
                فانشقاق القمر معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم ولكن لو قدر المشركون على شق القمر لبطل الإعجاز .. وهكذا الصبي من الممكن أن نتحداه بمحاكاة خط صبي آخر أو محاكاة خط كبير متخصص فتكون معجزته دعوى بدعوى .
                وثالثها : أن دعوى الصبي لا ترتبط بدعوى النبوة لأنه كتب سطرا تعلمه وتهجاه ، فهو باب من العلم اكتسابي .
                وإنما الإعجاز أن يأتي بعلم ثبت بالبراهين انه لم يكتسبه وإنما ألقى عليه .
                وهذا يصدق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أتى بحقائق ماضية ومستأنفة وهو لم يقرأ في كتاب ولا يحسن الخط ولا تتلمذ في جامعة أو على يد صاحب علم ، ولم يتجاوز بيئته الأمية مدى الحياة .
                والعنصر الخامس : أن استشهاد العقاد بالشعر وبشكسبير من أسخف الشواهد في هذا الباب لأن ملكة الشعر في ذاتها عادة في البشر وليست خرقا للعادة ، ولأن تفوق الشاعر وتفرده عادة في الأعصار والأمصار ، ليس خرقا للعادة ، ولأن تفرد الشخص من البشر بخصيصة خلقية أو خلقية أمر معتاد أيضا وليس تفرد شكسبير بشاعريته بأشد بداهة من تفرد أي شخص ببصمته ، ولأنه تفرد الشاعر أمر يعلل ويفسر بالثقافة والموهبة من عقل وحس .. أما المعجزة فلا تفسر بغير قدرة الله , لأن بواعثها وأسبابها لم تكن حسية مشهودة أو عادة مألوفة ، ولأن الإجماع على تفرد وتفوق شكسبير إجماع نسبي قابل للنقض .. ولأن الأحكام في الشعر أحكام جمالية غير مطلقة والمعجزة حقيقة عقلية حسية مطلقة ، ولأنه لا ارتباط بين دعوى شكسبير النبوة - وهي دعوى افترضها العقاد - وبين دعوى تفوقه ، في الشعر لسبب وحيد هو انه وجد شعراء كثيرون حصلت لهم موهبة الشعر دون دعوى النبوة .
                أما ما أتى به النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - فلا تفسير له بغير صحة دعوى النبوة .
                العنصر السادس : لم يعتبر العقاد رجحان كفة شكسبير في الشعر إعجازا .
                ثم اشترط لصحة المعجزة أن تكون راجحة ، وهذا تناقض شنيع بلا ريب ، ولقد حسب العقاد انه تخلص من هذا التناقض بقوله :
                « ونحن لا نقبل أن تكون معجزته إلاهية خارقة للنواميس ، لأن الناس عاجزون عن مجاراته فيها ولأنه هو الفرد الذي اتفق له الرجحان على الشعراء كافة في المشرق والمغرب . إذ لولم يتفق له هو ذلك الرجحان لاتفق لسواه ، ثم لا يكون ذلك السوى إلا آدميا من الآدميين وإنسانا فانيا » .
                فالعقاد نفي صفة الرجحان لمعجزة شكسبير لأن هذا التفوق لولم يحصل لشكسبير لحصل لغيره ، ثم لا يعدو كونه إنسانا .
                قال محمد بن عمر : والذي نفس أبي عبد الرحمن بن عقيل بيده ما هذا الكلام مما يليق بمفكر يوصف بأنه مارد الفكر .
                وما أسهل نقض هذه الدعوى على الملحد فيقول : « ونحن لا نقبل أن تكون معجزة محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - معجزة إلاهية خارقة للنواميس ، لأن الناس ........» الخ كلام العقاد الذي قاله في رد دعوى شكسبير المفترضة .
                قال أبو عبد الرحمن : لا معنى لاشتراط الرجحان والتفوق في تعريف المعجزة ، فأي رجحان لحنين الجذع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحنينه مع غيره بطريقة علمية أو سحرية ؟
                إنما السر الوحيد خرق الناموس المعتاد للبشر بقدرة الله وحده ، أما الاعجاز بالسحر أو العلم فأمر غير خارج عن الناموس والعادة .
                والرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس ساحرا وليس عنده وسائل علمية حسية فلا تفسير لاعجازه إلا بقدرة الله .
                والعنصر السابع : أن دعوى النبوة لا تتحقق إلا بمعجزة واحدة أو معجزتين لأن الأمر لو اقتصر على ذلك لكان مجالا للمغالطة والدعاوى .
                فالكفار ردوا بعض المعجزات بدعوى السحر ولكن المعجزات تواترت عليهم بما لا يقدر عليه السحر لأن الشياطين الذين يلقون السحر تفوق قدرتهم قدرة البشر ، ولكن أين قدرتهم عن قدرة الله ؟ .
                والكفار ردوا بعض المعجزات بأنها نقل من الأساطير ولكن المعجزات تواترت عليهم بما لم تف به الأساطير ، وبما هو صدق وحق ليس في الأساطير مثله .
                وهكذا فكل معجزة بمفردها قرينة ، ولكن البرهان الأكبر القاطع مركب من جميع المعجزات .. والرجحان قد يوجد في احد المعجزات كتفوق القرآن الكريم على كلام البشر .. ولكن الرجحان ليس مطرا ، فليس حنين جذع أرجح من حنين جذع ، ولا مباهلة أرجح من مباهلة .
                وإذ الرجحان ليس مطردا فلا يصح تقييد مفهوم المعجزة به .

                والله المستعان .

                * * *


                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                قل خيرًا او اصمت



                تعليق


                • #98
                  رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                  ضحى رويداً أيتها الكافرة

                  فرحت بـ « أبعاد المعري » للكتابة ثريا ملحس ، وقلت : هذا نفس جديد من بنات حواء لابد أن يكون فيه عواطف فكرية تحنو على شيخ المعرة لأنني أحسن الظن في عواطف هذا الجنس - لأنه جنس يظلنا قبل الفطام وبعد الانشاز ، فرأيت أن هذا الجنس الضعيف يقع في حبالة الغرور والتغرير معا .
                  ثمة فصول نثرية تشكل نصف الكتاب والنصف الآخر مختارات من أبي العلاء .
                  كل فصل تعنون له على أنه موسيقى وهو نثر رديء جدا لا اثر فيه لعقل أو جمال .
                  أوردت أبياتا لأبي العلاء في الطعن على أنبياء الله ورسله - عليهم أفضل الصلاة والسلام - ثم علقت بقلمها البليغ تقول ما موجزه أن الأنبياء سبب شقائنا ، وان زمانهم ولى ، وأنهم عاجزون عن الوعظ الآن ، وأنهم غير صادقين ، وأن كل عقل نبي .
                  لا إله إلا الله عدد خلقه ومداد كلماته تجاه كل كلمة كافرة كهاته الكلمات .
                  لتعلم ثريا أن أبا العلاء تبرأ من هذه الهفوات في أخر مؤلف كتبه وهو « ضوء السقط » .
                  فإذا كان أعمى المعرة إمامها فالعبرة بالخواتيم .
                  ولتعلم ثانيا : أن أبا العلاء المعري :
                  ذو عبقرية لا تجحد ،
                  وشهرة لا تستر .
                  اكتسب عبقريته من ذكائه وحفظه ورياضته .
                  واكتسب شهرته من عبقريته وشبهه وشذوذه .
                  وشهرته - في الأغلب - من شبه مجردة تماما عن البرهان في نقد الأنبياء والأديان .
                  ورغم أنها مجردة من البرهان إلا أنها شهرته ، لأنها أول نغمة ترن علنا في شرقنا المسلم ، وكل مستحدث مستعذب ، وإلا فان هذه الشبه يقوى عليها الأطفال ،
                  والمفكر الحر - لاسيما في هذا العصر المثقف - يجب ألا يفرح بالدعوى المجردة ، وإنما العبرة بالبراهين .
                  ويا ليت هذه الثريا البليغة نصرت دعاوي أبي العلاء بالأدلة لتكون حرة صادقة في إلحادها .
                  ولتعلم هذه الثريا ثالثا : أن اقرب مرجع في التاريخ يشهد لنا بأن أمم الأرض - أيام الفترة - عاشت في أحلك وضع سيئ حتى جاءت هداية الأنبياء .
                  ولتعلم رابعا : أن في القرن العشرين جاهليات أسوا من الجاهليات السالفة ولن يهديها إلا الوحي .
                  ولتعلم خامسا : أن لصدق النبوة وثبوتها براهين حسية وعقلية .. والبرهان لا يرد بالدعوى .
                  ولتعلم أخيرا : أن العصر الحديث أبدى عظمة فكرية جبارة في معايير الأشياء الثلاثة :
                  العقل - الأخلاق - الجمال .
                  فلتنظر ثريا - إن كانت أهلا لذلك - إلى موقع تعليمات الأنبياء من هذه القيم الثلاث .
                  أنت يا ثريا الملحس كفرت تقليدا .
                  وأنا ادعوك إلى الإيمان نظرا واستدلالا ،
                  قالوا لك : الدين روح لا طقس .. وقالوا لك - بعد هذا الكفر الذي تفوهت به - :
                  إنك اقرب إلى الله .
                  وقالوا لك : بعد فصل الدين عن الدولة : لم لا يزال الزواج والإرث والأخلاق بيد الدين ؟ ونحن أبناء القرن العشرين لماذا لا نحكم العقل ؟
                  ولقد فاتك : أن الذي خلق القرن العشرين هو الذي خلق الكون قبل القرون .
                  وفاتك أن الذي انزل الدين وحكم به هو الذي خلق هذه الأجيال .
                  وفاتك أن الذي انزل الشرع هو الذي خلق العقل والعلم والحضارات .
                  وفاتك أن العقل يبدع ويخترع في المحدود المقيد بحس البشر وأعمارهم وانه في اللامحدود لا يخلق ولا يبدع ولكن يفهم ويلتزم . ويستضيء بهداية خالق العقول ،
                  ودين الله ليس طقسا ولا روحا ،
                  ولكنه طقس وروح .
                  طقس ليبلو الله إيماننا .
                  وروح لننتفع به .
                  ولولا الطقس ما وجدت الروح .
                  ووجود الروح شاهد على الطقس .
                  أنت يا ثريا تلجين عضلة من عضل الفكر البشري لا تحل بالعواطف والإنشاء والدعوى ،
                  أنت في عصر يحترم الفكر .. ولا فكر إلا ببرهان .



                  * * *


                  لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                  حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                  قل خيرًا او اصمت



                  تعليق


                  • #99
                    رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                    فلسفة المساواة

                    المساواة واللافروق قد قلنا :
                    إنها من أبواق الدعاية . وعادة الدعاية أن تشوبها المغالطة ، والمساواة حمار لم ينهض بقامة « لينين » التي يزعم أنها مديدة ولهذا نقول : ليس كل مساواة خيرة وليست كل مساواة منطقية ومعقولة ، بل قد تكون المساواة شرا وحيفا .
                    ولجلاء هذه الحقيقة أقول :
                    إن المساواة تتعلق بناحيتين :
                    أولاهما : المساواة في المواهب والخصائص والميول والاستعدادات ، وتطلب تحقيق هذه الغاية من جانب المخلوق :
                    إما عبث وإما دجل لأن الله لم يسو بين الخلق فجعل فيهم الألمعي وجعل فيهم الأنوك وجعل فيهم العملاق وجعل فيهم الكسيح .
                    وخالق الخلق اعلم بالحكمة من وراء ذلك .
                    وأخراهما : المساواة في ثمار المواهب والخصائص التكوينية ، والمساواة ثم هي الحيف والظلم فمن الحيف أن نسوي بين الموهوب وبين الذي يقبل التلقين في الأجر أو الجزاء ، أو التقدير ، وإنما نسوي بين من تساوت أعمالهم وتضحياتهم فهذا هو المنطق العادل وهو قسطاس الله المستقيم فينا بمنطوق سورة الزلزلة .


                    * * *



                    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                    قل خيرًا او اصمت



                    تعليق


                    • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                      لا وزن للحرية

                      لا أعني بهذه التي لا وزن لها « حرية الوطن » من نير الاستعمار ، فهذه لا يقولها إلا سافر العمالة أو المتنكر لأمته ووطنه ودينه الذي يأبى أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيل ، ولا يرضى لأهله إلا أن يكونوا نظارة على نظام الأرض يزنون بالقسطاس المستقيم .
                      وإنما أعني ما صاحب هذه النهضة الحديثة في محيطنا العربي من اللغط الكثير بالحرية ومن شعوذة الأبالسة بها على المغبونين عقولهم أو الذين حظهم من النظر والعلم قليل ، وكانت أقصى أماني أهل هذه النهضة ومرجحة لاتجاهاتهم في وزن الأعمال ولا ادري لماذا يعطي الناس الحرية كل هذه الاعتبار ؟ فمن كان ذا دين فهل وجد في نصوص دينه هذا الاعتبار للحرية من حيث أنها حرية فحسب ، ومن كان « عقليا » من أهل النظر والاستدلال فهل وجد في صحيح النظر وبدائه العقل وموجباته شيئا من هذا ؟ وهل ثمة وجود في الواقع للحرية ؟ .
                      وهل هي جائزة أو مطلوبة على الإطلاق ؟ وما قبل منها من غير إطلاق : فهل هو لذاتها أي لكونها حرية أم لاعتبار آخر ؟ وإذا لم يكن إلا ما تنزلنا فيه من هذه الاستفهامات فلماذا يولع الوقواقون بما لا تدل عليه أثارة من علم أو نظر ؟ ولماذا لا تنكمش الطاقات الفضولية في فلسفة الحرية وإحاطتها بهالة من البهرج ؟ ولماذا يوجد لها مما كسون في سوق السماسرة أو قل الأبالسة المشعوذين ؟ إن لجهنم دعاة على مجامع السبل ومفترقاتها ، وأولئك الدعاة من بني جلدتنا ولكنهم عبء على كفاحنا .
                      لا وزن للحرية لذاتها
                      قال أبو عبد الرحمن : والحرية على ما نرى قالب للخير والشر ، حكمها حكم مضمونها ، وإذ ذلك كذلك فقد صح يقينا أن الحرية خير تارة وشر تارة ، فان دعا الداعون إلى الحرية في أمر من الأمور اتجه النظر إلى ذلك الأمر لا إلى لفظة « حرية » إذ التحرر من الشر خير والتحرر من الخير شر ولم يرد اعتبار قالب الحرية مجردا عن النظر إلى ما فيه لا في قرآن ولا في سنة ولا في إجماع أهل دين أو نظر ولا في قياس صحيح ولا في رأي سديد ونقول ولو أعطى الناس بدعوى الحرية بقالبها اللفظي لكان لكل إنسان حرية في أن يكون وقاحا وان يكون معتديا على الأعراض والأموال والأنفس وعلى قوانين الأمة ونظم سياستها واجتماعها ، هذا لازم من ذلك الاطلاق ولابد .
                      لا وجود للحرية في الواقع ولا مستند لوجود الحرية من الواقع ، فقد خبرنا كل القضايا التي نودي فيها بالحرية فوجدنا دعاتها حبيسي أمور مضادة ، وما من متحرر من أمر إلا وهو حبيس أمر آخر مضاد ، وبعض المنهزمين روحيا يقول تزلفا إلى الملاحدة : الدين دين الحرية : وقد أخطأوا ، فما في دين الله وزن للحرية والمسلم يجب أن يكون أسير النصوص وتعليمات الدين فان تحرر منها كان مارقا عن الإسلام ، فان تعللوا بان الإسلام منح الكتابيين الحرية في دينهم ومنح الناس الحرية في أموالهم وحرم الاعتداء على الغير في عرضه وماله .. الخ : قلنا ليست الحرية مرادة من الشارع لذاتها وما وضعت تكاليف الشريعة وحدودها وعقوباتها إلا لتحاشي الحرية ولا نجدها إلا في المباحات ، والمباحات ليست من تكاليف الشريعة على اظهر أقوال الأصوليين والقضايا التي فهم منها الحرية لم تثبت لنا أن الحرية مرادة لذاتها ، خذ مثالا قولهم : الناس أحرار في أموالهم وممتلكاتهم كما تقتضيه الضرورة الشرعية ، فكأن الإسلام لاحظ أهمية وضرورة الحرية : قلنا : نعم كان هذا ولكن فهم من الدين بالضرورة أن الناس ليسوا أحرارا في أموالهم وممتلكاتهم إذا تعدوا حدود وقيود الدين ، فالمبذرون والسفهاء في تصريف أموالهم يؤخذ على أيديهم وبذل المال في الإثم لا يعطي فيه الإسلام الحرية والمراباة لا تسوغها دعوى الحرية ، فالحرية لمرادات النصوص ومقاصدها لا لأهواء الناس ورغائبهم لا نعرف للحرية وجوداً في الواقع غير هذا الوجود ودليلنا على انه ما من متحرر من قيد إلا وهو أسير قيد آخر ما استقرأناه في أحداث كثيرة ، فأبو محمد بن حزم صاحب حرية في فكره وتفريعه لا يقول بتقليد احد ، ولكنه في الحقيقة أسير الظواهر وأسير خطة في التصحيح والتفريع ، وأبو العلاء المعري الذي قالوا عنه : إنه حر في فكره واعتقاده أسير العاطفة في تحريم ذوات الأرواح وأسير عقله في رد النصوص والشرائع وأسير فلسفات آمن بها ، فما يتحرر من قيد شرعي أو عرفي إلا على حساب عاطفته وعقله وفلسفته الموروثة ، وقل مثله عن النظام وأبي الهذيل والجاحظ وزعماء أهل الاعتزال والكلام وعن الفلاسفة من أمثال ابن رشد الرازي ، والذين ينادون بالحرية اليوم من قيود الأخلاق والفضيلة مأسورون للإباحية والشهوة البهيمية فقيد الميوعة على المريضة قلوبهم اشد من قيود العفة والخلق الرفيع ، فهم مضطرون إلى التحرر من هذا على حساب ذلك والذين ينادون بالتحرر من نظام قائم أو سلطة حاكمة أسيرون لرغائب أخرى وسياسات ثانية ، والذين ينادون بحرية الصحافة والنشر متبرمون من شيء ومستبد بهم شيء آخر ، ولقد جرب الناس محاسن التحرر من الاستعمار ومن فساد النظام الاجتماعي والإداري فتلقفوها شعارا في كل شيء وهكذا ينصرف الناس بالإفراط والتفريط إذا أخطأتهم خطة الإسلام التي هي مركز الدائرة بين خطوط متجاذبة ونقطة التوازن بين المتشادات ، ولقد قال الله عن امة محمد ( وكذلك جعلناكم امة وسطا ) ووصفهم عمر بن عبد العزيز بأن من دونهم مقصر ومن فوقهم محسر .

                      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                      قل خيرًا او اصمت



                      تعليق


                      • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                        الحكم للمعاني لا للقوالب :
                        وإذن فلم تبهرنا شعوذة الداعين إلى الحرية ، والذين ينادون بها لا أخالهم يريدون الجمع بين المتناقضات ، فان قالوا مثلا : نحن لا نضيق بالمسيحيين واليهود والبوذيين والشيوعيين في صعيد واحد ، فأنهم سيضيقون بمن يخالف سياستهم أو مبادئهم ، وهذا شأن خصمهم أيضا فأي الفريقين أحظى بدعوى الحرية ؟
                        الدور السفسطي :
                        ولو سلم بمبدأ الحرية فنستبعد تراخي ذوي المسؤولية عن الأيدي التي تناوش الحرية أو تريد اجتثاثها اعني أنهم لن يعطوا الحرية في سبيل حمايتهم للحرية ، ويقابلهم من يقول : أنا حر في القضاء على حريتكم هذه ، وهذا هو الدور السفسطي الذي يقف دونه النظر والاستدلال .
                        الحرية ونقيضها سيان في الاعتبار : -
                        وإذ لا وزن للحرية في مجالات الترجيح فلا مزية لها على ما يقابلها من معنى الحبس والقيد أو الأخذ على اليد وليس مجال الترجيح في الحرية أو نقيضها وإنما الترجيح في مصادر المعرفة وأدلة السمع والمحسوسات النفسية والعقلية والبراهين النظرية فقد تكون الحرية أولى مرة وغيرها أولى مرة أخرى ، وهذا ما نحب أن نقول كلمة فيه .
                        على المحك :
                        ويبدو لنا مما مضى من صحة وجود الحرية في الواقع أو عدمه : أن الحرية قسمان : فأما التي لا وجود لها فهي أن يكون ثمة متحرر من شيء وغير حبيس لشيء آخر . أما التي لها وجود ، ووجودها دليل على العدالة فهي أن يكون للأمة أو يكون في تعاليم ذلك الدين أو المبدأ أو النظام تقبل للنقد واستعداد للمناقشة والإقناع بالحجة والبرهان ، وان يكون للمسؤول من حاكم وغيره قبول للحق بحيث يقول : ان رأيتم فيّ اعوجاجا فقوموني ، وما أظن أن صحابيا أو فردا من أفراد الرعية يعجز أن يقول لأبي بكر أو عمر - رضي الله عنهما - : الحق ها هنا ، ولكن إرادة الله اقتضت أن يكونا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فردين في المثالية والاستقامة - رضي الله عنهما وأرضاهما - ولا يكون رفض الحرية إلا بكم الأفواه عن كلمة الحق ، فأما أن تخل الأمة أو السلطة الحاكمة بحماية معتقدها لشغيبة لا يراد بها وجه الله ولا صلاح الأمة أو يكون غير ذي شغب وله حسن قصد إلا انه ثبت عدم صلاحية دعوته في ذاتها ، أو لأنه يترتب عليها من الضرر ضعفها فللمسؤول أن يلجأ إلى الإقناع وحيث لا يجدي الإقناع فله أن يقتل حرية القول والعمل ، ولا وجه للتشنير بقتل الحريات والاستبداد ، فان من القواعد الشرعية التي يسلم بها جميع العقلاء أن السلطة على قدر المسؤولية ، وحرية القول معروفة في الإسلام ويدل عليها قوله تعالى : « وجادلهم بالتي هي أحسن » ، فحيث وجد الجدال وجدت حرية القول ، ولكن هذه الحرية مسموح بها بقدر ما يتضح الحق فإذا وضح الحق واستوى المسلك فلا مجال للغط وإنما تتحمل الأمة أو المسؤولون إثم ما يغمطونه من حق ظاهر لا مسوغ لهم من دفعه ، ونصيحتهم واجبة وحملهم على الحق حسب الاستطاعة متحتم مع تحاشي المفاسد إذا اربت على الاستصلاح ، والذين يشقون عصا الطاعة في صغائر الأمور ولا يوالون مسؤوليهم بالمصارحة والنصيحة مفسدون وغير مصلحين ، وحرية القول في الإسلام لها قيود وحدود بدليل أن محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهو أفضل الخلق وأحبهم إلى الله لم يعطه الله حرية القول إلا بحدودها وقيودها .
                        قال الله تعالى : « وجادلهم بالتي هي أحسن » ، فالهدف من الجدال تبيين الحق لا التشويش والتهويش ، وقال الله تعالى : « ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا » فمراعاة شعور الآخرين إذا أعطى القول حريته معتبرة في الدين ، فلن تكون الدعوة إلى الله بسبب آلهة المشركين وإن علم بالضرورة بطلانها ، وليس كل نقد له محله وليس كل اعتراض يسمح له بالحرية ، وأقول - مرة ثانية - إن الحرية ليست إلا للنقد الهادف البناء والحق الظاهر والاستصلاح المعقول الذي لا تعارضه مفاسد أكثر منه ، وإعطاء الذميين حريتهم في الاعتقاد لا مشاحة فيه ، ولكن لذلك حدوده وقيوده المعروفة ، وغاية ما نقول : إنه ما من منصف يقدم حرية الآخرين على حماية نظامه أو معتقده فكيف يسمح بها الإسلام وهو الحق الذي لا ريب فيه وما سواه الباطل الذي لا اظهر من بطلانه ؟ ونقول أيضا : إن الإسلام لا يكره الناس على اعتناقه ، ولقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ، « أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين » ؟ ويقول : « فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر » . هذه حرية الإسلام في العقيدة ، ولكنه رغم ذلك لا يبيح للملاحدة والمارقين أن ينقدوا دين الله أو تترك لهم حريتهم لينقدوا أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقواله أو يأتي آفك ( كالقصيمي صاحب الأغلال والعالم ليس عقلا ) يطلب من الأمة أن يتسع صدرها ليقول : إن آية : ( ما قطعتم من لينة ) تحث على الفساد وليقول إن القرآن متناقض وليقول : إن الدين أغلال تشدنا لعالم القبور ، ويتذرع بحرية القول والاعتقاد والعمل وكأن لا فهم للحرية إلا الانفلات وترك الأمة هملا - ونقول شاهت وجوه المرتكسين المنتكسين ، ولعلها أن تسنح الفرصة لنقول أكثر مما قلنا وبالله التوفيق .


                        * * *

                        التعديل الأخير تم بواسطة سدرة; 7 فبر, 2015, 07:49 م.
                        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                        قل خيرًا او اصمت



                        تعليق


                        • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                          فلسفة ( مل ) في الحرية

                          جون ستيوارت مل ( 1806-1873) فيلسوف انجليزي لم يتلق علمه في مدرسة أو جامعة سوى فترة وجيزة التحق فيها بجامعة كمبردج ، وإنما تلقى تعليمه عن أبيه الفيلسوف .
                          وهو باتفاق الأغلبية اكبر مفكر انجليزي في القرن التاسع عشر ، وأعظم شيء في حياته انه استوعب العلم في وقت مبكر جدا ، ولهذا قيل : أن معارفه تكبر سنه بربع قرن .
                          وجون ستيوارت مل رائد الفلسفة التجريبية الحديثة التي قامت على أنقاض الفلسفة التجريبية القديمة التقليدية وكان رائدها دافيد هيوم . لم يمتهن « مل » الفلسفة على أنها لذة عقلية وإنما احترفها أداة للمنفعة فقرب لغتها إلى مدارك الناس .
                          خرج - بحكم تجربته - على فلسفة العقليين والحدسيين في القول بالأفكار الأولية الخالصة المعاني الفطرية . وقال : كل معرفة عقلية تكتسب من الخبرة الحسية وكان في هذا مقتفيا جون لوك ودافيد هيوم . وقال - أيضا - أن الأعمال العقلية مجرد حركات آلية مردها إلى تداعي المعاني وترابطها وغلا مل في نزعته التجريبية فأخضع المعاني العقلية والمثالية لمناهج الدراسات العلمية التجريبية كالأخلاق والآداب والاقتصاد السياسي والقانون .
                          ورد كل معرفة عقلية - يقال انها فطرية أولية - إلى الاستقراء التجريبي .
                          قال أبو عبد الرحمن :
                          لست أرى صحة هذا الرأي لأن للروح اشراقتها كما أن العقل ملكة ذات وجود بالقوة لم تتهيأ أعمالها الموجودة بالفعل إلا وفق مبادئ فطرية أولية أودعها من خلق هذه الملكة ، وهذا منبثق من إيماننا بان العقل خلق الله ، ومل فيلسوف ملحد .
                          نحمد الله أن شيخنا الإمام العبقري أبا محمد بن حزم قد برهن على هذه المبادئ في مقدمة كتابة الفصل قبل أن يولد ديكارت وكانت . وحسب بعض من كانت ثقافتهم غربية محضة أن مل رائد في هدم المنطق الأرسطي لاسيما القياس المنطقي . وعذرهم أنهم لم يقرأوا الرد على المناطقة للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية .
                          وجون ستيوارت مل يوجب أن يكون الإنسان حرا في وجدانه وذوقه وفكره والتعبير عن رأيه . كما انه حر في تصرفه وان كان هذا التصرف عن شهوة وعاطفة . وان فلسفة الحريات التي تبلورت في أوربا أثرت تأثيرا مباشرا في نظام الحكومات والبرلمانات والمجالس الانتخابية واتخاذ الصحافة منهجا للنقد وكانت ذات اثر في قوانينهم الوضعية في جميع الأحكام التي يبنونها على التراضي . وهذه الفلسفات مهدت للدعارة والسفور والانحلال في أوربا وجاء قاسم أمين صاحب دعوة تحرير المرأة ونفخ في بوق مل صاحب دعوة استعباد النساء ولا ريب أن هذه الفلسفات أفادت في ارتفاع حاسة الذوق الخلقية المبنية على مراعاة مشاعر الآخرين , وانك لترى الأوربي يمشي مترفقا على أطراف قدميه إذا دخل عرضا سينمائيا وانه ليحني ظهره ورأسه إذا مر بالشاشة لأنه ليس من حريته أن ينغص متعة الآخرين . واننا لنرجع بعض محاسن الأخلاق في الغرب إلى جوانب الحرية المشروعة التي استعملوها .
                          ونرجع مساوئهم وفسادهم إلى تخطي الحجز المشروعة وقد تفرع عن فلسفة الحرية مذاهب في الآداب النظرية وفي السلوك . وما يسمى بالتمرد والرفض أو التجاوز والتخطي عند الشباب من شعراء المقاومة من عرب بعثيين أو شيوعيين أو دروز انما تولد عن فلسفة كارل ماركس الدامية وعن فلسفات الحرية . ويلاحظ أن مل داعية للاستعمار - وان لم يرد ذلك - لان المستعمر الغاشم يمتص خيرات الشعوب ويتحكم في مصيرها ويفسد أخلاقها بحجة حمايتها من نفسها ، والتقدم بها إلى الحضارة .
                          قال أبو عبد الرحمن :
                          في هذه الفلسفة جوانب من الخير والمفكر المسلم يجد فيها التقاء في بعض النتائج ولكن الخلاف أعمق للاختلاف في المقاصد أولا ثم الاختلاف في التأصيل ثانيا . ونحن ننقد فلسفته من تسعة وجوه على سبيل الاختصار :
                          1 - الوجه الأول : أن الحرية ليست قيمة منطقية أو خلقية أو جمالية في ذاتها ، وليست برهانا يستدل به وليست ذات معطي يبرهن به مالم تستند إلى القيم والبراهين . فلو قال لك احدهم : أنا حر في فعل كذا .. لقلت : ما برهانك على انك حر ؟ لان الحرية ليست برهانا في ذاتها . ولو قال لك احدهم : لا يمكن أن يكون زيد حاضرا أو غائبا في آن واحد لما طالبته بالبرهان لان الثالث المرفوع حتمية فكرية لذاتها . لهذا نقول : أن الحرية ليست خيرا لذاتها وليست صوابا لذاتها ، وليست شرا أو باطلا وتكون شرا وباطلا إذا كانت الحجز خيرا وصوابا فالحرية يشرع لها ولكنها هي لا تشرع للناس لخلوها من المعطيات الذاتية .
                          فعلى مفلسفي الحريات - بعد هذا - أن يدركوا خداع هذه الهالة التي يحيطون بها كلمة الحرية وكأنها إحدى القيم الثلاث التي يصاغ منها البراهين والمسوغات . انك قبل أن تقول أنا حر في فعل كذا يجب أن تثبت قبل ذلك بأنك محق وان فعلك صواب . وقبل أن تقول أنا حر في بث هذا الرأي والدعوة إليه يجب أن تثبت بأن رأيك حق . إننا لا نطلب شيئا باسم الحرية وإنما نطلب الشيء باسم الحق ، ثم نطالب بحرية الحق . لان الحرية ليست ذاتا معطى لذاتها .
                          2 - الوجه الثاني : أن مفلسفي الحريات يتكلمون عن الحرية وكأنها من حق الفرد يشرعها لنفسه ونحن نقول هنا : ليعلموا أن الحرية في اطلاقها أو في كيفيتها أو في تحديد كميتها ليست من حق الفرد لشيء واحد هو : أن الإنسان لم يولد حرا وليس بحريته أن يموت أو لا يموت وليس بحريته أن يكون اقدر القادرين واعلم العالمين واحكم الحاكمين بل الإنسان يولد ضعيف العلم والقدرة ثم يموت محدود القدرة والعلم مهما بلغت قدراته وحكمته وعلمه . ولو كان الفرد يملك الحرية لكان عنده من كمال القدرة ما يملك به كمال الحرية - بحيث يمسح دلالة مستحيل وحتمي من معجمات اللغات .
                          ولو كان الفرد يملك الحرية لكان المسيطر على مشاعره فيشتهي متى شاء ولا يشتهي متى شاء ولا يغلبه الضحك أو الغضب أو الفرح . ان الفرد لم يخلق نفسه ولم يخلق الكون ولم يملك من مقومات الحرية ما يملك به دفع الحتميات في الكون والفكر والنفس . فهو لا يملك الحرية إلا في حدود استطاعته في التفكير والتشريع والتصرف . أما التفكير فهو محكوم بقوانين الفكر الثلاثة : المبادئ الأولى وليس بوسع الفرد أن يقول الاستحالة والتناقض والدور والمصادرة وليس له أن يقيس مع الفارق ، أو يعمم الحكم على أفراد متغايرة أو يمايمز في الحكم بين أفراد متساوية لان الفكر ليس حرا في الخروج على قوانينه بحكم انه مفطور عليها محكوم بها .
                          وأما التشريع فليس بحرية الأفراد لأنه لا حرية إلا مع القدرة ، والفرد - ولو عمر الدنيا - غير قادر على علم كامل لا متناه وحكمة لا متناهية بل اظهر معارفه ما خبره عن تجربة وهو غير قادر على تجريب كل شيء وثمة حقائق لا تخضع لتجربة البشر . ان البشر لم يخلقوا الكون فيكونوا أحرار في التشريع له .
                          أن الحرية للحق والحق لا ينقاد إلا للقدرة اللامتناهية والعلم اللامتناهي والحكمة اللامتناهية والكمال المطلق والفرد والبشر جميعهم لا يملكون الكمال في شيء من ذلك بل هم محدودون في قدراتهم وعلمهم ومواهبهم ان الانسان حر فيما يقدر عليه مما هو مشروع له مما يذعن له العقل بقوانين من شرع وحس وتجربة واشراقة .
                          إذن فالحرية ليست من حق الفرد والمجتمع وإنما يمنحهم حرية بشرط من منحهم وجودهم بشرط ومواهبهم بشرط ومعارفهم بشرط .
                          3 - الوجه الثالث : ان الفرد يملك الحرية المطلقة لو كان الموجود الوحيد في هذا الكون لا يجد سوى ما سخر له وكان لا يجد البرهان على أن الله موجود وانه أوحى الينا بتكليفات تحدد مسيرتنا وكان لم يوهب عقلا ذا قوانين ثابتة ينذره بالخطر في بعض مشاعره وأقواله وأفعاله ولكن الثابت حقا عكس ذلك .
                          ان الكون يضج بموجودات ذات مشاعر وذات حق في الحياة والسعي والفرد لا يعيش دونها ولا يعيش على حسابها وإنما يعيش معها في موازنة واتزان فهو حر ليتكيف معها ولا حرية له غير ذلك .
                          وكل دليل نبرهن به على أن الله موجود وان العبد مكلف يعني : أن العبد حر في حدود ما يقضي به التكليف وجلال العقل - وهو نور الله الفطري - يأبى أن تمرغه الحرية في الوحل .
                          ان الموجودات المتغايرة في هذا الكون تعني التكيف مع الحياة وفق الناموس الشرعي والكوني وهذا خلاف الحرية .
                          4 - الوجه الرابع : أن الحرية التي تفقد شروطها - وهي أكثر من اشتراط مل - تعني الميوعة والسلبية فأي نظام سياسي أو إداري أو اجتماعي يستطيع أن يعيش بفعاليته إذا كان يجمع كل المتناقضات ولا تلتقي أهدافه على غرض واحد؟ وإذا فرض ذلك فهل يمضي المجتمع بأهدافه دون حرية في الاختيار بين كل المتناقضات بمبدأ التصويت أو غيره من المسلمات العقلية ؟
                          ان مل استثنى مصلحة المجتمع ولكن الحجز أكثر مما اشترطه . ان من بيده الأمر سيرى حقا مالا يراه غيره وسيسمع رأي غيره المعارض فلا هو يقتنع ولا غيره يقنع . فهل يترك الحرية لغير ما يراه حقا ثم يترك تعميم حق يجب أن يحمل عليه الناس لان الحق واجب الطاعة ؟
                          5 - الوجه الخامس : ان اطلاق حرية الرأي والتصرف خطل في الفكر بل نقول : لا تخلو سلطة الحكومة أو المجتمع أو النظام من احد أمرين :
                          احدهما : أن تكون أهدافها عن شهوة وهوى وليس غرضها الحق إنما غرضها أن يقوم هذا النظام بحقه وباطله فمن الخطل مطالبتها بالحرية لأنه لا حرية إلا للحق وهي لا تريد سماعه .
                          وثانيهما : أن يكون هدفها الحق وهي تسعى إليه حثيثة ولا تفعل شيئا إلا معتقدة صحته فهي نفسها تفرض الحرية من غير أن تطلب منها ولكن بغير تصور مل لأنها لا تقول : قولوا ما شئتم وافعلوا ما شئتم لأن الكثرة ستقع في الخطأ للاختلاف في المواهب وقوة الإرادة .

                          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                          قل خيرًا او اصمت



                          تعليق


                          • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                            وإنما تندب من يمثلها عبقرية ونزاهة وتجرداً لتسمع من كل معترض وتناقشه فان اقتنعت بمعقوليته جعلت له الحرية .. وإن لم تقتنع فواجب عليها أن تخنقه لأنها لو منحته الحرية لكانت تحكم بغير الحق الذي تعتقده ، وقد قلنا لا حرية إلا للحق وليس من الإنصاف أن نتيح لمفكر الحديث برأي معارض لأوساط العامة المتخلفة في مداركها ونحن قد ندبنا له من يفوقه عبقرية فبدد حجته وقهره بالبرهان إنما علينا أن نراقب مناظرة منتخبينا فنلزمهم بالتجرد والنزاهة ونمنعهم من المغالطة والمراوغة ونحتكم إلى قوانين الفكر وهي قمينة بدحض المبطل .
                            6 - الوجه السادس : أن مل اشترط للحرية أن لا يضر الفرد بمصلحة المجتمع أو يقصر في واجبه نحوه وهذه نافذة على الحجز والقيود لا تقف عند الغاية التي حددها مل لأنه عين لهذا الشرط اقل من مقتضياته . إن الفرد الذي يزني في نظام يبيح حرية الطرفين في تراضيهما يسيء إلى مجتمع يريد أن يحافظ على سلامة أعراقه ويسيء إلى مجتمع يخرق قانونه ، وإن مصلحة المجتمع وواجبه على أفراده أن يسود نظامه وعرفه ومسلماته .
                            7 - الوجه السابع : أن الإنسان حر في قول ما يستطيعه وفعل ما يستطيعه ، ولكنه ليس معذوراً في كل هذه الحرية ، إنه غير معذور في قول ما لا ينبغي وفعل ما لا ينبغي وليست ميزة الإنسان في الحرية وإنما ميزته عندما يعف عما لا ينبغي رغم حريته .
                            8 - الوجه الثامن : أن المسوغات التي سوغ بها مل حرية التصرف والتفكير معقولة جداً ، ولكنها تنسحب على الحق الذي لا لبس فيه ، أما إذا ساد ما يعتقد انه حق وصوت له اغلب المفكرين الذي تتكافأ مواهبهم وظل باب التصويت مفتوحا : فلا معنى لحرية رأي فاته إجماع الأغلبية المتكافئة مواهبهم لأنه لا إبداع ولا جديد وراء الحق .
                            9 - من الحق أن يبدي الفرد ما يريده أو يعتقده بحرية كاملة لمن يكافئه في التفكير أو يزيد عليه ولكن ليس من حقه أن يختار ما يريده لأن شذوذه عن أغلبية تكافئه اقرب إلى الباطل ومبدأ الكثرة في التصويت قانون سنته فلسفة الحريات .
                            أما الحق الذي يبيح للمسلم التفرد به وإن خالفه الناس فلم يكن وليد تفكيره قط وإنما هو حقيقة جاهزة من نص شرعي آمن تفكيره بصدق قائله .
                            هذه هي الوجوه التي ننقد بها فلسفة مل في الحرية وهو نقد جاء على أصول القوم وتصوراتهم . أما الحرية التي نؤمن بها ونبرهن عليها فهي الحرية التي نشرحها في رحاب الفكر الإسلامي فان من أعظم العوامل لضلال الفكر البشري : أن بعض المفكرين لا يستكملون نتائج المسلمات الفكرية التي يؤمنون بها فيضربون مسائل الفكر بعضها ببعض ويستأنفون التفكير في معقولية فكرة كانت نتيجة لقاعدة عقلية مسلمة واليك البيان :
                            ترى بعض المؤمنين يؤمن بأن الله موجود وله الكمال المطلق في صدقه وعدله وحكمته وقدرته .. الخ ، ويؤمن بأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول صادق معصوم في تبليغه عن ربه ويؤمن بأن تعدد الزوجات شرع الله ، لأن النص به صحيح الدلالة والثبوت فالنتيجة أن خبر الصادق المعصوم معقول لأنه عن الله الكامل في علمه وحكمته . ولكنه يستأنف الدليل العقلي على عدالة ومعقولية هذا التشريع ويثير الشكوك والشبه . فهذا هو التناقض كيف تؤمن بصدق من يبلغ عن الله ذي الكمال المطلق ثم تشكك في معقولية هذا الخبر؟ إن استئناف التفكير في معقولية تعدد الزوجات تناقض لأن عقلك آمن بأن الله لا يقول إلا الحق والعدل والحكمة فلما جاءك الحق والعدل والحكمة شككت فيهن . ثم إن استئناف التفكير ضياع من ناحية ثانية لأنك لا تبرهن إلا عند الحاجة ولا حاجة ، ثم إن دور المفكر أن يفهم ويتلقى ويعلم أن ما يعارض نتائج المسلمات العقلية إنما هو شبهة أو مغالطة أو قصور في الفكر ، ومن هذا المنطق كان تصور المسلم للحرية ، إن المفكر المسلم اهتدى بعقله إلى أن الله موجود وله الكمال المطلق بأدلة عقلية كثيرة كبرهان العلية والعناية وآمن بأدلة عقلية وحسية بأن الكون وما فيه خلق الله وآمن بأدلة حسية وعقلية بأن لله رسلا وان محمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم الناسخ لشرائعهم ، وانه صادق معصوم أوحى الله إليه بتكليفات للخلق هي الشرعية الإسلامية الغراء .
                            ومن هذا الوحي نصوص صحيحة الثبوت صريحة الدلالة تقول : إن الخلق عبيد الله وهي عبودية لا نستطيع جحدها لأن وجودنا منحة من الله ولسنا نستطيع الفرار من ملكوت الله ولو طرنا بأجنحة إبليس مدى الدنيا كلها . بل ولدنا على رغمنا ونموت على رغمنا ولا نستطيع أن نخلف غيب الله فينا قيد أنملة . فليس لفرد منا أن يبيح لنفسه حرية لم يبحها له ربه وليس له أن يتخذ التراضي في تصرفاته مع الآخرين قانونا لحريته ما لم يكن رضى الله فوق ذلك . وطلبنا لحرية لا ترعى رضى الله انعتاق من عبودية الله وعقل المفكر المسلم لا يقدر على ذلك لأن كل البراهين حوله تدل على انه عبد الله والله خالقنا العليم بما يصلحنا لم يجعل عبوديتنا له جبرية تقضي على مواهبنا وإبداعنا . بل منحنا من حرية التصرف ما نقدر به على أداء واجبنا ومنحنا من حرية التفكير ما نقدر به على الاهتداء إلى الحق وجعل لنا من الاختيار في أمور دنيانا ما يكفل لنا النضج وترقي الخبرة وإعداد القوة .
                            وأعظم حرية في دنيانا أن الإنسان ينوي ما شاء لا سلطان لأحد عليه ولكن الويل له إن اعتسف هذا الحق وعمل ما يهدي إليه العقل وأعظم شيء هدى إليه العقل وجود الله وكماله وصدق شرعه .
                            ومادام الشرع - بحكم العقل - هو الصدق والعدل والحكمة فليكن مقتضاه هو البرهان الحق والله سبحانه حتم الحرية للحق فقال تعالى : « قل هاتوا برهانكم » وهذا يعني حرية الجدال ولو كان الحق في آراء الناس لكان إيمان كل فرد بما يراه معقولا ولكن جعل الله الحق في الشرع وجعل للعقل حق الفهم والتدبر ولم يجعل له حق الاقتراح والتشريع ، وإذا كان الحق في الشرع فانه لن يكون نسبيا اعتباريا حسبما يقول الحسبانيون لأنه بلغة مفهومة .
                            ووجدت مسائل شرعية في المسائل الفرعية دون الأصول تختلف وجوهها ومحاملها وفق لغة العرب ، فهذه يكون الحق فيها اعتباريا اجتهاديا والمفكر المسلم حر في اختيار ما يؤديه إليه اجتهاده إذا كان أهلا للاجتهاد وكان يتحرى مراد الله ، وهذه المسائل الاجتهادية التي لا يتعين فيها الحق بجانب احد يفتح فيها باب الشورى والترجيح ولمن بيده الأمر بعد الشورى أن يعزم الأمر ويحزمه فيرجح ما يراه بالنظر والترجيح بالأكثرية أو برأي الأنزه والأمثل والأعمق ليصون الأمة عن الضياع والفرقة والتشاجر على جزيئات لم يتعين الحق فيها بجانب احد .
                            هذه عبوديتنا لله لم تأخذ علينا لحظة واحدة من أمور دنيانا بل إن في سعينا الدنيوي تعبداً لله إذا كان هدفنا الخير للبشرية . ولسنا نرى من مقومات الحضارة الغربية المادية في الاكتشاف والذرة والطب أي مقوم قام على أنقاض حقيقة إسلامية وكان التحرر من هذه الحقيقة سلما للحضارة . لم نر أن الإلحاد سنداً للعلم . ولم نر أن الإيمان بالدين الصحيح عائق للعلم ومن أبى فعليه المثال ، جعلنا الله هداة مهتدين .


                            * * *

                            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                            قل خيرًا او اصمت



                            تعليق


                            • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                              الحرية مشكلة الوجود وفتنة العصر

                              الحرية نمير تتهادى إليه الأعناق ( ما وجد الاختلاف في الرأي ) فان غلب رأي بقوة مادية أضحى هذا النمير حياضا : إما ينقع به الأوام ، وإما أن تلفظ فيه الأنفس ، ولا خيار بين الأمرين ( وإن تحملت النفوس الصادية الظمأ في لحظة ما ) .
                              هذه مشكلة الوجود من فجره إلى غروبه ، وهي فتنة العصر الماثلة لا تزال ولن تزال ما ظل الاختلاف موجودا ، ولا أظن الناس يتفقون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
                              وليس الطريف أن نلتمس هذه المشكلة ونراها رأي العين ، وإنما الطريف ( أو إن شئت فقل الأهم ) أن نواجه هذه المشكلة بشجاعة وقوة : اعني شجاعة الفكر بيقظته ودقته و أطراده بحيث لا يقيس مع الفارق ، ولا يستدل في غير محل النزاع ولا يحيل بديهيا ، ولا يتسامح بالمستحيلات ، هذه اشتراطات تقتضيها طبيعة الفكر الفطرية من أول تمييزه ، ولهذا قال ديكارت إن العقل نور فطري .
                              وقبل أن ندرسها بشجاعة فكرية يجب أن نفهمها بأقسامها وغاياتها ، فالذي بلوته من واقعها المشهود ومن خلال فلسفتها في المذاهب الفكرية المعاصرة أن هناك حريتين : حرية أكثر إطلاقا ، وحرية مقيدة ، وكلا القسمين فيهما الحرية القولية ، والحرية الفعلية ، فأما الحرية المطلقة فهي الإباحية التي تدعو الإنسان إلى أن يتمتع بأقواله وأعماله وان ينعم باختياره ، لا يراعي ضوابط الدين ، ولا حجز المبدأ ولا توارث الأعراف ، ( غير أن لا يؤذي غيره ) وهذه إحدى منازع الفلسفة الوجودية التي دخلتها أوروبا من أوسع أبوابها ، حتى أصبحت العلاقات الجنسية نزوا كنزو البهائم بلا قيود ولا شروط ، شيوعية جنسية لم يحلم بها ( مزدك ) .
                              وبلغت حرية الرأي المطلقة أن تعددت الأحزاب والطوائف والفلسفات في البلد الواحد ( كل أمة تلعن أختها ) فعمت الفوضى واختل النظام .
                              أما الحرية المقيدة فهي الخروج على مبدأ أو مذهب أو نظام معين قائم للتقيد بغيره , وبلوت من نصوص ديني أن لا حرية في العمل بغير ما رسمته الشريعة ، شاهد ذلك حدود الله : من قتل وقطع ، وصلب ، ورجم ، وجلد ، وحبس ، وتغريب لا استثني إلا حرية أهل الكتاب في أديانهم شريطة أن تكون الغلبة للإسلام ، وان يدفعوا الجزية ، وان يلتزموا الصغار وألا يبثوا دعاية لدينهم ، وإلا يبدلوا دينهم بغير الإسلام .
                              أما حرية القول ، فأشهد شهادة ألقى الله بها غدا ، ولا أحول عنها أبداً أن الإسلام لم يستهن بهذا المبدأ ، ولم يتورط فيه .
                              أما انه لم يستهين به ، فلأن الله قال « وجادلهم بالتي هي أحسن » ، ولا جدال إذا لم تكن للكلمة حريتها .
                              وقال سبحانه « وأمرهم شورى بينهم » ، ولا يكون الأمر شورى إلا في أجواء الحرية ، وقال سبحانه « قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين » ، فطلب البرهان هو الحرية بكل جذورها .
                              وأما انه لم يتورط فيها فلأنه لم يرض بعوار الكلام لا له ولا عليه :
                              فمن سب الرسول صلى الله عليه وسلم يقتل ، والمرتد يقتل ، ومن تنقص الدين أو اتهمه فأدنى حد له التعزير ، كذلك المسلمون ليست لهم حرية بأن يسبوا آلهة المشركين . قال تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ، وليس لهم أن يفحشوا في جدلهم ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) .
                              وحقي على من يطلع على كلمتي هذه ممن يحمل علي شنآنا ، أولا يرضيه مذهبي في الحياة ، أو يرميني بضيق في الأفق ، أو بتعفن في التفكير ، أو برثاثة في الهيكل والمظهر أن يطوي هذه الأمور في جناحه ويحتكم معي إلى حجة العقل وقيوده التي منح إياها فطرة وخلقة ، لأنه الحظ المشاع فينا ( بني غبراء ) ولأنه اعدل قسم الله ، فاني في هذه العجالة طارح أمرا يفرضه العقل والواقع ، ولا أخال أن مفكرا مهما كان مذهبه يعارضني فيه ، فأقول :
                              إن أي مجتمع يدين بفكرة يؤمن بها يرى - ولابد - أن غيرها الباطل ، إذ الحق في جهة واحدة ، والمصيب واحد ، فلا نلومه إذا ضبط حرية الرأي في الأفكار المعارضة ، فقد يكون الرأي المعارض متطرفا يقلب المجتمع رأساً على عقب ويراد السماح به ليتغلغل في عقول العامة والخاصة بشتى وسائل الإعلام ، وربما كان مبعثه صيحة عاطفية متسرعة ، وربما فقد ( بالبناء للمجهول ) فيها حسن النية لاكتساب شهرة شعبية زائفة .
                              افيسوغ لأصحاب مبدأ يرون انه الحق الذي لا حق سواه ، أن يتركوه تعصف به وجهات النظر المختلفة ؟ وإن من يطلب هذا يشح به إذا حصل عليه .
                              أما أن يراد إبداء الرأي المعارض والمحاجة فيه لا بصورة إعلامية تقسم المجتمع إلى أحزاب وطوائف يلعن بعضها بعضا - ففرض إبداؤه لمن بيديهم مقاليد الأمور إبداء لا تعلم به العامة والسفهاء ، وفرض شرعا وعقلا الإصغاء إلى الرأي وحجته وانتداب العلماء والمفكرين ليناقشوا الموضوع ويدرسوه ويستفتوا فيه ذوي الاختصاص وان تقنع جهة المعارضة بحجة منظمة لا عناد فيها ولا تسفسط ولا مغالطة ، فان التبس الحق بالباطل اجتهد - بالبناء للمجهول - غاية الاجتهاد باستفتاء ذوي الرأي والميل مع الحجة اللائحة ، وإذا لم تلح الحجة التمست بجانب الكثرة ، أو بجانب من يفضل بعمله وورعه وكثرة صوابه .
                              وان عدم الإصغاء لمن يبدي معارضة أو يدلي بحجة هو المذموم ، ولقد رأينا عمر بن عبد العزيز رحمه الله ينتدب للخوارج من يحاجهم ويقنعهم ثم لا يمسهم بأذى لمجرد أنهم ابدوا وجهة نظرهم ، أما عدم الأخذ بوجهة النظر المطروحة فليس بشرط في حرية الرأي ، لأنه سمح به ، وليس من اللازم الأخذ به ، إذ لا يعمل إلا بما قامت حجته أو انعقد عليه رأي المؤمنين من العقلاء والعلماء والمختصين .
                              إن حرية الرأي تكون فوضى تبث في الناس عامتهم وخاصتهم لتكون فتنة ، حرية الرأي أن تسمع الكلمة بتلطف وستر ونية صالحة ، ودعمها بالحجة والتثبت مع الاطمئنان مهما كانت خطورتها ، ثم تطرح للدراسة والاجتهاد .
                              ونعرف أن مبعث حرية الرأي الإصلاح ، فلنعرف بجانب هذا ظاهرة أن الناس ليسوا كلهم على مستوى واحد من التعقل والفطنة والحصافة والتقوى وحب الحق والاهتداء إليه .
                              إن مقتضى الأمانة والدين والعقل - وهي مبعث الحرية - أن يخلص الناس لولاتهم ، ومعنى هذا الإخلاص المسارة بالنصيحة ، والتخول بالموعظة والصرامة في الحق ، وعدم اللجاجة كما قال شوقي :
                              لك نصحـي ولا عليــك جدالي ... آفــة النصــح أن يكون جدالا
                              أما الحرية في العمل ، فالفاصل فيها أن الحرية لذاتها ليست حقا ولا باطلا ولا خيرا ولا شرا ، وإنما هي قالب لذينك ، فما كان شرا فالتحرر منه خير ، وما كان خيرا فالتحرر منه شر . جعلنا الله هداة مهتدين .

                              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                              قل خيرًا او اصمت



                              تعليق


                              • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                                معادلات الحرية

                                آمن مفكرون بقيمة الحد الأرسطي في تعريف الحرية فقال « برونسيلاف مالينوفسكي » احد علماء الاجتماع : ( الحرية هي الأحوال الاجتماعية التي تتيح للإنسان أن يحدد غاياته بالفكر وان يحققها بالفعل وان ينال حصيلة تحقيقها ) .
                                وقال « لاسكي » الفيلسوف الانجليزي : ( الحرية هي الأحوال الاجتماعية التي تنعدم فيها القيود التي تقيد قدرة الإنسان على تحقيق سعادته ) .
                                وقال الفوضويون والوجوديون : ( الحرية هي انعدام القيود ) وقال نقيضهم في التطرف ( الحرية هي الانسجام الكامل مع الدولة ) . وجاء آخرون رموا بالحد الأرسطي عرض الحائط فبحثوها بحثا ايديولوجيا ولم يعرفوها ومن هؤلاء « جون ستيوارت » ، وعندي - وهو قاعدة لكل منهج في البحث - أن التقسيم مرحلة تسبق التعريف والتقسيم في بدايته لا يعطيك التصور ولكنه يسلمك في النهاية إلى صحة التصور بأوضح ملامحه ، وإذن فالحرية حريتان :
                                انعدام القيود ، والمطالبة بهذا اللون ضرب من جنون الفلسفة البشرية وبالأخص فلسفة الوجوديين لأنه لا يملك من الحرية من القيود إلا من خلق القيد ، والوجود البشري مكبل بالقيود في عقله وغرائزه ورغائبه وبقائه ومحيطه الزماني والمكاني .
                                والقسم الثاني الحرية المقيدة ، وهي انعدام بعض القيود ، والحرية المقيدة حريتان حرية مقيدة توصف بالحق والصواب ، وحرية توصف بالخطأ والظلم ، ومن هذا التقسيم الأخير يجب أن يعلم المنادون بالحريات أن الحرية لا قيمة لها بذاتها وإنما قيمتها في مضمونها فالتحرر من الخير شر ، والتحرر من الشر خير .
                                ولسنا في مجال تحديد الأشياء التي توصف بأنها خير أو شر فكل مسألة في الوجود لم يفرغ منها منطق البشر ، وحسبنا في هذه العجالة أن نشير إلى إيديولوجية الحرية مع تباين المنطق والفلسفات والمبادئ فنقول : كل شعب - سواء أكان مسلما أم شيوعيا أم مسيحيا وثنيا - .. الخ - يرغب الحرية من الحجز التي تهيض مبادئه ويجد هذه الحجز في ثلاث قمم من الطغيان وهي :
                                طغيان الدولة الذي يهيض الحرية السياسية ، وطغيان الثروة الذي يهيض الحرية الاقتصادية ، وطغيان العرف والمادة الذي يهيض الحرية الاجتماعية ، والمصلح الإيديولوجي يضع في برنامج إصلاحه هذه الفروض والتحليلات :
                                1 - مدى الفساد في هذه الحجز - من الناحية المثالية .
                                2 - مدى الفساد في هذه الحجز - من الناحية الواقعية .
                                3 - البديل الصحيح ويكون وفق درجات هكذا : ( البديل الصحيح كذا ) ( فان لم يحصل هذا فيليه كذا .. الخ ) .
                                4 - ثم التضحية لإحلال كل بديل صحيح .
                                5 - معادلة رياضية تقبل أنصاف الحلول بين الواقع السيئ وبين البديل الصحيح - مع ثمن التضحية - . وهذه قاعدة جيدة في تفكير علماء المسلمين يسمونها ( درء المفاسد بالمصالح ) .
                                ومن أجرى هذه المعادلة وقارنها بواقع العالم فسيرى أن المثاليات لم تحقق في أي رقعة من الأرض وإنما هو الرضى بأبدع ما في الإمكان .


                                * * *

                                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                                قل خيرًا او اصمت



                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:01 ص
                                ردود 0
                                7 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:00 ص
                                ردود 0
                                5 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 23 أغس, 2023, 08:53 م
                                ردود 0
                                33 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 6 يون, 2023, 01:37 ص
                                ردود 0
                                19 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 يون, 2023, 03:05 ص
                                ردود 0
                                18 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                يعمل...
                                X