تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ظل ظليل مسلم اكتشف المزيد حول ظل ظليل
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

    عبيد الله

    الناس كلهم - من أولهم إلى آخرهم عبيد الله رغم عنهم - ولكن هؤلاء الناس على قسمين :
    1 - عبيد الله طاعة ومحبة وتقرباً وعملا واعتقادا ، فهم عبيد الله اضطرارا واختيارا ، فأما الاضطرار فهو أنهم محكمون بسلطان الله الكوني أي بيد الله أرزاقهم وآجالهم وحظوظهم وصحتهم ومرضهم ، وهذا ما يسمى ( عبودية الربوبية ) ، وأما الاختيار فهو أنهم محكمون بسلطان الله الشرعي ، وبيدهم وبحريتهم أن يعصوا شرع ربهم ولا يطيعوه .
    ولكنهم عبيد شرع الله ينقادون له محبة لله ، وخوفا منه وثقة فيه جل جلاله ، وهذا يسمى ( عبودية الطاعة أو عبودية الألوهية ) .
    وهؤلاء شرفهم الله بإضافتهم إليه : يا عبادي ، وعباد الرحمن ، وعبد الله ... عبدنا .
    2 - عبيد الله قهرا وإذلالا ، وهم الكفار ، إنهم عبيد الله لأنهم محكمون بسلطان الله الكوني ، وليسوا عبيد الله شرعا ، لأنهم عاصون له . وإضافتهم إلى لفظ الجلالة ليست إضافة تشريف بل إضافة ملك .. نقول عبيد الله ، كما نقول ناقة الله .
    ودعاة التمرد والرفض ، والتجاوز والتحدي ، - الذين أقاموا فلسفة غربية هيبية المنزع ثم كان لهم فلول في المقلدين العرب من رواد الأدب العربي الحديث ، هؤلاء أحرار بصفة أنهم فسقوا عن أمر ربهم الشرعي ، ولكنهم عبيد الإذلال والقهر .
    أي عبيد الله كونا محكومون في حركاتهم وسكناتهم بعلم الله وإرادته وقدرته .. الخ .
    أما عبيد الله شرعا فقد رحمهم ربهم بأن جعل تكليفهم مرهونا بقدرتهم واستطاعتهم وجعل أجرهم على قدر نصبهم .


    * * *

    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
    قل خيرًا او اصمت



    تعليق


    • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

      حرية الإرادة

      يروى عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - انه قال : « القدر سر الله فلا تكشفه » . ا هـ .
      وإذا صح أن القدر سر الله فبالبداهة نعرف أننا لن نستطيع كشفه لو أردنا . وكلمة علي هذه - إن صحت عنه - لا تلزمنا لأنها اجتهاد منه - رضي الله عنه - ولا حجة في قول احد دون الله ورسوله فان وجدنا نصا صحيحا استنبطت منه هذه الكلمة انقدنا لها .
      وعلى أي حال فهي كلمة اجتهاد أريد بها منع الناس من الخوض في القضاء والقدر الذي بدد فكر المسلمين ردحا من الزمن .
      والمفكر المسلم اليوم يرى أن خوضه في هذه المسائل من باب جهاد القلم المقدس لأنه مدفوع على رغمه لكثرة الحيرة وترددها على الشفاه ! .
      ولو أردنا أن نكون بمعزل عن هذا الضرب من الحديث لما استطعنا فالأدب الحديث اليوم مفعم بهذه الأشواك ، والأدب الحديث هو زاد شباب هذا الجيل في الأغلب والأعم فمدرسة السياب وشعر الشبيبة في العراق لون من الجبرية المتشائمة التعيسة تغذي جبريتها بحيرة المهاجر الأمريكية وما سبقتها من فلتات حائرة في ديوان الشعر العربي ، وقد انقلبت هذه الجبرية الكسولة إلى علمانية بغيضة في شعر المقاومة وفي شعر من يسمون بأهل الرفض والتخطي والتحدي ، وهذه المدرسة زيفت حقيقة الإنسان فأظهرته اكبر من حجمه وكأنه الحاكم بأمره في هذا الوجود !!
      وتمزق بين هذين الطرفين الذميمين أصحاب اللذة الخيامية وجماعة النواح والهستيريا والرومانسية وذلك بانتهاب اللذة مسارقة للأقدار أو الجنوح إلى أحلام مريضة تعني الفرار عن الأقدار أو أن شئت فقل : تعني الانتحار الفكري !! .
      فما بال هؤلاء - هداهم الله - على هذه المنعرجات والبنيات ؟!
      إنهم يؤمنون بأن البشر مسيرون لا مخيرون . وهذا نجده بلغة المنطق في أبحاثهم وبلغة الأدب في رواياتهم ومنتحلاتهم .
      أو يؤمنون بأن البشر قاهرون مسيطرون مخيرون وهذا لم يكتبوه بلغة المنطق قط وفضلهم الله بميزة الحياء فاستحيوا من الفكر أن يسألوه كلمة في هذا المجال وإنما كتبوا بلغة الأدب والعاطفة والخيال كتبوا تحديات شبيهة بدلال الأطفال وتمردهم . إنهم الآبقون عن شرع الله المطوقون بقضائه ! .
      ولا ازعم لنفسي أن الكتابة في هذا الباب تستوفي في مقالة أو عجالة لان مسألة القضاء والقدر قسيم اكبر في فكرنا وتاريخنا واعرف مؤلفات خاصة بهذا الباب لقدماء ومحدثين شرقيين وغربيين .
      ولكن حسبي ثم أن أضع بعض المعالم ليهتدي بها السيارة في مجاهل هيماء . فأول ما تجب ملاحظته :
      أن البشر عبيد الله محكومون بقضاء الله ليس لهم حرية مطلقا في الخروج عن قضاء الله الكوني وكل فعل يصدر منهم - إن خيرا أو شرا - فهو بقضاء الله الكوني .
      وثاني ما تجب ملاحظته :
      أن قضاء الله الكوني على قسمين :
      قضاء كوني يتعلق بفعل الله وينسب إليه .
      وقضاء كوني يتعلق بعلم الله ولا تلازم بين الفعل والعلم فقد يفعل المرء ما لا يعلم وقد يعلم مالم يفعل وفعل الله كله بعلم .
      وثالث ما تجب ملاحظته :
      أن الله يعلم أن أبا جهل سيعمل عمل أهل النار ويدخلها ولكن عمل أبي جهل ماذا نسميه فعل الله أم فعل أبي جهل ؟ .
      لقد تحرج جماعة من أهل السلف فقالوا :
      لا ينسب فعل الشر إلى الله تأدبا مع الله .
      قال أبو عبد الرحمن :
      نحن ننظر إلى فعل أبي جهل من عدة زوايا فنقول :
      الزاوية الأولى : أن فعل أبي جهل تكوين من الله وفق قضاء الله العلمي .
      الزاوية الثانية : أن فعل أبي جهل تكوين من الله وفق قضائه الفعلي من ناحية أن وجود أبي جهل فعل الله والله خالق الخلق وما فعلوا .
      والزاوية الثالثة : أن فعل أبي جهل فعل أبي جهل نفسه لان الله لم يكرهه على فعل الشر وإنما علم انه سيفعل فعل أهل الشر .
      ولا تناقض بين قولنا : أن فعل أبي جهل فعل الله وفعل أبي جهل نفسه في آن واحد .!!
      لان فعل أبي جهل للشر فعل له بالمطابقة ، وهو فعل الله بالتضمن لان أسباب أبي جهل في فعل الشر أسباب خلقها الله فهو يبطش بيده التي خلقها الله ويفسق بجوارحه التي خلقها الله .
      ورابع ما تجب ملاحظته :
      أن حرية أبي جهل في فعل الشر خروج عن إرادة الله الشرعية ، ولكنها ليست خروجا على إرادة الله الكونية الفعلية وليس من ناحية أن أبا جهل فعل ما أراده الله كونا بل من ناحية أن الله لو أراد فعل الخير من أبي جهل لفعل أبو جهل الخير على رغمه .
      وخامس ما تجب ملاحظته :
      أننا حين ننفي فعل الله لشر أبي جهل فعلا مطابقا لا نكون بذلك نزعم بان أفعال البشر ليست من خلق الله لأمرين :
      أولهما : أن بعض أفعال البشر التي خلقها الله كانت من خلقه لأنها تمت بأسباب خلقها الله فيكون فعلا الله بالتضمن .
      وثانيهما : أن الفعل المنسوب إلى أبي جهل نسب إليه بقدر ما أعطاه الله من حرية كونية في اختياره ما يشاء من الخير والشر فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، فالخير أو الشر فعل العبد لأنه المباشر له وهو فعل الله لأن الله أعطاه الحرية التي يتخير بها أي الطريقين ومنحه الأسباب التي يتوصل بها إلى أي الهدفين .
      وسادس ما تجب ملاحظته :
      أن الفائدة العملية من مسألة القضاء والقدر هي التكليف ، كيف يعاقب الله الناس على ذنوب تتعلق بعلم الله وإرادته وقدرته وفعله ؟؟!!
      قال أبو عبد الرحمن :
      الأمر الأول أن كل شيء بعلم الله ولكن علم الله ليس هو فعله .
      فعلمي بأن زيدا سيقتل في المعركة - لعلل وأسباب تعطي نتائجها غالبا - لا يعني أنني قتلت زيدا ولله المثل الأعلى !!
      والأمر الثاني : أن الله لم يعاقب العاصين بذنوبهم إلا وفق ما أعطاهم من حرية يستطيعون بها اختيار فعل الخير ولهذا كان التكليف وفق المقدرة والاستطاعة .
      والأمر الثالث : أن فعل العاصي للشر وفق علم الله ولكنه ليس فعلا لله مباشرا لان علم الله لا يعني فعله ، وليس هو وفق قدرة الله لأنه لا خيار مع قدرة الله ، وإنما كان من قدرة الله لأجل أن الله أعطى أبا جهل القدرة على فعل ما خير فيه ، وليس هو من إرادة الله الكونية لان الله لو أراد كونا فعل الشر من زيد لما منحه الحرية والخيار .
      وسابع ما تجب ملاحظته :
      أن هناك حالات مستثنيات فالله يضل الكافر وذلك عقوبة على إصراره ويهدي المؤمن جزاء له على إيمانه .


      * * *


      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
      قل خيرًا او اصمت



      تعليق


      • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري



        مع القصيمي




        توطئـة

        منذ نشر « القصيمي » كتابه « العالم ليس عقلا » يبرهن فيه على أن إلهه المادة العمياء ثم اتبعه بخطاب مفتوح إلى المادة نشره في كتابه « كبرياء التاريخ في مأزق » ثم أخذ يهدم أدلة الواجب الوجود بمقدمة كتابه « هذا الكون ما ضميره » ويقول : إن هذه الأدلة وليدة التلقين والتقليد ، وهي لفتة الحادية وردت في شعر أبي العلاء المعري :
        في كل أمرك تقليـد رضيـت به ... حتـى مقالك : ربــي واحــد أحــد
        منذ بدأ القصيمي يتابع نشر حماقاته :
        أخذ شعوري يتكاثر بخطورة الأمر ، وان علي واجبا دفاعيا مقدسا بقلمي وفكري ، لأنني شديد الإيمان بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
        « من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية » أو كما قال ، ورغم انف أبي رية .
        قال أبو عبد الرحمن : وإننا بعون الله غازون جحفل الإلحاد في مجثمه ، وأننا بعون واهب العلم حاجزوهم بأقماع السمسم . !!
        أما الشعور بخطورة الأمر فله دوافع هي :
        أولا : أن القصيمي خاض في موضوع تتكافأ أدلته عند قاصري النظر بين قائل الله موجود وقائل الله غير موجود ، فأخذ ينصر الشق الإلحادي الأخير بمقتطفات سريعة من جدل الملاحدة والشكاك الغربيين إلا انه لم يفتق فتقهم في عويصات المشاكل والمسائل ، فهو غير أصيل في فكره ويورد دليل غيره ولا ينقض مقابله من دليل يكافؤه على اقل تقدير « فهو غير محقق أيضا » .
        فمن هاتين الناحيتين علينا واجب فرضته أمانة العلم والنقل .
        ثانيا : أن قراء القصيمي والمعجبين به ليسوا علماء في الشريعة المحمدية فهم يجهلون حقيقة الدين إلا أنهم يعرفون الشبه المفتراة عليه ، الشبه فحسب .
        فلا لوم عليهم إذا أعجبتهم أدلة غير القصيمي التي سرقها القصيمي ! لأنهم لم يحيطوا بعد علما بالأدلة التي هي اكبر مكافأة ، واشد أسرا ، وانهض برهانا ، لم يحطيوا بها لأنها واردة في مصادر الشريعة وفي كتب عبقري الإسلام الكبير أبي العباس ابن تيمية ، وهم الله حسيبهم يحقرون الدين في مصادره وموارده وإننا مناشدوهم باسم طلب الحقيقة التي لم يحبوها إلا بدعوة أبيهم الروحي - ديكارت - أن يتجردوا من الحقد على الدين في استماع حجته ، لأنهم في لحظة الحكم ، وإلا فهم غير متجردين للحق ، جائرون في الحكم ! أولا ترى : أن الشرك ظلم عظيم ، لأنه جور في الحكم ؟!
        قال أبو عبد الرحمن : وجزمنا على أن القصيمي سطا على آراء غيره ، اقرب دليل لنا عليه : أن هذه كتب القصيمي لا ترى فيها ثبتا بالمراجع لا في الحواشي ولا في مسرد خاص فليتوق أي متسرع اتهامنا بالحيف أو الادعاء .
        فإذا كان أتباع القصيمي غير علماء في الشريعة ، إلا أن ما يفترى عليها لا يفوتهم ، وأنهم معجبون ببراهين الحادية ، لا يدرون أن في مصادر الشريعة عظمة فكرية عتيدة هي اشد أسرا وانهض حجة من براهينهم . إذا كان هذا كله ، فان علينا واجب التبليغ وما اشد خيانة من يكتمون العلم وقت الحاجة إليه .
        ثالثا : أن بلادنا منبع الوحدانية مقصرة في مجال الدفاع الفكري فهذا الشيعي الخبيث جواد مغنيه لما افترى على عقيدة السلف في كتابه « هذه هي ال*****ة » ونشره في الأوساط الإسلامية : لم تعتن بلادنا بمناقشته بروح علمية معتدلة تتوخى الحق لها أو عليها ، لتنشره في الأوساط إياها .
        أما مجرد منعه من دخول البلاد فهذا لا يكفي .
        وعد ما شئت من صحف الإلحاد وقاذورات القصيمي وسارتر وأشياعهم .
        فلماذا ينشطون في نشر الباطل ، ولا ننشط في الدفاع عن الحق ؟!
        وإذا تخلينا نحن عن واجبنا فمن لذلك الواجب ؟ وإنني محمل كل فرد منا أي قصور في دفاعنا الفكري . وليس علينا إلا تجنيد العلماء وتجميعهم وبذل المال بكل سخاء وإتاحة الفرصة لهم ليطلعوا على كل شيء ويؤتوا معطياتهم المنشودة .
        إن جماهير الشباب في شرقنا العربي والإسلامي وإن انحرف عن دينه قابل للاستصلاح ، فلنجد في كسبه إلى حزب الرحمن قبل أن يفترسهم دعاة جهنم !
        إن واجبنا في الدفاع الفكري عن الإسلام أكثر وأكثر من واجبنا السياسي وإن كان كل ذينك حقاً واجباً .
        إن واقعنا العملي لن يصلح حتى يقوم سلطان لا إله إلا الله وحتى تنبثق حياتنا في كل مجاريها من كلمة لا إله إلا الله ، أن تكون سليمة من مرض النفاق الاجتماعي . واجب عليها أن تكون جدية فان كان تفتيها كالملح في الطعام فذلك أحسن حالها . وجمهرة مؤلفاتنا ليست من العلم النافع .
        عجبا لهذا العجز والانكسار أينحسر تاريخنا العتيد عن تخاذلنا في العلم النظري ونحن لا شيء في الطبيعيات والكشوفات ؟!
        إنها خيانة لمواريث الأسلاف لاقينا عقوبتها في التبعية البغيضة وضياع الشخصية . وإن تقليد الضعيف للقوي سنة لله مطردة وإن كان ماضيه عتيدا .
        رابعا : أن الرجعية التصقت تهمتها بديننا بفعل أبواق الإلحاد فكان عزوف شبابنا إلى كتابات الملحدين ، إن دول الإلحاد تنظم حركات النشر والإعلام والمجلات والمؤلفات لتنصر الباطل فلماذا نقصر في الواجب ؟
        لماذا نقول ولا نعمل إلا قليلا ؟
        والصحافة اليوم وخريجو كلية الشريعة وطلبة العلم ما هي تضحياتهم ؟
        أنا لا أنكر : أن في بلادنا كتابا مجاهدين ، واسأل الله أن يزيدهم ولكنني مطالبهم بأمور :
        أن يخلصوا النية لله ، ولا تكون تضحياتهم إملاء لرغبات سلطة أو لطمع مادي دون أن تكون طيات جوانحهم لله وحده .
        ومطالبهم بنشدان الحق ، وان لا يسوغوا خطأ أحب الناس اليهم أو أجل الناس خطرا عندهم بنصوص الدين فهذه - لعمر أبي عبد الرحمن - خطة خسف محق الله بها بني إسرائيل .
        ومطالبهم بان يكونوا متنورين لا يحقرون من العلم شيئا وحذار حذار من تصرفات تميت علينا ديننا وتشمت بنا عدونا .
        أما غير أولئك فقد آذونا بهذر الصحافة ولم يكن العلم النافع مادة صحفنا .
        وإنها - والله - خسارة أن تضيع عبقريتنا الفكرية في نرجسية آبي نواس والرمزية في الأدب ولوحة ابن الرومي والغرب يسلط عظمته الفكرية في تجهيل عقائدنا ومبادئنا ونحن مشغولون بالفضول .
        إنني لا أحقر من العلم شيئا ولكنني مصارح بأن الذي ينفخه الغرور وليس في دماغه إلا طرائف الأدب ليس أداة في خدمة دينه ووطنه ما لم يصحب ذلك علم غزير ، والعلم هو قيمة الإنسان والأدب يتسلى به إذا أحس بكلل في فكره ، وعلى من أدركته حرفة الأدب السلام .
        واجب على صحافتنا أن تبتعد عن التوافه وعن التملق .
        والشعراء في وسطنا العربي الذين تحفظ قصائدهم الإلحادية كثيرون . وكثيرون من شبابنا الذين استهواهم إلحاد الغرب لا يستطيعون أن ينبسوا بكلمة الكفر ولكنهم شاكون .
        لهذا فعلينا واجب تحصين العقيدة أولا وتنوير التائهين الزائغين ثانيا ، ولئن يهدي الله بكل رجلا واحدا خير لك من حمر النعم . وإن وجود صحفي مسلم غزير العلم من أندر ما تمس الحاجة إليه .
        ولقد كانت مباحث الألوهية التي شغلت متكلمي الإسلام هي مسألة الوحدانية وصفاتها ، أما اليوم فبالضرورة تحتم البحث في إثبات وجود الله لان أوروبا كلها وأمريكا والصين زاحفة بمددها وحولها وطولها لإنكار هذه الحقيقة ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره .


        * * *


        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
        قل خيرًا او اصمت



        تعليق


        • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

          رسالة إلى عبد الله القصيمي

          لقد كتبت وأسهبت في نقد الحقيقة الأزلية .
          ومنذ كتبت كانت الحقيقة الأزلية من مسلمات امتنا - شبابا وشيوخا - بيد أن العامة - دون ذوي الحيوية الفكرية - يعجبون ويطربون لكلمة تمرد أو رفض أو محاكمة ترد على لسان حائر مثلك .
          ويعتبرون الحذق الجيد لصياغة الحيرة : ملامح العبقرية والموهبة وإن كانت تلك الصياغة دعوى : تردف الدعوى ولا تلد البرهان .
          المطرب والمعجب : أن نغمة الحائرين غير مألوفة ، ولكل جديد لذة .
          أما ذوو الحيوي الفكرية من امتنا فعندهم أكثر من لحن للتمرد والرفض والتخطي والمحاكمة ومعاتبة القدر ، وربما كانت ألحانهم أعذب .
          ولكنهم لم يستوحشوا فيأنسوا بهذه الألحان ، بل إنها تزعجهم لأنهم عاينوا الحقيقة فعزفوا على الحان الرضا والراحة والفأل والحب والعبودية المطلقة لخالق الحقيقة ، ووجدوا في ذلك البديل الحتمي ؟
          وإذا تحدوا - بالبناء للمجهول - بهذه الألحان المبكية ازدادوا طمأنينة ، لأنها لابت ببالهم ، ولم تقبلها عقولهم ، وعقولهم ليست بالهينة اللينة .
          وإنما يزعجهم أن العازفين عودوا مشاعرهم الخنوع لهذا الشجي في غفلة من المنطق والذهنية الحادة ، وكانوا كمن يترنح على نهيق الحمير ويغص بسيمفونية هادئة باسمة .
          هكذا كنت - أيها القصيمي - لا ترى من مجالي الكون الخلابة ما يبهج أو يفرح .
          فكأن ما في الكون من شجي لا ينم عن حكمة الله وعدله .
          هكذا ترى التخطي : تبصر الحقيقة فتغمض عينيك ، وتلوح لك الشبهة فتضرب بيديك ولك ما أخرجته إن تمرة أو جمرة .
          وما من هدفي - وليس من حاجتي - أن أزري بك ، بيد أن نقدي لمنهجك في النقاش ليلة 21/9 - بجاردن ستي - سيزري بك ، وذلك ضرورة استهدفتني ولم استهدفها .
          إن نقدي لمنهجك تقويم لما صدعتنا به من كتابات مكررة ، وأقيسة فاسدة ، ودعاوي عريضة ، واستقراءات قاصرة .
          رايتك وسمعتك ليلة 21/9 لا تصدر في نقاشك عن منهج منطقي ، ولو كان لمنطقك أصول لكان نقاشها أيسر واهون .
          وقد تقول : ليس من شرط المفكر أن يتقيد بأصل ، وقد يكون هذا صحيحا لو ضمنت لنا انك لن تتناقض ، فأعظم أصول المفكر ألا يتناقض .
          وغنما يتحاشى المفكرون التناقض بأصولهم الثابتة التي تفضح تناقضهم فيرجعون لتعديل الأصل أو الفرع .
          واكبر دليل على ذلك انك تحاجني وتستدل لنفسك بحجج ترى أنها عقلية وكأنك من تلاميذ ديكارت أو زعيم العقلانيين وإن أخجلت تواضعك .
          فإذا رددت عليك بحجة العقل صغرت شأن العقل بلغة الحسبانيين تارة ، وبلغة الوضعيين تارة ، وبلغة النقديين تارة .
          وهذا خلل وتناقض :
          فاما أن تؤمن بالعقل فتحاج به وتحتكم إليه .
          وإما أن لا تؤمن بالعقل فكن كما تريد .. حسبانيا ، أو وضعيا .
          وإما أن تؤمن ببعض قوى العقل فحدد ذلك والتزمه . أما أن تعطيني ما لا تقبله مني فذلك خلل في منطقك من جانب ، و استهتار بالحقيقة من جانب آخر ، وظلم لضمير إنسان يعذبه قلبه وعقله في طلب الحق من جانب ثالث .
          ورأيتك وسمعتك ليلة 21/9 تروغ عن موضوع النقاش ، وتضيع الحقيقة بالنكتة والسخرية .
          ولما تباجحت بإنكار وجود الله رددت عليك بأدلة عقلية فذكرت لك برهان العناية والغائية والكمال ، وذكرت لك حتميات الذهن كالسببية وقسمة العقل التي لا تتم إلا بتصور الكمال اللامتناهي .
          وتحديتك - على مشهد من بعض المثقفين - أن تنقد العلية وتمام القسمة ، وهما من حتميات الفكر البشري ، فتساقطت وتحامقت ورددت رد من لا أصل له ولا قاعدة .
          فمرة عزفت على نغمتك المألوفة في استجلاب أنصاف المثقفين وهي الشك في عدل الله ورحمته : بأن جعل هذه الحسناء مجدورة الوجه ، وجعل فلانا بائسا .
          فقلت : إن نقاشنا في وجود الله وليس في أفعال الله والبحث في عدل الله فرع للبحث عن وجود الله . فعليك أن تدفع أدلتي هذه ، ثم عليك أن تورد البرهان على أن الله - تعالى عما تقول - غير موجود ، ثم ننتقل إن أحببت إلى أفعال الله .
          فأثجمت حائرا لأنك لم تأخذ في الحسبان : أن في شباب السعودية - أو شباب العروبة - من يدرك الفروق الجديدة ، ولا يخدعه التمويه إذ لا تؤمن بغير نفسك .
          ولم تخجل إذ بينت للحاضرين انك تستدل في غير محل النزاع .
          وفي المرة الأخرى أخذت تهذي في إنكار حتميات الفكر فقلت : لا عناية ولا غاية في الكون وضربت مثلا فقلت : إن قائد السيارة الذي يسير بسرعة شديدة - على وتيرة واحدة - ويصدم الناس لا تسمى سرعته نظاما ؟ .
          ولقد بينت لك : أن الدقة والنظام والعناية دلالة على أمور كثيرة منها القوة والإحاطة والترتيب ، وان يكون كل شيء بمقدار ، وان يكون كل ذلك وفق مراد صاحبه . فإذا كانت السرعة الشديدة على وتيرة واحدة هدفا من أهداف السائق فحذقه لذلك دقة ومهارة ونظام .
          وبينت لك : أن عناية الله في الكون ليس فيها اصطدام كاصطدام السائق بالمارة ، وقلت لك : لولا عناية الله لمدت البحار فغرق العالم ، أو زادت حرارة الشمس فانصهرت الأرض .
          وقلت أنت - في سذاجة - أين العناية في الكون ونحن نرى في الناس بؤساء وسعداء ، فلماذا لا يكون الناس كلهم سعداء ؟ .
          وهذه هي نغمتك الممجوجة إذا زحمك البرهان لذت بعقد القدر .
          فقلت لك : لو سلمنا - جدلا - بلغتك الكافرة ، ونفينا العناية الألهية من الموضوعات التي تحمل شرا أو حزنا ( وحاشا الله من ذلك ) لما كان هذا النفي قادحاً في دليل العناية ، لأننا نستدل على قدرة الله ، ولسنا نستدل على عدله .
          ووجود نماذج من العناية التي هي فوق قدرة العلم البشري يكفي في الدلالة على قدرة الله وانه الخالق .
          ولو كنت يا عبدالله الجحود - ذا عقل حر مبتكر ، أو لو كنت واعيا لفلسفة الغرب لقلت : إن العناية تدل على أن الله المسيطر على الكون ، ولكنها لا تدل على انه خالقه لأنه ليس كل مسيطر على شيء خالقا له .
          وحينئذ لا نطالبك بغير العبودية لمدبر الكون ، ونأتي لك بالدليل الآخر على انه موجد الكون .
          ونأتي بدليل التمانع المعروف بصياغة أخرى ، فنقول : إن خالق الكون أولى بتدبيره من ناحية العظمة والأحقية .
          ولو كان للكون مدبر بغير إذن خالقه لفسدت السموات والأرض بنفس الصيغة التي يصاغ بها دليل التمانع تماما تماما .
          ولم ترض الإذعان للحق ، وخانتك الحجة إذ قلت : إن تدبير هذا الكون آلية عمياء ، فقلت لك : أما أنه آلي فلا يخرجه من العناية والدقة والنظام .
          وكلمة آلي مرادفة لغوية وليست تحفة فكرية .
          والحركة الآلية لا تكون كذلك إلا بعناية ، وهي نظامية لأنها موجودة على هذه الهيئة ، وبينت لك : أن نظام الكون ليس أعمى ، لان نتيجة العمى العثار بغير قصد . أما كون الله فلا يقع فيه إلا مراد الله ، فليس المطر يغمر ناسا من البشر إلا بإذن الله ، وليست الريح تدفن مدينة ما إلا بإذن الله . فالعناية أن يكون ربنا مع كل تدبير في هذا الكون إن خيرا أو شرا .

          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
          قل خيرًا او اصمت



          تعليق


          • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

            وليست العناية أن يكون كل شيء وفق مرادنا . والله دلنا على عنايته بسنن كونية نصبها لنا كطلوع الشمس من مشرقها وغروبها من مغربها ، وفق حركات معدودة مضبوطة .
            فمن أراد أن ينكر العناية الألهية فليخرج الشمس من مغربها .
            وبإيجاز فاستقريء ما شئت من أحداث الكون وانف عنها عناية الله ، ولكنك لا تستطيع أن تنكر كل العناية في الكون ، وستجد هذه العناية ولابد ، ولن تستطيع مهما عندت ردها إلى غير الله الذي نؤمن به وتكفر به لأنك تعرف أن العلم وحضارة البشر التي تقدسها لم تسيطر على كون الله حتى لا تجعل الإنسان إلهاً .
            ونحن نقول : إن الله غيباً لن يطلع عليه أحدا .
            وإن علم البشر وإن عمر الملايين وقفز بالثواني : لن يحيط بملكوت الله ويكفينا من البراهين التحدي . نتحدى العلم أن يجعل كل الكون في متناول الحس البشري .
            أما برهان العلية فقد تحايلت في الهروب منه فلما كررته عليك قلت : لا وجود لعلة واحدة كافية مطلقة . فحاولت تذكيرك - وكنت أظن أن ما سأقوله لك معلومات نسيتها :
            إن العلة الكافية حتمية ذهنية ، والعلية إحدى قوانين الفكر الثلاثة التي تعصمه من التناقض .
            ولو كنت ذا ثقافة فلسفية واعية مستوعية لنصرت مذهب ( هيوم ) في مبدأ العلية نصر من يعرف مذهبه ، لأنه أشهر وأعظم من بلح بهذا المبدأ وضعف من دلالته .
            ولكنك لم تكن المفكر المبتكر ، ولا المثقف الذي إذا ذكر ذكر .
            لقد رثيت لك كثيرا إذ رأيتك تنكر وجود الله وأعظم أدلته دليل العلية ، وأنت لا تحيط بمذهب الفلاسفة في ذلك .
            ولو فوجئت بأنك تحيط بما قيل في العلية وتلح على إنكار العلة الكافية لقلت لك : إن عليك ألا تثق بأي احتجاج عقلي بعد ذلك ، لأن العقل لا يعصمه من الضياع إلا قوانين ثلاثة العلية أحدها .
            عرفنا ذلك بالفطرة والاستقراء وتخلف الحالة الشاذة عن القاعدة .
            وأنت - يا عبدالله الجحود - تتباهى بشبه لم تكن من ابتكارك ولكنها تلوب بعقول الصبيان ، فتقول : إذا كان الله خالق الخلق فمن خالق الخالق ؟ . وأنا أقول قولا قديما : كيف نعتبر الخالق مخلوقا في حين أن الخالق اللا مخلوق هو مطلب دليل العلية ، والعلية حتمية فكرية ؟ .
            وأقول قولا جديداً : أيهما أسهل على القصيمي : الإيمان بتسلسل في الخلق لا ينتهي وذلك غير متصور ؟.
            أم الإيمان بخالق لا مخلوق تنتهي به سلسلة التصور الخاطئ وذلك وفق حتمية فكرية هي العلية وتمام القسمة العقلية ؟ .
            أيهما أسهل على القصيمي : الإيمان بشيء غير متصور ، أم الإيمان بشيء حتمي التصور ؟.
            إن عقولنا لا تتصور تسلسل الخالقين إلى غير نهاية ، ولكنها تضطر إلى الإيمان بخالق لا أول له . والله هو الأول والأخر .
            إن عقولنا المضطرة إلى إثبات رب الكائنات - بدليل العلية - تأبى القول بأن للخالق خالقا ، لأن الخالق غير المخلوق ، فلا يقاس به ، ولا يندرج تحت قاعدته ، بل لله المثل الأعلى من كل شيء .
            واشد الملحدين إخلاصا للحقيقة إنما يغص بمعضلتين :
            إحداهما : تصور خالق لا خالق له .
            وأخراهما : إثبات عدل الله ، وأنه لا ينافي ما في الكون من الشر والامتحان ، ونحن نقول لهؤلاء : إن عندت عقولكم عن الإيمان بخالق لا خالق له ، فانكم مضطرون إلى الإيمان بان الكون في سلطة وتدبير خالق واحد ، لأن برهان العلية يدل على أن للخلق خالقا ، ولأن برهان العلية يثبت أن الكون في عناية خالق واحد .
            فآمنوا معشر الملاحدة بهذا الخالق الواحد سواء أتصورتم أن له بداية ، أم انه لا بداية له .
            المهم أن تؤمنوا بمن بيده الأمر ، وهذا من باب التنزل في الاستدلال .
            إن تصوركم آلهة متسلسلة ليس بأقل معضلة في عقولكم من تصور إله هو الأول والأخر .
            أما الإيمان أو الشك في عدل الله فلا ينافي الإيمان بقدرة الله ، وانه الخالق ، فعقولكم المضطرة إلى الإيمان بوجود الله وقدرته وهيمنته ستضطر إلى تعليل خلق الشر بالحكمة والعدل دون الظلم والجور . والله الخالق المهيمن جعل خلاصنا من النار ( بالأدلة العقلية التي نثبت بها النبوات ) مرهونا بكمال الله ، ومن كماله العدل ، فلا بد إذن من الإيمان بذلك .
            ثم إننا لم نجد في الكون شرا مقصودا لذاته .
            ورأينا مظاهر ومجالي الحبور والرحمة في هذا الكون أكثر من الأحزان ، وأعظم هذه المجالي بعث الأنبياء ، ودفع الله الناس بعضهم ببعض .
            فأيقنا بعدل الله فوجب أن نلتمس حكمة الله في شرور الكون وأحزانه .
            وبإيجاز فنحن نثبت وجود الله وقدرته وهيمنته ، وهذا وحده يكفي في إرغام عقولكم على الإيمان سواء أأمنتم بعدل الله أم كفرتم بذلك ؟ .
            وسواء أرضيتم عن الله أم سخطتم ، إنكم لن تعجزوه ، وليس في حاجتكم ، والكلمة لله وحده .

            * * *
            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
            قل خيرًا او اصمت



            تعليق


            • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

              هكذا كان نقاشنا في الساعتين الأوليين ، ولكن القصيمي اعتاد إفحام أنصاف المثقفين بالروغان تارة ، وبالتهكم والسخرية تارة ، بحيث يخجل المناظر فيعميه الغضب لنفسه عن النظر في الحجة .
              وتارة يغني غناء رومانسياً حزينا يخلب الناس فيغفلون عن عريه من البراهين .
              ولقد تحملت سخرية القصيمي وتهكمه ، وضحكت على تنكيته مع من ضحك حتى إذا ظن انه انتصر قلت له : لا تضيع الحقيقة في الفكاهة ، فهذا داء عضال يتذرع به المغالطون والمشاغبون .
              وطالما نبهته إلى أن ما يقوله دعوى وليس برهانا وطالما نبهته إلى أن استدلاله في غير محل النزاع . ولكنه بلح بذلك كله فانتقل إلى سرد أخباره وأحواله ، وان الدولة الفلانية طردته ، لان الملك الفلاني أو الرئيس الفلاني وراء ذلك .
              ولما تحدث القصيمي في السياسة استربت منه وأكاد أزعم بأنه صهيوني مجند .
              فهو لا يكف عن إطراء الموهبة الإسرائيلية لا من ناحية الدهاء والخبث بل من ناحية الفضيلة والأخلاق .
              وإنه ليرى المخنث اليهودي أنموذجا لكمال الإنسان .
              ويعتبر إسرائيل الناخرة في جسم الأمة العربية نملة وديعة .
              ولقد طالبه احد الحضور بأنه يعتبرها عقربا لا نملة .
              وفوق هذا يقول : إن وجود إسرائيل ضرورة حتمية لتثقيف أمة العرب الهمجية وتعليمها الفضيلة والكرامة .
              أي والله .. هكذا يقول القصيمي .
              وإن القصيمي ليبدي عداء كثيرا لأمة العرب ومصالح العرب ، فهو لا يعذرهم إذا انتقموا لأنفسهم ولا يسوغ انهزامهم بالظروف المتآمرة في المنطقة ، وإنما يرد ذلك إلى العرب خلقة وتكوينا .
              وإنه ليبدي الوقاحة بمنطق معكوس ومكشوف ، فيظهر الاستياء على عمل الفداء في ارض عربية ، وهو استياء لم يبده أصحاب تلك الأرض وكأن القصيمي ناطق إسرائيلي .
              وإنه لينكر كل ما ينطوي عليه العبور من استكناه للتجربة ، ويتناسى الظروف المعاكسة في المنطقة التي أحدثت رد الفعل في حادثة الدفرسوار ، ولا يعلل بغير شجاعة الإسرائيلي وعقله الحضاري ، وجبن المقاتل العربي وتخلف عقليته ؟.
              وأسمج ما سمعت له تسخيفه لاستعمال النفط كسلاح ضد أعداء العرب المناصرين لإسرائيل ، ويتباكى بمبادئ أخلاقية في غير محلها .
              وهو يعرف أن العرب أحرار في ممتلكاتهم ، واهون مكافأة للعدو أن تمنع عنه حقا من حقوقك أنت . إن الفتى العربي موهبة وطاقة ، ولكن قوى الاستعمار منعته - ولا تزال - من المجال الذي تبرع فيه موهبته .
              وإن الفتى العربي شجاع باسل مناضل كلفه ربه أن يعدل في الحرب عشرة - كما في سورة الأنفال - وحرم عليه ربه الفرار من الزحف ، ولكن لا مجال في هذا العصر ، لأن مخنثا يهوديا أو امرأة يهودية يحرق المئات وهو على مقعد مكيف ينفث سجائره ؟ .
              إن القصيمي إذا قال شيئا صحيحا من الواقع فإنما يعزف على ظروف العرب السيئة , ولكنه يتناسى كل المسوغات للحظ السيئ ، وأهمها الظروف المتآمرة ، واللاأخلاقية الاستعمارية .
              وإن القصيمي لا يرتاح لأي رد فعل عربي سواء أكان عسكريا أم كان سياسيا أم كان اقتصاديا ، وإنما يطالب العرب بالاستسلام للأمر الواقع إلى أن يلحدوا فيستطيعوا التغلب على إسرائيل .
              هذه أفكار القصيمي ، وهي أفكار ماسونية يهودية ملعونة .
              وهو يقنعها بالتختل والنصح للعرب ، وانه لم يحن الوقت لان يبدي العرب أية رد فعل .
              ويقنعها بستار صفيق آخر ، فيزعم أن العرب بحاجة إلى مفكر يتحدى ويتخطى ويكشف عن أغلاط المجتمع ، وإن لم يضع البديل الصحيح .
              ونحن نقول : إن التاريخ لم يشهد أن العرب استسلموا حتى في أحلك الظروف ولولا ذلك لما بقيت لغتهم وعقيدتهم وممتلكاتهم .
              وإن كل مبدأ طارئ ، أو عقيدة ملحدة ، أو فكرة ماسونية : لن تعمر طويلا في ارض العرب ، وإن عاشت لحظات فإنما تعيش اغتصابا لمشاعر الجماهير من امتنا ، والبقاء في النهاية للمشاعر الجماهيرية المؤمنة .
              والفكر المتحدي ضرورة للأمة ولم تصلح الحكومات الإسلامية في مختلف العصور إلا في لهيب ضحايا الأفكار الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم .
              بيد أن الفكر المتحدي الحتمي هو الفكر المؤمن الصالح المخلص للأمة ، وهو الفكر الذي يواجه الجبابرة وجها لوجه ، ويهابونه لنصحه وشعبيته ، يلاين ويرفق ولا يصخب ولكنه يقول الكلمة المخلصة ، ويكرر ويلح عليها ويصبر لعقابيلها ولو كانت المقصلة .
              أما الجبان في مواجهة الزعماء ، المشبوه في نواياه فلا يعتبر فكرا متحديا ، وإن استقطب العامة برومانسته ، وتهالك على السمعة الشعبية الزائفة .
              والفكر المتحدي هو الفكر الناضج في ملكته وثقافته ، واشهد أن القصيمي يتفنن في عرض دعاوي الفلاسفة والعلماء الملحدين من أمثال بخنر وسارتر ، ولكنه لم يفهم حججهم ، ولم يحذق مناهجهم ، كما انه يجهل الكثير من حجج المؤمنين .
              إنك - يا عبدالله الجحود - لم تكتب عن نرجسية أبي نواس ، وموسقة البحتري ، وانطوائية العباس بن الأحنف ، رومانسية إبراهيم ناجي .. ولم تكتب عن شمم برج إيفل ، وضفاف برجويه ، وخطوط قوس قزح .. ولو كتبت عن هذه المسليات لكان أسلبوك أليق يذلك ، لأنك تغني وتنوح وتسرف في الخيال ، وتتقن رسم الصورة ، إنك فنان متمزق ، إنك أديب ساخر ساحر .
              أما المادة والوجود وحقيقة الأزل و قوانين الفكر وعضل الزمان والتسلسل فأمور تهيض جناحك كأديب . إنها عضل فكرية تكلفك الرصد جمعا وطرحا ، وتكلفك الاستيعاب والإحاطة والإيجاز مع الشمول والإيضاح واحترام وجهة نظر غيرك وتفهمها وإحصاء حججها ومناقشتها بفهم وعمق وإنصاف وجبروت في الحكم والتقييم .
              هذه شروط الفيلسوف ، وهي دعائم الفكر الحر المتحدي .
              وأنت - يا عبدالله - أديب تفهم الفكر بإجمال ، ولست فيلسوفا مستوعبا ، ولست موهوبا فطري التفكير .
              ولا أنكر أن القصيمي كان مخلصا في إلحاده أول الأمر لشبه عرضت له ، وقد لاقى من ذلك مضايقة ومطاردة ، ولكن تلك المطاردة والتنقل في بلاد تعرض كل وجهات النظر عامل فعال في جعل القصيمي عميلا للصهيونية ، لان العرب المسلمين طردوه فحقد عليهم ، ولأنه في حاجة إلى مدد إسرائيل ، ولأنه لا يحس بعاطفة دينية تنفره من اليهود ، ولأنه - خيب الله ظنه - يتوقع أن العقبى لليهود ، ولأنه يراهم مثل الكمال البشري ، وربما أصيب بعملية غسل المخ وهي احد وسائل البروتوكولات الماسونية .
              فهذه الظروف مع أفكار القصيمي الماسونية ترجح أن القصيمي عميل للصهيونية ، ويجب أن ترقب حركاته بريبة .

              * * *
              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
              قل خيرًا او اصمت



              تعليق


              • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                وقد جمع القصيمي إلى سيئة احتقار مواهب العرب أجمعين سيئة الغرور بنفسه ، فهو يعتبر فكره إنجيلا لم تعرفه المجامع ، وإذا ناقشه عربي جاد في طلب الحقيقة قال : إن العربي سريع في الإجابة من مخزون فكره من تعليمات أبي هريرة و الأزهر والعرف والعادة .
                ولقد ضقت بهذا الادعاء وقلت له : اعتبر ما أقوله لك حجة عقلية ناقشها وانقدها .
                فالحقيقة مقياسها بذاتها وليس بمن يقول بها . وإن كثيرا من الأعراف والعادات تكونت وفق قيم عقلية وخلقية وجمالية .
                ولما تباهى في الاحتجاج وزعم أن الناس يضطرون إلى الإله لتستقيم أخلاقهم ، قلت له : هذا مذهب ( كانت ) في العقل العملي .
                ولما تباهى في الاحتجاج بان الناس يقعدون للأخلاق حسب منفعتهم ، قلت له : هذا مذهب ( بنتام ) و ( مل ) .
                ولقد أحس بمقصدي من هذه الاعتراضات ، فقال : دعنا من المذاهب وناقش الفكرة . وإنما أردت أمرين :
                اولهما : إشعار القصيمي بأنه لم يأت بجديد ، وانه سريع الإجابة من مخزون فكره ، لا من المشايخ وأبي هريرة ، ولكن من كانت وبنتام وأعراف الغرب .
                وثانيهما : استجراره إلى الاستدلال على فكرة بنتام ومل ، ولكنه يعرف الفكرة ويشرحها ويغني بها غناء رومانسيا ولا يعرف البرهان .

                * * *

                إنك - يا أبا محمد - تستغل عامل شيخوختك والظروف التي شهرتك في تجريح مناظرك والتهكم به فيعف حياء .
                إنك تعطي مناظرك ولا تأخذ منه ، وإذا ألح عليك بحجته تخلصت إلى موضوع آخر .
                وإنك تستغل الأسلوب الأدبي في تمويه رأيك على طريقة الرمزية ، فيا أيها العار إن المجد لك تعبير طري يدغدغ وجدان الأديب ، أما الفيلسوف والمفكر فأكبر من أن يخدعه برهان تخييلي أو مغلطائي . وانك تسرف في الاقيسة والتشبيهات الطريفة البديعة في تصورها ، ولكنها ليست في محل النزاع .
                وإنك تسرف في عرض الدعوى شرحا وغطرسة ، ولكنك تشح بالبرهان ، أو تعجز عنه .
                وإنك تنظر إلى الحقيقة الأزلية بجنف ، لأنك لا تحترم إلا وجهة نظرك ، فتعمم الحكم والصور متباينة ، ودليل ذلك انك لا تتذرع بغير القدر والقضاء المحتوم في إنكار وجود الله ، مع أن تجوير أفعال الله إنكار لعدله ، وليس دليلا على جحد وجوده .
                إن في الكون من مظاهر الحزن والبؤس والقلق وما يخالف رغائب البشر ما يهيض جناح أي أديب رومانسي حزين ولو عُمّر عمر ابليس لما استطاع أن يرسم بريشته كل لوحات الشر . ولكن في الكون من مظاهر الفرح والسعادة والطمأنينة والخير ما هو أكثر وأكثر ، فان كنت جاداً في طلب الحقيقة فانظر إلى مجالي الكون - خيرها وشرها - وحينئذ تحفظ توازن الفكر عن الذبذبة .
                وإن لدى المؤمنين من البراهين ، وفي المؤمنين من العقلاء الأحرار العتيدين ما لو ضممته إلى شبهك وشبه أقرانك لأنصع لك الحقيقة .
                وإنك اليوم لأحوج الناس إلى الديلكتيك الهيجلي . هذه عيوبك - يا أبا محمد - في منهجك خبرتها عن قراءة ومشافهة .
                واني لأرجو أن تنهج طرق البحث والجدل الصحيحة لتهتدي ويهدي الله بك إن كنت - كما قلت لي - جاداً في طلب الحقيقة .
                وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين وسلام على عباده المسلمين .
                كتب فيما بين فجر الثلاثاء الموافق 22 رمضان وفجر الخميس الموافق 24 رمضان بجاردن سيتي بالقاهرة المحروسة 1394هـ .


                * * *


                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                قل خيرًا او اصمت



                تعليق


                • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                  كيف رأته كل العقول ؟

                  بعد كتاب هذه هي الأغلال استقر فكر عبد الله بن علي القصيمي في المجموعة التالية من كتبه :
                  * الإنسان يعصى لهذا يصنع الحضارات .
                  * فرعون يكتب سفر الخروج .
                  * كبرياء التاريخ في مأزق .
                  * هذا الكون ما ضميره ؟
                  * أيها العار إن المجد لك .
                  * العرب ظاهرة صوتية .
                  * العالم ليس عقلا .
                  * أو : صحراء بلا أبعاد .. عاشق لعار التاريخ .. أيها العقل من رآك . ومدرا هذا الغثيان على العناصر التالية :
                  1 - إنكار الحقيقة الأزلية وما غيبه الله عن خلقه .
                  2 - مهاجمة الأديان والأنبياء .
                  3 - الاستخفاف بالموهبة العربية .
                  4 - التحدي للقضايا العربية والإسلامية .
                  5 - التغني بآلام الإنسان وتعاسته والاحتجاج بذلك في فلسفة العناصر الأربعة الآنفة الذكر .
                  ولي مع هذه الكتب قصة . كنت أتصيدها وأتابعها للتظرف والاستطابة ، وفي ليلة 13 / 10 / 1974 م ، أهدى المؤلف إلي جملة من كتبه بمنزلي في « جاردن سيتي » بالقاهرة المحروسة ، ووقع على بعضها بخط يده جملا تدل على اعتزازه بما كتبه من حماقات .
                  كتب على أول صفحة من كتابه ( الإنسان يعصى لهذا يصنع الحضارات ) هذه الجملة :
                  « تحية ومحبة لباسم القلب والضمير والوجه والحياة . عابس التعاليم والعظات والقراءات والصلوات . للنابض الخافق الطلعة والرؤية والحركة والأحاسيس والأشواق الحضارية والفنية والإنسانية . إنه الأستاذ أبو عبد الرحمن بن عقيل الذي تشتهي أن تراه وتلقاه وتحاوره أكثر من أن تشتهي القراءة له . »
                  متمنيا أن يقرأ فصل :
                  ( شعبي شجاع جدا ) .
                  وفصل : ( كيف رأته كل العقول ) 100 ك .
                  عبد الله القصيمي
                  13 / 10 / 1974 م .


                  وكتب على أول صفحة من كتابه : ( أيها العار إن المجد لك ) هذه الجملة :
                  « راغب في إثارة الفنان بلا إيمان والمؤمن بلا فن .
                  المؤمن تلقينا وتعليما وإرهابا .
                  والفنان موهبة وحياة .
                  الصديق الأستاذ أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري .
                  مؤملا أن يقرأ فصل :
                  النفط يكتب عن مزايا الأديان .
                  وفصل : إسرائيل توقع الكشف عن الموهبة العربية .
                  وفصل : أريد شاعرا يغني لأوهامي 100 ك .
                  عبد الله القصيمي
                  13 / 10 / 1974 م .


                  وفي أول صفحة من كتابه ( فرعون يكتب سفر الخروج ) أهاب بي أن يتغلب أنساني على إيماني ، لأن ذلك الإيمان جاءني من أقوال أبي هريرة التي اختزنها لي الأزهر الشريف .
                  وكأنه أعجب مني بفضل موهبة فوصفني بالفنان المتمزق .
                  قال أبو عبد الرحمن : ولهذه العواطف أرجو له في شخصه أن يهديه الله للإيمان قبل الغرغرة فتكون خاتمته حسنة إن شاء الله ، فان هذا الرجل الذي ألف « الصراع بين الإسلام والوثنية » ممن يؤسف له على الكفر .
                  ولقد قرأت كتب القصيمي بعد ذلك بتمعن فلم أجد له فكراً جديداً متحرراً من بصمات أساطين الكفر والإلحاد .
                  وإنما وجدت طراوة الأسلوب - مع ضعف اللغة - والقدرة على المغالطة والإثارة .
                  وما كتبه القصيمي عاجز عن زحزحة الحقيقة ، ولكنه بارع في التخذيل عنها والتعمية دونها .
                  قال أبو عبد الرحمن : وما كنت انوي مناقشته بتجرد ومثابرة لولا إحساسي بأمرين :
                  اولهما : تعاطف بعض الناس مع فكره .
                  وثانيهما : اتهامي بأن رفضي لفكره بكتيبي « ليلة في جاردن سيتي » رفض مجمل غير مقبول لأن فيه روح التعميم والأحكام المجملة .
                  وإنما المطلوب متابعة مفصلة .
                  ولهذا أردت التعامل مع كلامه معاملة مخلصة للحق بعرض أنموذج يدل على طريقة القصيمي في التضليل ، وهذا الأنموذج مناقشة لفصل بعنوان « كيف رأته كل العقول ؟ » من كتابه « الإنسان يعصى لهذا يصنع الحضارات » وهو من الفصول التي أوصاني بقراءتها في إهدائه . وهذا الفصل تفلسف في الإجابة على هذا السؤال الذي طرحه القصيمي :
                  ( كيف أمكن أن يتفق الناس على الاقتناع بإله واحد ، أو بنبي واحد ، أو بزعيم ، أو بمذهب ، أو بدين واحد ، أو بأعداد هائلة من المعتقدات المتنافرة المتنافية المتناقضة البليدة الهمجية ؟ ) . ووجه هذا الاستشكال من ناحيتين :
                  أولاهما : أن الناس المتفقين على هذا الإيمان مختلفون جداً في جميع مستوياتهم وظروفهم العقلية والثقافية والعلمية والنفسية والأخلاقية والتاريخية والميلادية ، بل وفي أهوائهم وهمومهم ومصالحهم ومواجهاتهم وتجاربهم .
                  وأخراهما : أنهم منحوا ما آمنوا به الأخلاق والتفوق والقوة والمجد والخلود مع أن إيمانهم ترفض كل العقول منطقه وترفض كل العيون دمامته وترفض كل الأخلاق والحضارات وحشيته .
                  قال أبو عبد الرحمن : هذا هو السؤال المشكل الذي طرحه القصيمي ، والآن تعالوا انظروا كيف فلسف الإجابة عليه .
                  وأنا سأحدد إجابته بالاعداد الحسابية حتى لا نتيه في مجاهل الأساليب الانشائية المتحذلقة .
                  يجيب القصيمي عن هذا الاستشكال بالتعليلات التالية :
                  1 - أن الفرد إنما آمن بمقتضى قانون التوافق مع المجتمع ، لان الفرد محكوم عليه بان يعيش مع الآخرين وفي الآخرين وكما يعيش الآخرون .
                  أي يشاركهم في إيمانهم ، لأن خروج الفرد عن إيمان المجتمع يشقيه .
                  ولهذا يؤمن الفرد بما يؤمن به مجتمعه بحثا عن الراحة لا طلبا للصدق .
                  ولا يعني هذا الإيمان أن الفرد مقتنع بما آمن به أو فاهم له أو مفكر فيه أو متصور له .
                  وإنما يعني انه محكوم عليه التلاؤم مع مجتمعه في سلوكه وحماقته وعبادته .
                  فالحاجة إلى التلاؤم السلوكي فرضت الحاجة إلى التلاؤم الفكري أو الاعتقادي أو المذهبي .
                  ولهذا اضطر الفرد إلى التوفيق بين آرائه وسلوكه .
                  ومعنى هذا : أن يفكر بتفكير الجماعة ، وان يرى بعيونها ، وان يفسر بمنطقها .
                  2 - من هذا الإيمان الحتمي تحت وطأة التوافق مع المجتمع اضطر الفرد أن يمنح إيمانه كل مزايا التفوق وإن كان غير مقتنع بذلك .
                  يقول القصيمي : « إن المريح الملائم لك حينئذ والأكثر سترا لعارك وهوانك وتخفيفا من تعذيب أخلاقك لك ومن احتجاجها عليك :
                  هو أن تذهب تحاول البحث عن أسباب الاقتناع بمزايا الطغيان :
                  بمزاياه المذهبية أو الدينية أو القومية أو الوطنية أو الإنسانية وان تجد هذه الأسباب المقنعة .
                  إن عارك المحول إلى مذهب أو دين أو نظام تؤمن به قد يكون اقل تعذيبا لك من عارك بلا دين أو مذهب . أ هـ » .
                  والبحث عن مزايا الإيمان نوع من النفاق المقدس .
                  ويصف هذه القدسية بقوله :
                  « هل يوجد أحق بالرثاء أو الإعجاب أو الحب من إنسان لا يستطيع أن يقتنع ثم لا يستطيع أولا يجرؤ اولا يقسو ليقول :
                  إنه غير مقتنع ؟ أ هـ » .
                  إذا هذا النفاق يعني إخضاع المنطق للسلوك أو الموقف المفروض ، أي أكراه التفكير على التوافق مع السلوك .
                  لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                  حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                  قل خيرًا او اصمت



                  تعليق


                  • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                    ومن هذا الموقف المفروض استخرج القصيمي قاعدة منطقية هي :
                    أن المجتمع المتحد دينا أو مذهبا لا يؤكد حقيقة فكرية ، بل يؤكد سلوكا جماعيا محتوما أو مفروضا .
                    واستخرج قضية ثانية ، وهي :
                    أن الفرد لا ينعم بحريته الكاملة في الوجود .
                    ومن هذه القضية يصف حرية الفرد بأنها لا تساوي أكثر من حرية أي عضو من أعضاء الجسم في الجسم .
                    أي أنها حرية محكومة بضغوط الجسم على العضو .
                    إن حرية الفرد تعني حرية الجسم كي لا يشيخ أو يمرض أو يضعف أو يموت .
                    وإن توحد المجتمع لا يعني فهما موحدا ولا مستوى موحدا أو متقاربا من مستويات الذكاء أو عمق الحساسية أو من مستويات القدرة على الرؤية أو النظافة والنزاهة والمقاومة .
                    وإنما هي ضرورة التلاؤم مع المجتمع .
                    3 - من الممكن أن يكون توحد المجتمع على الإيمان عن طريق التلقين والاتباع للمجتمع .
                    وإنما قبل الفرد التلقين بقانون الخضوع لسلوك الجماعة .
                    قال أبو عبد الرحمن : الفصل الذي كتبه القصيمي بعنوان ( كيف رأته كل العقول ؟ ) خمس عشرة صفحة ، ولكن ما لخصته آنفا هو حصيلة أفكار تلك الصفحات ، وما تركته من الفضول ، لأنه إما تكرار جمل بألفاظها ومعانيها ، وإما تكرار لمعاني جملة بألفاظ أخرى ، وهذه هي عادته .
                    وهناك جمل متناقضة متحذلقة سأناقشها بعد نهاية الحديث عن أفكار هذا الفصل .
                    والأمور الثلاثة التي جعلها القصيمي جوابا للسؤال الذي طرحه تتلخص في الأمر الاول ، وهو أن حتمية التوافق مع المجتمع حتمت الإيمان باله واحد أو دين واحد .. الخ .
                    قال أبو عبد الرحمن : وإذ تم - بحمد الله - عرض معاني كلام القصيمي بأمانة : فانني ملحق بذلك مناقشة آرائه ، وملخص المناقشة في الأمور التالية - محدداً ذلك بالأرقام الحسابية تسهيلا لخدمة الحقيقة وبعداً عن المتاهات :
                    1 - الأمر الأول :
                    أن القصيمي طرح السؤال بصيغة كاذبة فأنتجت قضايا كاذبة ، وهذا هو ما يسمى في المنطق بالمغالطة . ووجه المغالطة هنا انه قال :
                    ( كيف أمكن أن يتفق الناس الكثيرون جداً المختلفون جداً على الاقتناع بإله واحد ، أو بنبي واحد ... الخ . أ هـ ) .
                    قال أبو عبد الرحمن : هذا ليس بصحيح ، لم يؤمن الناس قط بإله واحد ، ولا بنبي واحد منذ تفرقوا .
                    بل كانوا مختلفين فمنهم الموحد ، ومنهم الوثني ، ومنهم الملحد .
                    وهذا واقع تاريخي لا يزال مشهودا ولن يزال .
                    2 - الأمر الثاني : انه قال :
                    ( كيف أمكن أن يتفق الناس الكثيرون جداً المختلفون جداً على الاقتناع باله واحد أو بنبي واحد .. الخ .. أو بأعداد هائلة من المعتقدات ؟ ) .
                    قال أبو عبد الرحمن : وهذه مغالطة ثانية .
                    لم يتفق الناس على الإيمان بأعداد هائلة من المعتقدات .
                    وإنما آمنت كل طائفة بمعتقد ، فكانت النتيجة الاختلاف في المعتقدات ، ولم تكن النتيجة الاتفاق عليها كما زعم القصيمي .
                    3 - الأمر الثالث :
                    أن القصيمي استغرب اتفاق الناس على الإيمان باله واحد وبنبي واحد ودين واحد رغم اختلافهم وتفاوتهم في جميع مستوياتهم وظروفهم العقلية والثقافية .. الخ . أهـ ) .
                    قال أبو عبد الرحمن : هذه مغالطة ثالثة ، لأننا لم نجد حتى هذا اليوم اتفاقا في العقيدة مع الاختلاف والتفاوت في مستويات العقل والثقافة .
                    وإنما وجدنا الناس مختلفين متفاوتين في عقائدهم كما وجدناهم مختلفين في مستوياتهم العقلية والثقافية .
                    فهذه ثلاث مغالطات متحدية للحس والتاريخ .
                    وليس العجب في جرأة القصيمي على المغالطة ، وإنما العجب من العقول المستسلمة التي تتعاطف مع هذره .
                    4 - الأمر الرابع :
                    يرى القصيمي أن هذا الإيمان المتفق عليه ترفض كل العقول منطقه ، وترفض كل العيون دمامته .. الخ . أهـ .
                    قال أبو عبد الرحمن : هذا كلام يحيل العقل تصور معناه ، لأن كل محمل نريد حمل هذا الكلام عليه نجده مسدودا .
                    فنحن لم نجد دينا أو مذهبا .. الخ اتفق كل الناس على الإيمان به كما بينت ذلك في مغالطاته الثلاث الآنفة الذكر .
                    ولو سلمنا جدلا من باب التنزل في الاستدلال :
                    أن هناك مذهبا أو دينا اتفق عليه كل الناس : فكيف نتصور قول القصيمي :
                    « ترفض كل العقول منطقه » .
                    قال أبو عبد الرحمن : عقول من ؟ .
                    إن كان المراد عقولا لكائنات غير بني الإنسان فما ثم تناقض يثير استشكال القصيمي ، ذلك أن عقول الناس آمنت بما لم تؤمن به عقول غير الناس ؟ .
                    وإن كان المراد أن جميع الناس اتفقوا على الإيمان سلوكا بشيء تتفق عقولهم جميعهم على الكفر به . أي انه لا يوجد في الناس من آمن بشيء ما عن قناعة عقلية : فهذا مكابرة للعيان ودفع للحقيقة بالراح وافتراء على جميع الناس ، وفي مناقشتي لقانون التلاؤم والتوافق مع المجتمع سترى القناعة العقلية في إيمان المؤمنين ، وسترى تحدي عظماء المؤمنين للعرف السائد وكسرهم لطاغوت المجتمع .
                    5 - الأمر الخامس :
                    أن القصيمي جعل إيمان كل فرد في المجتمع نتيجة لقانون التلاؤم مع المجتمع .
                    قال أبو عبد الرحمن : أنا لا أنكر صحة هذه الدعوى كظاهرة تاريخية في الماضي والحاضر والناظر لدى بعض الأفراد والمجتمعات .
                    وإنما أنكر - وينكر معي جميع العقلاء - أن تكون هذه الدعوى هي الظاهرة الوحيدة في الوجود بحيث نفسر بها إيمان كل فرد على مدار التاريخ .
                    وهذا الزعم مغالطة رابعة من مغالطات القصيمي .
                    نعم هناك من آمن بشيء ما ، لأن المجتمع يفرض عليه ذلك .
                    ولهذا الإيمان شواهد من عرب أهل الجاهلية الأولى الذين أشفقوا من البراءة من ( اللات ) طلبا للراحة في سلوك مجتمعهم .
                    وهناك من آمن بشيء ما تلقينا وتقليدا ، ولهذا شواهد أيضا من عرب الجاهلية الأولى الذين قالوا :
                    « إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون » .
                    وهناك من آمن بشيء ما على الرغم من مجتمعه بمحض تفكيره العقلي ومن هذا الصنف المصيب في تفكيره ومنهم المخطئ .
                    وهناك من كفر بشيء ما رغم مجتمعه بمحض تفكيره العقلي . ومن هذا الصنف أيضا المصيب في تفكيره ومنهم المخطئ .
                    ويكذب دعوى القصيمي في رد كل إيمان في التاريخ إلى قانون التلاؤم مع المجتمع :
                    أنك تجد القناعة العقلية الصادقة - رغم المجتمع والتلقين والعرف السائد - في جدل مفكري المؤمنين والملحدين . وهذا الجدل محفوظ في مؤلفات الفريقين التي قرأ القصيمي منها جانبا وثقل عليه أن يذكر مصدر استفادته في جميع كتبه ليوهم سذج القراء بأنه آت بما لم تأت به الأوائل . وأول تجمع للمسلمين في دار « ابن الأرقم » دليل قاطع على أن الإسلام انتفاضة على طاغوت المجتمع السائد .
                    سواء أقرأ القصيمي ذلك من تاريخ المسلمين أم من تاريخ خصومهم ، لأن معايير التوثيق التاريخي براهين علمية تثقل كاهل المغالط إذا كان خصما وأراد أن يتكلم ببرهان .
                    وقول القصيمي : « لهذا يؤمن الفرد بما يؤمن به مجتمعه بحثا عن الراحة لا طلبا للصدق » .
                    إنما يصدق على أفراد .
                    أما تعميم هذا القانون على جميع خلق الله من البشر :
                    فيعني سلب المثالبة عن جميع الخلق .
                    ويعني : أن جميع المؤمنين بدين أو مذهب لم يفكروا بعقولهم .
                    ويعني : أن جميع مفكري المؤمنين مستسلمون بعقولهم في سبيل التوافق مع مجتمعهم .
                    وكل هذه دعاوي عريضة لم يأت عليها بشبه برهان .
                    وتاريخ الفكر البشري على مدار التاريخ يبصق على جميع هذه الدعوى .
                    ولعلها تأتي مناسبة من مناقشتنا جنون القصيمي فنستعرض نماذج من الفكر المؤمن المتحدي .
                    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                    قل خيرًا او اصمت



                    تعليق


                    • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                      6 - الأمر السادس :
                      أن المؤمن بشيء ما يضفي عليه صفة التفوق والمزية .
                      قال أبو عبد الرحمن : قد تصح هذه الدعوى كظاهرة ، ولكنها ليست هي الظاهرة الوحيدة التي نفسر بها دعوى التفوق والمزية في أي دين أو مذهب .
                      تصح هذه الدعوى :
                      - إذا كان الإيمان وفق التلاؤم مع المجتمع .
                      - وكان المؤمن غير مقتنع بعقله .
                      - وكانت المزيه نتيجة الإيمان به .
                      ولا تصح هذه الدعوى :
                      - إذا كان الإيمان نتيجة من نتائج مزية وتفوق الدين والمذهب .
                      - وكان الإيمان بالقلب والعقل معا .
                      - وكان الإيمان بالرغم من العرف السائد .
                      ان القصيمي نفسه لا يعلم وساوس الصدور ، وأن كل آدمي في الوجود منذ خلق البشر إلى أن يموتوا لم يوجد بينهم من آمن بشيء ما عن قناعة عقلية ، وأن القصيمي عرف ذلك بقانون علمي يؤهله لهذه الدعوى الكبرى .
                      7 - الأمر السابع :
                      يرى القصيمي : أن توحد مجتمع في دين أو في مذهب : لا يؤكد حقيقة فكرية ، وإنما يؤكد سلوكا جماعيا .
                      قال أبو عبد الرحمن : في اتخاذ هذه الدعوى قضية منطقية زور وتضليل كبير جداً جاء من تعميم هذه القاعدة على كل مجتمع ، وافتراض أن كل مجتمع خلى من مفكرين لهم موهبة فكرية ، وافتراض أن كل دين أو مذهب يتمسك به عوام العامة من الأميين في المجتمع لا يملك عناصر ومقومات فكرية بحيث يكون التوحد فيه لا يؤكد حقيقة فكرية .
                      وافتراض أن في أي مذهب يتوحد فيه المجتمع لا يمنح الأفراد راحة وجدانية ومنفعة مشهودة . ذلك أن دور الفكر تمحيص الأحق والأنفع والأجمل ، فإذا وجد المجتمع راحة ومنفعة في سلوكه فمعنى ذلك : أن مذهبه يؤكد حقيقة فكرية .
                      وتعميم هذه القاعدة يعني أن سلوك أي فرد شاذ التفكير يؤكد حقيقة فكرية .
                      وأن سلوك أمم من الناس - فيها العقلاء والمفكرون - لا يؤكد حقيقة فكرية .
                      فهل في عكس الحقائق أكثر من هذا ؟
                      أليس القصيمي يتغنى بأمجاد الدول المتحضرة في الشرق والغرب ، وينعي على العرب تخلفهم . ؟ .
                      إن هذه الأمم المتحضرة أخذت بمبدأ التصويت والأغلبية .
                      والله ما قام هذا المبدأ إلا على أصول فكرية تعنى :
                      أن العصمة في آراء الجماعة إلا من كان عنده فضل علم مغيب عن الجماعة .
                      وأن الزيغ في رأي الفرد الشاذ .
                      فقول القصيمي : إن سلوك الجماعة لا يؤكد حقيقة فكرية ، وما ألزمناه به من أن سلوك الفرد الشاذ يؤكد حقيقة :
                      إنما هو رجعية وضيق عطن يناقض مبدأ التصويت الذي أخذت به الأمم المتحضرة التي يغني القصيمي بأمجادها .
                      على أن الإسلام - قبل هذه الأمم - عظيم الاحتفاء بهذا المبدأ في مسألتي :
                      « الشورى » و « الإجماع » .
                      والصواب : أننا قبل أن نبحث سلوك الجماعة : هل يؤكد حقيقة فكرية أم لا ؟ .
                      يجب أن نبحث في هذا السلوك عن مدى وجاهته من ناحية البرهان ؟ .
                      ثم يتضح لنا بعد ذلك : هل يؤكد هذا السلوك حقيقة فكرية أم لا ؟
                      وإذا أراد القصيمي المحاجة بعقل وتفكير :
                      فلينظر - على سبيل المثال - قضايا الإسلام التي اتحدت عليها مسيرة المجتمع الإسلامي :
                      هل تمثل حقيقة فكرية أم لا ؟
                      وهل المجتمع الإسلامي خلي من المفكرين العقلاء أم لا ؟ .
                      فان اثبت ببرهان - وأنى له ذلك .
                      ان المجتمع الإسلامي خلي من قمم المفكرين ، وان قضايا الإسلام لا تملك مقومات فكرية :
                      فمن حقه أن يقول :
                      اتفاق المسلمين يعني قضية سلوكية لا فكرية .
                      ولو كان القصيمي مثاليا في فكره يعطي المنهج حقه لقال :
                      « توحد المجتمع في دين يعني قضية سلوكية ، وهذه القضية السلوكية قد تكون ثمرة تفكير أو مشاهدة أو تجربة أو تقليد وتلقين » .
                      ثم يطرح للحوار - بمنهج سليم - قضايا كل مجتمع لا تؤكد حقيقة أو قناعة فكرية .
                      وبما أن القصيمي غير مخلص للفكر أصبحت مؤلفاته عويلا وصراخا يتناوح على هامش القضايا الفكرية دون أن يضرب في صميمها .
                      8 - الأمر الثامن :
                      قول القصيمي : إن توحد المجتمع في دين لا يعني فهما موحداً ولا مستوى موحدا .. الخ .
                      قال أبو عبد الرحمن : هذه القضية مغالطة .
                      كما أن عكس هذه القضية مغالطة أيضا .
                      والصواب : أن هذا التوحد قد يعني فهما موحدا ، وقد لا يعني . يعني فهما موحداً إذا أجمع عقلاء ومفكرو المجتمع على قضية سلكتها الجماهير .
                      أما جمهرة العوام التي لا تملك أصول التفكير فلا يحسب حسابها في فهم أو تفكير .
                      وإنما قناعتهم الوجدانية تؤكد الفهم الموحد .
                      ويعني فهما موحداً إذا كان ذلك الدين يقهر العقل ببرهانه .
                      قال أبو عبد الرحمن : وها هنا المح إلى حقيقة قد أكدتها في كتابي « ديكارت بين الشك واليقين » حول إيمان العوام .
                      وهذه الحقيقة :
                      أن الإسلام - عقيدة وشريعة وسلوكا - جاء على افتراض انه الحق والخير والجمال .
                      وأقام هذه الدعوى إيجابا وسلبا .
                      فأما الإيجاب فبالبراهين الدامغة .
                      وأما السلب فبتحدي كل مؤهل للتفكير يعارض حقائقه .
                      وأكد الإسلام هذا التحدي باستحثاث العقول على التفكير والتدبر .
                      ولكن يا ترى هل كل فرد من مخلوقات الله يملك الاستجابة لهذا التحدي الفكري ؟ .
                      كلا . لأن أغلب الناس من القاصرين في تفكيرهم الذين لا يملكون إلا التفكير في حياتهم العادية التي عرفوها تجربة ومراسا ووعيا .
                      فإذا كان الإسلام يدمغ بالبرهان من يكابر في أنه الحق والخير والجمال :
                      فهل من المتوقع أن يخاطب العامة والجهلاء ويقول لهم :
                      أنا الحق والخير والجمال ، ولكن لا تؤمنوا بي حتى تقدروا على التفكير فيكون إيمانكم عن قناعة فكرية ؟ .
                      أم يقول للناس : من ملك التفكير فها هي براهيني أمامه .
                      ومن لم يملك التفكير فيجب عليه أن يؤمن بي ، لأنني ضامن له الخير والحق والجمال ؟ .
                      وهل يتوقع من مفكري المسلمين الذين عاينوا الحق والخير والجمال في دينهم بحسهم ووعيهم وعقولهم :
                      أن يرفضوا توحد العامة على هذا السلوك المبارك ويقولوا لهم :
                      مادمتم لم تدركوا بعقولكم قضايا دينكم فسلوككم ضلال ، وهو لا يؤكد حقيقة فكرية ؟ .
                      والعامي الجاهل الذي يدين للحق والخير والجمال : يجد في ذلك ما يعوضه عن نعمة التفكير ، وهو الوعي والحساسية والراحة الوجدانية والمنفعة التي يجدها بحسه الظاهر والباطن .
                      وإذا كان القصيمي هذه المرة يؤمن بالقوانين الاجتماعية والنفسية إذ يحيلنا إلى قانون التوافق مع المجتمع : فان لنا الحق أن نجادله بما يعتقد هو انه حجة .
                      وتلك الحجة ظاهرة نفسية رأيناها رأي العين في عوام من المسلمين لا يملكون من عناصر التأمل شيئا ، وإنما تفكيرهم من ممارسة حياتهم اليومية العادية .
                      لقد عاش هؤلاء الأشياخ من العوام حياة شظف وأكفهم كبيوت النمل من الحرفة ، وأرجلهم مشققة من الحفى والوجى . رزقهم نهب ، والمصائب تفدحهم في أنفسهم وأهلهم ومالهم ، وتتناوح عليهم الهموم من كل جانب . ومع هذا تجد ابتسامة احدهم إلى أذنه : لا يعرفون قلقا ، ولا عقداً نفسية ، ولا انتحارا . فهل وجد القصيمي هذه الظاهرة عند عوام الوثنيين والملحدين ومفكريهم ؟
                      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                      قل خيرًا او اصمت



                      تعليق


                      • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                        أليسوا يتظلمون من القلق والعقد ويتبارون في الانتحار عند أتفه المصائب ؟ .
                        إن الدين الصحيح والإيمان الوثيق عوضهم عن التفكير بالراحة والطمأنينة وطهارة الوجدان ، فكان سلوكهم يؤكد حقائق فكرية .
                        والقصيمي لا يجهل : أن كل المجتمعات لا تخلو من فئات ثلاث :
                        الفئة الأولى : مفكرون موهوبون مفرغون تفكيرهم للقضايا الفلسفية والغيبية يتكلمون بمنطق ومنهج . وهؤلاء القلة .
                        الفئة الثانية : تملك موهبة التفكير ، ولكنها قصرت ذلك على مجال تخصصها العلمي أو الثقافي .
                        الفئة الثالثة : وهم الأكثرية - : من العامة والأميين المقصور تفكيرهم على حياتهم العادية الذين لا يجيدون قضايا فكرهم بالتأمل بل بالقناعة الحسية والوجدانية المحصورة في تجربة حياتهم اليومية العادية .
                        إذا كان القصيمي لا يجهل ذلك ، ويدعي مثالية البحث :
                        فلماذا يضلل شباب العالم ويقول :
                        دعوا كل دين أو مذهب - بلا استثناء - ، لأن سلوك الجماعة لا يؤكد حقيقة فكرية ؟ .
                        أليس العدل في البحث والإنصاف في الحجة والمثالية في التفكير :
                        أن يتصيد تفكير عقلاء المجتمعات ويحاكمه إلى مناهج العلم وأصول التفكير؟ .
                        نعم ليس من المفترض أن يقيم القصيمي الحجة على دين الإسلام من واقع سلوك الدراويش ودهماء الصوفية الحمقاء وترهبن المنافقين الماكرين .
                        بل المفترض أن يقيم الحجة - إن قدر - من مناقشة براهين الإسلام ذاته ، ومناقشة براهين القمم الفكرية من علماء الإسلام .
                        ثم يقاوم بفكره كل سلوك ينحرف عما يعتقد انه الحق .
                        9 - الأمر التاسع : يرى القصيمي : أن توحد المجتمع الآنف الذكر يؤكد أننا لابد أن نكون أدوات مخلوقة مسحوقة في الجهاز الكبير الرهيب .. أن نكون بلا حرية مهما كانت الحريات موجودة ومشروعة ، إن حرية أي إنسان في المجتمع أو أمام إملاء المجتمع لا تساوي أكثر من حرية أي عضو من أعضاء الجسم في الجسم .
                        إنها حرية قانونية أو افتراضية فقط .
                        إنها كحرية الجسم في أن لا يشيخ أو يمرض أو يموت . أ هـ » .
                        قال أبو عبد الرحمن : في هذا الكلام عجائب وجهل أرعن بالدراسات الفكرية الرائدة في فلسفة الحرية .
                        وهو كلام عائم لا يحدد قضية معينة .
                        وبيان ذلك من وجوه :
                        أولها : انه ليس في الوجود ولا في تصور العقل أي حرية مطلقة تفوق حرية العضو في الجسم وتكون غير حرية قانونية .
                        بل إن الحرية من شيء خضوع لشيء آخر .
                        إن للفرد - في عرف أي مجتمع متحضر - أن يتمتع بكامل حريته شريطة أن لا يؤذي حرية الآخرين وحرية النظام .
                        وثانيها : أن الحرية المطلقة لا تتصور عقليا إلا من موجود قائم بذاته مستغن عن كل ما في الوجود قادر مهيمن على كل ما في الوجود .
                        أما الإنسان الذي يبدأ حياته تحت الحضانة ويختمها في ذل الشيخوخة ويعرف اليوم ما كان يجهله بالأمس :
                        فأنى له أن يطمع بحرية مطلقة ؟
                        وأنى لعقولنا أن تتصور له ذلك ؟ .
                        وحقيق بالقصيمي بعد ذلك أن لا يؤله عقل الإنسان المخلوق وشهواته الجامحة .
                        وثالثها : أن كلمة حرية ليست تعني الحق والخير والجمال إلا بما تنتسب إليه من ذلك .
                        فالتحرر من الصدق رذيلة ، والتحرر من الكذب فضيلة .
                        إذن ليس من الخير أن يكون كل فرد حرا مطلقا دون حرية قانونية .
                        وليس من الشر أن تفرض الحرية القانونية على الأفراد .
                        إن الحرية للأفراد في الأخذ بالحق والخير والجمال .
                        وإن الحرية للقانون في كبح جماح الشذاذ من الأفراد .
                        ورابعها : ليست كل المجتمعات مما يجب أن ننعي عليها خنق الحريات الشاذة ، فالمجتمع الإسلامي الذي يخنق حرية الفاحشة إنما يبارك العقل والفكر حجزه .
                        والمجتمعات السافلة يرفض العقل حريتها .
                        يرفض وأدها لحرية العقل والدين والخلق .
                        10 - الامر العاشر : قول القصيمي : إن التلقين سلاح لا مثيل له من الأسلحة ، وإنه السلاح السري الذي صنع أمجاد وانتصارات الأنبياء والزعماء والدعاة الماكرين .
                        قال أبو عبد الرحمن : أما الأنبياء فكانت براهينهم المعجزات الحسية وضرورات العقل .
                        وما تسلح نبي قط بالتلقين الضال الموروث في مجتمعه ، وإنما جاءت رسالته لتقويض هذا التلقين .
                        ثم إن الحق والباطل والجمال والقبح والخير والشر كل ذلك لا يصل إلى الناس إلا بالتلقين .
                        والعقل والوجدان هما المميز لكل ذلك .
                        وسنبرهن إن شاء لله - لاسيما من كتاب أيها العار إن المجد لك - على أن القصيمي أعظم أنموذج لمن يأخذ دعواته تلقينا .
                        وأنه مصاب بعملية غسل المخ المعقدة من قبل المجمعات الصهيونية التي يعتبرها القصيمي نملة وديعة وعبقرية فذة .
                        والقصيمي مهما حاول التعميم في مهاجمة الآلهة والأديان والأنبياء والمجتمعات والزعماء : فإنما يريد محادة الله ومحادة دين الإسلام ونبي الإسلام ومجتمع الإسلام وزعماء الإسلام .
                        ونحن نقول له ولكل مضلل مكابر :
                        لا تأخذوا الإسلام أو ترفضوه عن تلقين تجدونه في عامة المجتمع من الأميين .
                        وإنما أمامكم الحوار افتحوه مع براهين الإسلام وتفكير علمائه وعباقرته .
                        قال أبو عبد الرحمن : أما بقية هذا الفصل الذي كتبه القصيمي بعنوان :
                        ( كيف رأته كل العقول ) فهو جمل من الدعوى والتهويش والمكابرة ، فهو يصف الكتب السماوية بالجبروت والإرهاب وينكت بالوعد والوعيد والجنات والسماوات .
                        ويصف الله - جل جلاله وتقدست أسماؤه - بما لا استطيع الاستشهاد به .
                        ولا مجال لنقاش مثل هذا التهويش إلا لو كان ذكر الشبه أو المسوغات التي جعلته يستهجن دين الله .
                        وربما أتحف القارئ بجمل متحذلقة متناقضة غير مفهومة لا بلغة ولا بفكر . خذ مثال ذلك قوله :
                        « مهما تحدث الإنسان عن أفكاره الحرة وعن شجاعته فليست شجاعته وحرياته إلا تعبيرا عن خضوعه . أهـ » .
                        قال أبو عبد الرحمن : أي عقل همجي أو حضاري يفهم هذا الكلام .
                        هب أن فرداً عاش في مجتمع الإسلام وادعى انه مسلم كابي العلاء المعري ثم أعلن تحديه لقضايا جوهرية من أصول الدين ونال حرية في ذلك .
                        فكيف يكون إعلانه لحرية الباطل وشجاعته في ذلك تعبير عن خضوعه ؟
                        إنه كلام مستغلق .
                        وربما كان مفهوما لو قال : بعض الحريات احتجاج على الخضوع .
                        ثم يقول : « إن الخضوع أسلوب من أساليب الحرية » .
                        قال أبو عبد الرحمن : لا استطيع تصور هذا الكلام إلا بالمقارنة ، فأقول : إن التحرر من الفضيلة خضوع للرذيلة .
                        وبغير هذا المعنى لا تستطيع فهم هذه الجملة .
                        ومن الجمل غير المفهومة التي لا تصدر إلا من طرحاء المارستان قوله : « إن خضوع النهر في جريانه صيغة من صيغ الحرية ، وإن حريته في جريانه صيغة من صيغ الخضوع » .
                        قال أبو عبد الرحمن : حقا إن تفرد القصيمي وجبروته الفكري يتألق في مثل هذه الجمل غير المفهومة . واليكم تحفة ثانية من جمله :
                        إنها لقضية مفهومة أو يجب أن تكون مفهومة .
                        إنها لقضية لا بد أن تظل غير مفهومة .
                        ولا ينبغي أن تكون مفهومة مهما كانت مفهومة ووجب أن تكون مفهومة ؟ . » أ هـ .
                        فاسألوا الله له الشفاء العاجل ، واحمدوا الله على السلامة .

                        * * *

                        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                        قل خيرًا او اصمت



                        تعليق


                        • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                          قوانين وهمية

                          سؤال حائر لا بأس به في اقتفاء البرهان ، لأن الله أمرنا بطلب البرهان ، وكان طلبه فطرة في عقولنا التي لا تقتنع بغير العلة الكافية وصاحب « هذا الكون ما ضميره » شقق تحته جدلا كثيرا ، ولا بأس عليه في أن يكون العالم الشاك ويكون غيره الجاهل المستيقن ولكن المستحيل أن يكون العالم المستيقن ، وصحة القسمة العقلية : أن يوجد المؤمن المستيقن أو الملحد المستيقن أو الشاك ، والشاك يعرض ولا يفرض ولا دخل للعلم والجهل ثم . ولا بأس بالشك إذا كان وسيلة لأنه طريق المعرفة ، فلولا الشك ما حصل اليقين .. ولكننا نرقب الشاك منذ أول انطلاقة - لا من حيث انه شك ولكن من حيث اختلال منطقه ، فليكن الشك أول انطلاقة في منطق الإنسان ، ولكن حذار من اختلال هذا المنطق ، لأن استحسان الشك التوسلي لا يسوغ انتكاس الفهم ونحن لا نحاسب على الشك ، ولكننا نحاسب على ما بعد الشك : من سؤ في الفهم ، ونقص في التصور ، وعجز في الإدراك ، وحيف في الحكم .
                          ويرى صاحب هذا الكون ما ضميره : أن في الإنسان وفي كل شيء قانونين متناقضين « قانون التمرد على الذات » و « قانون : الخضوع للذات » .. وهو بالقانون الأول مدفوع إلى فهم كل شيء ، والى محاولة الانتصار على كل شيء .. وقد سمي هذا القانون في موضوع آخر « الطبيعة المناضلة » .
                          أما القانون الثاني فيعني الاستسلام النهائي لما ألفته الذات من المذاهب والعقائد والتقاليد ، فلا مزية لمذهبك على غيره إلا بإلفك له وبحكم علاقة أعصابك به ، لأن الناس يألفون مذاهبهم أكثر جدا مما يألفون أوطانهم وبيوتهم وأزياءهم ووجوههم وأصدقاءهم ، وهذا الإلف يسمونه « قانون التلاؤم » وهو من الإمراض البشرية إلا أنه مفيد وضروري بقدر ما هو ضد الاحتجاج ويسمي هذا الإلف - في موضع آخر - أوهاما يدخل فيها « رهبة المجهول » و « حتميات القدر وحجز الدين والمبدأ والعرف والتقليد » الخ .. وكل هذه الأوهام المألوفة تسوغ للإنسان العجز والبلادة ، وتحول بينه وبين تغيير وجوده ووجود ما حوله فبالقانون الثاني يواجه الإنسان وجوده بمنطق ذليل متوحش وبالمنطق الأول يتمرد الإنسان على إلفه ويكشف عيوبه ، ويرى من بعيد مزايا نقيضه الذي لم يوجد أو الموجود عند الآخرين والذين يستجيبون لهذا القانون ينتقلون من طور من يعيش فقط إلى طور من يرى ويعلم ويحكم ويختار .
                          وإنما العيب في ضلال الطرق الاستدلالية التي حصل منها قناعتي بمذهبي ثم إلفي له . وقصارى القول : أن مزية المذهب - كل مذهب - في برهانه وفلسفته والإلف ليس مزية لمذهب دون مذهب ، لأن في الناس من يألف الباطل يحسب انه حق ، كما يألف الآخرون الحق الذي تمذهبوا به ومثل هذا التعميم أيضا لا يمكن أن يكون صحيحا لأنه يؤدي إلى « اللاادريه» وهي شبه فرغت منها الفلسفة يوم كان الفكر البشري طفلا أما قانون التلاؤم فمشهود في تكوين الإنسان الطبيعي - في تلاؤمه مع محيطه ليعيش - أما تلاؤم الإنسان مع مذهبه فلا قانون له غير ما يمليه فكره وعقله وحسه ورؤيته المباشرة ولسنا نقول : إن تلاؤم إنسان مع مذهبه مفيد بقدر ما هو ضار ولا أنه احتياج بقدر ما هو ضد الاحتياج ، وإنما نقول : فائدة الإنسان واحتياجه في الأخذ بما ينبغي .
                          وقانون تمرد السلوك على التصور ، وقانون خضوع السلوك للتصور ، أو انبثاقه من التصور أو قانون تمرد الفكر على مألوف النفس وقانون خضوع الفكر لمألوف النفس فالتصحيح للعبارة أول خطوة يجب أن ننطلق منها . وبعد هذا التصحيح اللفظي لهذه العبارة ، فثمة خطأ معنوي فاحش في اعتبار تمرد الذات على مألوفها أو خضوعها له قانوناً ، لأن القانون يعني المعيار الضابط للتصرف الذي يلزم عنه نتيجة ، ومجرد التمرد والخضوع لا يكون قانونا للتصرف لأن التمرد والخضوع تصرف في ذاته وإنما القانون يعني الأمر الذي تقنع به الذات في تمردها وخضوعها ، وطرق القناعة كثيرة يختلف فيها الناس ، وما يقنع به الناس يسمونه أمرا معقولا : إما أن تثبت معقوليته برؤية عقلية مباشرة أو بحس أو الهام أو تقليد أو استحكام عادة ، والعاطفة ليست من طرق الاقتناع ، ولكن الشيء الذي يقنع به الإنسان يتحول إلى عاطفة لذا نقول : أن الإنسان يتمرد ويخضع وفق القوانين التي يؤمن بها فتتحول نتائجها إلى عاطفة في نفسه .
                          لسنا نعتبر التمرد دافعا لفهم الشيء والانتصار عليه وإنما هو نتيجة للأمر الدافع ، كما أن فهم كل شيء والانتصار على كل شيء ليس تمرداً على مألوف الذات ، وإنما هو التماس لتصحيح هذا المألوف إما بتغييره ، أو تثبيته وبإيجاز فان الإنسان ينتصر على مألوفه أو يخضع له بدافع قانون نتيجته هذا الانتصار أو الخضوع .
                          بيد أن قانون الخضوع للذات يعني الاستسلام لمألوفها وهو الذي نسميه مذهبا - ثم قرر انه لا مزية لمذهبك على غيره إلا بإلفك له ، وبحكم علاقة أعصابك به ، لأن الناس يألفون مذاهبهم أكثر جدا مما يألفون أوطانهم .. الخ .. ومثل هذا التعميم لا يمكن أن يكون صحيحا لان الناس جميعا لا يتلقون مذاهبهم بعواطفهم وأعصابهم ولكنه يتلقونها بفكرهم فتتحول إلى عواطف وأعصاب وإذن فليست مزية مذهبي على سواه بمجرد إلفي له وتعلقه بأعصابي وإنما مزيته في مقدرا نصيبه من البرهان والحجة ولا يعيب مذهبي أن يشتد إلفي له .
                          ولا مراء أن في الإنسان غرائز متضادة ، فالإنسان يحب ويكره وفيه نوازع للخير ، ونوازع للشر (1) بيد أن الذي خلق هذا الإنسان وركبه جعل له من عقله وعاطفته ما يحفظ به التوازن بين هذه النوازع ، فان أرضى احد النوازع على حساب الأخر بقي في شقاء وقلق .
                          وإيماننا بهذه النوازع المتناقضة لا يعني تسليمنا بان الإنسان بين قانوني التمرد على الذات والخضوع لها ، لأن الذات لفظ لغوي يفهم منه الإنسان بكل خصائصه ونوازعه وعقله .. فالتمرد على الذات - على فرض التسليم بصحة هذه العبارة - يعني : « تمرد الذات على ذاتها والخضوع للذات يعني خضوع الذات لذاتها فالخضوع حاصل في كل التقسيمين ، وكذلك التمرد حاصل فيهما ... والتعبير السليم : أن يقال : قانون تمرد الذات على معتقداتها وقانون خضوع الذات لمعتقداتها .


                          * * *

                          _________________________
                          (1) وقد جعل الله له من العقل ومن توجيهات السماء التي يوحي بها الله إلى رسله ما يحفظ التوازن بين هذه الغرائز والنوازع ، وهذا التوازن داخل في معنى « الوسطية » التي كانت مقياسا للفضيلة عند الفلاسفة ، وكان من الأمور الممدوحة في ديننا ، فنظرة في تفسير سيد قطب - رحمه الله - لقوله تعالى : وكذلك جعلناكم امة وسطا ، ونظرة في تطبيق ابن تيمية لهذه الوسطية على المسلمين بين أهل الملل والنحل : في كتابه « الجواب الصحيح » يتبين لك مدى حرص الإسلام على حفظ التوازن بين نوازع الذات وغرائزها .
                          وكل تطرف في الاتجاه يعني الحيف على الفطرة ، وقد وجد المؤمنون القناعة التامة بدينهم لأنهم آمنوا بأن الذات بنوازعها المتناقضة خلق الله وان الإسلام توجيه الله الذي خلق هذه الذات ، فمن ملك الخلق ملك التوجيه ، لأنه أحق من جانب ، واعلم من جانب آخر .

                          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                          قل خيرًا او اصمت



                          تعليق


                          • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                            لا تمرد إلا بمنطق

                            هذا الكون حقائق موجودة .
                            وقبل أن يقبضها الحس البشري تكون حقيقة مجهولة . وكل مجهول له رهبة ، وبعد اكتشاف الحقيقة المجهولة تصبح هذه الرهبة وهمية .
                            أو تكون صحيحة ، ولكن الإنسان يغالب هذا الكون بحيله ومواهبه ليعيش ، فإذا عرف السبب زال العجب .
                            ومهما كان عنفوان الإنسان في الكشف والاختراع فانه محكوم بحتميات القدر ، وهو في النهاية لن يدرأ عن نفسه الموت ، وإن سمى القصيمي الرهبة والحتمية أوهاما تسوغ للإنسان العجز والبلادة ، فيواجه وجوده بمنطق ذليل متوحش فان لنا نظرة فاحصة لا تسرف إسراف القصيمي في التمرد ، ولا تتوحل توحل من يعادون الفكر البشري ، فنقول :
                            1 - إن الموهبة البشرية تكتشف ، أما الحقيقة في ذاتها فخلق الله ، والمنطق الباده أن خالق الحقيقة اعلم واقدر واحكم .. الخ من مكتشف الحقيقة ولله المثل الأعلى .
                            فهمها كانت مباركتنا لخطوة التمرد فيجب أن نحترم عقولنا فلا نتمرد بأقوالنا التي لن تضر الله ولن تغير من شأنه الكوني شيئا على خالق الحقيقة .
                            ومهما كانت موهبة هذه الأناسي بمجموعها وإن عمرت عمر إبليس فانها لن تخرج عن نصاب السهو والنقص والقصور ، لأن كون الله أقوى وأوسع وأرحب من حيل البشر ، والموهبة البشرية حجة فيما أحاطت به خبرا .
                            أما في النفي المطلق فلا ، لان الله غيبا لا يطلع عليه أحدا ، ولأن الموهبة البشرية ستتدفق وتلهث وستكشف كل يوم جديداً ، ولكن لن يزال في طي الخفاء مجهول لأن الإنسان بكل قوته محدود ، ولان الكون اشمل من الإنسان في محدوديته ، والله فوق ذلك لا محدود ، ولا متناه ، ومن الخطأ في الرأي الزعم بان المحدود يدرك اللامحدود .
                            2 - وباكتشاف المجهول تزول الدهشة والرهبة ، ولسنا نجد باسا في التحرر من عبودية الطبيعة في مخاوفها ومجهولها ولكن السفه في التمرد على شرع خالق المجهول الرهيب .
                            وقد كان دين الله تحريرا للعقول والقلوب من التعلق بحجر أو شجر أو كوكب أو رعد أو برق .
                            وما قال ديننا قط ارهبوا المجهول ، حتى يكون تمرد القصيمي فاتحة خير لتحريرنا من الوحشة والمنطق الذليل ، بل إن المسلمين بفطرتهم ، وببقاء هذا الكون سرا مبهما في عقولهم لم يعرفوا حقيقته حسا ، ولكنهم مستيقنون بأن الله هو النافع الضار ولا يملك غيره نفعا ولا ضرا إلا بإذنه .
                            وكلما كشف لهم العلم عن حقيقة علمية ازدادوا إيمانا مع إيمانهم ، لأنهم في الأولى آمنوا بالغيب ، وفي الثانية آمنوا بالحس .
                            ولم يقل ديننا قط اغفلوا عن المجهول ، بل في ديننا الاستحثاث الشديد على التفكير في خلق الله وكونه .
                            فالمسلم إن انبثق من دينه لا يكسل ولا يتبلد لان دينه حركي جاد ، ولا يقابل وجوده بمنطق ذليل متوحش ، لأنه لا يخاف إلا الله وخوف الله حقيقة لابد أن يستشعرها مكتشف المجهول ومن لم يكتشفه ، والمنطق المستقيم في الجدل أن المؤمن الذي يتيقن وجود الله وكماله لا يستطيع أن يجادل في صدق وصحة شرع الله في الجزئيات لان ثبوت الفرع لازم من ثبوت الأصل ، فإذا قال القصيمي : دينكم يا مسلمون غير صحيح ، لأنه يرهب المجهول ويواجه الوجود بمنطق ذليل متوحش وجب أن يرد إلى النقاش في مسألة وجود الله وكماله ، لأن المسلم لما آمن بكمال الله لزمه الإيمان - جملة وتفصيلا - بكل ما صح نقله عن الله سبحانه .
                            فمن قال : أمعنوا يا مسلمون في الأمور غير الصحيحة من دينكم التي تقابل الوجود ، بمنطق متوحش ، فواجب على المؤمن أن يفتح صدره ، لأن مسألة تمحيص الدين غير مسألة التمرد على الدين .

                            * * *


                            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                            قل خيرًا او اصمت



                            تعليق


                            • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                              الشيء لا يصنع نفسه

                              آلاف المعاهد الدينية وغير الدينية كما يقول القصيمي لا تزال ( منذ آلاف السنين ) تردد برهان الألوهية هكذا : العالم متغير ، وكل متغير لابد أن يكون حادثا ، وكل حادث لابد أن يكون له محدث ، وهذا المحدث ( وهو الله ) لابد أن يكون قديما أهـ .
                              قال أبو عبد الرحمن : الحق لا زمان له ، فقد يكون قديما ويكون اكتشافه جديداً ، ولن يضير الحقيقة قدمها ولا قدم معرفة الناس بها .
                              فإذا كان البرهان صحيحا من الناحية النظرية فلن يزيده ترديد المعاهد له آلاف السنين إلا قوة . وأعجبوا لقول القصيمي بعد ذلك ( إنه لو جاء التلقين عكس ذلك لحدث الاقتناع بنفس القوة ) . وعكس ذلك أن يجيء البرهان هكذا :
                              1 - العالم متغير .
                              2- كل متغير لابد أن يكون صانعا لنفسه
                              3 - وكل صانع لنفسه لابد أن يستغني عمن يصنعه .
                              4 - فالعالم إذن لا يمكن أن يكون له خالق .
                              قال ابو عبد الرحمن : إن عكس البرهان بهذه الصورة لن يقنع به أي ملحد جاد ، لأن فيه مغالطات مفضوحة يستحيل - بيقين - أن تند عن ذهن القصيمي .
                              إننا نتفق معه على المقدمة الأولى ، فنقول ( العالم متغير ) ، ونستمد من هذه المقدمة مقدمة أخرى فنقول ( كل متغير حادث ) ولا نقول كما قال ( كل متغير لابد أن يكون صانعا لنفسه ) والفارق بيننا أن القصيمي يناغي قراءه بمعاكسة لفظية ، فإذا قال المؤمنون ( كل متغير حادث ) قال هو ( بل كل متغير صانع لنفسه ) إمعانا في المخالفة فحسب .
                              أما المؤمنون فيستمدون برهانهم من الحس ، لأنهم رأوا كل متغير مصنوعا .
                              قال أبو عبد الرحمن : القصيمي متغير ( كغيره من البشر ) لأنه لم يكن شيئا مذكورا ، ثم تخلق من نطفة ، ومضغة وعلقة ولحم ، ثم نفخت فيه الروح ، ثم ولد وشب عن الطوق ، وعلم ما لم يكن يعلم ، وطعن في الكهولة ، وسيموت غدا .
                              ثم هب أن المتغير ليس مصنوعا ، فهل القصيمي صانع لنفسه ؟.
                              ثم تأتي المقدمة الثالثة المستمدة من المقدمة الثانية ، فتراه يقول : كل صانع لنفسه لابد أن يستغني عمن يصنعه .
                              وفي هذا مغالطتان عمياوان:
                              أولاهما : أننا بصدد إثبات ( الموجد ) وقد وصلنا إليه عن طريق مخلوقاته أي إثبات أن هناك خالقا ، غير مخلوق ، ولسنا بصدد إثبات أن المصنوع يستغني أولا يستغني عن صانعه .
                              فهذا الهذيان استشهاد في غير محل النزاع .
                              وأخراهما : انه قال : وكل صانع لنفسه لابد أن يستغني عمن يصنعه .
                              قال أبو عبد الرحمن : هذا خلل في المنطق ، فكيف يصنع نفسه ثم يستغني عن نفسه ؟.
                              إنه لو لم يصنع نفسه لكان مستغنيا عن نفسه .
                              إذن : العالم لا يمكن أن يكون خالقا لنفسه .


                              * * *


                              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                              قل خيرًا او اصمت



                              تعليق


                              • رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                                للرفع أختى سدرة
                                سيظل منتدى حراس العقيدة بعون الله وفضله نبراساً للعلم والإيمان والصحبة الصالحة ..
                                بارك الله فيكم وأحسن إليكم جميعاً ..

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:01 ص
                                ردود 0
                                9 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:00 ص
                                ردود 0
                                6 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 23 أغس, 2023, 08:53 م
                                ردود 0
                                34 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 6 يون, 2023, 01:37 ص
                                ردود 0
                                20 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 يون, 2023, 03:05 ص
                                ردود 0
                                18 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                يعمل...
                                X