تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ظل ظليل مسلم اكتشف المزيد حول ظل ظليل
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    لقد بحثت في الشبكة عن كتاب ( لن تلحد ) مفرغاً ولكني لم أجده إلا بصيغة pdf وهو عبارة عن نسخة مصورة وبالتالي يصعب الإقتباس منها , لذا رأيت أن أقوم بتفريغ هذا الكتاب الهام , ليكون مرجعاً في حوار المسلمين مع الملحدين .
    أسأل الله الإخلاص والتوفيق والسداد .



    لن تلحد
    المؤلف / أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري

    الإستفتاح

    الحمد لله رب العالمين الذي قال :
    {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ }يس77
    {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ }يس78
    والصلاة والسلام علي رسول الله محمد بن عبد الله وعلي جميع النبيين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .


    الإهداء

    * إلي بقية عُمرك يا أبا عبد الرحمن لعلك تعود إلي نصَابك .
    * وإلي كل ملحد ليؤمن .
    * وإلي كل مؤمن ليزداد إيماناً مع إيمانه ..

    المؤلف / أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري ( سامحه الله )



  • #2
    المقدمة


    الإلحاد في عرف عامة الناس يعني إنكار وجود الله , والتكذيب بشرع الله , وجحد حقائق الغيب .
    والإلحاد في اللغة يعني الميل والإنحراف , ومن عموم المفهموم اللغوي حددت مفهوم هذا السفر , فجعلت الإلحاد يشمل إنكار وجود الله , وجحد حقائق الغيب , والتكذيب بشرع الله إما في ثبوته .. وإما في صدقه .. وإما في معقوليته .. وإما في عدله .
    فإلغاء عقوبة القصاص إيماناً بأنها ظالمة , أو غير معقولة نوع من أنواع الإلحاد .
    وإنكار وجود الجن نوع من الإلحاد .
    والمطالبة بالتحرر من قيود الشرع نوع من الإلحاد .
    وتفسير حقائق الغيب بما ينافي خبر خالق الغيب نوع من الإلحاد .
    إلا أنني في مناقشة هذه المسائل الإلحادية تحاشيت المسائل العملية واقتصرت علي المسائل الإعتقادية , فلم احفل مثلاً بشروط إقامة القصاص , لأن غرضي بيان المعتقد الصحيح في مشروعية القصاص .
    ولم يكن الغرض من هذا السفر ملاحقة شبه الملاحدة , وإنما كان الغرض تحرير العقل من أغاليط الفكر , وإقناع الناس بثمرة الإيمان بالله وبشرعه .
    ولهذا كان العنوان (( لن تلحد )) تفاؤلاً وثقة باستجابة العقول المنصفة لموجبات الضرورات الفكرية .
    ولهذا أيضاً كتبت عن الطائفة المنصورة دلالة علي ثمرة الإيمان مصدق الخبر الشرعي .
    ولهذا ثالثاً حرصت علي تحقيق نظرية المعرفة ( الأبستمولوجيا ) ولا أنكر أن لي زيادة في هذا الباب , وصححت ومحصت طرق الإستدلال والجدل , لأن تنظيم الفكر وتصحيح طرق الإستدلال قمين بالمعتقد الصحيح .
    وهناك ظاهرة تثلج صدر المؤمن , وهي أن مفكري الملاحدة مجندون فكرهم لهدم نظرية المعرفة بسفسطة أو حسبانية , اما مفكرو الؤمنين فهم أحرص الناس علي تنظييم المعرفة وهدم السفسطة .
    وهذا يعني أن الإيمان أسعد بضرورات الفكر .
    وإذا كان في قضايا الإيمان ـ كبعض مسائل الغيب ـ ما يحار العقل في فهمه لقصور وسائل المعرفة البشرية عن تكييفه , فليس فيها ما يستحيل علي العقل الإيمان به , أما قضية الإلحاد فمستحيلة علي تصور العقل .
    وعلي أي حال فهذا السفر محاولة رائدة في نظرية المعرفة : إما لأن أغلب مواده من قضايا المعرفة , وإما لأن عموم منهج مواده استثمار لما صححته من نظرية المعرفة , لإن مدار هذا البحث علي ثلاثة أمور :
    أولها : تحقيق نظرية المعرفة ذاتها .
    وثانيها : تصحيح طرق الإستدلال والجدل بناء علي المحقق من نظرية المعرفة .
    وثالثها : كشف أغاليط المنطق وأخطاء الإستدلال فيما ناقشته من استدلال لبعض الشبه الإلحادية .
    ولم يكن هذا السفر مؤلفاً مقصوداً منذ البدء في صميم هذه الموضوعات , وإنما كانت مواده من جملة المحاضرات والمقالات التي كنت أنشرها في الصحف خلال عشرين عاما ً .
    فقد أهملت جملة منها وحفظته , لأنني غير راض عنه , وما رضيت عنه وزعته في أسفار تحت عنوان عام هو ( الفنون الصغري ) إلا أنني ميزت بعض الأسفار بعنوانات خاصة لما رأيت موضوعاتها موحدة الهدف , فكان السفر الأول بعنوان (( هكذا علمني ورد زورث )) لأن موضوعات الفن والأدب التي توزن بالمعيار الجمالي .
    وكان هذا السفر ـ وهو السفر الثاني ـ عن قضية الإيمان والإلحاد .
    وكان السفر الثالث بعنوان (( اللغة العربية بين القاعدة والمثال )) .
    وكان السفر الرابع بعنوان (( هموم عربية )) .
    والله أسأل أن ينفع بهذه الأسفار , وأن يعين علي إنهاء بقيتها والله المستعان ..

    الرياض ــ غبيراء ــ دارة فيصل
    فجر يوم الخميس 26/ 1 / 1410 هـ

    تعليق


    • #3
      الخطوط الرئيسية لنظرية المعرفة

      معني المعرفة :
      ما يسميه الناس معرفة ـ بمختلف أنواعها ـ تلتقي في هذين النوعين :
      (أ) الصورة الحاصلة في عقل الإنسان عن الموجود المحسوس وهذه معرفة تصورية .
      مثالها : معرفتي رائحة ( السنا ) الذي سبق أن شممته .
      (ب) الصورة الحاصلة في عقل الإنسان عن موجود غير محسوس ساعة التصور ولم يسبق للمتصور الإحساس له . مثال ذلك : معرفتي بالإسهال الحاصل عن ( السنا ) الذي لم أره ولم اجربه وهذه تحصل بالوصف , والقياس وتبني علي معارف حسية أخري .
      وهذه المعرفة تسمي بالمعرفة التصديقية , أو الحكمية , أو البرهانية .

      أركان المعرفة :
      تقوم المعرفة علي اربعة أركان :
      1. معروف , وهو الشئ :
      (أ) الذي حصلت لعقلي صورته بواسطة الحس .
      (ب) او الذي حصلت لعقلي صورته , او صورة الحكم فيه بواسطة البرهان .
      2. عارف : وهو الذات التي تملك وسيلة المعرفة المباشرة .
      3. معرف : بالبناء للمفعول , وهو الذات العارفة بالبرهان , وكذلك الشئ المعروف .
      4. معرف : بالبناء للفاعل , وهو الذي ينقل معرفته الحاصلة له مباشرة , او بالبرهان ويجوز ـ تجوزا ـ تسمية وسيلة المعرفة معرفا .

      تعليق


      • #4
        بارك الله فيك أخي الحبيب .. مجهود مبارك بإذن الله .. جعله الله في ميزان حسناتك ..
        ((كُلُّ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا ثَبَتَ عَنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ لَهُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَا شَرْعِيٌّ وَلَا عَقْلِيٌّ، وَهَذَا نَعْلَمُهُ مُجْمَلًا.))
        شيخ الإسلام بن تيمية - الجواب الصحيح

        تعليق


        • #5
          المشاركة الأصلية بواسطة إدريسي مشاهدة المشاركة
          بارك الله فيك أخي الحبيب .. مجهود مبارك بإذن الله .. جعله الله في ميزان حسناتك ..
          جزاك الله كل خير أخي إدريسي

          تعليق


          • #6
            أنواع المعرفة البشرية :

            المعرفة البشرية ـ من عدة اعتبارات ـ تنقسم إلي أنواع كثيرة , وقد جمعتها بالإستقراء ولم أر أحداً جمعها هذا الجمع , وهي كما يلي :
            1. معرفة حسية وموضوعية :
            وهي المعرفة المباشرة للأعيان المحسوسة كمعرفتي لهذا القلم الذي بيدي .
            2. معرفة معنوية :
            كمعرفتي أن المطر سبب الإنبات ـ بإذن الله ـ وأن المطر قبل الإنبات , وأن العشاء بعد الغروب .
            فهذه معنوية , لان السبب , والقبل , والبعد : امور غير عينية : يراها البصر , وتلمسها اليد ... الخ .
            وهي موضوعية , لأنها مفهومة من أمور حسية خارج الذات .
            3. معرفة كلية :
            وهي أن أعرف جوانب الشئ بكل ما تستطيعه وسائل المعرفة عندي , فأعرف : ان التفاحة الخضراء ملساء , ندية , غير مجوفة , كروية بطنها أبيض , بها حبوب بنية , لها رائحة معينة , ولها فوائد غذائية معينة , حلوة المذاق .... الخ .
            4. معرفة جزئية :
            كأن لا أعرف عن التفاحة إلا شكلها .
            5. معرفة تامة :
            كمعرفتي لطعم التفاحة بطرف لساني .
            6. معرفة ناقصة :
            وهي المعرفة الحاصلة بالوصف أو التشبيه : كمعرفتي بأن طعم التفاحة كطعم السكر ولم أذق التفاحة .
            7. معرفة مطلقة :
            كقولنا : طرفا المستقيم لا يلتقيان , فهذه مطلقة الزمان والمكان والحالة , لا يمكن أن يلتقي طرفا المستقيم في زمان ما , ول مكان ما , ولا حالة ما .
            8. معرفة نسبية أو مقيدة :
            كقولنا : يغلي الماء في حرارة درجتها 100 , فهذه معرفة حقيقية بالنسبة إلي ماء معين , وضغط معين .
            9. معرفة واقعية :
            وهي ما كانت صورة لواقع موجود في الموضوع , او الذات .
            10. معرفة وهمية :
            وهي ما كانت بخلاف الواقع , وسميت معرفة , لانها صورة في العقل , وسميت وهمية لانها لم تحصل للعقل بتفكير صحيح وتسمي ارادية , واعتقادية .
            11. معرفة إثبات :
            وهي الحكم بوجود شئ , او الحكم له بصفة ما .
            12. معرفة نفي :
            وهي ان تنفي وجود شئ , او تسلب عنه صفة او حكما .
            13. معرفة حسية ذاتية :
            وهي ما ادركته بحسي الباطن : كمعرفتي بأنني فرح او مغموم .
            14. معرفة تجريبية :
            وكل معرفة حسية تجريبية , ولكن جري الاصطلاح علي أن المعرفة الحسية لا تكون تجريبية حتي تكون نتيجة تطبيقات حسية متكررة في حالات مختلفة .
            15. معرفة عقلية :
            وهي الأفكار الخالصة , او المجردة , او الحسية ( رؤية العقل المباشرة ) أو البديهية , أو الأولية , او القبلية , أو الضرورية , أو الفطرية .
            فمن يقول : لا يعرف العقل إلا بواسطة الحس : يسمي هذه المعرفة عقلية لان العقل جردها من محسوسات ما ثم عممها .
            ومن يقول : ان العقل يستقل عن الحس بالمعرفة , يسمي هذه المعرفة عقلية باعتبار العقل مصدراً لها .
            16. معرفة روحية أو الهامية :
            فيدخل في ذلك الرؤيا الصادقة , والتجليات في اليقظة ,كالتلباثي عندما قال : عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الجبل يا سارية .
            17. معرفة يقينية :
            وهي مالا يدخلها احتمال , او يكون الإحتمال مرجوحا , وهي معرفة الواجب والممتنع أو المتعين والمستحيل .
            18. معرفة احتمالية :
            وهي ما تتكافأ الإحتمالات حولها , ولا يترجح احدها , وهي معرفة الممكنات حينما :
            لا يوجد المقتضي , ويتخلف المانع .
            19. معرفة ظنية أو ارتيابية :
            وهي أن يكون الإحتمال مرجوحاً , فما حصل بالاحتمال الراجح يقين , وما حصل بالاحتمال المرجوح ظن .
            20. معرفة ظاهرية :
            وهي ما يظهر للحس : كرؤيتي للزبد يطفو علي سطح النهر .
            21. معرفة جوهرية :
            وهي معرفة ما غاب عن الحس من باطن المحسوس : كمعرفتي بعمق مجري النهر من ظاهر معرفتي للزبد يطفو علي سطحه .
            22. معرفة مغيب :
            وهي انواع :
            أ) مغيب كان قبل ذلك حاضرا : كتصوري للقاهرة , وأنا في الرياض .
            ب) مغيب لم يحضر بعد : كمعرفتي بعمق مجري النهر قبل أن ينضب , أو قبل أت أغوص فيه أو أكتشفه بمجهر .
            جـ) مغيب عن الحس البشري بأجمع , كمعرفتنا بوجود الله والجن والملائكة .
            23. معرفة حاضر :
            وهي معرفتك وقت الإحساس .
            24. معرفة مباشرة أو بسيطة :
            كمعرفتي بأن طعم التفاحة حلو بطرف اللسان مباشرة وان الجزء أقل من الكل .
            25. معرفة بواسطة , أو مركبة :
            وهي التجريبية , كمعرفتي بالغيرية بين موجودين .
            26. معرفة برهانية :
            وهي المعرفة بواسطة وتركيب .
            27. معرفة بديهية :
            وهي المعرفة المباشرة .
            28. معرفة وجودية أو عدمية :
            وهي حكمي بوجود شئ في الواقع , او عدم وجوده .
            29. معرفة كيفية :
            وهي معرفة وجودية وزيادة .
            30. معرفة كمية :
            كمعرفة الكثافة والثقل والمقدار والعدد , وهي معرفة وجودية وزيادة .

            تعليق


            • #7
              جزاكم الله خيراً أخى الحبيب .. ظل ظليل ..

              كتاب رائع وقوى جداً .. بذل فيه مؤلفه جهد عظيم ..

              أسأل الله القدير أن يعينك وأن يرضى عنك فى الدنيا والآخرة .. آمين فآمين ..
              سيظل منتدى حراس العقيدة بعون الله وفضله نبراساً للعلم والإيمان والصحبة الصالحة ..
              بارك الله فيكم وأحسن إليكم جميعاً ..

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة هشام مشاهدة المشاركة
                جزاكم الله خيراً أخى الحبيب .. ظل ظليل ..

                كتاب رائع وقوى جداً .. بذل فيه مؤلفه جهد عظيم ..

                أسأل الله القدير أن يعينك وأن يرضى عنك فى الدنيا والآخرة .. آمين فآمين ..
                جزاك الله كل خير أخي الحبيب هشام , ولك بمثل ما دعوت أخي وزيادة .

                تعليق


                • #9
                  من هنا يمكنك أن تتصفح الكتاب مباشرة

                  تصفح مباشر لكتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                  تعليق


                  • #10
                    استكمال التفريغ

                    لمحة عامة عن المذاهب في نظرية المعرفة :
                    لم تبلغ الفلسفة - من النضج , ودقة التحليل , وشموله - ما بلغته في العصر الحديث , ومع هذا : كانت نظرية المعرفة مشكلة لم تحلها الفلسفة الحديثة - رغم نضجها , ودقتها وشمولها !
                    بل كانت نظرية المعرفة : من أعوص مشاكل الفلسفة , وكانت مباحثها من أخصب مباحث الفلسفة الحديثة .
                    قال أبو عبد الرحمن : واعتباري نظرية المعرفة مشكلة : يعني : أن الفلسفة لم تحلها حلا يتفق عليه جمهرة المفكرين وإنما مذهبتها إلى مذاهب كبرى : يقتسمها المفكرون وكل مذهب : يدلي بعظمة في التفكير , وغطرسة في البرهان , وهذا ما جعلها مذاهب كبرى متكافئة .
                    ووجه الخطأ في كل مذهب ضئيل بالنسبة إلى ما في كل مذهب من جوانب الحق والصواب , فماذا يعني هذا ؟
                    يعني : أن كل المذاهب حقائق تعارضت في ذهن المفكرين , فأخذت كل فئة بمذهب ترجيحا!
                    قال أبو عبد الرحمن : ويمكن الأخذ بهذه المذاهب جميعاً : بشرطين , هما :
                    ( أ ) الانتباه للفروق الدقيقة الصحيحة , التي تمايز بينها .
                    ( ب ) الانتباه لمثارات الغلط في كل مذهب , ليتمحض للحق .
                    جوامع المذاهب في نظرية المعرفة :
                    تنقسم المذاهب إلى مذهبين : من جهة الشيء المعروف .
                    كما تنقسم إلى مذاهب : من جهة الوسيلة التي حصلت بها المعرفة فأما المذهبان في الشيء المعروف فهما :
                    ( أ ) مذهب مادي يقول : ان ما عرفناه انعكاس للواقع وصورة له .
                    ( ب ) مذهب مثالي يقول : إن ما عرفناه لا يعني شيئاً من الواقع , وإنما هو وجود في ذواتنا .. ومافي الخارج : إما مشكوك فيه , وإما زائف , وإما مستحيل , ويدخل في هذا جميع مذاهب السفسطة .
                    ومنهم من يقرب من المادية , فيقول : نعرف ظواهر الأشياء لا جواهرها , والمذهب المادي : يسمى موضوعياً , والمذهب المثالي يسمى ذاتياً .

                    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                    قل خيرًا او اصمت



                    تعليق


                    • #11
                      رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                      وأما المذاهب في وسيلة المعرفة فكما يلي :
                      ( أ ) مذهب حسي يقول : لا معرفة إلا ماجاء بواسطة الحواس .
                      ( ب ) مذهب عقلي يقول : لا معرفة إلا ماجاء بواسطة العقل , وهؤلاء يقولون : يمكن أن يحصل العقل معارف بغير واسطة الحس .
                      ( ج ) مذهب صوفي , أو حدسي (1) يقول : لا معرفة إلا ماجاء بواسطة الروح , وهؤلاء يريدون بالنفي : نفي الشكل الأعلى للمعرفة , وهو معرفة جواهر الأشياء , وهذه المعرفة الصوفية العليا لا تكون إلا لأشخاص قلة وفي حالة مستثناة , يحصل فيها الإلهام , أو الكشف أو الاشراقة , وأهل هذا المذهب يسمون بذوي المعرفة النزيهة .
                      ( د ) مذهب ذرائعي يقول : المعرفة ما أرادته الذات الحرة , أي عقيدة القلب .
                      وهذه المذاهب في المعرفة : مرتبطة بمذاهب أصحابها في الوجود : أي الموجودات اسبق : المادة أم الروح أم العقل ؟ وما بين هذه المذاهب : مذاهب تتميز بمصطلحات جزئية : من ارتيبابية , وتعرف الجزئية بـ ( الاكليكتية ) إي الانتقائية , أو التلفيقية (2) .

                      مصادر المعرفة الصحيحة أو العليا في شتى المذاهب :
                      مصدر المعرفة عند المليين : ما جاء بكتبهم المقدسة , فمصدر المعرفة عند اليهود التوراة , وعند المسيحيين الإنجيل , وعند الأمامية قول الإمام المعصوم , ومصدر المعرف عند الصوفية تجليات الروح , ومصدر المعرفة عند الذرائعيين عقيدة القلب وإرادته , ومصدر المعرفة عند الفلاسفة العقل فقط , أو الحس , أو هما معاً .

                      المصدر الصحيح لجميع المعرفة :
                      المحسوس : هو المصدر الصحيح لجميع أنواع المعرفة البشرية . فالتفاحة مصدر معرفتي بطعمها , وجملة مما أدركته بحسي - مصدر معرفتي - بأن الجزء اقل من الكل ومعرفتي بغير المحسوس مصدرها المحسوس , فالتفاحة التي ذقتها مصدر معرفتي بكل حلاوة مشابهة لم أذقها , ولا مصدر للمعرفة مطلقا غير الموجود المحسوس :
                      ( أ ) إما الموجود المحسوس خارج الذات .
                      ( ب ) وإما الموجود داخل الذات .

                      _______________________
                      ( 1 ) للحدس معنى آخر عند العقليين , وهو رؤية القلب المباشر .
                      ( 2 ) أشار إلى هوية هذه المذاهب الانتقائية مؤلفو كتاب المادية الديالكتيكية .

                      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                      قل خيرًا او اصمت



                      تعليق


                      • #12
                        رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                        وسائل تحصيل المعرفة :
                        تنتقل المعرفة بالوسائط التالية :
                        1 - الحس الظاهر , بالحواس الخمس .
                        2 - الحس الباطن , بانفعالات القلب .
                        3 - العقل وللعقل ملكات ذات وظائف :
                        ( أ ) ملكة تسجل صورة المعروف وتحتفظ به وهي الذاكرة .
                        ( ب ) ملكة تختبر المعرفة وتصححها , وهي ملكة الفهم والتمييز والحكم .
                        ( ج ) ملكة الخيال , وهي التي تؤلف بين صور المحسوسات , وتخترع صورا غير موجودة بهذا التركيب أو لم يشاهدها المتخيل بهذا التركيب , ولكن هذا المتخيل المركب لا يقوم إلا بجزئيات محسوسة .
                        ( د ) ملكة التأمل والتفكير وبها يحصل التجريد من المحسوس والتعميم فنفهم غير المحسوس بالقياس أو باللزوم العقلي .
                        4 - اللغة : وبها يكون التعبير عن المفهومات , وقد يكون وسيلة التفاهم بالرمز والإشارة , ولكننا تقيدنا باللغة لأنها وسيلة التفاهم لجمهرة الناس ومعرفة كل إنسان مضمنة في لغته , ومعرفة البشر : هي معاني الألفاظ التي يتكلمون بها , والسوفسطائي محجوج من معاني لغته , لأنه يقول : « لا نعرف شيئا» فعبر بجملة تعني شيئا عنده وجملة : « لا أعرف شيئا » = أعرف أني لا اعرف ! والسوفسطائي لن ينصر مذهبه إلا بكلام يتضمن معارفه .
                        ومن جهل معنى الكلمة - في لغة قومه - بحث عن معناها عند قومه , فوجد المعنى شيئا يشترك معهم في فهمه كما اشترك معهم في النطق بتلك الكلمة ولقد ولدنا وبقينا لا نحسن الكلام , بل ندرك الأشياء وعند بداية النطق نلتمس المصطلح اللغوي لكل شيء عرفناه .
                        ولهذا لا يحدث الإنسان بمعارفه إلا بالألفاظ التي يشاركه غيره في فهم معانيها , إذن نحن نعرف , وما نعرفه ليس سوى معاني الألفاظ التي نتفاهم بها , وربما قيل : هل للعنقاء معنى ؟ وأقول : نعم يعرفه العرب بالوصف , وإن كانت العنقاء غير موجودة : فصفاتها مركبة من موجود محسوس , , لان معنى العنقاء لابد أن يكون مفهوما , وإلا كانت كلمة عنقاء كلمة بلا معنى ! .
                        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                        قل خيرًا او اصمت



                        تعليق


                        • #13
                          رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                          مصادر للمعرفة مجازية :
                          الكتب المقدسة مصادر للأديان , وهي مصادر للمعرفة البشرية تجوزا لأن التصديق بهذه الكتب جاء من أدلة عقلية مصدرها المحسوس , والروح مصدر لنوع من أنواع المعرفة , فلا تكون مصدرا للمعرفة عامة إلا تجوزا , ومعرفة الروح مصدرها المحسوس .
                          وتحصل بوسائل نقل المعرفة من حس وعقل ولغة .
                          فرؤيا المنام محسوسة نحصلها بالحس والعقل واللغة , والقلب مصدر للمعرفة تجوزا , لان ما اعتقدناه شيء مفهوم بالحس والعقل , ويعبر عنه باللغة , والحس مصدر للمعرفة تجوزا , لأنه أداة لنقل المعرفة , والعقل مصدر للمعرفة تجوزا , لعدة اعتبارات :
                          أولها : أن العقل وسيلة لنقل المعرفة .
                          وثانيها : أن عمل العقل في تحصيل المعرفة أغلب من غيره لناحيتين :
                          ( أ ) أن العقل يشارك الحس في تحصيل المعرفة ثم يستقل عنه في تصحيحها واختبارها وتسجيلها وحفظها واستذكارها , ومعاني الألفاظ جاءت وفقا لما يختزنه من صور .
                          ( ب ) أن أغلب معارفنا مأخوذة من الحالات التي استقل فيها العقل بعمله , ولهذا كان العقل مصدر المعرفة البرهانية .
                          وثالثها : أن العقل مجمع المعارف التي أخذها بالتدريج من الإحساسات الجزئية .
                          ورابعها : أن مافي العقل صورة للموجود , فإذا كان الأصل مصدرا فالصورة مصدر تجوزا .
                          وخامسها : أن العقل مصدر تأكيد المعرفة أو رفضها .

                          لمحة عن حدود المعرفة البشرية
                          :
                          تتبين حدود المعرفة البشرية بقراءة ما كتبناه عن « أنواع المعرفة » . وهنا نشير إلى ملحظ ضروري وهو أن قولنا : المحسوس مصدر المعرفة : لا يعني أننا لا نعرف غير المحسوس , ومعرفتنا المحسوس , إما شرعية , وإما عقلية .
                          منذ يبدأ الحس في نقل المعرفة : يبدأ العقل في تسجيلها وحفظها , ثم بعد ذلك يكون العقل المرجع في تصحيح هذه المعرفة واستذكارها , ويبدو دور العقل في العمليات الفكرية التي يجتلب بها المعرفة ويحفظها , وتتلخص هذه العلميات في التالي :
                          1 - الانتباه عند التقاط صور المحسوسات .
                          2 - الملاحظة , وثمرتها : تمييز كل صورة بهويتها , وتمييز العلاقات بين الصور , وتمييز وجوه الاختلاف بينها .
                          3 - التذكر وهو استرجاع صور الأشياء وعلاقتها ومميزاتها في أي وقت .
                          4 - التعميم , وهو تجريد الأحكام من المحسوسات وتعميمها على مالم يحس .
                          5 - التخيل والاقتراح والفرض .
                          6 - التحليل , وهو رد الشيء إلى ابسط عناصره اعتمادا على مخزون الذاكرة من صور المحسوسات وذلك هو الانتقال من العام إلى الخاص .
                          7 - التركيب وهو رد العناصر البسيطة إلى شكل كانت عليه في الواقع .
                          8 - التأليف وهو رد عنصر ما إلى شكل ما .
                          والمعرفة التي تتم بهذه العمليات تسمى معرفة عقلية , ولا تكون معرفة عقلية إلا وفق : « قوانين العقل » المشهورة .

                          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                          قل خيرًا او اصمت



                          تعليق


                          • #14
                            رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                            وجوه ارتيابية :
                            هل نحن لا نعرف شيئا ؟
                            ( أ ) لأنه لا حقائق في الوجود .
                            ( ب ) أو لأننا لا نستطيع أن نعرف شيئا ؟
                            أم أننا نعرف شيئا على سبيل الشك لا على سبيل اليقين ؟
                            أم أننا إذا عرفنا شيئا مشكوكا فيه : فكل ما آمن به بعضنا ( وإن كان بخلاف ما عند الآخرين ) فهو حق كله , لأن الحق حق عند من يعتقده , وهذه هي مذاهب السفسطة وتتلخص في ثلاثة مذاهب هي :
                            ( أ ) إنكار الحقائق وهو مذهب العنادية .
                            ( ب ) الارتياب فيها وهو مذهب الشكاك أو الارتيابيين أو الحسبانيين أو اللا أدريه .
                            ( ج ) الاعتقاد بأن كل شيء ارتبنا فيه فهو حق وإن كان متناقضا الجمع بينه في الاعتقاد , وهؤلاء أصحاب مذهب « الحق حق عند من يعتقده » وحجتهم تكافؤ الأدلة بين المختلفين ، وقد رد على هؤلاء العلماء والفلاسفة في كتبهم وشرحوا مذهبهم .
                            انظر على سبيل المثال : المغني لعبد الجبار بن أحمد المعتزلي في الجزء الثاني عشر الخاص بالنظر والمعارف ص 41_54 كما ذكر ابن حزم مذهبهم ورد عليها في المواضع التالية :
                            « الفصل 8/1_9 بعنوان : باب الكلام على أهل القسم الأولى , وهم مبطلو الحقائق وهم السوفسطانية » .
                            « وفي الفصل 5/ 119_136 بعنوان : الكلام على من قال بتكافؤ الأدلة .
                            وثمة استشكال رابع وهو :
                            هل في الوجود حقائق , من الممكن أن نعرف منها أشياء ومن الممكن أن نجهل أشياء , ومن الممكن أن نعرف أشياء على سبيل القطع واليقين ؟
                            وأصحاب هذا المذهب مختلفون في المثل الأعلى للمعرفة ؟
                            أي المعرفة اليقينية بماذا نحصلها؟ أبالحس ، أم بالحس والتجربة ، أم بالعقل أم بالروح والإلهام أم بالشرائع ؟
                            وكل مذهب من هذه المذاهب يحرص على وضع قانون للحصول على المعرفة اليقينية .
                            وقد أثرت هنا أن تكون نظرية المعرفة مبنية على المسلمات العامة التي يؤمن بها مثبتو الحقائق والمعرفة ، وهم أصحاب المذاهب المتفرعة عن المذهب الأخير الذي ذكرته آنفا .
                            اما السوفسطائيون - بشتى مذاهبهم - فقد أثرت ألا أراعي خلافهم هنا وان أقول لكم دينكم ولي دين لعدة اعتبارات :
                            أولها : أن كل بداية سوفسطائية لابد أن تعتمد على أركان من المسلمات والقطعيات .
                            وثانيها : أن مذهب السفسطة يعني اعتقاد شيء ما فهذا الاعتقاد معرفة فهو مذهب ينقض آخره أوله و مابني على التناقض فمن الحيف أن يراعى في الخلاف .
                            وثالثها : أن كل خطوة يخطوها السوفسطائي في الحوار تعني أنه يعرف شيئا وما يلزمه من معارف في خطواته الأولى هو المسلمات العامة لمثبتي الحقائق فلابد أن نبدأ من المسلمات التي يؤمن بها كل مخلوق إما لإقراره بها وإما للزومها له عند الحوار .
                            ورابعها : أن جميع مذاهب السفسطة لا تخلو من أحد أمرين : إما أن يكون شاكا وإما أن يكون مستيقناً ، فمذهب اللاأدرية مذهب شك بطبيعته ، ومذهب العنادية يبدو أنه يقيني لأنه نفى يقينا أنه لا وجود للحقائق ولا معرفة له بها ، فهذا في حقيقته شاك أو مستيقن ولابد من أحدهما ، لأنك إن قلت له : هل نفيك للحقائق معرفة يقينية عندك أم لا ؟
                            فان قال : معرفتي بذلك يقينية فقد نقض مذهبه في انه لا يعرف شيئا فكان من فئة القطعيين , وإن قال : لاأدري أو أنا شاك فهو من اللاأدريه ولهذا كان البناء على مسلمات هو الأصل عند كل البشر .
                            وخامسها : أن غرضي شرح معرفتي وبيان مدى ثقتي بها وتحصيني اليقيني منها من الشكوك وإلزام كل من يؤمن بالمسلمات العامة باليقين بها لأنها عند تحليلها تعود إلى المسلمات . وموجز هذه المسوغات الثقة بالمذهب القطعي ( مذهب مثبتي الحقائق ومثبتي معرفة بعضها على سبيل اليقين ) وعدم الخوف من السفسطة حتى ولو كانت بداية المنهج .
                            ومنهجي منهج من يذهب إلى بناء نظريات المعرفة على مسلمات قطعية يؤمن بها كل من يؤمن بمعرفة يقينية لأي حقيقة ما أي عدم مراعاة خلاف السوفسطائية , وعدم الابتداء بالسفسطة , وهؤلاء لا يهمهم إرغام السوفسطائي على الإيمان بالمعرفة وإنما يهمهم تحصين عقيدتهم أنفسهم من أن ينحرف بها شك السوفسطائي ، وهذا هو منهج المتكلمين من المسلمين فهم لا يحاجون السوفسطائي عند تقريرهم لنظرية المعرفة وإنما يحاورونهم في مباحث خاصة لإفساد اعتراضهم .
                            بل هناك من لا يرى محاورتهم أو التكلم معهم وأن حقهم أن يؤدبوا فقط ( انظر المغني 12/41 ) . وقد رأيت أن صياغة المنهج الأول وإن كانت مبنية على صياغة سوفسطائية في بناء نظرية المعرفة لا تقوم دون أركان من المسلمات القطعية .
                            أذكر على سبيل المثال منهج ديكارت في بناء المعرفة على السفسطة ، فقد زعم - على سبيل الافتراض - : أنه لا يعرف شيئا حتى وجوده لا يعرف أهو موجود أم لا ؟ فهذه بداية سوفسطائية ، ثم زعم أنه إن عرف شيئا فهو مشكوك فيه ، فهذه سفسطة ثانية ، ثم انتهى إلى قطعية أخذها من هاتين السفسطتين : وهو أنه يشك ، لأنه لا يقين عنده ، لأنه إن كان هذا الشيء يقينا من تلك الوجوه فهو باطل من وجوه أخرى ، هذه هي صفة الشك ، ومن يشك يفكر لأن الشك أدنى مراحل التفكير ، فعند ديكارت حقيقة ثانية هي : أنا أفكر .
                            قال أبو عبد الرحمن : لو كانت كل بداية المنهج سوفسطائية لما كان له الإيمان القاطع بأنه يفكر بل انتهى إلى هذا اليقين بقطعية لا سفسطة فيها وبين الشك والفكر علاقة لغوية .
                            وهذه العلاقة اللغوية رمز عن معرفة ما إذ ألفاظ اللغة رموز للمعارف ، ولو أتم صياغة البداية للتسفسط لقال : لا وجود لشيء اسمه شك أو يقين ، والفكر صفة إثبات والإثبات وجود ، فلا يفكر إلا موجود ولهذا كانت صياغة الكوجيتو الديكارتية : " أنا أفكر إذن أنا موجود " وهاته قطعية لا سفسطة كالتي قبلها .



                            * * *

                            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                            قل خيرًا او اصمت



                            تعليق


                            • #15
                              رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                              معرفتنا انعكاس لارمز


                              أريد أن أتجنب المصطلحات التي تعددت معانيها حتى لا يحدث اللبس والإيهام في المعاني التي أريدها .
                              فلن أتكلم عن المادة وللامادة ، لأن في ذلك متاهة بين الماديين والمثاليين وإنما أتكلم عن الموجود واللاموجود والمفهوم واللامفهوم .
                              والموجود الذي تصل إليه معرفتي : قد يكون حسيا عرفته بحسي أو بممارسة الآخرين .
                              وهذا يطلق عليه ( مادي ) أي له كم أو كيف بشتى المقادير والأشكال ومعرفتي لهذا اللون معرفة ( حسية عقلية ) .
                              وقد يكون الموجود الذي تصل إليه معرفتي _ ولا أقول إنه مادي أو غير مادي موجوداً لم أعرفه بحسي ولم أر أن الناس مارسوه .
                              فمعرفتي به ليست معرفة ( حسية عقلية ) بل معرفة ( عقلية خالصة ) لأنني اعرف وجوده بلزوم عقلي ، أو بإحساس لأثره .
                              ويؤيد صدق هذه المعرفة :
                              أن كثيرا من معارفي الحسية العقلية كان معرفة عقلية خالصة _ قبل أن أحس به فلما أحسست به صار معرفة عقلية حسية .
                              والذي يسقط المعرفة العقلية الخالصة من نصاب المعرفة البشرية :
                              ينسى أن كل تجربة حسية مسبوقة بمعرفة نظرية .
                              ولم تكن المعرفة النظرية خاطئة في كل التجربات فصدق وصحة بعض المعارف النظرية دليل على صحة المعرفة العقلية الخالصة .
                              وهب أن معرفة العقل الخالصة : لا تتأتى إلا من تجريدات وعمومات حسية .
                              إلا أننا في هذا التجريد والتعميم : نصل إلى معرفة وجود مالم نحسه بعد .
                              فكلامنا عن الشيء الذي نعرفه وليس عن مادتنا في المعرفة .
                              ولست الآن بصدد إقامة البرهان على وجود معرفة حسية عقلية ومعرفة عقلية خالصة وإنما حديثي عن المعرفة الحسية العقلية فقط .
                              فالمعرفة الحسية هي التي التقطها بحواسي الخمس الظاهرة .
                              وسأستثني من البحث : ما اعرفه بحسي الباطن : الذي يدرك ألم الحزن ولذة الجماع .
                              والشيء المحسوس _ الذي عرفته بحسي _ : لابد أن يكون له مقدرا من المقادير الكمية أو شكل من الأشكال الكيفية , وهو ما يسمونه بالمادة وهي الكائنات الحية ( من الحيوان والنبات ) وغير الحية : من الجوامد والسوائل والكهارب ، والذبذبات والطاقة .
                              والماديون يسمون هذه الأشياء الطبيعية . أن الطبيعة _ في أغلب أشكالها وفي جمع عناصرها _ : سابقة للوعي البشري لأن كل مولود منا يفتح وعيه على كائنات موجودة - قبل أن يوجد هو ووعيه .
                              فإذا تفتح وعيه على الكائنات : عكس له حسه البشري صورة الكائنات . ومن تجمع هذه الانعكاسات ومشاهدة العلاقات بينها يأخذ العقل أحكامه و قوانينه وتجريداته وعموماته والبرهان على ذلك : أن الكائنات قبل الوعي ، وأن الكائنات لا تفتقر - في وجودها إلى مخلوق بشري يعيها .
                              بيد أن عددا من الفلاسفة تقحموا حماقات إيديولوجية : يحار الفكر في تسليمهم بها - مع عظم عبقريتهم وسعة معارفهم - فثمة فلاسفة يعرفون بالمثاليين الذاتيين كـ ( باركلي ) و ( ماخ ) يقولون :
                              ما ثمة موجود موضوعي خارج حسنا ، إنما الموجود الإحساس الذاتي . أي الثابت في إحساسي ، أو المشترك في إحساس عدد الناس .
                              ويترتب على هذا المذهب : أن الإنسان لا يعرف الأعيان بصفاتها وخصائصها أي انه لا وجود لشيء خارج الحس البشري له صفات وخواص .
                              وإنما الحس البشري - بوجود هذه الإحساسات فيه - : خلق أشياء خارج الحس ومنحها صفات وخصائص . ويلزم هؤلاء انه لا وجود إلا للوعي البشري وبعضهم يقول : توجد أعيان خارج وعينا ولكن حسنا البشري لا يعكس لنا صورة هذا الوجود ولا سبيل لنا إلى المعرفة إلا بالحس لذا فنحن عاجزون عن معرفة الأعيان الموجودة وبهذه يلتقون في كلتا الحالتين - مع الارتيابيين .
                              ومجرد عرضنا لدعوى المثاليين ، ومن يقول باستحالة المعرفة كاف للدلالة على سخافة هذه الدعوى .
                              ولكن الأنصاف يقتضي منا عرض وجهة نظرهم مصحوبة بتأييداتهم لها .
                              ولقد رأيت : أن كل تأييد لهذه الدعوى يقوم على التمثيل بحالات من حالات خداع الحواس خذ - على سبيل المثال :
                              1 - يقول الفيزيولوجي الألماني ( موللر ) ( ان الاحساسات لا تتعلق بتأثير أشياء العالم الخارجي ، بل بأعضاء الحواس ذاتها ) ( الطاقة النوعية الملازمة لها ) وهذا يعني أن معرفتنا الحسية ليست ، انعكاسات للعالم الخارجي ، وإنما هي من معطيات الحس ذاته .
                              وقد وسع ( فورباخ ) هذه النظرية وسماها ( المثالية الفزيولوجية ) .
                              وماداموا يتكلمون بلغة فيزيولوجية فالأمر هين . إن المعرفة الحسية التي نعتبرها انعكاسا للواقع الخارجي : لا تنكر أن للحواس معطيات من ذاتها لا تعكس الواقع ونحن نستثني حالة خداع الحواس من المعرفة الحسية التي نؤمن بها .
                              والمعرفة الحسية المبرأة من خداع الحواس : مشروطة بسلامة الحواس .
                              فالعين السليمة المجردة تعكس العالم الخارجي ولكنها لا تعكسه كما يعكسه المجهر .
                              2 - يذهب ( غيل مغولنر ) احد العلماء الطبيعيين في القرن التاسع عشر - في كتاب له اسمه « فيزيولوجية البصريات » إلى أن الاحساسات رموز للظواهر الخارجية ينتفي عنها كل تشابه مع الأشياء التي تمثلها :
                              وهذا يعني : أن الحس البشري لا يعكس الواقع ، لأنه لا تشابه بين الاحساس والمحسوس وعلى هذا أيضا :
                              يكون الاحساس مجرد رمز ، ونظرية الرمز هذه تسمى ( النظرية الهروغلوفية ) قال بها ( بليخانوف ) ونحن لا نقول : أن احساسنا ينقل لنا الأعيان في الخارج على صورة واحدة .

                              ولا نقول انه ينقل لنا صورة كل جانب من جوانب احد الأعيان .
                              بل هذا مرهون بطاقة الحس واستعداده وفي شريعة ربنا : نحن مكلفون - في عبادتنا ومعاملتنا - وفق الطاقة الحسية المشتركة بين المسلمين .
                              لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها .
                              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                              قل خيرًا او اصمت



                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:01 ص
                              ردود 0
                              6 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 24 ينا, 2024, 12:00 ص
                              ردود 0
                              2 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 23 أغس, 2023, 08:53 م
                              ردود 0
                              27 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 6 يون, 2023, 01:37 ص
                              ردود 0
                              14 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 يون, 2023, 03:05 ص
                              ردود 0
                              16 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                              بواسطة *اسلامي عزي*
                               
                              يعمل...
                              X