الإسلام والغرب (2) موقف المسلمين من الغرب

تقليص

عن الكاتب

تقليص

سيف الكلمة مسلم اكتشف المزيد حول سيف الكلمة
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    الإسلام و الغرب > الصراع ليس اقتصاديا فقط!! >
    الصراع ليس اقتصاديا فقط!!(*)


    عبد الله بن عبد العزيز العفيص


    ظاهرة إيجابية أن يناقش موضوع (الغزو الثقافي..) في برنامج (وجه لوجه) على شاشة القناة الأولى بالتلفزيون السعودي ليلة الأحد 12/1/1418هـ والذي قدمه الأستاذ محمد رضا نصر الله، ولقد شاهدت واستمعت لكل ما طرح حول الموضوع غير أن زمن البرنامج كان غير كاف لتغطية جوانب الموضوع وسماع مشاركات المشاهدين كاملة، وكنت التقيت في اليوم التالي (مصادفة) الأستاذ مشعل السديري الكاتب المعروف، والذي كان أحد المشاركين في الندوة وأبديت له على عجل انطباعي حول ما طرحه وبشكل مقتضب لظروف الزمان والمكان، وأجدها فرصة أن يكون لي مداخلة حول نقطة ذكرها الأستاذ مشعل في معرض حديثه في الندوة اختلف معه فيها وهي إرجاعه سبب الصراع والحروب بين الأمم إلى الدافع الاقتصادي فقط إذ قال ما نصه: "الحروب كلها بالدرجة الأولى هي اقتصادية، من ما خلق الله الأرض ومن عليها إلى أن تنتهي. دائما الاقتصاد هو الذي يسير الحركة. فكل هذه الأشياء مخدومة من أجل أشياء اقتصادية. قديما لما كانت حروب ما بين قبيلة وقبيلة هو الدافع اقتصادي. حتى ما بين الدول حتى الحروب الكبرى كانت أهدافها فيا النهاية أو نهايتها هي اقتصادية..." انتهى المقصود. ولا شك أن الاقتصاد قد يكون سبباً أو عاملاً من عوامل الصراع ولكن ليس صحيحا أن كل الحروب منذ خلق الله الأرض ومن عليها إلى أن تنتهي سببها الاقتصاد، لأن معنى ذلك أننا نختزل كل العوامل والأسباب الأخرى في عامل واحد وهو الدافع الاقتصادي، وهذا هو التفسير المادي للتاريخ الذي يعزو كل الحروب والصراعات إلى مصالح طبقية متصارعة سببها البحث عن الطعام وامتلاك وسائل الإنتاج؛ فعلى سبيل المثال لم يكن صراع الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع أقوامهم نتيجة دوافع اقتصادية، وأيضا لم تكن الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء كذلك، بل أن الغاية والهدف الأسمى هو حمل الناس على عبادة الله وحده، وهذا ما أكده الصحابي الجليل ربعي بن عامر بما نصه: "الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام."اهـ. ولا يمنع مع ذلك أن يكون الاقتصاد وتحصيل المصالح الاقتصادية من ثمرات الجهاد كغيره من المصالح الأخرى سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو إنسانية وهذا ما يفسره قول عبادة بن الصامت للمقوقس: "وليس غزونا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا ولا حاجة للاستكثار منها إلا أن الله عز وجل قد أحل ذلك لنا وجعل ما غنمنا من ذلك حلالا."اهـ. ولو لا ضيق المساحة لأوردت أمثلة ونماذج كثيرة من التاريخ ترد ما ذهب إليه الأستاذ مشعل السديري في هذه القضية ولعل فيما ذكر غنية والله الموفق.


    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:34 ص.
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

    تعليق


    • #17
      الإسلام و الغرب > موازيننا وموازينهم في سقوط الحضارات >
      عرفته طالباً ذكياً مبرزاً لا يستطيع العرب ولا الأمريكان مجاراته في الدراسة في مجال تخصصه الرياضيات. أو حتى المواد الأخرى، مما دعا الجامعة إلى تقديم منحة لأحد إخوته. وكان إلى جانب امتيازه في الدراسة مهتماً بالحضارة الغربية، فقد قال لي في أحد الأيام: "هذه الحضارة الغربية تفتقد القيم الرفيعة السامية" وربما كنت قد درست شيئاً في نقد الحضارة الغربية في منهج (التوحيد والتهذيب) في السنة الثانوية الثالثة. ولكن (الصدمة الحضارية) كما يطلقون عليها ربما أنستني وأنست غيري كثيراً مما درسنا.

      وافترقنا سنوات حتى لقيته مصادفة في مطار جدة القديم وأنا أتقدم نحو الأمانات لأودع حقيبتي بينما انتظر الرحلة التالية؛ وتضايقت من سوء معاملة الموظف –وكنت عائداً حينئذٍ من الولايات المتحدة– فقلت لو كان ثمّة صناديق نضع فيها قطعة نقدية فتفتح ونضع الحقيبة ويظل المفتاح معنا حتى نعود . فنظر إليّ الأستاذ حسين الصوفي وقال: "كأنك تأثرت بالغرب، تفضل التعامل مع الجمادات على التعامل مع البشر!" لم أفكر طويلاً في عبارته حتى قرأت مقالة الدكتور تركي الحمد في جريدة الشرق الأوسط (الصادرة بتاريخ 22/9/1991م) التي يزعم فيها "أن الغرب لا يسقط"، وإنما غيره يسقط؛ لأن الغرب منفتح على نفسه وعلى غيره بينما الآخرون سقطوا لجمودهم وتمسكهم بالقديم وعدم السماح بالنقد. وبذل الدكتور الحمد جهوداً مضنية محاولاً إقناع القراء أن الغرب لا يسقط ووعد بمقالات أخرى في هذا الموضوع .

      لا شك أن من حق الدكتور الحمد أن يقتنع بما يشاء. لكني أرجو أن يتسع صدره للحوار، ولسماع الرأي الآخر. وليس المقصود بهذا الحديث الدكتور الحمد وَحْده، فهناك نفر من الناس مقتنعون تماماً بما يقوله الدكتور. وهم عندما قرأوه لا بد أنهم صاحوا بنشوة عارمة: "أحسنت وأجدت وقلت صواباً: إنّ الغرب لا يسقط".

      ولقد أوضح الدكتور تركي أنه على علم بما قاله – ويقوله – فلاسفة الغرب ومفكروه حول سقوط الحضارة الغربية. وذكر أسماء بعضهم، وإن كان لم يورد شيئاً من أقوالهم وآرائهم. ونحمد الله عزّ وجلّ أننا لا ننتظر فلاسفة الغرب ولا مفكريه ليقولوا لنا بسقوط حضارتهم. ومع ذلك فـ(الحكمة ضالة المؤمن، أنّى وجدها فهو أحق بها). فقد يتضمن كلامهم بعض الحكمة. كما أننا نأخذ من كلامهم عملاً بالآية الكريمة: {وشهد شاهد من أهلها}.

      إن للقرآن الكريم منهجه الفريد والمتميز في توجيه الأنظار إلى أهمية نقد الذات ومحاسبتها حتى أقسم الله عزّ وجلّ بالنّفس اللوّامة: {لا أقسم بيوم القيامة . ولا أقسم بالنّفس اللوّامة}. ويقول خالص جلبي أن هذه الآية تضمنت "أولاً عملية مراجعة ومحاسبة ولوم النّفس لما حدث، ويقسم الله فيها لأنها مستوى عظيم في وصول الإنسان إليه. وثانياً تشديد لفظ "لوّامة" أي أن هذه النّفس أصبح لها هذا الأمر خلقاً وعادة وطبعاً تطبعت عليه بمعنى أن ممارسة النشاط أصبح مرتبطاً بشكل عضوي بهذه العملية". وعملية النقد الذاتي كما هي عملية فردية فإنها تتم على المستوى الجماعي كما ورد في قصة أصحاب الجنّة الذين تآمروا على أن لا يؤدوا حق الفقراء فيها. فلما انتقم الله عزّ وجلّ منهم أخذوا يتذكرون ما عملوا ويحاسبون أنفسهم عليه. كما جاء في قوله تعالى: {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون}.

      ثمّ يوجه القرآن الكريم الأنظار إلى نماذج رفيعة من محاسبة النفس ونقدها، وهل ثمة أمثلة أعلى من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام فقد ذكر عن يونس عليه السلام قوله:{سبحانك إني كنت من الظالمين}. وجاء على لسان موسى عليه السلام:{ربِّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي}. ومتى ما تحقق للفرد هذا المستوى الرفيع من محاسبة النفس ومراقبتها؛ كان من السهل بل من المحبب إليها أن تتلقى النقد الخارجي حتى أن تراثنا السياسي يروي لنا عبارات لا تتوفر في أي تراث سياسي آخر ومن ذلك: "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها" وهذه تشير إلى توجيه الحاكم ليتقي الله. وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (رحم الله إمرئاً أهدى إليَّ عيوبي.

      ومن منهج القرآن الكريم في تعليم المسلمين النقد الذاتي أن وجه أنظارهم إلى الأمم السابقة وما حل بهم. فهو لا يكتفي بأن يخبر الإنسان عن مصير تلك الأمم والأقوام بل يوجه الأنظار إلى البحث والتنقيب والدراسة لتلك الأمم وآثارهم؛ وفيما يأتي بعض الآيات التي تدعو إلى ذلك:

      1 - {كم تركوا من جنات وعيون وزروعٍ ومقامٍ كريم ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين، كذلك أورثناهم قوماً آخرين، فما بكت عليهم السماء وما كانوا منظرين} سورة الدخان .

      2 - {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} سورة

      3 - {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} سورة النحل (16) .

      4 - {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل} سورة الروم (30) .

      5 - {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} سورة الكهف

      ولذلك فإن ما ذكره الدكتور تركي الحمد عن الانفتاح على الذات والنقد في الحضارة الغربية ليس بالأمر الجديد على الحضارة الإسلامية. والحقيقة أن الدكتور ليس أول من قال بهذا عن الحضارة الغربية فقد سبقه كثيرون. ولعل ذلك مما يفتخرون به على الأمم الأخرى. فهم لا يقصدون نقد الذات فقط بل نقد التراث والنصوص؛ فكما أخضعوا كتبهم المقدسة للنقد ودساتيرهم وقوانينهم فهل يظنون أن كل النصوص قابلة لمثل هذا النقد؟ ومن الأمثلة على ما قلت: ما كتبه برنارد لويس المستشرق البريطاني الأصل اليهودي الملّة الأمريكي الجنسية في بحث له نشر في أكتوبر سنة 1963م في مجلة إنكاونتر (Encounter) قال فيه: "إن أصول مواقف الشرق الأوسط تجاه الغرب لم تحظ باهتمام كبير بالرغم من أهميتها، ولكنها تزداد أهمية في غياب العادات الخاصة بالغربيين وهي التحليل الذاتي والنقد الذاتي" ؛ وقد أعاد هذا الكلام في مقالة أخرى نشرت في مجلة "اتلانتك الشهرية" في سبتمبر 1990م وفيها يعترف بالانحرافات الأخلاقية والاجتماعية في المجتمعات الغربية، ولكنه يؤكد على وجود النقد الذاتي ومحاولة الإصلاح. ويكفينا دليلاً على أصالة النقد الذاتي في الإسلام قوله تعالى: {إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم}، ولكن الأمّة الإسلامية تحتاج إلى درجة عالية من الجدية لتحقيق هذا التغير .

      أما مسألة سقوط الحضارات فإن القرآن الكريم قد أعطى هذه المسألة عناية كبيرة. والدليل على ذلك الآيات التي توجه الأنظار إلى ما حلَّ بالأمم السابقة . وإذا رجعنا إلى التاريخ والآثار ونقبنا ليس بحثاً عن تأييد لأفكار مسبقة عن عظمة الفراعنة أو حضارة البابليين أو السومريين أو الأشوريين وغيرهم. لو بحثنا بموضوعية وتجرد لتأكد لنا أن هذه الأمم بلغت درجة عالية من التقدم المادي، لكنها أعرضت عن منهج الله عزّ وجلّ فحق عليها الدمار وانتهى أجل حضارتها وبالتالي سقطت. وهذا ما سيحل بالحضارة الغربية {سنّة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلاً}(الأحزاب 23). أما الأدلة على إعراض الحضارة الغربية الحالية عن منهج الله ففيما يأتي بعضها:

      أولاً: قام الغرب في نهضته الحالية على استعباد الشعوب ونهب ثرواتها. وما زال يقوم بهذا الدور ولم يتراجع عنه قيد أنملة. وليست المسألة مسألة ذكاء أو عبقرية ولكنه تخطيط وتصميم على أن تكون السيادة للغرب. وقد أثبت التاريخ أن الرومان قسموا العالم إلى سادة وعبيد. بل أن السادة أنفسهم اختلفوا في درجات السيادة؛ فسكان روما غير سكان المدن الأخرى. أما العبودية فلا تمايز فيها، أو هي كما وصف أحدهم حال مواطني إحدى الدول: "مسحوقين وأشدُّ سحقا".

      ثانياً: الفساد العقدي والأخلاقي: لقد قامت مدنية الغرب الحديثة على "الانفصال النكد" بين الدين والحياة. وإن كان للغرب بعض العذر في ذلك فإنه يسعى لفرض هذا الانفصال على جميع شعوب الأرض وانظر إلى موقفهم من الحركات الإسلامية التي أقلقتهم وشغلتهم. ولو عددنا المؤتمرات والندوات والكتب التي صدرت في الغرب عن الإسلام لكانت بالألوف.

      وما دام الغرب لا يعترف بعقيدة فإنه بالتالي بعيد عن منهج الله عزّ وجلّ، لذلك انتشرت فيهم الفاحشة بأنواعها من زنى ولواط وغير ذلك من الفواحش. ولقد كان الشذوذ الجنسي سبباً في تدمير قوم لوط كما جاء في قوله تعالى: {وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين}.

      ونظراً لأهمية مسألة نقد الذات فلا بأس أن نواصل الحديث في هذا المجال. إن الفترة الأولى لنشأة الدولة الإسلامية في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يقودها ويوجه خطواتها الوحي الكريم، يضع لها القواعد في نقد الذات وفي مراجعة النفس ومحاسبتها. ومن الأمثلة على ذلك الآيات التي نزلت بعد غزوة أحد فقد جاء منها: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين، هذا بيان للناس وهدى وموعظةً للمتقين، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} آل عمران 137 – 141 .

      ويبدي الدكتور تركي الحمد إعجابه بالغرب وانفتاحه على نفسه وممارسته للنقد الذاتي والخطاب العقلاني في مقابل الخطاب الأيدولوجي الذي تتمسك به بعض الأمم الأخرى والذي كان السبب في جمودها وسقوطها في نظره، ولكن ليت الدكتور يوضح لنا ما العيب في الخطاب الأيدولوجي وبخاصة إذا كانت هذه الأيدولوجيا هي الإسلام إن كان يصح أن نطلق على الإسلام هذا المصطلح – والإسلام بلا شك أسمى من هذا المصطلح المستهلك على ألسنة وأقلام العقلانيين (كما يزعمون لأنفسهم)؛ ومع ذلك فلو اتفق عقلاء العلماء المسلمين على قبول هذا المصطلح فعندئذ لا مشاحة في الاصطلاح .

      أما أن الغرب يمارس نقد الذات ومحاسبة النفس والمراجعة العقلانية فأمر لا تثبته القوة الظاهرة للغرب التي تغطي وتستر كثيراً من العيوب؛ فالذي توفرت له الفرصة ليعيش في الغرب فترة من الزمن يدرك إدراكاً حقيقياً أن النقد الذاتي هذا خدعة كبرى وليس حقيقة .

      فقد عشت في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من 1388 حتى 1393هـ (1968 – 1973م) ووعيت كثيراً من القضايا الكبرى أو الفضائح الكبرى التي كان يعيشها المجتمع الأمريكي مع أنني كنت في سن لا تسمح لي أن أتعمق في مثل هذه الأمور؛ كما لم يكن لدي الثقافة الكافية أو الميزان الصحيح لأزن به هذا المجتمع .

      كنت أشاهد بين الحين والآخر القناة التلفزيونية التعليمية التي كان بثها ينطلق من جامعة أريزونا الحكومية (A S U)، وكانت هذه القناة تتناول المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية في المجتمع الأمريكي، وتوجه النقد للمسؤولين عن هذه المشكلات؛ وإلى جانب هذه القناة صدرت العديد من الكتب والدراسات التي تتناول مشكلات المجتمع الأمريكي ومنها: كتاب (هزّة المستقبل Future Shock)، وكتاب (اخضرار أمريكا Greening of America)، وكتاب الدوس هسكلي: (زيارة أخرى للعالم الجديد الشجاع Braver New World Revisited)، وكتاب (1984)لجورج أورول .. وغيرها .

      وإلى جانب هذا النقد ظهرت دعوات هدامة كثيرة أذكر منها الدعوة إلى إباحة المخدرات وبخاصة أحد أنواعها الذي يزعمون أنه لا يسبب الإدمان، وكذلك الدعوة إلى المزيد من الحرية الجنسية وغلى إباحة الإجهاض وغيرها من الدعوات؛ وقد نجحت الدعوات الهدامة فيما فشلت مسألة النقد الذاتي. فقد كانت المدن الجامعية أكثر الأماكن أمناً لتعاطي المخدرات. والغني عندهم لا يقام عليه الحد. كما ازدادت الحرية الجنسية حتى جاءهم الهربز أولاً فلم يرتدعوا فجاءهم الآن الإيدز. أما الإجهاض فهو شبه مباح .

      ونظراً لاتساع رقعة الولايات المتحدة وتعقد الحياة الاجتماعية فيها وسيطرة جهات معينة على وسائل الإعلام فإن الذين يصنعون قضية اليوم (التجسس على حياة الناس الخاصة كما في كتاب 1984 مثلاً) يستطيعون اختراع قضية أخرى في الغد تنسي الناس القضية الأولى، ولما يجدوا لها حلاً فهم يستطيعون بأساليبهم تصوير القضية الجديدة على أنها أشد خطورة وأكثر حساسية (وقد أخذت بلاد العالم النامية هذه السياسة في إشغال شعوبها) .

      وما زلت أذكر من تلك السنوات كيف عاش الشعب الأمريكي سنوات طويلة لا يشغل باله تقريباً إلاّ قضية إيقاف حرب فيتنام. وقضية العائدين من هناك بعد أن فتكت بهم الحرب نفسياً وعقلياً وأخلاقياً وسلوكياً وجسدياً، كيف يعودون إلى الحياة الطبيعية المدنية .

      وكان من القضايا المثارة حينذاك أيضاً قضية حماية البيئة؛ فهل كانوا جادين حقاً في الإصلاح؟ ذلك أن التخريب أحدثته وتحدثه المصانع التي يملكها أصحاب رؤوس الأموال الذين يملكون الحكم والإعلام والتوجيه. وما زلت أذكر أستاذاً كان ينتقد الحكومة الفدرالية في تهاونها مع هذه المصانع، فما كان من إدارة الجامعة إلاّ أن عينته وكيلاً للعميد حتى يتوقف عن إعطاء المحاضرات وينشغل بالمنصب. ومازالت البيئة تزداد عندهم سوءاً وإن كانوا قد نقلوا بعض صناعاتهم إلى دول أخرى ليخربوا البيئة في هذه الدول بحجة رخص الأيدي العاملة.

      إذاً ليس استمرار الغرب في هيمنته على العالم في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية من خلال قوته ومن خلال النظام العالمي الجدي المزعوم دليلاً على نجاح عقلانية الغرب؛ ولكن نتيجة لأن الآخرين تركوا لهم المجال يقودونهم كما يشاءون. ولو فاق المسلمون إلى ما يملكون من إمكانات ومقدرات مادية ومعنوية وبخاصة في مسألة نقد الذات ومحاسبة النفس إلى حد أن هذا النقد ليس مقتصراً على فئة دون أخرى؛ ولكنه عندما يطبق التطبيق الصحيح يتناول الجميع من أعلى القمة في المسؤولية إلى أدنى موظف .

      وأختم هذه المقالة بقول الصدِّيق رضي الله عنه: (إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني).

      التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:33 ص.
      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
      وينصر الله من ينصره

      تعليق


      • #18
        الإسلام و الغرب > ماذا تفعل هناك يا ولدي؟ >
        كثر الحديث في الأشهر الماضية عن القوانين الجديدة التي أزمعت فرنسا على إصدارها أو أصدرتها للحد من هجرة الأجانب إليها وبخاصة أبناء المغرب العربي؟ ففرنسا هي التي شجعت الهجرة يوماً ما أو فرضـتها على أبناء المغرب العربي وبخاصة في أثناء الحرب العالمية (الأوروبية) الأولى والثانية حينما احتاجت خدماتهم إمّا مجندين في صفوف قواتها لحمايتها أو للعمل في مصانعها ومراكز الإنتاج الحربي والمـدني، وهذا ما فعلته فرنسا مع شباب مستعمراتها في أفريقيا. كما شجعت فرنسا ما سمي بالحركات القوميـة في العالم العربي في إبان الانتفاضة على الحكم العثماني حتى اتخذها كثير منهم وطناً له، وذلك لأن الإغـراءات كثيرة للعيش في الغرب في ذلك الحين -وهي أكثر الآن- وهاهي فرنسا تضيق اليوم بهم ذرعاً فهم يقاسمونها كما تزعم لقمة العيش، ويحتلون الوظائف التي يرون أن أهل البلاد أحق بها.

        ومن هذه القوانين الحد من السماح لمن حصل على الجنسية الفرنسية أن يستقدم من شاء من أقـاربه لزيـارته وبخاصة إذا كانت الزيارة لأقارب المهاجرين. وبالتالي أصبح من الصعب على كثير مـن الذين أقاموا في فرنسا أن يروا والديهم وأهليهم. ففاض الكيل بأديب مغربي يعيش في فرنسا منذ مدة طويـلة وقال إنه من الصعب عليه أن يعمل مخبراً لدى السلطات الفرنسية لو جاءت أمه إلى فرنسا لزيارته فإنها ستضيق بتلك المعاملة ولن تملك نفسها من السؤال: "ما الذي تفعله هناك يا ولدي؟"

        أما تفاصيل الخبر فأوردته مجلة المجلة (9-15مارس 1997م) حيث تحدثت عن الحملة التي بدأها عدد من السينمائيين ضد قانون الهجرة الفرنسي الجديد والتي تحولت فيما بعد إلى حملة احتجاج شعبيـة واسـعة شارك فيها ممثلون عن مختلف الفئات الاجتماعية والمهنية الفرنسية. وأشار الخبر إلى أن من الذين شاركوا في الحملة الأديب الفرنكفوني المغربي الطاهر بن جلون المقيم في فرنسا منذ مدة طـويلة ويحمل جنسية مزدوجة مغربية فرنسية، والحائز على جوائز أدبية فرنسية مثل جائزة الجونكور الأدبية "المرموقة"، ويشغل منصب نائب رئيس المنظمة الفرنكفونية التي يتولى رئاستها جاك شيراك نفسه.

        وجاء في تصريحات ابن جلون أن نظام الهجرة الجديد يجعل من الفرنكفونية مجرد وسيلة للهيمنة السياسية والاقتصادية على البلدان الناطقة بالفرنسية بدلاً من أن تكون أداه إشعاع ثقافي. "وهذا التصريح يحتاج إلى نقاش طويل، فمتى كانت الفرنكفونية غير ذلك؟ إنما هي فعلاً وسيلة للهيمنة السياسية والاقتصـادية. وإن كان ابن جلون لا يعرف ذلك فيقال له (إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم)، فهل الذي يفرض لغته على شعب من الشعوب ويجعلها تنسى أو تتناسى لغتها الأصلية يريد لها خيراً؟ ومع ذلك لم تصبح الفرنسية لغة الغالبية إنما هي لغة الفئة المتنفذة الحاكمة، وقد عرف الفرنسيون كيف يسيطرون عليها ويجعلونها تسير في ركابهم.

        وحتى لا يكون الكلام عاطفياً- كما يقال- قمت بالرجوع إلى كتاب الدكتور عبد العلي الودغيري الفرنكفونية والسياسة اللغوية والتعليمية الفرنسية بالمغرب الذي يتضمن مجموعة من النصوص المترجمة عن الفرنسيـة لمفكرين فرنسيين تناولوا قضية فرض اللغة الفرنسية على الشعوب الإفريقية؛ فأكدوا أنها لم تفرض إلاّ لاستمرار الهيمنة الفرنسية السياسية والاقتصادية على تلك البلاد. وهؤلاء الفرنسيون الذين أبدوا هذه الآراء إنما هم من كبار المنظرين لنظام الحماية الفرنسية بالمغرب وشمال أفريقيـا. ومن هؤلاء كل من لوي جان كالفي و وليام بونتي وموريس لوجلي وبول مارتي وجود فروي ديمونبين. ويـذكر الدكتور الودغيري أن هؤلاء حددوا أهداف السياسة الفرنكفونية بأنها إنما تقوم على "فرنسة السكان بمختلف أجناسهم والقضاء عـلى اللغة العربية باعتبارها المنافس القوي للغتهم: فهي لغة حضارة عريقة وتراث إنساني غني وغزير وأضخم بكثير من تراث الفرنسية نفسها… وهدفه من وراء ذلك أن يبسط هيمنته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وتؤدي به إلى فرض التبعية المطلقة على شعوب منطقة الشمال الأفريقي".

        أما الوسائل التي اتخذتها فرنسا في سبيل تحقيق هذه الأهداف فأهمها نشر المدارس الفرنسية في جميع أنحـاء أفريقيا، ومحاربة تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم بتخفيض عدد الحصص المخصص لها أو حذفهـا نهائيا. ومن أخطر الوسائل التي اتخذها الاستعمار الفرنسي التفريق بين سكان المغرب العربي البربـر والعرب ومحـاولة فرض اللغـة الفرنسية على البربر بصفة خاصة. ويخلص الدكتور الودغيري في مقدمته إلى القـول بأن "سياسة الفرنسة التي أصبحت تسمّى فيما بعد ب "الفرنكفونية" هي سياسة قديمة ومتجذرة بتجذر الاستعمار الذي انطلقت جحافله في القرن الماضي فواكبته وسارت في ركابه… وانتعشت الفرنكفونية من جديد على أيدي بعض الزعماء الأفارقة -ويا للأسف- فإذا هي تبدو في لباس جديد، وتتخذ شعارات أخرى."

        فمما يقوله أحد المفكرين الفرنسيين وهو لوي جان كالفي: "هناك شبح يلاحق أفريقيا المسماة الفرنكفونية، وهو شبح اللغات المحلية الذي وقفت لمطاردته، صفاً واحداً وفي حرب صليبية مقدسة، كل موارد المتروبول القديم، وكل القوى المتوفرة، وكل الترسانة المكونة من المدرسة والقانون والاقتصاد والسياسة. وهذه الحرب الصليبية -كأخواتها في التاريخ - لها رايتها الخاصة، وصليبها، وقناعها المتمثل في مفهوم الفرنكفونية." ثم يتناول كالفي نشأة فكرة الفرنكفونية على يد بورقيبة وسنجور عام 1964م حيت تلقفت -كما يقول كالفي- فرنسا الفكرة وأنشأت "اللجنة العليا للدفاع عن اللغة الفرنسية ونشرها" عام 1966م التي تحولت بعد ذلك إلى "وكالة التعاون الثقافي والتقني(1970م). ويقدم كالفي إحصائيات بأن عدد الذين يتحدثون الفرنسية في بلد من أكثر البلاد فرنسة وهو الجزائر لا يتجاوز عشـرين في المئة من الشعب، وهذه المعرفة تتراوح بين المعرفة الجيدة إلى المعرفة الابتدائية. وتشير الجداول التي قدمها إلى أن الأمر في البلاد الأخرى لا يتجاوز نسب ضئيلة من الشعب تعرف الفرنسية بينما الغالبية العظمى تتفاهم بلغاتها المحلية. ولكن الهيمنة الاقتصادية والسياسية تتطلب فرض اللغة الفرنسية من قبل النخب الحاكمة.

        ونعود إلى السؤال الذي طرحه ابن جلون على لسان أمه" وما الذي تفعله هناك يا ولدي؟" نعم ما الذي يفعله من ترك بلده وهجرها مهما كانت ظروفه صعبة إلى بلد يجد فيها الراحة الجسدية والنفسية وبحبوحة العيش، ويجد فيها الاستقرار. نعم يجد العربي المسلم أن معاملاته الحياتية تسير بيسر وسهولة فلا يجد صعوبة في المواصلات، ويجد راتباً يكفيه وربما يزيد عن حاجته، وإذا أرسل رسالة في البريد كان مطمئنـاً أنها ستصل في الوقت المحدد. يذهب إلى (السوبر ماركت) فيجد ما يريد في جو هادئ. باختصار إنه لا يرغب في العودة إلى بلاده لأنه لا يريد أن يواجه المعاناة التي يواجهها أبناء العـالم الثالث. وقد تحدثت إلى بعض المبتعثين من البلاد الإسلامية فأطنبوا في الحديث عن الإمكانات المتوفرة لهم في البحث العلمي، وليس هذا فحسب بل إنهم يجدون الحياة عموماً أكثر يسراً وسهولة من الحياة في بلادهم. الخدمات هناك لا تبعد عن الإنسان أكثر من تقليب صفحات دليل الهاتف أو ضغط بضعة أصابع للهاتف حتى يصل إليهم ما يريدون.

        فيا أيها الهاربون إلى الغرب لتعطوا الغرب عصارة فكركم وخبراتكم وتزعمون أنكم تؤدون رسالة في دعـوة تلك الأقوام أرجو أن يكون لكم محاسبة للنفس فهل ما تفعلونه يفوق في قيمته وأهميته ما يمكن أن تقدموه لبلادكم؟ إن النفس البشرية مطبوعة على حب الراحة والطمأنينة ويصعب عليها أن تواجه المشكلات والمعضلات وتهرب منها. ولكن أقول لمن أخّر بعثته سنوات وهو ليس في حاجة إلى ذلك إن بلادكم أولى بكم، إنكم ذهبتم إلى بلاد الغرب بأموال أمتكم وليس بأموالكم الخاصة - وحتى لو كانت بأموالكم فمن أين حصلتم عليها؟- إن لبلدكم عليكم حقاً وعليكم أن تكونوا أوفياء لبلادكم. فما الذي تفعله هناك يا ولدي؟ هل تحصل على أسرار الذرة وغيرها وتريد أن تعود بها إلى بلادك أو أنت تبحث عن راحتك الشخصية فإن كانت الثانية فما هذه الدنيا بدار راحة ولا استقرار. وليتذكر أولئك أن الإنسان مطلوب منه أن يبدأ بأهله كما قال الله عز وجل لرسوله {وأنذر عشيرتك الأقربين}. فما حصـلت عليه من علم وما تعرفت إليه من وسائل لتنظيم شؤون الحياة لا تكن أنانياً تستفيد منها شخصياً ارجع إلى بلادك وقابل المسؤولين واكتب لهم عما شاهدت ورأيت حتى يمكن أن تفيد بلادك من وجودك في الغربة.

        التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:33 ص.
        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
        وينصر الله من ينصره

        تعليق


        • #19
          الإسلام و الغرب > بعض الإيجابيات في الغرب >
          عجيب أمر هذا الدين، كلُّه عدل وإنصاف حتى مع الأعداء، هذا ما تأمر به هذه الآية الكريمة{ولا يجرِمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} وغيرها من آيات الكتاب المجيد، وكذلك سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وقد سار المسلمون دهراً طويلاً على هذا النهج المبارك في التعامل بإنصاف مع العدو مثل تعاملهم مع الأخ والقريب. وأقرب القصص ما كان من اختلاف علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع يهودي حول درع، وتحاكمهما إلى قاضي المسلمين فحكم بها لليهودي لأن أمير المؤمنين لم يكن عنده بينة، ولم يقبل القاضي شهادة الابن لأبيه. وكذلك ما كان من حكم قاضي المسلمين حين حكم على الجيش الإسلامي بالخروج من سمرقند نزولاً عند الاتفاق الذي أبرمه قائد الجيش مع رؤساء المدينة. فعجب أهل تلك البلدة من هذا الحكم فأسلم كثير منهم.

          ونظراً لأنني تناولت في كتاباتي كثيراً من السلبيات في المجتمعات الغربية والحضارة الغربية عموماً فمن حق القارئ أن يتساءل أليس للقوم إيجابيات تحدثنا عنها؟ نعم لهم إيجابيات كثيرة من أبرزها تشجيع الابتكار والإبداع. فقد جمعتني مناسبة اجتماعية مع عدد من الأفاضل فكان الحديث عن تشجيع الابتكار والإبداع في نهجنا التربوي. وكان النقد أن من أبرز سلبيات حياتنا المعاصرة كبت القدرات الإبداعية لدينا. وقدم بعضهم أمثلة كثيرة على ذلك .

          ولكني أترك تقديم النماذج التي ذكرها الإخوة الكرام لأتحدث عن نماذج من تشجيع الابتكار في التربية الغربية وفي المجتمعات الغربية عموماً.

          أولاً:طلاب الثانوية في مناظرة سياسية: دعيت عام 1972م ـ حين كنت مبتعثا ـ للتحدث لطلاب الصف الأول الثانوي في مدرسة ثانوية أمريكية حول موقف العرب من قضية فلسطين. وعلمت أن المدرسة قد دعت ممثلاً لليهود للحديث عن الجانب الآخر من القضية. وبعد ذلك قسّم الفصل إلى فريقين: مثّل كل فريق أحد جانبي الصراع ودارت مناظرة بينهما، ودعي بعض أساتذة المدرسة ليكونوا محكّمين لمن تكون الغلبة.

          والسؤال هل يهتم أبناؤنا في المرحلة الثانوية بمثل هذه القضايا؟ وهل نشجعهم على الحوار والمناظرة العلمية؟ مهما كانت نتيجة مثل هذه المناظرة فإنها بلا شك تعّلم الشباب أساليب الحوار العلمي والتناظر، ولا تقتصر العملية التعليمية على التلقين والحفظ الذي يقتل الإبداع.

          ثانيا:لا مكان للروتين في البحث العلمي:كنت في زيارة عادية لبريطانيا سنة 1399هـ هجرية، وأحببت أن أدخل المكتبة في المتحف البريطاني، ولمّا كان دخول المكتبة يحتاج إلى تصريح خاص ومبرر علمي، ولم يكن لدي أي وثيقة رسمية تثبت انتسابي للجامعة فقد احتاج الأمر إلى قليل من الحوار مع المسؤول لإقناعه. ولم يكن الأمر صعباً جداً وأمر المسؤول بإعطائي بطاقة تصريح تحمل صورتي مما يعني تكلفهم إصدار بطاقة .

          وبعد سنوات عديدة في سنة 1404 هـ كنت في حاجة للرجوع إلى بعض الوثائق في المكتبة الوطنية الفرنسية في باريس. فلم يستغرق الأمر سوى بضعة دقائق حيث قدمت للموظف ما يثبت انتسابي لجامعة سعودية، والهوية الرسمية فأعطيت تصريحا للمدة التي رغبت فيها مراجعة المكتبة، وأعطيت رقما للانتظار ريثما يفرغ مقعد داخل المكتبة. ولكن في بلد عربي أضعت يومين حتى تسنى لي مقابلة مدير المكتبة الذي أجرى معي تحقيقاً عن أسباب قدومي وموضوع بحثي وغير ذلك ثم لم يسمح لي الاطلاع إلاّ على بعض علب الوثائق وبحدود ضيقة.

          وفي هذا المجال كانت أيضاً زيارتي للأرشيف الوطني الفرنسي لما وراء البحار في مدينة اكس ان بروفانس في جنوب فرنسا حيث كان دخولي إلى المكتبة لم يحتج إلى مقابلة المدير، بل إن المدير هو الذي خرج من مكتبه للترحيب بي، وأعطيت من العلب التي تحتوي الوثائق أكثر مما احتجت، وصوّرت مئات الصفحات بينما في المكتبة العربية لا يسمحون بتصوير أكثر من عشر صفحات في اليوم الواحد، وبعد خصومة عنيفة سمح لي بتصوير ما أرغب ولكنه كان استثناءً.

          ثالثاً : تشجيع الابتكار في المرحلة الثانوية: تقيم المدارس الثانوية في الولايات المتحدة على مستوى الولاية مسابقة لابتكارات طلاب المرحلة الثانوية لاختيار أفضل الابتكارات للدخول في المسابقة القومية على مستوى الولايات المتحدة كلها كل سنة. وفي هذه المسابقة يتم اختيار بعض الابتكارات الفائزة للدخول في مسابقة مع المدارس الثانوية بين أمريكا والدول الأوروبية. ويحضر المسابقة ممثلون عن الصناعات المختلفة لتشجيع الطلاب وتقديم المنح الدراسية للمبدعين من أصحاب الابتكارات.

          وليست هذه المسابقات مقتصرة على مجال العلوم والتكنولوجياـ مع اهتمام القوم بهذا المجال ـ ولكنهم يهتمون أيضا بالمبدعين والمبتكرين في المجالات المختلفة كالكتابة في المجال الأدبي كالقصة والشعر والرواية والمسرحية والمقالة. وكم من كاتب كانت بداية ظهور موهبته في المرحلة الثانوية.

          نعم إننا في العالم الإسلامي بحاجة إلى الإفادة من الغرب في هذا المجال عملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها)، وقد كنّا بلا شك نهتم بالمواهب فهذه تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه فمن أفراد عاديين في الجاهلية إلى قادة للعالم أجمع ليس في مجال السياسة فقط بل أصبح المسلمون رواداً في شتى المعارف.

          التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:33 ص.
          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
          وينصر الله من ينصره

          تعليق


          • #20
            الإسلام و الغرب > نعم استطعنا إخراج الاستعمار >
            مما كتبه الدكتور حمود أبو طالب في صحيفة عكاظ(11صفر 1419هـ) عن الحبة السحرية أو الساحرة (الفياجرا) قوله: "استعمرت بلدان عربية ولم يغادرها المستعمرون رضوخاً لتفوق السلاح والقوة، بل لأنهم استنفدوا أغراضهم وزالت المبررات لبقائهم. "نعم قد يصح هذا في بلد أو اثنين أو ثلاثة، ولكن العالم الإسلامي عرف القوة، وعرف الجهاد الإسلامي الحقيقي الذي أجبر المحتلين الأجانب على المغادرة .

            وأود أن أوضح هنا أن هذه الأمة أمة القوة والجهاد، وأبدأ بحملة نابليون على مصر التي لم تستمر سوى ثلاثة أعوام. هل خرجت هذه الحملة لأنها استنفدت أغراضها أو أجبرها المصريون على الخروج تحت قيادة علمائهم العاملين؟ لقد عرف العلماء مسئوليتهم الحقيقية فقادوا الأمة إلى الجهاد. لقد استخدم نابليون في مصر كل وسائل القوة العسكرية التي جربها في أوروبا ولكنه فشل في البقاء في مصر، وقد أضاف عليها استخدام الوحشية والقسوة مع المسلمين التي لم يستخدمها ضد الأوروبيين.

            وفي مصر أيضاً جاء الإنجليز واستخدموا من القوة ما استطاعوا ولكن قيضّ الله عز وجل لأبناء مصر من قادهم إلى العودة إلى الإسلام وروح الجهاد فقاد العلماء نشاطات حربية ضد القوات المحتلة حتى أزعجوها حقاً . وقد كان للأيدي المتوضئة جهودها في حرب فلسطين فقد كان اليهود إذا سمعوا فرقة من الشباب المسلم تنزل قرية من القرى ويرتفع الأذان حتى يغادر اليهود. ولكن عندما انتشرت فينا حمى القومية والوطنية وأقصينا الدين من المقاومة أو الحرب جاءنا روجز وغيره ليعرضوا علينا السلام وقبلناه .

            والجزائر وما أدراك ما الجزائر لقد قامت فيها ثورات عديدة كان آخرها تلك التي أجبرت فرنسا على الخروج. لقد أمضى الجزائريون سبع سنوات ونصف وقدموا ملايين الشهداء (ليس مليوناً ونصف كما يعلنون) فقاتلوا شراسة الاحتلال الفرنسي بإيمان وتضحية. ولم يكن للجزائر أن تجاهد لولا أن هيأ الله عز وجل حركة مباركة هي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي والعربي التبسي وغيرهم ليعيدوا الجزائر إلى عقيدتها الصحيحة عقيدة العزة والجهاد .

            ولا بد أن درس أفغانستان من الدروس العظيمة لقدرة هذه الأمة على حمل السلاح ومقاومة الاحتلال الأجنبي. إن روسيا لم توفر أي جهد في سبيل البقاء في أفغانستان ومهما قيل عن القوى الدولية التي دعمت الجهاد فإنه لو لم توجد الروح الإسلامية لما رضخ الروس للخروج صاغرين أذلة.

            ومثال الشيشان واضح جلي على قدرة هذه الأمة على مقاومة الاحتلال فشعب الشيشان محصور بالأراضي الروسية وبالقوة الروسية من كل جانب. وقد كان الغرب وما زال ينظر إلى الشيشان على أنهم انفصاليين وقد قدم البنك الدولي والمؤسسات المالية الغربية البلايين لدعم روسيا ولكن الله أكبر وأقوى فجلس الروس على مائدة المفاوضات مع قادة الشيشان وأعطوا الشيشان ما استحقوه .

            وكانت البوسنة درساً عظيماً من دروس الجهاد والتضحية وتكاتف العالم الإسلامي (نرجو أن يزيد هذا التكاتف) وبقي شعب البوسنة في قلب أوروبا يوحد الله عز وجل رغم أنوفهم، ولولا ما خشيه الغرب من تحقيق المسلمين النصر الحقيقي العسكري( وقد حققوه) لما تقدموا بدايتون وما أدراك ما دايتون؟

            وفي مقال أبو طالب من القضايا والطرح المنطقي والصحيح ما يستحق التعليق في مقال آخر بإذن الله، ولكني أحببت أن أوضح بعض الحقائق التي ربما غابت عن الكاتب الكريم.


            التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:33 ص.
            أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
            والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
            وينصر الله من ينصره

            تعليق


            • #21
              الإسلام و الغرب > العنف رغم أنوفهم >
              أنتجت السينما الأمريكية قبل أشهر فيلما بعنوان (قتلة بالفطرة، أو بالسليقة)، وأراد المنتج الأمريكي أن يصدّر هذا الفيلم إلى الأسواق البريطانية فكان لا بد من عرضه على الرقابة على المصنفات الفنية. فترددت الرقابة في رفض الفيلم، لأن أعضاء الرقابة انقسموا على أنفسهم فبعضهم يؤيد عرض الفيلم بينما يعارض آخرون. فلماذا هذا الجدال حول فيلم سينمائي والقوم منذ سنين طويلة تضاءلت الرقابة عندهم حتى كادت أن تكون شيئا منسياً.

              هذا الفيلم يتحدث عن فتاة وفتى يجوبان الولايات المتحدة مسلحين ببنادق ضخمة يطلقان منها النار على ضحاياهما من دون سبب سوى التسلية والعبث، ويتجاهلان الاستغاثة وطلبات الرحمة ويفجران وجوه الأبرياء وأعناقهم، ثم يتبادلان الضحك والقبلات على مرآى ومسمع الجميع، وفي النهاية يصيبان ثروة وشهرة لقاء جرائمهما.

              وقد ذكرت جريدة "الحياة" (اللندنية) في عددها رقم( 11579)الصادر في 31/10/1994م، أن الشرطة الأمريكية قد أفادت بأن هذا الفيلم كان دافعا مباشراً لعدد من الجرائم، وقد كتب مايكال فيلد،الذي ألف كتاباً عن مخازي هوليود، في جريدة نيويورك بوست أن فيلم (قتلة بالفطرة) أكثر خطراً من أفلام العنف العادية لأنه يوحي بأن القتل مثير جنسياً، وتلك رسالة بالغة الخطورة بالنسبة إلى من كان في سن الرابعة عشرة فما فوق.

              وقد ذكرت الحياة أن هذا المنع في بريطانيا سيكون مؤقتا، إذ سرعان ما يرضخ أعضاء الرقابة الفنية للضغوط عليهم لأن شركة وورنر بروذرزWarner Bros. من الشركات الكبرى في صناعة السينما، وسيكون هذا المنع المؤقت نوعا من الدعاية للفيلم. وذكرت الأخبار أن ايرلندا قد سمحت بعرض الفيلم فيها.

              ومن الطريف أن هيئة الإذاعة البريطانية في قسمها العربي قد قدمت برنامجا عن هذا الفيلم استضافت خلاله عدداً من الذين شاهدوا الفيلم فأكد بعضهم أن الفيلم رائع جداً، وأنهم سيشاهدونه أكثر من مرة، بينما قال آخرون أن الفيلم قبيح وإنهم آسفون لمشاهدته. وقد استضاف البرنامج بعـض الذين يحملون شهادات أكاديمية عليا فكانوا يروجون للفيلم وكأني بهؤلاء قد ضلوا على علم. وأوضح مقدم البرنامج أن الفيلم كان سببا مباشرا لعدد من جرائم القتل.

              وهكذا يستمر مسلسل العنف في أفلامهم رغم زعم البعض -وهو محق إلى حد ما- بأن الغرب يمارس النقد الذاتي، وهو منفتح على نفسه. ولكن يجب أن ندرك أن هناك قوى كبرى خارجية تفرض عليهم ما لا يرغبون. وأشك أن الفيلم قد أصبح في أشرطة فيديو وغزا الأسواق العربية الإسلامية كما إنه دخل إلينا مع كثير من أمثاله عن طريق القنوات الفضائية.

              فهذه صورة من الغرب كما قال الدكتور عبد القادر طاش بأن علينا حين نتحدث عن الغرب أن نتحدث عن المحاسن والمساوئ أو الإيجابيات والسلبيات ولا نكون ممن يرى العيوب فقط أو المحاسن فقط. وان يكون نقدنا حرصا على الإفادة من الدروس التي يمر بها غيرنا. ولعل من هذه الدروس أن بريطانيا رغم انفتاحها على السينما الأمريكية لكنها لا تسمح بأية فيلم قبل إخضاعه للرقابة .فليست الرقابة عيبا في حد ذاتها، ولكن العيب أن لا توجد الرقابة أو أن تكون الرقابة اختيارية انتقائية.

              التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:33 ص.
              أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
              والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
              وينصر الله من ينصره

              تعليق


              • #22
                الإسلام و الغرب > الغزو الثقافي والمثقفون >
                قيل في الأمثال العربية "وفي الليل يحمد السُرى"، وقيل أيضاً "عند الصباح يحمد القوم السُرى"، وأقول كذلك وفي القناة الأولى من تلفزيوننا يحمد النقاش حول هذا الموضوع الذي ما زال يشغل بال المسلمين منذ عدة عقود من الزمن، ويبدو أن بعضنا مازال يتساءل: هل ثمة غزو ثقافي؟ ويزعم أن العالم أصبح قرية كونية كبيرة والأفكار والثقافة مطروحان أمام الجميع فمن شاء فليأخذ وليتأثر ولن يستطيع أحد أن يمتنع عن التأثر بالعالم من حوله مهما حاول.

                لقد كانت ندوة مباركة تلك التي قدمها التلفزيون في برنامجه (وجهاً لوجه) الذي يبثه على الهواء مباشرة، وقد أهمّني كثيراً أن أتابع وقائع البرنامج لتخصصي في مجال الدراسات الإسلامية عند المستشرقين وأنتسب إلى القسم الوحيد في العالم الإسلامي الذي يجعل هذه الدراسات مجالاً للدراسة المنهجية ويمنح فيها درجات الماجستير والدكتوراه.

                نعم تابعت بدقة ما دار في البرنامج، وإنني في البداية أكرر شكري للتلفزيون تقديمه مثل هذه البرامج المتميزة في موضوعاتها وطرحها وقد كان اختيار المتحدثين في البرنامج موفقاً حيث عرضوا وجهات النظر المختلفة حول هذه القضية وإن كانت ندوة واحدة لا تكفي مما وجب معه هذا التعليق.

                أبدأ بالقول بأن الغزو الفكري ليس وهماً وهذا ما توصل إليه الدكتور محمد عمارة في كتاب خصصه لهذه القضية بعنوان (الغزو الفكري:وهم أم حقيقة؟) بل هو حقيقة وقد رجع في كتابه هذا إلى الجذور التاريخية لأوروبا -وما أمريكا إلاّ امتداد لها -حينما شنت أوربا النصرانية الحروب ضد سكان شمال أوروبا- الهمج البرابرة في نظرهم- لإدخالهم في النصرانية. وقد سبقهم اليونانيون في نشر ثقافتهم في البلاد التي احتلوها بدعوى ما سموه الأغرقة ومنها أخذت فرنسا ما سمته فيما بعد "الفرنسة".

                ويمضي الدكتور عمارة مع الأوروبيين في تاريخهم إلى الحروب الدينية التي اشتعلت في أوروبا عدة قرون بسبب ما سمي عندهم " الإصلاح الديني" حيث لم تتحمل البابوية ظهور مفكرين ينافسونها في تفسير الديانة النصرانية أو ينتقدون فسادها. وكان من نتيجة هذه الحروب الدينية أن انقسمت أوروبا إلى كاثوليكية وبروتستانتية حتى إن الملك البريطاني جعل نفسه رأساً للكنيسة الانجليكانية.

                هذا فيما بين الأوروبيين أنفسهم، وهو أمر يحتاج إلى مساحة أطول لتفصيله ولكن ما يهمنا هنا هو كيف خرجت أوروبا إلى العالم بنظرتها العرقية الاستعلائية تزعم فيما تزعم أنها صاحبة رسالة تفوق "الرجل الأبيض"، وأنها مسئولة عن تحضير البشرية. ويعجب المرء حين يرى أن احتلال الدول الأخرى وضعت له نظريات فلسفية واقتصادية وسياسية، وجعل الاستعمار أنواعاً متعددة فهذا استعمار اقتصادي، وذاك سياسي، وثالث ثقافي وديني.

                وحين بدأت هجمة "الرجل الأبيض" على الشعوب الأخرى، كانت العملية مدروسة دراسة دقيقة ومنظمة بحيث لم تترك مجالاً للصدف أن يكون لها دور، فالغرب يعرف ما يريد من الشعوب الأخرى ويعرف الشعوب الأخرى معرفة دقيقة. بل إن الغرب -كما يقول الدكتور أبو بكر باقادر يعرفنا ويعرف تفاصيل التفاصيل عنّا- ولو جئنا نحصي ما أخرجته المطابع الأوروبية من دراسات -وما تخرجه الآن- عن الشعوب الأخرى لكان ذلك يفوق حتى الدراسات التي تنتجها الشعوب عن نفسها. وأكتفي بنموذج واحد عن دول الخليج العربية وهو دليل لويمر المؤلف من أربع عشرة مجلدة مقسماً إلى قسمين التاريخي والجغرافي. ولا يكاد يترك صغيرة ولا كبيرة في منطقة الخليج إلاّ أشبعها بحثاً ودراسة.

                ثم كيف وظف هذه المعرفة للغزو الثقافي فأيضا المساحة لا تكفي للتفصيل فيها ولكنّي سأذكر نماذج من هذا الغزو فعندما هجم نابليون في حملته المشهورة وأحضر معه مئات من العلماء والباحثين والفنانين كان يعرف أن العالم الإسلامي مقبل على نهضة مباركة، وقد ذكر الأستاذ محمود شاكر مقومات تلك النهضة التي أجهضها نابليون. وعندما اضطر للمغادرة وترك نائباً له أرسل إلى هذا النائب يأمره أن يختار خمسمائة شخصية من شيوخ القبائل والأعيان ويرسلهم إلى فرنسا ليعيشوا فيها بعض الوقت وعندما يعودون إلى بلادهم يكونون أنصاراً لفرنسا.

                ولمّا لم يتحقق هذا لخليفة نابليون جاء محمد علي إلى حكم مصر والقناصل الأوربيون لا يتركونه يتصرف دون أن يكون لهم كلمة في كل تصرف وبخاصة القنصل الفرنسي الذي أشار عليه أن يبدأ البعثات إلى فرنسا وبدلاً من خمسمائة من الشيوخ وكبار السن حصلت فرنسا على المئات من أنبغ أبناء مصر وأذكاهم ليعيشوا في فرنسا سنوات يعود منهم من يعود بغير الفكر و الرأي الذي ذهب به . حتى رفاعة رافع الطهطاوي إمام البعثة يعود ليمتدح الرقص وغير ذلك من عادات الفرنسيين حتى إنه يطلق على الرقص (الشلبنة)، واستمرت البعثات حتى كان طه حسين الذي دعا إلى الارتماء في أحضان الغرب ورفض كل هوية عربية إسلامية فمصر جزء من أوروبا -ولا أدري كيف أصبح عميداً للأدب العربي-

                ومن أخبار هذه البعثات أن البعثة المغربية حينما أتمت مدة الدراسة أرسل المشرف على البعثة يطلب تمديد مدة بقاء الطلاب في فرنسا حتى "يتشبعوا بعظمة فرنسا". أما البعثة التركية فهي وأن كانت لدراسة العلوم الهندسية والفنون الحربية فإن المدربين الفرنسيين الذين تولوا تدريس الضباط الأتراك في فرنسا أو الـذين جاؤوا إلى تركيا حرصوا على توجيه أنظار الطلاب إلى قراءة الأدب الفرنسي بقراءة كتابات فولتيير وموليير وغيرهما.

                ويذكر الأستاذ محمد الصبّاغ أن الابتعاث إلى فرنسا لم يكن مجرد مصادفة فإن فرنسا هي أولى الدول الأوربية التي تخلصت من نفوذ الكنيسة وتحررت من سيطرة البابوات كما أن الحياة الاجتماعية فيها كانت اكثر تحرراً من غيرها من البلاد الأوروبية وهذا ادعى إلى تأثر المبتعثين المسلمين. وأضيف لماذا كانت فرنسا هي التي احتضنت الحركات القومية العربية التي تمردت على الدولة العثمانية؟ هل كان هذا حباً للعرب؟

                أتعجب كثيراً من الذين يزعمون أن الغزو الثقافي أمر وهمي، هل يعيشون في كوكب آخر أو هل غاب عن أذهانهم أن العالم يتسع لعشرات الهويات والمذاهب والشخصيات وأن الحضارة الغربية مهما كانت قوتها ونفوذها لن تستطيع أن تمحي تلك الهويات والشخصيات؟ هل غاب عنهم ما حاولت الدول الاستعمارية أن تفعله بالشعوب العربية المسلمة التي وقعت تحت نير الاحتلال؟

                من السهل أن أحيل القارىء الكريم إلى عشرات الكتب التي تناولت هذه القضية مثل كتاب الدكتور محمد محمد حسين -رحمه الله تعالى- (حصوننا مهددة من داخلها، أو في وكر الهدامين)، أو كتابه (الإسلام والحضارة الغربية)، أو كتابة (الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي الحديث)، أو كتاب الشيخ محمود شاكر (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) أو كتابه (أسمار وأباطيل) وغيرها من الكتب، ولكنني أود أن أنقل صوراً من واقعنا المعاصر الذي نعيشه للغزو الفكري الذي ابتلينا به بعد أن رحل المستعمر الأبيض وحلّ محله المستعمِر الأسمر.

                ونبدأ بالجانب العقدي فقد تأثر العالم الإسلامي عقدياً بالغزو الثقافي حيث انتشرت في العالم الإسلامي الطرق الصوفية وابتعد المسلمون عن التمسك بالعقيدة الإسلامية من حيث حقيقة الإيمان بالله عز وجل وأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت. وأتساءل دائماً لماذا تفوق المسلمون الأوائل؟ ولا أجد إجابة أصدق من القول بأن المسألة تتعلق بالعلاقة بين الفرد وربه سبحانه وتعالى. فمتى استقامت العقيدة علم المسلم أن الرزق والحياة والموت بيد الله سبحانه وتعالى. وكم توقفـت عند وصف أحد العرب الذين كانوا في الجيش الروماني في أثناء فتوح الشام حيث قال: جئت من عند قوم رهبان بالليل فرسان بالنهار، الموت أحب إليهم من الحياة. وهذا مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم (توشك أن تداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة إلى قصعتها) قالوا أو من قلة نحن يومئذ قال: لا أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل)

                ألم تتأثر العقيدة الإسلامية بالغزو الثقافي الذي جعل العلاقة بين المسلمين وغيرهم مسألة مصالح وصراع اقتصادي وليس مسألة إيمان أو كفر. وقد تناول مؤلف كتاب (واقعنا المعاصر) مسألة الزعامات الوطنية التي خلت من التوجه الإسلامي وكانت ترى الصراع مع قوى الاحتلال الأجنبي مسألة وطن وتراب ومصالح.

                وظهر الغزو الثقافي في مجال الأدب فكم ظهرت من دعوة في العالم الإسلامي تنادي بتبني المذاهب الأدبية الغربية في الكتابة وفي النقد حتى غفلنا أن لنا تاريخاً عظيماً ولغة من أعظم اللغات في العالم. ومن العجيب أن اللغة العربية التي كتبت وقيلت منذ أكثر من ألف وخمسمئة سنة يمكننا أن نفهمها في العصر الحاضر بينما لا يمكن للناطقين باللغة الإنجليزية مثلاً أن يفهموا ما كتبه شكسبير أو ملتون. بل إن عند الإنجليز ما يطلقون عليه اللغة الإنجليزية المتوسطة ومنها التي كتـب بها تشوسر "حكايات كونتبري". نعم قد يصعب على بعض العرب فهم بعض المفردات العربية في الشعر الجاهلي أو في المقامات أو في بعض ما كتبه الجاحظ وهذا ليس لأن اللغة تغيرت، ولكن لأن قدراتنا اللغوية ضعفت، كما أننا لم نعلّم أبناءنا استخدام المعاجم. ومن الغريب أن الأوروبيين يعلمون أبناءهم استخدام معاجم اللغة من المرحلة المتوسطة وربما الابتدائية.

                ومن يريد أن يعرف ما حدث في ذائقتنا الأدبية فعليه الرجوع إلى كتاب الشيخ محمود شاكر (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا). وقد أُفسِدت الذائقة أكثر فاكثر عندما شاع ما يطلقون عليه الحداثة وما أسميه أحيانا الكلمات المقطّعة.

                ومن الغزو الثقافي اللغوي أننا في معظم جامعاتنا العربية الإسلامية ما زلنا ندرّس العلوم والطب باللغات الأوروبية ن فهل عجزنا أو عجزت اللغة العربية أن تكتب بها هذه العلوم. وها هو الدكتور زهير السباعي يكتب تجربته في تعليم الطب باللغة العربية فيذكر إحصائيات دقيقة أن المصطلحات الطيبة في الكتب التي تدرس الطب لا تتجاوز ثلاثة بالمائة من المادة العلمية. وقد أدركت هذا وأنا أساعد ابني في مادة تجهيز المختبرات في كلية التقنية الطبية. فمن العبارات التي وردت باللغة الإنجليزية أن حجرة المختبر يجب أن تكون جدرانها مطلية بلون كذا ن وأن تكون سعتها كذا وغير ذلك من المعلومات التي يمكن بكل سهولة قولها باللغة العربية . وكذلك الحال في مواد أخرى.

                ثم ألم يكن غزواً ثقافياً ذلك الذي أدى إلى انتشار المذاهب الشيوعية والاشتراكية في الحكم في العديد من البلاد العربية الإسلامية ، وحتى طغى الفكر الاشتراكي المادي على كثير من المثقفين في عالمـنا الإسلامي. وانتشر التأميم في بعض البلاد الإسلامية وتضخم القطاع العام حتى أصبح معظم الشعب في بعض البلاد يعمل في هذا القطاع وكأن هذا القطاع أنشىء ليس للإنتاج وإنما لتقديم رواتب للبطالة المقنعة. ومن طرائف هذا القطاع أن المكتب الواحد يحتله أكثر من موظف. بل أصبح شائعاً أن يأتي الناس صباحاً للتوقيع ثم يعودون ظهراً للتوقيع بالانصراف.

                ولعل من الأمثلة على تأثير التفكير المادي ما صرح به الأستاذ مشعل السديري في البرنامج بأنه ليس هناك غزو ثقافي وأن كل ما في الأمر مصالح لدولة في دولة أخرى. فتعجبت مما سمعت وأتمنى أن أكون مخطئاّ فيما سمعت.فكيف نغفل عن هذا التاريخ والواقع الذي أمامنا ثم نصر على حتميات المصالح وقد سقطت الحتميات في البلد الذي نشأت فيه.

                والغزو الثقافي واضح في إغراق أسواق العالم بالإنتاج التلفزيوني بأرخص الأسعار وبخاصة في مجال أفلام الكرتون الموجهة للأطفال وذلك حتى لا يقوم المسلمون والأمم الأخرى بإنتاج ما يناسبها ولتستمر الهيمنة الثقافية الغريبة فهم أيضاً يشجعون السينما المحلية التي تعد في غالبها امتداداً للغزو الثقافي الغربي. أرجو أن يتصل الحديث في هذا الموضوع مستقبلاً.


                التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:32 ص.
                أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                وينصر الله من ينصره

                تعليق


                • #23
                  الإسلام و الغرب > بين مشعل.. والمطبقاني >
                  بين مشعل.. والمطبقاني(*)


                  بخيت الزهراني


                  سأحشر نفسي حشرا بين الأستاذين د. مازن مطبقاني ومشعل السديري، حيث كتب الأول في المدينة يوم 16/2/1418هـ عن مخاطر وأبعاد الغزو الفكري، وتعجبه من رأي سبق وأن قاله الأستاذ مشعل في برنامج تلفزيوني واصفا المسألة بأنها مجرد مصالح لدولة في دولة أخرى، ثم رد الأستاذ مشعل على د. مازن في عكاظ يوم 24/2/1418هـ موضحا جملة نقاط لم أر فيها كمتابع للكاتبين، أي جديد في دولة أخرى، ثم رد الأستاذ مشعل إلى إقحام عدة نقاط أخرى ليس لها علاقة قريبة بالقضية، وألتمس له العذر فقد يكون كتب مقاله وهو على عجل، ولهذا لم يأت تعقيبه على د. مازن شافيا كافيا يروي ظمأ المتعطشين إلى العمق الفكري في هذه المسألة كما أن الكاتبين الفاضلين لم يعطيانا تعريفا موجزا بماهية الغزو الفكري وخاصة د. مازن وهو الأكاديمي الذي ننتظر منه توصيفا واضحا لمدلول القضية وإن كان قد تضمن مقاله عناوين بعض الكتب في هذه المسألة لمن أراد التوسع، غير أن الذي أثار دهشتي هو ما فهمته من مقالة الأستاذ مشعل من أنه ليس ثمة غزو فكري قائم تجاه العالم الإسلامي، والواقع أن ما نعلمه وربما كثيرون غيرنا أن الغزو الثقافي وخاصة القادم من الغرب صار ملحوظا في أوساط ديار العالم الإسلامي، ليس الآن ولكن منذ عدة عقود مضت من الزمن، فالغرب طبقا لرؤية كبار مفكريه يرى في الإسلام القوة الحقيقية المؤهلة للدخول معه في سباق نحو سيادة العالم، ونظرة الغرب هذه تقوم على أساس "أيديولوجي" في المقام الأول قبل النظر إلى الطاقات الأخرى، التي يزخر بها العالم الإسلامي، أو حتى الثروات أو الإمكانات الأخرى، التي مهما بدت صغيرة أمام أبنائنا فإن الغرب يقيسها بمعيار خاص؛ ولهذا فهو يحسب لها ألف حساب، وهذه المسألة البديهية يعرفها كل وأحد من الرموز الفكرية الإسلامية لأنها لم تعد سرا بل صارت مما يصرح به غير واحد من رموز الغرب الفكرية.. وبدأت الأمور تتضح أكثر بعد انهيار المعسكر الشرقي، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وانقضاء حقبة ما كان يعرف بـ "الحرب الباردة" فصار لزاما على الغرب أن يحدد بدقة اسم المؤهل لمنافسته على صدارة العالم.

                  ولأن ما يجري في المعسكر الغربي يمضي وفق دراسات بالغة الدقة والتعقيد والمتابعة، ولأن مجربات الحياة نفسها تتبدل، معها تتغير الخطط فقط، فيما الاستراتيجيات تظل شبه ثابتة، فقد استعاض الغرب عن الغزو العسكري والتفت إلى الغزو الفكري سلاحا فعالا، يمكن له أن يحقق له كتكتيك أفضل النتائج لخدمة الاستراتيجيات، ولعل بيننا من يتذكر قول أحد مفكري الغرب عندما أوضح جانبا من نواياه فقال: "قد يكون من الصعب إدخال المسلمين في المسيحية ولكن يكفي إخراجهم من دينيهم" !!! ويملؤنا يقينا بهذه النوايا قول الحق تبارك وتعالى، {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}

                  وتمر الأيام فيطل علينا "النظام الدولي الجديد" الذي فسره المفكرون في العالم الإسلامي باختصار بأنه يرمي إلى سيطرة اليهود على العالم من خلال النصارى، فهل يمكن لمتأمل حذق أن يتصور أن يدعنا الأعداء في حالتنا؟ أم أن استراتيجياتهم البعيدة المدى تقتضي أعداد عدة تكتيكات لخلخة البناء، من خلال تصدير الأفكار والشعارات والمبادئ والسلوكيات إلى أوساطه، بغية تدمير إنسانه بشكل عام وشبابه بشكل خاص، الذين يعدون قوام مستقبله ورجالات الغد فيه، ونقول للأستاذ مشعل لن نضرب أمثلة لإشكال الغزو الفكري، فهي من ناحية أكثر من أن تحصى في طول العالم الإسلامي وعرضه، وأوضح من أن نحددها ليس أمام النخبة المفكرة بل وحتى عامة الناس، ولهذا فإن تجاوزنا لتحديد أمثلة منها لا يخل بتناول الموضوع، يقدر ما يزيده قوة باعتبار أن تحديدها مجرد تحصيل حاصل!!

                  أما "المصالح" فإنه موضوع آخر لا علاقة له من قريب بمسألة الغزو الفكري، فأنا كمسلم يمكنني أن أشتري من اليهودي أو النصراني ما أراها مصلحة لي طالما أنني لم أقدر بعد على صناعة هذه السلعة أو تلك، وهذه لا شيء فيها، على أن أعمل "جاهدا" وبكل الطرق الممكنة على استثمار إمكاناتي وقدرتي المادية والبشرية في أن أصبح في غنى عنه في القريب العاجل، بدل أن أظل على الدوام سوقا مستهلكة لمنتجاته، وهكذا نرى أن المصالح مسألة أخرى.

                  وتطرق الأستاذ مشعل إلى الصراع بين المسلمين المعاصرين وبين أعدائهم فقال: "بالله عليك كيف نتخيل العالم الإسلامي يستطيع أن يفعل ذلك؟" ونقول يا أستاذ مشعل أن العالم الإسلامي فعل ذلك ويفعله، فالدولة التي تناصبنا العداء وتقتل شيوخنا، وتغتصب نساءنا، وتهدم مساجدنا كما فعل الصرب بإخواننا في البوسنة نقاطعها ولا نتبادل معها التجارة ولا غيرها، أما التي تظهر لنا السلم، فلماذا نحاربها، خاصة وأننا مازلنا أقل عتادا منها وعلينا في هذه الحالة أن ندعو هم بالحكمة والموعظة الحسنة ونجادلهم بالتي هي أحسن، وفقا للخلق الإسلامي الرفيع عبر الدعوة والمكاتب الرسمية إلى دين الله الحق، وهذا ما يجري فعلا في كثير من بلدان العالم غير الإسلامي.

                  أما يا أستاذ مشعل أن نصم آذاننا ونغمض عيوبنا "ولا نغمز في الظلام" كما تقول فإننا بذلك نكون قد تخلينا عن دورنا الريادي في العالم، فنحن الوحيدون الذين نستحق أن نكون الرواد والمستخلفين في الأرض فلماذا هذا الشعور بالانهزامية والرغبة في فقدان الثقة، وقد أعزنا الله كما قال عمر رضي الله عنه بالإسلام فمن ابتغى العزة فيما سواه فقد أذله الله ؟!



                  الحواشي :
                  * المدينة المنورة ع (12499)29صفر1418هـ/4 يوليو 1997م
                  التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:32 ص.
                  أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                  والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                  وينصر الله من ينصره

                  تعليق

                  مواضيع ذات صلة

                  تقليص

                  المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                  ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 2 أكت, 2023, 02:49 ص
                  ردود 4
                  45 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                  بواسطة *اسلامي عزي*
                   
                  ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 12 سبت, 2023, 02:08 ص
                  ردود 0
                  17 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                  بواسطة *اسلامي عزي*
                   
                  ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 4 سبت, 2023, 02:15 ص
                  ردود 0
                  24 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                  بواسطة *اسلامي عزي*
                   
                  ابتدأ بواسطة Islam soldier, 10 أغس, 2023, 06:44 ص
                  ردود 0
                  523 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة Islam soldier
                  بواسطة Islam soldier
                   
                  ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 30 يول, 2023, 11:51 م
                  ردود 3
                  51 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                  بواسطة *اسلامي عزي*
                   
                  يعمل...
                  X