كنيسة سيدة النجاة.. كواليس وتعليق

تقليص

عن الكاتب

تقليص

دفاع اكتشف المزيد حول دفاع
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كنيسة سيدة النجاة.. كواليس وتعليق

    [align=right]
    بقلم: الدكتورة زينب عبد العزيز
    أستاذة الحضارة الفرنسية

    إن الجريمة التي وقعت في كنيسة "سيدة النجاة" في بغداد، يوم 31 أكتوبر 2010، أثارت زوبعة من التعليقات التي تبدو موجهة إعلاميا، مصحوبة بطلبات محددة، وبتكرار يكاد يكون بنفس العبارات، بحيث بدا الوضع وكأنه يتم الإعلان عن شيء تم تدبيره عمدا. فكان لا بد من فسحة من الوقت لإدراك الكواليس ومدى إجرام هذا المخطط الواضح.
    وإذا رجعنا بضعة أيام إلى الوراء نصل إلى سينودس أساقفة الشرق الأوسط المنعقد في الفاتيكان من 10 إلى 24 أكتوبر 2010. وتصفّح جدول الأعمال خاصة قائمة المطالب الأربعة والأربعين التي تمخض عنها، تكشف بما لا يدع مجالا للشك عن علاقة الفاتيكان بالجريمة التي وقعت في كنيسة النجاة – خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن العراق خاضع لحرب دينية صليبية أعلنها جورج بوش حين بدأ الغزو بكل جبروت، ولا يزال..
    كان السينودس يدور حول عدة محاور، منها: وجود المسيحيين في الشرق الأوسط "أرضهم منذ أيام يسوع المسيح"، الالتزام بقرارات مجمع الفاتيكان الثاني، تنصير الشرق الأوسط، المعاناة التي يتكبدها النصارى يوميا في الشرق الأوسط والتي تدفعهم للهجرة أو للاستشهاد، كيفية الحد من هجرة النصارى وبقاؤهم في أرضهم.. أما قائمة المطالب التي تم تقديمها للبابا بنديكت 16 عقب انتهاء السينودس، فيقول المطلب الخامس: "يجب أيضا أن نطلب من الهيئات القومية والعالمية أن تقوم بجهد خاص لوضع حد لهذا الموقف المتوتر بإقامة العدل والسلام ". أي -بمعنى آخر-: إنها دعوة صريحة للتدخل المباشر في بلدان الشرق الأوسط الذي تُعد الأغلبية الساحقة لسكانه من المسلمين، الذين وصمهم جورج بوش بالإرهابيين والمتطرفين.
    والمتصفح لمداخلات الآباء في السينودس يُدهش لقراءة عبارات كاشفة لا مكان لها في مجمع لاهوتي، ومنها:
    * المسيحية في نزيف دائم في العراق.
    * هناك مخططات شيطانية من جانب بعض الجماعات الأصولية المتطرفة التي ليست موجهة فحسب ضد المسيحيين في العراق، لكنها تمس كافة المسيحيين في الشرق الأوسط.
    * على المجتمع الدولي ألا يبقى صامتا بعد الآن حيال مذابح المسيحيين في العراق.
    * المجتمع الدولي مدعو للضغط على الحكومة المحلية لتفادي مذبحة المسيحيين في الدولة.
    * نرجو أن تكون المواطنة الكاملة والحرية الدينية للمسيحيين في العراق موضوع مناقشة في مجلس الأمن بهيئة الأمم.
    * أين الضمير العالمي؟ الجميع يقف متفرجا حيال ما يدور في العراق ضد المسيحيين.
    * مسيحيو العراق يناشدون المجتمع الدولي بالتدخل السريع.
    * العراق، بلد بين النهرين، بلد الحضارات، حيث وُلد إبراهيم وحيث توجد مدينة أور وبابل ونينوى، بلد كتابة مقدسة، بلد الإيمان والشهداء.. منذ أن انتشرت بها المسيحية، رغم الاضطهاد الفارسي، فإن دم الشهداء قد سال فيها وكساها المد الإسلامي..
    * نود قرع أجراس الإنذار... إعداد فجر جديد في الشرق الأوسط.
    * والأكثر من ذلك أن نطالع: دعا بعض المساهمين إلى الحوار مع المسلمين "المتفتحين"، الذين هم على استعداد لعمل "قراءة نقدية للقرآن" وعلى عمل تفسير للشرائع الإسلامية في إطارها التاريخي! أي ما معناه الحوار مع أولئك الذين هم على استعداد لخيانة دينهم، مع الذين هم على استعداد لتحريف معاني القرآن الكريم!
    وبعد خمسة أيام من ذلك السينودس وقعت جريمة كنيسة سيدة النجاة، التي أحدثت موجة عاتية من الاحتجاجات الصاخبة عبر المجتمع الدولي المسيحي، ومسيرات صامتة، ومطالبات بفصل الدين عن الدولة في العالم الإسلامي، وشعارات ورايات وقداسات.. ويكفى إلقاء نظرة على عناوين بعض الصحف لندرك التنظيم المرتب لها:
    "أصداء من العراق المصلوب، الكرسي الرسولي يدين العنف ضد المسيحيين في العراق، الدولة المدنية هي الحل الوحيد الذي يمكنه إنقاذ المسيحيين في الشرق الأوسط، أسقف لبناني يدعو إلى إعادة تكوين الأنظمة الإسلامية، قرص مدمج دي في دي عن خروج المسيحيين من العراق، بالنسبة للبابا، الإيديولوجيات الإرهابية هي آلهة مزيفة علينا كشفها، المسيحيون في العراق محاصرون بالأغلبية المسلمة الشيعية والأقلية السنية، المونسنيور كاسموسا يناشد الولايات المتحدة!.. وسرعان ما قامت فرنسا، الابنة الكبرى للكنيسة، التي كانت قد منحت 500 وظيفة للمهاجرين العرقيين المسيحيين ثم ضاعفت الرقم، واستقبلت الجرحى للعلاج أو الإيواء، في الوقت الذي تضيق فيه الخناق على المهاجرين المسلمين وعلى الوجود الإسلامي برمته، قامت بواسطة بعض أفراد الحزب الحاكم بمجلس الأمة بتكوين جماعة لتدبر الأمور والعمل حول موقف المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط، الذين يُعد موقفهم مأساويا، وفقا لفرانسوا كوبيه الأمين العام للحزب".. وكما هو جليّ، فلا الخلط المقصود بين الدين والسياسة للهجوم على الإسلام والمسلمين ولا المطالبة بالتدخل في الشرق الأوسط بحاجة إلى توضيح..
    ويا له من سيناريو رخيص ذلك الذي قام بمحاكاة المسرحية المخزية المسماه "أحداث الحادي عشر من سبتمبر" والثابت أنها صناعة محلية، والأبراج الثلاثة التي انهارت وتم اتخاذها حجة لشن حرب إبادية ضد "الإرهاب الإسلامي" المزعوم وضد المسلمين.. وللعلم، فيما يتعلق بالأبراج الثلاثة: المقصود بها برجا التجارة العالمية والبرج الثالث المجاور لهما المكون من 42 طابقا، وكان يضم مكاتب المخابرات المركزية وانهار بعد بضعة ساعات بنفس وسيلة الهدم تحت السيطرة، دون أن يمسه أي شيء: لا طائرة، ولا صاروخ، بل ولا حتى ذبابة عابرة.. ورغمها، فقد انهار.. وفي اليوم الثاني تبخرت سيرته من شريط الأخبار!! وكان الهدف المطلوب من هذه المسرحية هو التضحية ببضعة مئات من المواطنين للتلفع بشرعية دولية تسمح بشن حرب إبادة بشرية ضد المسلمين، تتمشى مع التطلعات الفاتيكانية. فبكل تأكيد إن حادثة كنيسة النجاة هي دليل قاطع يبرر للناظرين مطالب السينودس بالتدخل في العراق وفي البلدان العربية والإسلامية في الشرق الأوسط.
    إن الهجوم على الكنيسة، الذي لا يمكن لإنسان أن يقبله، تم تقديمه لوسائل الإعلام على أنه من عمل جماعة تابعة للقاعدة تسمى "العراق الإسلامي"، ثم أصبح من عمل القاعدة ذاتها، في محاولة لتصعيد نغمة المبالغة، بما أن الإسلام منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ارتبط ظلما وعدوانا بالإرهاب. ورغمها، فنفس هذه الجريمة قد تم وصفها بشكل مخالف ممن شاهدوها من الخارج، لكن هذا الوصف تم التعتيم عليه لأنه كان كاشفا لمجريات الأمور:
    "لقد تخطى الجناة كل الحواجز الأمنية بلا أي اعتراض، وقاموا بجريمتهم، ثم بعد انتهاء إطلاق النار، قامت الفرق الرسمية -التابعة للموالين للسياسة الأميركية بقيادة المالكي- الذين كانوا يقفون أمام الكنيسة وحولها، قاموا باقتحامها وأخلوا المكان دون أن يتم القبض على أي فرد من أفراد العصابة الإرهابية، الذين اختفوا في لمح البصر".
    وهنا تختلف الرؤية، ويختلف مضمون المسرح والمخرجين، وتتجه أصابع الاتهام مشيرة إلى تواطؤ واضح بين السياسة الكنسية والأميركية التي توجد في العراق وتواصل دمارها من خلال فرق المرتزقة أو عملائها من العراقيين. ولا داعي لإضافة أن الرابح الوحيد من جريمة كنيسة سيدة النجاة ليس سوى المؤسسة الفاتيكانية ومخططها في إبراز استشهاد المسيحيين في العراق، بما أن العراق كدولة يمثل –كما يقولون- "محورا حيويا في عملية التنصير"، خاصة للحد من توغل آلاف المبشرين المعمدانيين الذين انتشروا في العراق مع بداية الغزو الأمريكي ولا يزالون يمرحون..
    إن مشروع جورج بوش لتقسيم الشرق الأوسط وسياسته الوقحة العنصرية، وإعلانه بكل وقاحة ضرورة تقسيم كل بلدان الشرق الأوسط، لكى يجيد اقتلاع ثرواته ويتمكن من إذلال شعوبه المسلمة، وليقوم بترسيخ غرس الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين المنهوبة، ليس بمشروع سري وإنما معلن ومنشور بمختلف وسائل الإعلام.. إنها سياسة تتمشى تماما مع السياسة الفاتيكانية العنصرية الوقاحة، رغم كل الصراعات الكنسية الداخلية، وهي أيضا سياسة معلنة ومنشورة في مختلف وثائق مجمع الفاتيكان الثاني لتنصير العالم. وعندما لم يتمكن الفاتيكان من تنفيذ ذلك القرار نظرا للكمّ المهول للتلاعب الذي عليه القيام به، فقام باتباع نفس خطة التقسيم وخصص حديثا مجلسا بابويا "للتبشير الجديد" للبلدان المسيحية التي تباعدت عن الكنيسة، وعملية تبشير أخرى تعتمد على التدخلات حتى العسكرية للشرق الأوسط، وذلك اعتماداً على كافة الأتباع الذين قام بتحويلهم إلى خونة لبلدانهم ولمواطنيهم المسلمين، إذ فرض عليهم جميعا المساهمة في عملية التبشير التي يقودها.. ثم يجرؤون على التحدث عن "محبة القريب" أو أن "الرب محبة"!
    ومن المثير للغضب والاستفزاز أن نرى كل هذا الاهتمام على الصعيد العالمي، وكل هذه الدموع اللزجة، والمناحات المفتعلة، وصراخ طلب النجدة، والمظاهرات المرتبة، خاصة كل هذه الاتهامات ضد الإسلام، من أجل بضعة قتلى وجرحى، تم التضحية بهم عمدا من أجل ديكور مسرحية مفتعلة! بضعة فتات إذا ما قيسوا بما عاناه شعب العراق المسلم لأكثر من عشر سنوات، أولا مطحوناً بحصار قاتل، ثم مدهوساً بمختلف وسائل الإبادة الإجرامية..
    أين كان الفاتيكان وكل جيوشه المجيشة من الكنسيين والإعلاميين والسياسيين وغيرهم، أين كانت كل هذه المنظمات التي تصرخ للنجدة من أجل بضعة أفراد من النصارى حينما تم اغتيال ملايين المسلمين، وأعيدها: ملايين المسلمين في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها، وقد تفحموا، وسُحقوا، وذُبحوا، ودُهسوا أحياء، وقُتلوا بجبروت تحت التهديد أو من باب التسلية كما شاهدنا؟ أين هم من الحصار القاتل المفروض على غزة أو من معركة الصلب المصبوب؟ أين كان ضمير ذلك المجتمع الدولي وكل منظماته وهيئاته الرخوة عندما تم حرق ملايين المسلمين بأسلحة محرمة دوليا وحصدت النساء والأطفال والمسنين والأجنة؟ أين كانوا حينما تكلس أو تفحم كل هؤلاء وتحولوا إلى حِفَنٍ من الرماد أو الأشلاء المتحجرة؟! باستثناء قلة قليلة من الشرفاء فإن الغرب المسيحي المتحضر لا يهتز إلا لأتباعه ومصالحه.
    بئس الديمقراطية، المبنية على تلال من الأكاذيب المتراكمة، ويودون فرضها على العالم، وبئس العقيدة، القائمة على كمّ من النصوص التي كتبها بشر والمحرفة عبر المجامع، ويريدون أن يتجرعها العالم أجمع!
    وإلى هؤلاء الجبابرة المعتدون لا يسعني إلا أن أضيف: شيء من الحياء، ولا أقول حتى شيء من العدل أو الأمانة فهي مفردات لا تعرفها قواميسهم!
    19 / 11 / 2010

    [/CENTER]

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 30 أكت, 2020, 01:10 ص
رد 1
63 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة د.أمير عبدالله  
ابتدأ بواسطة Ehab_Ehab1, 8 أبر, 2019, 01:23 م
ردود 0
98 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Ehab_Ehab1
بواسطة Ehab_Ehab1
 
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 2 ماي, 2017, 11:44 م
رد 1
1,061 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة أسامة المسلم  
ابتدأ بواسطة دفاع, 30 أكت, 2016, 03:01 م
ردود 0
1,194 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة دفاع
بواسطة دفاع
 
يعمل...
X