1- أهميةُ أن يُنْسَب المسيح إلى داود: الغايةُ من هذا هو تحقيق نُبُوّةٍ مزعومةٍ راجَت بين اليهودِ في زمانِ المسيح، فبدونِ هذه النسبة - عندَهُم - يستحيلُ أن يكون يسوعُ هو المسيح حسْبَ اليهود، لأنه قد ذُكِر في نبوات العهد القديم أن المسيح المنتظر لابد أن ياتي من نسْلِ داود استِنادًا إلى ما جاء في (2 صمويل 7: 12-13).

2- إنكار المسيحِ لبنوتهِ لداود: لكِن كان يُمكِن انكار هذه النُبُوّةِ وتكذيب اليهودِ فيها، تصديقًا للمسيحِ عليْهِ السلام، حيثُ ردّ على هذه الفُريَةِ اليهودية، وأنكر أن يكون نسبة المسيحِ إلى داود، فيذكر متى فيما بعد قائلا على لسان المسيح: " ماذا تظنون في المسيح. ابن من هو. قالوا له ابن داود. * قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلا قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى اضع اعداءك موطئا لقدميك. فان كان داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه. فلم يستطع أحد ان يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد ان يسأله بتة" ([1] وجاء كذلِك في لوقا "وَقَالَ لَهُمْ: «كَيْفَ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ دَاوُدَ وَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَقُولُ فِي كِتَابِ الْمَزَامِيرِ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. فَإِذاً دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً. فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَه[2]". هنا يقتبس يسوع المزمور 110 :1 "قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: [اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ". فهنا ينفي المسيح أن يكون ابن داود وهذا يناقض ما فسره اليهود وذكروه في كتبهم، وينقض كذلك عقيدة الكنيسة في نسبِ المسيحِ فيما جاء في الاصحاح الأول من انجيل متى والاصحاح الثالث من انجيل لوقا.

3-بولس ودعواه بنسبةِ المسيحِ إلى داود: والظاهر أن هذا الرد الذي قدّمَهُ المسيح لم يعتبِر بهِ بولس، فخالف دعوى يسوع، وأكّد على أن المسيحَ من نسْل داود، وتابعه النصارى على ذلِك، وفي كل مرةٍ يُقرر بولس أو يتأول شيئًا يُخالف اقوال المسيح، فإن النصارى يتبعون قولَ بولس دون التفاتٍ لما يُصرِّح به يسوع المسيح[3]. وهذا الزعْم أصّلَهُ بولُس لهم في رسالتِهِ الأولى إلى (أهل رومية 1 :1-3) " بُولُسُ عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ الْمَدْعُوُّ رَسُولاً الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ ".

4- متابعة التلميذِ لأستاذِه: ثمّ جاءَ تلميذُ بولُس - لوقا - ليُثبِّت هذه الدعوى البولسية ويضعها على لسانِ بطرُس في كتابهِ (أعمال الرسل)، وقد كانت هذه هي أهم الأهداف والاولويات التي يعمل عليْها لوقا في كتابه أعمال الرسل[4]، ومن هذه الامثلةِ أنه يضعُ هنا على لسانِ بُطرس موافقتهُ لبولس في دعواه حولَ نسبِ المسيحِ، وتوظيفِهِ للمزمور 110: 1، فيقول في أعمال الرسل 2 :30-36 "فَإِذْ كَانَ نَبِيّاً وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَاداً. فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذَلِكَ. وَإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ وَأَخَذَ مَوْعِدَ الرُّوحِ الْقُدُسِ مِنَ الآبِ سَكَبَ هَذَا الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ. لأَنَّ دَاوُدَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاوَاتِ. وَهُوَ نَفْسُهُ يَقُولُ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ رَبّاً وَمَسِيحاً»."

5- أدلة الإقحام المتأخِّرِ لنسبِ المسيح: لكِن هناك ما يُشير إلى أن نسب المسيح أقْحِمَ اقحامًا فيما بعد في كتاب لوقا، ليوافق اعماله ويوافق تصريح بولس، ونعدد أهم هذه الشواهد:

1) أول هذه الشواهِدِ التاريخية، هو أقدَم شاهِدٍ عرفهُ التاريخُ لإنجيل لوقا: مارسيون الهرطوقي[5] في القرن الثاني (85- 160م)، والذي آمنت كنيستُهُ برسوليةِ بولس وعشرةِ رسائِل لهُ[6]، وبجوار هذه الرسائِل العشرة لبولُس، فقد آمنت كنيسة مارسيون بإنجيلٍ واحد، وهو إنجيل تلميذِه لوقا ولم يكن في هذا الإنجيلِ المنسوبِ للوقا عن مارسيون أي ذكرٍ لنسب المسيح المزعوم إلى داود، كما ذكر القديس إيرناوس[7] فقال: " فإنه يشوه الإنجيل بحسب لوقا إذ يزيل منه كل ما هو مكتوب عن ولادة الرب، ويستبعد جزءً كبيرًا من تعليم الرب، الذي فيه يعترف الرب بأن خالق هذا الكون هو أبوه "[8].

2) الدياتسرون السرياني لتاتيان: والدياتسيرون هو اول توفيق عُرِف للأناجيل في القرن الثاني الميلادي، وجمع الاناجيل الأربعة مع مصادر أخرى ووافق بينهم، وأوثق مخطوطاته التي وصلتنا هي سبعة مخطوطات لاحقة، في مجموعتين، وأوثق مجموعةٍ فيهما لم تحوي النسب وانما اضيف في أخر المخطوطة في الحواشي ليتناسب مع ايمان النصارى الأرثوذكس في مصر، وهم خمسة مخطوطات: مخطوطة B الفاتيكانية من القرن الرابع عشر Vatican Borg. arab. 250، مخطوطة البطريركية القبطية E برقم 202 من القرن الثامن عشر Coptic Patriarchate 202، مخطوطة بودلين في أول القرن التاسع عشر (Bodleian arab. e 163, 1806)، مخطوطة مكتبة بولس سباث 1020 من القرن الثامن عشر، والمخطوطة 1280 من نفس القرن. كما أن أقدم نص قد نقل اقتباسات عن تاتيان هو تعليقات افرايم على الدياطسيرون لا يوجد فيه سلاسل النسب. والتي ظهرت فيما بعد في تراجم يونانية ولاتينية أحدث.
لكن من المثير للإهتمام هو شهادتان لكاتبين سريان أولهما بار علي في القرن التاسع يقول: " انه لم يحتوي اي من نسب ربنا المسيح سواءا بالطبيعة او بالتقليد" J.R. HARRIS, Diatessaron, pp. 13-14. والشهادة الثانية من بار حبرايوس في القرن الثالث عشر فقال: " وقد ألف انجيلا يُعرف بالدياتسيرون وهو خليط من الاناجيل، لأنه حذف الأنساب وكل شيء قد يدل على ان المسيح من نسب داود" translated from F. NAU, PO 13 [19]9], p. 254

3) وقرينة أخرى وهي إقرار العلماءِ أن متى ولوقا، قد اعتمدا في إنجيلِهما على مرْقُس وهو الأقدم كتابةً من بين الأناجيل، إضافةً إلى مصدرٍ آخر وهو الإنجيل Q، لكِن مُرقُس لم يكتُب شيْئًا عن نسبِ يسوعَ هذا ولم يعرِفه، فمن أين لمتى ولوقا أن يعرفاه؟، ولهما وحْدَهُما السبْق في ذكرِ ولادة المسيحِ من عذراء كمعجزة بينما كان يُفترَضُ أن يُذْكَرَ هذا عند مُرقُس من أجل اقناع العالم بأنه هو السيد المسيح الذي كانوا من ينتظرونه حسب النُبوّة المزعومة. ولو قُلنا إنهما استعانا بمصْدرٍ آخر، وليكُن المصدر Q، فإن هذا مستبعَدٌ كذلِك، بسبب تضارب الروايتينِ في النسبِ كما سيأتي بين متى ولوقا!

4) يالنظر إلى اقرارِ بولُسَ الصريحَ بأن يسوع كانَ بذْرَةَ داود، كما في رسالتِهِ إلى (أهل رومية 1 :1-3) حيث يقول : " الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ ". فإن هذا يطعن في سلسلة النسب التي عند متى على وجه الخصوص، فكلمة نسْل داود في أصلها اليوناني هي "Sperma" وتعني "المني" ولِذا تُرْجِمَت في بعضِ التراجِمِ بـ " " seed " بِذْرَة"، وقد وردت هكذا في أحد التراجِم الإنجليزية: "born of the seed of David" فيقرر بولس أن المسيح هو من نسبِ داود على الحقيقةِ من جهة الجسدِ، وكأنه يُنكِرُ ولادة مريمَ العذْراويّة، أو ينْسِبُ مريمَ إلى داود، ولم يتعرّض بولُسُ قط للولادةِ العزْراويّة، وكأنه لا يعرِفُها أو يُقر بها، وبولس قد كتب رسائِلَهُ قبل وجود إنجيليْ متى ولوقا، وهذا يُنافي هذا النسب المكتوب لاحِقًا في الإنجيل، لأن لوقا ومتى أصرّا على تقريرِ ولادةِ المسيحِ العذْراويّةِ من الروحِ القُدُس، لكن مع هذا احتاجا التوفيق بين ولادةِ يسوع من الروحِ القُدُسِ وبيْن ادعاءِ بولس بأنه أتى بالجسد، فكانت النتيجة هي تقديمُ هذا النسب مع تقديمِهِم لشخْصيةِ يوسُف النجار مشفوعًا بنسبِهِ لداود، فكُلّ هذه مؤشِّراتٍ على الإقْحام المتأخرِ للنسبِ، وتبريرِ هذا الإقحام، ومع ذلِك لم يُقدم هذا النسب إلا مزيدًا من الإستفهام والتناقُضِ، وفي كل الأحوال، فإن يسوع يظلُّ لا يمت لبذْرةِ يوسف سليل داود! فإذا كان الروح القدس هو الشخْص المسؤول عن حبْلِ مريمَ عند متى ولوقا، فإن بولُس يُصرِّحُ أن المسيحَ من بذْرةِ وأحشاءِ داود، مما يخلُق تعارضًا لاهوتيًا بين هذا النسب وهذه الدعوة المرسلة! ولو قلنا إن يسوع هو نتاج ولادةٍ عزْراويّةٍ، فما يُمكِنُ الجزْمُ بِهِ أنه ليس "بذرة" داود ولم "يخرج من أحشائه."

6- تضارب روايتي النسبِ بيْن متى ولوقا: كتب كل من كاتب إنجيل متى (المجهول)[9] وكاتب انجيل لوقا (المجهول)[10] سلسة نسب المسيح، وهنا عدة ملاحظاتٍ على الروايتيْن:

أولا: جاءت رواية نسب يسوع عند لوقا - والتي رتبها لوقا بطريقة تصاعدية بدءأ من يوسف إلى آدم - متباينةً جذريًا، وفي تناقُضٍ لروايةِ النسب عند متى والذي رتبه بطريقة تنازلية بدءًا من ابراهيم نزولا إلى يوسف. فإذا كانا يتفقان من سلسلة النسب ما بين داود إلى إبراهيم، فإنهما يختلِفان جذريًا في سلسلة النسب ما بين يوسف إلى داود. فلوقا يضع 42 جيلا بيْن يوسف وداود، بينما يضع متى 27 جيلًا بينهما. وكأن كل كاتبٍ يُحاول تلفيقَ نسبٍ يصِلُ يوسف إلى داود، فجاء النسب الملفق عند لوقا باسْماءٍ لا يعرفها متى! مع أن كِلا النسبيْنِ هما لنفسِ الشخص المذكورِ " يوسُف".
ثانيًا: وإن كان كلا الروايتين تنسبان يسوع الى يوسف كأب (مريم حملت من الروح القدس) فإنهما اختلفا فيمن يكون والد يوسف (جد يسوع)، فبينما يقول متى أنه يوسف بن يعقوب فإن لوقا يقول بأنه يوسف بن هالي.
ثالثًا: أن متى ينسب يوسُفَ الى سليمان بن داود بينما لوقا ينسبه الى أخيهِ ناثان بن داود، وكأنّ الغايةَ كانت كيفيةُ الوصْلِ بداود ولو كلّف هذا اختلاقَ اسماءٍ لم توجد أو نسبةٍ لم يُتوَثّقُ من صحّتِها.
اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	image.png  مشاهدات:	0  الحجم:	18.2 كيلوبايت  الهوية:	810149






وكانت أول محاولة للخروج من هذا التناقُض هي محاولة الكاتب والمؤرخ المسيحي يولويس الأفريقي (160- 240 م) في رسالة لشخص يُدعى أريستيديس، نقلها لنا يوسابيوس القيصري (263- 339 م) في تاريخه للكنيسة[11] - والذي اعتمد كثيرًا على ماكتبه يوليوس - وجاء مما نقله عن هذه الرسالة إشارة يوليوس إلى التشريع اليهودي في زواج اللاويين والذي يوجب على الرجل أن يتزوج أرملةَ أخيه إن لم يكن له نسْل، فيكون بالتبعية للإبن أبوانِ ونسبان (طبيعي وشرعي)، فقد يعني هذا الإختلاف بينهما أن هالي مات دون أن يُنْجِب وتزوج يعقوب امرأة هالي وأنجب يوسف وبهذا يكون له نسب طبيعي من يعقوب ونسب شرعي من هالي!. وعليه فيكون متثات والد هالي عند لوقا قد تزوج أرملة مَتَّانَ والد يعقوب عند متى بعد موته، فيكون متان تزوج استا وأنجب منها يعقوب، وبعد وفاة متان، تزوج متثات والذي كان من سبط يهوذا لكن من عائِلة أخرى بنفس المراة استا -أرملة متان- فأنجب منها هالي، فيكون يعقوب وهالي من أم واحدة!

وقد زعم يوليوس الأفريقي أن هذا التفسير لإشكالية النسب قد تسلمه ممن سمعه من أقارب يسوع. وهذا الحل المُقدم من يوليوس لاقى موافقة يوسابيوس القيصري (ت. 339 م)، جريجوري النزيانزي (ت. 390م)، القديس أمبروس (ت. 397م) والقديس جيروم (ت. 420 م) والقديس أغسطينوس (ت. 430م)، القديس بيدى (ت. 735 م)، ايوثيميوس (القرن الثاني عشر الميلادي)، وتوما الإكويني (ت. 1274م). وهذا الذي يذكره يوليانوس لا دليل عليه، وكل تفصيل فيه يفتح بابًا للشك والدراسة، بل إنه لو سلّمنا بصحتِهِ فإننا نتوقع اتفاق الأسماء ولو قليلًا في بعضها، ولكِن هذا لم يحدث طيلة النسب وخاصة في الأسماء ما قبل السبي والتي تختلف جذريًا بين متى ولوقا. كما أن هذا النقل نفسه مفتقرٌ للإثبات، فلم يذْكُر من يعني باقارب يسوع هؤلاء، ولا من هو الوسيط الذي كان بينه وبين أقارب يسوع لنتأكد من صحةِ هذا النقل. مما يجعلها ليْست أكثر من نظريةٍ صيغت وشُكِّلَت خصيصًا لحل صعوبة نصية حقيقية. علاوة على ذلك، فإن ما يُقدمه أفريكانوس من حل حول الزواج اللاوي، لو كان صحيحًا لالتزَمَ بِهِ اليهود أو التزمَ بهِ متى نفسُه، فيقول متى في 1: 5 (وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ)، فلدينا الآن مثال واضِح نجِد فبه متى ينْسِب عوبيد الإبن في الزواج اللاوي، لوالده الحقيقي بوعز (ولم ينْسِبه لزوجِ أمه المُتوفى (والده الشرعي): محلون، حيثُ تزوج بوعز أرملةَ محلون، فإن عوبيد -عند متى- يُدعى عوبيد بن بوعز، وليس ابن محلون، وهذا هو نفس نسبته في العهد القديم كما جاء في سفر أخبار الأيام الأول 2: 12 (وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ، وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى). ثم أن هذه الفرضية قد تزيل الصعوبة الناشئة عن قائِمتين مختلفتين للنسب؛ لكن بما أن كلاهما مختص بنفسِ الشخْص: يوسف، نسب شرعي والآخر نسب حقيقي، فإن هذا لا ينصرِفُ على يسوع المفترض أنه ابن يوسف، بل يخُص يوسف وحْدَه.

وهذا الحل الذي قُدِّم ألقى بظلالِ الشك، مما دعى علماءُ الكتابِ الخروج من هذا الإشْكال والتناقُضِ بترجيحِ دعوى ثانية وهي أن هذا النسب عند لوقا يخُص يسوع بالجسد من ناحية أمه مريم، بينما النسب عند متى يخص يسوع من ناحية زوجِ أمه!، فيسوع - عندهم - هو من سلالة داود بالتبني من جهة يوسف وبالدم من جهة مريم. بينما ادعى بعض اللاهوتيين في العصر الحديث مثل ماركوس بيرج ودومينيك كروسانان كلا النسبين تلفيق لمحاولة اثبات المسيانيّةِ وأنها حققت الدعاوى اليهودية[12]. بينما توقّف فيها بعض علماء الكتب مثل الأب متى المسكين والذي ذكر أن هذا التناقُض لا يوجد له حل حتى اليوم[13]

7- مُشْكِلات كِتابية: ومثل هذا النسبُ السطحيّ، الممل يُطلب من المسيحيِّ تجنبه، وحُذِروا منه كما في 1 تيموثاوس 1: 4 (ولا يصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها، تسبب مباحثات دون بنيان الله الذي في الإيمان) وكما في رسالة تيطس 3: 9 ((واما المباحثات الغبية والانساب والخصومات والمنازعات الناموسية فاجتنبها لانها غير نافعة وباطلة). وأحد أهم السمات التي تُميز نسب يسوع، في إنجيل متى هو إدراج أربع نساء في النسب، ونادراً ما يتم ذكر النساء في علم الأنساب التوراتي، ومع ذلك يشتمل متى على خمسة منهن - جميعهن لهن أنشطة جنسية فاضحة. أربعةٌ ثبُتَت عليهن تهمة الزنا، والخامسة أمُّهُ حيث اتُهِمت بالزنا مع يوسف النجار (ونُبرؤها منه)، وأما الاربعة الأخرين فهن: ثامار (فقرة 3)، عاهرةٌ مارست الجنس مع حماها، يهوذا؛ ورحاب (فقرة 5) عاهرة أخذت جواسيس يشوع وأسدت إليهما معروفًا بزناها معهما (الآن إحلفا ليّ بالرب وأعطياني علامة أمانة، لأنيّ قد عملت معكما معروفًا). وراعوث (فقرة 5) المؤمنة التقية كما يصفها شُرّاح الأناجيل! تُغري قريبها بوعز ولا تتورع أن يُمارس الجنس معها لولا تمنُّعُه حتى يستأذِنَ وليُّها! (1وَقَالَتْ لَهَا نُعْمِي حَمَاتُهَا: «يَابِنْتِي أَلاَ أَلْتَمِسُ لَكِ رَاحَةً لِيَكُونَ لَكِ خَيْرٌ؟ 2فَالآنَ أَلَيْسَ بُوعَزُ ذَا قَرَابَةٍ لَنَا، الَّذِي كُنْتِ مَعَ فَتَيَاتِهِ؟ هَا هُوَ يُذَرِّي بَيْدَرَ الشَّعِيرِ اللَّيْلَةَ. 3فَاغْتَسِلِي وَتَدَهَّنِي وَالْبَسِي ثِيَابَكِ وَانْزِلِي إِلَى الْبَيْدَرِ، وَلكِنْ لاَ تُعْرَفِي عِنْدَ الرَّجُلِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ. 4وَمَتَى اضْطَجَعَ فَاعْلَمِي الْمَكَانَ الَّذِي يَضْطَجعُ فِيهِ، وَادْخُلِي وَاكْشِفِي نَاحِيَةَ رِجْلَيْهِ وَاضْطَجِعِي، وَهُوَ يُخْبِرُكِ بِمَا تَعْمَلِينَ». 5فَقَالَتْ لَهَا: «كُلَّ مَا قُلْتِ أَصْنَعُ».). وبثشبع (فقرة ٦) ترتكب الزنا مع نبي اللهِ داود (وحاشاه).

- وكون المسيح ولد من عذراء ينفى أن يكون يوسف النجار دخل بها قبل الحمل والولادةِ، والمسيح ابن لمريم قبل أن تعرف يوسف كرجل، ولو تزوجت مريم رجلا غير يوسف النجار بعد ولادة المسيح من غير سبط يهوذا أو من غير نسل داود وليكن من نسل رأوبين أو شمعون أو لاوى وهم ويهوذا من أبناء لينة، هل كان المسيح سينسب إلي شمعون أو رأوبين أو لاوى؟ وماذا لو مات عنها يوسف النجار وتزوجت رجلا من سبط يوسف، هل يتغير نسب المسيح؟ أم ينسب للسبطين معا؟ وماذا عن نسب مريم أليس للمسيح مكان فى نسبها؟ حملت وهى عذراء بأمر الله وكلِمَته فهى امرأة تقية اختارها الرب لتكون أم المسيح، أنترك نسب الأتقياء ونتشبث بنسب الفُجّار؟! ومن نسب إليهم الزنا وزنا المحارم؟
[1] متى 22: 24
[2] لوقا 20 :41-44
[3] يُنظر: الغلبةُ لبولُس وليس المسيح
[4] وهو صناعة أرضية وموثوقية لبولس، فيُظهره بطرسي النزعة متوافقا مع تلاميذ المسيحِ، فيما يُظْهِرُ بطرس وكأنه بولسيًّ النزعةِ مُصدِّقٌ بكل ما يجود به بولس الرسول! ثم يستمر لوقا في باقي أعمال الرسل ليتحول معظم اصحاحاتِه لتتحدث عن بولس وإيمانه ورسالته وحده، وكأن أعمال الرسل اسمًا هو في حقيقتِه أعمال الرسول بولُس. يُنظر: دور لوقا في بطرسة بولس وبولسةِ بُطرس.
[5] مارسيون السينوبي: كان والده أسقُف سينوب، ويثعد مارسيون أحد العلامات الهامة في المسيحية المبكرة، حتى قال عنه ادولف هارناك: “لا يوجد شخصية دينية قديمة بعد بولس الرسول وقبل القديس اوغسطين تستطيع ان تنافس مارسيون في الاهمية”. اعتقد مارسيون في إلهين، إله أعلى مرتبة وهو إله النور الذي أرسل يسوع المسيح إلى العالم، وهو خالق إله الظلام، إله العهد القديم، ورفض الإيمان باليهود وبالعهد القديم، بينما آمن برسوليةِ بولس ولم يعتبر غيرَهُ من الرُسُل. أصدرت كنيسة روما حرمانه في عام 144 م، واعتبره آباء الكنيسة الأولى مثل يوستينوس الشهيد وإيرناوس وترتلوليان مهرطقًا، وهو أول من وضع قائِمة قانونية للعهد الجديد ضمت عشر رسائِل لبولس وهم على الترتيب ((رومية1، 2 كورنثوس، غلاطية، أفسس، فيلبي، كولسي، 1، 2 تس، فل)) بالإضافة إلى إنجيل لوقا، مما حفّز باقي الكنائِس في تسمية كُتُبِها القانونية ردًا على قائِمته.
[6] يُنظر: رسائِل بولس الأصيلة والمنحولة.
[7] يُحسب عند المسيحيين كأحد رجال الكنيسة العظماء في القرن الثاني، ويُعد هو واضع أساس علم اللاهوت المسيحي، وتفسير الكتاب المقدس، كما يقررون أنه أبرز بوضوح ودقة مفهوم الكنيسة اللاهوتي، لذا دُعي "أب اللاهوت المسيحي"، "أب التقليد الكنسي".
[8] ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - ضد الهرطقات جـ 1 ط 2013م ص 115.
[9] يُنظر: من هو كاتِب إنجيل متى؟
[10] يُنظر: من هو كاتِبُ إنجيلِ لوقا؟
[11] تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري.
[12] Marcus J. Borg, John Dominic Crossan, The First Christmas (HarperCollins, 2009) page 95.
[13]
الملفات المرفقة