الصفحة الرئيسية فهرس الموضوعات
حادث سيارة


طبيبٌ فاضل ، ركب سيارته صباحاً ، وتوكل على الله متوجهاً إلى عمله في مستشفى دار الشفاء بغزة ، وكان خط سيره يمر من طريق الجامعة الإسلامية ، حيث يكون الازدحام شديداً في ساعات الصباح . وشاء الله أن تحتكَّ سيارته بسيارةٍ أخرى فتُحدِثَ فيها خدشاً بسيطاً . وهنا اشتاط سائق السيارة الأخرى غضباً ، وأخذ يشتم ويلعن بألفاظ نابية يخجل الإنسان عن ترديدها ، والطبيب الفاضل يسترضيه ، ويبدي استعداده لإصلاح ذلك الخدش أو تعويضه عنه بالمبلغ المناسب ، وهو لا يكف عن السباب واللعن . وأخيراً قَبِلَ ذلك السائق مبدأ التعويض ، وتم تحكيم السائقين الآخرين الذين تواجدوا في المكان ، فقدَّروا الخسائر بالمبلغ الفلاني ( ولنقُل : عشرة دنانير ) ، فاشتاط السائق غضباً مرة ثانية ، ووجه شتائمه إلى أولئك السائقين ، وقال : إن عملية الإصلاح تكلف عشرة أضعاف المبلغ الذي قررتموه ؛ وقدَّم العديد من المبررات غير المنطقية . كل ذلك وصاحبنا لا يصدُر منه إلا كل كلام طيب ، ثم قال له : حسناً سأدفع المبلغ الذي تحبه ، المهم أنك تسامحني . وفعلاً دفع له المبلغ الذي طلبه ذلك السائق وسار في طريقه إلى عمله .

وصل الطبيب إلى مستشفى الشفاء ، ولبس ملابس العمل ، وانهمك في عمله بجدٍّ وإخلاص ، وما إن مر وقت قصير ، وإذا بسيارة الإسعاف الخاصة بالمستشفى تطلق زامورها الذي ينبئ عن وصول حالة عاجلة إلى المستشفى ، فسارع صاحبنا كعادته لاستقبال الحالة ، فإذا برجل مضرج بدمائه وهو في غيبوبة فاقداً الوعي . قام الطبيب بمساعدة أطباء آخرين بإجراء عملية جراحية عاجلة لذلك الرجل ، ولما انتهى من إجراء العملية بنجاح ، وتنفس الصعداء ، وحمد الله على نجاح تلك العملية ، نظر في وجه ذلك الرجل الذي أجريت له العملية الجراحية ، ويا لهول المفاجأة ، إنه نفس السائق الذي أخذ منه ذلك المبلغ ظلماً . تنهد الطبيب وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولم يخبر أحداً بقصته ، ولكنه وأوصى الممرضين والممرضات بالعناية الفائقة بهذا المريض لأن أمره يهمه .

بعد فترة من الوقت فاق الرجل من غيبوبته ومن البنج الذي أعطي له أثناء العملية الجراحية . وفي صباح اليوم التالي عند مرور الأطباء على المرضى ، جاء صاحبنا مع مجموعة من الأطباء والممرضين والممرضات ، وألقى السلام على ذلك الرجل ، وقال له : ألف الحمد لله على سلامتك . نظر الرجل ، فإذا به يرى ذلك الطبيب الذي أساء إليه بالأمس ، فانطلق في بكاء شديد يقطِّع القلوب ، ويقول : أنا أستحق ما جرى لي ، سامحني بالله عليك . قال الطبيب : لا تثريب عليك ، لقد سامحتك قبل أن تطلب مني ذلك ، ولكن قل لي : ماذا جرى لك بعدما غادرتني أمس ؟ قال الرجل في ألم وحسرة : أتصدق أنني بعدما فارقتك بعدة دقائق فوجئتُ بشجرة عظيمة أمامي لا أدري كيف انزاحت السيارة تجاهها ، فاصطدمتُ بها ، ولم أعلم ما جرى لي بعد ذلك إلا وأنا أجد نفسي هنا . قال أحد المرافقين لذلك الرجل ـ وهو لا يعلم مما جرى شيئاً سوى أن قريبه رأى ذلك الطبيب أمس قبل دقائق من حدوث الحادث ـ : أتدري يا دكتور أن السيارة قد تحطمت تحطماً شديداً لدرجة أنها لا تصلح للعمل بعد ذلك مهما صُلِّحت ؟ قال الطبيب : الله يعوضكم عوض خير ، وأنت الله يقوّمك بالسلامة.

فيا إخوتي وأخواتي ، إياكم والظلم ، فالظلم ظلمات يوم القيامة ، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ، وإن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة على الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة .

عطية العمري

ملتقى رابطة الواحة الثقافية