الكون فى القرآن الكريم هو السماوات والأرض ..
ومفهوم القرآن الكريم للكون مفهوم ثنائى ..
يشمل عالم الغيب وعالم الشهادة ..
بخلاف النظرة الأُحادية المادية للفلسفة الوضعية ..
والسماء من السمو وهو العلو ..
وسماء كل شىء أعلاه ..
والسماء سقف كل شىء وكل بيت ..
والسماء فى القرآن قد تأتى بمعنى السماء الدنيا أى أدنى السموات السبع أو السماء القربى ..

وقد وردت بهذا اللفظ فى ثلاثة مواضع:
يقول الله تعالى فى كتابه العزيز: [إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ] .. [الصافات: 6] ..
وقال تعالى: [وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ] .. [فصلت: 12] ..
وقال أيضاً: [وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِين] .. [الملك: 5] ..
يقول إبن عاشور فى تفسيره: [والذى جُعل رُجوماً للشياطين هو بعض النجوم التى تبدو مضيئة ثم تلوح منقَضَّة] .. [التحرير والتنوير] ..
ويقول أيضاً: [ومعنى جعل المصابيح رجوماً جار على طريقة إسناد عمل بعض الشىء إلى جميعه] إهـ ..
فقد يذكر الشىء والمقصود بعض ما يتعلق به ..
أى كما فى قوله الله تعالى: [فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ] .. [سبأ: 19] ..
والمقصود وجعلنا من أخبارهم أحاديث ..
وكذا فى الآية الكريمة ..
أى وجعلنا من شهبها رجوماً للشياطين ..
ويسمى هذا الأسلوب عند أهل اللغة والبيان: حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ..
وهو من أساليب القرآن البليغة ..
وقد ذكر الإمام الزركشى أنه كثير فى القرآن ..
ولذلك يقول الإمام القرطبى: [وجعلناها رجوماً للشياطين أى جعلنا شهبها فحذف المضاف .. دليله: إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب .. وعلى هذا فالمصابيح لا تزول ولا يرجم بها .. وقيل: إن الضمير راجع إلى المصابيح على أن الرجم من أنفس الكواكب .. ولا يسقط الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شىء يرجم به من غير أن ينقص ضوءه ولا صورته] .. [الجامع لأحكام القرآن] ..
ويقول الإمام إبن عطية: [معناه وجعلنا منها .. وهذا كما تقول: أكرمت بنى فلان وصنعت بهم وأنت إنما فعلت ذلك ببعضهم دون بعض] .. [المحرر الوجيز] ..
ويقول الإمام إبن كثير: [عاد الضمير فى قوله: (وجعلناها) على جنس المصابيح .. لا على عينها لأنه لا يرمى بالكواكب التى فى السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مستمدة منها] .. [تفسير إبن كثير] ..
ويقول الإمام أبوحيان الأندلسى: [السماء الدنيا هى التى نشاهدها والدنو أمر نسبى وإلا فليست قريبة .. (بمصابيح) أى: بنجوم مضيئة كالمصابيح .. ومصابيح مطلق الأعلام .. فلا يدل على أن غير سماء الدنيا ليست فيها مصابيح .. وجعلناها رجوماً للشياطين أى: جعلنا منها .. لأن السماء ذاتها ليست يرجم بها الرجوم .. هذا إن عاد الضمير فى قوله: (وجعلناها) على السماء .. والظاهر عوده على مصابيح .. ونسب الرجم إليها .. لأن الشهاب المتبع للمسترق منفصل من نارها .. والكواكب قار فى ملكه على حاله .. فالشهاب كقبس يؤخذ من النار .. والنار باقية لا تنقص] .. [البحر المحيط] ..
ويجوز أن يكون معنى قوله تعالى (وجعلناها رجوماً للشياطين) بمعنى (صيرناها شهباً) ..
ومن معانى جعل: صار ..
يقول الراغب الأصفهانى: [جَعَلَ: لفظ عام فى الأفعال كلها .. وهو أعمّ من فعل وصنع وسائر أخواتها .. ويتصرّف على خمسة أوجه: الأول يجرى مجرى صار وطفق فلا يتعدّى] .. [مفردات ألفاظ القرآن] ..
ويقول فى معنى (صار): [وصَارَ عبارةٌ عن التّنقل من حال إلى حال] .. [مفردات ألفاظ القرآن] ..
فيكون المعنى هنا: صيرناها شهباً راجمة للشياطين ..
وهذا هو ما يحدث فعلياً ..
فيكون المقصود بالشهب هنا هو القذائف النارية للنجوم ..
وهى الكور النارية ..
والكور النارية يصح أن يطلق عليها منفردة نجوم أو كواكب بإعتبار ظهورها ..
ويصح أن يطلق عليها قبسات من نار أى شهباً ..
وتسمى الموسوعة الحرة الشهاب بالنجم ..

والنجم فى لسان العرب هو كل ما طلع وظهر ..
يقول إبن منظور: [نجَمَ الشىءُ يَنْجُم .. بالضم .. نُجوماً: طَلَعَ وظهر] .. [لسان العرب] ..
ثم يقول: [وكلُّ ما طلع وظهر فقد نَجَم] إهـ ..

قلتُ: ونجوم السماء فى القرآن هى الكواكب ..
وفى (القاموس المحيط): [النَّجْمُ: الكَوكبُ] إهـ ..
والنجوم أو الكواكب تأتى بمعنى الشهب كذلك ..
والشهاب هو النار الساطعة ..
كما فى قوله تعالى: [إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ] .. [النمل: 7] ..

يقول إبن منظور: [ويقال للكَوْكَبِ الذى يَنْقَضُّ عَلَى أَثَر الشَّيْطَان باللَّيْلِ شِهَابٌ] .. [لسان العرب] ..
كما فى قوله تعالى عن الجن: [وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا] .. [الجن: 9] ..
وفى الأثر عن إبن عباس: [كنتُ عند سعيدِ بنِ جبيرٍ فقال: أيُّكمْ رأى الكوكبَ الذى إنقضَّ البارحةّ ؟! قلتُ: أنا] .. [رواه مسلم] ..
وعن إبن مسعود أنه قال فى الناس يمرون على الصراط يوم القيامة: [ومنهم من يمر كالبرق ... ومنهم من يمر كإنقضاض الكوكب] .. [رواه الحاكم] ..

ويقول إبن عاشور فى معرض تفسيره لسورة النجم: [والنجم: الكوكب .. أى الجرم الذى يبدو للناظرين لامعاً فى جو السماء ليلاً ... ويجوز أن يكون المراد بالنجم: الشهاب .. وبهُويه: سقوطه من مكانه إلى مكان آخر .. قال تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد} .. وقال: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين}] .. [التحرير والتنوير] ..
ويؤيد هذا ما روى عن إبن عباس رضى الله عنه أنه قال: [أخبرنى رجال من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمى بنجم فاستنار .. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا كنتم تقولون فى الجاهلية إذا رمى بمثل هذا .. ؟! قالوا: الله ورسوله أعلم .. كنا نقول: ولد الليلة عظيم ومات عظيم .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته .. ولكن ربنا عز وجل إذا قضى أمراً سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الذين يلون حملة العرش: ماذا قال ربكم ؟! فيخبرونهم فيسبح أهل السموات حتى يبلغ الخبر أهل هذه السماء الدنيا .. فيخطف الجن السمع فيذهبون إلى أوليائهم فما جاءوا به على وجهه فهو حق .. وإنهم يقرفون فيه ويزيدون] .. [رواه مسلم فى صحيحه] ..
كما فى قوله تعالى: [وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا] .. [الجن: 8] ..
وقد ذكر الله تعالى المصابيح التى جعل منها رجوماً للشياطين نكرة دون تعيين (أى دون الألف واللام) ..
والمصباح هو ما يستضاء به فى الظلمة ..
وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن مصدر الشهب هو المذنبات ..



وهى من جملة النجوم أو الكواكب بالإعتبار السابق ..
ومفردها مذنب ..
وكان إبن عباس يسميه: الكوكب ذوالذنب ..

فماصدق (النجوم أو الكواكب) يشمل كل الأجرام الطالعة أو الظاهرة بصرف النظر عن حجمها أو تكوينها ..
وماصدق (المصابيح) يشمل المذنبات ..
ويقول الإمام الرازى عن السماء الدنيا فى تفسيره: [(ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا) .. السماء القربى ... ومعناها السماء الدنيا من الناس .. والمصابيح السرج سميت بها الكواكب .. والناس يزينون مساجدهم ودورهم بالمصابيح .. فقيل: ولقد زينا سقف الدار التى إجتمعتم فيها بمصابيح ... أما قوله تعالى: (وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ) .. فأعلم أن الرجوم جمع رجم .. وهو مصدر سمى به ما يرجم به] .. [مفاتيح الغيب] ..
ثم يقول: [أعلم إن ظاهر هذه الآية لا يدل على أن هذه الكواكب مركوزة فى السماء الدنيا] إهـ ..
ويقول إبن منظور عن الرجوم: [والرَّجْمُ إسم لما يُرْجَمُ به الشىء المَرْجوم .. وجمعه رُجومُ] .. [لسان العرب] ..
كما فى قوله تعالى: [يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ] .. [الرحمن: 35] ..
وأما البروج فهى النجوم العظام دون غيرها ..
وقد كان العرب يفرقون بين البروج أو النجوم العظام وبين غيرها ..
وكانوا يفرقون تماماً بين الشهب وبين البروج ..
فهذه قذائف وهذه علامات ..
كما فى قوله تعالى: [تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا] .. [الفرقان: 61] ..
ويقول إبن منظور عن البروج: [وكل ظاهر مرتفع فقد برج .. وإنما قيل للبروج بروج لظهورها وبيانها وإرتفاعها] .. [لسان العرب] ..
ويقول كذلك: [وقال الزجاج فى قوله عز وجل: (وجعلنا فى السماءِ بروجاً) قال: البروج الكواكب العظام] إهـ ..
ويقول الألوسى: [عن أبى صالح أنه قال: هى النجوم العظام] .. [روح المعانى] ..
ولذلك لا توجد آية واحدة فى كتاب الله تعالى تقول أن (البروج) هى (رجوم الشياطين) ..

وكذا يطلق العرب على الأجرام المعتمة مسمى الكواكب ..
يقول إبن منظور: [وزُحَلُ إسم كوكب] .. [لسان العرب] ..
ومفهوم القرآن الكريم للكون مفهوم ثنائى ..
يشمل عالم الغيب وعالم الشهادة ..
بخلاف النظرة الأُحادية المادية للفلسفة الوضعية ..
والسماء من السمو وهو العلو ..
وسماء كل شىء أعلاه ..
والسماء سقف كل شىء وكل بيت ..
والسماء فى القرآن قد تأتى بمعنى السماء الدنيا أى أدنى السموات السبع أو السماء القربى ..

وقد وردت بهذا اللفظ فى ثلاثة مواضع:
يقول الله تعالى فى كتابه العزيز: [إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ] .. [الصافات: 6] ..
وقال تعالى: [وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ] .. [فصلت: 12] ..
وقال أيضاً: [وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِين] .. [الملك: 5] ..
يقول إبن عاشور فى تفسيره: [والذى جُعل رُجوماً للشياطين هو بعض النجوم التى تبدو مضيئة ثم تلوح منقَضَّة] .. [التحرير والتنوير] ..
ويقول أيضاً: [ومعنى جعل المصابيح رجوماً جار على طريقة إسناد عمل بعض الشىء إلى جميعه] إهـ ..
فقد يذكر الشىء والمقصود بعض ما يتعلق به ..
أى كما فى قوله الله تعالى: [فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ] .. [سبأ: 19] ..
والمقصود وجعلنا من أخبارهم أحاديث ..
وكذا فى الآية الكريمة ..
أى وجعلنا من شهبها رجوماً للشياطين ..
ويسمى هذا الأسلوب عند أهل اللغة والبيان: حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ..
وهو من أساليب القرآن البليغة ..
وقد ذكر الإمام الزركشى أنه كثير فى القرآن ..
ولذلك يقول الإمام القرطبى: [وجعلناها رجوماً للشياطين أى جعلنا شهبها فحذف المضاف .. دليله: إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب .. وعلى هذا فالمصابيح لا تزول ولا يرجم بها .. وقيل: إن الضمير راجع إلى المصابيح على أن الرجم من أنفس الكواكب .. ولا يسقط الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شىء يرجم به من غير أن ينقص ضوءه ولا صورته] .. [الجامع لأحكام القرآن] ..
ويقول الإمام إبن عطية: [معناه وجعلنا منها .. وهذا كما تقول: أكرمت بنى فلان وصنعت بهم وأنت إنما فعلت ذلك ببعضهم دون بعض] .. [المحرر الوجيز] ..
ويقول الإمام إبن كثير: [عاد الضمير فى قوله: (وجعلناها) على جنس المصابيح .. لا على عينها لأنه لا يرمى بالكواكب التى فى السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مستمدة منها] .. [تفسير إبن كثير] ..
ويقول الإمام أبوحيان الأندلسى: [السماء الدنيا هى التى نشاهدها والدنو أمر نسبى وإلا فليست قريبة .. (بمصابيح) أى: بنجوم مضيئة كالمصابيح .. ومصابيح مطلق الأعلام .. فلا يدل على أن غير سماء الدنيا ليست فيها مصابيح .. وجعلناها رجوماً للشياطين أى: جعلنا منها .. لأن السماء ذاتها ليست يرجم بها الرجوم .. هذا إن عاد الضمير فى قوله: (وجعلناها) على السماء .. والظاهر عوده على مصابيح .. ونسب الرجم إليها .. لأن الشهاب المتبع للمسترق منفصل من نارها .. والكواكب قار فى ملكه على حاله .. فالشهاب كقبس يؤخذ من النار .. والنار باقية لا تنقص] .. [البحر المحيط] ..
ويجوز أن يكون معنى قوله تعالى (وجعلناها رجوماً للشياطين) بمعنى (صيرناها شهباً) ..
ومن معانى جعل: صار ..
يقول الراغب الأصفهانى: [جَعَلَ: لفظ عام فى الأفعال كلها .. وهو أعمّ من فعل وصنع وسائر أخواتها .. ويتصرّف على خمسة أوجه: الأول يجرى مجرى صار وطفق فلا يتعدّى] .. [مفردات ألفاظ القرآن] ..
ويقول فى معنى (صار): [وصَارَ عبارةٌ عن التّنقل من حال إلى حال] .. [مفردات ألفاظ القرآن] ..
فيكون المعنى هنا: صيرناها شهباً راجمة للشياطين ..
وهذا هو ما يحدث فعلياً ..
فيكون المقصود بالشهب هنا هو القذائف النارية للنجوم ..
وهى الكور النارية ..
والكور النارية يصح أن يطلق عليها منفردة نجوم أو كواكب بإعتبار ظهورها ..
ويصح أن يطلق عليها قبسات من نار أى شهباً ..
وتسمى الموسوعة الحرة الشهاب بالنجم ..

والنجم فى لسان العرب هو كل ما طلع وظهر ..
يقول إبن منظور: [نجَمَ الشىءُ يَنْجُم .. بالضم .. نُجوماً: طَلَعَ وظهر] .. [لسان العرب] ..
ثم يقول: [وكلُّ ما طلع وظهر فقد نَجَم] إهـ ..

قلتُ: ونجوم السماء فى القرآن هى الكواكب ..
وفى (القاموس المحيط): [النَّجْمُ: الكَوكبُ] إهـ ..
والنجوم أو الكواكب تأتى بمعنى الشهب كذلك ..
والشهاب هو النار الساطعة ..
كما فى قوله تعالى: [إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ] .. [النمل: 7] ..

يقول إبن منظور: [ويقال للكَوْكَبِ الذى يَنْقَضُّ عَلَى أَثَر الشَّيْطَان باللَّيْلِ شِهَابٌ] .. [لسان العرب] ..
كما فى قوله تعالى عن الجن: [وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا] .. [الجن: 9] ..
وفى الأثر عن إبن عباس: [كنتُ عند سعيدِ بنِ جبيرٍ فقال: أيُّكمْ رأى الكوكبَ الذى إنقضَّ البارحةّ ؟! قلتُ: أنا] .. [رواه مسلم] ..
وعن إبن مسعود أنه قال فى الناس يمرون على الصراط يوم القيامة: [ومنهم من يمر كالبرق ... ومنهم من يمر كإنقضاض الكوكب] .. [رواه الحاكم] ..

ويقول إبن عاشور فى معرض تفسيره لسورة النجم: [والنجم: الكوكب .. أى الجرم الذى يبدو للناظرين لامعاً فى جو السماء ليلاً ... ويجوز أن يكون المراد بالنجم: الشهاب .. وبهُويه: سقوطه من مكانه إلى مكان آخر .. قال تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد} .. وقال: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين}] .. [التحرير والتنوير] ..
ويؤيد هذا ما روى عن إبن عباس رضى الله عنه أنه قال: [أخبرنى رجال من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمى بنجم فاستنار .. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا كنتم تقولون فى الجاهلية إذا رمى بمثل هذا .. ؟! قالوا: الله ورسوله أعلم .. كنا نقول: ولد الليلة عظيم ومات عظيم .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته .. ولكن ربنا عز وجل إذا قضى أمراً سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الذين يلون حملة العرش: ماذا قال ربكم ؟! فيخبرونهم فيسبح أهل السموات حتى يبلغ الخبر أهل هذه السماء الدنيا .. فيخطف الجن السمع فيذهبون إلى أوليائهم فما جاءوا به على وجهه فهو حق .. وإنهم يقرفون فيه ويزيدون] .. [رواه مسلم فى صحيحه] ..
كما فى قوله تعالى: [وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا] .. [الجن: 8] ..
وقد ذكر الله تعالى المصابيح التى جعل منها رجوماً للشياطين نكرة دون تعيين (أى دون الألف واللام) ..
والمصباح هو ما يستضاء به فى الظلمة ..
وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن مصدر الشهب هو المذنبات ..



وهى من جملة النجوم أو الكواكب بالإعتبار السابق ..
ومفردها مذنب ..
وكان إبن عباس يسميه: الكوكب ذوالذنب ..

فماصدق (النجوم أو الكواكب) يشمل كل الأجرام الطالعة أو الظاهرة بصرف النظر عن حجمها أو تكوينها ..
وماصدق (المصابيح) يشمل المذنبات ..
ويقول الإمام الرازى عن السماء الدنيا فى تفسيره: [(ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا) .. السماء القربى ... ومعناها السماء الدنيا من الناس .. والمصابيح السرج سميت بها الكواكب .. والناس يزينون مساجدهم ودورهم بالمصابيح .. فقيل: ولقد زينا سقف الدار التى إجتمعتم فيها بمصابيح ... أما قوله تعالى: (وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ) .. فأعلم أن الرجوم جمع رجم .. وهو مصدر سمى به ما يرجم به] .. [مفاتيح الغيب] ..
ثم يقول: [أعلم إن ظاهر هذه الآية لا يدل على أن هذه الكواكب مركوزة فى السماء الدنيا] إهـ ..
ويقول إبن منظور عن الرجوم: [والرَّجْمُ إسم لما يُرْجَمُ به الشىء المَرْجوم .. وجمعه رُجومُ] .. [لسان العرب] ..
كما فى قوله تعالى: [يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ] .. [الرحمن: 35] ..
وأما البروج فهى النجوم العظام دون غيرها ..
وقد كان العرب يفرقون بين البروج أو النجوم العظام وبين غيرها ..
وكانوا يفرقون تماماً بين الشهب وبين البروج ..
فهذه قذائف وهذه علامات ..
كما فى قوله تعالى: [تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا] .. [الفرقان: 61] ..
ويقول إبن منظور عن البروج: [وكل ظاهر مرتفع فقد برج .. وإنما قيل للبروج بروج لظهورها وبيانها وإرتفاعها] .. [لسان العرب] ..
ويقول كذلك: [وقال الزجاج فى قوله عز وجل: (وجعلنا فى السماءِ بروجاً) قال: البروج الكواكب العظام] إهـ ..
ويقول الألوسى: [عن أبى صالح أنه قال: هى النجوم العظام] .. [روح المعانى] ..
ولذلك لا توجد آية واحدة فى كتاب الله تعالى تقول أن (البروج) هى (رجوم الشياطين) ..

وكذا يطلق العرب على الأجرام المعتمة مسمى الكواكب ..
يقول إبن منظور: [وزُحَلُ إسم كوكب] .. [لسان العرب] ..
اترك تعليق: