موافقة حديث لا عدوى للطب و الواقع وجهل المخالفين بالعلم

تقليص

عن الكاتب

تقليص

د/ربيع أحمد مسلم سلفي العقيدة اكتشف المزيد حول د/ربيع أحمد
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • موافقة حديث لا عدوى للطب و الواقع وجهل المخالفين بالعلم

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد توهم بعض أعداء الإسلام أن حديث : « لا عدوى » يخالف العلم و الواقع ، و زعموا أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بذلك قد ألغى أحد فروع الطب ،وهو فرع الأمراض المعدية diseases infectious ،وقد خالف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بزعمهم الواقع بنفيه للعدوى وهي موجودة في الواقع ،ولو كان نبيا حقا لما خالف الطب و لما خالف الواقع إلى غير ذلك من الافتراءات .

    و هذه الافتراءات في حقيقتها تنم عن الجهل بقواعد تفسير النصوص ،وسوء القصد ،و عند استخدام القواعد العلمية المتبعة في تفسير النصوص نجد أن الحديث يوافق الطب والواقع بل صحح الحديث اعتقادات فاسدة تخالف الطب و الواقع وقد وضع تدابير للحد من انتشار الأمراض المعدية و الوبائية مما يشهد بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لا ينطق عن الهوى .

    و قد يلاحظ القارئ تكرار بعض كلامي فأتكلم عن كل حديث على حدة و كأنه بحث مستقل لحاجة في نفسي و هي دحض دعوى أن حديث لا عدوى يخالف الطب والواقع و أن العيب في فهم المشككين لا في كلام خير المرسلين و الله من وراء القصد ربيع أحمد



    ليس من الإنصاف فهم جزء من كلام شخص بمنأى عن باقي كلامه


    مما يعلمه العقلاء أن من الإنصاف عند فهم جزء من كلام شخص أن ننظر لباقي كلامه ، و ليس من الإنصاف أن نفهم جزءا من كلام شخص بمنأى عن باقي كلامه .


    و عندما يتكلم شخصا في مسألة فتعترض عليه قبل أن يكملها فالإجابة المنطقية من هذا الشخص هي : مهلا أخي هل سمعت باقي كلامي لكي تعترض ،وكنت سوف أجيب عن هذا الاعتراض أو باقي كلامي كان سيوضح لك الأمر ؟!!.


    ومن القواعد المتبعة عند تفسير أي نص من النصوص النظر للسياق الذي ذكر فيه النص والنظر لباقي كلام النص فربما كان هذا الجزء من الكلام في النص عاما و السياق أو باقي كلام النص يخصصه و ربما كان هذا الجزء من الكلام في النص مطلقا و السياق أو باقي كلام النص يقيده ،وربما كان هذا الجزء من الكلام في النص مخالفا للواقع و عند تكملة النص يتبين عدم مخالفته للواقع .

    مثلا مدرسة ممتلئة بالطلاب في جميع فصولها عدا فصلا به عدد قليلا جدا من الطلبة إذا قال مدرس هذا الفصل لا يوجد طلبة هل كلامه يكون مخالفا للواقع أم أن كلامه له محمل أن عدد طلاب هذا الفصل بالنسبة لباقي الفصول لا شيء.

    و لو أن مدرسا أخذ يسأل العديد من الأسئلة للطلبة ،ولم يجبه أحد فقال : لا يوجد طالب هل كلامه يكون مخالفا للواقع أم أن كلامه له محمل أنه لا يوجد طالب يجيبه عن أسئلته أو لا يوجد طالب مجتهد ،وعليه فلابد من النظر لسياق النص و الحيثيات التي قيل فيها عند تفسيره .

    والخلاصة أن قص كلام شخص بانتقاء بعض كلامه وتخطئته دون النظر لباقي كلامه وسياق كلامه ليس بالمنهج العلمي السوي .
    د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
    بعض كتاباتي على الألوكة
    بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

  • #2
    رد: موافقة حديث لا عدوى للطب و الواقع وجهل المخالفين بالعلم

    أحاديث نفي العدوى ليست نصا في عدم وجود العدوى أو عدم تأثيرها مطلقا


    عند تتبع أحاديث نفي العدوى لا نجد تصريحا بأن العدوى غير موجودة أو ليس لها أي تأثير ومن هذه الأحاديث :

    عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ: فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ »[1].


    وعن أَبَي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»[2].


    وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ»[3].

    وعن أَبَي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لاَ عَدْوَى» فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الإِبِلَ، تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ، فَيَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ»[4].

    وبون شاسع بين لا عدوى و بين لا وجود للعدوى و فرق شاسع بين لا عدوى و بين لا يوجد أي تأثير للعدوى فالجملة الأولى : خبر لا محذوف لفهمه من سياق الكلام و التقدير على الراجح مؤثرة بطبعها أو تضر بذاتها أو تنتقل بذاتها أي لا عدوى مؤثرة بطبعها أو لا عدوى تضر بذاتها أو لا عدوى تنتقل بذاتها بل لابد من توافر الأسباب و فوق ذلك إرادة الله أما الجملة الثانية فخبر لا موجود ،وهو لفظ " موجودة "





    دلالة اقتران نفي العدوى مع نفي الطيرة على عدم نفي وجود العدوى بل نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى والطيرة

    كثير من الأحاديث التي ذكر فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - نفي العدوى اقترن معها نفي الطيرة ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ: فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ »[5] ، وعن أَبَي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»[6] ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، أن النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ»[7].


    و من المعلوم أن هناك الكثير من الناس يتطير رغم أن الإسلام حرم ذلك ،و إذا كانت الطيرة موجودة في الواقع من جهة اعتقاد بعض الناس ، و مع ذلك قد نفاها النبي - صلى الله عليه وسلم – فهذا يدل أن المقصود بالنفي ليس نفي الوجود ، ولكن نفي أمر آخر ، وهو على الراجح نفي الاعتقاد الخاطئ في الطيرة أو نفي تأثير الطيرة من دون الله .

    و الاعتقاد في الطيرة ،ودعوى أن للتطير تأثيرا من دون الله كان سائدا عند الناس -ومازال - ،و هذا من الشرك ،و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال : «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ، ثَلَاثًا ، وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ »[8] أي : التشاؤم الذي يؤدي إلى ترك الشيء أو الإحجام عن العمل أو ترك العمل من الشرك فالتطير يضعف التوكل على الله ،وفيه رجم بالغيب بأسباب لم يأذن بها الله ، و فيه سوء ظن بالله ، و اعتقاد حصول الضر والنفع من غير الله تعالى ،و كل إنسان اعتقد سببا لم يجعله الشرع سبباً ، فإنه مشرك شركاً أصغر ، و إذا اعتقد أن هذا الشيء المتشائم به – أي سبب ترك الفعل - يضر من دون الله فهو شرك أكبر .

    و إذا لم يكن المقصود بنفي الطيرة نفي الوجود ، و لكن نفي الاعتقاد الخاطئ في الطيرة أو نفي تأثير الطيرة من دون الله أي لا طيرة مؤثرة فكذلك المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى .

    والاعتقاد الخاطئ في العدوى هو أن العدوى تنتقل بطبعها وبذاتها من شخص لآخر دون إجراء الله لذلك ،وأن العدوى تضر بذاتها و أن العدوى تؤثر بذاتها .

    وهذا الاعتقاد اعتقاد باطل فلابد أن يعتقد الإنسان أن الله هو مسبب الأسباب ، و أن العدوى لا تنتقل من شخص لآخر إلا إذا شاء الله ذلك و قدر ،ولا تضر العدوى إلا إذا شاء الله ذلك وقدر أي لابد من اعتقاد أن العدوى لا تحصل إلا بقضاء الله ،وقدره فإذا شاء الله أن يصاب شخص بالعدوى ويمرض جعل أسباب العدوى سارية ومؤثرة ، وأسباب المرض سارية ومؤثرة وإن شاء الله سلب أسباب العدوى قدرتها على التأثير فلا أثر للعدوى إلا بمشيئة الله وحده ،ولا عدوى مؤثرة بنفسها بل بإذن الله ،و لو كانت العدوى مؤثرة بنفسها لما تخلفت أحيانا .

    قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
    ( قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا عدوى" المراد بالعدوى: انتقال المرض من شخص إلى شخص، أو من بهيمة إلى بهيمة، أو من مكان إلى مكان.

    والمرض يتعدّى من محل إلى محل، ويتعدّى من المريض إلى السليم، ويتعدّى من الجربى إلى الصحيحة، هذا شيءٌ موجود ،والرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينفي هذا، وإنما ينفي العدوى التي كان يعتقدها أهل الجاهلية من أنّ المرض يتعدّى بنفسه بدون تقدير الله - سبحانه وتعالى - ، فالعدوى وهي: انتقال المرض من محل إلى محل بسبب قرب الصحيح من المريض، والمقدر لها هو الله تعالى، فقد يقرُب الصحيح من المريض ولا يصيبه شيء، وقد يقرُب ويُصاب.

    والسبب: أن هذا راجعٌ إلى الله، إن شاء سبحانه وتعالى انتقل هذا المرض، وإنْ شاء لم ينتقل، فمجرّد مقاربة المريض أو القدوم على المحل الموبوء هذا سبب، أما التأثُّر فهو بيد الله سبحانه وتعالى، فقد يدخل الإنسان في الأرض الموبوءة ولا يصاب، وقد يورِد الممرض على المُصح ولا يُصاب، قد ينام المريض بجانب الصحيح ولا يصاب، وقد يصاب، فما وجه التفريق بين الحالتين؟ وجه التفريق: أن هذا راجعٌ إلى مشيئة الله تعالى.

    أما أهل الجاهلية فلا يفرِّقون بل عندهم: أن كل من قارب المرض- أو كل من قارب المريض- أنه يُصاب، ولا ينسبون هذا إلى قضاء الله وقدره، ولا يتوكّلون على الله سبحانه وتعالى، ويفرِطون في التشاؤم والتطيُّر وانتقال العدوى، ويعملون أعمالاً تُضحك.


    فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا عدوى" يعني: على ما كان يعتقده أهل الجاهلية، أما أنّ العدوى تحصُل بإذن الله فهذا أمرٌ واقع، ولهذا نهى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مخالطة المجذوم، ونهى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القدوم على الأرض الموبوءة، ونهى من كان في أرض فيها وباء أن يخرج منها ومن كان خارجها لا يدخل فيها، لأن هذه أسبابٌ لانتشار المرض، والامتناع عنها أخذٌ بالأسباب الواقية، والإقدام عليها إلقاءٌ إلى التَّهْلُكة، والله نهى عن ذلك، إلاَّ من قَوِيَ إيمانه وتوكُّله على الله تعالى؛ فهذا قد يُقدم على الوباء ويخالط المرضى ولا يصاب، لأنه متوكِّلٌ على الله - سبحانه وتعالى -، لكن هذا لا يكون إلاَّ لأهل الإيمان القوي، أما أهل الإيمان الضعيف فهؤلاء يبتعدون عن هذه المواطن لئلا يصابوا، ثمّ تسوء عقيدتهم.

    والإقدام على محلاَّت الخطر من الإلقاء إلى التهلُكة، والله تعالى يقول: ﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾، إلاَّ إذا كان هناك مصلحة راجحة من الإقدام على هذه الأمور فيُقدم عليها، أما إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة فالأخذ بالأسباب الواقية أحسن، وإذا كان هناك مصلحة راجحة فالإقدام أحسن، على حسب الأحوال .

    وقوله: "ولا طَيرة" هذا نفيٌ معناه: النهي، يعني: لا تتطيّروا، وإنْ كان الإنسان يجد في نفسه شيئاً فلا يمنعه ما يجد في نفسه من المُضي والعزم، لأن إيمانه يسوقه، بخلاف ضعيف الإيمان فإن التشاؤم يتغلّب عليه فيتراجع، ويكون هذا من الخلل في العقيدة، وضعف التوكُّل على الله سبحانه وتعالى ،وإذا وجدت في نفسك تشاؤماً أو كراهية فتوكّل على الله وأقدِم .

    والطيرة ليس لها أصل، بخلاف العدوى، وإنما هي من الشيطان، فهي تخيُّلٌ من الإنسان بسبب وسوسة الشيطان فالتطيُّر ليس له أصل، ومن وجد في نفسه شيئاً من الكراهية فليتوكّل على الله وليعزم، ولا ترده الطيَرة عن مقصوده )[9].



    [1] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5772،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2225

    [2] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5707

    [3] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5776،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2224

    [4] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5773 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2220

    [5] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5772،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2225

    [6] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5707

    [7] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5776،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2224

    [8] - رواه أبو داود في سننه رقم 3910 وصححه الألباني

    [9] - إعانة المستفيد لصالح الفوزان 2/7-9
    د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
    بعض كتاباتي على الألوكة
    بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

    تعليق


    • #3
      رد: موافقة حديث لا عدوى للطب و الواقع وجهل المخالفين بالعلم

      دلالة حديث : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ » أن المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى


      عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ »[1] ، وفي رواية « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، والشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ: فِي المَرْأَةِ، وَالدَّارِ، وَالدَّابَّةِ»[2] ، واقتران نفي العدوى مع نفي الطيرة دليل أن المقصود بالنفي نفي الاعتقادات الفاسدة حول العدوى والطيرة .


      و نفي العدوى والطيرة مع ذكر " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " دليل آخر في الحديث أن المقصود بالنفي نفي الاعتقادات الفاسدة حول العدوى والطيرة .


      و بيان ذلك أن المراد بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " أي إن كان الشؤم في شيء ففي هذه الثلاثة فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ : ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ، وَالمَرْأَةِ، وَالفَرَسِ»[3] ، و في رواية : « إِنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ، فَفِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ»[4] .


      ومعنى إن كان الشؤم في شيء ففي هذه الثلاثة أي إن كان الله خلق الشؤم في شيء مما جرى التشاؤم به فإنما يخلقه في هذه الأشياء وهذا لا يقتضي إثبات الشؤم فيها .


      أي : إِنْ فُرِضَ وُجُودُ الشُّؤْمِ يَكُونُ في هذه الثَّلَاثَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ نَفْيُ صِحَّةِ الشُّؤْمِ وَوُجُودُهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ فَلَا يُنَافِيهِ حِينَئِذٍ عُمُومُ نَفْيِ الطِّيَرَةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ [5].


      وقول النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ، وَالمَرْأَةِ، وَالفَرَسِ» من قبيل قول القائل : إن كان في هذه الدار أحد فزيد فهذا الكلام لا يفهم منه أن القائل يثبت أن في الدار زيدا ، بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدا
      و لو كانت الطيرة مؤثرة في شيء لكانت مؤثرة في هذه الثلاثة لطول ملازمة الإنسان لهذه الأشياء، أما وإن الطيرة ليست مؤثرة في هذه الأشياء رغم أنها أكثر ما يلازم المرء فإن الطيرة منفية في غيرها من باب أولى .

      و على التسليم الجدلي أن في هذه المذكورات شؤم فالشؤم بمعنى ما يكرهه الإنسان فقد يسمى كل مكروه ومحذور شؤم[6] ،وهذه الأشياء قد يقدر الله أن تكون سببا لما يكرهه الإنسان ويسيئه أو توصل إلى ما يكرهه الإنسان و يسيئه أي هذه الأشياء قد يجعلها الله سببا قدريا في حصول ما يسيء الإنسان و يكرهه أو قد يكون في بعض أعيان هذه الثلاثة ضرر محسوس، كالمرأة السيئة الخلق، والدار الضيقة، أو السيئة الجيران، والفرس السيئة الطباع، ونحو ذلك ، ،وهَذَا كُلُّهُ شَيْءٌ مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ لَيْسَ هُوَ مِنْ باب الطيرة .


      وقال ابن الجوزي :( إِن خيف من شَيْء أَن يكون سَببا لما يخَاف شَره ويتشاءم بِهِ فَهَذِهِ الْأَشْيَاء، لَا على السَّبِيل الَّتِي تظنها الْجَاهِلِيَّة من الْعَدوي والطيرة، وَإِنَّمَا الْقدر يَجْعَل للأسباب تَأْثِيرا )[7] .


      وإضافة الشؤم إلى هذه الثلاثة إنما هو من قبيل المجاز فالشؤم قد يحصل مقارناً لهذه الأشياء لا أنه منها أو يحدث الشؤم عندها لا بها ، وَقد تكون الدَّار قد قضى الله عز وَجل عَلَيْهَا أَن يُمِيت فِيهَا خلقا من عباده كَمَا يقدر ذَلِك فِي الْبَلَد الَّذِي ينزل الطَّاعُون بِهِ وَفِي الْمَكَان الَّذِي يكثر الوباء بِهِ فيضاف ذَلِك إِلَى الْمَكَان مجَازًا وَالله خلقه عِنْده وَقدره فِيهِ كَمَا يخلق الْمَوْت عِنْد قتل الْقَاتِل [8].


      وقال الطيبي : ( هذه الأشياء الثلاثة ليس لها بأنفسها وطباعها فعل وتأثير، وإنما ذلك كله بمشيئة الله وقضائه، وخصت بالذكر لأنها أعم الأشياء التي يقتنيها الناس، ولما كان الإنسان لا يخلو عن العارض فيها، أضيف إليها اليمن والشؤم إضافة مكان ومحل )[9].


      و إذا كان معنى حديث : " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " : إن كان الله خلق الشؤم في شيء مما جرى التشاؤم به فإنما يخلقه في هذه الأشياء من باب أولى ،وإذ لم يكن في هذه الأشياء شؤم فغيرها ليس فيه شؤم من باب أولى فليس في ذوات هذه الأشياء شؤم أو ضرر ،وعليه فيكون معنى قول النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ » أي لا تضر العدوى بنفسها ولا تضر الطيرة ،و على فرض وجود الشؤم لكان موجودا في هذه الأشياء ،وإذ لم يكن فيها فغيرها من باب أولى .

      و إذا كان معنى حديث : " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " : أن في هذه الثلاثة شؤم وضرر بتقدير الله ذلك فيكون معنى قول النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ : فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ » لا تعتقدوا أن العدوى أو الطيرة تؤثر بنفسها من دون الله إنما الله قد يجعل في بعض الأشياء ضررا لمن لازمها بتقديره سبحانه ،وليس لأن هذه الأشياء تضر بنفسها .


      وعليه فنفي العدوى والطيرة مع ذكر " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ " دليل أن السياق يتكلم عن نفي اعتقادات فاسدة فالشريعة دائما و أبدا ترفض التقليد الأعمى و ترفض إشاعة الخرافات و الاعتقادات الفاسدة .









      دلالة حديث : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» ، أن المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى



      عن أَبَي هُرَيْرَةَ ،قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ »[10] ،و هذا الحديث يدل أن نفي العدوى نفي الاعتقاد الفاسد فيها من عدة وجوه :

      الوجه الأول : اقتران نفي العدوى مع نفي الطيرة ،و الطيرة موجودة من جهة اعتقاد بعض الناس فيها ،والمعنى نفي ما يعتقده أهل الجاهلية من التطير بالمرئيات والمسموعات مما يكرهون وتردهم عن حاجتهم ،و عليه فالمراد بالنفي في الأمرين – نفي العدوى و نفي الطيرة - ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات الخاطئة حول العدوى و الطيرة .

      الوجه الثاني : اقتران نفي العدوى مع نفي الهامة ،والهامة موجودة من جهة اعتقاد بعض الناس و الهامة طير من طير الليل كأنه يعني البومة قال ابن الأعرابي: ( كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول: نَعَتْ إليّ نفسي أو أحدا من أهل داري، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله) [11] ،وقال الشهرستاني :
      ( ومن العرب من يعتقد التناسخ، فيقول: إذا مات الإنسان أو قتل اجتمع دم الدماغ وأجزاء بنيته، فانتصب طيرا هامة، فيرجع إلى رأس القبر كل مائة سنة, وعن هذا أنكر عليهم الرسول عليه السلام )[12] ، والمعنى نفي هذه المعتقدات الباطلة ،و عليه فالمراد بالنفي في الأمرين ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات الخاطئة حول العدوى و الهامة .

      الوجه الثالث: اقتران نفي العدوى مع نفي صفر ،و شهر صفر موجود لكن بعض الناس يعتقدون في شهر صفر اعتقادات فاسدة ، ويتشاءمون به، ويقولون: إنه شهر مشئوم، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك [13] ، والتشاؤم بصفر من جنس الطيرة المنهي عنها ، و عليه فالمراد بالنفي في الأمرين – نفي العدوى و نفي صفر - ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات الخاطئة حول العدوى و شهر صفر .


      وقال ابن عثيمين – رحمه الله –: ( وهذا النفي في هذه الأمور الأربعة - أي لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ - ليس نفيا للوجود; لأنها موجودة ولكنه نفي للتأثير; فالمؤثر هو الله، فما كان منها سببا معلوما; فهو سبب صحيح، وما كان منها سببا موهوما; فهو سبب باطل، ويكون نفيا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحا، ولكونه سببا إن كان باطلا )[14].

      الوجه الرابع : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ " ،و قد كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيْفٍ رَجُلٌ مَجْذُوْمٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاك؛ فَارْجِعْ[15] مما يدل على مشروعية اجتناب مريض الجذام كي لا تنتقل العدوى منه إلى غيره أي أن مخالطة هذا المريض من الأسباب التي أجرى الله - سبحانه و تعالى - العادة بأنها تفضي إلى المرض لا استقلالا بطبعها مما يدل أن للعدوى تأثيرا لكن تأثيرها ليس أمرا لازما بحيث تكون علة فاعلة .

      و الإنسان مأمور باتقاء الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء، وفي النار، فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم، فإن هذه من أسباب المرض أي أن اجتناب المريض بمرض معدي من باب تجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء لا من باب تأثير الأسباب بنفسها ; فالأسباب لا تؤثر بنفسها .

      ومرض الجذام Leprosy مرض معدي لكنه ليس شديد العدوى not highly infectious ، و ينتقل المرض عبر رذاذ الأنف nasal droplets أثناء المخالطات الحميمة و المتكررة مع الحالات التي لم تُعالج أو ملامسة الأشخاص المصابين لفترات طويلة long time of contact أو ملامسة القرح ومفرزات الأغشية المخاطية لمرضى الحالات أو المراحل المتقدمة .

      و إن كان الجذام ليس شديد العدوى إلا أن هناك نوع من أنواعه شديد العدوى خاصة من رذاذ الأنف ، وهو الجذام الجذاميني أو الأسدي Lepromatous leprosy فهو أخطر مراحل المرض و أخطر الأنواع حيث يصاب الجلد بآفات جلدية بصورة منتشرة diffuse skin lesions ، و تظهر تقرحات شديدة بالجلد و هذه الآفات الجلدية تكون محملة بالبكتريا المسببة للمرض high bacterial load و أكثر الأماكن إصابة الوجه و الجبهة و يبدو وجه المريض كوجه الأسد Lion face .

      ومريض الجذام إذا رأى صحيح البدن يديم النظر إليه و يحزن لما أصابه فيصاب بالإحباط و تضعف مناعته وتزداد شدة المرض لذلك كان الهدي النبوي بالفرار منه حتى لا يقع بصره على الصحاح فيزداد مرضه كما أن الإنسان عندما يرى أسدا يتصنع في عدم رؤية الأسد له .










      [1] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5772،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2225
      [2] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5753 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2225
      [3] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5094
      [4] - رواه مسلم في صحيحه رقم 2225
      [5] - تحفة الأحوذي 8/92
      [6] - مطالع الأنوار على صحاح الآثار لابن قرقول 6/5
      [7] - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي 2/268
      [8] - مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/255
      [9] - شرح المشكاة للطيبي 7/2261
      [10] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5707
      [11] - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن حسن ص 309
      [12] - الملل و النحل للشهرستاني 3/81
      [13] - انظر حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم ص 216
      [14] - القول المفيد لابن عثيمين ص 564
      [15] - رواه مسلم في صحيحه رقم 2231
      د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
      بعض كتاباتي على الألوكة
      بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

      تعليق


      • #4
        رد: موافقة حديث لا عدوى للطب و الواقع وجهل المخالفين بالعلم

        دلالة حديث : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ » أن المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ فيها

        عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ : «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ »[1] ، وهذا الحديث يدل أن المقصود بالعدوى نفي الاعتقاد الخاطئ فيها من وجهين :

        الوجه الأول : اقتران نفي العدوى مع نفي الطيرة ،و الطيرة موجودة من جهة اعتقاد بعض الناس فيها ،والمعنى نفي ما يعتقده أهل الجاهلية من التطير بالمرئيات والمسموعات مما يكرهون وتردهم عن حاجتهم ،و عليه فالمراد بالنفي في الأمرين – نفي العدوى و نفي الطيرة - ليس نفي وجود و لكن نفي الاعتقادات الخاطئة حول العدوى و الطيرة .

        الوجه الثاني : ذكر الفأل بعد نفيه للعدوى و الطيرة ، و كان - عليه الصلاة والسلام- يحب الفأل وفسره بأنه الكلمة الطيبة ؛ لأن الكلمة الطيبة إذا سمعها فتفاءل بها ، وأنه سيحصل له كذا وكذا من الخيرات، يكون من باب حسن الظن بالله- جل وعلا-، فالفأل حسن ظن بالله، والتشاؤم سوء ظن بالله- جل وعلا-؛ ولهذا كان الفأل ممدوحا ومحمودا، والشؤم مذموما.

        ومعلوم أن العبد مأمور بأن يحسن الظن بالرب- جل وعلا- ولهذا كان -عليه الصلاة والسلام- يتفاءل، وكل ذلك من تعظيم الله - جل وعلا- وحسن الظن به وتعلق القلب به، وأنه لا يفعل للعبد إلا ما هو أصلح له[2] .


        وهذا الحديث جمع النبي - صلى الله عليه وسلم -فيه بين محذورين ومرغوب; فالمحذوران هما العدوى والطيرة، والمرغوب هو الفأل، وهذا من حسن تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن ذكر المرهوب ينبغي أن يذكر معه ما يكون مرغوبا، ولهذا كان القرآن مثاني إذا ذكر أوصاف المؤمنين ذكر أوصاف الكافرين، وإذا ذكر العقوبة ذكر المثوبة، وهكذا[3].

        و ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم – للفأل بعد نفي العدوى و الطيرة يدل أن المقصود بالنفي نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى و الطيرة ؛ لأن الاعتقاد الخاطئ في العدوى و الطيرة فيه سوء ظن بالله ورجم بالغيب فاعتقاد أن العدوى تنتقل بنفسها و أنها حتما ستنتقل من شخص لشخص فيه توقع للبلاء دون سبب محقق و سوء ظن بالله ورجم بالغيب ،واعتقاد أن سبب الضرر هذا الشيء المتشائم به و توقع للبلاء دون سبب محقق و هذا فيه رجم بالغيب وسوء ظن بالله أما الفأل فاستبشار بحصول الخير عند سماع ما يسر أي رجاء الخير و ظن حصوله، و اعتقاد أن الله يقدر النفع للإنسان فيبقى القلب متعلقا بالله تعالى وحده و هذا من حسن الظن بالله .
        دلالة حديث : فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ أن المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى

        عن أَبَي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لاَ عَدْوَى» فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الإِبِلَ، تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ، فَيَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ»[4] ،وهذا الحديث يدل أن المقصود بنفي العدوى نفي الاعتقاد الخاطئ في العدوى من وجهين :

        الوجه الأول : إقرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لقول الأعرابي : أَرَأَيْتَ الإِبِلَ، تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ، فَيَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ ،أي مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح تسبب عدوى الجرب scabies ،ومادامت مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح سببت عدوى الجرب فالعدوى موجودة ومؤثرة ،ولم يعترض النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على كلام الأعرابي ،ويقول له هذا ليس بصحيح أو هذا خطأ أو مثل ذلك .

        الوجه الثاني : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ» أي من الذي سبب العدوى ؟ أو من الذي أنزل العدوى ؟ أو من الذي قدر حدوث العدوى ؟ و سبب مرض الجرب في البعير انتقال الطفيل المسبب للجرب Sarcoptes Scabiei إلى البعير ثم تكاثره داخل جلد البعير فيسبب التهابات بالجلد على هيئة بثور تظهر نتيجة الحكة وكل ذلك بتقدير الله - عز وجل - ، ولو شاء الله عدم حدوث ذلك لما حدث .
        والمقصود أن البعير الأول حدث له مرض الجرب بقضاء الله و قدره و كذلك الثاني أو المرض الأول نزل من عند الله وكذلك الثاني أو انتقل العدوى في الأول بأمر الله و كذلك الثاني مما يدل أن العدوى موجودة ،ولكن لابد من الالتفات لمسبب الأسباب و عدم اعتقاد أن الأمراض تأتي من نفسها أو تنتقل من نفسها أو تؤثر من نفسها .













        هل حديث « لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا » ينفي حدوث العدوى ؟

        عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا، لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا » ، ثَلَاثًا، قَالَ: فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ النُّقْبَةَ تَكُونُ بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، أَوْ بِعَجْبِهِ، فَتَشْتَمِلُ الْإِبِلَ جَرَبًا، قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: « مَا أَعْدَى الْأَوَّلَ، لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ، خَلَقَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ، فَكَتَبَ حَيَاتَهَا وَمَوْتَهَا وَمُصِيبَاتِهَا وَرِزْقَهَا »[5] ، و هذا الحديث لا ينفي حدوث العدوى بل ينفي حدوث العدوى بذاتها من وجوه :

        الوجه الأول : كان السائد عند الناس في العصر النبوي و ما قبله أن العدوى تنتقل بنفسها وتعدي بنفسها – إذا لم يكن علم الميكروبات اكتشف بعد - فصحح النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هذا الفهم و قال بعدم إمكان حدوث العدوى بنفسها فالمرض المعدي لا يعدي بنفسه ،ولكن بواسطة انتقال الميكرب من شيء إلى غيره لذلك قال : « لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا » أي المرض المعدي لا يعدي أحد بذاته بل الذي يحدث هو انتقال الميكروب من إنسان أو حيوان إلى إنسان أو حيوان آخر أو العكس ثم يتكاثر الميكروب ثم يحدث المرض أي الذي ينتقل هو مسبب المرض causative microorganism لا المرض disease بتقدير الله – عز وجل - و القول بغير ذلك جهل بالطب و الواقع .

        و علم الميكروبات Microbiology اكتشف عام 1673م على يد أنتوني فان ليفنهوك Antony van Leeuwenhoek .

        الوجه الثاني : إقرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لقول الأعرابي : إِنَّ النُّقْبَةَ تَكُونُ بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، أَوْ بِعَجْبِهِ، فَتَشْتَمِلُ الْإِبِلَ جَرَبًا ،أي مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح تسبب عدوى الجرب scabies ،ومادامت مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح سببت عدوى الجرب فالعدوى موجودة ومؤثرة ،ولم يعترض النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على كلام الأعرابي ،ويقول له هذا ليس بصحيح أو هذا خطأ أو مثل ذلك .

        الوجه الثالث : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : « مَا أَعْدَى الْأَوَّلَ » أي ما سبب العدوى ؟ أو ما مصدر حدوث العدوى host أي ما مصدر العامل الممرض أي أين كان يعيش قبل ذلك ؟ .

        و سبب مرض الجرب في البعير انتقال الطفيل المسبب للجرب Sarcoptes Scabiei إلى البعير ثم تكاثره داخل جلد البعير فيسبب التهابات بالجلد على هيئة بثور تظهر نتيجة الحكة وكل ذلك بتقدير الله - عز وجل - ، ولو شاء الله عدم حدوث ذلك لما حدث .

        الوجه الرابع : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : « لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ » فقرن نفي العدوى مع نفي صفر مع نفي الهامة ،والعدوى موجودة والتشائم بصفر موجود من جهة اعتقاد الناس والهامة موجودة من جهة اعتقاد بعض الناس لذلك النفي في الأمور الثلاثة ليس نفي للوجود لكن نفي الاعتقاد الخاطئ عند الناس في العدوى و صفر و الهامة .

        الوجه الخامس : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بعد ذلك : « خَلَقَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ، فَكَتَبَ حَيَاتَهَا وَمَوْتَهَا وَمُصِيبَاتِهَا وَرِزْقَهَا » مما يدل أن المقصود أن كل شيء في الكون يحدث بتدبير الله و مشيئته و كذلك العدوى تحدث بتدبير الله و مشيئته فلا يجوز الاعتقاد في الأسباب ونسيان المسبب .












        [1] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5776،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2224
        [2] - التمهيد لشرح كتاب التوحيد لصالح آل الشيخ ص 340
        [3] - القول المفيد لابن عثيمين ص 570
        [4] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5773 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2220
        [5] - رواه أحمد في مسنده رقم 8343
        د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
        بعض كتاباتي على الألوكة
        بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

        تعليق


        • #5
          رد: موافقة حديث لا عدوى للطب و الواقع وجهل المخالفين بالعلم

          \أقوال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تشهد بأنه يثبت حدوث العدوى


          يوجد العديد من الأحاديث تدل أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كان يثبت حدوث العدوى ،وليس إثبات العدوى فحسب بل يثبت أن العدوى لا تنتقل من نفسها بل عن طريق عامل مسبب للمرض ( الكائنات الدقيقة و الطفيليات ) ،و ليس إثبات عامل مسبب للمرض فحسب بل وضع تدابير للوقاية من العدوى وللحد من انتشار الوباء مما يشهد بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لا ينطق عن الهوى و من ضمن هذه الأحاديث ما يلي :

          الحديث الأول : عن أَبَي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لاَ عَدْوَى» فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الإِبِلَ، تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ، فَيَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ»[1] ،وهذا الحديث يثبت حدوث العدوى من وجهين :
          الوجه الأول : إقرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لقول الأعرابي : أَرَأَيْتَ الإِبِلَ، تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ، فَيَأْتِيهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ ،أي مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح تسبب حدوث العدوى بالجرب scabies ،ولم يعترض النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على كلام الأعرابي ،ويقول له هذا ليس بصحيح أو هذا خطأ أو مثل ذلك .

          الوجه الثاني : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ» أي من الذي سبب العدوى ؟ أو من الذي أنزل العدوى ؟ أو من الذي قدر حدوث العدوى ؟ و السؤال عن سبب حدوث العدوى أو الذي أنزل العدوى أو الذي قدر حدوث العدوى دليل على حدوث العدوى فلا يجوز أن أقول ؟ من فعل كذا و لا يوجد فعل أصلا .

          الحديث الثاني : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا، لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا » ، ثَلَاثًا، قَالَ: فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ النُّقْبَةَ تَكُونُ بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، أَوْ بِعَجْبِهِ، فَتَشْتَمِلُ الْإِبِلَ جَرَبًا، قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: « مَا أَعْدَى الْأَوَّلَ، لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ، خَلَقَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ، فَكَتَبَ حَيَاتَهَا وَمَوْتَهَا وَمُصِيبَاتِهَا وَرِزْقَهَا »[2]،وهذا الحديث يثبت حدوث العدوى من وجهين :

          الوجه الأول : إقرار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لقول الأعرابي : إِنَّ النُّقْبَةَ تَكُونُ بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، أَوْ بِعَجْبِهِ، فَتَشْتَمِلُ الْإِبِلَ جَرَبًا ،أي مخالطة البعير الأجرب للبعير الصحيح تسبب حدوث عدوى الجرب scabies ،ولم يعترض النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على كلام الأعرابي ،ويقول له هذا ليس بصحيح أو هذا خطأ أو مثل ذلك .

          الوجه الثاني : قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : « مَا أَعْدَى الْأَوَّلَ » أي ما سبب العدوى ؟ ما مصدر حدوث العدوى ؟ و السؤال عن سبب حدوث العدوى دليل على حدوث العدوى فلا يجوز أن أقول ؟ من فعل كذا و لا يوجد فعل أصلا .

          و قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : « مَا أَعْدَى الْأَوَّلَ » أي ما سبب حدوث العدوي أو ما مصدر حدوث العدوى ؟ يدل أن العدوى لا تنتقل من نفسها و لا تحدث من نفسها بل عن طريق سبب.

          وهذا يعتبر سبق علمي في العصر النبوي الذي لم يكن فيه علم الكائنات الدقيقة قد اكتشف بعد فالحديث يثبت أن العدوى لا تنتقل من نفسها بل عن طريق عامل مسبب للمرض و هو إما كائن دقيق microorganism أو طفيل parasite ،ولو كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يتكلم من عند نفسه لقال بما هو سائد في عصره أن العدوى تنتقل بنفسها .


          الحديث الثالث : عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال : « لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ »[3] أي: لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة; لئلا تنتقل العدوى[4] مما يدل على حدوث العدوى ، وهذا يعتبر من التدابير للحد من انتشار الأمراض المعدية .

          الحديث الرابع : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ - أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا كَانَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الوَبَاءَ – أي الطاعون - قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ - فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ»[5] ،وهذا الحديث فيه نهي عن دخول المناطق التي بها مرض الطاعون ،و النهي عن الخروج من المناطق التي بها طاعون سواء أكان الشخص مصابا بهذا الوباء أم لا لئلا ينتشر الطاعون في البلاد الأخرى ، و الطاعون أحد الأمراض الوبائية مما يدل على إثبات النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لحدوث العدوي بل فيه وضع تدبير للحد من انتشار الوباء.


          و في الحديث منع أي شخص من دخول المناطق التي انتشر فيها نوع من الوباء ، والاختلاط بأهلها ، وكذلك يمنع أهل تلك المناطق من الخروج منها ، سواء أكان الشخص مصاباً بهذا الوباء أم لا ، وهذا يسمى في الطب الحجر الصحي للحد من انتشار الوباء .

          والوباء ينتقل من مكان توطنه إلى المناطق الخالية منه عن طريق الخروج من البلد التي بها وباء لبلد أخرى ليس بها وباء أو دخول بلد بها وباء ثم الخروج منها لبلد أخرى .

          وإن قيل لماذا نهي الشخص السليم الذي في مناطق الوباء من الخروج من المنطقة التي بها الوباء ؟ و الجواب لأن هذا الشخص و إن كان سليما في الظاهر فقد يكون حاملا للمرض و هو لا يدري asymptomatic carrier أو آثار المرض لم تظهر بعد خلال فترة حضانة المرض incubation period .
          و فترة حضانة المرض هي الفترة التي تمر من لحظة التعرض للكائن الدقيق أو الطفيل المسبب للعدوى وحتى ظهور أعراض المرض ،و ليس معنى حدوث العدوى infection حدوث المرض disease فقد تحدث العدوى و لا يحدث مرض ؛ لأن مناعة الشخص قوية أو الميكروب ضعيف لكن يكون الشخص حاملا للمرض .


          و الشخص الحامل للمرض قد ينقل المرض لغيره لذلك من حكمة الشريعة النهي عن خروج من في أرض الوباء لبلد أخرى و إن كان سليما في الظاهر فمن علم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ذلك ؟

          الحديث الخامس : عن أَبَي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»[6] ،و مرض الجذام من الأمراض المعدية وتزداد العدوى في الجذام الأسدي ،ولذلك جاءت الشريعة باجتناب المريض بمرض معدي كي لا ينتشر المرض عن طريق المخالطة أو الاتصال فمن علم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ذلك ؟

          و من هنا يتبين بما لا يدع مجالا للشك أن السنة النبوية توافق العلم والواقع ، و المرض المعدي لا ينتقل بنفسه بل الذي ينتقل مسبب المرض ،وليس كل من حدثت له عدوى يصاب بالمرض المعدي بل هذا يعتمد على مناعة الشخص وقدرة الميكروب على إحداث المرض فإذا أراد الله أن يمرض الشخص هيئ له أسباب المرض ،وإذا لم يشأ لا يحدث المرض حتى ولو توافرت أسبابه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .


          [1] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5773 ،ورواه مسلم في صحيحه رقم 2220

          [2] - رواه أحمد في مسنده رقم 8343

          [3] - رواه مسلم في صحيحه رقم 2221 ،ورواه أحمد في مسنده رقم 9612

          [4] - القول المفيد لابن عثيمين ص 565

          [5] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5730

          [6] - رواه البخاري في صحيحه رقم 5707
          د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
          بعض كتاباتي على الألوكة
          بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

          تعليق


          • #6
            رد: موافقة حديث لا عدوى للطب و الواقع وجهل المخالفين بالعلم

            للتحميل من هنا
            د. ربيع أحمد طبيب بشري قليل التواجد في المنتدى
            بعض كتاباتي على الألوكة
            بعض كتاباتي على المختار الإسلامي

            تعليق

            مواضيع ذات صلة

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            ابتدأ بواسطة mohamed faid, 9 أغس, 2023, 04:37 ص
            ردود 0
            192 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة mohamed faid
            بواسطة mohamed faid
             
            ابتدأ بواسطة mohamed faid, 13 يول, 2023, 09:49 ص
            ردود 5
            276 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة mohamed faid
            بواسطة mohamed faid
             
            ابتدأ بواسطة mohamed faid, 6 يول, 2023, 05:11 ص
            ردود 0
            272 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة mohamed faid
            بواسطة mohamed faid
             
            ابتدأ بواسطة mohamed faid, 2 يول, 2023, 08:23 م
            ردود 0
            52 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة mohamed faid
            بواسطة mohamed faid
             
            ابتدأ بواسطة رمضان الخضرى, 29 يون, 2023, 01:16 ص
            ردود 6
            161 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة issammo
            بواسطة issammo
             
            يعمل...
            X