حول أسباب نزول الآية - فتَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ -وكيفية ذلك وعلى من ؟؟

تقليص

عن الكاتب

تقليص

السهم مسيحي اكتشف المزيد حول السهم
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    رابِعاً : الرد على فرية ابن أبي سرح والنصراني و إثبات ان ما قالهُ ابن أبي سرْح كان محْض افتِراء :



    واعلم أن افتراء ابن أبي سرح والكاتب الآخر النصراني على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان يتعلم منهما افتراء ظاهر. وكذلك قوله: "إني لأصرفه كيف شئت، إنه ليأمرني أن أكتب له الشيء فأقول له: أو كذا وكذا؟ فيقول: نعم" فهذه فرية ظاهرة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يُكْتِبه إلا ما أنزله الله، ولا يأمره أن يُثْبتَ قرآناً إلا ما أوحاه الله [إليه]، و لا ينصرف له كيف شاء، بل يتصرف كما يشاء الله. وكذلك قوله: "إني لأكتب له ما شئت، هذا الذي كتبت يوحى إليَّ كما يوحى إلى محمد، وإن محمداً إذا كان يتعلم مني فإني سأنزل مثل ما أنزل [الله] فرية ظاهرة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يُكتبه ما شاء و لا كان يُوحى إليه شيء. [1]



    الأدِلّة على أن ابن أبي سرْح والنصراني قد افتريا على الله الكذِب :

    1- الدليل الأول : أن النصراني وابن أبي سرح حين افتريا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك كُلّه لم يحدُث أي ردة جماعية نتاجاً لهذا الأمر , خاصة وأن الوحي كان عياناً بياناً بين المُسلِمين , ولو ظهر أي قدح جلي طعن في نُبُوّتِهِ صلى الله عليْهِ وسلم لكان ذلِك مُعوِّلاً لافتِضاح أمره وانتِهاء نُبُوّتِهِ , واشتِهار الرِّدة بين الناس


    2- الدليل الثاني : لو أنهما هما من كانا يكتُبان الوحي بإملائِهِما .. فلِما لم يتوقّف الوحي على رسول الله برِدّتِهِما , ولما لم يرتد إثْر ذلِك المُسلِمون من الأنصار و المهاجِرة ؟!!....


    3- الدليل الثالِث : لو كان ابن أبي سرْح صادِقاً , لكان أولى الناس بتصديقِهِ هو أخوه وهب بن سعد بن أبي سرْح , بل إنه هاجر من مكة إلى المدينة , و شهِد أحدا والخندق والحديبية وخيبر وقتل يوم مؤتة شهيدا في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، وكان يوم قُتِل بن أربعين سنة. [2]


    4- الدليل الرابِع : افتِرائه حين يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبتُ له ... وهذا كاف لإنهاء الشُبْهة أصلاً , لأن :
    1- الأصل في القرآن هو الحِفظ في الصدور , فأمة مُحمّد ليس كغيْرِهِم من الأمم بل أناجيلُهُم في صُدورِهِم , وكِتابُهُم لا يغْسِلُهُ الماء ... لأنه منقول شِفاهاً و حِفظاً في الصدور , ولأن المُعوّل عليْه هو المنطوق و المحفوظ في الصدر , وليس المكتوب المحفوظ في الكُتُب . وهكذا ينتقِل القرآن من صدر الحافِظ المُتقِن لمن يخلُفُه من الحفظة المُتقِنين . ولِذا فلو ضاعت كل المصاحِفِ وكُل الكِتابات وفُقِدت أو تلاعب بها أحد مهما فعل , يظل القرآن الكريم باقٍ لا يضيع , يقول الإمام العلامة ابن الجزري[3] رحِمهُ الله:
    " إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب وهذه أشرف خصيصة منّ الله تعالى لهذه الأمة ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"إن ربي قال لي قم من قريش فانذرهم فقلت له رب إذاً يثلغوا[4] رأسي حتى يدعوه خبزة فقال : إني مبتليك ومبتلٍ بك ومُنْزِلٌ عليك كِتاباً لا يغسله الماء تقْرؤه نائماً ويقظان فابعث جنداً أبعث مثلهم وقاتل بمن أطاعك من عصاك وأنفق ينفق عليك"[5].[6]
    وهكذا فقد شرَّف الله أمة الإسلام بخصيصة لم تكن لأحد من أهل الْملل قبلهم ، فأخبر تعالى أن القرآن محفوظ في صدورِهِم لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء بل يقرؤوه في كل حال كما جاء في نعت أمته عن وهب بن منبه [7]"أناجيلهم في صدورهم" [8] . وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه لا في الكتب ولا يقرؤونه كله إلا نظراً - من الصُحُف والأوراق المخطوطة - لا عن ظهر قلب.[9]
    و قد حصل في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، حيث حفظ القرآنَ الكريمَ عن ظهر قلبٍ النبيُّ صلى الله عليه وسلم , وجمعٌ من أصحابه ، وحفِظوه جميعاً بالسماع وليس من المكتوب .. وهذا أمر قد ضمنه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى :"إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ"[10]. , و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِه تعالى " لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ! إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ "[11]، قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ.[12] كل هؤلاء تلقوا القرآن الكريم بالسماع و الحِفظ في الصدور وليس بالكتابة والتأليف في الأوراق.
    وراجِع في ذلِك هذا الرابِط :
    2- و لأن الله عزّ وجل وعد رسوله بأن يُقْرِئه القرآن فلا ينساه , قال تعالى "سنُقْرِئُك فَلا تنْسَى"
    3- ولأن الله عزّ وجل هباه بعرض القرآن عليْه كل عام ليطمئِن به , ولينسخ ما نُسِخ منه , فكانت العُرضة كل عام إلى أن كان عام وفاتِه عرض جبريل عليْهِ القرآن مرّتيْن . فلو أن كاتِباً أخطأ أو كتب غير ما أمْلي له فإن ذلِك لا علاقة له بالوحي الذي يُنقل سماعاً وشفاهاً ويُعارِضه جبريل بِهِ و يُلقيه على صدْرِه صلى الله عليْه وسلم شفاهاً من لدُن عزيز حكيم.
    وقد كُتِبت المصاحِف على العُرضة الأخيرة ولم تُكتب على ما كتبه ابن أبي سرْح او غيرُهُ من الكتبة فالحاكِم و الشاهِد على المكتوب هو المحفوظ وليس العكس :
    " قال أبو عبد الرحمن السلمى (13) كانت قراءة أبى بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة كانوا يقرءون القراءة العامة وهى القراءة التى قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم العُرضة الأخيرة على جبريل مرتين في العام الذى قبض فيه وكان زيد قد شهد العُرضة الأخيرة وكان يقرئ الناس بها حتى مات ولذلك اعتمده الصِّدِّيق في جمعه وولاه عثمان كتابة المصحف " (14)
    4- و إن غيّر في المكتوب فكيْف يُغيِّر مافي الصدور خاصة وأن النبي صلى الله عليْهِ وسلّم كان يُقرِِء صحابتَهُ القرآن شِفاهاً ؟!!...وهم بِدورِهِم تواتر الإقراء بينهم ... فكانوا يُحفِّظون ويٌقرِئون بعضهم شِفاهاً , وسماعاً , وهكذا انتقل الوحي بينهم شِفاهاً و بالتواتُر , فكيف يؤثِّر ماكتبهُ ابن أبي سرْح في شيء إن كان سرعان ما ينتقِل من فم الرسول صلى الله عليْهِ وسلم إلى صدورِهِم وهو لم يُقْرِئْهُم قط من المكتوب ؟!!!.... بل كان يُقرِئُهُم جماعات بحيث يتواتر بينهم الوحي , فلا يكون هناك مجال للتواطؤ جميعاً على التأليف والكذِب فيه ... و التواتر هو ما تلقاه الجماعة عن الجماعة , بمال يستحيل معه تواطؤهُم على الكذِب .. فكانوا يتلقون الوحي من فم رسول الله ثم يُعلِّمون إخوانهم من المُسلِمين الجُدد تماما كما أخذوه من الرسول وليس كما هو مكتوب في الرق والعسب و اللخاف ..!!
    وهكذا فكان الرجُل يتعلم القرآن على يد المُسلِمين ولم يُشترط أن يتعلّم على يد كاتِب ...!! , وكان صلّى اللهُ عليْهِ وسلّم يحرص أن يتعلم كل من التحق بدار الإسلام بالْمدينة القرآن، فكان يختار لهم من يعلِّمهم: فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليْهِ وسلّم يُشْغَلُ، فَإِذَا قَدِمَ رَجُلٌ مُهَاجِرٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليْهِ وسلّم دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ.[15]
    إذاً فلم يتأتى الحِفظ و يُضمن صِحّتُه إلا بالتواتر: وأمر الله النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}[16] ، أما البلاغ العام فإنما هو بالتواتر[17] وقد حصل. ولذلك وجب على الأمة أن تحفظه فى عدد التواتر على الأقل فى مجموعها، وضمن الله تعالى تحقق ذلك حيث قال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[18]. وقد أجمعت الأمة على أن المراد بقوله تعالى: لحافظون. أى حفظه على المكلفين للعمل به ، وحراسته من وجوه الغلط والخلط [19]، وهذا الحفظ إنما يتحقق بالتواتر [20] ولا حصر للأدلة الدالة على أن القرآن جمع بهذا المعنى، وعلى هذا المستوى[21].
    و شتان ما بين التواتر القرآني و التواتر في الحديث :
    وتواتر القرآن الكريم كان بالتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و يتميز عن غيره من أنواع التواتر بأنه تواتر باللفظ وكيفية الأداء والنطق بالكلمة والحرف على الهيئة المروية من ترقيق وتفخيم, وأما التواتر في الحديث فيكون باللفظ والمعنى دون ما ذكرنا من كيفية الأداء ومخرج الحرف وصفته... فأخذ الصحابة عن رسول الله صلى الله عليْه وسلّم كيف ينطِقون الحرف وكيف يؤدونه وكيف يمدونه وكيفية تجويده من إدغام وإخفاء ومد وإمالة وغيرها وهذا ما يستحيل ان يُظْهِره المكتوب , ولا يتأتى إلا بالسماع فقط ....
    6- ثم إن قوْله : ما يدري محمد إلا ما كتبتُ له ... نقول أنه كاف لإنهاء الشُبْهة أصلاً , لأن رسول الله صلّى الله عليْهِ وسلّم كان يُراجع مع الكتبة ما كتبوه ... فيُقوِّم ما أخطئوا فيه , ولِذا فلو كان رسول الله لا يدْري ما كتبوا لما راجع ولما قوّم ما أخطئتْهُ أيْديهِم !!! .. ودليلُنا في ذلِك .. ما قد ورد عن زيد بن ثابت انه قال كنت اكتب الوحى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملى على فإذا فرغت قال اقرأه فأقرؤه فان كان فيه سقط أقامه.[22]
    5- الدليل الخامِس : لنُمسِك بيدِنا ما قد جاء في الرواية الثامِنة عشر وفيها , "..... فارتد مشركاً راجعاً إلى قريش، فقال: والله إني لأصرفه حيث أريد، إنه ليملي عليَّ فأقول: أو كذا أو كذا؟ فيقول: نعم، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يملي عليه فيقول: "عزيز حكيم" أو "حكيم عليم"، [فكان] يكتبها على أحد الحرفين، فيقول: "كلٌّ صواب".

    وهنا نأتي على بُطلان شُبهتِهِ تماماً بِحوْل الله تعالى , فإن علِمنا أن القرآن أنْزِل على سبعةِ أحرُف [23] , وعلِمنا أن النبي رخّص لِأمّتِهِ أن يقرأوا بما تيسّر لهم تيسيراً من الله عليْهِم , وإن عرفنا أن الرسول صلى الله عليْهِ وسلّم قبل العُرضة الأخيرة وقبل أن تنْسخ هذه العُرضة من القرآن كان قد رخّص للامة القِراءة بما تيسّر لهم فجاء في مُسند أحمد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أًَحْرُفٍ، كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ، إِن قُلْتَ: عَزِيز حَكِيم أو غَفُور رَحِيم فَهُوَ كَذَلِكَ، مَا لَم يُخْتَمْ آيةُ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ أَوْ آيةُ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ" ( الحديث صحيح على شرط الشيخين ).[24] , فظهر مِن هذه الرِواية هو أن هذا كان ترخيص من الله عز وجلّ لأمة محمد تخفيفاً عليْهِم كما جاء في الحديث الصحيح : ثم نُسِخ بعْد ذلِك بالعُرضة الأخيرة , ولكِن أبن أبي سرْح حين عاد إلى قوْمِهِ نسب إلى نفْسِهِ ما أثبته الرسول , وادّعى كذِباً أنه يُغيِّر ما يحلو له ... وسنُثبِت مِن كلِماتِه بُطلان ذلِك أيضاً بعد قليل في الدليل السادِس .


    ومما سبق بيان واضِح جلي أن كلا الحرفين عزيز حكيم أو غفور رحيم كان قد نزل، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأهما ولِذا فحتى قولُه أن النبي كان يقول له: "اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ مِنْ هَذَينِ الحَرْفَينِ فَكُلٌّ صَوَاب" , فيه دليل على أنه لم يؤلِّف شيئاً مِن عِندِه وأنه كان رُخصة من رسول الله صلى الله عليْهِ وسلم لهم في أول الأمر , إلى أن نُسِخت فيما بعد , وهذا كان من رحمة الله بِأمّتِهِ في بدء الإسلام , فقد جاء في الحديث الصحيح في سُنن الترمذي عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فَقَالَ يَا جِبْرِيلُ إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ مِنْهُمْ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ "[25]




    والأحاديث في ذلك منتشرة تدلُّ على أن من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن أن تختم الآية الواحدة بعدة أسماء من أسماء الله على سبيل البدل يُخَيَّر القارئ في القراءة بأيهما شاء، ولو صحّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُخَيِّرُه أن يكتب ما شاء من تلك الحروف فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نعم كلاهما سواء"؛ فهذا لا يعني إلا أن الآية نزلت بالحرفين كما أوضحناه أعلاه ، وربما كتب هو أحد الحرفين المُنزّلَيْن ثم قرأه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأقرَّه عليه؛ لأنه مُنزّل و قد نزل كذلك أيضاً، وخَتْمُ الآي بمثل: { سميع عليم } و { عليم حكيم } و { غفور رحيم } أو بمثل: { سميع بصير } أو { عليم حكيم } أو { عليم حليم } كثيٌر في القرآن، وكان نزول الآية على عدة من هذه الحروف أمراً معتاداً , وأثبتنا أن الرسول صرّح بالتيسير فيهم للأمة في أول الأمر , ثم إن الله نسخ بعض تلك الحروف لما كان جبريل يُعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن في كل رمضان... ثم أخيراً
    في العرضة الأخيرة وكانت العرضة الأخيرة هي حرف زيد بن ثابت الذي يقرأ الناس به اليوم، وهو الذي جَمَع عثمانُ والصحابة رضي الله عنهم أجمعين عليه الناس...[26]
    وليس أدل على ذلِك من أن ابن عباس ذكر هذه القصة عن عبدالله بن أبي سرْح في الناسخ والمنسوخ، وكذلك ذكرها الإمام أحمد في كتابه في "الناسخ والمنسوخ"، لتضمنها نسخ بعض الحروف، وروي فيها وجه آخر رواه الإمام أحمد في "الناسخ والمنسوخ"[27] :
    حدثنا مسكين بن بُكير ثنا مُعان قال: وسمعت أبا خلفٍ يقول: كان ابن أبي سرح كتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فكان ربما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن خواتم الآي { تعملون } و { تفعلون } ونحو ذا، فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتُبْ أَيُّ ذَلِكَ شِئْتَ" قال: فيوفِّقه الله للصواب من ذلك، فأتى أهل مكة مرتداً، فقالوا: يا ابن أبي سرح كيف كنت تكتب لابن أبي كبشة القرآن؟ قال : اكتبه كيف شئتُ، قال: فأنزل الله في ذلك: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أوْ قَالَ أُوْحِيَ إلَيَّ وَلَمْ يُوْحَ إلَيْه شَيء } الآية كلها.قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: "مَن أَخَذَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ فَلْيَضْرِبْ عُنُقَهُ حَيْثُمَا وُجِد، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِقاً بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ".
    ففي هذا الأثر دليل أنه كان يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حرفين كِلاهما صحيح ومُنزّل مِن عِنْد الله , وأنه كان يُخايِر بينهما وكِلاهُما صحيح جائِز ....ولِذا فكان صلى الله عليْهِ وسلّم يقول له: "اكْتُبْ أَيَّ ذَلِكَ شِئْتَ" فيوفقه الله للصواب، فيكتب أحب الحرفين إلى الله، إن كان كلاهما منزلاً، أو يكتب ما أنزله الله فقط إن لم يكن الآخر مُنْزَلاً، وكان هذا التخيير من النبي - صلى الله عليه وسلم - توسعةً لأن الله قد أنزلهما.[28]



    وهكذا تبيّن مما سبق أن عبدالله بن أبي سرْح زوّر في حقيقة الترخيص الإ‘لهي , وحين عاد إلى قوْمِه ادّعى لِنفسِهِ ما ليس له , وزعم أنه هو من يُغيِّر وكيفما أراد ... وهكذا استغل حاجة النبي صلى الله عليْهِ وسلّم إلى من يكتب له لقلة الكُتَّاب في الصحابة، وعدم حضور الكُتاب منهم في وقت الحاجة إليهم، و قد كان الغالب على العرب الأمية حتى إن كان الجو العظيم يطلب فيه كاتب فلا يوجد، وكان أحدهم إذا أراد [كتابة وثيقة أو كتاب] وجد مشقة حتى يحصل له كاتب، فإذا اتفق للنبي - صلى الله عليه وسلم - من يكتب انتهز الفرصة في كتابته، فإذا زاد كاتب أو نقص تركه لحرصه على كتابة ما يمليه.




    و الآن ننتقِل إلى الدليل السادِس ... وهو إثبات أن ما قاله ابن أبي سرْح كان محْض افتِراء :



    أولاً : تقدم عنه أنه قال لعثمان قبل أن يقدم به على النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن جرمي اعظم الجرم، وقد جئت تائباً"، كما جاء في الرواية الحادية والعِشرون أعلاه.... وهذا اعتِراف صريح مِنه بانه أجرم ولم يكُن على حق فيما ادّعاه ... ولا نحتاج لأكثر مِن ذلِك ...!!




    ثانياً : كذلك فبعد إسلاِمه و عفو الرسول عنه , فإنه كان يفِر منه حتى لا يراه الرسول , ونتسائل هل لو كان على صواب فيما ادّعاه , هل كان ليفر من رسول الله؟!!... أم كان ليظهر أمامه ويكفيه أن يراه الرسول من باب التبكيت ؟!!... بل إنه كان يتخفّى من جُرم كذِبِه على الرسول و وحي الله ... لقد قال عثمان لرسول الله : إنه يفر منك كلما رآك، فقال صلى الله عليْهِ وسلّم : "ألَمْ أُبَايِعْهُ و أُومِنْهُ؟" قال: بلى، ولكنه يتذكر عظيم جرمه في الإسلام، فقال: "الإِسْلاَمُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ"




    ____________________
    [1]ابن تيمية الصارم المسلول
    [2]الطبقات الكُبرى 3/407 .


    [3] محمد بن محمد بن محمد ، شمس الدين الدين أبو الخير ، المعروف بابن الجزري، الدمشقي ، علم من أعلام القراء، ولد ونشأ في دمشق سنة : 751هـ، من أشهر مؤلفاته: النشر في القراءات العشر، غاية النهاية في طبقات القراء، منظومة الطبية في القراءات العشر، والدرة المضيئة في القراءات الثلاث، المقدمة الجزرية في التجويد، و منجد المقرئين , توفي في شيراز من مدن إيران الحالية عام 833ه ، غاية النهاية : 2 / 247، الأعلام: 7 / 45.
    [4] أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز أي يكسر، شرح النووي على مسلم 17 / 198، والنهاية في غريب الحديث 1 / 220 .
    [5] صحيح مُسلِم , كتاب الجنة، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة والنار ,4/1741.
    [6] النشر في القراءات العشر , لابن الجزري 1/ 6.
    [7] تابعي ثقة، ولد سنة 34 هـ، وأخذ عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وغيرهم من الصحابة، كان إخباريًّا قصاصًا، غزير العلم بالإسرائليات وصحائف أهل الكتاب، ومن الْمشهورين بالعبادة والوعظ، تولي قضاء صنعاء. توفي سنة 110 هـ، وقيل سنة 113 هـ، وقيل سنة 114 هـ. سير أعلام النبلاء (4/544)، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (1/150).
    [8] رواه البيهقي في دلائل النبوة باب صفة رسول اللهفي التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب، وصفة أمته (1/379).
    [9]مجموع الفتاوى لابن تيمية 13/ 400 , 4/421, النشر 1/6.
    [10]القيامة:17.
    [11] الآيتان 16،17 من سورة القيامة.
    [12] رواه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الوحي، باب 4، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (1/39) ح 5.
    [13]
    [14] البرهان في علوم القرآن 1/237
    [15]رواه أحمد في مسنده باقي مسند الأنصار (6/443) ح 22260.
    [16] المائدة:67
    [17] البرهان الزركشى 2 /135 مطبعة دار المعرفة بدون تاريخ.
    [18] الحجر:9.
    [19] البرهان الزركشى 2 /135 مطبعة دار المعرفة بدون تاريخ.
    [20] التواتر لغة :هو اسم فاعل مشتق من التواتر ـ أي التتابع ـ تقول تواتر المطر أي تتابع نزوله . ,و اصطلاحا:ما رواه عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم علي الكذب ." " تيسير مصطلح الحديث", د/ محمود الطحان, في تعريف التواتر صـ 19 .. وقال صاحب كتاب المختصر في علم الحديث :"والخبر المتواتر: ما بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطأهم على الكذب، ويدوم هذا فيكون أوله كآخره، ووسطه كطرفيه، كالقرآن، وكالصلوات الخمس." صـ1
    [21] القراءات (دراسات فيها وتحقيقات). د/عبد الغفور مصطفى.
    [22] مجمع الزوائد 1: 152.
    [23] الأحرف السبعة ما كانت إلا للتيسير على الامة , فقد جاء في الصحيح قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه ) متفق عليه وهذا لفظ البخاري عن عمر , و عليْهِ فإن القراءة بالأحرف السبعة ليست واجبة، ولو أوجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الأمة القراءة بها جميعًا لوجب نقل كل حرف منها نقلًا متواترًا تقوم به الحجة ولكنهم لم يفعلوا ذلك فدل هذا على أن القراءة بها من باب الرخصة. وأن الواجب هو تواتر النقل ببعض هذه الأحرف السبعة. وهذا هو ما كان...[24] الحديث صحيح على شرط الشيخين , مسند أحمد تحقيق شعيب الأرناؤوط 5/124 (21187).

    [25] سنن الترمذي 5/ 194 , 2944 و رواه أحمد وأبو داود والترمذي والطبري بإسناد صحيح،
    [26] ابن تيمية الصارم المسلول مع إعادة الصياغة.
    [27] نفسه
    [28] نفسه
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 1 نوف, 2020, 10:47 ص.
    "يا أيُّها الَّذٍينَ آمَنُوا كُونُوا قوَّاميِنَ للهِ شُهَدَاء بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمنَّكُم شَنئانُ قوْمٍ على ألّا تَعْدِلوا اعدِلُوا هُوَ أقربُ لِلتّقْوى
    رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي
    *******************
    موقع نداء الرجاء لدعوة النصارى لدين الله .... .... مناظرة "حول موضوع نسخ التلاوة في القرآن" .... أبلغ عن مخالفة أو أسلوب غير دعوي .... حوار حوْل "مصحف ابن مسْعود , وقرآنية المعوذتين " ..... حديث شديد اللهجة .... حِوار حوْل " هل قالتِ اليهود عُزيْرٌ بنُ الله" .... عِلْم الرّجال عِند امة محمد ... تحدّي مفتوح للمسيحية ..... حوار حوْل " القبلة : وادي البكاء وبكة " .... ضيْفتنا المسيحية ...الحجاب والنقاب ..حكم إلهي أخفاه عنكم القساوسة .... يعقوب (الرسول) أخو الرب يُكذب و يُفحِم بولس الأنطاكي ... الأرثوذكسية المسيحية ماهي إلا هرْطقة أبيونية ... مكة مذكورة بالإسْم في سفر التكوين- ترجمة سعيد الفيومي ... حوار حول تاريخية مكة (بكة)
    ********************
    "وأما المشبهة : فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة
    وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول : أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا.
    والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة "
    (ابن تيْمِيَة : درء تعارض العقل والنقل 1/ 95 )

    تعليق


    • #62
      الحمد لله علي نعمة القران..
      (ماكان حديثا يفترى)
      جزاك الله خيرا
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 1 نوف, 2020, 10:47 ص.



      (( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ))

      تعليق


      • #63
        جزاكم الله خير ونفع الله بكم
        وفي صحيح مسلم عن جابر قال :" قيل لعائشة أن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى أبا بكر وعمر قالت : وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر "

        تعليق


        • #64

          جزاكم الله خيراً ونفع الله بكم
          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 1 نوف, 2020, 10:47 ص.

          تعليق


          • #65
            وهدانا الله جميعاً إلى ما يحب ويرضى
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 1 نوف, 2020, 10:47 ص.

            تعليق


            • #66
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
              ليت هذ السهم يستغل ذكاؤة في اصطياد مايسمية شبهات
              في البحث عن شبهات الاناجيل الاربعة
              واتحداة انة لن يسعفة عمرة وان امتد الي احصاء شبهات الاناجيل(وهي بالطبع ليست شبهات بل فاجعات) الاربعة وما يستجد من اناجيل
              وان استغل هذا العقل قليلا قليلا
              في التمعن في العقيدة المسيحية لرجع الي عقلة
              اللهم اهدية وانر لة طريقة
              بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
              بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ{14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ
              صدق الله العظيم سورة القيامة
              التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 1 نوف, 2020, 10:46 ص.

              تعليق


              • #67
                والله انا من رأى يا اخوان ان من يمن الله عليه بالاسلام فليطلبه حثيثا فهو دين قوى حتى لا يصب عقله الشطط
                فلا يستعجل ادراكه, وهو امر شديد حتى على من ولدوا مسلمين, انما يسترشد الله مالك الملك و يعزم قصده ثم
                يبتغى الى ذلك سبيلا .بارك الله فيك يا دكتور امير
                التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 1 نوف, 2020, 10:46 ص.

                تعليق


                • #68
                  السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
                  اخوكم فى الله / احمد
                  ممكن اضيف ردى بعد اءزنكم
                  تبارك الله احسن الخالقين يعنى ان الله خير الذين يصنعوا او يبدعوا مثل الذين ينحتون التماثيل هم ينحتوها مشابها للانسان والحيوان لكن ليس بها الروح فهنا ولا يستطيع فاعلها ان ينفخ بها الروح كذلك الذين يرسمون
                  التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 1 نوف, 2020, 10:46 ص.

                  تعليق


                  • #69
                    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ما هدا العلم يا أخواني في الله وما هده العقول الممتلئة بالإيمان وما هده النفوس النييرة الطيبة التي لم أجدها في أي مكان وأي منتدى قد دخلته من قبل والله ووالله لقد أنبهرت وأندهشت من هده الردود المفحمة من الأخوة والحمد لله على نعمة الأسلام وبارك الله فيكم جميعا .
                    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 1 نوف, 2020, 10:45 ص.

                    تعليق


                    • #70
                      بسم الله الرحمن الرحيم
                      الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
                      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته لكل من القى السلام
                      جزاكم الله خيرا
                      ولكن أود أن أطلب منكم أن تردوا بقليل من التفصيل على أن عمر بن الخطاب هو قائلها فهي من إحدى الشبه التي يقولون بها أن القرآن محرف وأكرر جزاكم الله خيرا وبارك في جهودكم
                      التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 1 نوف, 2020, 10:45 ص.
                      سبحان الله وبحمده.. سبحان الله العظيم..
                      عدد خلقه.. ورضا نفسه.. وزنة عرشه.. ومداد كلماته..

                      تعليق


                      • #71
                        أشكركم علي هذا الموضوع الجبار الذي استفدت منه كثير الذي به رد شاف واف ملئ علما وفقها وجزاكم الله كل خير وجعل مثواكم الجنة

                        تعليق


                        • #72
                          إن هذه الشبهة إنما تنم عن ضعف من أوردها باللغة العربية وتدل كذلك عن تسرع وطيش موردها فإنهم قد نظروا إلى الآية وحكموا عليها من خلال النظرة الأولى والنظرة الأولى حمقاء

                          فإن من له أدنى علم باللغة العربية يعلم أن بعضا من الكلمات قد يكون لها أكثر من وجه في الاستعمال أو أكثر من معنى ويحدد المعنى المراد منها سياقُ الكلام ومعنى الجملة

                          مثال ذلك

                          كلمة (خلق) فهذه الكلمة لها معنيان كما جاء في لسان العرب وتاج العروس

                          يقول ابن منظور

                          قال أَبو بكر بن الأَنباري :ـ

                          الخلق في كلام العرب على وجهين

                          أَحدهما الإِنْشاء على مثال أَبْدعَه

                          والآخر التقدير

                          وقال في قوله تعالى ]فتبارك الله أَحسنُ الخالقين[ معناه أَحسن المُقدِّرين

                          وكذلك قوله تعالى:

                          ]وتَخْلقُون إِفْكاً[

                          أَي تُقدِّرون كذباً

                          وقوله تعالى

                          ]أَنِّي أَخْلُق لكم من الطين[

                          خَلْقه تقديره ([1])

                          وبناء على هذا فإن الخلق منه ما لا ينسب إلا لله وحده ومنه ما قد ينسب لله ولغيره من خلقه .

                          قال صاحب البحر المحيط

                          والخَلْق يكون بمعنى الإنشاء وإبراز العين من العدم الصرف إلى الوجود وهذا لا يكون إلاَّ لله تعالى .

                          ويكون بمعنى : التقدير والتصوير ، ولذلك يسمون صانع الأديم ونحوه : الخالق ، لأنه يقدّر ، ومما جاء الخلق فيه بمعنى التقدير قوله تعالى :

                          ]فتبارك الله أحسن الخالقين [

                          أي المقدّرين .([2])

                          والله عز وجل قد استخدم المعنيين في كتابه فقال جل شأنه عن المعنى الأول

                          ]أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[ ([3])

                          وأيضاً قوله تعالى :

                          ]أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[ ([4])

                          وجه الدلالة

                          دلت الآيات الكريمات على أن الخلق بمعنى الإيجاد والبدء من عدم ولا موجد غير الله فهذا مختص بالله لا يشاركه فيه أحد

                          وقال عن المعنى الثاني جل شأنه:

                          ]فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ[ ([5])

                          وقوله جل شأنه:

                          ]أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ[

                          وأيضاً قوله تبارك فى علاه

                          ]وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ[

                          فالمعنى المراد هنا التصوير والتقدير ، وهذا ينسب إلى الله كما ينسب إلى خلقه ، فلقد جاء في الشعر العربي كما في زاد المسير لابن الجوزي قول زهير :

                          ولأنت تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبَعْـ .. ـضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي

                          فهذا المراد هاهنا أن بني آدم قد يصوِّرون ويقدِّرون ويصنعون الشيء، فالله خير المصوِّرين والمقدِّرين

                          قال الأخفش:

                          الخالقون هاهنا هم الصانعون فالله خير الخالقين

                          قال الرازى فى تفسيره

                          يقال:

                          خلق النعل إذا قدرها وسواها بالقياس ([6])

                          وبناء على ما مر ذكره فلا يدل أبداً قوله تعالى ]أحسن الخالقين[ على أن هناك من يشارك الله في الإيجاد والبدء من عدم .

                          وذلك لأن الخلق الذي نفاه الله عن غيره وأثبته لنفسه فقط كما مر في قوله

                          ]أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[ ([7])

                          وأيضاً قوله تعالى :

                          ]أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[ ([8])

                          هو خلاف الخلق الذي أثبته الله لنفسه ولبعض خلقه كما في قوله تعالى:

                          ]فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ[ وقوله جل شأنه ]أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ[ وقوله سبحانه ]وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا[([9])

                          ذلك أن الخلق الذي أثبته الله عز وجل لنفسه وللمسيح عليه السلام في الطير وللكفار في الإفك هو غير الخلق الذي نفاه عنهم وعن جميع الخلق فالخلق الذي أوجبه الله تعالى لنفسه ونفاه عن غيره هو الاختراع والإبداع وإحداث الشيء من لا شيء ومن العدم إلى الوجود وأما الخلق الذي أوجبه الله تعالى لبعض خلقه فإنما هو ظهور الفعل منهم فقط تقديرا وتصويرا وصنعاً دون أن يكون إيجاداً من العدم ، فخلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير والتحويل والتصرف في شيء خلقه الله تعالى .‏

                          ومن ذلك ما جاء في الصحيحين أنه يقال للمصورين يوم القيامة: "أحيوا ما خلقتم". ومعلوم ‏أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم إنما حول الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير والطين والحجر والمواد والورق كلهم من خلق الله ‏تعالى

                          فلفظ الخلق واحد وله معنيان فالمعنى الذي أثبته الله لنفسه فقط خلاف المعنى الذي أثبته لغيره

                          ومثال ما نحن فيه من أن المثبت خلاف المنفي مع أن اللفظ واحد ما ذكره الله عز وجل في قوله (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) حيث إن الله عز وجل قد نفى عن نبيه الرمي مع أنه قد أثبته له رمياً بقوله : { إذ رميت } فعلم أن المثبت غير المنفي وذلك أن الرمي له ابتداء وانتهاء : فابتداؤه الحذف وانتهاؤه الإصابة وكل منهما يسمى رميا فالمعنى حينئذ - والله تعالى أعلم : وما أصبت إذ حذفت ولكن الله أصاب .

                          ولذلك أجاز العلماء أن تطلق لفظ الخالق على العبد ، إلا أن اسم الخالق لا يطلق على العبد إلا مع القيد كما أنه يجوز أن يقال رب الدار ، ولا يجوز أن يقال رب بلا إضافة ، ولا يقول العبد لسيده هو ربي كما جاء في تفسير الرازي عند تفسيره (أحسن الخالقين) .

                          وفي النهاية أقول كل من له مسكة من عقل يعلم أنه لا خالق لهذا الكون ولا لشيء فيه وجودا من بعد عدم إلا الله عز وجل ، فإذا نسب الخلق لغير الله كان المراد به معنى آخر سوى ذلك ، وإن هذا من مرونة اللغة العربية من حيث معانى الألفاظ ودلالة الأساليب ما يجعل هذا التعبير مستساغا ومقبولا بالمعنى اللائق لكل من يوصف به.
                          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 1 نوف, 2020, 10:45 ص.
                          لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا

                          تعليق


                          • #73
                            لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                            الله يجزيك كل الخير على هذا الشرح الوافي والمفصل
                            قد افادني جدا
                            وهذه الشبهة كثيرا يرددها النصارى على امل ان يكون القرآن العظيم محرف مثل كتبتهم
                            هداهم الله واصلح حالهم
                            وصدق الله العظيم :"افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " النساء-82

                            جعل الله كل كلمة كتبتها ثقلا عظيما في ميزان حسناتك

                            تعليق


                            • #74
                              بسم الله الرحمن الرحيم
                              عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ... هَلْ حَرَّفَ القُرْءانَ؟
                              (1)


                              يُذْكَرُ في بعضِ كتبِ التفاسير أن عبدَ الله بنَ سعد بن أبي سرح كان يكتب القرءان للنبي صلى الله عليه وسلم،
                              وأنه أخذ يغير في آيات القرءان وهو يكتبها، ويبدل فيها، ثم ارتد ولحق بالمشركين.
                              وقيل أيضًا أنه لما سمع آيات "سورة المؤمنون" في خلق الإنسان من نطفة وعلقة حتى أنشأه الله خلقًا آخر،
                              قال: "فتبارك الله أحسن الخالقين"، فلمَّا عَلِمَ أنَّ هذا ما خُتِمَتْ به الآية شَكَّ فكفرَ وارتد.
                              فهل هذا خبرٌ صحيح، خبر تغييره للقرءان وخبر قوله "فتبارك الله أحسن الخالقين" وما ترتب عليه؟
                              وإن كان صحيحًا فأين جاء ذكره في كتب الحديث؟

                              ................

                              الجواب "والله تعالى أعلم":

                              أما خبرُ ارتدادِه فصحيح، وخبرُ رجوعِه للإسلام وعفو النبي صلى الله عليه وسلم عنه بشفاعة أخيه لأمه من الرضاعة
                              (عثمان بن عفان رضي الله عنه) فصحيح أيضًا كما في السنن الكبرى للنسائي، وسنن الترمذي وأبي داود ... وغيرها.

                              أما قصة تغييره للآيات وتحريفه لها ...فليس صحيحًا ...
                              وكل ما روي في ذلك فهو مراسيل. ولم يأت هذا الخبر في كتاب واحد من كتب السنة لا بطريق صحيح ولا ضعيف.
                              والرواية التي رواها الحاكم في مستدركه ليس فيها أنه كان يُبَدِّلُ كلماتِ الوحي، لكن فيها أنه قال سأنزل مثل ما أنزل الله،
                              ثم هي رواية (مرسلة أيضًا) وضعيفة الإسناد لضعف (أحمد العطاردي) أحد الرواة.

                              (لسان الميزان ... الكامل لابن عدي، والجرح والتعديل لأبي حاتم، وتهذيب الكمال للمزي، وتهذيب التهذيب لابن حجر ... وغيرها)

                              بل وضعف من أرسلها (شرحبيل بن سعد).

                              الجرح والتعديل لابن أبي حاتم

                              فهذا خبر ضعيف .. ليس صحيحًا بأكثر من وجه ..

                              أما قصة "سورة المؤمنون" وأنه قال فتبارك الله أحسن الخالقين، فوافق قوله الوحي فشكَّ وكفرَ ...
                              فخبر لا أصل له.
                              من قول الكلبي عن ابن عباس، والكلبي كذاب ساقط [ابن عدي الجرجاني ج6]...
                              (تهذيب الكمال للمزي ..)
                              فضلًا أنه خبر معلق لا يعرف إلا قولا للكلبي.
                              والصحيح أن قائل ذلك هو عمر رضي الله عنه كما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس، ورواية في مسند الطيالسي.


                              (وَرَوَى أن ذلك في "عمر" أيضًا" .. أبو نعيم في فضائل الصحابة . وابن مردويه عن ابن عباس أيضًا.
                              وكما روى هو عن نفسه .. بل كانت واحدة مما كان يعجب عمر،
                              رواه ابن عساكر، وجماعة عن أنس أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يفتخر بذلك ويذكر أنها إحدى موافقاته الأربع لربه عز وجل)

                              من روح المعاني للألوسي ج13 تفسير سورة المؤمنون.
                              ........
                              فهذه الأخبار في هذا الشأن كلها باطلة .. افتراء على الله ورسوله، افتراء على كتاب الله، كذب على الصحابة.
                              ......

                              تعليق


                              • #75
                                عبد الله بن سعد بن أبي سرح ... وتغييره للآيات
                                مراسيل رويـت في بعض التفاسـير ..
                                لا وجود لها في كتب الحديث!


                                الباحث في كتب الحديث عن هذه الروايات لا يجد لا أثرًا.
                                لا في صحيحها، ولا سننها، ولا مسانيدها ..
                                لا الكتب الخمسة، ولا الموطأ ولا مسند أحمد، ولا سنن ابن ماجه، ولا الدارمي، ولا ابن حبان، ولا سنن البيهقي، ولا الدارقطني ... ولا غيرها...!!
                                لا بسندٍ صحيح، ولا بسند ضعيف!
                                إلا رواية رواها الحاكم ضعيفة سيأتي الحديث عنها إن شاء الله.
                                ..........

                                هذا الحدَثُ الجلل الذي لو كان لأحدثَ في المدينة لغطًا وضجةً وقيلًا شديدًا بين المنافقين المتربصين بالإسلام .. بل وبين المسلمين أنفسهم المؤمنين به ..
                                لا تجد له ذكرًا في كتب السنة وداووينها المختلفة!


                                .........
                                والروايات التي تذكر في هذه القصة في كتب التفسير كما جاء بعضها في "الطبري" أو "البغوي" أو "الواحدي" في أسباب النـزول ..
                                فجميعها مرسل .. تنتهي إلى السُدِّي، ..أو عكرمة ... أو أبي خلف الأعمى، أو شرحبيل بن سعد ...

                                راجع الروايات عن عكرمة والسُدِّي في تفسير الطبري ... سورة الأنعام في قول الله (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إلي ...)
                                وتفسير سورة النحل آية 110 ..
                                وكذلك "معالم التنـزيل" للبغوي، وأسباب النـزول للواحدي
                                وتفسير ابن أبي حاتم في رواية أبي خلف الأعمى
                                ومستدرك الحاكم في رواية شرحبيل بن سعد.

                                ليس منها رواية واحدة مسندة من أحد من هؤلاء أسندها إلى صحابي....
                                والمرسَل من أقسام الضعيف.. .
                                وهو في " قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ " كما قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه.
                                فهذه روايات ضعيفة جميعها.

                                فضلًا أن ممن أرسل من هؤلاء .. هو في نفسه ضعيف أو متروك.

                                فـ "أبو خلف الأعمى" هو "حازم بن عطاء" لا خلاف في تركه بين العلماء.
                                "كذاب" عند ابن معين. ... تهذيب التهذيب - ترجمة ( أبو خلف الاعمى البصري)
                                " متروك، ورماه ابن معين بالكذب "
                                ابن حجر في "التقريب"

                                وهو:
                                شيخ منكر الحديث ليس بالقوى، عند أبي حاتم، كما روى عنه ابنه في (الجرح والتعديل)
                                الجزء الثالث ترجمة حازم بن عطاء.

                                وقال الذهبي فيه: ضعفوه.
                                ميزان الاعتدال ... (حرف الحاء).........

                                أما السُديِّ فهو (عبد الرحمن بن إسماعيل السُّديّ ) فيه من الخلاف ما فيه..
                                بين مُضَعِّفٍ كابن معين وأبي زرعة ..
                                راجع "الكامل" لابن عدي في ترجمة: إبراهيم بن مهاجر.
                                ولم يرو الإمام أحمد رواية السُدِّي لا المرسلة ولا الموصولة .. لا التي فيها أنه غـيَّر في الآيات ولا التي خلت من ذلك!

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة ابن الوليد, منذ 4 يوم
                                رد 1
                                40 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة ابن الوليد
                                بواسطة ابن الوليد
                                 
                                ابتدأ بواسطة Guardian26, 22 ينا, 2024, 02:18 ص
                                ردود 3
                                109 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة محب المصطفى
                                بواسطة محب المصطفى
                                 
                                ابتدأ بواسطة Muslim1989, 13 ديس, 2023, 02:27 ص
                                ردود 8
                                88 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                ابتدأ بواسطة Muslim1989, 11 ديس, 2023, 12:39 م
                                ردود 9
                                145 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة أحمد عربي أحمد سيد  
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 21 أكت, 2023, 11:53 م
                                ردود 0
                                169 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                 
                                يعمل...
                                X