قصة آدم في القرآن كبقية القصص عدا قصة يوسف وقد عرضنا لها في دراسة سابقة ، ترد في أكثر من موضع على هيئة لقطات يتكرر بعضها والبعض لا يتكرر ، وقد كان هذا التكرار معجزًا ففي كل موضع تعرض القصة بأسلوب يناسب جو السورة ( أو الفقرة ) المعروضة بها علاوة على لقطة أو جزئية يتفرد بها كل عرض مكرر ، وكل لقطة غير مكررة لا تناسب إلا الموضع الذي ذكرت فيه .
فالقصة في سورة البقرة كان محورها استخلاف آدم في الأرض ؛ لأن موضوع السورة كلها الخلافة ؛ خلافة آدم ، خلافة بني إسرائيل ، ثم خلافة المسلمين ( تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة )
أما في سورة الأعراف فالقصة تعرض في إطار قصة البشرية الطويلة من الجنة وإليها ودور إبليس في ذلك ، ففريق من الناس يعود إلى الجنة التي أخرج الشيطان أبويهم منها ، وفريق ينتكس إلى النار (1).
وأما في سورة الإسراء فمحور الرواية وسبب ذكرها هو التخويف فقد ذكر قبلها{ وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } [ الإسراء : 59 ]؛ لذلك كان مناسبًا عند ذكر حوار المولى عز وجل مع إبليس أن يقول تعالى : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } [ الإسراء : 64 ] .
وقس على ذلك سائر المواضع(2) ، ولكن هناك ألوان أخرى من الإعجاز في هذه القصة لا ندركها إلا بمقارنة ما ورد من مادة قصصية في القرآن الكريم وما ورد في كتب أهل الكتاب ، فبضدها تتميز الأشياء ؛ سواء منها ما يُتَعبَّد به كالتوراة أو ما ورد في المخطوطات المكتشفة حديثًا وكذلك النصوص المخفية "السوديبيجرافا"(3) Pseudepigrapha مثل كتاب " آدم وحواء " التي لم يطلع عليها إلا شديدي التخصص من علماء الدين عند اليهود أو النصوص القديمة مثل :
- كتب " التلمود(4) "Talmud: وهو يعني في حرفية الكلمة التعاليم ، وهي تعاليم قدامى حاخاماتهم فيما قبل البعثة المحمدية .
- وكتب الترجوم(5) Targum: وتعني الترجمات الآرامية للتوراة .
- وكتب الميدراش(6) Midrash : وتعني دراسات حول قدامى الربيين حول التوراة ، وهي سلسلة كبيرة من الكتب نختلف كثيرًا مع التوراة نفسها ( من أهمها هنا كتابا " بسكيتا رباتي " ، " جنيسيز ربَّا " .
** وهذه الدراسة التي نحن بصددها تُعنى بمقارنة ما ورد في القرآن في هذه القصة بما ورد في الكتب سالفة الذكر .
ونرجو من القارئ الكريم ونستحث صبره ألا يفوته ما يمكن أن يستنتج من هذه المقارنة بعد استعراض الجدول الآتي :
ونرجو من القارئ الكريم ونستحث صبره ألا يفوته ما يمكن أن يستنتج من هذه المقارنة بعد استعراض الجدول الآتي :
ما استعرضناه في هذا الجدول يوضح جليًّا البون الشاسع بين النص القرآني وسائر نصوص أهل الكتاب ويتضح منه الآتي :-
أولًا : الإعجاز الغيبـي للقرآن :
تشتت المادة القصصية المذكورة في القرآن الكريم في هذا العدد الكبير من كتب أهل الكتاب القانونية ( المعتمدة ) وغير القانونية ، هذه الكتب ( التي لها عناصر مشتركة في هذه القصة مع القرآن ) عددها كبير جدًّا ، ولم تكتب بلغة واحدة ولا تتبع طائفة واحدة ، ولم يجدها أصحابها في مكان واحد ولا زمان واحد ، وكان أغلبها مخفيًّا .. فأنى لمحمد صلى الله عليه وسلم بعلم كل تلك الكتب بتفاصيلها ولا ننسى أنه عليه الصلاة والسلام كان أميًّا يعيش في بيئة صحراوية غير حضارية كما لا ننسى أن حجم الكتب كان في الماضي كبيرًا جدًّا يستحيل تداولها سرًّا . وكان كذلك عدد النسخ من كل كتاب قليلًا جدًّا ؛ لأن النسخ كان يدويًّا ولحرق الكتب على أيدي الأباطرة المخالفين في العقيدة .
هذا من الإعجاز الغيبـي للقرآن الكريم ، وقد لفت القرآن الكريم نظرنا لهذا الأمر وفي هذه القصة – خاصة مسألة عدم دراية النبي صلى الله عليه وسلم باختصام الملائكة في آدم من قبل : { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ } [ ص : 69-71 ] .
ثانيًا : إعجاز إحكام آي القرآن :
لابد أن يكون قد لفت نظر قارئ الجدول السابق خلو النص القرآني من الخرافات الكتابية كحفل زفاف آدم وحواء ، وضحك القمر عليه ، أو خلقه بوجهين ، أو عدم التمييز بينه وبين الرب – تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا – بل وخشيته – حاشاه – أن يصبح آدم مثله ، هذا بالرغم من مواضع الاتفاق الأخرى العديدة مع القرآن ، لكن كلها منطقية ؛ هذا مصداق قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } [ النساء: 82 ] . بل إن القرآن يصحح أخطاء هذه الكتب السابقة وينقيها من الخرافات كذكر غراب ابني آدم وعدم ذكر تحول فراخ هذا الغراب إلى اللون الأبيض مكافأة له !! ، وكذكر ذهاب ضوء القمر ذاتيًّا – وهو ما أثبته العلم الحديث _ { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } [ الإسراء :12 ] مع عدم ذكر كون سبب ذلك هو ضحك القمر من آدم وشماتته فيه!! ؛ هذا من هيمنة القرآن الكريم على هذه الكتب .
ثالثًا : إعجاز البشارات :
يتضح من آخر عنصرين للمقارنة ذكر كتب أهل الكتاب للكعبة ولحوض الكوثر ذكرًا لا لبس فيه خاصة في الكتب المخفية ، فكيف سمع بها النبي صلى الله عليه وسلم ؟ .
رابعًا : دحض عقيدة " الخطيئة الأصلية " :
كما هو معلوم أن العقيدة النصرانية تقوم على مسألة عدم مغفرة خطيئة آدم مما استوجب صلب ابن الله فداءً للبشر!. وقد وجدنا في جدولنا ( العنصر 18 ) نصوصًا كتابية ( معتمدة وغير معتمدة ) تقول إن خطيئة آدم قد غفرت ، مثل كون الحكمة قد أنقذت آدم من زلته ( الحكمة – العهد القديم ) وأن كلماته قد قبلت عند الله ، وأنه لم يكن سبب موت الإنسان ، وإن كل واحد منا آدم نفسه ، كما لم يكن آدم مسؤولًا إلا عن نفسه . ( باروك الثاني والتلمود ) ، بل وإن هناك إصحاحًا كاملًا في سفر حزقيال في التوراة ( إصحاح 18 ) لا يتكلم إلا عن رفض عقيدة توريث الخطيئة ؛ لهذه الأسباب وغيرها رفضت طوائف قديمة من النصارى هذه العقيدة ؛ مثل طائفة راهب القرن الرابع الأيرلندي " بيلا جيوس " الذي تعرض للاضطهاد إلا أن أتباعه كانوا يتزايدون خاصة في الكنائس الشرقية ، وقد أعلن مجمع " اللد " عام 415 أنه مستقيم العقيدة ، وقد بقى أثره إلى يومنا هذا في عقيدة سبق التعيين عند أتباع "كالفن" والإرادة الحرة عند " الميثوديست"(47).
قبل أن نختم كلامنا هنا لنا تساؤل ، هناك ست عشرة عقيدة غير النصرانية يقول أصحابها أن لهم مخلصًا صلب فداءً لهم ، فهل المخلص الحقيقي هو "يسوع" أم "كريشنا" أم "بوذا" أم غيرهم ؟.
{ وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } [ يونس : 37 ] .
(1) مستخلص من تفسير " في ظلال القرآن " ( ص 2137 ) .
(2) للاستزادة في هذا الأمر يراجع كتاب " خصائص التعبير القرآني " للدكتور عبد العظيم المطعني .
(3) "محمد صلى الله عليه وسلم في الترجوم والتلمود والتوراة وغيرها من كتب أهل الكتاب وأصحاب الديانات" / هشام محمد طلبة ( ص : 10-12 ) .
(4) (5) (6) لمزيد من المعلومات يرجع في ذلك إلى المراجع الآتية :
أ- "The International Standard Bible Encyclopedia"
ب- Introduction to The Talmud and Midrash" "
ج-" Encyclopedia Judaica "
د- الكتاب المقدس – طبعة دار المشرق 1989م .
هـ- أناجيل الطفولة ( القس جان دانيالو) .
و- الكنـز المرصود في فضائح التلمود- د. محمد عبد الله الشرقاوي .
(7) (Sanhedrin ( 38b ) ,Talmud ),Tanhuma. Introduction 154,PR40,166b..,from Talmudic Midrashic Lit .
نقلًا عن كتاب:
"The Legends of The Jews" P,52,53 (Adam)
(8) لا يذكر القرآن ذلك لكنا نجد قريبًا منه قوله تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } [ الأحزاب : 72 ] .
(9) Ginzberg : Adam P . 55 .
(10) رواه أحمد ورواه السدي عن ابن عباس وابن مسعود ورواه الترمذي وأبو داود
(11) " الصابئة قديمًا وحديثًا " عبد الرزاق الحسني ص 32 .
(12) راجع كتاب ( الأدب المصري القديم ) د . سليم حسن .( الفصل 25 ).
(13) راجع " غرائب النظم والعادات " د. على وافي ص 49.
(14) " خلق الإنسان والعالم في نصوص من الشرق الأدنى القديم " ( ص 22 ، 48 ) يذكرنا ذلك بقوله تعالى : { وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] .
(15) Beskita Rabbati 8.1.21.3,24.2,PRE11,Hagigah 12 a,etc.
(16) Babyolonion Talmud,Tanhuma 3,333, Beskita Rabbati 18.1and17.6.
هذان المصدران ذكرا أيضًا أن سارة كانت " متنصتة " وأخت موسى " فمامة " ، وحواء قطفت الثمرة المحرمة بيدها ، ودينا ابنة يعقوب كانت صاحبة لهو !! The Legends of the Jews. ( Adam.43 ). مثل هذا أيضًا لا نجده في القرآن .
(17) The Legends of The Jews (Adam 42(.
(18) BR 18.4,PK 4,34a,Midrash Aggada Lev.11.4.
(19) المصدر السابق .
(20) ذكر هذا الكتاب في " التلمود " (Aboda Zarah 5a ) كتب في الأصل بالعبرية وكان متداولًا بين اليهود ثم النصارى ، أقدم مخطوطة له تعود للقرن الثامن الميلادي ، كتبت هذه المخطوطات باللاتينية واليونانية والأرمنية . تداول الكتاب طوائف عديدة منها " الغنوص : كتب الأصل في القرن الرابع الميلادي أو قبل ذلك . ( مستخلص من مقدمة الكتاب في موسوعة : The Old Testament Apocryha and Pseudepigrapha ( Charles )
(21) المصدر السابق ص 137 .
(22) المصدر السابق ص 137 .
(23) The Legends of the Jews Ginzberg . ( Adam P.63 ).
(24) تذكر كتب الصابئة أن الله أمر ملائكة النار بالسجود لآدم فسجدوا إلا ( هادبيشه ) وهو إبليس فإنه لم يسجد إذ قال خلقني الله من نار وخلق آدم من تراب فكيف أسجد له ؟! فطرده الله ولعنه . " الصابئة قديمًا وحديثًا " ص ( 32 ) .
(25) The Legends of the Jews Ginzberg . ( Adam P.40).
(26) Alphabet of Ben Sira 23a- 23b and 33 a – 33b.
(27) ( الميدراش ) MHG I ,82 والميدراش Beskita Rabbati 18.1و" الترجوم " يورشالمي ( تثنية 3406 ) ، المصدر السابق . ( Adam 48 ). عن الميدراش القديم MHG و BR 18.1 والتلمود البابلي Tan.I.83 و PK4,37a وغير ذلك كثير في الكتب السابقة للإسلام ، كلها تقريبًا وجدنا بها قرائن قرآنية لا نجدها في التوراة ، لكنا لم نجد أبدًا في القرآن هذه الجزئية غير المنطقية .
(28) The Legends of The Jews (Adam 49(.
(29) رواه البخاري ومسلم عن أبي ذرٍّ وابن عباس رضي الله تعالى عنهم .
(30) The Old Testament Apocryha and Pseudepigrapha ( Charles The Book of Adam and Eve.P.151. )
(31) The Legends of The Jews (Adam 49) , Zohar Hadash .
(32) حتى إذا كان هذا الموت مؤجلًا فكلام الحية في مجمله يبدو صادقًا .
(33) The Book of Adam and Eve19,.Peskita Rabbi Kahama,43bMHG.126.
(34) Beskita Rabbati 19.4 The Legends of the Jews. ( Adam 62).
(35) The Book of Adam and Eve)Vita Adae et Evae 6 & , Slavanic. Vita Adae et Evae 34) also ZoharI,55b and PRE 20.
على النقيض من ذلك تقول كتب أخرى : إن الله كان سيبقي آدم وحواء في الجنة بعد الخطيئة لو تابا لكنهما أبوا !! .
Beskita Rabbati 21.5-9,Philo.
(35) The Book of Adam and Eve)Vita Adae et Evae 6 & , Slavanic. Vita Adae et Evae 34) also ZoharI,55b and PRE 20.
على النقيض من ذلك تقول كتب أخرى : إن الله كان سيبقي آدم وحواء في الجنة بعد الخطيئة لو تابا لكنهما أبوا !! .
Beskita Rabbati 21.5-9,Philo.
(36) The Old Testament Apocryha and Pseudepigrapha (Charles).
(37) The Legends of The Jews (Adam 92( Slavanic.Apocalypse Of Baruch 9.
العجيب أن القرآن ذكر مسألة طمس نور القمر وهو ما أكده العلم الحديث وذلك في قول الله تعالى : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } [ الإسراء : 12 ] ، وذلك تفسير ابن عباس كما ذكر ابن كثير وكذلك الشوكاني لكن القرآن لم يذكر ضحك القمر هذا !! .
(38) Based On Old Sources, comp.BR 22.7 Tam Beseshit 9, and Mbhpatim13, Sh R31.17 Xerushalmi Tarfumim Gem.4.8 " The Legends of The Jews Voi.1.P . 109.
(39) Encyclopedia Tudaica Cain.
(40) Apocalypse Moses 40 (Pseuc Pigrpha).
(41) رواه الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وصححه الألباني .
(42) في موضع آخر ( باب النبي المنتظر – الكوثر ) استنتجنا أن هذه البحيرة هي حوض الكوثر المذكور في القرآن .
(43) Vita Adae et Evae Xiviii.
(44) AP.MO.XXXVII.
(45) رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس وأبي ذرٍّ رضي الله تعالى عنهم .
(46) The Legends of The Jews (Adam 49 (
(47) دائرة المعارف البريطانية – باب : Original Sin
http://quran-m.com/container2.php?fun=artview&id=506
فالقصة في سورة البقرة كان محورها استخلاف آدم في الأرض ؛ لأن موضوع السورة كلها الخلافة ؛ خلافة آدم ، خلافة بني إسرائيل ، ثم خلافة المسلمين ( تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة )
أما في سورة الأعراف فالقصة تعرض في إطار قصة البشرية الطويلة من الجنة وإليها ودور إبليس في ذلك ، ففريق من الناس يعود إلى الجنة التي أخرج الشيطان أبويهم منها ، وفريق ينتكس إلى النار (1).
وأما في سورة الإسراء فمحور الرواية وسبب ذكرها هو التخويف فقد ذكر قبلها{ وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } [ الإسراء : 59 ]؛ لذلك كان مناسبًا عند ذكر حوار المولى عز وجل مع إبليس أن يقول تعالى : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } [ الإسراء : 64 ] .
وقس على ذلك سائر المواضع(2) ، ولكن هناك ألوان أخرى من الإعجاز في هذه القصة لا ندركها إلا بمقارنة ما ورد من مادة قصصية في القرآن الكريم وما ورد في كتب أهل الكتاب ، فبضدها تتميز الأشياء ؛ سواء منها ما يُتَعبَّد به كالتوراة أو ما ورد في المخطوطات المكتشفة حديثًا وكذلك النصوص المخفية "السوديبيجرافا"(3) Pseudepigrapha مثل كتاب " آدم وحواء " التي لم يطلع عليها إلا شديدي التخصص من علماء الدين عند اليهود أو النصوص القديمة مثل :
- كتب " التلمود(4) "Talmud: وهو يعني في حرفية الكلمة التعاليم ، وهي تعاليم قدامى حاخاماتهم فيما قبل البعثة المحمدية .
- وكتب الترجوم(5) Targum: وتعني الترجمات الآرامية للتوراة .
- وكتب الميدراش(6) Midrash : وتعني دراسات حول قدامى الربيين حول التوراة ، وهي سلسلة كبيرة من الكتب نختلف كثيرًا مع التوراة نفسها ( من أهمها هنا كتابا " بسكيتا رباتي " ، " جنيسيز ربَّا " .
** وهذه الدراسة التي نحن بصددها تُعنى بمقارنة ما ورد في القرآن في هذه القصة بما ورد في الكتب سالفة الذكر .
ونرجو من القارئ الكريم ونستحث صبره ألا يفوته ما يمكن أن يستنتج من هذه المقارنة بعد استعراض الجدول الآتي :
ونرجو من القارئ الكريم ونستحث صبره ألا يفوته ما يمكن أن يستنتج من هذه المقارنة بعد استعراض الجدول الآتي :
ما استعرضناه في هذا الجدول يوضح جليًّا البون الشاسع بين النص القرآني وسائر نصوص أهل الكتاب ويتضح منه الآتي :-
أولًا : الإعجاز الغيبـي للقرآن :
تشتت المادة القصصية المذكورة في القرآن الكريم في هذا العدد الكبير من كتب أهل الكتاب القانونية ( المعتمدة ) وغير القانونية ، هذه الكتب ( التي لها عناصر مشتركة في هذه القصة مع القرآن ) عددها كبير جدًّا ، ولم تكتب بلغة واحدة ولا تتبع طائفة واحدة ، ولم يجدها أصحابها في مكان واحد ولا زمان واحد ، وكان أغلبها مخفيًّا .. فأنى لمحمد صلى الله عليه وسلم بعلم كل تلك الكتب بتفاصيلها ولا ننسى أنه عليه الصلاة والسلام كان أميًّا يعيش في بيئة صحراوية غير حضارية كما لا ننسى أن حجم الكتب كان في الماضي كبيرًا جدًّا يستحيل تداولها سرًّا . وكان كذلك عدد النسخ من كل كتاب قليلًا جدًّا ؛ لأن النسخ كان يدويًّا ولحرق الكتب على أيدي الأباطرة المخالفين في العقيدة .
هذا من الإعجاز الغيبـي للقرآن الكريم ، وقد لفت القرآن الكريم نظرنا لهذا الأمر وفي هذه القصة – خاصة مسألة عدم دراية النبي صلى الله عليه وسلم باختصام الملائكة في آدم من قبل : { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ } [ ص : 69-71 ] .
ثانيًا : إعجاز إحكام آي القرآن :
لابد أن يكون قد لفت نظر قارئ الجدول السابق خلو النص القرآني من الخرافات الكتابية كحفل زفاف آدم وحواء ، وضحك القمر عليه ، أو خلقه بوجهين ، أو عدم التمييز بينه وبين الرب – تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا – بل وخشيته – حاشاه – أن يصبح آدم مثله ، هذا بالرغم من مواضع الاتفاق الأخرى العديدة مع القرآن ، لكن كلها منطقية ؛ هذا مصداق قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } [ النساء: 82 ] . بل إن القرآن يصحح أخطاء هذه الكتب السابقة وينقيها من الخرافات كذكر غراب ابني آدم وعدم ذكر تحول فراخ هذا الغراب إلى اللون الأبيض مكافأة له !! ، وكذكر ذهاب ضوء القمر ذاتيًّا – وهو ما أثبته العلم الحديث _ { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } [ الإسراء :12 ] مع عدم ذكر كون سبب ذلك هو ضحك القمر من آدم وشماتته فيه!! ؛ هذا من هيمنة القرآن الكريم على هذه الكتب .
ثالثًا : إعجاز البشارات :
يتضح من آخر عنصرين للمقارنة ذكر كتب أهل الكتاب للكعبة ولحوض الكوثر ذكرًا لا لبس فيه خاصة في الكتب المخفية ، فكيف سمع بها النبي صلى الله عليه وسلم ؟ .
رابعًا : دحض عقيدة " الخطيئة الأصلية " :
كما هو معلوم أن العقيدة النصرانية تقوم على مسألة عدم مغفرة خطيئة آدم مما استوجب صلب ابن الله فداءً للبشر!. وقد وجدنا في جدولنا ( العنصر 18 ) نصوصًا كتابية ( معتمدة وغير معتمدة ) تقول إن خطيئة آدم قد غفرت ، مثل كون الحكمة قد أنقذت آدم من زلته ( الحكمة – العهد القديم ) وأن كلماته قد قبلت عند الله ، وأنه لم يكن سبب موت الإنسان ، وإن كل واحد منا آدم نفسه ، كما لم يكن آدم مسؤولًا إلا عن نفسه . ( باروك الثاني والتلمود ) ، بل وإن هناك إصحاحًا كاملًا في سفر حزقيال في التوراة ( إصحاح 18 ) لا يتكلم إلا عن رفض عقيدة توريث الخطيئة ؛ لهذه الأسباب وغيرها رفضت طوائف قديمة من النصارى هذه العقيدة ؛ مثل طائفة راهب القرن الرابع الأيرلندي " بيلا جيوس " الذي تعرض للاضطهاد إلا أن أتباعه كانوا يتزايدون خاصة في الكنائس الشرقية ، وقد أعلن مجمع " اللد " عام 415 أنه مستقيم العقيدة ، وقد بقى أثره إلى يومنا هذا في عقيدة سبق التعيين عند أتباع "كالفن" والإرادة الحرة عند " الميثوديست"(47).
قبل أن نختم كلامنا هنا لنا تساؤل ، هناك ست عشرة عقيدة غير النصرانية يقول أصحابها أن لهم مخلصًا صلب فداءً لهم ، فهل المخلص الحقيقي هو "يسوع" أم "كريشنا" أم "بوذا" أم غيرهم ؟.
{ وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } [ يونس : 37 ] .
(1) مستخلص من تفسير " في ظلال القرآن " ( ص 2137 ) .
(2) للاستزادة في هذا الأمر يراجع كتاب " خصائص التعبير القرآني " للدكتور عبد العظيم المطعني .
(3) "محمد صلى الله عليه وسلم في الترجوم والتلمود والتوراة وغيرها من كتب أهل الكتاب وأصحاب الديانات" / هشام محمد طلبة ( ص : 10-12 ) .
(4) (5) (6) لمزيد من المعلومات يرجع في ذلك إلى المراجع الآتية :
أ- "The International Standard Bible Encyclopedia"
ب- Introduction to The Talmud and Midrash" "
ج-" Encyclopedia Judaica "
د- الكتاب المقدس – طبعة دار المشرق 1989م .
هـ- أناجيل الطفولة ( القس جان دانيالو) .
و- الكنـز المرصود في فضائح التلمود- د. محمد عبد الله الشرقاوي .
(7) (Sanhedrin ( 38b ) ,Talmud ),Tanhuma. Introduction 154,PR40,166b..,from Talmudic Midrashic Lit .
نقلًا عن كتاب:
"The Legends of The Jews" P,52,53 (Adam)
(8) لا يذكر القرآن ذلك لكنا نجد قريبًا منه قوله تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } [ الأحزاب : 72 ] .
(9) Ginzberg : Adam P . 55 .
(10) رواه أحمد ورواه السدي عن ابن عباس وابن مسعود ورواه الترمذي وأبو داود
(11) " الصابئة قديمًا وحديثًا " عبد الرزاق الحسني ص 32 .
(12) راجع كتاب ( الأدب المصري القديم ) د . سليم حسن .( الفصل 25 ).
(13) راجع " غرائب النظم والعادات " د. على وافي ص 49.
(14) " خلق الإنسان والعالم في نصوص من الشرق الأدنى القديم " ( ص 22 ، 48 ) يذكرنا ذلك بقوله تعالى : { وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] .
(15) Beskita Rabbati 8.1.21.3,24.2,PRE11,Hagigah 12 a,etc.
(16) Babyolonion Talmud,Tanhuma 3,333, Beskita Rabbati 18.1and17.6.
هذان المصدران ذكرا أيضًا أن سارة كانت " متنصتة " وأخت موسى " فمامة " ، وحواء قطفت الثمرة المحرمة بيدها ، ودينا ابنة يعقوب كانت صاحبة لهو !! The Legends of the Jews. ( Adam.43 ). مثل هذا أيضًا لا نجده في القرآن .
(17) The Legends of The Jews (Adam 42(.
(18) BR 18.4,PK 4,34a,Midrash Aggada Lev.11.4.
(19) المصدر السابق .
(20) ذكر هذا الكتاب في " التلمود " (Aboda Zarah 5a ) كتب في الأصل بالعبرية وكان متداولًا بين اليهود ثم النصارى ، أقدم مخطوطة له تعود للقرن الثامن الميلادي ، كتبت هذه المخطوطات باللاتينية واليونانية والأرمنية . تداول الكتاب طوائف عديدة منها " الغنوص : كتب الأصل في القرن الرابع الميلادي أو قبل ذلك . ( مستخلص من مقدمة الكتاب في موسوعة : The Old Testament Apocryha and Pseudepigrapha ( Charles )
(21) المصدر السابق ص 137 .
(22) المصدر السابق ص 137 .
(23) The Legends of the Jews Ginzberg . ( Adam P.63 ).
(24) تذكر كتب الصابئة أن الله أمر ملائكة النار بالسجود لآدم فسجدوا إلا ( هادبيشه ) وهو إبليس فإنه لم يسجد إذ قال خلقني الله من نار وخلق آدم من تراب فكيف أسجد له ؟! فطرده الله ولعنه . " الصابئة قديمًا وحديثًا " ص ( 32 ) .
(25) The Legends of the Jews Ginzberg . ( Adam P.40).
(26) Alphabet of Ben Sira 23a- 23b and 33 a – 33b.
(27) ( الميدراش ) MHG I ,82 والميدراش Beskita Rabbati 18.1و" الترجوم " يورشالمي ( تثنية 3406 ) ، المصدر السابق . ( Adam 48 ). عن الميدراش القديم MHG و BR 18.1 والتلمود البابلي Tan.I.83 و PK4,37a وغير ذلك كثير في الكتب السابقة للإسلام ، كلها تقريبًا وجدنا بها قرائن قرآنية لا نجدها في التوراة ، لكنا لم نجد أبدًا في القرآن هذه الجزئية غير المنطقية .
(28) The Legends of The Jews (Adam 49(.
(29) رواه البخاري ومسلم عن أبي ذرٍّ وابن عباس رضي الله تعالى عنهم .
(30) The Old Testament Apocryha and Pseudepigrapha ( Charles The Book of Adam and Eve.P.151. )
(31) The Legends of The Jews (Adam 49) , Zohar Hadash .
(32) حتى إذا كان هذا الموت مؤجلًا فكلام الحية في مجمله يبدو صادقًا .
(33) The Book of Adam and Eve19,.Peskita Rabbi Kahama,43bMHG.126.
(34) Beskita Rabbati 19.4 The Legends of the Jews. ( Adam 62).
(35) The Book of Adam and Eve)Vita Adae et Evae 6 & , Slavanic. Vita Adae et Evae 34) also ZoharI,55b and PRE 20.
على النقيض من ذلك تقول كتب أخرى : إن الله كان سيبقي آدم وحواء في الجنة بعد الخطيئة لو تابا لكنهما أبوا !! .
Beskita Rabbati 21.5-9,Philo.
(35) The Book of Adam and Eve)Vita Adae et Evae 6 & , Slavanic. Vita Adae et Evae 34) also ZoharI,55b and PRE 20.
على النقيض من ذلك تقول كتب أخرى : إن الله كان سيبقي آدم وحواء في الجنة بعد الخطيئة لو تابا لكنهما أبوا !! .
Beskita Rabbati 21.5-9,Philo.
(36) The Old Testament Apocryha and Pseudepigrapha (Charles).
(37) The Legends of The Jews (Adam 92( Slavanic.Apocalypse Of Baruch 9.
العجيب أن القرآن ذكر مسألة طمس نور القمر وهو ما أكده العلم الحديث وذلك في قول الله تعالى : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } [ الإسراء : 12 ] ، وذلك تفسير ابن عباس كما ذكر ابن كثير وكذلك الشوكاني لكن القرآن لم يذكر ضحك القمر هذا !! .
(38) Based On Old Sources, comp.BR 22.7 Tam Beseshit 9, and Mbhpatim13, Sh R31.17 Xerushalmi Tarfumim Gem.4.8 " The Legends of The Jews Voi.1.P . 109.
(39) Encyclopedia Tudaica Cain.
(40) Apocalypse Moses 40 (Pseuc Pigrpha).
(41) رواه الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وصححه الألباني .
(42) في موضع آخر ( باب النبي المنتظر – الكوثر ) استنتجنا أن هذه البحيرة هي حوض الكوثر المذكور في القرآن .
(43) Vita Adae et Evae Xiviii.
(44) AP.MO.XXXVII.
(45) رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس وأبي ذرٍّ رضي الله تعالى عنهم .
(46) The Legends of The Jews (Adam 49 (
(47) دائرة المعارف البريطانية – باب : Original Sin
http://quran-m.com/container2.php?fun=artview&id=506
اترك تعليق: