رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

تقليص

عن الكاتب

تقليص

المهندس زهدي جمال الدين مسلم اكتشف المزيد حول المهندس زهدي جمال الدين
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76

    المطلب الرابع
    ●الشبهة الثانية:
    أنَّ البخاري روى في صحيحه في باب رجم الحُبلى: ((عن عبد الله بن أبي أوفى أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم ماعزا والغامديَّة. ولكنَّنا لا ندري أرجم قبل آية الجلد أم بعدها)).
    وجه الدليل: أنَّه شكَّك في الرجم بقوله: كان من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم. وذلك قبل سورة النور التي فيها: ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مهما مائة جلدة)). لمَّا نزلت سورة النور بحكم فيه الجلد لعموم الزُناة فهل هذا الحكم القرآني ألغى اجتهاد النبي في الرجم أم أنَّ هذا الحكم باقٍ على المسلمين إلى هذا اليوم؟. ومثل ذلك، اجتهاد النبي في معاملة أسر غزوة بدر وذلك أنَّه حكم بعتقهم بعد فدية منها تعليم الواحد الفقير منهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة ثمَّ نزل القرآن بإلغاء اجتهاده كما في الكتب في تفسير قوله تعالى: ((ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتَّى يثخن في الأرض)).
    وجه التشكيك: إذا كان النبي قد رجم قبل نزول القرآن بالجلد لعموم الزُناة فإنَّ الرجم يكون منه قبل نزول القرآن وبالتالي يكون القرآن ألغى حكمه ويكون الجلد هو الحكم الجديد بدل حكم التوراة القديم الذي حكم به ـ احتمالاً ـ أمَّا إذا رجم بعد نزول القرآن بالجلد فإنَّه مخالف القرآن لا مفسِّراً له ومبيِّناً لأحكامه ولا موافقاً له ، ولا يصحُّ لعاقلٍ أن ينسب للنبي أنَّه خالف القرآن ؛ لأنَّه هو المُبلِّغ له والقدوة للمسلمين، ولأنَّه تعالى قال: (( قُل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله أفلا تعقلون )). والسُنَّة تفسِّر القرآن وتوافقه لا تكمِّله. وقال تعالى: ((وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس)) والألف واللام في ” الناس ” للعموم. وعلى أنَّهم كانوا مكلَّفين بالتوراة يُحتمل أنَّ النبي حكم بالرجم لأنَّه هو الحكم على الزانية والزاني في التوراة ولمَّا نزل القرآن بحكمٍ جديدٍ نسخ الرجم ونقضه.].
    الجواب عنها:
    أولاً: شكّ الصحابي رضي الله عنه لا يثبت ولا ينفي شيئاً.
    ثانياً: لقد ثبت فعلاً أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم بعد آية الجلد التي تقدم معنا دليل تخصيصها.
    قال أبو هريرة رضي الله عنه: (أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( أَبِكَ جُنُونٌ ؟ ) قَالَ: لَا قَالَ: ( فَهَلْ أَحْصَنْتَ ) قَالَ : نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ).
    ومن المعلوم أن آية النور نزلت بعد حادثة الإفك، ومن المعلوم أيضاً أن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم بعد هذا. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور لأن نزولها كان في قصة الإفك واختلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست على ما تقدم بيانه والرجم كان بعد ذلك فقد حضره أبو هريرة وإنما أسلم سنة سبع..
    أما قوله أنّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالف القرآن الكريم فهذا لا يقول به عاقل، وقد بيَّنا سالفاً أن الرجم ثابتٌ بنص الآية المنسوخ تلاوتها وليس بحكم التوراة كما افترضوه.

    المطلب الخامس
    الشبهة الثالثة:
    أن الله تعالى بين للرجل في سورة النور أنه إذا رأى رجلاً يزني بامرأته ولم يقدر على إثبات زناها بالشهود فإنه يحلف أربعة أيمان أنه رآها تزني وفي هذه الحالة يُقام عليها حد الزنا، وإذا هي ردت أيمانه عليه بأن حلفت أربعة أيمان أنه من الكاذبين فلا يُقام عليها الحد لقوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربعة شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين).
    وجه التشكيك: هو أن هذا الحكم لامرأة محصنة. وقد جاء بعد قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مهما مائة جلدة) وحيث قد نص على عذاب بأيمان في حال تعذر الشهود فإن هذا العذاب يكون هو المذكور في هذه الجريمة والمذكور هو: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما) أي العذاب المقرر عليهما وهو الجلد. وفي آيات اللعان: (ويدرؤ عنها العذاب) أي عذاب الجلد. وفي حد نساء النبي: (يُضاعف لها العذاب) أي عذاب الجلد؛ لأنه ليس في القرآن إلا الجلد عذاب على هذا الفعل. وفي حد الإماء: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) المذكور في سورة النور وهو الجلد.]
    الجواب عنها:
    قد أثبتنا سابقاً أن حد الرجم ثابت بنص الآية المنسوخ تلاوتها وبفعل النبي عليه الصلاة والسلام وإجماع الصحابة من بعده، وإن ثبت لك هذا فلا يحل لأي مسلمٍ كان أن يخالفه، إذ أنّ الله عز وجل يقول: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
    وبما أن حد الرجم ثابت كما تقدم معنا، يكون العذاب في آية اللعان هو الرجم لأنها محصنة، وليس الجلد كما ذهبوا اليه– لأن الجلد هو حد الزاني البكر كما تقدم معنا أيضاً.
    المطلب السادس
    الشبهة الرابعة:
    قوله تعالى في حق نساء النبي: (يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشةٍ مبينة يُضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً). عقوبة نساء النبي مضاعفة أي مائتي جلدة، فالرجم الذي هو الموت لا يُضاعف. والعذاب في الآية يكون في الدنيا والدليل الألف واللام وتعني أنه شيء معروف ومعلوم.
    الجواب عنها:
    هذه الآية الكريمة لا تنفي حد الرجم لا من بعيد ولامن قريب ..وقد قالو: ( فالرجم الذي هو الموت لا يُضاعف)،وهذا خطأ محض، فالرجم ليس هو الموت، بل الرجم حد وعذاب يأتي بعده موت، ومن أقوى الأدلة العَملية – عندي – على أنه عذاب هو هروب ماعز لما كان الصحابة يرجمون فيه، فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال:(فكنت فيمن رجمه – أي ماعز – فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه) فلو كان موتاً منذ الوهلة الأولى لما هرب ماعز، فهروبه يدلّ على أنّه تألم وتعذب.
    إذاً فالآية لا تنفي الرجم أبداً ولا تعارض بينها وبين أحاديث الرجم.
    ويجب العلم أن نساء الأنبياء معصومات من الزنا وهذا الذي عليه المسلمون سلفاً وخلفاً، قال ابن كثير رحمه الله: (وقال ابن عباس، وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط، قال: وقوله: (إنه ليس من أهلك) أي: الذين وعدتك نجاتهم.
    وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه، فإن الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه.

    المطلب السابع
    الشبهة الخامسة:
    قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) الألف واللام في (الزانية والزاني) نص على عدم التمييز بين الزناة سواءً محصنين أو غير محصنين.
    الجواب عنها:
    هذه الشبهة لا يتقبلها عاقل، لا سيما أنه قد تقدم معنا تخصيص الآية بآية نُسخت تلاوتها في الرد على الشبهة الأولى.
    المطلب الثامن
    الشبهة السادسة:
    قال – غفر الله لنا وله -: قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون). هنا ذكر حد القذف ثمانين جلدة بعد ذكره حد الجلد مائة. يريد أن يقول: إن للفعل حد ولشاهد الزور حد وانتقاله من حد إلى حد يدل على كمال الحد الأول وتمامه، وذكره الحد الخفيف الثمانون وعدم ذكر الحد الثقيل الرجم يدل على أن الرجم غير مشروع لأنه لو كان كذلك لكان أولى بالذكر في القرآن من حد القذف.
    الجواب عنها:
    قولهم: (وانتقاله من حد إلى حد يدل على كمال الحد الأول وتمامه)، لا نعلم له سابقة ولا نعلم على أي كتاب في الفقه اعتمد الدكتور – غفر الله لنا وله – حتى قال بهذا الكلام، وإن كان هذا أمر متعلق باللغة العربية فلا أعلمه وأرجوا ممن له علم به إفادتنا وله الأجر. وهذا مخالف تماماً للقرآن الكريم، فالله عز وجل نسخ الآية 240 من سورة البقرة بالآية 240 ولو كان الأمر كما قال الكاتب لكان الأولى أن تكون الآية المنسوخة هي الآية رقم 234 لتقدمها…

    المطلب التاسع
    الشبهة السابعة:
    قال – رحمه الله -: قال تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً). الإمساك في البيوت لا يكون بعد الرجم ويعني الحياة لا الموت؛ إذن هذا دليل على عدم وجود الرجم. وتفسير قوله تعالى: (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً). هو أن الزانيات يُحبسن في البيوت بعد الجلد إلى الموت أو إلى التوبة من فاحشة الزنا.
    الجواب عنها:
    إن الحبسَ في البيوت كان أول الإسلام، ثم جعل الله لهن سبيلاً، والسبيل هنا ليس كما فسّره الكاتب – غفر الله له – بالتوبة… بل قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خذوا عني خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ، ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)- صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج ج3 ص1316 ح1690 – دار إحياء التراث العربي – بيروت، ت: محمد فؤاد عبد الباقي - ، فهل سنتبع أصاحب المقالات أم الذي عليه نزل القرآن الكريم ؟. وأيضاً كما تقدم معنا أنهم يستشهدون بالصحابة رضوان الله عليهم، فإني أرى أن الموضع مناسباً للاستشهاد بابن عباس رضي الله عنه، مع العلم أن هذا ليس رأيه بل ما عاصره، قال رضي الله عنه في تفسير الآية: (يعني الرجم للثيب والجلد للبكر) صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ج6 ص42 ح4572 – ط: دار طوق النجاة – ت: محمد زهير بن ناصر الناصر.
    فهذين دليلين على وجود الرجم وعلى التفسير الخاطئ للآية من طرف هؤلاء الكتبة غفر الله لنا ولهم.

    تعليق


    • #77

      المطلب العاشر
      الشبهة الثامنة:
      قالوا: قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين)). هنا حرم الله الزانية على المؤمن وهذا يدل على بقائها حية من بعد إقامة الحد عليها وهو مائة جلدة، ولو كان الحد هو الرجم لما كانت قد بقيت من بعده على قيد الحياة. وقوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) لا يميز بين بكر وثيب إذ قوله (من نسائكم) يدل على عموم المسلمين، وقوله (أو يجعل الله لهن سبيلاً) يؤكد عدم الرجم ويؤكد عدم التمييز بين البكر والثيب في الحد. وإن تابت الزانية أو الزاني فيندرجا تحت قوله: (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما). فالتوبة تجب ما قبلها.
      الجواب عنها:
      إن قولهم : (هنا حرم الله الزانية على المؤمن وهذا يدل على بقائها حية من بعد إقامة الحد عليها وهو مائة جلدة، ولو كان الحد هو الرجم لما كانت قد بقيت من بعده على قيد الحياة). خطأ، فهذه الآية تخص الزاني البكر الذي حدّه الجلد وليس الثيب… قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله)- صحيح أبي داود للعلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ج6 ص293 ح1791 – ط: مؤسسة غراس، الكويت – حديث صحيح -، طبعاً إلا إذا تاب عن الزنا فيجوز نكاحه… فها هي السنة بينّت لنا الآية ولا سيما أن الكاتب رحمه الله يُقر بأن السنة مبينة للقرآن الكريم.
      أما قوله (وقوله تعالى: (( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم )) لا يميز بين بكر وثيب إذ قوله (( من نسائكم )) يدل على عموم المسلمين).
      فهو فعلاً يدل على عموم نساء المسلمين، لكن كما تقدم معنا في الرد على الدليل السابع أن هذا كان في أوّل الإسلام، ثم جعل الله لهن سبيلاً كما صحّ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام – الحديث الذي تقدم معنا – وعن الصحابي ابن عباس رضي الله عنه. فقد قال رضي الله عنه: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى أو يجعل الله لهن سبيلا، فكانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، ثم أنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) [سورة النور: 2]، فإن كانا محصنين رجما. فهذا سبيلهما الذي جعل الله لهما.) جامع البيان في تأويل القرآن للإمام الطبري ج8 ص74 – ط: مؤسسة الرسالة – ت: أحمد شاكر.
      فهذا ترجمان القرآن وإمام المفسرين ومعاصر الوحي يثبت حد الرجم ويُفرق بين الثيب والبكر فكيف لا نفرق بينهما نحن ؟.

      المطلب الحادي عشر
      الشبهة التاسعة:
      وقالوا – غفر الله لنا ولهم -: يقول العلماء: إن الخاص مقدم على العام. ثم يقولون: والقرآن عام. ثم يقولون: وفي القرآن آيات تخصص العام. ثم يقولون: وفي الأحاديث النبوية أحاديث تخصص العام. أما قولهم بأن العام في القرآن يخصص بقرآن فهذا هو ما اتفقوا عليه وأما قولهم بأن الأحاديث تخصص عام القرآن فهذا الذي اختلفوا فيه لأن القرآن قطعي الثبوت والحديث ظني الثبوت وراوي الحديث واحد عن واحد عن واحد ولا يصح تخصيص عام القرآن بخبر الواحد.
      وعلى ذلك فإن قوله تعالى: ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)) حكم عام يشمل الجميع محصنين أو غير محصنين. فهل يصح تخصيص العام الذي هو الجلد بحديث يرويه واحد عن واحد في الرجم؟!. إن قلنا بالتخصيص والخاص مقدم على العام يلزم تفضيل كلام الراوي على كلام الله أو يلزم مساواة كلام الراوي بكلام الله وهذا لا يقول به عاقل، وعليه يتوجب أن حكم الرجم ليس تخصيصاً لحكم الجلد.
      يقول شيخ الإسلام فخر الدين الرازي عن الخوارج الذين أنكروا الرجم: ((إن قوله تعالى: ((الزانية والزاني فاجلدوا)) يقتضي وجوب الجلد على كل الزناة. وإيجاب الرجم على البعض بخبر الواحد يقتضي تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد وهو غير جائز لأن الكتاب قاطع في متنه بينما خبر الواحد غير قاطع في متنه والمقطوع راجح على المظنون)).
      ولو أن رواة الأحاديث قد اتفقوا على الرجم والنفي (التغريب) لأمكن أن يُقال إن إجماعاً من المسلمين موجود عليهما. ولأنهم لم يتفقوا وقع الريب في قلوب المسلمين من جهة الرجم والنفي. وفي الحديث: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) ففي حديث: ((خذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه به وخلوا سبيله)) أمر بالجلد ولم يأمر بالتغريب. وفي حديث الأمَة: ((إذا زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بطفير)) ولو كان النفي ثابتاً لذُكِر هنا مع الجلد. وروى الترمذي أنه عليه السلام جلد وغرّب، وهذا تناقض.
      الرجم عقوبة جاهلية توارثها العرب والمسلمون وما كان لها بالقرآن صلة. فلقد ذكرت كلمة رجم خمسة مرات في الكتاب المقدس عن شعوب سلفت نزول التحكيم الإسلامي وهو كالآتي: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }هود91 {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً }الكهف20 {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً }مريم46 {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }يس18 {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ }الدخان20
      كل هذه الآيات الكريمة القرآنية تثبت أن الرجم غير مقبول في الإسلام كوسيلة ردع للمنحرف عن شريعة الله ومن تكبَّده أو هُدِّد به عبر التاريخ البشري قبل نزول القرآن وبعده كان تسلطا وطغيانا كما تنص الآيات الصريحة!.
      الجواب عنها:
      إن قولهم بخصوص مسألة تخصيص القرآن الكريم بالسنة فيها خلاف فهذا مما لا نعلمه، والسنة تدل على أنها فعلاً تخصصه، فمثلاً قال عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} سورة النساء الآية 11. إلا أن السنة خصت القاتل والكافر بمنعهما، قال صلى الله عليه وسلم: (القاتل لا يرث) صحيح الجامع الصغير وزيادته للعلامة محمد ناصر الدين الألباني ج2 ص817 ح4436 – ط: المكتب الإسلامي. ، وقال أيضاً: (لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج36 ص100 ح21766 – ط: مؤسسة الرسالة – ت: شعيب الأرناؤوط وغيره – حديث صحيح. والأدلة على تخصيص السنة للقرآن الكريمة كثيرة، فلا عبرة لمن خالف في ذلك.
      كما أنّنا لم نثبت حد الرجم بالسنة بل أثبتناه بالقرآن الكريم – الآية التي نُسخ لفظها -. كما أنّ الرجم ثابت بتواتر السنة – أي قطعي الثبوت وليس ظني -.
      كما أن المسألة مُجمع عليها، والإجماع نقله غير واحد من أهل العلم، قال ابن كثير رحمه الله: (قال ابن عباس: كان الحكم كذلك، حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد، أو الرجم.
      وكذا روي عن عكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وعطاء الخراساني، وأبي صالح، وقتادة، وزيد بن أسلم، والضحاك: أنها منسوخة. وهو أمر متفق عليه.) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير ج2 ص233 – ط: دار طيبة.
      أما استدلال بحديث: (خذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه به وخلوا سبيله).. لا يدل لا من قريب ولا من بعيد على نفي التغريب، إذ أن هذا خاص، ألا ترى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال (مائة شمراخ) ولم يقل (جلدة) ؟!! فهذا رأفة به ومراعاة لضعفه.
      أما قولهم : أن الرجم حكم جاهلي فهذا خطأ شنيع، فالرجم ثابت في التوراة وهو حكم الله عز وجل الذي أثبته في القرآن الكريم كما بيّنا آنفاً.
      قال الشنقيطي في أضواء البيان (1/ 370): " قوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} لم يبين هنا شيئا من ذلك الكثير الذي يبينه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم مما كانوا يخفون من الكتاب، يعني التوراة والإنجيل، وبين كثيرا منه في مواضع أخر. فمما كانوا يخفون من أحكام التوراة رجم الزاني المحصن، وبينه القرآن في قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون}".
      وقال الشنقيطي أيضا في أضواء البيان (1/ 403): " قوله تعالى: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} في هذه الآية الكريمة إجمال; لأن المشار إليه بقوله: (هذا)، مفسر الضمير في قوله: (فخذوه)، وقوله: (لم تؤتوه)، لم يصرح به في الآية ولكن الله أشار له هنا، وذكره في موضع آخر. اعلم أولا أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية اللذين زنيا بعد الإحصان، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة، فتعمدوا تحريف كتاب الله، واصطلحوا فيما بينهم على أن الزاني المحصن الذي يعلمون أن حده في كتاب الله التوراة: الرجم، أنهم يجلدونه ويفضحونه بتسويد الوجه، والإركاب على حمار، فلما زنى المذكوران قالوا فيما بينهم: تعالوا نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم في شأن حدهما، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ذلك واجعلوه حجة بينكم وبين الله تعالى، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم فيهما بذلك، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد بقوله: (هذا)، وقوله: (فخذوه)، وقوله: (وإن لم تؤتوه)، هو الحكم المحرَّف الذي هو الجلد والتحميم كما بينا، وأشار إلى ذلك هنا بقوله: (يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا) يعني المحرَّف والمبدَّل الذي هو الجلد والتحميم (فخذوه وإن لم تؤتوه) بأن حَكَم بالحق الذي هو الرجم (فاحذروا) أن تقبلوه. وذكر تعالى هذا أيضا في قوله: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله} يعني التوراة ليحكم بينهم، يعني في شأن الزانيين المذكورين، {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} أي عما في التوراة من حكم رجم الزاني المحصن، وقوله هنا: {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} هو معنى قوله عنهم: {وإن لم تؤتوه فاحذروا}".
      وقال أيضا في أضواء البيان (5/ 368- 372): "اعلم أن رجم الزانيين المحصنين دلت عليه آيتان من كتاب الله، إحداهما نسخت تلاوتها، وبقي حكمها، والثانية: باقية التلاوة والحكم. أما التي نسخت تلاوتها، وبقي حكمها فهي قوله تعالى: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) ، وكون الرجم ثابتا بالقرآن ثابت في الصحيح، فروى البخاري (6830) ومسلم (1691) في صحيحيهما من طريق ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس وقال في خطبته: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى، إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. وفيه: أن الرجم نزل في القرآن في آية من كتاب الله، وكونها لم تقرأ في الصحف، يدل على نسخ تلاوتها، مع بقاء حكمها.

      تعليق


      • #78

        المطلب الثاني عشر
        أحاديث رجم المحصن الزاني
        فإن أحاديث الرجم قد رواها أكثر من سبعة عشر صحابيا منها حديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن أبي أوفى وجابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عباس وأبي سعيد الخدري وجابر بن سمرة وأبي بكرة نفيع بن الحارث وخالد بن اللجلاج عن أبيه ونعيم بن هزال عن أبيه وعبد الله بن عمر وأبي بن كعب وعبادة بن الصامت والبراء بن عازب وبريدة بن الحصيب وعمران بن حصين وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ومرسل بن أبي مليكة... رضي الله عنهم أجمعين.
        فحديث علي أخرجه البخاري.
        وحديث عبد الله بن أبي أوفى أخرجه البخاري ومسلم.
        وحديث جابر أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي.
        وحديث ابن عباس أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود.
        وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم وأبو داود.
        وحديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم وأبو داود.
        وحديث أبي بكرة أخرجه أبوداود.
        وحديث خالد بن اللجلاج عن أبيه أخرجه أبوداود.
        وحديث نعيم بن هزال عن أبيه أخرجه أبوداود.
        وحديث ابن عمر في رجم اليهوديين رواه مالك والبخاري ومسلم وأبوداود والترمذي.
        وحديث أبي بن كعب أخرجه ابن حبان والحاكم.
        حديث عبادة بن الصامت أخرجه مسلم وأبوداود.
        وحديث البراء بن عازب أخرجه مسلم أنه رجم يهوديا.
        وحديث بريدة بن الحصيب أخرجه مسلم وأبوداود.
        وحديث عمران بن حصين أخرجه مسلم وأبوداود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
        وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد أخرجه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد والبزار.
        ومرسل ابن أبي مليكة أخرجه مالك في الموطأ، وفيه عدد من المراسيل عن سعيد بن المسيب والزهري وغيرهما في الموطأ وفي غيره. ولولا أن يطول المقال لسطرت الحديث بجميع طرقه ورواياته الثابتة التي لا يمكن أن يطعن فيها إلا من رين على قلبه.
        فحديث الرجم متواتر المعنى كشجاعة الإمام علي رضي الله عنه وجود حاتم الطائي كما يقول ابن نجيم في البحر الرائق 5/8، وقد جاء في إحدى روايات حديث ابن عباس في البخاري (6441) وغيره،قال:
        قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف قال سفيان: كذا حفظت، ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.
        وقد أخرج النسائي في الكبرى (7162) والحاكم في المستدرك 4/359 عن ابن عباس قال: من كفر بالرجم كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب، وذلك قوله تعالى: (يأهل الكتب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتب...) فكان مما أخفوا الرجم، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (4430) بلفظ: من كفر بالرجم فقد كفر بالرحمن...
        ومرسل سعيد بن المسيب أخرجه مالك في الموطأ (1507) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه سمعه يقول:لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه واستلقى ثم مد يديه إلى السماء فقال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال: أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة الا ان تضلوا بالناس يمينا وشمالا وضرب بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال: إياكم ان تهلكوا عن آية الرجم ان يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا والذي نفسي بيده لولا ان يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة..) فإنا قد قرأناها، قال مالك: قال يحيى بن سعيد قال سعيد بن المسيب:فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رحمه الله،قال يحيى بن يحيى الليثي سمعت مالكا يقول قوله الشيخ والشيخة يعني الثيب والثيبة فارجموهما البتة.
        وقد أجمعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من لدن الصحابة إلى يوم الناس هذا على ثبوت حد الرجم في شريعتنا ولم يخالف في ذلك إلا أهل الأهواء من الخوارج ومن على شاكلتهم.
        قال ابن المنذر في كتابه الإشراف 3/6: قال الله جل ذكره: (يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وقال تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) فقد ألزم الله تعالى خلقه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالرجم ورجم، وقال عمر: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، وفعل ذلك بعد عمر علي بن أبي طالب، قال: فالرجم ثابت بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم..الخ
        وقال ابن عبد البر في التمهيد 5/324: وأما المحصن فحده الرجم إلا عند الخوارج ولا يعدهم العلماء خلافا لجهلهم وخروجهم عن جماعة المسلمين وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصنين.
        وقال في الاستذكار7/478 -480 وفي التمهيد 9/79: وأجمع الجمهور من فقهاء المسلمين اهل الفقه والاثر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا ان المحصن من الزناة حده الرجم....إلى أن قال: واما اهل البدع والخوارج منهم ومن جرى مجراهم من المعتزلة فانهم لا يرون الرجم على زان محصن ولا غير محصن ولا يرون على الزناة الا الجلد وليس عند احد من اهل العلم ممن يعرج على قولهم ولا يعدون خلافا، وروى حماد بن زيد وحماد بن سلمة وهشيم والمبارك بن فضالة وأشعث كلهم عن علي بن زيد وحماد بن سلمة عن يوسف بن مهران عن بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ايها الناس ان الرجم حق فلا تخدعن عنه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم وكذلك ابو بكر ورجمنا بعدهما وسيكون قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم وبالدجال وبطلوع الشمس من مغربها وبعذاب القبر وبالشفاعة وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا، قال ابو عمر: الخوارج والمعتزلة يكذبون بهذا كله عصمنا الله من الضلال برحمته. فرضي الله عن عمر الفاروق الملهم المحدث إذ كوشف له عن بعض أحوال أهل هذا الزمان الذي كثرت فيه وسائل العلم وقل فقه أهله وورعهم واستغنى كثير من أبنائه بعقولهم وفهومهم السقيمة، واستفتي الشيخ غوغل – قدس الله سره – في كل جزئية من جزئيات دين الله عز وجل واعتمدت فتاويه حتى ولو كانت تخالف النصوص القطعية الورود والدلالة، فإلى الله المشتكى.
        وقال الماوردي في الحاوي 13/91: والدليل على وجوب الرجم بخلاف ما قاله الخوارج الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلاً وعن الصحابة نقلاً وعملاً واستفاضته في الناس وانعقاد الإجماع عليه حتى صار حكمه متواتراً، وإن كان أعيان المرجومين فيه من أخبار الآحاد وهذا يمنع من خلاف حدث بعده.
        وقال ابن حزم في مراتب الإجماع ص 129: واتفقوا انه اذا زنى وكان قد تزوج قبل ذلك وهو بالغ مسلم حر عاقل حرة مسلمة بالغة عاقلة نكاحا صحيحا ووطئها وهو في عقله قبل ان يزني ولم يتب ولا طال الامر أن عليه الرجم بالحجارة حتى يموت.
        وقال في كتابه طوق الحمامة 287: وقد أجمع المسلمون إجماعاً لا ينقضه إلا ملحد أن الزاني المحصن عليه الرجم حتى يموت.
        وقال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد 2/325: فأما الثيب الأحرار المحصنون فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم إلا فرقة من أهل الأهواء فإنهم رأوا أن حد كل زان الجلد وإنما صار الجمهور للرجم لثبوت أحاديث الرجم فخصصوا الكتاب بالسنة أعني قوله تعالى (الزانية والزاني ) الآية.
        وقال ابن قدامة في المغني9/39: وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلا كان أو امرأة قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج فإنهم قالوا الجلد للبكر والثيب لقول الله تعالى:الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، وقالوا لا يجوز ترك كتاب الله الثابت بطريق القطع واليقين لأخبار آحاد يجوز الكذب فيها ولأن هذا يفضي إلى نسخ الكتاب بالسنة وهو غير جائز.
        ولنا – معاشر أهل السنة - أنه قد ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم...وقد أنزله الله تعالى في كتابه وإنما نسخ رسمه دون حكمه...إلى أن قال: وهذا سائغ بغير خلاف فإن عمومات القرآن في الإثبات كلها مخصصة، وقولهم إن هذا نسخ ليس بصحيح وإنما هو تخصيص ثم لو كان نسخا لكان بالآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه. وقد ثبت أن رسل الخوارج جاءوا عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم وقالوا: ليس في كتاب الله إلا الجلد، وقالوا: الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة والصلاة أوكد، فقال لهم عمر: وأنتم لا تأخذون إلا بما في كتاب الله ؟! قالوا: نعم، قال: فأخبروني عن عدد الصلوات المفروضات، وعدد أركانها وركعاتها ومواقيتها أين تجدونه في كتاب الله تعالى، وأخبروني عما تجب الزكاة فيه ومقاديرها ونصبها ؟؟ فقالوا: أنظرنا، فرجعوا يومهم ذلك فلم يجدوا شيئا مما سألهم عنه في القرآن، فقالوا: لم نجده في القرآن، قال فكيف ذهبتم إليه ؟ قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وفعله المسلمون بعده، فقال لهم: فكذلك الرجم وقضاء الصوم فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ورجم خلفاؤه بعده والمسلمون وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصوم دون الصلاة وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه.
        وقال ابن تيمية في فتاويه 20/398 -399:..ان جلد الزانى ثابت بنص القرآن وكذلك الرجم كان قد أنزل فيه قرآن يتلى ثم نسخ لفظه وبقي حكمه وهو قوله ( والشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) وقد ثبت الرجم بالسنة المتواترة واجماع الصحابة، وبهذا يحصل الجواب عما يدعى من نسخ قوله ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) الآية فان هذا إن قدر انه منسوخ فقد نسخه قرآن جاء بعده ثم نسخ لفظه وبقى حكمه منقولا بالتواتر. وقال في 28/333: واما الزانى فإن كان محصنا فانه يرجم بالحجارة حتى يموت كما رجم النبى ماعز بن مالك الأسلمي ورجم الغامدية ورجم اليهوديين ورجم غير هؤلاء ورجم المسلمون بعده.
        وقال ولي الدين العراقي في طرح التثريب 8/3: رجم الزاني المحصن في الجملة مجمع عليه وقال ابن عبد البر هو أمر أجمع أهل الحق عليه وهم الجماعة أهل الفقه والأثر ولا يخالف فيه من يعده أهل العلم خلافا , وقال النووي لم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه , فإنهم لم يقولوا بالرجم.
        وقال الشوكاني في السيل الجرار 4/328-329: أقول: ثبوت الرجم للزاني المحصن في هذه الشريعة ثابت بكتاب الله سبحانه وبمتواتر سنة رسوله وبإجماع المسلمين أجمعين سابقهم ولا حقهم ولم يسمع بمخالف خالف في ذلك من طوائف المسلمين إلا ما يروى عن الخوارج وهم كلاب النار وليسوا ممن يعتد بخلافهم ولا يلتفت إلى أقوالهم وقد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...إلى أن قال – في الرد على معاصر له استحسن قول أهل الأهواء - فيا لله العجب من الانتصار للمبتدعين على كتاب الله سبحانه وعلى سنة رسوله وعلى جميع الأمة المحمدية ودفع الأدلة الثابتة بالضرورة الشرعية لقول قاله مخذول من مخذولي كلاب النار الذين يمرقون من الدين ولا يجاوز إيمانهم ولا عبادتهم تراقيهم والأمر لله العلي الكبير.
        وقال الجصاص: فإن قيل هذه الخوارج بأسرها تنكر الرجم ولو كان ذلك منقولا من جهة الاستفاضة الموجبة للعلم لما جهلته الخوارج، قيل له: إن سبيل العلم بهذه الأخبار السماع من ناقليها ومعرفته من جهتهم والخوارج لم تجالس فقهاء المسلمين ونقلة الأخبار منهم وانفردوا عنهم غير قابلين لأخبارهم فلذلك شككوا فيه ولم يثبتوه... ألا ترى أن فرائض صدقات المواشي منقولة من جهة النقل المستفيض الموجب للعلم ولا يعرفها إلا أحد رجلين إما فقيه قد سمعها فثبت عنده العلم بها من جهة الناقلين لها، وإما رجل صاحب مواش تكثر بلواه بوجوبها فيتعرفها ليعلم ما يجب عليه فيها ومثله أيضا من كثر سماعه فوقع له العلم بها..وهذا سبيل الخوارج في جحودهم الرجم وتحريم تزويج المرأة على عمتها وخالتها وما جرى مجرى ذلك مما اختص أهل العدل بنقله دون الخوارج والبغاة. أحكام القرآن للجصاص 3/45.
        على أن المشهور عند جماهير أهل العلم أن قول الخوارج والمعتزلة وغيرهم من أهل الأهواء لا يعتد به في الإجماع ولا اعتبار لمخالفته، قال الزركشي في: البحر المحيط 6/423: قال الأستاذ أبو منصور: قال أهل السنة: لا يعتبر في الإجماع وفاق القدرية , والخوارج , والرافضة , ولا اعتبار بخلاف هؤلاء المبتدعة في الفقه... هكذا روى أشهب عن مالك , ورواه العباس بن الوليد عن الأوزاعي وأبو سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن , وذكر أبو ثور في منثوراته أن ذلك قول أئمة أهل الحديث. اهـ...إلى أن قال: فإذا قيل: قالت الخطابية والرافضة كذا , لم يلتفت إلى هؤلاء في الفقه ; لأنهم ليسوا من أهله , قال ابن القطان: الإجماع عندنا إجماع أهل العلم , فأما من كان من أهل الأهواء , فلا مدخل له فيه. قال: قال أصحابنا في الخوارج لا مدخل لهم في الإجماع والاختلاف ; لأنهم ليس لهم أصل ينقلون عنه ; ولأنهم يكفرون سلفنا الذين أخذنا عنهم أصل الدين.
        أما قول القائل اليوم ان أحاديث الرجم التي ذكرناها آنفا لا تخلوا من مقال في المتن أو في السند فهو رجم بالغيب، والمشهور عند أهل هذا الشأن أن الكلام في العلل والجرح والتمريض لا يقبل إلا مفسرا، بمعنى أنه لا يثبت للقائل به إلا إذا بين وجهة نظره مدعمة بالأدلة التي تثبتها عند أهل العلم،إذ ليست كل علة قادحة – على فرض وجودها – مع أن العلل ومعرفتها ليست مرتقى سهلا يتسلقه كل من هب ودرج، فهي كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره من أغمض أنواع علوم الحديث، وأدقها، ولا يقوم بها إلا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا، وحظا واسعا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون، أما أن يصم شخص في تغريدة – سيندم على كتابتها بين يدي رب العزة جل وعلا – الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها منكرة أو معلة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير فهو ما لا يسلم به مسلم عاقل بالغ فضلا عن طلبة العلم وحملته، وليت شعري هل هذه العلل مرت على الإمام علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري ويعقوب بن أبي شيبة وأبي زرعة والدارقطني.... فلم يكتشفوها ونكتشفها نحن الآن في (تويتر ) ؟؟؟!!!.
        ومثل ذلك دعوى النسخ بناء على أن هذه الأحاديث الصحيحة التي تثبت حد الرجم كانت قبل نزول سورة النور إذ أن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه سئل عن الرجم أكان قبل سورة النور أو بعدها ؟ فقال: لا أدري، فنقول: أولا: النسخ ليس بهذه البساطة إذ أنه رفع للحكم الشرعي الثابت بدليل شرعي ثابت متأخرعليه، فهو لا يتم بالادعاء والظنون، ولا يمكن التوصل إليه بالعقل، كما قال سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم في مراقي السعود:
        فلم يكن بالعقل أو مجرد الاجماع بل ينمى إلى المستند
        ثانيا: مادام أن الأصل عدم النسخ ما لم يثبت النسخ بالقيود الذي ذكرنا فيجوز أن يكون الصحابي الجليل عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه لم يشهد الأحداث كلها حتى يضبط تسلسلها ويميز السابق منها على اللاحق أو شهدها وغفل عن تسلسلها فتحرز من الإفتاء فيها بغير علم فقال: ( لا أدري ) كما هي عادة السلف الصالح وديدنهم رضي الله عنهم.
        وكم ب(لا أدري) أجاب المصطفى حتى أتى الوحي وإلا وقفا
        وقد أثبت محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره التحرير والتنوير(18/149) أن القضاء بالرجم كان بعد نزول سورة النور بدليل أن أبا هريرة شهده، وهذا يقتضي أنه كان معمولا به بعد نزول سورة النور لأن أبا هريرة أسلم سنة سبع وسورة النور نزلت سنة أربع أو خمس كما هو معروف. وهل خفي هذا النسخ على الخلفاء الراشدين الأربعة الذين ثبت عنهم في آثار لا مطعن فيها أنهم رجموا، وخفي على الصحابة والتابعين وتابعيهم من أهل القرون المزكاة جميعا واكتشفه أبو زهرة أو من يقلده من طلبة العلم المعاصرين ؟؟؟!!!
        اللهم لا.
        إن من يطعن في النصوص قطعية الثبوت والدلالة الواردة في حد الرجم لأنها لا تتماشى مع هواه أو هوى مقلَديه، تارة يتعلل بأنه صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين فلن يأمر برجم إنسان حي بالحجارة حتى الموت، وتارة بدعوى أن لاعقوبة للزنى أقسى من الجلد فلا عليه أن يطعن في حد الحرابة أو يدعي نسخ آيتها ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أوتقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الأرض ) ويغمز حديث العرنيين بجعله منكرا أو معلا – فما جرى على المثل يجري على مماثله - والقتل والصلب أقسى من الرجم.نسأل الله السلامة والعافية.
        وقد رد الإمامان الجصاص والفخر الرازي على من له ذائقة لغوية ما ذاقها في الحياة الدنيا ولا في الآخرة غيره يعتقد من خلالها أن قوله تعالى ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) المقصود بها الجلد، فيقول الجصاص في أحكام القرآن 5/100: قوله تعالى: ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) روي عن الحسن وعطاء ومجاهد وأبي مجلز قالوا: في تعطيل الحدود لا في شدة الضرب، ويقول الفخر الرازي في كبيره 9/53: اللين والرفق انما يجوز اذا لم يفض الى إهمال حق من حقوق الله، فأما إذا أدى الى ذلك لم يجز، قال الله تعالى (يأيها النبى جهد الكفار والمنفقين واغلظ عليهم ) وقال للمؤمنين في إقامة حد الزنا: ( ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله ). وذكرتني هذه الذائقة والاعتراض بها لإبطال حد من حدود الله تعالى - وبأنه صلى الله عليه وسلم أمر بإراحة الذيبحة ونهى عن التمثيل بالبهائم - ما كان يعترض به أبو العلاء المعري على قطع يد السارق في السرقة إذ يقول:
        يد بخمس مئين عسجد وديت=ما بالها قطعت في ربع دينار
        تناقض مالنا إلا السكوت له=فنستعيذ ببارينا من النـــــــار
        وللعلماء عنه أجوبة كثيرة نظماً ونثراً، منها قول القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي مجيباً له في بحره ورويه:
        يد بخمس مئين عسجد وديت=لكنها قطعت في ربع دينار
        عز الأمانة أغلاها، وأرخصها ذل=الخيانة،فافهم حكمة الباري
        قال الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: والملحدون يقولون: إن الرجم قتل وحشي لا يناسب الحكمة التشريعية، ولا ينبغي أن يكون مثله في الأنظمة التي يعامل بها الإنسان لقصور إدراكهم عن فهم حكم الله البالغة في تشريعه.
        والحاصل أن الرجم عقوبة سماوية معقولة المعنى، لأن الزاني لما أدخل فرجه في فرج امرأة على وجه الخيانة والغدر، فإنه ارتكب أخس جريمة عرفها الإنسان بهتك الأعراض، وتقذير الحُرمات، والسعي في ضياع أنساب المجتمع الإنساني،والمرأة التي تطاوعه في ذلك مثله. ومن كان كذلك فهو نجس قذر لا يصلح للمصاحبة، فعاقبه خالقه الحكيم الخبير بالقتل ليدفع شره البالغ غاية الخبث والخسة،وشر أمثاله عن المجتمع ويطهره هو من التنجيس بتلك القاذورة التي ارتكب، وجعل قتلته أفظع قتلة، لأن جَرِيمته أفظع جريمة والجزاء من جنس العمل... إلى أن قال: وتشريع الحكيم الخبير جلَّ وعلا مشتمل على جميع الحكم من درء المفاسد وجلب المصالح، والجري على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، ولا شك أن من أقوم الطرق معاقبة فظيع الجناية بعظيم العقاب جزاءً وفاقاً، ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: هديه إلى أن التقدم لا ينافي التمسك بالدين. فما خيله أعداء الدين لضعاف العقول ممن ينتمي إلى الإسلام من أن التقدم لا يمكن إلا بالانسلاخ من دين الإسلام باطل لا أَساس له، والقرآن الكريم يدعو إلَى التقدم في جميع الميادين التي لها أهمية في دنيا أو دين. ولكن ذلك التقدم في حدود الدين، والتحلي بآدابه الكريمة، وتعاليمه السماوية. أضواء البيان 3/36-37.
        فلا خير في مستقبل يبعدنا عن هدي ديننا القويم ويجعلنا نشكك في ثوابت من ديننا أطبق عليها السلف والخلف قبلنا وهذا المعنى هو الذي ضمنه كراي بن أحمد يوره رحمه الله قصيدته التي وجهها للعلماء يسألهم فيها عن حكم بعض الاختراعات المعاصرة إذ يقول فيها:
        أما التقدم في الدنيا فيبعدنـــا عن ديننا الحق فاسعوا نحوه قدمــــــــــا
        يا مؤمنين برب العرش عزوجــــــــــــل اقفوا السبيل التي من يقفها سلمـــــــــا
        ألم تروا فتنا كالليل مظلمـــة يمسي ويصبح منها الموج ملتطمــــــا
        لا تجعلوا دين غير المصطفى حكما إن تجعلوه تضلوا الحكم والحكمــــــــا
        فالرأي أن نعرض الأحداث قاطبة على الشريعة قطعا يقطع التهمــــــــــا
        فإن توافق فذاك التمر خالطـــــه زبد وإلا تركنا النهي محترمـــــــــــا
        آراء الحديث عن الرجم في القرآن الكريم باعتباره عملا إجراميا يقوم به الكفار والمشركون والمجرمون ضد الأنبياء والمؤمنين والصالحين، وليس العكس؛ إذ هدد أبو إبراهيم ابنه بالرجم في قوله: أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا”مريم (46).
        وهدد قوم شعيب نبيهم بالرجم: قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ هود (91). وخاف موسى من فرعون أن يرجمه: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ الدخان (20). وهدد به قوم الأنبياء الثلاثة أنبياءهم: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ يس (18)..
        وخشي أصحاب الكهف من قومهم أن يرجموهم ، فقالوا: “إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا الكهف (20). لكن القرآن الكريم لم يحدثنا أبدا أن نبيا أو صالحا كان يرجم المخالفين، أو أن حكما شرعيا كان له علاقة بالرجم.

        تعليق


        • #79
          المطلب الثالث عشر
          الشبهة العاشرة:
          وبعض الناس قد يقول: ما هي حكمة الشريعة في جعل عقوبة الزاني غير المحصن جلد مائة وتغريب عام، وجعل عقوبة الزاني المحصن الرجم بالحجارة؟! .
          الجواب عنها:
          أن الشريعة وضعت عقوبة الجلد على أساس محاربة الدوافع التي تدعو للجريمة بالدوافع التي تصرف عن الجريمة، فالذي يدعو الزاني للزنا هو اشتهاء اللذة والاستمتاع بالنشوة التي تصحبها، والدافع الذي يصرف الإنسان عن هذه اللذة المحرمة هو الألم، فالشريعة حينما جعلت عقوبة الجلد للزاني غير المحصن لم تضعها اعتباطاً، وإنما وضعتها على أساس من طبيعة الإنسان، وفهم لنفسيته وعقليته.
          والشريعة الإسلامية حينما قررت عقوبة الجلد للزنا دفعت العوامل النفسية التي تدعو للزنا بعوامل نفسية مضادة تصرف عن الزنا، فإذا ارتكب الزاني غير المحصن الزنا وجلد، ففيما يصيبه من ألم الجلد ما ينسيه اللذة، ويحمله على عدم التفكير فيها مرة أخرى.
          بالإضافة إلى أن الزاني غير المحصن يُغرَّب من بلده الذي زنى فيه إلى بلد آخر لمدة سنة، وذلك للتمهيد لنسيان الجريمة بأسرع ما يمكن، ولأن إبعاد المجرم من مكان الجريمة يجنبه مضايقات كثيرة، والإبعاد يهيء له أن يحيا حياة كريمة من جديد، وأن يتوب إلى الله في غربته، ثم يأتي إلى الناس بوجه جديد.
          ووضعت الشريعة عقوبة الرجم للزاني المحصن على نفس الأساس الذي وضعت عليه عقوبة الجلد للزاني غير المحصن، ولكن شددت عقوبة المحصن للإحصان؛ لأن الإحصان يصرف الشخص عادة عن التفكير في الزنا، فإن فكر فيه بعد ذلك فإنما يدل ذلك على قوة اشتهائه للَّذة المحرمة، وشدة اندفاعه لهذه الجريمة البشعة، فناسب أن توضع له عقوبة غليظة جداً بحيث إذا فكر في هذه اللذة المحرمة، وذكر معها العقوبة التي يستحقها شرعاً؛ تغلب التفكير في الألم الذي يصيبه من العقوبة على التفكير في اللذة التي يصيبها من الجريمة.
          إن الزاني المحصن مثَلٌ سيء لغيره من المحصنين، وليس للمثل السيء في الشريعة حق البقاء، فإن بقاءه في المجتمع ضرر محض، وقتله رحمة بالمجتمع كما يقطع العضو المصاب بالسرطان رحمة بالبدن.

          فالشريعة الإسلامية تقوم على الفضيلة المطلقة، وتحرص على الأخلاق والأعراض والأنساب من التلوث والاختلاط، وهي توجب على الإنسان أن يجاهد شهوته ولا يستجيب لها إلا من طريق الحلال، وأوجبت عليه إذا استطاع الزواج أن يتزوج حتى لا يُعرِّض نفسه للفتنة أو يُحَمِّلها ما لا تطيق، فإذا لم يتزوج وغلبته الشهوات على عقله ودينه وعزيمته فعقابه أن يجلد مائة جلدة، وشفيعه في عدم رجمه تأخيره في الزواج الذي أدى به إلى الجريمة.
          أما إذا تزوج فأحصن فقد حرصت الشريعة ألا تجعل له بعد الإحصان سبيلاً إلى الجريمة، فلم تجعل الزواج أبدياً حتى لا يقع في الجريمة أحد الزوجين إذا فسد ما بينهما، فأباحت للزوج الطلاق، وأباحت للزوجة الخلع، وهو طلب الطلاق مقابل مال تعطيه زوجها، وأباحت كذلك للزوجة أن تطلب الفسخ لغيبة الزوج الطويلة أو مرضه أو إعساره أو لأي ضرر يلحقها في بقائها معه، وهكذا أباحت للزوج أن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة على أن يعدل بينهن.
          وبهذا فتحت الشريعة للمحصن كل أبواب الحلال، وأغلقت دونه باب الحرام، فإذا زنى مع هذا فلا وجه لتخفيف العقوبة عنه، وموته خير له حتى لا يزداد إثماً إلى إثمه، وخير للمجتمع ليسلم من شره.
          المطلب الرابع عشر
          المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ بنِ أَبِيْ عَامِرٍ بنِ مَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيّ يزني.. ولا يرجم:
          قالوا إن عمر بن الخطاب درأ حد الزنا عن المغيرة بن شعبة مع ثبوته بالبينة وهي أربعة رجال، ولقن الرابع كلمة تدرأ الحد فقد قال له لما جاء للشهادة: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين.
          وقبل أن ندرأ تلك الشبهة من المهم أن نذكر هنا النص الذي يتحدث عن زنا المغيرة، ودرء الحد عنه وفقاً لما ذكره ابن خلكان وغيره.. فنقول:
          قالوا: إن هذه القضية حدثت في السنة السابعة عشرة للهجرة.
          وذلك أن عمر بن الخطاب كان قد رتب المغيرة أميراً على البصرة، وكان يخرج من دار الإمارة نصف النهار، وكان أبو بكرة يلقاه فيقول: أين يذهب الأمير؟!.
          فيقول: في حاجة.
          فيقول: إن الأمير يزار ولا يزور.
          [قال]: وكان يذهب إلى امرأة يقال لها: أم جميل بنت عمرو، وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمي.
          (فبلغ ذلك أهل البصرة، فأعظموه، فوضعوا عليهما الرصد).
          ثم روى: أن أبا بكرة بينما هو في غرفته مع إخوته، وهم نافع، وزياد، وشبل بن معبد أولاد سمية فهم إخوة لأم، وكانت أم جميل المذكورة في غرفة أخرى قبالة هذه الغرفة، فضرب الريح باب غرفة أم جميل ففتحه.
          (وفي نص آخر: أنهم كشفوا الستر)، ونظر القوم، فإذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع.
          فقال أبو بكرة: بلية قد ابتليتم بها فانظروا، فنظروا حتى أثبتوا، فنزل أبو بكرة، فجلس حتى خرج عليه المغيرة، فقال له: إنه كان من أمرك ما قد علمت، فاعتزلنا.
          (قال وذهب المغيرة ليصلي بالناس الظهر، ومضى أبو بكرة.
          فقال أبو بكرة: لا والله، لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت.
          فقال الناس: دعوه فليصل فإنه الأمير، واكتبوا بذلك إلى عمر، فكتبوا إليه، فأمرهم أن يقدموا عليه جميعاً:
          فلما قدموا جميعاً صعد عمر بن الخطاب المنبر وخطب في الناس كما يحكي البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس وقال في خطبته: إن الله بعث محمدا صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، رجم رسول الله صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى، إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف". (البخاري 6829؛ 6830؛ 7323) (1691مسلم)..
          المغيرة والشهود.
          فلما قدموا عليه جلس عمر، فدعا بالشهود والمغيرة، فتقدم أبو بكرة فقال له: رأيته بين فخذيها؟!
          قال: نعم والله لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها.
          فقال له المغيرة: ألطفت النظر؟!
          فقال أبو بكرة: لم آل أن أثبت ما يخزيك الله به.
          فقال عمر: لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيه إيلاج المرود في المكحلة.
          فقال: نعم أشهد على ذلك.
          فقال: اذهب مغيرة ذهب ربعك.
          (قال أبو الفرج: وقيل: إن علياً «عليه السلام» هو قائل هذا القول).
          ثم دعا نافعاً فقال له: علام تشهد؟!
          قال: على مثل ما شهد أبو بكرة.
          قال: لا، حتى تشهد أنه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة.
          قال: نعم حتى بلغ قذذة.
          فقال له عمر: اذهب مغيرة، قد ذهب نصفك.
          ثم دعا الثالث فقال له: علام تشهد؟!
          فقال: على مثل شهادة صاحبي.
          فقال له عمر: اذهب مغيرة فقد ذهب ثلاثة أرباعك.
          (فجعل المغيرة يبكي إلى المهاجرين، وبكى إلى امهات المؤمنين حتى بكين معه، كما قال أبو الفرج.
          وقال أيضاً: ولم يكن زياد حضر ذلك المجلس، فأمر عمر أن ينحى الشهود الثلاثة، وألا يجالسهم أحد من أهل المدينة، وانتظر قدوم زياد).
          ثم كتب إلى زياد، وكان غائباً، وقدم. فلما رآه جلس له في المسجد، واجتمع عنده رؤوس المهاجرين والأنصار، فلما رآه مقبلاً قال: إني أرى رجلاً لا يخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين، ثم إن عمر رفع رأسه إليه، فقال: ما عندك يا سلح الحبارى؟!.
          فقيل: إن المغيرة قام إلى زياد، فقال: لا مخبأ لعطر بعد عروس.
          فقال له المغيرة: يا زياد، اذكر الله تعالى، واذكر موقف يوم القيامة، فإن الله تعالى، وكتابه ورسوله، وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي، إلا أن تتجاوز إلى ما لم تر مما رأيت، فلا يحملنك سوء منظر رأيته، على أن تتجاوز إلى ما لم تر، فوالله لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أن يسلك ذكري فيها.
          قال: فدمعت عينا زياد، واحمر وجهه، وقال: يا أمير المؤمنين، أما إن أحق ما حقق القوم فليس عندي، ولكن رأيت مجلساً، وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً، ورأيته مستبطنها.
          وقيل: قال زياد: رأيته رافعاً رجليها، فرأيت خصيتيه تردد ما بين فخذيها، ورأيت حفزاً شديداً وسمعت نفساً عالياً.
          فقال عمر: رأيته يدخله ويولجه كالميل في المكحلة.
          فقال: لا.
          فقال عمر: الله أكبر، قم يا مغيرة إليهم فاضربهم.
          فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين. وضرب الباقين. وأعجبه قول زياد، ودرأ الحد عن المغيرة.
          فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا.
          فهمَّ عمر أن يضربه حداً ثانياً.
          قال له علي بن أبي طالب «عليه السلام»: إن ضربته فارجم صاحبك. فتركه.
          واستتاب عمر أبا بكرة، فقال: إنما تستتيبني لتقبل شهادتي.
          فقال: أجل.
          فقال: لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا.
          فلما ضربوا الحد قال المغيرة: الله أكبر، الحمد لله الذي أخزاكم.
          فقال عمر: أخزى الله مكاناً رأوك فيه.
          (قال وذكر عمر بن شبة في كتاب أخبار البصرة: أن أبا بكرة لما جلد أمرت أمه بشاة فذبحت، وجعل جلدها على ظهره.
          فكان يقال: ما كان ذاك إلا من ضرب شديد.
          (قال وحكى عبد الرحمن بن أبي بكرة: ان أباه حلف لا يكلم زياداً ما عاش، فلما مات أبو بكرة كان قد أوصى أن لا يصلي عليه إلا أبو برزة الأسلمي. وكان النبي «صلى الله عليه وآله» آخى بينهما. وبلغ ذلك زياداً، فخرج إلى الكوفة.
          وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد، وشكره.
          ثم إن أم جميل وافت عمر بن الخطاب بالموسم والمغيرة هناك، فقال له عمر: أتعرف هذه المرأة يا مغيرة؟!
          فقال: نعم هذه أم كلثوم بنت على.
          فقال عمر: أتتجاهل علي؟! والله، ما أظن أبا بكرة كذب فيما شهد عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء.
          درء الشبهة
          يلاحظ أن هذه الرواية تحدثت عن (آية الرجم) معتبرة إياها مما نزل من القرآن، وأن الناس قرأوها وعقلوها ووعوها وعملوا بها؛ لكنهم يخشون على لسان عمر بن الخطاب أن يأتي زمان ويقول قائل: “ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله”. ثم يواصل الراوي على لسان عمر بن الخطاب: “والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف.”
          يلاحظ أن الشيخين (البخاري ومسلم) لم يذكرا صيغة الآية، كما لم يذكر صيغتها أصحاب الكتب الستة كذلك.
          وفي القصة اتهام عمر بن الخطاب بعدم إقامة حد الرجم عليه. فلو لم يكن هناك رجم ما شهدت هذه القضية جدالاً يذكر.
          وواقع الأمر أن سيدنا عمر بن الخطاب لم يطبق حد الزنا في هذه الحادثة لأنه لم يتحقق فيها شرط تطبيق الحد:وهو اعتراف الزاني بواقعة الزنا وهنا لم يحدث.
          او وجود ٤ شهود عليها، وفي هذه الحادثة، شهدا ابى بكرة ونافع ونفيع على زنا المغيرة الا ان زياد تلجلج في شهادته فدرء عمر الحد عن المغيرة بالشبهة واقام حد قذف المحصنات وهو الجلد على الثلاثة الاوائل.
          وهذه الحادثة لا تطعن في المغيرة فقط بل تطعن في عمر بن الخطاب نفسة وفي إيمانه وفي ايمان كل من كان في هذه الفترة، وهذا أكبر دليل على أن هدف الإسلام ليس تطبيق الحدود والجري وراء الناس وقطع الأيدي والأرجل كما يدعي الجاهلون، بل الغرض من مفهوم الحدود هو حماية الحياة والأموال والأعراض. ولهذا وضع الإسلام شروطًا تكاد تكون تعجيزية لتطبيق الحدود ومنها حد الزنا. وليس هذا فحسب بل إن الشهود الأربعة إذا لم يشاهدوا بما هو مطلوب شرعا أو تراجع أحدهم وأصبحوا ثلاثة فإن الأربعة سوف يتم جلدهم بتهمة قذف وانتهاك الأعراض. هل هناك قانون إنساني أكثر من هذا.
          أن درء الحد إنما يكون بعد ثبوته، ولم يثبت لعدم شهادة الرابع كما ينبغي، وتلقينه الشاهد كذب وبهتان من أهل العدوان، إذ قد يثبت في التواريخ المعتبرة كتاريخ البخاري وابن الأثير وغيرهما أنه لما جاء الرابع وهو زياد بن أبيه قالوا له: (أتشهد كأصحابك؟ قال: أعلم هذا القدر، إني رأيت مجلساً ونفساً حثيثاً وانتهازاً ورأيته مستبطنها – أي: مخفيها تحت بطنه - ورجلين كأنهما أذنا حمار، فقال عمر: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا). وقد وقع ذلك بمحضر الأمير وغيره من الصحابة. ولفظ (أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين) إنما قاله المغيرة في ذلك الحين كما هو حال الخصم مع الشهود.
          ومما طعنوا به على الخليفة الثاني رضي الله عنه: أنهم يفترون عليه بأنه عطل الحدود ويقولون: إنه لم يحد المغيرة بن شعبة حد الزنا، ولقن الرابع وهو زياد بن أبيه فتركها وحد الثلاثة، وكيف يجوز له صرف الحد عن مستحقه. ) انظر الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: (3/21)، وانظر منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة: (3/138). حق اليقين في معرفة أصول الدين: (1/183-184.

          تعليق


          • #80

            ويرد على هذا الهذيان:
            بأن جماهير العلماء على ما فعله عمر في قصة المغيرة، وأن البينة إذا لم تكمل حد الشهود، والذي فعله بـ المغيرة كان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم وأقروه على ذلك وعلي منهم، والدليل على إقرار علي له أنه لما جلد الثلاثة الحد أعاد أبو بكرة القذف، وقال: والله لقد زنى فهم عمر بجلده ثانياً، فقال له علي: (إن كنت جالده فارجم المغيرة ) منهاج السنة: (3/138)، وانظر المنتقى للذهبي، (ص:351-352)، مختصر التحفة الإثني عشرية، (ص:254-255).
            ( يعني: يكون تكراره للقول بمنزلة شاهد آخر فيتم النصاب أربعة فيجب رجمه فلم يحده عمر، وهذا دليل على رضا علي بحدهم أولاً دون الحد الثاني، وإلا كان أنكر حدهم أولاً كما أنكر الثاني... وعمر رضي الله عنه من المتواتر عنه أنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم، حتى أنه أقام على ابنه( يكنى بأبي شحمة وهو عبد الرحمن الأوسط. انظر قصة عبد الرحمن هذا في الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير، لأبي عبد الله الجوزقاني: (2/193-194)، تنزيه الشريعة المرفوعة: (2/220).) الحد لما شرب بـ مصر بعد أن كان عمرو بن العاص ضربه الحد، لكن كان ضربه سراً في البيت، وكان الناس يضربون علانية، فبعث عمر إلى عمرو يزجره ويتهدده لكونه حابى ابنه، ثم طلبه فضربه مرة ثانية، فقال له عبد الرحمن: مالك هذا، فزجر عبد الرحمن، وما روي أنه ضربه بعد الموت فكذب على عمر وضرب الميت لا يجوز، وأخبار عمر المتواترة في إقامة الحدود وأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم أكثر من أن تذكر .
            -ثم أيضاً يقال للرافضة -: أي غرض كان لـ عمر في المغيرة بن شعبة، وكان عمر عند المسلمين كالميزان العادل الذي لا يميل إلى ذا الجانب ولا ذا الجانب) منهاج السنة: (3/138)، وانظر المنتقى للذهبي من: (351-352)، مختصر التحفة الإثني عشرية: (254-255).
            وأما قولهم: إنه لقن الشاهد الرابع كلمة تدرأ الحد وهي أنه قال له: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين. فهذا كذب وبهتان من أهل العدوان، وإنما الثابت في التواريخ المعتبرة أن هذه الكلمة إنما قالها المغيرة في ذلك الحين كما هو حال الخصم مع الشهود، ولا سيما إذا كان يترتب على الشهادة حكم موجب لهلاكه() مختصر التحفة الإثني عشرية: (254-255)).
            وقالوا أن عمر رضي الله عنه أسقط حد الزنا عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، فعطل بذلك حداً من حدود الله (تلخيص الشافي للطوسي (ص:437-438 )، ومنهاج الكرامة للحلي (ص:137)، ومؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية (ص:71-72)، والصراط المستقيم للبياضي (3/14)، وعقائد الإمامية للزنجاني (3/31).
            قال مقاتل بن عطية يعدد ما أسماه بمخالفات عمر: وأسقط حد الزنا عن المجرم الزاني المغيرة بن شعبة(مؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية (ص:71-72.). ) .
            وزعم الطوسي أن تلقين عمر رضي الله عنه لـ زياد بن أبيه) هو ابن سمية، الذي صار يقال له: زياد بن أبي سفيان، أسلم في عهد أبي بكر رضي الله عنه. وتوفي سنة ثلاث وخمسين. الإصابة لابن حجر (1/580)، هو الذي كان السبب في تعطيل الحد، قال: (لأن زياداً ما حضر إلا ليشهد بما شهد به أصحابه، وقد صرح بذلك كما صرحوا قبل حضورهم، ولو لم يكن هذا هكذا لما شهد القوم قبله وهم لا يعلمون هل حاله في ذلك كحالهم، ولكنه لجلج الشهادة لما رأى كراهية متولي الأمر لكمالها، وتصريحه بأنه لا يريد أن يعمل بموجبها.. إلخ() تلخيص الشافي للطوسي (ص:437-438)
            أولاً:المناقشة من ناحية المتن:
            إن المتتبع لسيرة الفاروق رضي الله عنه في إمضاء الحدود يجد أن الأخبار عنه قد تواترت في إقامة الحدود، وأنه كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يقصّر في إمضاء حد ثبت حتى على أقرب الناس إليه؛ فلقد أقام حد شرب الخمر على ابنه عبد الرحمن ) هو عبد الرحمن الأوسط يكنى أبا شحمة، لا يعد من الصحابة، مات قبل موت أبيه بمدة. الإصابة لابن حجر (3/72). بعد أن كان عمرو بن العاص ضربه الحد سراً، فبعث إلى عمرو وزبره وزجره لكونه حابى ابنه فلم يقم عليه الحد أمام الناس، وطلب منه أن يبعثه إليه، فبعثه، فضربه الحد ثانية أمام الناس) قال الحافظ ابن حجر: (وقد أخرج عبد الرزاق القصة مطوّلة عن معمر بالسند المذكور، وهو صحيح). تاريخ عمر لابن الجوزي (ص:267-270)، ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية (2/36)، والإصابة لابن حجر (3/72).
            أما عن قصته مع المغيرة: فإن ما فعله هو الصواب باتفاق أهل العلم على أن الزنا يثبت بالإقرار أو بالشهادة؛ فقد أجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالإقرار أو بالشهادة، وأجمعوا أن عدد الشهداء المطلوب لإثبات الزنا أربعة، لقوله تعالى: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) [النساء:15]، وقوله: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) [النور:13]، وقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) [النور:4]، وهؤلاء الأربعة لو شهد منهم ثلاثة دون الرابع في مجلس الحكم بزنا، حُد الثلاثة بالاتفاق حد القذف، دون الرابع؛ لأنه لم يقذف.
            وهذا هو الذي حصل في قصة المغيرة ؛ فإن الحد لم يجب عليه؛ لأن الرابع وهو زياد بن أبيه لم يبت الشهادة) فتح الباري لابن حجر (5/256). فلم تكتمل البينة، فحدّ الشهود حد القذف.
            قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والذي فعله بـ المغيرة كان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، وأقروه على ذلك، وعلى منهم، والدليل على إقرار على له: أنه لما جلد الثلاثة الحد أعاد أبو بكرة القذف، وقال: والله لقد زنى. فهمّ عمر بجلده ثانياً. فقال له علي: إن كنت جالده فارجم المغيرة؛ يعني أن هذا القول إن كان هو الأول فقد حد عليه، وإن جعلته بمنزلة قول ثان فقد تمّ النصاب أربعة فيجب رجمه، فلم يحده عمر، وهذا دليل على رضا علي بحدهم أولاً دون الحد الثاني، وإلا كان أنكر حدهم أولاً كما أنكر الثاني) منهاج السنة لابن تيمية 6/34-35).

            تعليق


            • #81
              ثانياً:المناقشة من ناحية السند:
              أورد الطبري القصة في 3 / 170 ـ 171(1) في ذكر حوادث سنة 17 ه‍‍ من حديث سيف في اتّهام المغيرة.
              ورواها البلاذري في فتوح البلدان ص 423 والماوَردي في الاحكام ص 280 وغيرهما من غير سيف.
              ومن ثم فإننا سوف نناقش القصة أولاً من خلا مناقشتنا لسند الحديث، ثم نعقد ثانية للمقارنة بينهما.
              أولاً: حديث سيف.
              أورد الطبري في 3 / 170 ـ 171(ط. أوربا 1 / 2530 ـ 2533.) في ذكر حوادث سنة 17 ه‍‍ عن (سيف) عن محمّد وطلحة والمهلَّب وعمرو باسنادهم في زنا المغيرة ما مُلَخَّصه: أن سبب شهادة الشهود بالزنا على المغيرة هي المنافرة التي كانت بين المغيرة وأبي بكرة(أبو بَكرَة نُفَيع بن مَسرُوح الحَبَشي . وقيل أبوه الحارث بن كَلَدَة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العُزّى بن عَوْف بن قيس وهو ثقيف ، واُم أبي بكرة سُمية جارية ، وكان من عُبَيْد الحارث . ولمّا حاصر النبي الطائف تدلّى من حِصن الطائف ببكرَة ونزل إلى النبي(ص) ، فاعتقه رسول اللّه وكنّاه أبا بكرة وهو من موالي الرسول . سكن البصرة وكان ممن اعتزل الجمل بسبب رواية رواها عن الرسول وتوفي بها سنة 51 ه‍ . الاستيعاب 3 / 538 و 4 / 24 ، والا صابة 3 / 542 .) أحد الشهود، وكان لهما مشربتان متقابلتان بالبصرة لكلّ منهما كُوّة مقابلة الاُخرى.
              وفيما كان عند أبي بكرة جماعة يتحدّثون إذ (هبّت ريح ففتحت باب الكُوّة وقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة ـ وقد فتحت الريح باب كُوّته ـ بين رِجلي امرأة، فقال للنفر: قوموا فانظروا، ثم قال: اشهدوا، قالوا: ومن هذه؟ قال: اُمّ جميل، وكانت غاشية(الغاشية: السُّوّال يأتونك والزُوّار والاصدقاء ينتابونك ـ القاموس وفي غيره اخدَم أيضاً.) للمغيرة وتَغشَى الاُمراء والاشراف، فقالوا: إنما رأينا أعجازاً ولا ندري ما الوجه، ثم إنهم صمّموا حين قامت) ثم قال في كيفية شهادة الشهود: إنّ المغيرة قال لعمر: (سل هؤلاء الاعبُد كيف رأوني؟ مُسْتَقبِلَهُم أو مُستَدبِرَهُم؟
              وكيف رأوا المرأة وعرفوها؟ فإن كانوا مستقبليَّ فكيف لم استتر؟!! أو مستدبريَّ فبأي شي‌ء استحلّوا النظر إليّ في منزلي على امرأتي. واللّه ما أتيت إلاّ امرأتي وهي تشبهها).

              ثم ذكر أن أبا بكرة ونافعاً(نافعُ بن الحارث بن كَلَدّة الثقفي واُمّه سميّة مولاة الحارث، وقد اعترف الحارث ببنوته له، وكان ممّن سكن البصرة وأول من اقتنى بها إبلاً واقطعه عمر بن الخطاب عشرة أجربة من أراضيها. الاستيعاب 3 / 512، والاصابة 3 / 514.) قالا: إنّهما شهداهما مُستدبِريهما، وإن شبلاً(شِبْل بن مَعْبَد بن عُبَيْد بن الحارث بن عمرو بن علي بن أسلم بن أحمس البَجَلي الاحمسي ، اختلفوا في أنّه صحابي أدرك النبي أم أنّه تابعي . الا صابة 2 / 159 ، ونسبه في جمهرة ابن حزم ص 389) قال: إنه رآهما مستقبلهما، وإن زياداً لم يشهد بمثل شهادتهم، فأمر بالشهود الثلاثة فجُلدوا بالحد، وأنّه قال للمغيرة: (أما واللّه لو تمّت الشّهادة لرجمتك).

              حديث غير سيف:

              وأما غير سيف، فقد روى البلاذري في فتوح البلدان ص 423 والماوَردي في الاحكام ص 280: ((إن المغيرة جعل يختلف إلى امرأة من بني هلال يقال لها: اُمّ جميل بنت الافْقَم بن مِحْجَن بن أبي عَمْرو بن شُعْبَة بن الهرم(في جمهرة ابن حزم ص 274 بعض الاختلاف مع ما ذكر هنا من نسبها.) وقد كان لها زوج من ثقيف يقال له الحَجّاج بن عتيك... الخ)). وقد رواها اليعقوبي في تاريخه 2 / 124، وأوردها الطبري وابن الاثير في ذكر حوادث سنة 17 ه‍‍ إلى غيرهم.
              ونورد تفصيل القصّة عن الاغاني.
              ذكر أبو الفرج في ج 14 من الاغاني ص 139 ـ 142 من طبعة ساسي سنة 1959 وأخرجه ابن أبي الحديد في شرح النهج 2 / 161 أنّه: ((كان المغيرة بن شعبة وهو أمير البصرة يختلف سِرّاً إلى امرأة من ثقيف يقال لها الرَّقطاء ولها زوج من ثقيف يقال له الحجّاج بن عتيك، فلقيه أبو بكرة يوماً فقال: أين تريد؟
              قال: أزور آل فلان، فأخذ بتلابيبه وقال: إنّ الامير يُزار ولا يَزور، وأنّ المغيرة كان يخرج من دار الامارة وسط النهار فكان أبو بكرة يلقاه فيقول له: أين يذهب الامير؟ فيقول له: إلى حاجة، فيقول: حاجة ماذا؟ إن الامير يزار ولا يزور. قالوا:
              وكانت المرأة التي يأتيها جارة لابي بكرة فقال: فبينما أبو بكرة في غرفة له مع أخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له شِبْل بن مَعْبَد، وكانت غرفة جارته تلك مُحاذية غرفة أبي بكرة فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة(وقد ذكر قصة المغيرة كل من ابن جرير وابن الاثير وأبي الفداء في وقائع سنة 17 ه‍ والبلاذري في 1 / 490 ـ 492 بتفصيل أوفى، وفي الطبري ط. أوربا 1 / 2529.) ينكحها، فقال أبو بكرة: هذه بلية قد ابتُليتُم فانظروا. فنظروا حتى أثبتوا، فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة، فقال له أبو بكرة: إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا، فذهب المغيرة وجاء ليُصلّي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة وقال: لا واللّه لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت، فقال الناس: دعوه فليصل إنه الامير واكتبوا إلى عمر فكتبوا إليه فورد كتابه أن يقدموا عليه جميعاً، فتجهّز المغيرة وبعث إلى أبي موسى بعقيلة جارية عربية مُربية من سَبي اليمامة من بني حنيفة مُولدة الطائف ومعها خادم وسار المغيرة، حتى قدم على عمر، فجلس له عمر ودعا به وبالشهود فتقدّم أبو بكرة، فقال: أرأيته بين فخذيها؟ قال:
              نعم واللّه لكأنّي أنظر إلى تشريم جُدَري بفخذيها قال المغيرة: لقد الطفت النظر، قال أبو بكرة: لم آل أن اُثبت ما يخزيك اللّه به، فقال عمر: لا واللّه حتى تشهد لقد رأيته يَلج فيها كما يَلِج المِرْوَدُ في المكْحَلَة، قال: أشهد نعم ذلك، فقال عمر: إذهب مغيرة ذهب ربعك)).

              قال أبو الفرج ويقال: إنّ علياً هو قائل هذا القول، ثم دعا نافعاً، فقال: علام تشهد؟ قال: على مثل شهادة أبي بكرة، فقال عمر: لا، حتى تشهد أنّك رأيته يلج فيها ولوج المِرْوَدِ في المكْحَلَة.

              قال: نعم حتى بلغ قذذه، فقال: إذهب مغيرة ذهب نصفك ثم دعا الثالث وهو شِبْلُ بن معبد، فقال: على مثل شهادة صاحبي فقال: إذهب مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك. قال: فجعل المغيرة يبكي إلى المهاجرين فبكوا معه وبكى إلى اُمهات المؤمنين حتى بكين معه قال: ولم يكن زياد حضر ذلك المجلس، فأمر عمر أن يُنحّى الشهود الثلاثة وأن لا يجالسهم من أهل المدينة أحد وانتظر قدوم زياد فلمّا قدم وجلس في المسجد واجتمع رؤوس المهاجرين والانصار قال المغيرة: وكنت قد أعددت كلمة أقولها، فلمّا رأى عمر زياد مقبلاً قال: إنّي لارى رجلاً لن يخزي اللّه على لسانه رجلاً من المهاجرين(وقد أورده ابن خلكان في 5 / 406 من وَفَيات الاعيان بترجمة يزيد بن مُفَرّغ.)، وقد روى قول عمر هذا لزياد كل من اليعقوبي في تاريخه 2 / 124، وفي كنز العمال 3 / 88 الحديث 12682، وفي مُنْتَخَبِه 2 / 413 قال عمر: إني أرى غلاماً كَيساً لن يشهد إن شاء اللّه إلاّ بحقّ. وفي الاصابة واُسد الغابة بترجمة شبل قريب من ذلك. وفي رواية أبي الفداء 1 / 171 أن عمر قال لزياد: ((أرى رجلاً أرجو أن لا يفضح اللّه به رجلاً من أصحاب رسول اللّه)).
              وفي رواية الاغاني عن أبي عثمان النَّهدي(أبو عثمان عبدالرحمن بن مُلّ بن عمرو بن عدي بن وهب بن ربيعة بن سعد بن كعب بن جذيمة بن كعب. أسلم في عصر الرسول وشهد القادسية وما بعدها. مات سنة 100 ه‍ بعد أن عمّر أكثر من 130 سنة.الاستيعاب 2 / 419 ـ 421. ونسبه بجمهرة ابن حزم ص 447.): ((أنّه لمّا شهد الشاهد الاول عند عمر تغيّر لذلك لون عمر، ثم جاء الثاني فشهد فانكسر لذلك انكساراً شديداً، ثم جاء الثالث فشهد فكأنّ الرَّماد نُثِرَ على وجه عمر. فلمّا جاء زياد جاء شاب يخطُر بيديه، فرفع عمر رأسه إليه وقال: ما عندك أنت يا سَلَحَ العُقاب(وفي رواية اليعقوبي 2 / 124 وابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم 12 / 237 قال له عمر: (ما عندك يا سَلَحَ العُقاب) والسلح التّغوّط وهو خاصّ بالطائر وكان زياد يلبس ثياباً بيضا.) وصاح أبو عثمان النَّهدي صيحة تحكي صيحة عمر.

              قال الراوي: لقد كدت أن يُغشى عليّ لصيحته.

              فقال المغيرة: يا زياد أُذَكّرك اللّه وأُذَكّرك موقف القيامة، فإنّ اللّه وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي إلى أن تتجاوزه إلى ما لم تر.

              فقال زياد: يا أمير المؤمنين أما أن اُحقّ ما حقّ القوم فليس عندي، ولكنّي رأيت مجلساً قبيحاً، وسمعت نفساً حثيثاً وانبهاراً، ورأيته مُتَبَطّنها فقال عمر: أرأيته يُدخل ويُخرج كالميل في المكْحَلَة؟ قال: لا! قال أبو الفرج: وروى كثير من الرواة أنّه قال: رأيته رافعاً برجليها ورأيت خصيصته مُترَدّدين بين فخذيها وسمعت حفزاً شديداً وسمعت نفساً عالياً.
              فقال عمر: أرأيته يُدْخِله ويُخرجه كالميل في المكحلة؟ قال: لا.
              فقال عمر: اللّه أكبر، قم يا مغيرة إليهم فاضربهم، فجاء المغيرة إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين! وروى قوم أن الضارب لهم الحدّ لم يكن المغيرة. وأعجب عمر قول زياد ودرأ الحدّ عن المغيرة)) انتهى.
              وفي رواية الحاكم في المستدرك والذَّهبي في تلخيصه 3 / 448: ((فكبّر عمر وفرح إذ نجا المغيرة وضرب كلّهم إلاّ زياداً))، وفي فتوح البلدان: ((فقال شِبل: أتَجْلِدُ شُهُودَ الحقّ وتُبْطِلُ الحدَّ؟)) فلمّا جُلد أبو بكرة قال: أشهد أنّ المغيرة زان، فقال عمر:
              حُدّوه، فقال عليّ: إن جعلتها شهادة فارجم صاحبك. وقريب من هذا ما ذكره في الكنز ومنتخبه، واليعقوبي في تاريخه من موقف علي.
              وذكر في الاغاني وشرح النهج: ((فقال أبو بكرة بعد أن ضُرِب: أشهد أنّ المغيرة فعل كذا وكذا، فهمّ عمر بضربه فقال له علي7: إن ضربته رَجَمْت صاحبك ونهاه)).
              قال أبو الفرج: ((يعني إن ضربه تصير شهادته شهادتين فيوجب بذلك الرجم على المغيرة قال: فاستتاب عمر أبا بكرة فقال: إنما تستتيبني لتقبل شهادتي؟
              قال: أجل، قال: فإنّي لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا، قال: فلمّا ضربوا الحدّ قال المغيرة: اللّه أكبر الحمد للّه الذي أخزاكم، فقال عمر: أُسكت! أخزى اللّه مكاناً رأوك فيه، قال: وأقام أبو بكرة على قوله وكان يقول: واللّه لا أنسى فَخِذَيها. فتاب
              الاثنان فَقُبلت شهادتهما، وكان أبو بكرة إذا طُلِبَ إلى شهادة قال: أُطلُبُوا غيري فإنّ زياداً أفسد عليّ شهادتي)).
              وذكر بقاء أبي بكرة على رأيه وتوبة الاثنين الاخرين ابن عبد البرّ في ترجمة أبي بكرة. وروى في الاغاني وفي شرح النهج عن الشعبي قال: كانت الرَّقْطاء التي رُمي بها المغيرة تختلف إليه في أيام إمارته الكوفة في حوائجها فيقضيها لها. قال أبو الفرج: وحجّ عمر بعد ذلك مرّة فوافق الرَّقطاء بالموسم فرآها، وكان المغيرة هناك فقال له عمر: أتعرف هذه؟ قال: نعم هذه اُمّ كلثوم بنت عليّ. فقال له: ويحك أتتجاهل عليّ؟ واللّه ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلاّ خِفْتُ أن أُرمى بحجارة من السماء(وفي رواية اليعقوبي 2 / 124: (وكان عمر إذا رأى المغيرة بن شعبة قال: يا مغيرة ما رأيتك قط‍ إلاّخشيت أن يرجمني اللّه بالحجارة).).


              تعليق


              • #82

                فقال حسّان بن ثابت يهجو المغيرة ويذكر هذه القصّة:

                لَو أنَّ اللُّؤمَ يُنْسَبُ كانَ عَبْداً

                قبيح الوجه أعورَ من ثَقيف

                تركت الدين والا سلام لمّا

                بَدَت لك غُدْوَة ذاتُ النَّصيف(ذات النصيف: ذات الخمار.)

                وراجعت الصّبا وذَكَرت لَهواً

                مع القينات في العمر اللطيف

                انتهت رواية الاغاني وابن أبي الحديد.

                وروى البلاذري في ص 343 من فتوح البلدان: أن الخليفة عمر بن الخطّاب لمّا أراد أن يُوَلّيه الكوفة ـ بعد هذه الواقعة ـ قال له: إن وَلَّيْتُكَ الكوفة أتعودُ إلى شي‌ء ممّا قُرِفْتَ به؟ قال: لا.

                وممّن أشار إلى زنا المغيرة؛ الحموي في 1 / 642 من معجم البلدان، والمستدرك 3 / 449، والوفيات 2 / 455 و 5 / 406، وابن كثير 7 / 281.

                مناقشة السند:

                في سند الحديث محمّد وطلحة والمهلَّب. وسبق الحديث عنهم في فصل استلحاق زياد. وورد ذكر عمرو، فمن هو عمرو هذا؟ هل هو عمرو بن زيان أو الرَّيان الذي يروي عنه سيف في الطبري ستة أحاديث، قال بترجمته في ميزان الاعتدال: (شيخ لسيف، لا شي‌ء) أم تخيّله سيف غير هذا؟ لا ندري!

                نتيجة المقارنة:

                زعم سيف أن أبا بكرة وأخويه وشِبلاً كانوا جالسين في مشربة مقابل دار المغيرة وعندما هبّت الريح وانفتح باب الكُوَّتين أبصروا المغيرة ينكح امرأة وهو في داره، وأن اُمّ جميل كانت غاشية تغشى المغيرة، وأنهم رأوا أعجازاً ولم يروا الوجه، وأنهم صمَّموا حين قاموا، وأن المغيرة طلب من عمر أن يسألهم كيف رأوه؟ مستقبلاً أم مستدبراً؟ وكيف استحلّوا النظر إلى داره وهو ينكح زوجته التي كانت تُشبِهُ اُمَّ جميل؟ ثم يذكر اختلاف الشهود في كيفية رؤيتهم لهما وأن عمر قال للمغيرة:
                لو تمَّت الشهادة لرجمتك. بينما صرَّح الرواة بأن المغيرة كان يختلف سرّاً إلى أُمّ جميل ولم تكن هي التي تأتيه إلى داره وأنهم رأوا المغيرة في دار اُم جميل ينكحها ولم يذكر أحد أنها كانت غاشية له، ولا ذكر أحد سؤال المغيرة من الشهود واختلافهم في جوابه، إلى غير ذلك مما أوردنا تفصيله. غير أن (سيفاً) لمّا أراد الدفاع عن المغيرة الامير اختلق كل ذلك، وأخرجه الطبري في تاريخه، ورواه رواته فشاع وذاع!!!.


                موافقات
                1-" بعض ما روي من قصة زنا المغيرة بن شعبة الثقفي " "منهم" الطبري في تاريخه الكبير "ج 4 ص 207" في حوادث سنة "17" قال بعد نقله زنا المغيرة ما هذا نصه: و ارتحل المغيرة و أبو بكرة، و نافع بن كلدة، و زياد، و شبل بن معبد البجلي، حتى قدموا على عمر، فجمع بينهم، و بين المغيرة فقال المغيرة: سل هؤلاء الاعبد كيف رأوني مستقبلهم، أو مستدبرهم، و كيف رأوا المرأة أو عرفوها فان كانوا مستقبلي فكيف لم استتر، أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر الي في منزلي على إمرأتي، و الله ما أتيت الا إمرأتي، و كانت شبهها فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل و هو يدخله و يخرجه كالميل في المكحلة، قال: كيف رأيتها؟ قال مستدبرهما، قال فكيف استثبت رأسها؟ قال: تحاملت، ثم دعا بشبل بن مبعد فشهد بمثل ذلك فقا استدبرتهما أو استقبلتهما؟ قال: استقبلتهما، و شهد نافع بمثل شهادة ابي بكرة، و لم يشهد زياد بمثل شهادتهم، قال: رأيته جالسا بين رجلي إمرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، و أستين مكشوفتين، و سمعت خفزانا شديدا، قال: هل رأيت كالميل في المكحلة قال: لا، قال: فهل تعرف المرأة؟ قال: لا و لكن أشبهها، قال فتنح، و أمر بالثلاثة فجلدوا الحد ثم قرأ الآية المباركة، فقال المغيرة اشفني من الاعبد، فقال أسكت أسكت الله نأمتك الخ.
                2- و إليك ما ذكره في الكامل "ج 2 ص 209" قال "في قضية المغيرة": كان بين المغيرة بن شعبة و بين ابي بكرة مجاورة و كانا في مشربتين في كل واحدة منهما كوة مقابلة للاخرى، فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح فتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليسده فبصر بالمغيرة و قد فتحت الريح باب كوة مشربته و هو بين رجلي إمرأة، فقال للنفر: قوموا فانظروا فقاموا فنظروا، و هم أبو بكرة و نافع بن كلدة و زياد ابن أبيه و هو أخو أبي بكرة لامه، و شبل بن معبد البجلي، فقال لهم اشهدوا قالوا: و من هذه؟ قال: أم جميل بن الا فقم، كانت من بني عامر بن صعصعة، و كانت تغشى المغيرة و الامراء، و كان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها، فلما قامت عرفوها، فلما خرج المغيرة إلى الصلاة منعه أبو بكرة، و كتب إلى عمر "قصته" فبعث عمر أبا موسى أميرا على البصرة.
                3- فعليك بالتأمل في كلام أبي الفداء في تاريخه "ج 1 ص 171" قال: و في سنة سبع عشرة من الهجرة اختطت الكوفة، و تحول سعد إليها و اعتمر عمر و اقام بمكة عشرين ليلة، و وسع المسجد الحرام، و هدم منازل قوم أبوا أن يبيعوها، و جعل أثمانها في بيت المال، و في هذه السنة كانت واقعة المغيرة بن شعبة، و هي أن المغيرة كان عمر قد ولاه البصرة، و كان في قبالة العلية التي فيها المغيرة بن شعبة علية فيها أربعة و هو أبو بكرة مولى الني صلى الله عليه "و آله" و سلم، و أخوه لامه زياد ابن أبيه، و نافع ابن كلدة، و شبل بن معبد، فرفعت الريح الكوة عن العلية فنظروا إلى المغيرة و هو على أم جميل بنت الارقم بن عامر بن صعصعة، و كانت تغشى المغيرة فكتبوا إلى عمر بذلك فعزل المغيرة و استقدمه مع الشهود و ولى البصرة أبا موسى الاشعري فلما قدم إلى عمر شهد أبو بكرة و نافع و شبل على المغيرة بالزنا "و كانت شهاداتهم موافقة" و أما زياد ابن أبيه فلم يفصح شهادة الزنا، و كان عمر قد قال قبل ان يشهد أرى رجلا ارجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله، فقال زياد: رأيته جالسا بين رجلي إمرأة و رأيت رجلين مرفوعتين كاذني حمار و نفسا يعلوا و استا تنبو عن ذكر و لا أعرف ما وراء ذلك، فقال عمر: هل رأيت المبل في المكحلة؟ قال: لا، فقال: هل تعرف المرة؟ قال: لا و لكن أشبهها فامر عمر بالثلاثة الذين شهدوا بالزنا أن يحدوا حد القذف فجلدوا و كان زياد أخا ابي بكرة لامه فلم يكلمه أبو بكرة بعدها.
                4- و قد خرج القضيه ابن كثير في البداية و النهاية "ج 7 ص 81 ص 82" مفصلا و هذا نصه: قال: و في هذه السنة "أي سنة سبع عشرة" ولي عمر أبا موسى الاشعري البصرة و أمر أن يشخص اليه المغيرة بن شعبة في ربيع الاول فشهد عليه فما حدثني معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، أبو بكرة و شبل بن معبد البجلي، و نافع بن عبيد، و زياد، ثم ذكر الواقدي وسيف هذه القصة، و ملخصها: إن إمرأة كان يقال لها ام جميل بنت الا فقم من نساء بني عامر بن صعصعة، و يقال من نساء بني هلال و كان زوجها من ثقيف قد توفي عنها، و كانت تغشى نساء الامراء و الاشراف، و كانت تدخل على بيت المغيرة بن شعبة و هو أمير البصرة، و كانت دار المغيرة تجاه دار أبي بكرة و كان بينهما الطريق، و في دار ابي بكرة كوة تشرف على كوة دار المغيرة، فبينما أبو بكرة في داره و عنده جماعة يتحدثون في العلية إذ فتحت الريح باب الكوة فقام أبو بكرة لغلقها، فإذا كوة المغيرة مفتوحة و إذا هو على صدر إمرأة و بين رجليها و هو يجامعها، فقال أبو بكرة لاصحابه: تعالوا فانظروا إلى أميركم يزني بام جميل، فقاموا فنظروا اليه و هو يجامع تلك المرأة، فقالوا لابي بكرة و من أين فلت إنها ام جميل و كان رأسها من الجانب الآخر؟ فقال: انتظروا فلما فرغا قامت المرأة فقال أبو بكرة: هذه أم جميل فعرفوها فيما يظنون، فلما خرج المغيرة و قد اغتسل ليصلي بالناس منعه أبو بكرة أن يتقدم، و كتبوا إلى عمر في ذلك، فولى عمر أبا موسى الاشعري أميرا على البصرة و عزل المغيرة فسار إلى البصرة فنزل البرد، فقال المغيرة: و الله ما جاء أبو موسى تاجرا و لا زائرا و لا جاء إلا اميرا.
                5- أسد الغبة "ج 5 ص 151" قال: و كان أبو بكرة من فضلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه "و آله" و سلم و هو الذي شهد على المغيرة بن شعبة و جلده عمر حد القذف و أبطل شهادته، و كذلك شبل بن معبد البجلي، و كان من الصحابة و هو اخو ابي بكرة لامه و هم أربعة اخوة لام واحدة اسمها سمية و هم الذبن شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا.
                قال ابن الاثير في أسد الغابة "ج 2 ص 385" روى أبو عثمان النهدي قال: شهد أبو بكرة و نافع يعني ابن علقمة و شبل بن معبد على المغبرة أنهم نظروا إليه كما ينظر إلى المرود في المكحلة فجاء زياد فقال عمر: جاء رجل لا يشهد إلا بحق فقال: رأيت مجلسا قبيحا و نهزا فجلدهم عمر.

                6- خرج علي المتقي الحنفي رواية أبي عثمان في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش "ج 2 ص 413" من مسند احمد بن حنبل و خرج قبله القصة من البيهقي بسنده عن بسامة بن زهير، قال: لما كان من شأن أبي بكزة و المغيرة الذي كان و دعا الشهود فشهد أبو بكرة و شهد "شبل" بن معبد، و نافع بن عبد الحرث، فشق على عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة، فلما قام زياد "للشهادة" قال عمر: إني أرى غلاما كيسا لن يشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد: أما الزنا قلا أشهد به، و لكن قد رأيت أمرا قبيحا، قال عمر: الله اكبر حد و هم فجلدوهم، فقال أبو بكرة "ثانيا": أشهد أنه زان، فهم عمر أن يعيد عليه الحد، فنهاه علي "عليه السلام" و قال: إن جلدته فارجم صاحبك فتركه و لم يجلده "هق".
                "قال المؤلف": تأمل دقيقا حتى تعرف الحقيقة و تعرف سبب ترك زياد الشهادة و هو كان يعرف ذلك كما يعلم ذلك من حديث ابن كثير و أبي الفداء المتقدمين و غيرهما، فسبب زياد ان الصحابة الفضلاء على قول ابن الاثير حدوا حد القذف، و هذه القضيه من الموارد التي راجع فيها عمر بن الخطاب في حكمه إلى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام.
                7- " بعض علماء أهل السنة الذين ذكروا زنا المغيرة ابن شعبة بالترديد و التحقيق و اعتراض السيد المرتضى و جواب قاضي القضاة " "قال المؤلف" ذكر القصة جمع كثير من علماء أهل السنة و الامامية عليهم الرحمة و قد ذكرنا القصة برواية علي المتقي الحنفي، و ابن الاثير الشافعي و ابن كثير الشافعي، و أبي الفداء، و ابن الاثير الجزري الشافعي في تاريخ الكامل، و ابن جرير الطبري في تأريخه الكبير، و الفاظ الجميع فيها اختلاف و فيها ما ليس في غيرها و الكل لم يذكروا القصة بكاملها بل زادوا و تقصوا و حرفوا و غيروا، و لكل منهم نظرة خاصة، و نظرة مشتركة، و باعمال ذلك سبب غموض القصة، و عدم معرفة القصة بوضوح و لم يذكر القصة بالتفصيل ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة و غير السيد الحجة "في الحجة على الذاهب" فعليه نكتفي بما ذكرناه من المختصرين للقصة، و نذكر إن شاء الله بعض ما ذكره ابن ابي الحديد ثم نذكر بعض ما ذكره السيد في "الحجة على الذاهب".
                أغلب المؤرخين و المحدثين ذكروا القصة بعنوان الوقايع في سنة "17" و قد خرج ابن ابي الحديد الشافعي المتوفى سنة 655 القصة في "ج 12 ص 237 ط 2" تحت عنوان خاص و هو "مطاعن الخليفة الثاني"، و قال: "الطعن السادس" أنه "أي عمر بن الخطاب" عطل حد الله في المغيرة بن شعبة لما شهد "شهدوا" عليه بالزنا.

                تعليق


                • #83
                  ولعلي أنقل لك عددا من كلام العلماء للفائدة.
                  إرواء الغليل - محمد ناصر الألباني ج 8 ص 28:
                  . 2361 - (أثر " أن عمر رضى الله عنه لما شهد عنده أبو بكرة، ونافع وشبل بن معبد، على المغيرة بن شعبة بالزنى حدهم حد القذف، لما تخلف الرابع زياد فلم يشهد ".
                  صحيح.
                  أخرجه الطحاوي (2/ 286 - 287) من طريق السري بن يحيى قال: ثنا عبد الكريم بن رشيد عن أبى عثمان النهدي قال: " جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه فشهد على المغيرة بن شعبة فتغير لون عمر، ثم جاء آخر. فشهد فتغير لون عمر، ثم جاء آخر فشهد، فتغير لون عمر، حتى عرفنا ذلك فيه، وأنكر لذلك، وجاء آخر يحرك بيديه، فقال: ما عندك يا سلخ العقاب، وصاح أبو عثمان صيحة تشبهها صيحة عمر، حتى كربت أن يغشى على، قال: رأيت أمرا قبيحا، قال الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، فأمر بأولئك النفر فجلدوا ".
                  قلت: وإسناده صحيح، ورجاله ثقات غير ابن رشيد وهو صدوق. وقد توبع، فقال ابن أبى شيبة (11/ 85 / 1): نا ابن علية عن التيمى عن أبى عثمان قال: " لما شهد أبو بكرة وصاحباه على المغيرة جاء زياد، فقال له عمر: رجل لن يشهد إن شاء الله إلا بحق، قال: رأيت انبهارا، ومجلسا سيئا، فقال عمر: هل رأيت المرود دخل المكحلة؟ قال: لا، قال: فأمر بهم فجلدوا ".
                  قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
                  وله طرق أخرى، منها عن قسامة بن زهير قال: " لما كان من شأن أبي بكرة والمغيرة الذي كان - وذكر الحديث - قال: فدعا الشهود، فشهد أبو بكرة، وشبل بن معبد، وأبو عبد الله نافع، فقال عمر حين شهد هؤلاء الثلاثة: شق على عمر شأنه، فلما قدم زياد قال: إن تشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد: أما الزنا فلا أشهد به، ولكن قد رأيت أمرا قبيحا، قال عمر: الله أكبر، حدوهم، فجلدوهم، قال: فقال أبو بكرة بعدما ضربه: أشهد أنه زان، فهم عمر رضى الله عنه أن يعيد عليه الجلد، فنهاه على رضى الله عنه وقال: إن جلدته فارجم صاحبك، فتركه ولم يجلده ".
                  أخرجه ابن أبي شيبة وعنه البيهقى (8/ 334 - 335).
                  قلت: وإسناده صحيح. ثم أخرج من طريق عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى بكرة، فذكر قصة المغيرة قال: " فقدمنا على عمر رضى الله عنه، فشهد أبو بكرة ونافع، وشبل بن معبد، فلما دعا زيادا قال: رأيت منكرا، فكبر عمر رضى الله عنه ودعا بأبي بكرة، وصاحبيه، فضربهم، قال: فقال أبو بكرة يعنى بعدما حده: والله إني لصادق، وهو فعل ما شهد به، فهم بضربه، فقال على: لئن ضربت هذا فارجم هذا ". وإسناده صحيح أيضا.
                  وعيينة بن عبد الرحمن هو ابن جوشن الغطفاني وهو ثقة كأبيه. ثم ذكره معلقا عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبى بكرة أن أبا بكرة و. . . فذكره نحوه وفي آخره: " فقال على: إن كانت شهادة أبى بكرة شهادة رجلين فارجم صاحبك وإلا فقد جلدتموه. يعني لا يجلد ثانيا بإعادته القذف ".
                  وله طريق أخرى عن عبد العزيز بن أبي بكرة فذكر القصة نحو ما تقدم وفيها زيادات غريبة. أخرجه الحاكم (3/ 448 - 449) وسكت عليه هو والذهبي. قلت: وفي إسناده محمد بن نافع الكرابيسى البصري قال ابن أبي حاتم:. " ضعيف ".
                  فالرجم ثابت في القرآن، وما ثبت في صحيح البخاري (6812) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين رجم شراحة بنت مالك الهمدانية في خلافته وقال: رجمتها بسنة رسول الله صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، لا ينافي ذلك ; لأن السنة هي التي بينت أن حكم آية الرجم باق بعد نسخ تلاوتها فصار حكمها من هذه الجهة، فإنه ثابت بالسنة.


                  الصحابي الجليل " المغيرة بن شعبة " هو أحد أصحاب " بيعة الرضوان " الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، والذين أثنى الله عليهم بالخير ، وأخبر أنه رضي عنهم ، قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً . وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا . وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) الفتح/18 ، 19 .
                  قال ابن كثير – رحمه الله - :
                  " يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، وقد تقدم ذكر عدتهم ، وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة ، وأن الشجرة كانت سمرة بأرض " الحديبية " .
                  وقوله : ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) أي : من الصدق ، والوفاء ، والسمع ، والطاعة .
                  ( فَأَنزلَ السَّكِينَةَ ) : وهي الطمأنينة ، ( عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) : وهو ما أجرى الله على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم ، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر ، وفتح مكة ، ثم فتح سائر البلاد ، والأقاليم عليهم ، وما حصل لهم من العز ، والنصر ، والرفعة في الدنيا ، والآخرة ، ولهذا قال : ( وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) " انتهى .
                  " تفسير ابن كثير " (7/339 ، 340 ) .
                  وقد أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وشهد لهم بالخيرية ، وأخبر أنهم من أهل الجنة :
                  أ. عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ : ( أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ ) رواه البخاري ( 2923 ) ومسلم ( 1856 ) .
                  قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " هذا صريح في فضل " أصحاب الشجرة " ، فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعةٌ بمكة ، وبالمدينة ، وبغيرهما " انتهى .
                  " فتح الباري " ( 7 / 443 ) .
                  ب. عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو حَاطِبًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَذَبْتَ ، لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ ) رواه مسلم ( 2495 ) .
                  ج. عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال : أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ : ( لَا يَدْخُلُ النَّارَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا . قَالَتْ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَانْتَهَرَهَا ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) رواه مسلم ( 2496 ) .
                  قال النووي – رحمه الله - : " قال العلماء : معناه : لا يدخلها أحدٌ منهم قطعاً ، كما صرح به في الحديث الذي قبله - حديث حاطب - وإنما قال : ( إن شاء الله ) للتبرك لا للشك ، وأما قول حفصة بلى ، وانتهار النبي صلى الله عليه و سلم لها ... فيه دليل للمناظرة ، والاعتراض والجواب ، على وجه الاسترشاد ، وهو مقصود حفصة ؛ لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه و سلم .
                  والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط ، وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون " انتهى .
                  " شرح مسلم " ( 16 / 58 ) .
                  وقد أسلم " المغيرة بن شعبة " رضي الله عنه عام الخندق ، وأول مشاهده : الحديبية ، ثم شهد اليمامة ، وفتوح الشام ، والقادسية ، ونهاوند ، وهمدان ، وغيرها .
                  قال عنه الحافظ الذهبي – رحمه الله - : " من كبار الصحابة ، أولي الشجاعة والمكيدة ، شهد بيعة الرضوان ، كان رجلا طِوالاً ، مهيبا ، ذهبت عينه يوم اليرموك ، وقيل : يوم القادسية " انتهى .
                  "سير أعلام النبلاء" (3/21) .
                  وما جاء في روايات عدة من شهادةٍ عليه رضي الله عنه بالزنا : لم يثبت نصاب الشهادة فيها ، ولا يمكن لأحدٍ أن يتهمه رضي الله عنه بتلك الفاحشة البغيضة من غير اعتراف ، أو شهادة أربعة رجال ، وكلا الأمرين معدوم ، وقد جلد عمر رضي الله عنه الثلاثة الذين اتهموه بالزنا ؛ لعدم اكتمال نصاب الشهادة ، بعد تردد الرابع ، وعدم شهادته ، ولم يصنع شيئاً مع المغيرة لعدم ثبوت أصل الواقعة شرعاً .
                  وأما بخصوص المروي في وصف فعله رضي الله مع تلك المرأة : فالجواب عنه من وجوه :
                  1. سقوط ذلك كله شرعاً ، وعدم ثبوت شيء منه ؛ لتخلف نصاب الشهادة .
                  2. أن كثيراً من تلك الروايات لم تصح أصلاً من حيث إسنادها .
                  3. أن ذلك الأمر الذي حصل – إن جزمنا بحصوله واقعاً ، وهو ما سبب إشكالاً عند كثيرين – لم يكن مع امرأة أجنبية ، بل كان مع زوجةٍ من نسائه تشبه تلك التي ادُّعي عليها فعل الفاحشة مع ذلك الصحابي الجليل.
                  قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - : " يظهر لنا في هذه القصة أن المرأة التي رأوا المغيرة رضي الله عنه مخالطاً لها عندما فتحت الريح الباب عنهما : هي زوجته ، ولا يعرفونها ، وهي تشبه امرأة أخرى أجنبية كانوا يعرفونها تدخل على المغيرة وغيره من الأمراء ، فظنوا أنها هي ، فهم لم يقصدوا باطلاً ، ولكن ظنهم أخطأ ، وهو لم يقترف - إن شاء الله - فاحشة ؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم فيهم الوازع الديني الزاجر عما لا ينبغي في أغلب الأحوال ، والعلم عند الله تعالى " انتهى .
                  "مذكرة في أصول الفقه" (ص 152) .
                  4. وأمر آخر يخص الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة ، وهو أنه كثير الزواج ، فأي حاجة ليفعل الحرام ، وهو يجد من الحلال الكثير ؟! .
                  قال الذهبي – رحمه الله - : " عن المغيرة بن شعبة قال : لقد تزوجت سبعين امرأة ، أو أكثر .
                  أبو إسحاق الطالقاني : حدثنا ابن المبارك قال : كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة ، قال : فصفهن بين يديه ، وقال : أنتن حسَنات الأخلاق ، طويلات الأعناق ، ولكني رجل مطلاق ، فأنتن الطلاق .
                  ابن وهب : حدثنا مالك قال : كان المغيرة نكَّاحا للنساء ، ويقول : صاحب الواحدة إن مرضت مرض ، وإن حاضت حاض ، وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان ، وكان ينكح أربعا جميعاً ، ويطلقهن جميعاً " انتهى.
                  " سير أعلام النبلاء " ( 3 / 31 ) .
                  5. ومعروف غيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على حرمات الله ، وقوته في دينه ، ومعروف ـ أيضا ـ تشدده مع ولاته ، وقد ولَّى المغيرةَ بعد تلك الحادثة إمرة " الكوفة " ! ولو أنه ثبت عنده شبهة تلك المعصية فلعله لا يوليه ولاية قط ، وهذا يعني اقتناع عمر بعدم حصول تلك الواقعة أصلاً ، أو اقتناعه بأنها كانت زوجته ، ولعل الثاني هذا هو الأقرب .
                  فإجماله أن عمر بن الخطاب كان قد ولّى المغيرة بن شعبة البصرة، وكان المغيرة في إحدى بيوت زوجاته وكان مقابلا لبيت أبي بكرة الصحابي، وكان للبيتين مشربتان متقابلتان وفي كل واحدة منهما كوة تواجه الأخرى، فاجتمع ذات يوم نفر إلى أبي بكرة يتحدثون في مشربته، فهبّت ريح ففتحت باب الكوة، فقام أبو بكرة ليغلقه وإذا به يرى المغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربة ذلك البيت أيضا وهو بين رجلي امرأة حال الجماع! فقال للنفر الذين عنده: ”قوموا فانظروا“ فقاموا فنظروا وتأكدوا من فعل المغيرة. ثم قال لهم: ”اشهدوا“ فسألوه: من هذه؟ فقال لهم وقد ظنها: أم جميل ابنة الأفقم، وكانت أم جميل هذه زانية معروفة تغشى الأمراء والولاة ويغشونها، فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال: ”لا تصل بنا“ وكتب إلى عمر يبلغه بالحادثة.
                  فأرسل عمر أبا موسى الأشعري محل المغيرة واستدعى المغيرة والشهود الذين كانوا حاضرين عند أبي بكرة، وهم بالإضافة إليه شبل بن معبد البجلي ونافع بن كلدة وزياد بن أبيه، فلما وصلوا المدينة استدعاهم عمر إلى مجلس الحكم وسأل أبا بكرة: ”كيف رأيته“؟ فقال: ”إني رأيته بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة“ فتغيّر وجه عمر واضطرب لأنه لا يريد إقامة الحد على صاحبه المغيرة ورجمه، ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك وشهد نافع بمثل ذلك, ولمّا جاءت النوبة إلى زياد ليشهد علم بأن عمر يكره رجم المغيرة، خاصة أن عمر عندما استدعاه قال له: ”أرى رجلاً أرجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله“! وهي عبارة تُظهر الانزعاج الواضح من عمر لشهادة الشهود الثلاثة على المغيرة بالزنا، ولم تبقَ أية فرصة لإنقاذ المغيرة من الموت المحقق سوى شهادة الشاهد الرابع وهو زياد، فتفطّن زياد إلى ذلك فقال في شهادته: ”رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان واستين مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا“! فقال عمر: ”هل رأيت الميل في المكحلة“؟ قال: ”لا“! فقال عمر: ”الله أكبر“! وأنقذ المغيرة من الرجم ثم إنه أمر بالشهود الثلاثة فجُلدوا! فلما جلدوا أبا بكرة قال: ”أشهد أنّ المغيرة زان“! فقال عمر: ”حدّوه“ أي أقيموا عليه الحد ثانية. وعندها تدخّل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وقال لعمر: ”إن جعلتها شهادة فارجم صاحبك“ فامتنعوا عن ذلك! (راجع تاريخ الطبري ج3 ص170 والبداية والنهاية لابن كثير ج7 ص94 والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ج14 ص328 ووفيات الأعيان لابن خلكان ج2 ص455 ومصادر عديدة أخرى).
                  وهذه الحكاية والتي تطعن في سيرة أحد صحابة رسول الله، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والتي ندافع عن صحتها نحن أهل السنة ونرويها في كل كتبنا، لا نريد منها الا أن نثبت أن حد زنا المحصن في الإسلام هو الرجم.

                  تعليق


                  • #84

                    الفصل الأخير
                    جريمة الزنا هي من أقذر الجرائم، وقد أنكرها كل دين، بل وأنكرها العقلاء من الناس؛ وذلك لما فيها من عدوان على حقوق الأزواج، ومن اختلاط للأنساب، وحل لروابط الأسرة، وقتل لما في قلوب الآباء من عطف وحنان على الأولاد إذا شكوا في كون هؤلاء الأولاد منهم.
                    فالإسلام حارب هذه الجريمة البشعة بهذه العقوبة الرادعة: الرجم للمحصن، والجلد مع التغريب لمدة سنة لغير المحصن، قال الله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور:2].
                    وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) رواه مسلم في صحيحه (1690) وأحمد بن حنبل في مسنده (22666) وأبو داود (4416)، والترمذي (1434)، وابن ماجه (2550)، وابن حبان (4425)، وغيرهم بالأسانيد المشهورة التي حفظها العلماء جيلا بعد جيل.
                    ومعنى الحديث أنه إذا زنى رجل بامرأة وهما بكران أي: لم يتزوجا من قبل فعقوبتهما جلد مائة، وتغريب عام من ذلك البلد الذي زنيا فيه، وإذا كانا ثيبين أي: سبق أن تزوجا فعقوبتهما جلد مائة ثم الرجم.
                    هذا وليعلم أن النظام الإسلامي كل متكامل لا تفهم جزئياته إلا في نسق واحد، فالإسلام قد حرم النظر إلى النساء الأجنبيات، ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور:30-31].
                    وأمر الله النساء ألا يُظهرن الزينة إلا للأزواج أو الأقارب الذين لا يخُشى منهم فتنة، ﴿ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور:31].
                    ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يختلي رجل بامرأة، ففي الصحيحين عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)).

                    وحرَّم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمس الرجل امرأة لا تحل له، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لأن يُطعن في رأس رجل بِمخْيَط [إبرة] من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)). رواه الطبراني في الكبير (486)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045).
                    والإسلام حض الرجال على إخراج هذه الشهوة بالزواج، قال الله تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور:32-33].
                    ورخّص الله للرجل أن يتزوج بامرأة واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع بشرط أن يملك النفقة عليهن، ويستطيع العدل بينهن، قال الله: ﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء:3].
                    وحث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على عدم المغالاة في المهور، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((خير النكاح أيسره)). رواه أبوداود (2117)، وصححه الألباني.
                    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) رواه الترمذي (1084)، وصححه الألباني.
                    وهذه الجريمة لا تحصل في المجتمع المسلم الذي تسوده الفضيلة إلا بعد تدبير عظيم من كلا الطرفين يدل على إجرامهما وفسادهما.
                    وقد وضعت الشريعة شروطاً من الصعب جداً توافرها قبل إيقاع العقوبة، فإن لم تتوافر هذه الشروط مجتمعة لا يقام الحد على صاحب الجريمة جلداً كان أو رجماً، فهذه الجريمة لا تثبت إلا بشهادة أربعة شهود عدول يشهدون عند القاضي أنهم رأوا الرجل والمرأة يزنيان، قال الله تعالى: ﴿ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النور:13].
                    وقد فرضت الشريعة عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف رجلاً عفيفاً أو امرأة عفيفة بالزنا ثم لم يأت بأربعة شهداء، قال الله: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور:4].
                    حتى لو شهد ثلاثة على رجل أو امرأة بالزنا، وذكروا أنهم رأوا منهما الزنا بلا خفاء، فإن هؤلاء الشهود الثلاثة يجلدون، ويَسلم الرجل والمرأة من حد الزنا؛ لكون الشهود لم يكونوا أربعة!
                    وقد قرر الفقهاء أنَّ الزاني إذا تاب قبل القدرة عليه، فإن التوبة تُسْقِط عنه الحد، وإذا رجع عن إقراره وكذَّب نفسه لم يُقم عليه الحد، وإذا اختلف الشهود في وصف الحادثة يسقط الحد عن المتهمين بالزنا ويجلد الشهود حد القذف!! بل لو أقر رجل بأنه زنى بامرأة وسمّاها، فإنه يُقام الحد عليه وحده، ولا يقام على تلك المرأة إلا إذا أقرت!
                    ومن القواعد الشرعية المعروفة: «ادرءوا الحدود بالشبهات»، فأي شبهة فإنها تكون في صالح المتهم، ويجب على القاضي أن يسقط الحد عن الرجل أو المرأة بأدنى شبهة.
                    وقد رغَّبت الشريعة الإسلامية في الستر على عورات المسلمين، وإمساك الألسنة عن ذكر الفاحشة إن وقعت، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور:19].
                    وحين أقر ماعز الأسلمي رضي الله عنه بالزنا لم يستعجل النبي صلى الله عليه وسلم في رجمه، بل حرص على أن يجد أي مسوغ لمنع إقامة الحد عليه، وعاتب الرجل الذي حثه على الإقرار وتمنى أنه ستره، فعن نعيم بن هزال رضي الله عنهما عن أبيه ((أنَّ ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه، وقال لهزال: لو سترته بثوبك كان خيراً لك)). رواه أبوداود (4377)، وهو في السلسلة الصحيحة (3460).
                    فهل بعد هذا كله يُقال: إنَّ جلد الزاني غير المحصن، ورجم الزاني المحصن يُنافي رحمة الشريعة وحكمتها؟!
                    ماذا يبقى للإنسان من آدميته وكرامته إذا تُركت هذه الفاحشة يُعلن بها أمراض القلوب من غير استحياء، ثم لا يمنعهم أحد من هذه الفاحشة؟! إن من يتجرأ على هذه الفعلة الشنيعة، ثم افتضح حاله حتى يراه هذا العدد في ذلك الوضع؛ لهو إنسان مفسد ضال مضل، ولو لم يتم بتره أو تربيته فإنه يشكل خطراً عظيماً على المجتمع كله.
                    ووضعت الشريعة عقوبة الرجم للزاني المحصن على نفس الأساس الذي وضعت عليه عقوبة الجلد للزاني غير المحصن، ولكن شددت عقوبة المحصن للإحصان؛ لأن الإحصان يصرف الشخص عادة عن التفكير في الزنا، فإن فكر فيه بعد ذلك فإنما يدل ذلك على قوة اشتهائه للَّذة المحرمة، وشدة اندفاعه لهذه الجريمة البشعة، فناسب أن توضع له عقوبة غليظة جداً بحيث إذا فكر في هذه اللذة المحرمة، وذكر معها العقوبة التي يستحقها شرعاً؛ تغلب التفكير في الألم الذي يصيبه من العقوبة على التفكير في اللذة التي يصيبها من الجريمة.
                    إن الزاني المحصن مثَلٌ سيء لغيره من المحصنين، وليس للمثل السيء في الشريعة حق البقاء، فإن بقاءه في المجتمع ضرر محض، وقتله رحمة بالمجتمع كما يقطع العضو المصاب بالسرطان رحمة بالبدن.

                    فالشريعة الإسلامية تقوم على الفضيلة المطلقة، وتحرص على الأخلاق والأعراض والأنساب من التلوث والاختلاط، وهي توجب على الإنسان أن يجاهد شهوته ولا يستجيب لها إلا من طريق الحلال، وأوجبت عليه إذا استطاع الزواج أن يتزوج حتى لا يُعرِّض نفسه للفتنة أو يُحَمِّلها ما لا تطيق، فإذا لم يتزوج وغلبته الشهوات على عقله ودينه وعزيمته فعقابه أن يجلد مائة جلدة، وشفيعه في عدم رجمه تأخيره في الزواج الذي أدى به إلى الجريمة.
                    أما إذا تزوج فأحصن فقد حرصت الشريعة ألا تجعل له بعد الإحصان سبيلاً إلى الجريمة، فلم تجعل الزواج أبدياً حتى لا يقع في الجريمة أحد الزوجين إذا فسد ما بينهما، فأباحت للزوج الطلاق، وأباحت للزوجة الخلع، وهو طلب الطلاق مقابل مال تعطيه زوجها، وأباحت كذلك للزوجة أن تطلب الفسخ لغيبة الزوج الطويلة أو مرضه أو إعساره أو لأي ضرر يلحقها في بقائها معه، وهكذا أباحت للزوج أن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة على أن يعدل بينهن.
                    وبهذا فتحت الشريعة للمحصن كل أبواب الحلال، وأغلقت دونه باب الحرام، فإذا زنى مع هذا فلا وجه لتخفيف العقوبة عنه، وموته خير له حتى لا يزداد إثماً إلى إثمه، وخير للمجتمع ليسلم من شره.
                    وأخيراً: كم عدد المرات التي أُقيم فيها حد الرجم؟!
                    أعداء الشريعة المنفرون من تطبيق الحدود يوهمون الناس أن الشريعة ما هي إلا مجرد تطبيق حد الجلد والرجم، مع أن المتتبع للتاريخ الإسلامي القديم والمعاصر لا يجد هذه العقوبة قد نفذت حال تنفيذ العقوبات إلا في أعداد محدودة جداً، فإن الشريعة ضيقت جداً في إثبات الزنا، فلم تجعله يثبت إلا بالإقرار أو بشهادة أربعة عدول يشهدون أنهم رأوا الرجل والمرأة يزنيان، حتى لو رأوهما مضطجعين على فراش واحد فإن هذا لا يثبت جريمة الزنا، فيعزران على فعلهما هذا، ولا يطبق عليهما حد الزنا إلا إذا اعترفا أو شهد الأربعة الشهود بالزنا الواضح الذي لا لبس فيه، وهذا من أصعب الأشياء، ولهذا لم يثبت حد الزنا على أحد بشهادة أربعة شهود من أول الإسلام إلى زماننا هذا إلا نادراً جداً، ويحصل بتشريع هذا الحد وتنفيذه الأمن والاستقرار للمجتمع، وإن لم تتوافر شروط إقامة الحد على أحد من الزناة.
                    قال المطيعي رحمه الله: "الجريمة إذا ارتُكِبت في غير إعلان يجب الاستمرار في سترها، ومنع كشفها، وهذا تضييق للعقاب، وجعله رمزاً مانعاً، بدل أن يكون عاماً جامعاً ". تتمة المجموع (22/ 193).
                    وبهذا يتبين أن حد رجم الزاني المحصن أو جلد الزاني غير المحصن لا ينافي النقل ولا العقل، فالله الحكيم الرحيم هو الذي شرع هذا الحد رحمة بعباده ومصلحة لهم.
                    وللاستزادة في هذا الموضوع ينظر كتاب: التشريع الجنائي الإسلامي للعلامة عبد القادر عودة رحمه الله (1/ 636)، وما بعدها، و(2/ 346) وما بعدها.
                    (ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين* وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم).
                    إن الحدود الشرعية كلها رحمة من الله عز وجل بالعباد، وحياة لهم، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:179] وصيانة لأعراضهم وأنسابهم، وحقنا لدمائهم، وحفظا لأموالهم، وتمكينا لأمنهم.
                    فهي من أعظم مصالح العباد، في المعاش والمعاد، وبها يرتدع أهل الشر والفساد، ويأمن ويطمئن أهل الصلاح والسداد.
                    فمنافع ذلك على العباد في دينهم ودنياهم عظيمة، وقد جاء من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَدٌّ يُعْمَلُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِهِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا ثَلَاثِينَ صَبَاحًا»
                    أخرجه النسائي (4904) ابن ماجة (2538) وأحمد (2/402) وابن الجارود في المنقى (801) وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (231) وحسنه قبله المنذري والعراقي، والسيوطي، والمناوي وغيرهم.
                    قال السندي رحمه الله في حاشيته على النسائي: قوله: (خير لأهل الأَرْض) أَي أَكثر بركَة فِي الرزق وَغَيره من الثِّمَار والأنهار من أَن يمطروا.
                    قلت: وهذا الحديث يندرج تحت قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف 96].
                    وقوله عن أهل الكتاب: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: 66].
                    ومن أبرك شيء على الأمة إقامتها لحدود الله في أرضه؛ فإن الناس إذا تجرأوا على حدود الله أصابهم الله بعقاب من عنده، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾[الشورى: 30]
                    وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].
                    وثبت عند ابن ماجة (4019) والحاكم في المستدرك (4/540) وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِنِ ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يَعْمَلُوا بِهَا إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا الزَّكَاةَ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ مَنْ غَيْرِهِمْ وَأَخَذُوا بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَلْقَى اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ». وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع وانظر الصحيحة (106).
                    وقد تضمن هذا الحديث ذكر أعداد من المصائب يصاب بها الأمة جراء إفتئاتهم على بعض أحكام الله وحدوده.
                    وكما أن إقامة الحدود نافعة للأحياء فهي أيضا نافعة نفعا عظيما للأموات المحدودين بتكفير ذنوبهم؛ لحديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى ، فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَصَبْتُ حَدًّا ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا ، فَقَالَ : أَحْسِنْ إِلَيْهَا ، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا ، فَفَعَلَ ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللهِ وَقَدْ زَنَتْ ؟ فَقَالَ : لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى أخرجه مسلم (1696).
                    وبوب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باب الحدود كفارة وساق برقم: (6784) ومسلم في صحيحه (1709) حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ.
                    وثبت بهذا اللفظ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخرجه الترمذي (2625) وهو حديث صحيح.
                    قال الحافظ في الفتح (6784): وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَفَعَهُ مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ نَحْوُ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَفِيهِ فَمَنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ نَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ.
                    قال القرطبي في المفهم: هذا حجة واضحة لجمهور العلماء على أن الحدود كفارات، فمن قتل فاقتص منه لم يبق عليه طلبة في الآخرة؛ لأن الكفارات ماحية للذنوب ومصيرة لصاحبها كأن ذنبه لم يكن. اهـ
                    وقد ورد حديث من حديث أبي هريرة مرفوعا «لَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا»، وهو حديث ضعيف؛ قال البخاري في تاريخه الكبير (1/152) ونقله عنه البيهقي في الكبرى (8/239) رَوَاهُ هِشَامٌ الصَّنْعَانِىُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً. قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ وَلاَ يَثْبُتُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :« الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ». اهـ
                    وقال ابن رجب في الفتح (1/73): وعلى تقدير صحته، فيحتمل أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك قبل أن يعلمه -أي أن الحدود كفارة- ثم علمه فأخبر به جزما.
                    وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (5/286) لَكِنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ أَصَحُّ إِسْنَادًا. اهـ
                    وقد نبه أهل العلم رحمهم الله على أهمية العقوبات الشرعية، وأنها نعمة ورحمة من الله تعالى لعباده:
                    قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى الكبرى (4/593) العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده ، فهي صادرة عن رحمة الخلق ، وإرادة الإحسان إليهم ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم ، والرحمة لهم ، كما يقصد الوالد تأديب ولده ، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض ،
                    وقال ابن القيم في اعلام الموقعين (2/139): الحكمة في شرع الحدود:
                    فكان من بعض حكمته سبحانه ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان الأعراض والأموال كالقتل والجراح والقذف والسرقة فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل ولا في الزنا الخصاء ولا في السرقة إعدام النفس وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وعدله لتزول النوائب وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان ويقتنع كل إنسان بما أتاه مالكه وخالقه فلا يطمع في استلاب غير حقه.
                    وسأل سائل الإمام ابن باز رحمه الله كما في مجموع فتاواه (22/399) فقال: حكمت إحدى المحاكم الشرعية في مدينة تعز بالجمهورية العربية اليمنية برجم امرأة بسبب الزنا، فكان بعض الناس يتردد بالرجم، وحجتهم أنهم يقولون: إنه يتوجب على الراجم شروط: أن يكون الراجم بدون خطيئة، وكلام كثير قيل في هذا، أفيدونا عن ذلك؟ جزاكم الله خيرا.
                    فأجاب: لقد سرني كثيرا حكم المحكمة بتعز برجم الزانية المحصنة، لما في ذلك من إقامة حد الله الذي أهملته غالب الدول الإسلامية، فجزى الله المحكمة خيرا، ووفق حكومة اليمن وسائر الحكومات الإسلامية للحكم بشريعة الله بين عباده في الحدود وغيرها، ولا شك أن في حكمهم بشريعة الله صلاح أمرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وينبغي للمسلمين التعاون في هذا، ومن شارك في رجم الزاني المحصن فهو مأجور، ولا ينبغي لأحد التحرج في ذلك إذا صدر الحكم الشرعي بالرجم، وقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصحابة برجم ماعز الأسلمي واليهوديين والغامدية، وغيرهم، فبادر الصحابة إلى ذلك رضي الله عنهم، ووفق المسلمين السير على منهاجهم في الحدود وغيرها.
                    ولا يشترط في المشارك في الرجم أن يكون معصوما أو سليما من السيئات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشترط ذلك، ولا يجوز لأحد من الناس أن يشترط شرطا لا دليل عليه من كتاب الله سبحانه ولا من سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ

                    تعليق


                    • #85

                      فتأمل أيها المسلم في محاسن هذه الشريعة العظيمة، وما في أحكامها وحدودها من الحكم والمنافع العميمة، لأنها أحكام رب العالمين، العالم بعباده وبمصالحهم ومضارهم في الدنيا والدين، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك:14].
                      فهو سبحانه الذي شرع هذه الأحكام زجرا عن اقتراف تلك الفواحش والآثام.
                      وتأمل عمق فهم أئمة هذا الدين، وحرصهم على مرضاة رب العالمين، وحبهم الخير والنفع والصيانة للمسلمين، محذرين عقوبة الله على سلوك تلك المسالك والتعرض لتلك المهالك، التي دل عليها قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
                      وقد صح عن ابن عُمر رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: مَن حَالت شفَاعَتُهُ دون حَدٍّ من حُدودِ الله، فقد ضادَّ الله. أخرجه أبو داود (3597) وغيره.
                      فإذا كانت الشفاعة المفوتة للحد مضادة لله في حكمه؛ فإن إنكار هذا الحد من أعلى مراتب المضادة والمشاقة لله عز وجل في حكمه والعياذ بالله.
                      وإذا كان بنوا إسرائيل هلكوا بذلك فلماذا نحن نستجلب ما هلكوا به ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337).
                      وفي الصحيحين: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» أخرجه البخاري (3475) ومسلم (1688).
                      فإذا كان ذلك في تعطيل حد من الحدود جزئيا على صنف من الناس مع الاعتراف بأصل شرعيته كان سبب هلاك تلك الأمم قبلنا.
                      فكيف بما يجره هؤلاء العقلانيون من الويل على الأمة بتعطيل بعض الحدود كليا، مع جحود شرعية ذلك الثابتة بالكتاب والسنة، فهذه لا شك أنها دعوة أشأم على المسلمين وأشنع مما جلبه يهود على أنفسهم وغيرهم بسبب العطف المزعوم على أشرافهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
                      وليست الأمة المحمدية مقلدون لليهود في ذلك كما يزعم هؤلاء، بل هذه من شريعة المسلمين، وعليها أدلتهم، وإجماعهم، وكون ذلك نزل على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام في التوراة، فاليهود كتموه وأعرضوا عنه ولم يعملوا به وأماتوه؛ كما دل عليه ما أخرجه البخاري (7543): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى المَرْأَةِ، يَقِيهَا الحِجَارَةَ. وأخرجه مسلم (1699).
                      وأخرج بعده (1700) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟»، قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: «أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ» قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ، وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ»، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: 41] إِلَى قَوْلِهِ {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41]، يَقُولُ: ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا.
                      ففي هذا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم على اليهوديين بما أنزل الله، كما أمره ربه عز وجل بقوله: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49].
                      وكما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قررهم بما في التوراة، وحكم عليهم به أنزل الله فيها، فهو كذلك حكم عليهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أنزل عليه في القرآن الكريم، وهذا يدل على أن هذا الحد كما أنه مأمور به في هذه الملة، فهو مأمور به أيضا في الملل الماضية، ويؤيد ذلك أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم عليهم بما أنزل الله عليه: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَقَالُوا لِي عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ لِرَجُلٍ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا» فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا رواه البخاري (2695) ومسلم (1698).
                      فتأمل طلبهم للقضاء بينهم بكتاب الله وتأكيده ذلك بقوله: «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ» وفيه رجم الزانية المحصنة.
                      ومما يدل على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بينهم بكتاب الله القرآن قول عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه في خطبة الجمعة على رؤوس المهاجرين والأنصار: إِنَّ اللَّهَ قد بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عليه الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عليه آيَةُ الرَّجْمِ قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا فَرَجَمَ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إن طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ ما نَجِدُ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا الله وَإِنَّ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ على من زَنَى إذا أَحْصَنَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أو كان الْحَبَلُ أو الِاعْتِرَافُ اتفق عليه أخرجه البخاري (6830) ومسلم (1691).قال ابن الجوزي في كشف المشكل: فمعنى قول عمر: فيضلوا ـ أن الإجماع انعقد على بقاء حكم ذلك
                      وفي رواية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَذَكَرَ الرَّجْمَ فَقَالَ لا تُخْدَعُنَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى أَلا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ وَلَوْلا أَنْ يَقُولَ قَائِلُونَ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لَكَتَبْتُهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْمُصْحَفِ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَفُلانٌ وَفُلانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ أَلا وَإِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ وَبِالدَّجَّالِ وَبِالشَّفَاعَةِ وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَبِقَوْمٍ يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَمَا امْتَحَشُوا رواه أحمد.
                      قال النووي: قوله ( فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة ) هذا الذي خشيه قد وقع من الخوارج ومن وافقهم وهذا من كرامات عمر رضي الله عنه وَيَحْتَمِل أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ
                      قلت: ونحن مؤمنون بأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبين لكتاب الله قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44].
                      وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء: 113] والحكمة هنا السنة عند جمهور المفسرين.
                      ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3-4].
                      ورب العزة سبحانه يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر:7].
                      ويقول: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [الأحزاب36].
                      ويقول: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
                      فهذه الأدلة وغيرها كثير قاضية بوجوب قبول كل ما ثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون التفات إلى تقسيم السنة تقسيما حادثا إلى متواتر يقبل، وآحاد يرد عياذا بالله من ذلك.
                      قال الحافظ في نزهة النظر: أَنَّهُمْ مُتَّفِقونَ عَلى وُجوبِ العَمَلِ بِكُلِّ مَا صَحَّ، ولوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخانِ.
                      وقال ابن القيم في اعلام الموقعين (3/491): وَاَلَّذِي نَدِينُ الله بِهِ وَلَا يَسَعُنَا غَيْرُهُ وهو الْقَصْدُ في هذا الْبَابِ أَنَّ الحديث إذَا صَحَّ عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يَصِحَّ عنه حَدِيثٌ آخَرَ يَنْسَخُهُ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْأُمَّةِ الْأَخْذُ بِحَدِيثِهِ.
                      والله عزوجل هو الذي شرع أحكامه لخلقه، وليس العبد مشرعا لنفسه ولا لغيره قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * نَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [الجاثية: 18-20].
                      وقال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الشورى:13].
                      وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى:21].
                      وقال تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [يوسف: 40].
                      والقول بإلغاء هذا الحد البالغ الأهمية أو غيره من حدود الله لا قائل به من المؤمنين، ولا سلف لقائله هذا إلا من أنحس الناس على أهل القبلة، وأشد الناس فتنة ونكاية بالإسلام وأهله ممن يدعونه؛ وهم الخوارج، وبعض أفراخهم المعتزلة العقلانين الذين طال اعتداؤهم شريعة الله وكتابه وأسمائه وصفاته، وإجماع المسلمين.
                      قال القرطبي في المفهم (7/216): إذا زنى المحصن وجب الرَّجم بإجماع المسلمين ، ولا التفات لانكار الخوارجِ والنّظَّامِ، الرَّجْمَ ؛ إمَّا لأنهم ليسوا بمسلمين عند من يكفِّرهم ، وإما لأنَّهم لا يعتد بخلافهم ؛ لظهور بدعتهم وفسقهم على ما قرَّرنا في الأصول.
                      وقال النووي عند حديث (3199) وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى وُجُوب جَلْد الزَّانِي الْبِكْر مِائَة , وَرَجْم الْمُحْصَن وَهُوَ الثَّيِّب , وَلَمْ يُخَالِف فِي هَذَا أَحَد مِنْ أَهْل الْقِبْلَة , إِلا مَا حَكَى الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره عَنْ الْخَوَارِج وَبَعْض الْمُعْتَزِلَة , كَالنَّظَّامِ وَأَصْحَابه , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِالرَّجْمِ. ا.هـ
                      ونقل ابن عبد البر في الاستذكار (7/478): الإجماع على ذلك ثم قال:
                      وأما اهل البدع والخوارج منهم ومن جرى مجراهم من المعتزلة فانهم لا يرون الرجم على زان محصن ولا غير محصن ولا يرون على الزناة الا الجلد وليس عند احد من اهل العلم ممن يعرج على قولهم ولا يعدون خلافا.
                      وساق عن بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ايها الناس ان الرجم حق فلا تخدعن عنه فان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد رجم وكذلك ابو بكر ورجمنا بعدهما وسيكون قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم وبالدجال وبطلوع الشمس من مغربها وبعذاب القبر وبالشفاعة وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا
                      قال ابو عمر: الخوارج والمعتزلة يكذبون بهذا كله عصمنا الله من الضلال برحمته. اهـ
                      وقال ابن المنذر في كتابه الإجماع (112): وأجمعوا على أن الحر إذا تزوج تزويجاً صحيحاً، ووطئها في الفرج، أنه محصن يجب عليهما الرجم إذا زنيا.
                      وقال ابن بطال في شرح البخاري (8/431): فالرجم ثابت بسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وبفعل الخلفاء الراشدين، وباتفاق أئمة أهل العلم؛ منهم مالك بن أنس في أهل المدينة، والأوزاعي في أهل الشام، والثورى وجماعة أهل العراق، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. ودفع الخوارج الرجم والمعتزلة واعتلوا بأن الرجم ليس فى كتاب الله تعالى وما يلزمهم من اتباع كتاب الله مثله يلزمهم من اتباع سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله تعالى : ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ [ الحشر: 7 ] فلا معنى لقول من خالف السنة وإجماع الصحابة واتفاق أئمة الفتوى ولا يعدون خلافًا.
                      وقال ابن حزم في المحلى (11/231): اتَّفَقُوا كلهم حَاشَ من لاَ يُعْتَدُّ بِهِ بِلاَ خِلاَفٍ وَلَيْسَ هُمْ عِنْدَنَا من الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا إنَّ على الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ إذَا زَنَيَا وَهُمَا مُحْصَنَانِ الرَّجْمَ حتى يَمُوتَا.
                      وقال ابن رشد في بداية المجتهد (2/434) فَأَمَّا الثُّيَّبُ الْأَحْرَارُ الْمُحْصَنُونَ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ حَدَّهُمُ الرَّجْمُ إِلَّا فِرْقَةً مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ حَدَّ كُلِّ زَانٍ الْجَلْدُ.
                      وقال ابن قدامة في المغني (9/35): وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا إلَّا الْخَوَارِجَ.
                      وقال العيني في عمدة القاري (24/41): اسْتِحْقَاق الزَّانِي الْمُحصن للْقَتْل وَهُوَ الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ، وَأجْمع الْمُسلمُونَ على ذَلِك.
                      قال الجصاص في أحكام القرآن (5/105) وقد أنكرت طائفة شاذة لا تعد خلافا الرجم وهم الخوارج وقد ثبت الرجم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبنقل الكافة والخبر الشائع المستفيض الذي لا مساغ للشك فيه وأجمعت الأمة عليه فروى الرجم أبو بكر وعمر وعلي وجابر بن عبدالله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وزيد بن خالد في آخرين من الصحابة..
                      والحاصل: أن منكري ذلك على خطر عظيم:
                      قال القاضي عياض رحمه الله في الشفا (2/238): وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب، أو خص حديثاً مجمعاً على نقله مقطوعاً به، مجمعاً على حمله على ظاهره ، كتكفير الخوارج بإبطال الرجم. اهـ
                      وقال ابن حزم في طوق الحمامة (287) وقد أجمع المسلمون إجماعاً لا ينقضه إلا ملحد أن الزاني المحصن عليه الرجم حتى يموت.
                      وقال الزجاج في معاني القرآن (2/178): وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ أي من زعم أن حكماً من أحكام اللَّه التي أتَتْ بها الأنبياءُ عليهم السلام باطل فهو كافر، أجمعت الفقهاءَ أن من قال إِن المحصَنَين لا يجب أن يرجما إذا زنيا وكانا حُرَّين كافِرٌ، وإنما كفر من رد حكماً من أَحكام النبي ﷺ لأنه مكذِبٌ له، ومن كذب النبي فهو كافر. اهـ
                      وكذا قال الأزهري في تهذيب اللغة (10/112).
                      وكذا قال النحاس في معاني القرآن (2/315): وقد أجمعت الفقهاء على أنه من قال لا يجب الرجم على من زنى وهو محصن أنه كافر. اهـ وكذا قال ابن منظور في لسان العرب (5/145).
                      هذا ما قصدناه من الرد على منكري عقوبة الرجم في الإسلام بدافع الرحمة.
                      وصدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فما تَعَارَفَ منها ائْتَلَفَ وما تَنَاكَرَ منها اخْتَلَفَ».
                      وجاء عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: ما أسر عبد بسريرة إلا رداه الله رداء مثلها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر أخرجه أبو داود في الزهد (100).
                      قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة (355): ولهذا جاء عن عثمان أو غيره أنه قال: ما أسر أحد بسريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه. اهـ.
                      وقد وضعت الشريعة شروطاً من الصعب جداً توافرها قبل إيقاع العقوبة، فإن لم تتوافر هذه الشروط مجتمعة لا يقام الحد على صاحب الجريمة جلداً كان أو رجماً، فهذه الجريمة لا تثبت إلا بشهادة أربعة شهود عدول يشهدون عند القاضي أنهم رأوا الرجل والمرأة يزنيان، قال الله تعالى: ﴿ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النور:13].

                      وقد فرضت الشريعة عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف رجلاً عفيفاً أو امرأة عفيفة بالزنا ثم لم يأت بأربعة شهداء، قال الله: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور:4].

                      حتى لو شهد ثلاثة على رجل أو امرأة بالزنا، وذكروا أنهم رأوا منهما الزنا بلا خفاء، فإن هؤلاء الشهود الثلاثة يجلدون، ويَسلم الرجل والمرأة من حد الزنا؛ لكون الشهود لم يكونوا أربعة!
                      قد قرر الفقهاء أنَّ الزاني إذا تاب قبل القدرة عليه، فإن التوبة تُسْقِط عنه الحد، وإذا رجع عن إقراره وكذَّب نفسه لم يُقم عليه الحد، وإذا اختلف الشهود في وصف الحادثة يسقط الحد عن المتهمين بالزنا ويجلد الشهود حد القذف!! بل لو أقر رجل بأنه زنى بامرأة وسمّاها، فإنه يُقام الحد عليه وحده، ولا يقام على تلك المرأة إلا إذا أقرت!

                      ومن القواعد الشرعية المعروفة: «ادرءوا الحدود بالشبهات»، فأي شبهة فإنها تكون في صالح المتهم، ويجب على القاضي أن يسقط الحد عن الرجل أو المرأة بأدنى شبهة.

                      وقد رغَّبت الشريعة الإسلامية في الستر على عورات المسلمين، وإمساك الألسنة عن ذكر الفاحشة إن وقعت، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور:19].

                      وحين أقر ماعز الأسلمي رضي الله عنه بالزنا لم يستعجل النبي صلى الله عليه وسلم في رجمه، بل حرص على أن يجد أي مسوغ لمنع إقامة الحد عليه، وعاتب الرجل الذي حثه على الإقرار وتمنى أنه ستره، فعن نعيم بن هزال رضي الله عنهما عن أبيه ((أنَّ ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه، وقال لهزال: لو سترته بثوبك كان خيراً لك)). رواه أبوداود (4377)، وهو في السلسلة الصحيحة (3460).

                      فهل بعد هذا كله يُقال: إنَّ جلد الزاني غير المحصن، ورجم الزاني المحصن يُنافي رحمة الشريعة وحكمتها؟!.
                      ماذا يبقى للإنسان من آدميته وكرامته إذا تُركت هذه الفاحشة يُعلن بها أمراض القلوب من غير استحياء، ثم لا يمنعهم أحد من هذه الفاحشة؟! إن من يتجرأ على هذه الفعلة الشنيعة، ثم افتضح حاله حتى يراه هذا العدد في ذلك الوضع؛ لهو إنسان مفسد ضال مضل، ولو لم يتم بتره أو تربيته فإنه يشكل خطراً عظيماً على المجتمع كله.

                      ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
                      ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8]

                      ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
                      هذا والله ولي التوفيق وحق النقل والاقتباس والطبع مكفول لكل مسلم وسلمة حتى ولو لم يشر إلى المصدر المنقول عنه.
                      وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
                      اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	image.png 
مشاهدات:	132 
الحجم:	8.5 كيلوبايت 
الهوية:	828108


                      وكان الفراغ منه في الأول من يونيو 2021م.
                      زهدي جمال الدين محمد
                      الإسكندرية. جمهورية مصر العربية.

                      تعليق


                      • #86
                        الملفات المرفقة

                        تعليق

                        مواضيع ذات صلة

                        تقليص

                        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                        ابتدأ بواسطة محمد خالد, منذ 4 يوم
                        رد 1
                        21 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                        بواسطة *اسلامي عزي*
                         
                        ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 9 فبر, 2024, 12:46 ص
                        ردود 0
                        11 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                        بواسطة *اسلامي عزي*
                         
                        ابتدأ بواسطة Islam soldier, 20 نوف, 2023, 02:31 ص
                        ردود 0
                        71 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة Islam soldier
                        بواسطة Islam soldier
                         
                        ابتدأ بواسطة خادم للجناب النبوى الشريف, 23 أكت, 2023, 11:49 م
                        ردود 0
                        58 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة خادم للجناب النبوى الشريف  
                        ابتدأ بواسطة خادم للجناب النبوى الشريف, 22 أكت, 2023, 06:48 ص
                        ردود 0
                        29 مشاهدات
                        0 معجبون
                        آخر مشاركة خادم للجناب النبوى الشريف  
                        يعمل...
                        X