الغلو ... رهان خاسر على الحق

تقليص

عن الكاتب

تقليص

عزام رائد مسلم اكتشف المزيد حول عزام رائد
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الغلو ... رهان خاسر على الحق


    من طبيعة الإنسان الذي وهبه الله عقلاً أن يستعمل عقله ليبحث عن الحق و يعتقد به , و عندما ننظر إلى عقل في مهده وهو يريد أن يحدد الحق و هو لم يتخذ موقفاً من شيء بعد , و ليس له إلا ما ورثه من أفكار و معتقدات من و
    الديه , فما أمامه ليس الطرق و المواقف و العقائد فقط , بل إن أمامه أيضاً دربين فكريين
    فإما الغلو ...
    و إما الإنصاف ...

    و يحدد الدربين شخصيته نفسها , فإن غلبت العاطفة على العقل تولد الغلو , لأن الإعتقاد هنا اصبح عاطفياً , أما إن غلب العقل على العاطفة فصاحبه يتجه إلى الإنصاف , و بكون أغلب البشر عاطفيين فإنهم يتجهون إلى الغلو طبيعياً , و الغلو ثلاثة مستويات تعتمد على الشخصية بشكل رئيسي و على الإعتقاد بخصوص المستوى الثالث و المستوى الأول الإعتقاد و سيبدأ بأن يرى بداية أو واجهة المعتقد و إن أعجبته أكمل و إن لم تعجبه تركها خصوصاً ان الهؤلاء يحكمون بعاطفتهم , و سيوجهون أنفسهم في ما سيقرأونه عاطفياً , فعندما يقرأون شيئاً ما لم يكن لهم علم فيه و وجدوا فيه الدهشة , فإنه من المنطقي عندهم أن يختاروا كتباً توافق ما قرأوه , و تضيف عليها أدلة أكثر لتوثقها أكثر و عندما يصبح له إنتماء لإعتقاد معين فإنه سيظهر إعتقاده , و هذا سينجذب إليه أشخاص يشابهونه في المعتقد , و سيوثقون له ما إعتقد به و يضيفون عليها أدلة أكثر و توثيقات أكثر , و هذا كله ليس على جبهة واحدة من فكره , و إنما على عدة جبهات , و عندما تترابط أفكاره و إعتقاداته و تتمحور و تسد ثغرات بعضها فإنها تصبح
    قناعة كاملة قد تتطور لتشمل موقفه من الحياة بأكملها .

    و بطبيعة الحال فكونه عاطفياً يعني أنه لن يقرأ ما لا يعجبه , و سيبتعد عن من يخالفه بالرأي و يتجنب الردود , و بدل أن يتجه إلى عرض أفكاره على إمتحان عند من خالفه , فإنه يتجه لتوثيقه أكثر عندما يتجه إلى وسط يشابهه في الإعتقاد , و عند الوصول إلى القناعة الكاملة فإنه يكون قد وصل إلى الغلو مادام إستخدم الطريق العاطفي الإنتقائي في الوصول إلى القناعة .

    و لنمثل على المستوى الأول بناقدي الإسلام , فعندما يكون هناك مثلاً مخالف _مسيحي أو ملحد
    مثلاً_ على فطرته و ما ورثه و لا يعرف مسلماً ولا يقرأ عن الإسلام , و يظن أن الإسلام ديانة مخالفة بعيدة و لا دخل له فيها , و فجأة في يوم من الأيام و هو يتصفح في الإنترنت وجد عنواناً مثيراً للإهتمام " الإسلام يبيح إرضاع الكبير " و بكونه عنواناً قد يجذبه ليس فقط لحب الإستطلاع و إنما مثيراً جنسياً له فإنه سيقرأه , و سيكون شيئاً عجيباً غريباً و موضوعاً مثيراً للإهتمام و لا استبعد أن يصدمه ! , و مع عدم وجود خلفية علمية له عن الإسلام ليفهم أن هذا منسوخ , و أنه حكم قديم , و أنه لا تفعيل له الأن , و انه لا يكون بطريقة مباشرة , و ما إلى من العلوم المتقدمة _التي ستبدوا مملة للقرائة و ليست موضوع بحث مهم بالنسبة له_ و أيضاً مع عناوين التوثيق التي يراها مثل "كل هذا الكلام من أصح كتب المسلمين التي يعترفون بها" أو "هذا كلام شيوخهم و رجال دينهم و علمائهم" فسيقتنع بهذه الفرية تماماً !

    بعدها قد يبحث عن مواضيع مرتبطة , أو ستكون موجودة بإقتراحات على نفس الموقع الذي قرأ فيه الموضوع فقد يقرأ مثلاً ...
    تعدد الزوجات في الإسلام ...
    الإسلام و ملكات اليمين و السبايا ....
    زواج المحارم ...
    و سيبتعد قليلاً ليرى ... القتال في الإسلام ...
    قتل المرتد في الإسلام ...
    قطع اليد و الجلد و الرجم ...
    قليلاً فقليلاً و هو يقرأ مصدوماً مسكيناً
    فليس لديه إلا التصديق و تحكيم العواطف في هذه المواضيع كون العقل معطلاً لأنه ليس لديه معطيات التفكير السليم الصحيح الذي سيشرح له كل شيء , و الذي سيرشده ليقبل فيها هذا الكلام برحابة صدر و يعلم أنه صحيح , أو يرفضه على أنه كذب .

    ثم تأتي المرحلة الثانية في المستوى الأول , فهذا الشخص سينشر أفكاره و يعلن عن إعتقاده المعادي للإسلام , لكن و لأنه عاطفي يحب البطولة فلن ينشرها على مسلمين حتى يتم تجاهله او رجمه بالنعال ! بل سينشرها على من سيشكره على هذا , الأداء و يقدر فعله و يجعله يحس بالبطولة ! و عندما يعلن سيأتيه أصدقاء على شاكلته ! و سيوثقون له إعتقاده المعادي للإسلام , و يعد فترة أطول سيربط الأفكار ببعضها لتصبح قناعة كاملة عنده , و كل هذا لأنه رأى ما أراده بعض الناس أن يراه , و سيقول في هذه المرحلة
    _القناعة الكاملة_ أن الإسلام دين سيء من عند الشيطان جاء به مدعي نبوة كاذب يعبد الشيطان في السر و كان طول عمره سيئاً و نشر الإسلام بالسيف , و بعد جيل أصبح الإسلام ينتشر بالوراثة , و يزيد عدد المسلمين بسبب الجنس و تعدد الزوجات , و كل ما جاء من ردود أو تجميلات للإسلام هي تبريرات و أكاذيب إسلامية دسوها في كتبهم حتى يجملوا دينهم , عندما يصل إلى هذه المرحلة فقد أصبح عسيراً جداً على تصحيح فهمه و التواصل معه فعندما يصل أي إنسان إلى القناعة فلن يتعب نفسه في النظر لكلام مخالفه , لأنه سيصبح بالنسبة له تبريرات لتجميل ما إدعى عليه وهو في النهاية لن يعجبه و ما لا يعجبه ... ببساطة .. لن يقرأه !

    بينما نجد في الطرف الأخر الذين يقدمون العقل على العاطفة
    _و لن نفصل هنا_ , و هؤلاء ينتهون إلى الإنصاف , فردة فعلهم على كل شيء غريب غير موافق للعقل تكون بالرفض حتى يثبت , فهم و على عكس العاطفيين عندما يرون موضوع مثير للإهتمام _و لنعد إلى مثال المخالف الأول و لنعدل في شخصيته قليلاً و نقدم عقله على عاطفته_ كإرضاع الكبير , مبدأياً سيرفضه لأنه ببساطة غير منطقي فلم يمر عليه مثل هذا الكلام من قبل , و لم يسمع بحوادث توثق الكلام , و لا يظن أن عاقلاً يقبله على نسائه ! و عندما تجره باقي المواضيع بدلاً أن يبحث عن البطولة عاطفياً , سيبحث عن الحق بإمتحان صحتها عند من خالفه , فسينشرها على المسلمين بدل أن ينشرها على من يوافقه , و قد يفهم الرد و قد لا يفهمه , و إن فهمه فسيبطله , و إن لم يفهمه فسيبحث و يقرأ في المنهجيات التي ستوضح له الصحيح من السقيم مستقبلاً , و بهذا سيصل إلى الإنصاف بعدم إثبات إلا ما ثبت و إبطال كل ما لا يثبت .

    و لنكمل في الغلو لنصل إلى
    المستوى الثاني ... فالغلو مقامرة خطيرة كون من يسلك هذا الطريق سيتعذر عليه العدول عنه لاحقاً إن إكتشف بطلانه , خصوصاً ان نفسه تقف في طريقه و سيكون بشكل طبيعي قد وثق علاقاته مع أصدقاء على شاكلته و قام بالكثير من العداوات مع من غلاة ضدهم , بالتالي فإنه إن غلا على طريق باطل فسيكون في وضع سيء فعلاً إذ أنه سيتعذر عليه إختيار الحق بعدها , عدا عن أنه إن أصابته شبهة أو طعن في جزء من معتقده فسيتعذر عليه تغييره لأنه مترابط بباقي الأجزاء مما قد يهدم قناعته الكاملة عن الحياة إن أسقط هذا الجزء من القناعة , و هذا سيجبره على أن يبحث في الأساسيات المملة المضجرة الطويلة و سيكون عليه إعادة بناء قناعة كاملة جديدة عن الحياة أو عن ما يعتقد فيه , و كونه عاطفي منذ أصلاً فهذا سيجعله يرفض خدش أي جزء من معتقده , مما سيوصله إلى محطتين خطيرتين تشكلان المستوى الثاني من الغلو و هما ....
    التعصب ...
    و العناد ...

    و النبدأ بالتعصب إذ انه سيبدأ
    بتقديس معتقده و عصمه عن الخطأ و هذا سيكون كارثة لو أنه كان على باطل ! و سيكون كل ما عاداه خطأً باطلاً غير مقبول في أي وجه من الوجوه , و هنا ستيدأ العداوة للأخر و رفضه .
    أما العناد فسيكون أكثر خطراً , إذ انه عندما يناقش أحداً في موضوع ما في معتقده , و تم هزمه و تفنيد ما يعتقد به , فهنا
    ستكون ردة فعله عاطفية تماماً و قد يغضب و ينفي صحة أي شيء قاله خصمه و سيرفضه دون حجة أو بينة , و سيحاول أن ينسى أو يتناسى ما سمعه ليحافظ على سلامة معتقده .

    و سنجد العكس تماماً في من حكم عقله على عاطفته منذ البداية إذ انه لن يجد صعوبة في تغيير معتقده و لن نفصل في هذا المجال .

    ثم يأتي
    المستوى الثالث من الغلو وهو الأخطر , و هو الأخطر ليس فقط لأنه سيوصل لسفك الدم , بل لأن صاحبه لم يعد يريد أن يتحكم في معتقده فقط بل في ما يريد سماعه من الأخر فسيسعى لإسكاته , فعندما يوجد تعصب و عناد و يكون المعتقد الفكري ضعيفاً بذاته فإن معتنقيه إن كانو جماعة و كانوا كثراً فإنهم سيحاولون إسكات من خالفهم أو سيلجأون لمحو من يشكل خطراً على معتقدهم , و ما من محو غير القتل ! و قد كثر هذا في التاريخ و تعددت مستوياته فمنه ما يكون بإعلان الحرب على طائفة لمحوها من الوجود , و منه ما يكون بإغتيال المحاورين و الأقلام , أما تعدد مستوياته و أشكاله فسببه هو تغير موقع صاحب الغلو من موقف لأخر فقد يكون سلطة حاكمة و المنصف هو طائفة في الدولة , و قد يكون العكس إذ قد تكون السلطة سلطة إنصاف , و صاحب الغلو يكون جماعة , و قد لا يكونان في الموقفين جماعة بل فرداً , و قد يكون المنصف فرد و الغالي فرد أيضاً , و قد يكونان جماعتين أو طائفتين أو دولتين فتعلن إحداهما الحرب على الأخرى , و الباحث في التاريخ يرى أن الكثير من الحروب و الإغتيالات و الإبادات في التاريخ حصلت على هذا النهج .

    و لهذا فإن الغلو باطل و إن كان في حق لانه يخرج الحق من أحقيته فما من حق فيه غلو , و الإنصاف حق و إن كان على باطل فإن الإنصاف طريق إلى الحق و لن يوصل صاحبه إلا لحق , فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا و إياكم منصفين و أن يجمعنا و إياكم في أعلى عليين و الحمد لله رب العالمين .

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 14 ديس, 2022, 12:33 م
ردود 4
45 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
 
ابتدأ بواسطة عبدالمهيمن المصري, 23 أغس, 2022, 03:05 ص
رد 1
214 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عبدالمهيمن المصري  
ابتدأ بواسطة باحث73, 7 أبر, 2022, 03:05 ص
ردود 0
64 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة باحث73
بواسطة باحث73
 
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 24 نوف, 2021, 07:44 م
ردود 14
126 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
 
ابتدأ بواسطة متعلم, 14 أكت, 2021, 01:12 م
رد 1
77 مشاهدات
1 معجب
آخر مشاركة د. نيو
بواسطة د. نيو
 
يعمل...
X